كان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس بالرسول محمد خَلقاً وخُلُقاً، فعن علي بن أبي طالب أن النبيَّ محمداً قال: «وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأنت من عترتي التي أنا منها»،
[4] وبعدما قُتل حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، اختصم علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنته أمامة بنت حمزة، فقال علي: «أنا أخذتها وهي ابنة عمي»، وقال جعفر: «ابنة عمي، وخالتها تحتي»، وقال زيد: «ابنة أخي»، فقضى بها النبيُّ محمدٌ لخالتها (أي لزوجة جعفر)، وقال: «الخالة بمنزلة الأم»، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، قال علي: «ألا تتزوج ابنة حمزة»، قال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة».
[60][61]وعن أبي هريرة أنه قال: «قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة»». كما روي عن أبي هريرة أنه قال: «ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من جعفر».
[4][8][9]وقد كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويُحسن إليهم ويخدمهم، حتى سُمي
أبا المساكين، فعن أبي هريرة أنه قال: «إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا، فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها».
[4] وقال أبو هريرة أيضاً: «كان جعفر يحبّ المساكين، ويجلس إليهم، ويخدمهم ويخدمونه، فكان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُكنيه أبا المساكين».
[9]كما كان لجعفر بن أبي طالب مكانة عظيمة في نفوس الصحابة، قال عبدُ الله بنُ جعفر: «كنت إذا سألت علياً شيئاً فمنعني، وقلت له: بحق جعفر، إلا أعطاني»،
[8] وقال: «كان عمر بن الخطاب إذا رأى عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين».
[4]زوجته وذريتهأسماء بنت عميس
أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم بن أنمار، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية. أسلمت قديماً، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فولدت له بالحبشة عبد الله، وعوناً، ومحمداً، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قُتل عنها جعفر بن أبي طالب تزوجها أبو بكر الصديق، فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى، لا خلاف في ذلك. وأسماء أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي محمد، وأخت أم الفضل امرأة العباس، وهي أخت سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب، وكانت أسماء بنت عميس أكرم الناس أصهاراً، فمن أصهارها النبيُّ محمدٌ وحمزة والعباس وغيرهم. وقال لها عمر بن الخطاب: «نِعم القوم لولا أنا سبقناكم إلى الهجرة»، فذكرت ذلك للنبي فقال: «بل لكم هجرتان إلى أرض الحبشة وإلى المدينة».
[62]عبد الله بن جعفر بن أبي طالبعبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، له صحبة، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولد بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة، وهو أخو محمد بن أبي بكر الصديق، ويحيى بن علي بن أبي طالب لأمهما. روى عن النبيِّ محمدٍ أحاديث، وروى عن أمه أسماء، وعمه علي بن أبي طالب، وروى عنه بنوه: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، ومحمد بن علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والشعبي، وغيرهم. توفي الرسولُ محمدٌ ولعبد الله عشر سنين.
[63]كان عبد الله كريماً جواداً حليماً، يسمى بحر الجود، فقد رُوي أن عبد الله بن جعفر أسلف الزبير بن العوام ألف ألف درهم، فلما قتل الزبير، قال ابنه عبد الله لعبد الله بن جعفر: «إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم»، فقال: «هو صادق فاقبضها إذا شئت»، ثم لقيه فقال: «يا أبا جعفر، وهمت، المال لك عليه»، قال: «فهو له»، قال: «لا أريد ذاك»، قال: «فاختر إن شئت فهو له، وإن كرهت ذلك فله فيه نظرة ما شئت، وإن لم ترد ذلك فبعني من ماله ما شئت»، قال: «أبيعك ولكن أقوم»، فقوم الأموال ثم أتاه، فقال: «أحب أن لا يحضرني وإياك أحد»، فانطلق، فمضى معه فأعطاه حراباً وشيئاً لا عمرة فيه وقومه عليه، حتى إذا فرغ قال عبد الله بن جعفر لغلامه: «ألق لي في هذا الموضع مصلى»، فألقى له في أغلظ موضع من تلك المواضع مصلى، فصلى ركعتين وسجد فأطال السجود يدعو، فلما قضى ما أراد من الدعاء قال لغلامه: «احفر في موضع سجودي»، فحفر، فإذا عين قد أنبطها، فقال له ابن الزبير: «أقلني»، قال: «أما دعائي وإجابة الله إياي فلا أقيلك»، فصار ما أخذ منه أعمر مما في يد ابن الزبير. وأخباره في جوده وحلمه وكرمه كثيرة.
توفي عبد الله سنة ثمانين، عام الجحاف بالمدينة، وأمير المدينة أبان بن عثمان لعبد الملك بن مروان، فحضر أبان غسل عبد الله وكفنه، والولائد خلف سريره قد شققن الجيوب، والناس يزدحمون على سريره، وأبان بن عثمان قد حمل السرير بين العمودين، فما فارقه حتى وضعه بالبقيع، وإن دموعه لتسيل على خديه، وهو يقول: «كنت والله خيراً لا شر فيك، وكنت والله شريفاً واصلاً براً». وصلى عليه أبان بن عثمان، ورئي على قبره مكتوب:
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه | | لقاؤك لا يرجي وأنت قريب |
تزيد بلى في كل يوم وليلة | | وتنسى كما تبلى وأنت حبيب |
وقيل: توفي سنة أربع أو خمس وثمانين، والأول أكثر، قال المدائني: كان عمره تسعين سنة، وقيل: إحدى، وقيل: اثنان وتسعون سنة.
[63]عون بن جعفر بن أبي طالبعون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وُلد على عهد الرسولِ محمدٍ. أمه وأم أخويه عبد الله ومحمد هي أسماء بنت عميس الشهرانية الخثعمية. قُتل بتستر، ولا عقب له. روى عبد الله بن جعفر، أن النبي قال لعون: «أشبهت خلقي وخلقي»، وهذا إنما قاله الرسولُ محمدٌ لأبيه جعفر بن أبي طالب.
[64]محمد بن جعفر بن أبي طالبمحمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وهو ابن أخي علي بن أبي طالب، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية. وُلد على عهد الرسولِ محمدٍ، وكانت ولادته بأرض الحبشة، وقدم إلى المدينة طفلاً، ولما جاء نعي جعفر إلى الرسولِ جاء إلى بيت جعفر، وقال: «أخرجوا إلي أولاد أخي»، فأخرج إليه عبد الله، ومحمد، وعون، فوضعهم النبي على فخذه ودعا لهم، وقال: «أنا وليهم في الدنيا والآخرة»، وقال: «أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب». وهو الذي تزوج أم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب. قال الواقدي: «كان محمد بن جعفر يكنى أبا القاسم»، وقيل إنه قُتل بتستر، قاله أبو عمر.
[65]نعمى بنت جعفر بن أبي طالبنعمى بنت جعفر بن أبي طالب، ذُكرت في حديث رواه عبد الملك بن جريج عن عطاء عن أسماء بنت عميس: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لنعمى بنت جعفر: «ما لي أرى أجساد بني جعفر أنضاء؟ أبهم حاجة؟»، قالت: «لا، ولكنهم تسرع إليهم العين، أفأرقيهم؟»، قالت: فعرضت عليه كلاماً لا بأس به، فقال: «ارقيهم».
[66]