(5)
بين طلب العلم وقراءة القرآن
سؤال يتردد كل عام، حسم البعض فيه أمرهم ولايزال البعض في حيرة
نترك العلم أو لا نترك العلم؟؟
نترك المجالس أو لا نترك المجالس؟؟
اليوم لن أحدثكم عن أن سمت أهل العلم ترك الاشتغال بالعلم وتعليمه والتفرغ للقراءة والتلاوة والصلاة الطويلة ...
سأسميها باسمها...
إن السلف كانوا يغيرون إلف عاداتهم ويخرجون إلى أكناف العبادة
مر بنا عام كامل عشنا فيه ضغوط كثيرة
نريد أن ننهي دورة كذا...وإنهاء كتاب كذا...كم شريطا سمعت...تحضير دروس وواجبات...الخ
مفاضلة بين المتاح ...مفاضلة لا تنتهي...وتشكل علينا هذه المفاضلة ضغطا في حد ذاتها
الآن لن نفاضل بين الاختيارات لأنه...لا اختيارات!!
نحن في خلوة ..في عطلة من الشواغل والقواطع....ليس لدينا إلا خيار واحد: القرآن تلاوة وعملا وتطبيقا...
سنلاحظ أن هذا يزيل الضغط من على كواهلنا ...كل وقت لن نفكر إلا في عمل واحد: القرآن
لديك خمس دقائق؟؟ لا تفكر...مصحفك والقراءة
لن نقول : اقرأ 5 أجزاء في اليوم...لن نقول اقرأ جزء في اليوم
سنقول : اقرأ في كل وقت ليس عليك فيه واجب أو مستحب راجح...
سنتفاجأ أن كم التحصيل أكبر من أي رمضان مر من قبل!!
سنسعد بقلوب تعطلت عن الشواغل ...وقصرت شغلها وولهها بـــــــــ القرآن
سيغتسل القلب في حسن كلمات الله فيتنقى ويسمو
ستكون القلوب في خلوة وشوق...خلوة مع القرآن...في رمضان
(6)
وللعلم طغيان لا يمحوه إلا الاجتهاد العبادة!*
كما ذكرتُ فإنه مما يفترض أن لنا عام كامل نطلب العلم، والعلم له طغيان
قال يوسف بن الحسين:" في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه"
فنحن مقبلون على رمضان ونريد أن نعمل عملا يزيل الله به أمراض قلوبنا
فهذا أوان غسل القلب من طغيان العلم
كما أن هذا أوان غسل القلب من طغيان المال!!
فيجلو القلب في رمضان بكثرة التعبد وطول القيام وكثرة التلاوة ....
ويجلو القلب في رمضان بقصر النظر عن متع الحياة الزائلة...
فقط إذا استدعيناه ليحضر معنا كل ذلك!
فتعال أيها القلب
هذا أوان حضورك، تعال وتمتع بالعبادة
تعال وناج ربك واسجد بين يديه سجدة لا ترفع بعدها رأسك**
يقول حفص ابن حميد دخلت على داود الطائي أسأله عن مسألة وكان كريما فقال:" أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب؟ أليس يجمع آلته؟؟ فإذا أفنى عمره في الآلة فمتى يحارب؟؟إن العلم آله فإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟؟"
فالآن لنا عام نجمع الآلة وهذا شهر رمضان قد أقبل فاستخدم فيه ما جمعته من العلم في العمل!
---------
* كل ما ذكر من نقول عن السلف فهو من الكتاب الممتع اقتضاء العلم العمل.
**من كلمات ابن القيم بتصرف
(7)
تناقض!!
تناقض!
أيا أختنا ما هذا التناقض؟؟؟!
تارة تحثيننا على العبادة والتلاوة والصلاة وكثرتها وخلوة ومناجاة...!
وتارة تقولين لا رهبانية في الإسلام..أحسنوا إلى أزواجكم وأمهاتكم وأولادكم..لا تتركوا الدعوة والأمر بالمعروف..استقبلوا أضيافكم بابتسامة وأحسنوا لهم!
فكيف اتفق هذا وذاك أهي خلوة وعبادة أم خلطة وضيافة؟؟!!!
فليت شعري ماذا أقول لهم : متى كانت الخلوة عن الخلق عزلة ومتى كان الإسلام للخلق جفوة؟؟
وإنما كان مفتاح المسألة أن يقال:
كل وقت ليس فيه واجب ولا مستحب راجح فبغير تردد هو وقت تلاوة وعبادة
وملاك ذلك ألا يعجز ويستعن بالله على تقديم ما يحبه ويرضاه...ويتفقد محاب ربه لا هواه ......وليحذر "أرأيت من اتخذ إلهه هواه"!
فهل زال التناقض أم لايزال لدينا عازل ناقد؟
رب اشفنا من النوم باليسير.
(
"كان خُلُقُه القرآن"
خلوة مع القرآن تلاوة وعمل!!
قبل أن نتكلم على العمل والتلاوة اسمحوا لي بشيء من التقديم
جميعنا يعلم جيدا أن العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة
وأن الإيمان قول وعمل
قول القلب (أي التصديق) وعمله
وقول اللسان أي الإقرار بشهادة التوحيد (يشترك فيه القلب)
وعمل الجوارح واللسان من صلاة وذكر ودعاء وغير ذلك (يشترك فيه القلب)
فالقلب له قول وعمل وداخل في كل قول وعمل للسان والجوارح
ففي هذا الشهر آن أوان استدعاء القلب أن احضر، هلم! هذه أعمالنا وطاعتنا فشارك فيها أيها القلب حتى تسجد لله سجدة لا ترفع منها رأسك
سجدة قلب خاضع محب لله
سجدة قلب يعرف من هو ربه العظيم الكريم
هكذا يتعلم المرء كيف يرتقي بإيمانه حتى يجد لذة لا تعدلها لذة بجلاء قلبه حتى يصفو فيكون كالمرآة..
ثم لا ينتظر بعدها أن يشعر بهذه اللذة فقد سمت همته وسجد لله سجدة خاضع فهو يريد أن يكون حيث يحب أن يراه مولاة ..نال لذته أو لم ينلها.
نعود لتلاوة القرآن والعمل به في خلوتنا ..
يقول يونس بن ميسرة:"تقول الحكمة تبتغيني ياابن آدم وأنت واجدني في حرفين : تعمل بخير ما تعلم وتذر شر ما تعلم"
وقد تحدثن عن جمع الآلة...وقد آن أوان العمل بهذه الآلة:
- ليتخيل كل منا لو جاهد في تطبيق قوله تعالى:" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" أي قولا يسلمون به من الإثم
أو قوله تعالى:" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إنيصائم ، إني صائم لا تساب و أنت صائم ، فإن سابك أحد فقل : إنيصائم ، وإن كنت قائما فاجلس" صححه الألباني في صحيح الجامع
فهل تعلمنا طوال هذا العام تفسير آية ولو واحدة؟ شرح حديث؟
فهذا أوان العمل به...هذا أوان العمل به
وإن الوصية لو تركت لفضل علم لتركت لذلك منكم أيا أيها القراء
ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل
(9)
مما ينبغي العناية به في رمضان من العبادات
1- الفروض
ففي الحديث القدسي: إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته" رواه البخاري
فأول ما ينبغي أن نعتني به في هذال الشهر - بل في عامنا كله هي الفروض
وعلى رأسها : الصلاة
فلا يحسن بنا أن تكون عنايتنا بالسنن ومنها القيام أشد من العناية بالفرض
فيصلي الرجل العشاء "سريعا" في البيت ليلحق الإمام في القيام!
أو تصلي المرأة العشاء بسرعة لكي تتمكن من طول القيام
بل أول ما ينبغي أن نحرص على الخشوع وإتمام الركوع والسجود فيه هو الصلاة المفروضة
2- إصلاح الوضوء واحتساب الأجر واستحضار تساقط السيئات مستشعرين نعمة الله علينا بهذه الطهارة فقد علمنا كيف نتطهر ليطهرنا ويتم نعمته علينا سبحانه وعز وجل ثم أخبرنا أنه يحب المتطهرين.
3- كثرة الاشتغال بالتسبيح لاسيما في الأوقات التي تعذر علينا فيها القراءة لأي ظرف،
وأول ذلك ما بعد الصلوات المكتوبة وأذكار الصباح والمساء والأذكار الرواتب بصفة عامة
4- العمل بالآيات والأحاديث المعروفة لا سيما في الحث على حسن الخلق
مثل:
-قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا . ولا تؤمنوا حتى تحابوا . أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم
- تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ." صححه الألباني في صحيح الترغيب
- أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، و صلوا بالليل و الناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام" صححه الألباني في صحيح الترغيب
- أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : ( لا تغضب ) . فردد مرارا ، قال : ( لا تغضب ) . رواه البخاري
يا الله! كم نسينا هذا الخلق، فطفقنا نغضب لأنفسنا زاعمين أن غضبنا لله!
أما آن الأوان أن نترك الغضب المذموم عموما والغضب للنفس خصوصا؟؟؟
- ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" رواه البخاري ومسلم
- والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا وما ذاك يا رسول الله قال الجار لا يأمن جاره بوائقه قالوا يا رسول الله وما بوائقه قال شره" صححه الألباني في صحيح الترغيب
- لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه البخاري ومسلم
- ليس الصيام من الأكل و الشرب ، إنما الصيام من اللغو و الرفث ، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم ، إني صائم لا تساب و أنت صائم ، فإن سابك أحد فقل : إني صائم ، وإن كنت قائما فاجلس" صحيح الترغيب
وغير ذلك من الأحاديث.
5- الصبر على القضاء والرضا بالقدر
ولا أعني هذا الصبر على الأمراض ولا الابتلاءات فيمر على كلماتي أصحاب العافية مرور الكرام. نسأل الله العافية للجميع
بل والله إن الأمر أقرب من ذلك
فإذا كسر ولدك الكوب فما يضرنا لو قلنا قدر الله وما شاء فعل؟
وإذا تعطلت السيارة في ذهاب أو إياب
أو تأخر زوجك في تلبية طلب
أو تأخرت زوجتك في اللحاق بك في ذهاب أو إياب
أو تركتك منتظرا قليلا أو كثيرا
ما يضرنا لو قلنا قدر الله وما شاء فعل؟ ونستفد بالوقت في قراءة القرآن أو التسبيح؟
6- ما يضر الواحد منا لو تألم قلبه ألما حقيقيا لإخوانه في سوريا وبورما وفلسطين ومصر
فيشعر ولو لحظر في رمضان بقلبه يعتصر ألما شفقة لهم فيهيجه هذا على الدعاء الصادق لإخوانه وأخواته المسلمين
مستحضرا قوله صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم
فهلا شعرنا لحظة أن ما يحدث في إخواننا المسلمين كأنه يحدث في يدي أو قدمي فأتألم له كما أتألم لجسدي وأدعو لهم كدعاء المضطر لا يجد ملجأ إلا إلى ربه؟؟
7- وأخيرا وليس آخرا
العلماء تجار النوايا
وكان السلف يحتسبون نومتهم كما يحتسبون قيامهم
فإذا قصر بك العمل، فلتكن نيتك أبلغ من عملك
وإذا عملتَ فليكن قلبك حاضرا واحتسابك للأجر مجاهدة تصابر عليها في هذا الشهر الكريم
اللهم بلغنا رمضان وتقبل منا يا رحمن