تريدني أن أختم عمري بالرّياء ؟ !
وفي الصفحة 106 يروي الجفري قصّة فيقول : (( وجاء عن بعض الصّالحين أنه كان وهو في سكرات الموت يقولون له : قل لا إله إلاّ الله فكان يقول بقلبه لأنّ لسانه قد أمسك .. فجاءه أبليس وقال له : ارفع إصبعك حتى يعرف من حولك أنّك نطقت بالشهادتين ... فقال في خاطره : اخسأ يا لعين ! تريدني أن أختم عمري بالرّياء ؟ ! أنا أقول لا إله إلاّ الله من أجل أن أقابله هو بها , لا من أجل أن يعرف الناس أني متّ على لا إله إلاّ الله ... قال فبكى إبليس وقال : أضللت بهذه الحيلة سبعين عالماً ! جعلتهم يموتون على رياء _ والعياذ بالله_ في تعاملاتهم )) انتهى.
وروى مثلها أو قريباً منها عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله !!
التعليق
هذه هي القصص التي يرتكز عليها الجفري في دعوته , وهي غير صحيحة بالطبع.
والسؤال : من الذي أخبر الجفري بالحادثة ؟ الميّت أم إبليس ؟!
ثمّ إذا كان الرجل يتحدّث في خاطره كما يزعم الجفري فكيف سمعه إبليس ؟ أم أنّ إبليس عند الجفري يعلم السرّ وأخفى والعياذُ بالله ؟!
ومن أخبر الجفري أنّ إبليس بكى ؟! وتبقى المصيبة في نوع المصادر التي يعتمد عليها الجفري في الدّعوة للإسلام ؟
وهل نسي الشيخ الجفري أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القائل : (( لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله , فإنه من كان آخر كلامه لا إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر , وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه )) ابن حبان
فكان النطق بالشهادة علامة على حسن الخاتمة , والمسلمون متّفقون على أنّه لا ينطق بالشهادة عند الموت إلاّ من وُفّق لها وكان مرضياً عند ربّه , وهم يحرصون على فعلها وتلقينها لمرضاهم عند الموت , ويوصون بتلقينهم إيّاها عند احتضارهم !
فلماذا لا يريد الجفري أن يعلم الناس أنّ موتاهم ماتوا على قول لا إله إلاّ الله , ويجعلها إن أُظهرت علامة على الرّياء ؟
أرأيت إن كان المريض يستطيع الكلام ولم يثقل لسانه كما في هذه الحالة التي يتصورها الجفري , أليس من الطبيعي أن يستجيب لمن حوله فينطق بالشهادة ؟ أم سيعتبره الجفري مُرائياً أيضاً ؟
وعندما يروي الصوفيّة قصص شيوخهم عند الموت وأنّهم تلفّظوا بالشهادة قبل الموت فهل يقصدون أنّ شيوخهم ماتوا على رياء ؟
إنّ الحديث عن الرياء عند سكرات الموت حديثُ ليس في موضعه , بل هو بعيد كلَّ البعد عن روح الدين الإسلامي , فالمؤمن عند النزع الأخير يكون مقبلاً على الله مدبراً عن الدنيا فلا مجال للرياء هنا.
وهل يريد الجفري أن يفهم الناس أن سبعين عالماً أضلّهم إبليس وجعلهم يموتون وهم على شرك الرّياء : عمل المسلم الطاعة ليراه الناس فيثنوا عليه , وليس ابتغاء وجه الله , ولذلك سمّاه العلماء شركاً وفيه أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
كل ذلك لأنّهم أشاروا بسبابتهم عند الموت دلالة على التوحيد ؟!
إنّ أمثال هذه القصص إن صدّقها العوام ستكون نتيجتها امتناعهم عن النطق بالشهادتين عند الاحتضار وذلك خشية الرّياء !!
فهل هذا ما يريده الجفري ؟ لا أظنه يريده , ولكنه سيكون متسبباً بذلك لروايته أمال هذه القصص التي لا تصحّ سنداً ولا معنى.
إننا لو عكسنا الأمر وقلنا للناس إذا وسوس لكم الشيطان عند الموت أن تخفوا الشهادة لكي لا تقعوا في الرياء , فاستعيدوا بالله منه واجهروا بها فإن لم تستطيعوا فارفعوا السبابة ولخسأ عدو الله .
فأيَُ منهج هذا الذي يدعوا إليه الجفري ؟ ولماذا يكون دائماً مخالفاً لمنهج النبوي ؟!