في تعيين الأفضل بين تكرار الحجّ تطوّعًا
أم التصدّق على الفقراءالسـؤال:
ما هو الأفضل للموسِرِ شرعًا تَكرار الحجِّ تطوُّعًا في كلِّ عامٍ أوِ التصدُّق بالمال المخصَّص للحج على الفقراء والمساكين والمحتاجين؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالنصوصُ الحديثيةُ الواردةُ في الترغيبِ في الحجِّ تدلُّ على أفضليةِ الحجِّ ولو تطوُّعًا على التصدّق على الفقراء والمساكين في الجُملة، ومن هذه النصوصِ:
- إنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ الجِهَادُ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ، تَفْضُلُ سَائِرَ الأَعْمَالِ كَمَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا»(١).
- وقولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةَ»(٢).
- وقولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ»(٣)، وقولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»(٤).
- وقولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَا تَرْفَعُ إِبِلُ الحَاجِّ رِجْلاً، وَلاَ تَضَعُ يَدًا إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ مَحَا عَنْهُ سَيِّئَةً، أَوْ رَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً»(٥).
- وقولُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي المَعِيشَةِ، تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لاَ يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ»(٦). وبهذا أفتى ابنُ تيمية(٧) -رحمه الله-.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 12 جمادى الأولى 1428ﻫ
الموفق ﻟ: 29 مايو 2007م
١- أخرجه أحمد: (18531)، والطبراني في «الكبير»: (20/344)، من حديث ماعز رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (1091).٢- أخرجه الترمذي في «الحج»، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة: (810)، والنسائي في «الحج»، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة: (2631)، وابن حبان في «صحيحه»: (3693)، وأحمد: (3660)، والبزار في «مسنده»: (1722)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (5/244)، وحسنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (3/197)، ومقبل الوادعي في «الصحيح المسند»: (897).٣- أخرجه البخاري في «أبواب العمرة»، باب وجوب العمرة وفضلها: (1683)، ومسلم في «الحج»، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة: (3289)، والنسائي في «مناسك الحج»، باب فضل العمرة: (2629)، وابن ماجه في «المناسك»، باب فضل الحج والعمرة: (2888)، وابن حبان في «صحيحه»: (3696)، وابن خزيمة في «صحيحه»: (3072)، وأحمد: (7307)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.٤- أخرجه مسلم في «الإيمان»، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة: (321)، وابن خزيمة في «صحيحه»: (2515)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.٥- أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان»: (4116)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث حسنه الألباني في «صحيح الجامع»: (5596).٦- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (3703)، وأبو يعلى في «مسنده»: (1031)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (10530)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (1166).٧- وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أفضلية الحجّ عن نفسه تطوّعًا أو على والده أم الصدقة على الفقراء والمساكين حيث قال له السائل في هذه الأبيات الشعرية:
آتَاهُ ذُو العَرْشِ مَالاً حَجَّ وَاعْتَمَرَا
أَتَرَوْنَ الْحَجَّ أَفْضَلَ أَمْ إيثَارَهُ الفُقَرَا
مَاذَا الَّذِي يَا سَادَتِي ظَهَرَا
وَذِكْرُكُمْ دَأَبَهُ إنْ غَابَ أَوْ حَضَرَا
اذَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رَجُلٍ
فَهَزَّهُ الشَّوْقُ نَحْوَ الْمُصْطَفَى طَرَبًا
أَمْ حَجَّةً عَنْ أَبِيهِ ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْ
فَأَفْتُوا مُحِبًّا لَكُمْ نَفْسِي فَدَيْتُكُمُو
فأجاب -رحمه الله-:فِعْلِ التَّصَدُّقِ وَالإِعْطَاءِ لِلْفُقَرَا
وَالأُمُّ أَسْبَقُ فِي الْبِرِّ الَّذِي ذَكَرَا
هُوَ الْمُقَدَّمَ فِيمَا يَمْنَعُ الضَّرَرَا
وَأُمُّهُ قَدْ كَفَاهَا مَنْ بَرَا الْبَشَرَا
وَلَيْسَ مُفْتِيك مَعْدُودًا مِنْ الشُّعَرَا
]نَقُولُ فِيهِ: بِأَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ
وَالْحَجُّ عَنْ وَالِدَيْهِ فِيهِ بِرُّهُمَا
لَكِنْ إذَا الْفَرْضُ خَصَّ الأَبَ كَانَ إذًا
كَمَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى صِلَةٍ
هَذَا جَوَابُك يَا هَذَا مُوَازَنَةً
مجموع الفتاوى: لابن تيمية: 26/10].