.تابع
السَّلفيَّةُ هيَ مذهبُ الإمامِ مالكٍ، ومذهبُ الإمامِ مالكٍ هو السَّلفيَّةُ - ج2
3 ـ السّلفيَّةُ هي الرُّجوعُ إلى الدِّينِ الّذي كانَ عليهِ السَّلَفُ الصَّالِحون والوُقوفُ حيثُ وقفُوا:
ـ قال أبو إسحاق الفَزَاريّ: «مَالِكٌ حُجَّةٌ رَضِيٌّ كَثِيرُ الاِتِّبَاعِ للآثَارِ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/153)].
ـ ذُكَِرَ عن مالك بن أنس رجلٌ يقول: أنا عند الله مؤمن، قال السّائلُ للإمام: وما أنكرتَ مِنْ قولِهِ يا أبا عبد الله! فسكتَ عنِّي وأَطْرَقَ ساعَةً، ثمّ قالَ: «لَمْ أَسْمَعْ السَّلَفَ يَقُولُونَهُ». [رواه الخطيب في «تاريخ بغداد»(6/108)].
ـ قالَ أشهب: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «إيَّاكُمْ والبِدَع! قيلَ: يا أبا عبد الله! ومَا البِدَع؟ قالَ: أهلُ البِدَعِ الَّذِين يَتَكَلَّمُونَ في أسماءِ اللهِ وصفاته وكلامِهِ وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ، ولاَ يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ والتَّابِعُونَ لهُمْ بإِحْسَانٍ» [رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (858)].
ـ قال أبو طالبٍ المكّيّ: «كان مالكٌ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ مَذَاهِبِ المُتَكَلِّمِينَ وَأَشَدَّهُمْ بُغْضاً –أو نَقْضًا- للعِرَاقيِّينَ،وأَلْزَمَهُمْ لِسُنَّةِ السَّالِفِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/39)].
ـ وأنكرَ مالكٌ كثيرًا مِن المسائل، وقالَ فيها: «لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَمْرِ القَدِيم، وإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أُحْدِثَ، وَلَمْ يَأْتِ آخِرُ هذِهِ الأُمَّةِ بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا» [«الاِعتصام» للشّاطبيّ]، وقال:«ولا يُصْلِحُ آخِرَ هذهِ الأُمَّةِ إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا، ولم يَبْلُغْنِي عن أَوَّلِ هذهِ الأُمَّةِ وصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ» [«الشّفا» للقاضي عياض(2/88)]، وقال: «مِن العِبْرَةِ أنَّ مَنْ مضى لم يَكن يفعلُ ذلكَ»[«الجامع» لابن أبي زيد(ص227)].
4 ـ السّلفيَّةُ هيَ النُّفُور مِنَ البِدَع ومُخَالفةِ السُّنَن والإحْدَاثِ في الدِّين ما ليسَ منهُ:
ـ «وقد كان مالِكٌ يَكْرَهُ كُلَّ بدعةٍ، وإِنْ كَانَتْ فِي خَيْرٍ»[رواه ابن وضّاح في «البدع والنّهي عنها»].
ـ قال سفيان بن عيينة: سألتُ مالكاً عَمَّنْ أَحْرَمَ مِن المدينةِ وَرَاءَ المِيقات، فقال: «هذا مُخَالِفٌ للهِ ورسُولِهِ، أَخْشَى عليهِ الفِتْنَةَ في الدّنيا والعذابَ الأليم في الآخرة، أَمَا سمعتَ قولَهُ تعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾، ومِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وسلّم) أَنْ يُهِلَّ مِنَ المِيقَات» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/40)].
ـ جاء رجلٌ إلى مالِكٍ وسَأَلَهُ عن مسألةٍ، فقالَ لهُ: «قالَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) كَذَا»، فقالَ الرّجُلُ: أَرَأَيْتَ...، قالَ مالِكٌ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(6/326)].
ـ وقالَ مالِكٌ: «مَنْ أَحْدَثَ في هذه الأُمَّةِ شيئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) خَانَ الدِّينَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا لاَ يَكُونُ اليَوْمَ دِينًا»[«الاِعتصام»للشّاطبيّ].
ـ وقالَ مالكٌ: «مَا قَلَّتِ الآثَارُ في قَوْمٍ، إلاَّ ظَهَرَتْ فِيهِم الأَهْوَاء» [رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (869) والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (384)].
ـ وقال عبد الله بن نافع: سمعتُ مالكَ بن أنسٍ يقولُ: «...مَن مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيبْشِرْ، مَنْ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيُبْشِرْ، مَنْ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيُبْشِرْ» [رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (866)].
5 ـ السّلفيَّةُ هي دعوةُ التَّعلُّم والتّفقُّه في الدِّين:
ـ قالَ عُبيد بن أبي قُرَّةَ: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾، قالَ: «بِالعِلْمِ» [رواه البيهقيّ في «المدخل إلى السّنن» (251)].
ـ قالَ سعد بن عبد الحميد بن جعفر: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ يَكُونُ عندَهُ العِلْمُ أَنْ يَتْرُكَ التَّعَلُّمَ» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (376)].
ـ قالَ خالد بن خداش: وَدَّعْتُ مالكَ بنَ أنسٍ، فقلتُ: يا أبا عبد الله! أَوْصِنِي، قالَ: «تَقْوَى اللهِ، وطَلَبُ العِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ»[رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (873)].
ـ قال سعيد بن بشيرٍ –وقد كان يقراُ على مالكٍ موطَّأَهُ-: قال لي: «يا ابنَ أخي! تَفَقَّهْ تَعْلُ-مِن العُلُوّ-، تَفَقَّهْ يَرْفَعْكَ اللهُ بالعِلْمِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، واعْلَمْ يا ابْنَ أَخِي! أنَّ العِلْمَ لاَ يَحْتَمِلُ الدَّنَس، وَفَّقََكَ اللهُ، أَرْشَدَكَ اللهُ، سَدَّدَكَ اللهُ» [رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (51/290)].
6 ـ السّلفيَّةُ هيَ دعوةُ العَمَل بالعلمِ والتَّزكيَةِ للنَّفسِ:
ـ قال ابنُ وهب: قيلَ لمالكِ بنِ أنسٍ: مَا تَقُولُ في طَلَبِ العِلْمِ؟ قالَ: «حَسَنٌ جَمِيلٌ، ولكن انْظُرِ الَّذِي يَلْزَمُكَ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إِلَى حِينِ تُمْسِي فَالْزَمْهُ» [رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/319)].
ـ وقالَ مالِكٌ: «وَحَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وخَشْيَةٌ، والعِلْمُ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَهُ..»[رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/320)].
ـ وقالَ خالد بن نزار: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ لفَتًى مِن قُرَيْشٍ: «يَا ابْنَ أَخِي! تَعَلَّمِ الأَدَبَ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ العِلْمَ» [رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/330)].
7 ـ السّلفيَّةُ هي دعوةُ التَّعليم ونَشْرِ العِلْمِ والسُّنَن:
ـ قال أَسَدُ بن الفرات عن رحلتِهِ إلى الإمامِ مالكٍ: ... فَلَمَّا ودَّعْتُهُ حينَ خُرُوجي إلى العراق، دَخَلْتُ عليه وصَاحِبَانِ لِي، وهُمَا: حارِث التّميميّ وغالِبٌ صِهْرُ أَسَدٍ، فقُلْنَا لَهُ: أَوْصِنَا، ... وَقَالَ لصاحِبَيَّ: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ والقُرْآنِ ونَشْرِ هَذَا العِلْمِ» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض].
8 ـ السّلفيَّةُ عِمَادُهَا الأحاديثُ والآثار فَهيَ تَصْدُرُ عن الوَحْيِ المعصُوم، ولا تُقلِّدُ دِينَهَا آرَاءَ الرِّجَال، فلا عِصْمَةَ لأَحَدٍ دُونَ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليهِ وسلّم):
ـ قال مالِكٌ: «كلُّ أَحَدٍ يُؤخَذُ من قولهِ ويُترك إلاَّ صاحبَ هذا القبرِ، يعني النّبيَّ (صلّى الله عليه وسلّم) »[«الاِعتصام» للشّاطبيّ].
ـ قال مالكٌ: «قُبِضَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) وقَدْ تَمَّ هَذَا الأَمْرُ واسْتَكْمَلَ، فيَنْبَغِي أَنْ تُتْبَعَ آثَارُ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابِهِ، ولاَ يُتْبَع الرَّأْي..» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (1102) وهو في«الاِعتصام»للشّاطبيّ].
ـ قال أشهب: رآني مالكٌ أكتبُ جوابَهُ في مسألةٍ، فقال: «لا تَكْتُبْهَا؛ فإنِّي لا أدري أَأَثْبُتُ عليها أَمْ لا؟» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/190)].
ـ قال مَعْنُ بن عيسى: سمعتُ مالكاً يقول: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِىءُ وأُصِيبُ؛ فانْظُرُوا في رَأْيِي، فَكُلّ مَا وَافَقَ الكتابَ والسُّنَّةَ فخُذُوا بِهِ، وكلّ مَا لَمْ يُوَافِقِ الكتابَ والسُّنَّةَ فَاتْرُكُوهُ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/182-183)].
ـ قال مَعْنُ: سمعتُ مالكاً يقولُ: «إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ أُخْطِىءُ وأَرْجِعُ، وكُلَّمَا أَقُولُ يُكْتَبُ؟!» [«ترتيب المدارك»للقاضي عياض].
ـ قالَ ابنُ وهب: سمعتُ مالِكًا سُئِلَ عن تخليل أصابع الرِّجلين في الوُضوء، فقال: «ليس ذلكَ عَلَى النّاس»، قال: فترَكْتُهُ حتَّى خَفَّ النَّاس، فقلتُ له: عندنا في ذلك سُنَّةٌ، فقالَ: «وَمَا هِيَ؟» قلتُ: حَدَّثَنَا ... –وذكَرَ السَّنَدَ- عن المستورِد بن شدّادٍ القُرشيّ، قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) يَدْلِكُ بخِنْصَرِهِ ما بينَ أصابِعِ رِجْلَيْهِ، فقالَ: «إنَّ هذا الحديثَ حَسَنٌ، وما سمعتُ بِهِ قَطُّ إلاَّ السَّاعَةَ». ثمّ سمعتُهُ بعدَ ذلك يُسْأَلُ، فيَأْمُرُ بتَخْلِيلِ الأصابِعِ [رواه ابن أبي حاتم في«الجرح والتّعديل» (1/31-32)].
ـ قال القعنبيّ: دخلتُ على مالكٍ في مرضِهِ الّذي مَاتَ فيهِ، فسلّمْتُ عليه، ثمّ جلستُ، فرأيتُهُ يبكي، فقلتُ: يا أبا عبد الله! مَا الّذي يُبْكِيكَ؟ فقالَ: «يا ابنَ قعنبٍ! ومالي لا أَبْكِي، ومَنْ أَحَقُّ بالبُكَاءِ مِنِّي، واللهِ لوَدِدْتُ أَنِّي ضُرِبْتُ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ أَفْتَيْتُ بِهَا برَأْيِي بسَوْطٍ، ولقد كانت لي السَّعَةُ فِيمَا سَبَقْتُ إِلَيْهِ، ولَيْتَنِي لََمْ أُفْتِ بِالرَّأي» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (1086)].
9 ـ السَّلفيَّةُ لا تُعَرِّضُ دِينَها لخُصُومَاتِ المُخاصِمين ولا لِتَلاَعُبات المُتلاعِبين ولاَ لِمُجادَلاتِ المُجادِلين المُشكِّكِين؛ لأنَّ أساسَها واضِحٌ متينٌ، وهِيَ لا تشُكُّ في دِينِها:
ـ قال مالِكٌ: «مَهْمَا تَلاَعَبْتَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، فَلاَ تَلاَعَبَنَّ بأَمْرِ دِينِكَ» [رواه اللاَّلَكَائيّ في «أصول الاِعتقاد»(261)].
ـ وقال مالِكٌ: «كان يُقالُ: لا تُمكِّن زائغَ القلبِ من أُذُنيكَ، فإنَّكَ ما تدري ما يعلِقُكَ مِن ذلك..»[«الجامع»لابن أبي زيد(ص152)]...