الجواري في الإسلام
قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].
فيما يتعلق بقوله - تعالى -: ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾، فإن استرقاق الجواري كان مباحًا ومشروعًا وشائعًا قبل الإسلام، وقد ذكرَتْه الكتب السماوية، فهاجرُ جاريةٌ تزوَّجها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وقد كان من نسلِها إسماعيل - عليه السلام - ومن نسل إسماعيلَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم.
واسترقاق النساء وجعلُهن جواري انتشر قديمًا؛ لثلاثة أسباب:
الأول: الحروب، فكانت إذا قامت حرب بين دولتين، فإن الدولة الغالبة المنتصرة تقتل رجال الدولة المغلوبة وشبابها، ويبقى النساء والبنات، فتجلبهن إلى بلادها أسيرات تبيعهن لمن يرغب في شرائهن.
والثاني: الفقر، فقد كانت شدة الفقر تدفع أحيانًا بعض الآباء إلى بيع بناتهم.
والثالث: الاختطاف، فكان ثمة لصوص يخرجون إلى القوافل التجارية في الطرق البعيدة، أو يصعدون إلى السفن العائمة وسط البحار، فيخطفون ما شاؤوا من النساء والبنات ويبيعوهن في المدن في أسواق بيع العبيد، وحين جاء الإسلام حرَّم استرقاق النساء والبنات اللواتي يؤتى بهن عن طريق البيع أو الاختطاف، وأجاز فحسب استرقاق أسيرات الحرب، وقد أجاز ذلك؛ لأن الدول المعادية للإسلام كانت تغزو المدن الإسلامية فتقتل الرجال والشباب وتسبي نساءهم وبناتهم، وتأتي بهن أسيرات وتبيعهن لكل غادٍ ورائح، فيأخذ الرجل الكافر والمشرك ما شاء من النساء والبنات المسلمات، وتمسي كل منهن متاعًا مباحًا مشاعًا يعاملوهن كما تعامل المرأة الزانية، فقد يشترك في جماع المرأة المسلمة الأسيرة الرجلُ وأبناؤه وإخوانه وأصدقاؤه؛ من أجل ذلك أباح الإسلام بالمثل استرقاق النساء الكافرات اللواتي يؤتى بهن بعد الحرب، إلا أن ثمة فرقًا كبيرًا بين معاملة المسلمين للجواري غير المسلمات من معاملة الكفار للأسيرات المسلمات، فقد شرع الفقهُ الإسلامي كيف يجب أن يُعامِل السيدُ المسلم عبيده، ذكورًا كانوا أم إناثًا، وجعل لهم حقوقًا كثيرة، نُجمِل فيما يأتي عددًا منها:
1- لا يجوز للسيد أن يأمر عبده بمعصية الله، أو ينهاه عن طاعته.
2- ليس له حق في إجبار عبده الكافر أن يُسلِم؛ لأنه لا إكراه في الدين.
3- ليس له حق أن يزوج عبده بمن لا يرضاها، أو يجبره على تطليق زوجته.
4- ليس له حق أن يمنع عبده الذمي - اليهودي والنصراني - من شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير، أو الذَّهاب إلى الكنيسة؛ لأن ذلك من دينه.
5- لا يجوز أن يُكلِّف عبده أو أَمَتَه بالقيام بأعمال شاقَّة فوق طاقتهما.
6- يجب على السيد المسلم أن يحافظ على حياة عبده، فليس له أن يقتل عبده، أو يجرحه، أو يقطع شيئًا من أعضائه؛ كقطع أذنه، أو جدع أنفه على الوجه، فإن فعل السيد بعبده شيئًا من ذلك، وجب عليه أن يعتق عبده؛ أي: أن يطلق سراحه بأمر إجباري من القاضي.
7- للعبد على سيده نفقة واجبة، طعامه وكسوته وسكنه، قدر حاجته وكفايته، فإن امتنع السيد من دفع النفقة لعدم القدرة، أو رفض دفعها مع القدرة، فللقاضي الحق أن يبيع ممتلكات السيد لتأمين النفقة على عبيده.
8- على السيد إذا مرض عبده، أو عجز عن العمل بسبب ما، أن ينفق عليه، كما يجب أن ينفق على عبده الصغير، وعلى السيد نفقاتُ دفنه.
9- على السيد أن يجعل عبده عفيفًا، فإذا كان العبد رجلاً أعزب، وجب عليه أن يزوِّجه خشية انحرافه، وإذا كان العبد امرأةً عزباء، وجب عليه أن يزوِّجها، أو أن يطأها هو خشية انحرافها، أما إذا كان العبد متزوجًا، فعليه أن يمكنه من الاستمتاع بزوجته ليلاً.
10- ليس للسيد الحق أن يُجبِر أَمَته المتزوجة على تطليق زوجها، أو منعها من المبيت معه ليلاً.
فتأمل أخي القارئ كيف كان يعامل أعداؤنا أسرانا وسبايانا، وكيف كنا نحن نعامل أسراهم وسباياهم.
فقد حرَّم الإسلام أن تكون الجارية متاعًا مشاعًا، فأوجب أن تكون الجارية أو الجواري ملكًا لرجل واحد، ولا يجوز بل يحرم أن يُجامِعَهن غيرُه، كما أوجب الإسلام عليه أن يُنفِق عليهن وأن لهن ما يحتجن إليه من الطعام والكسوة، وأن يكرمهن كما حثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الزواج بهن، ليُصبِحن حرَّات سيدات، كما حث ورغَّب في تعليمِهن وتأديبهن، ونهى عن ضربهن، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن كانت له جارية فعلَّمها وأحسن إليها وتزوَّجها، كان له أجران في الدنيا والآخرة))، أجر النكاح والتعليم وأجر العتق، فهذا التشريع هو خيرٌ لهن من أن يُترَكن يتسكَّعن في الطرقات والشوارع، ولا معيل لهن؛ أي: إن الإسلام شرع ملك اليمين واسترقاق الجواري؛ حرصًا على مصلحتهن وخوفًا عليهن من أن يتشرَّدن فيتعرَّضن للإهانة في شرفهن وكرامتهن، كما أن في هذا التشريع حفظًا للبلاد من انتشار الفساد إذا تُركنَ بغير مُعِيل يعيلهن ولا راعٍ يرعى شؤونهن، فما أعظم هذا الدين، وما أرحمه، وما أسمى معاملته حتى مع ألد أعدائه! واسترقاق الجواري يشرع عند وجود أسبابه، وقد انمحت هذه الأسباب في الوقت الحالي.