التفسير والمفسرون - مناهج المفسرين
رُوِي عن ابن عباس أنه قال: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله". فالذي تعرفه العرب هو الذي يرجع فيه إلى لسانهم ببيان اللغة.
والذي لا يعذر أحد بجهله: هو ما يتبادر فهم معناه إلى الأذهان من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد ولا لبس فيها، فكل امرئ يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}1, وإن لم يعلم أن هذه العبارة وردت بطريق النفي والاستثناء فهي دالة على الحصر. وأما ما لا يعلمه إلا الله: فهو المغيبات، كحقيقة قيام الساعة، وحقيقة الروح. وأما ما يعلمه العلماء: فهو الذي يرجع إلى اجتهادهم المعتمد على الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي، من بيان مُجْمل، أو تخصيص عام، أو نحو ذلك.
ينقسم التفسير من حيث منهج المفسرين إلى قسمين رئسيتين:
التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي:
التفسير بالمأثور: هو الذي يعتمد على صحيح المنقول بالمراتب التي ذُكِرت سابقًا في شروط المفسر، من تفسير القرآن بالقرآن، أو بالسٌّنَّة؛ لأنها جاءت مبيِّنة لكتاب الله، أو بما رُوِي عن الصحابة؛ لأنهم أعلم الناس بكتاب الله، أو بما قاله كبار التابعين؛ لأنهم تلقوا ذلك غالبًا عن الصحابة. وهذا المسلك يتوخى الآثار الواردة في معنى الآية فيذكرها، ولا يجتهد في بيان معنى من غير أصل، ويتوقف عما لا طائل تحته ولا فائدة في معرفته ما لم يرد فيه نقل صحيح كما هو حال التفسير بالرأي.
حكم التفسير بالمأثور:
التفسير بالمأثور هو الذي يجب اتباعه والأخذ به؛ لأنه طريق المعرفة الصحيحة. وهو آمن سبيل للحفظ من الزلل والزيغ في كتاب الله.
أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالمأثور:
1- التفسير المنسوب إلى ابن عباس.
2- تفسير ابن عيينة.
3- تفسير ابن أبي حاتم.
4- تفسير أبي الشيخ ابن حبان.
5- تفسير ابن عطية.
6- تفسير ابن الليث السمرقندي "بحر العلوم".
7- تفسير أبي إسحاق "الكشف والبيان عن تفسير القرآن".
8- تفسير ابن جرير الطبري "جامع البيان في تفسير القرآن".
التفسير بالرأي:
التفسير بالرأي: هو ما يعتمد فيه المفسر في بيان المعنى على فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد -وليس منه الفهم الذي يتفق مع روح الشريعة، ويستند إلى نصوصها- فالرأي المجرد الذي لا شاهد له مدعاة للشطط في كتاب الله، وأكثر الذين تناولوا التفسير بهذه الروح كانوا من أهل البدع الذين اعتقدوا مذاهب باطلة وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على رأيهم وليس لهم سَلَف من الصحابة والتابعين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم، كتفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم، والجبائي، وعبد الجبار، والرماني، والزمخشري وأمثالهم.
ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة يدس مذهبه في كلام يروج على كثير من الناس كما صنع صاحب الكشاف في اعتزالياته وإن كان بعضهم أخف من بعض، فمنهم طوائف من أهل الكلام أوَّلت آيات الصفات بما يتفق مع مذهبها، وهؤلاء أقرب إلى أهل السٌّنَّة من المعتزلة، إلا أنهم حين جاءوا بما يخالف مذهب الصحابة والتابعين فقد شاركوا المعتزلة وغيرهم من أهل البدع.
حكم التفسير بالرأي:
وتفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل حرام لا يجوز تعاطيه، قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}1، وقال, صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه -أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من النار"أخرجه الترمذي والنَّسائي وأبو داود، وقال الترمذي: هذا حسن.، وفي لفظ: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".
ولهذا تحرج السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، فقد رُوِي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: "إنَّا لا نقول في القرآن شيئًا"3.
أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالرأي:
1- تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم.
2- تفسير أبي علي الجبائي.
3- تفسير عبد الجبار.
4- تفسير الزمخشري "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، وعيون الأقاويل، في وجوه التأويل".
5- تفسير فخر الدين الرازي "مفاتيح الغيب".
6 - تفسير ابن فورك.
7- تفسير النسفي "مدارك التنزيل وحقائق التأويل".
8- تفسير الخازن "لباب التأويل في معاني التنزيل".
9- تفسير أبي حيان "البحر المحيط".
10- تفسير البيضاوي "أنوار التنزيل وأسرار التأويل".
11- تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي.
التحذير من بعض كتب التفسير:
سئل سماحة الشيخ ابن جبرين: ما حكم تفسير القرآن بالرأي ؟ وما هي التفاسير التي فسرت بالرأي؟
التفسير بالرأي كون الإنسان تخبط في التفسير ويفسره على ما يستحسنه، وقد وقع فيه كثير من المفسرين سيما أهل البدع ذكرنا بالأمس تفسير عبد الجبار القاضي عبد الجبار فسر آيات الصفات وسمى كتابه متشابه القرآن وعبد الجبار معتزلي ففسر القرآن برأيه ففسرها برأيه وحملها محامل بعيدة، كذلك تفسير الزمخشري تفسير أيضا بالرأي لأنه كان معتزليا وسيأتي أيضا أمثلة لأولئك المفسرين بالرأي.
ونحذر من تفاسير المبتدعة من المتقدمين والمتأخرين: من المتقدمين تفسير الماوردي ومعلوم قديما أنه يوصف بالاعتزال، وكذلك الزمخشري وإن كان يتستر باعتزاله، فيدخل الاعتزال في مداخل خفية، حتى قال بعضهم: أخرجت الاعتزال من الكشاف بالمناقيش يعني بأشياء خفية.
كذلك تفاسير المتأخرين الذين فسروا بما ظهر لهم تفسيرا فيه أغلاط مثل تفسير طنطاوي وما أشبهها، تفسير ظلال القرآن ففيه استنباطات قوية وفيه أخطاء، فمن قرأ الأخطاء التي كتبها عبد الله بن محمد الدويش رحمه الله عرف تلك الأخطاء حتى يتجنبها ويشير إليها، تفسير روح المعاني أكثر فيه من النقول ولكن فيه بعض الأخطاء والتأويلات وهو الألوسي تفسير الرازي توسع فيه، وهو أشعري يبالغ في نصر مذهب الأشاعرة، ويؤول الصفات التي ينفيها الأشاعرة، وغيرها من التفاسير التي سيمر بنا بعضها إن شاء الله.
قال الشيخ بكر أبو زيد :
" صفوة التفاسير " اسم فيه تغرير وتلبيس ، فأنَّى له الصفاء وهو مبني على الخلط بين التبر والتبن ، إذ مزج بين تفسيري ابن جرير وابن كثير السلفييْن ، وتفسير الزمخشري المعتزلي ، والرضي الرافضي ، والطبرسي الرافضي ، والرازي الأشعري ، والصاوي الأشعري القبوري المتعصب ، وغيرهم ، ولا سيما وهذا المزج على يد من لا يعرف الصنعة ولا يتقنها كهذا الذي تسوَّر هذا الصرح بلا سلَّم ، وإلا فإن أهل العلم يستفيدون من المفسرين المتميزين بما لا يخرج عن الجادة : مسلك السلف ، وضوابط التفسير ، وسَنن لسان العرب . التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير
وسئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن تفسير الجلالين ، فأجاب:
"تفسير مفيد وفيه بعض الأخطاء في الصفات وفي بعض ... ولكن مفيد، تفسير مفيد، وقل كتاب إلا ويكون فيه بعض الأخطاء، إلا كتاب الله -سبحانه وتعالى- وكتب الناس يكون فيها بعض الأخطاء، لكن مقل ومكثر، فتفسير الجلالين فيه بعض الأخطاء فإذا تيسر أن يدرِّسه صاحب سنة، يعرف كلام أهل السنة والجماعة فينبه على الأخطاء فهذا طيب، وإذا أشكل شيء على الدارس يسأل أهل العلم"أ.هـ وقد جمع الشيخ محمد عبد الرحمن الخميس هذه الهنات ومثل لها في كتيب صغير سماه: أنوار الهلالين في التعقبات على الجلالين.
أفضل كتب التفسير:
إن من أفضل التفاسير بشكل عام من ناحية الشمولية في أنواع التفسير من ناحية وسلامة المعتقد من ناحية أخرى هما : تفسير الطبري من المتقدمين وتفسير ابن كثير من المتأخرين. ومن التفاسير المعاصرة المختصرة: التفسير الميسر وتفسر السعدي.
وعندما سئل سماحة الشيخ ابن جبرين عن كتب التفسير التي ينصح بها أجاب " ننصح بتفسير ابن جرير وابن أبي حاتم لأنهما يفسران بالمأثور وتفسير ابن كثير وتفسير البغوي وإن كان ابن جرير والبغوي فيه شيء من الإسرائيليات، ومن المتأخرين تفسير ابن سعدي تفسير بالاستنباط، كذلك للشيخ الجزائري أيضا تفسير، هذه تفاسير سليمة."
ونحن ننصح بهذه الكتب مرتبة حسب اختصارها. فمن أراد أن يبدأ قراءة التفسير فليبدأ بالتفسير الميسر وقد يقرأ كذلك تفسير الجلالين (مع الإنتباه لبعض الملاحظات المذكورة سابقا) ثم يقرأ تفسير السعدي ثم اذا أراد أن يتوسع قليلاً فليقرأ تفسير ابن كثير.
1- التفسير الميسر (لنخبة من العلماء الافاضل وبإشراف مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف )
2- تفسير السعدي
3- تفسير ابن كثير
4- تفسير الطبري