مسار جيش النبي لفتح مكة من مسجد الفتح الى بئر طوىمسار جيش النبي لفتح مكة من مسجد الفتح الى بئر طوىودي وثايق من معالم امكنة مسار جيش النبي محمد علية السلاملفتح مكة المكرمة
في يوم مكيّ خالص؛
سابق فيه الجميع عين الشمس منذ الصباح الباكر
وحتى أرخت أستارها الذهبية بحنو على جبال مكة الموجوعة!.
كان د. معراج ميرزا أحد أشهر مراجع الذاكرة المكيّة قائد الفريق
والدليل الخبير في كل تفاصيل معالم مسار الفتح جغرافيا
وتاريخيا ومعايشة في إنتظار فريق الجولة حيث توجه الجميع الى ضاحية
الجموم لينعطفوا باتجاه القادم من المدينة الى طريق الهجرة القديم،
حيث نقطة التقاء فريق الجولة الميدانية لتنطلق الأقدام لتتبع
خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة للهجرة
وتحديدا قبل أكثر من 1427 عاما مع عشرة آلاف صحابي جاؤوا لفتح مكة.
د. معراج يشرح لفريق الجولة تفاصيل وادي مرّ الظهران عند مضيق المأزمين.
وقف د. معراج على تلة ناهدة في بطن وادي مرّ الظهران
حيث خيم جيش النبي بجوار مسجد الفتح المشهور هناك وأستوقف
عجلة التاريخ ليحكي بداية القصة وبتفاصيلها المثيرة.
أشاح بيده في اتجاه بطن الوادي وقال:
هناك أنتشر 10 آلاف جندي كمحطة إستراحة قبل الأخيرة لرحلتهم
المتعبة من المدينة المنورة.
مسجد الفتح في الجموم حيث توقف النبي خارج مكة مع جيش الفتح
في المساء أمر النبي صلى الله عليه وسلم قادة جيشه بأن يحمل كلّ فارس
مشعلا من نار حتى الصباح.
لابد وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن قريشا بعثت العيون لتراقب تحركاته. بالفعل كان هناك أبا سفيان ابن حرب مختبئا خلف صخور
الجبل يراقب المشهد المهيب. هاله منظر الجيش وعدده.
وعرف أنه لا طاقة بقريش وحلفاءها بمواجهة هذا المدّ الذي
أضاء بنور مشاعله كل جنبات الوادي الفسيح.
لم يبق إلا أن يتصرف كسيد من سادات قريش.
هبط الوادي وقال دلوني على محمد. أسلم هنا أبا سفيان رضي الله عنه،
وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم كلمات أزالت سخائم روحه وعداءه القديم. قال له النبي صلى الله عليه وسلم
مطمئنا بعد إسلامه: .. ومن دخل دار أبا سفيان فهو آمن.
مضيق المأزمين حيث عبر جيش الفتح صوب مكة.
** مضيق المأزمين
مشينا بين جنبات مضيق جبلي وعر (على طريق الهجرة القديم)
يعرف بـ (المأزمين) وهو على بعد أقل من كيلو مترين جنوبا من مسجد الفتح،
حيث عبر الجيش الى مكة. كان وادي مرّ الظهران (وادي فاطمة حاليا)
فسيحا وجافا تصفر فيه الرياح الا من أشجار صحراوية وصخور
ساقتها السيول الى بطن الوادي.
وفي الأفق القريب بدت حركة نشطة صعودا ونزولا للسيارات
والمركبات في طريق الهجرة الجديد الى المدينة.
فريق الجولة متوقفا أمام مرقد أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث في حي النوارية حاليا.
** مرقد أم المؤمنين ميمونة
بعد عدة كيلو مترات أخرى،
توقفت الجولة عند مرقد أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث العامرية
في وادي سرف على كتف مسار الخدمات في طريق الهجرة الجديد
في حيّ (النوارية) حيث أوصت رضوان الله عليها بعد فراغها من الحج
(العام 51هـ) بدفنها في المكان الذي تزوجها فيه
النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من عمرة القضاء
في السنة السابعة الهجرية عائدا الى المدينة.
مرقد أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها.
إستمعنا الى شرح دليلنا وتأكيده بأن هذا المكان الذي وقفت فيه
السيدة ميمونة على بعير لها وقالت للنبي (البعير وما عليه لله ورسوله)
لتكون آخر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
والتي فيها نزل قوله تعالى:
(( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)).
كان المرقد مسورا ومغلقا، وخاليا من الزوار.
السلام عليك يا أم المؤمنين ميمونة.
في الطريق أشار د.
معراج الى مسجد مجاور لمدرسة التنعيم للبنين مرجحا أنه موقع
إعدام وصلب كفار قريش للصحابي الجليل حباب بن عدي الأوسي الأنصاري.
هذا الصحابي الجليل الذي شهد بدرا وأحد كان اول من صلب في ذات الله،
وأول من سن الصلاة قبل تنفيذ قريش لحكم إعدامه وصلبه
خارج حدود حرم مكة،
حيث وافق قرار قريش قتله في أيام أشهر الحرم وخرجوا به
الى الحلّ لتقتله خارج حرم مكة.
مررنا بعدها الى مسجد أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق
في التنعيم بجوار علامات حرم مكة في مبتدأ طريق الهجرة.
وهو اقرب نقطة للحل من مكة،
وبني المسجد على الأرجح بالقرب من المكان الذي أحرمت منه
أم المؤمنين للعمرة مع أخيها رضي الله عنهما
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع.
قال د. معراج من هنا دخل جيش الفتح مكة،
حتى أناخوا ركابهم في وادي طوى حول بئر إغتسل من ماءه
النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بالقرب منه.
وهو البئر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :
أن سبعون نبيا اغتسلوا من مائه عند حجهم الى البيت العتيق.
من بطن هذا الوادي،
قسم النبي علية السلام : جيش الفتح الى أربعة كتائب لتدخل
كل كتيبة من الجهات الأربعة لمكة.
وأختار النبي أن يكون في كتيبة الصحابي عامر ابن الجراح
الذي إنعطف راجعا الى وادي فخ ليسلكوا طريقا يعرف اليوم بشارع الحج.
وادي فخ بالقرب من شارع الحج الآن.
** وادي فخ
تتبعنا خطى مسار النبي صلى الله عليه وسلم وانعطفنا باتجاه
شارع الحج لنهبط في وادي فخّ قبل أن نتوقف في استراحة قصيرة
عند سدّ قديم بناه الملك عبدالعزيز لمنع السيول التي كانت تطمر
كل حجر ومدر في طريقها لبطن مكة.
والسدّ الآن مطلّ على بستانين وأشجار متناثرة في جنبات الوادي الفسيح.
وبدا في الأفق القريب رأس جبل النور حيث يقع غار حراء الذي شهد
أول لقاء بين جبريل عليه السلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم
لتكليفه ببشارة النبوة والبعثة للعالمين.
وادي فخ .. وحوله أذخر وجليل!.
** ووادي فخّ
هو المكان الذي ترنم به شوقا لمكة مؤذن النبي
بلال بن رباح رضي الله عنه في قوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة *** وهل يبدون لي شامة وطفيل.
مرقد عبدالله بن عمر في الفناء الخلفي لمبنى أمانة العاصمة المقدسة
في حي المعابدة الآن.
مرقد عبدالله بن عمر!
بعد إستراحة قصيرة توجهنا الى ريع ذاخر،
وعبرنا بين ورش حدادة ونجارة ومحلات وأحياء سكنية ضيقة
الطرقات الى أن توقفنا على ناصية شارع ريع ذاخر،
وأمامنا الواجهة الخلفية لمبنى أمانة العاصمة المقدسة،
وبالقرب في إتجاه اليسار يقع مسجد الإجابة المشهور في حيّ المعابدة
حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
** مرقد الصحابي الجليل عبدالله بن عمر أشهر من تتبع وحفظ آثار النبي.
كان لافتا لفريق الجولة تأكيد د.
معراج (على خلاف موقعين آخرين في مكة)
إن الفناء الخلفي لمبنى الأمانة يضمّ مرقد الصحابي الجليل
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهو أشهر من حفظ كل المواقع التي وقف عليها
النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين كلّ أصحابه في قول واحد.
كان مرقد الصحابي الفقيه عبدالله بن عمر بلا شواهد تدل عليه
، وبدت نخلتان قصيرتان توفران ظلا وارفا على سرب حمام
تؤنس عدة أحجار بارزة كحمى لمرقده رضي الله عنه المحاط
بسور حديدي للمبنى.
السلام عليك يا سيدنا عبدالله بن عمر.
د. معراج مرزا يشرح عدد من معالم مسار جيش الفتح من فوق جبل خندمة.
** جبل خندمة
تحرك فريق الجولة لنترك مبنى الأمانة خلفنا لننعطف بين
قصري السقاف والبياضية التاريخيين في المعابدة،
لنعبر جنوبا الى حارة الملاوي بشوارعها الضيقة أيضا لتبدأ رحلة
صعود جبل خندمة من جهته الشمالية الشرقية.
هذا الجبل الذي يقع خلف جبل أبي قبيس
هو أعلى جبال مكة وتنتشر في جوانب شعابه
وسفوحه الأربعة عدة أحياء سكنيّة،
والشرقية والغربية منها لازالت مأهولة بالسكان والأسواق
والحياة الشعبية البسيطة.
كان صعود جبل خندمة
الى واجهته الجنوبية الغربية المطلة على بيت الله العتيق،
والتي كانت تضم أشهر شعاب مكة (شعب بني هاشم)
شاقا للغاية بسبب طرقاته الضيقة.
البلدوزرات تزيل جسم جبل خندمة أعلى جبال مكة المطلة على بيت الله العتيق.
في قمة جبل خندمة:
كانت البلدوزرات تأكل في نهم واضح جسم صخوره.
كان أنين الجبل وتوجعه حسيا لا تفهمه قوارض الحفارات
ولا عمال الإزالة الذين يتناوبون ليلا ونهارا لإنهاء مهمتم
. كان المشهد مهولا بمعنى الكلمة. ويعجز الناظر عن وصف نشاط
وحركة الحفر والهدم الذي أزال والى الأبد الجزء الذي كانت فيه أول معالم
ومرابع طفولة وصبا وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
في مكة لأكثر من 53 عاما قبل
هجرته صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة.
شعب بني هاشم أزيل بالكامل وبعمق هائل ويبدو مكانه مصنع خرسانة جاهزة!.
لم يعد هناك شعاب بني هاشم حيث كانت بيوت
النبي وآله وأصحابه السابقين في الإسلام.
ولم يستطع خندمة بكل صلادة حجارته الجرانيتية الصمود أمام
حفارات جائعة تنخر بأسنانها الفولاذية
ذاكرة وذكرى المكان الذي تعطرّ بسيرة ومسار مكة النبوية.
تحول شعب بني هاشم الى فجوة صخرية عميقة ليربض
في جوفه كسارة ومصنع لتجهيز وجبات الإسمنت الخرساني
بحصوات جبل بدا مستسلما لقدره المحتوم.
كانت عين الشمس تبدو غاضبة في كبد السماء،
وبدا كل شيء بلا ظل حتى نادى مؤذن البيت العتيق الى صلاة الظهر.
توقفت سحب عوادم الحفارات وتلاشى سواد فعلها وسط رياح خفيفة.
وأنتظم بعض العمال والمشرفين في صفوف متناثرة للصلاة
صوب الكعبة المشرفة تحت ظلال بلدوزراتهم!.
رافعات حديدية تغطي سماء المنطقة المركزية لبناء الأبراج السكنية
وتوسعة المسجد الحرام.
وكان صدر الأفق ضائقا بألسنة حديدية متشابكة للروافع والونشات
تعمل ليل نهار في إعلاء أبراج وناطحات لتوفير مطل
على الكعبة المشرفة. وبدا واضحا في بطن وادي إبراهيم
تفاصيل توسعة الحرم المكي الجديدة وهي تتمدد في إتجاه فضاء
تم تهيئته في جسم خندمة شمال شرق وادي إبراهيم الخليل.
لا تزال بضع بيوتات قديمة وآيلة للسقوط مأهلولة بعمالة باكستانية،
وهي وطرقاتها غارقة بأكوام من المخلفات والعيون المتسائلة
عن سبب وجود هذه الوجوه الغريبة عن المكان!.
برج الساعة
آخر الشهود على إزالة معالم التاريخ النبوي في بطاح وجبال مكة!.
كانت عين برج الساعة تراقب كل حركة وسكنة تجري تحتها في بطاح مكة.
وبدا أن لا الأفق ولا صدور الناس إعتادت بعد ابتلاع وجودها
الطاغي على كل شيء حولها!.
مبنى مولد النبي (مكتبة مكة المكرمة) في قلب الصورة بلون أصفر.
مبنى مولد النبي علية السلام
في كنف خندمة الغربي،
كان يبدو مبنى من طابقين وحيدا خاليا من كل جوار
إلا جوار الصفا والمروة على مسافة لا تزيد عن 455 مترا
أمام الميلين الأخضرين في المسعى.
هذا المبنى الذي بني بأمر من الملك المؤسس
عبدالعزيز آل سعود رحمه الله يضم مكتبة مكة المكرمة،
وفي إحدى غرفه يقع مكان ولادة السيدة آمنة بنت وهب
بيتيم مكة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كان اليقين الذي لم يخالج شك الجميع أن عيون وأسنان جحافل
البلدوزرات تراقب المبنى من علو سفح خندمة.
والمؤكد أنه لن يمض وقت طويل، وربما في غضون عام واحد،
ليكون وجبتها القادمة إستعدادا لإنشاء مباني ومصطبات
بحسب مخططات توسعة الحرم المكي في الساحات الشمالية.
وتلك قصة أخرى، يغلفها غموض مقصود!.
مبنى المولد بقي يتيما من كل جوار.. والبلدوزرات تقترب منه شيئا فشيئا.
كان غبار الحفر وأتربة قص وإزالة صخور الجبل
عفّرت وجه المبنى التاريخي، وسارعت أمانة العاصمة المقدسة
مؤخرا بطلاء جدرانه الخارجية بلون جديد وغير ومعهود على المبنى
المجلل دوما بالبياض. قريب من لون جلد البلدورزات وهياكل
الحفارات وأعناق الونشات المحيطة به من كل حدب وصوب.
السلام عليك أيها النبي يوم ولدت ويوم تبعث حيا.
ترك فريق الجولة الذي كان منصتا الى معلومات د.
معراج مرزا عن تاريخ جبل خندمة وكلّ ما وصل إلينا بصره عن
أحياء وجبال وبطاح مكة تحتنا.
إستودعنا شيّ من الدموع وتنهدات الحسرة والأسف
ونحن نطوى أقدامنا نزولا باتجاه ريع بخش في طريق إجياد.
ولم نكد نستطع ان نرمق خلفنا لمشاهدة حفلة الحفر وإزالة الجبل
وبقية شعابه الغربية المباركة.
بئر طوى كما يبدو الآن وحيدا هو الآخر بعد أن أزيل
كل شيء حوله ما عدا سرب حمام!.
بئر طوى
إخترقنا الطريق غربا باتجاه وادي طوى
حيث أنخنا آخر محطات الجولة الإستكشافية.
كان بئر طوى يبدوا منهكا ويتيما هو الآخر.
زال كل جوار حوله ليبقى وحيدا في قلب وحشة حقيقية
الا من أسياخ وقضبان حديدية تجهز لمشاريع التوسعة
والتطوير في المنطقة المركزية.
تحولت ساحات بئر طوى التي أناخ حولها جيش فتح مكة الى ورشة لأعمال الحديد!
تذكرنا أجمة من أشجار وارفة كانت تضلل مبنى البئر تم قطعها هي الاخرى.
وهدم كل ما حوله من بيوت وحياة لأناس كانوا يأنسون به وبجواره.
لم يبق غير سرب صغير من حمائم البيت تؤنس وحدة البئر
بصوت هديل بدا لسامعيه أقرب للنواح والبكاء.
... كانت الجولة حافلة بالرصدّ والحنين وكثير من التوجع والأسى..
وكان الأمل في حفظ ما تبقى هو الخيار الوحيد!.
1079