وقفات مع الحج
أما بعد
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] وقال -سبحانه وتعالى-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [(97) سورة آل عمران]وقال عز وجل: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [(27) سورة الحـج]وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). وقال -صلى الله عليه وسلم-(ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا)) وقال -صلى الله عليه وسلم-(إن الله تعالى يقول: إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم)) إنه موسم الحج العظيم لم يبق عليه إلا أياماً معدودات. وهذه عدة وقفات لا بد من تأملها قبل الحج
الوقفة الأولى: المواقيت
ثبت في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرناً ولأهل اليمن يلملم، وقال((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة)).
هذا الحديث متى قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قاله -عليه الصلاة والسلام- والشام والبصرة والكوفة ومصر، كل تلك البلاد لم تفتح بعد. كل هذه البلاد لم تفتح إلا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في الوقت الذي كانت فيه هذه البلاد بأيدي الكفار وتحت حكمهم، فهاهنا عدة دلالاتالأولى: أن هذا يدل على معجزة من معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيث أخبر بأمر عيني لم يقع بعد
الثانية: أن الرسول وقت هذه المواقيت لأهلها وأهلها لم يسلموا بعد فدل ذلك على أنهم سيسلمون وأنها ستفتح وسيسلم أهلها، وكل هذا حصل بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم
الثالثة: وهذا مما نعتقده وهو أنه كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذه المواقيت قبل فتح بلادها وفتحت فكذلك أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفتح بلاد أخرى كالقسطنطينية وهذه أيضاً فتحت بعد عدة قرون من إخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأسلم أهلها وحجوا إلى بيت الله الحرام.
كذلك أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفتح روما وهذه أيضا ستفتح بإذن الله عز وجل، وسيسلم أهلها وإن كانت هي الآن في أيدي الكفار كما كانت الشام والعراق ومصر في أيدي الكفار في الوقت الذي حدد فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- المواقيت
فكل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الخبر الصحيح أنه سيقع فسيقع، لا نشك في ذلك، ومنه أيضاً أنه في آخر الزمان سيمكن لهذا الدين، وأنه ما من بيت على وجه الأرض – وتأمل ما من بيت – فليس الحديث ما من بلد أو دولة أو مجتمع بل ما من بيت، وإن كان بيت مدر أو وبر إلا وسيدخله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله. وإن كانت الفترة الحالية التي تمر بها أمة الإسلام، من أصعب فتراتها لكن هذا لن يستمر، بل سيكون له نهاية وللكفر حد سيقف عنده، وللظلم حد سيقف عنده، بل للدنيا كلها حد ستنتهي إليه وستكون الغلبة للإسلام وأهله وللدين وأعوانه، ولجند الله وأولياءه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الوقفة الثانية: محظورات الإحرام
المحرم عليه أن يتجنب تسعة محظورات وهي: اجتناب قص الشعر، والأظافر، والطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، وقتل الصيد، والجماع، وعقد النكاح، ومباشرة النساء. كل هذه الأشياء يمنع منها المحرم حتى يتحلل، وهذه محظورات خاصة بعبادة الحج وهناك محظورات عامة في الحج وغيره، لكنها تتأكد حال الإحرام، كالغيبة والنميمة والكذب والغش والظلم وغير ذلك من المحظورات الشرعية. فمن عزم على الدخول في مؤتمر الحج العظيم وجب عليه أن يستعد له، إذ يجب عليه قبل مجاوزة الميقات أن يحرم، وأن يتجنب هذه المحظورات التي ذكرنا الخاصة منها والعامة، وهذا يعني أنه يدخل منطقة الحرم في سلام، فلا يتعرض للصيد بأذى، ولا يتعرض لآدمي أيضاً بأذى، ولا يتعرض لشجر بقطع، إنه سلام كامل، حتى شعره وأظافره لا يقص شيئا منهما، فهذا فضلاً عن كونها علامة على التقشف، إلا أنها تشير إلى معنى السلام، إنه سلام حقيقي لا سلام مزيف.
يدخل المسلم هذا المؤتمر الذي هو الحج، يتعلم ويدرك من خلاله، قيمة المسلم مهما كانت درجة حياته، فلا يتعدى على أحد ولا يظلم أحد ولا يبغى على أحد، يدرك المسلم من خلال هذا المؤتمر قيمته الحقيقية التي وضعه الله فيها، فضلاً عن قيمته الإنسانية كإنسان، فيتبين له زيف تجهيل الإعلام العالمي، ويتبين له كذب منظمات حقوق الإنسان التي لا تعنى إلا بالإنسان الغربي، أما الإنسان المسلم فحوادث التاريخ وأحداث الزمان كشفت عن مدى جرم هذه الدول التي تسمى بالعظمى والكبرى، وإلا فكيف يفسر ما تفعله دولة ما تسمى بإسرائيل في لبنان هذه الأيام، غارات وقصف لمواقع سكنية ولأسر وأطفال، على مرأى ومسمع من العالم، أين السلام الذي تدعيه وتدعوا له دولة إسرائيل؟ قبل عدة أسابيع جمعت دول العالم أغلب في مؤتمر وحضرت زعماء تلك الدول بسب قتل أفراد في عمليات فردية قامت بها منظمة حماس، واليوم هي تهجر مئات الأسر، وآلاف الأشخاص، ولا أحد يحرك ساكنا، هذا هو السلام الذي تريده إسرائيل سلام من طرف واحد، ومع كل أسف انه يصل الذل بأمة الإسلام إلى هذا الحد، لكنه ينبغي أن يعلم بأن هذا هو جزاء بعد الأمة عن شريعة ربها وبعدهم عن منهج الإسلام في كل شيء، فلا غرابة بعدها أن يسلط الله عليهم شرذمة يهود يسومونهم سوء العذاب.
ولهذا فلا يتصور أمان ولا وئام ولا سلام في ظل هذه المنظمات وتحت هذه الأنظمة إن كل عاقل ومنصف يشهد فضلاً عنه المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله، يدرك بأن السلام الحقيقي، والتعاون على البر والتقوى لا ظل له في الواقع، إلا في الإسلام وفي تاريخ الإسلام، أما غير المسلمين من شتى الأمم ومختلف الديانات، فإن أقوالهم معسولة مسمومة، وأفعالهم في غاية الفحش والدناءة والفظاعة والبشاعة.
فما أحوج البشرية في هذا العصر، وهي تكتوي بلهيب الصراعات الدموية، والنزاعات الوحشية، ما أحوجها إلى الدخول في الحج إلى بيت الله الحرام، لتتخلص نفوس أبناءها من الأنانية والبغضاء والكراهية والشحناء، وترتقي إلى أفق الإسلام، فتتعلم الحياة بسلام ووئام كما أراد الله لعباده المؤمنين.
الوقفة الثالثة: حرمة مكة
ثبت في الحديث المتفق عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لايعضد شوكه ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاه)).
بيت بنته يد التقوى وشيده *** أبو النبيين للأجيال يرفعه
أمجاده في كتاب الدهر حافلة *** ثوب الجلال عليه الرب يخلعه
تدرعاً بسياج الدين حرمته *** والله من عبث الباغين يمنعه
أولاه بالحج تشريفاً وتكرمة *** حتى غدت موئل التقديس أربعه
وكعبة الروح بالتوحيد شاهدة *** كالشمس تسطع نوراً وهي منبعه
فمكة هي البلد الحرام ومن حرمتها ما جاء في المعاقبة على الهم بالسيئة فيها وأن لم تفعل لقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[(25) سورة الحـج].
والإلحاد في البلد الحرام يكون بالكفر ويكون بالشرك ويكون أيضا بفعل أي شيء حرمه الله، ويكون أيضاً بترك ما أوجبه الله، فكل هذا يدخل في الإلحاد بظلم في البلد الحرام حتى قال بعض أهل العلم بأنه يدخل في ذلك احتكار الطعام بمكة. يروى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان له خيمتان، أحداهما في طرف الحرم والأخر في طرف الحل، فإذا أراد أن يعاقب بعض أهله أو غلامه فعل ذلك في الخيمة التي ليست في الحرم، يرى أن مثل ذلك يدخل في الإلحاد فيه بظلم. فتأمل يا عبد الله فعل ابن عمر إن ثبت عنه، كان يتحرز من أن يعاقب أهله أو يعاقب غلامه داخل حدود الحرم خشية أن يقع في الإلحاد فيه بظلم، فما بالك بمن يعمل في مكة أموراً يشيب لها الوليد كمن يتعامل بالربا جهاراً نهاراً في البلد الحرام، أو كمن يشرب الخمر في البلد الحرام، أو من يروج للمخدرات في البلد الحرام، أو يستعملها، أو من ينشر وسائل الإفساد واللهو كبيع أجهزة الفيديو وبيع الدخان وغيرهما مما حرم الله في البلد الحرام. ثم ما بالكم فيمن يسعى لنشر وتكثير هذه المحرمات في حرم الله، إما بدعم أو رأي أو فكرة، أو تسهيل أو غيرها من الطرق والوسائل. أليس هذا من الإلحاد في حرم الله؟ أليس هذا من انتهاك حرمة الله في المكان والزمان؟ بلى والله إنه لكذلك.
ألا فليتق الله أولئك الذين يمارسون المحرمات في البد الحرام، ألا فليتق الله أولئك الذين يبيعون المحرمات في البلد الحرام، ألا فليتق الله أولئك الذين يعينون على كل ذلك في البلد الحرام. ألا فليعلم بأن الذنب يعظم والعقوبة تشتد إذا كانت تلك المحرمات أو غيرها تفعل في البلد الحرام. قال الله تعالى:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [(26) سورة الحـج]إنه الأمر بتطهير منطقة الحرم وحدودها للطائفين، لا تلويثها وإفسادها. ومن العجيب أن أهل الجاهلية وهم كفار كانوا يراعون حرمة البلد الحرام في بعض الأحيان، فقد قالت إحدى النساء قبل الإسلام توصي ابنا لها فتقول:
أبُنيّ لا تظلم بمكة *** لا الصغير ولا الكبير
أبني من يظلم بمكة *** يلق آفات الشرور
أبني قد جرّبتها *** فوجدت ظالمها يبور
إذن: فأهل الإسلام أولى أن يتركوا الظلم في البلد الحرام وأن يطهروا البلد الحرام من الأنجاس والأدران الحسية والمعنوية.
الوقفة الرابعة: سدنة البيت:
إن النهج الذي شرعه الله في بيته الحرام، هو إيجاد منطقة يأمن فيها الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم. منطقة يلقى فيها السلاح، ويأمن فيها المتخاصمون، وتحقن فيها الدماء ويجد كل أحد فيها مأواه، إلا أن سدنة البيت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم حكومة قريش، إذ بها تكفر بالله، وإذا بها تجعل الناس يكفرون بالله، كما قد كفروا بالمسجد الحرام فانتهكوا حرمته وآذوا المسلمين في مكة، فبلال يُجر على رمضاء مكة، وعمار يُربط في الشمس، والثالث يُضرب، والرابع يُسجن، والخامس يفر من مكة هرباً بدينه، وتستمر قريش طوال دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تفتن الناس عن دينهم في مكة وقبل الهجرة, إن قريش لم تأخذ بحرمة البلد الحرام ولا بقدسيته، والله -جل وتعالى- يقول: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}[(217) سورة البقرة]. وبعدما ارتكب كفار قريش هذه الأمور في البلد الحرام، انكشف موقفهم ليس عند الصحابة، بل حتى عند القبائل الأخرى البعيدة عن مكة. وعرفت معظم قبائل العرب، أن قريش كانت تتخذ من الحرم ستاراً تغطي به جرائمها، لقد كان إدعاء قريش بالشهر الحرام والتلويح بحرمة الشهر، وحرمة البيت مجرد ستار يحتمون خلفه، لتشويه سمعة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإظهارهم أمام القبائل بمظهر المعتدي والمخطئ والخارج عن دين الآباء والأجداد، والحقيقة التي ظهرت فيما بعد، أن قريش هم المعتدون ابتداءً، وهم الذين انتهكوا حرمة الشهر ابتداءً، ثم بعد ذلك يتسترون وراء الشهر الحرام، ويتشبثون باسم البيت الحرام، ويرفعون أصواتهم: انظروا هاهو ذا محمد ومن معه، ينتهكون حرمة الشهر الحرام، وقد كذبوا في هذا ورب الكعبة، فقد جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- واختار الله له مكة أرضاً مباركة، وأعلنها حرماً آمناً ليست أرضاً منزوعة السلاح فحسب، بل منـزوعة العنف ومنـزوعة الأذى ومنـزوعة ترويع الآمنين، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}[(67) سورة العنكبوت].
لقد أمّن الله في البلد الحرام على أرواحهم وممتلكاتهم وأموالهم وأعراضهم، أمّنهم حتى من القول القبيح واللفظ الفاحش {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(197) سورة البقرة]. بل لقد أمن الله في البلد الحرام الطيور والحيوانات فلا تصاد والشجر فلا يقطع. حتى الحيوانات العجماوات تستظل في منطقة الحرم بمظلة حرمة البلد الحرام، فأبت قريش احترام هذه القدسية، بل لقد تعدوا في ذلك فأخرجوا أغلب المسلمين من مكة، فحصلت الهجرة. لكن ذلك لم يستمر، فجاء بعده فتح مكة، وسقطت سدانة قريش المزيفة للبيت الحرام. وآل الأمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام. وصدق الله العظيم {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[(25) سورة الحـج].
الوقفة الخامسة: تجمع الحجيج:
أي نعمة من أن يجمع الله لك أخي المسلم، هذه الحشود الهائلة وفي هذا المكان، وأيضا النفوس مهيئة، لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستغل المواسم والتجمعات في الدعوة إلى دين الله، وكان يخشاهم في أنديتهم وأسواقهم، فسيراً يا طلاب العلم على هدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيراً على منهجه واتباع طريقته.
أخي المسلم. يا طالب العلم، إن الله لن يسألك عن هذا الدين لماذا لم يتنصر، ولكنه سوف يسألك لماذا لم تنصر هذا الدين بما تستطيع. إنك أخي المسلم مسئول أكثر من غيرك لأنك تعيش في أرض الجزيرة، وأسباب تعلم العلم مهيئة لك، ووسائلها مطروحة بين يديك. وأوضاعك المادية لا مقارنة بينها وبين مسلمي العالم، فما بقي عليك إلا أن تشمر ثم العمل والتنفيذ. فماذا عساك أن تفعل بعد هذه الكليمات، هل تأملت بعناية؟ أخي المسلم في وفد الحجيج، إنهم ما بين المتردية والنطيحة وما أكل السبع، إلا من رحم الله، وهم مع ذلك زبدة مسلمي الأرض تقريبا. منهم من هو واقع في الشرك علم أم لم يعلم، ومنهم المبتدع الهالك في بدعته، ومنهم المنحرف، ومنهم المسلم اسماً، ومنهم الفاسق المجاهر، ومنهم من هو متشبع بالجهل إلى عينيه. هذا كله من جهة، ومن جهة أخرى: منهم المطارد، ومنهم المحبوس في بلده، وفيهم المظلوم، ومنهم المشرد، ومنهم المقاتل المستباح العرض والدم والمال. وأوضاع أخرى والى الله المشتكى. فهل فكرت أخي المسلم في أن تقدم شيئا؟ أو أن تفعل شيئا في موسم الحج، أم أنهم ليسوا من بلدك ولا يهمك أمرهم، فكر أخي المسلم بجدية في هذا الأمر، ولا أظن أن العاقل مثلك يعدم وسيلة يقدم فيها خيراً لمسلم.
الوقفة السادسة: عشر ذي الحجة:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام. يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)) [رواه البخاري]
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-((ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد)) [رواه الإمام أحمد]
لقد دخلت أخي المسلم في أيام العشر فاغتنم هذه الأيام سواء كنت حاجاً أم غير حاج، وغير الحاج ينبغي له العناية بها أكثر لأنه قد فاته الحج، فليحرص أن لا يفوته العشر، فعليك بالتوبة والصلاة والصيام والتكبير والذكر والصدقة.وعليك بصلاة العيد، واعتني بالأضحية فإنها سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-.
ثم لا تنس التكبير بعد الصلوات المكتوبات، وهي لغير الحاج تبدأ من فجر يوم عرفة، وللحاج من ظهر يوم النحر، ويستمرون الحاج وغير الحاج إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ثم صيام يوم عرفة لغير الحاج. روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال(صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)).
الوقفة السابعة:من فاته في هذا العام القيام بعرفة، فليقم لله بحقه الذي عرفه. ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليبت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه، ومن لم يقدر على نحر هدية بمنى، فليذبح هواه هنا، وقد بلغ المنى. ومن لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد، فليقصد رب البيت فانه أقرب إليه من حبل الوريد، اللهم يسر للحجاج حجهم، وسهل أمورهم يا رب العالمين.
إليك قصدي رب البيت والحجر *** فأنت سؤلي من حجي وعُمري
إليك قصدي قبل البيت والأثر *** وقبل سعي بأركانٍ وبالحجر
صفاء دمعي الصفا لي حين أعبره *** وزمزمي دمعة تجري من البصر
عرفانكم عرفاتي إذ مِني منن *** وموقفي وقفة في الخوف والحذر
وفيك سعيي وتطوافي ومزدلفي *** والهدي جسمي الذي يغني عن الجزر
ومسجدي الخيف خوفي من تباعدكم *** ومشعري ومقامي دونكم خطري
زادي رجاءي لكم والشوق راحلتي *** والماء من عبراتي والهوى سفري
اللهم يسر للحجاج حجهم، وسهل لهم أمورهم
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗