عشرةُ أمور ينبغي للإنسان أن يُقدِّمَ التّفكيرَ فيها ويجعلها نُصبَ عينيه
عشرةُ أمور ينبغي للإنسان أن يُقدِّمَ التّفكيرَ فيها ويجعلها نُصبَ عينيه
عشرةُ أمور ينبغي للإنسان أن يُقدِّمَ التّفكيرَ فيها ويجعلها نُصبَ عينيه
عشرةُ أمور ينبغي للإنسان أن يُقدِّمَ التّفكيرَ فيها ويجعلها نُصبَ عينيه
لذهبي عصره العلاّمة الشيخ
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني -رحمه الله- :
أولاً: التّفكير في شرَف الحقِّ وضِعَةِ الباطل:
وذلك بأن يفكّر في عظمة الله ، وأنّه ربُّ العالمين ، وأنّه سبحانه يحبُّ الحقَّ ويكرهُ الباطلَ ، وأنَّ من اتبع الحقَّ استحقَّ رضوانَ ربّ العالمين ، فكان سبحانه وليه في الدنيا والآخرة ، بأن يختار له كل ما يعلمه خيراً له وأشرف حتى يتوفاه راضياً مرضياً ، فيرفعه إليه ويقربه لديه ، ويحلّه في جوار ربّه مكرّماً منعّماً في النّعيم المقيم ، والشّرف الخالد ، الذي لا تبلغ الأوهامُ عظمتَه .
وأن من أخلد إلى الباطل استحق سخط رب العالمين وغضبه وعقابه ، فإن آتاه شيئاً من نعيم الدّنيا ؛ فإنما ذلك لهوانه عليه ؛ ليزيده بُعداً عنه ، وليضاعفَ له عذاب الآخرة الأليم الخالد الذي لا تبلغ الأوهامُ شدّتَه .
ثانيًا: يفكّر في نسبة نعيم الدّنيا إلى رضوان ربّ العالمين ونعيم الآخرة ، ونسبة بؤس الدّنيا إلى سخط رب العالمين وعذاب الآخرة :
ويتدبر قول الله عز وجل : " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ . وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ " الزخرف .
ويفهم من ذلك أنه لولا أن يكونَ النّاسُ أمّةً واحدة ؛ لابتلى الله المؤمنين بما لم تجر به العادة من شدّة الفقر والضرّ والخوف والحزن وغير ذلك ، وحسبك أن الله ابتلى أنبيائه وأصفيائه بأنواع البلاء .
وعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً "
رواه البخاري ومسلم.
ثالثًا: يفكّر في حاله بالنّظر إلى أعماله من الطّاعة والمعصية :
فأما المؤمن فإنه يأتي الطّاعة راغباً نشيطاً لا يريد إلا وجه الله والدار الآخرة ، فإن عرضت له رغبة في الدنيا فإلى الله فيما يرجو معونته على السّعي للآخرة ، فإن كان ولا بد ففيما يغلب على ظنه أنه لا يثبطه عن السعي للآخرة .
وهو على كل حال متوكّلٌ على الله ، راغبٌ إليه أن يختار له ما هو خير وأنفع ، ثم يباشر الطاعة خاشعاً ، مستحضراً أن الله يراه ويرى ما في نفسه ، ويأتي بها على الوجه الذي شرعه الله ، وهو مع ذلك كما قال الله تعالى:
" ...يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[سورة المؤمنون " .
فهو يخاف ويخشى أن لا تكون نيته خالصة ، وذلك أن النّيّة الصّالحة قد تكون من قوي الإيمان ، وقد تكون من ضعيفه ، الذي إنما يطيع احتياطًا ، وقد لا تكون خالصة بل يمازجها رغبةٌ في ثواب الدّنيا لأجل الدّنيا ، أو رغبة في الآثار الطبيعية ككسر الشهوة حيث لا يشرع ، وكتقوية النفس. وكمنفعة البدن كالذي يصوم ليصح ، ويصلي التراويح لينهضم طعامه .
وكحب الترويح عن النفس كالذي يأتي الجمعة ليتفرج ، ويلقى أصحابه، ويقف على أخبارهم . وكمراعاة الناس لكي يمدحوه ، ويثنوا عليه ، فيعظم جاهه ، ويصل إلى أغراضه ولا يمقتوه...
إلى غير ذلك من المقاصد. كالعالم يريد أن يراه الناس ويعظموه ويستفتوه ، فيشتهر علمه ويعظم جاهه ، وغير ذلك .
والمؤمن- ولو خلُصَت نيته في نفس الأمر- لا يستطيع أن يستيقن ذلك من نفسه.
والمؤمن يخاف ويخشى أن لا يكون أتى بالطّاعة على الوجه المشروع ، وهكذا تستمر خشية المؤمن بالنّظر إلى طاعاته السّالفة ، يرجو أن يكون قبلها الله بعفوه وكرمه، ويخشى أن يكون ردت لخلل فيها- وإن لم يشعر به- أو لخلل في أساسها وهو الإيمان .
هذه حال المؤمن في الطاعات ، فما عسى أن تكون حاله في المعاصي؟ وقد قال الله تعالى:
" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ . وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ "
[سورة الأعراف].
رابعًا : يفكّر في حاله مع الهوى :
افرض أنه بلغك أن رجلاً سبَّ إمامك ، وآخر سبَّ إماماً آخر ، أيكون سخطك عليه وسعيك في عقوبته وتأديبه أو التنديد به موافقاً لما يقتضيه الشرع فيكون غضبك على الأول والثاني قريباً من السّواء ؟
افرض أنّك وقفت على حديثين لا تعرف صحّتهُما ولا ضعفَهما ، أحدهما يوافق قولاً لإمامك ، والآخر يخالفُه ، أيكون نظرك فيهما سواء ، لا تبالي أن يصح سند كل منهما ، أويضعف ؟
افرض أنك نظرت في مسألة قال إمامك قولاً، وخالفه غيره، ألا يكون لك هوى في ترجيح أحد القولين، بل تريد أن تنظر لتعرف الراجح منها فتبين رجحانه ؟
افرض أن رجلًا تحبّه ، وآخر تبغضه تنازعا في قضيّة ، فاستفتيت فيها ، ولا تستحضر حكمها ، وتريد أن تنظر ألا يكون هواك في موافقة الذي تحبه ؟
افرض أنّك وعالماً تحبُّه ، وآخر تكرهه أفتى كل منكم في قضية وأطّلعت على فتويي صاحبيك فرأيتهما صواباً ، ثم بلغك أنّ عالماً آخر اعترض على واحدة من تلك الفتاوى ، وشدّد النّكير عليها ، أتكون حالك واحدة سواء أكانت هي فتواك، أم فتوى صديقك، أم فتوى مكروهك ؟
افرض أنّك تعلَمُ من رجل منكراً وتعذر نفسك في عدم الإنكار عليه ، ثم بلغك أن عالماً أنكر عليه وشدّد النكير ، أيكون استحسانك لذلك سواء فيما إذا كان المنكِر صديقك أم عدوك، والمنكَر عليه صديقك أم عدوك ؟
فتش نفسك تجدك مبتلى بمعصية أونقص في الدّين ، وتجد من تبغضه مبتلى بمعصية أونقص آخر ليس في الشرع بأشد مما أنت مبتلى به ؟
فهل تجد إستشناعك ما هو عليه مساوياً لاستشناعك ما أنت عليه ، وتجد مقتك نفسك مساوياً لمقتك إياه ؟
وبالجملة e]فمسالك الهوى أكثرُ من أن تحصى ] ،
ولم يكلف العالم بأن لا يكون له هوى؟ فإن هذا خارج عن الوسع.
وإنّما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه ، ثم يحترز منه ، ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق ، فإن بان له أنه مخالف لهواه ؛ آثر الحق على هواه .
خامسًا: يستحضر أنه على فرض أن يكون فيما نشأ عليه باطل، لا يخلو عن أن يكون قد سلف منه تقصير أو لا :
فعلى الأول: إن استمر على ذلك كان مستمراً على النقص ومصراً عليه، وذلك هو هلاكه، وإن نظر فتبين له الحق، فرجع إليه حاز الكمال، وذهبت عنه معرة النقص السابق، فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد قال الله تعالى: {...إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[سورة البقرة].
وفي الحديث: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "
رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وأحمد.
وأما الثاني: وهو أن لا يكون قد سبق منه تقصير ، فلا يلزمه بما تقدم منه نقص يعاب به ألبتة ، بل المدار على حاله بعد أن ينبه، فإن تدبر وتنبه فعرف الحق فاتبعه فقد فاز ، وكذلك إن اشتبه عليه الأمر فاحتاط ، وإن أعرض ونفر ؛ فذلك هو الهلاك .
سادسًا: يستحضر أن الذي يُهمّه ، ويُسأل عنه هو حاله في نفسه : فلا يضره عند الله ، ولا عند أهل العلم والدين والعقل أن يكون معلمه، أو مربيه، أو أسلافه، أو أشياخه على نقص ، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يسلموا من هذ ا، وأفضل هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورضى عنهم ، وكان آباؤهم وأسلافهم مشركين . هذا مع احتمال أن يكون أسلافك معذورين إذا لم ينبهوا ، ولم تقم عليهم الحجة .
وعلى فرض أن أسلافك كانوا على خطأ يؤاخذون به فاتباعك لهم وتعصبك لا ينفعهم شيئاً ، بل يضرهم ضرراً شديداً، فإنه يلحقهم مثل إثمك، ومثل إثم من يتبعك من أولادك وأتباعك إلى يوم القيامة، كما يلحقك مع إثمك مثل إثم من يتبعك إلى يوم القيامة، أفلا ترى أن رجوعك إلى الحق هو خير لأسلافك على كل حال؟
سابعًا: يتدبر ما يُرجى لمؤثر الحق من رضوان رب العالمين، وحسن عنايته في الدنيا، والفوز العظيم الدائم في الآخرة، وما يستحقه متبع الهوى من سخطه عز وجل، والمقت في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة: وهل يرضى عاقل لنفسه أن يشتري لذة اتباع هواه بفوات حسن عناية رب العالمين، وحرمان رضوانه، والقرب منه، والزلفى عنده، والنعيم العظيم في جواره، وباستحقاق مقته وعذابه الأليم؟
لا ينبغي أن يقع هذا حتى من أقل الناس عقلاً، سواء أكان مؤمناً موقناً بهذه النتيجة، أم ظاناً لها، أم شاكاً فيها، أم ظاناً لعدمها، فإن هذين يحتاطان، وكما أن ذلك الاشتراء متحقق ممن يعرف أنه متبع هواه، فكذلك من يسامح نفسه، فلا يناقشها ولا يحتاط .
ثامنًا: يأخذ نفسه بخلاف هواها فيما يتبين له : فلا يسامحها في ترك واجب، أو ما يقرب منه، ولا في ارتكاب معصية، أوما يقرب منها، ولا في هجوم على مشتبه، ويروضها على التثبت والخضوع للحق، ويشدد عليها في ذلك حتى يصير الخضوع للحق ومخالفة الهوى عادة له .
تاسعًا : يأخذ نفسه بالاحتياط فيما يخالف ما نشأ عليه : فإذا كان فيما نشأ عليه أشياء يرى أنه لا بأس بها ، أو أنها مستحبة، وعلم أن من أهل العلم من يقول إنها شرك، أو بدعة، أو حرام ، فيأخذ نفسه بتركها حتى يتبيّن له بالحجج الواضحة صحة ما نشأ عليه ، وهكذا ينبغي له أن ينصح غيره ممن هو في مثل حاله ، فإن وجدت نفسك تأبى ذلك، فأعلم أن الهوى مستحوذ عليها ، فجاهدها .
عاشرًا : يسعى في التّمييز بين معدن الحجج ومعدن الشبهات :
فإنه إذا تم له ذلك ؛ هان عليه الخطب ، فإنه لا يأتيه من معدن الحق إلا الحق، فلا يحتاج إن كان راغباً في الحق ، قانعاً به إلى الإعراض عن شئ جاء من معدن الحق، ولا إلى أن يتعرض لشيء جاء من معدن الشبهات، لكن أهل الأهواء قد حاولوا التشبيه والتمويه، فالواجب على الراغب في الحق أن لا ينظر إلى ما يجيئه من معدن الحق من وراء زجاجاتهم الملونة، بل ينظر إليه كما كان ينظر إليه أهل الحق . والله الموفق .
من كتاب : " القائد إلى تصحيح العقائد " وهو القسم الرّابع من كتاب: " التّنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"
للعلّامة الشيخ : عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني-رحمه الله-