قصة حب "جيهان" و "أنور السادات"«كانت البنات تحلم بنجوم السينما وكان هو بطل أحلامي»ذا كان للحب الأسطوري الذي تراه في السينما مكانا وأرضا يبسط جناحه عليها في الواقع فإن تلك القصة هي الأرض التي ستحط عليها رحال علاقات الحب السينمائية، فبعد سنوات من رحيل أحد أطرافها مازالت ترى زوجته أنه «الحبيب» قبل أن يكون الضابط أو الزوج أو حتى الرئيس.
«كانت البنات تحلم بنجوم السينما وكان هو بطل أحلامي»، هكذا تقول جيهان صفوت رؤوف عن زوجها محمد أنور محمد السادات، الذي كان يكبرها بـ15 عاما عندما قررت تحدي عائلتها والوقوف في وجه العادات والتقاليد والدخول في صراع مع والدتها الإنجليزية من أجل الزواج من «فلاح مصري سوابق، ومفصول من عمله».
اعتادت «الآنسة جيهان» قضاء الصيف في السويس برفقة عمتها وزوجها الذي كان يعمل طيارا وله علاقة وطيدة بالسادات، وكان لصيف عام 1948 أثرا آخر في حياتها إذ سمعت لأول مرة عن حكاية ضابط متهم في قتل أمين عثمان، وزير المالية المصري آنذاك، وكيف أنه قدم تضحيات لمصر أدت في النهاية إلى فصله من الجيش، مقر عمله.
تلك الشخصية الأسطورية التي تشبه حكايات أبطال السينما جعلت «جيهان» تنبهر بها قبل أن تراه، وتقول: «كان هذا الكلام له أثر كبير في نفسي، لأني تعرفت عليه قبل أن أراه، وتأكدت أنه يملك روح البطولة وليس شخصا عاديا، كان سني صغيرا ولم أكن أتصور أن أرتبط به أو أتزوجه، كل الموضوع أني انبهرت بالشخصية قبل أن أراها».ظلت تسمع عن قصة البطل الأسطوري إلى أن خرج من السجن، الخبر الذي كان له أثرا غير طبيعيا عليها لدرجة أن بكت من الفرحة الشديدة التي أصابتها لمجرد معرفتها بخروج «فتى الأحلام الأول»، أنور السادات.خرج السادات من السجن وذهب مع زوج عمتها، حسن عزت، إلى السويس، ورأته «جيهان» لأول مرة، فأبدت انبهارها بصمته وهدوءه والتزامه ورغبته في سماع من حوله، لكنها تساءلت «لماذا جاء إلى هنا قبل أن يذهب لبيته؟»، وهنا علمت أن هناك مشاكل وخلافات بينه وبين زوجته قد تؤدي إلى انفصالهما.وبدأت «جيهان» تسأله عن حياته في السجن وأيامه في المعتقلات والزنازين وتسمع منه عن أفكاره ومعتقداته ورأيه في الدنيا وحال البلاد وكل ما جال بخاطرها، وكان أكثر ما بهرها به هو أنه كان يحكي عن فترة سجنه بنوع من الفخر وليس المرارة التي تبدو في أحاديث السجناء السياسيين، وهنا اكتملت صورة البطل الأسطوري الذي تحول إلى فتى أحلام الشابة ذو الـ15 عاما. كان عيد ميلادها الـ15 بداية شرارة الحب التي انطلقت بين طرفين استحال بينهما التلاقي، وقدّم لها السادات في ذلك الوقت «أغلى هدية»، كما تصف «جيهان»، فلم يكن يملك مالا كي يشتري لها هدية، ولا يملك شيئا ثمينا كي يقدمه لها، فقرر أن يغني أغنية فريد الأطرش «ياريتني طير وأطير حواليك»، وكانت تلك هي الهدية الأولى والأغلى لفتاة مراهقة غنى لها بطل أسطوري قائلا: «يا ريت كل الدنيا ملكي .. أنا وحبيبي بالشركي، ما كنت بفوتو ولا تكي لكن يا ريت باريت، عمرا ما كانت تعمر بيت، ريتني يا قلبي زهرة، لأزين صدرك شيء مرّه، وبفرفح قلبي يا حسرة يا ريتني شعرة بجفونَكْ، لا رد الشمس عن عيونَك، واتعلم سحرك وفنونك.. يا ريت يا ريت». هذا التمني الذي عبر عنه بـ«ياريت» وجد قلبا متأثرا يستطيع أن يحارب من أجل أن تصبح «ياريت» حقيقة واقعة وملموسة، ورغم أن السادات كان يحاول بجدية الابتعاد عن «جيهان» بسبب ظروف السن والعمل والحالة الاجتماعية، لكن طموح الشابة وحبها كان أكبر من ذلك.
كانت«جيهان» من عائلة غنية، وكان السادات فقيرا، وكانت شابة لم تكمل 15 عاما، وهو رجل في سن الـ30 ومتزوج ولديه 3 بنات، وكانت لها أم إنجليزية، وهو يحارب من أجل إخراج الإنجليز من مصر، وكانت في مقتبل حياتها، وهو مفصول من عمله، وكانت جميلة بيضاء، وكان أسمر، تلك بوادر قصة كُتب لها القدر أن تستمر.
وتقول «جيهان»: «لما خرج من السجن راح على حلوان، وبعدين جابه زوج عمتي عنده فقعده معاه، بعديها أنا كنت بأتكلم معاه كل يوم وبأقعد معاه، وبعدين ابتديت أحبه وأحسن إن أنا بأحبه، وبعدين هو للحقيقة نفس الحكاية، وكان بيقاوم لأن هو كان معتبر إنه يعني مش عاوز يتجوز تاني، ويعني على الأقل يبقى فيه فترة، وكان مستصغرني عليه، بمنتهى الأمانة يعني كان مستصغر إن الفرق بيننا كبير وكده، فأنا كنت بأذلل له كل حاجة يعني، يعني فقير، يقول لي: أنا فقير، ما حلتيش حاجة، أقول له: عمر الفلوس كانت بتشكل حاجة عندي. يقول لي: طيب أنا لسه ما اشتغلتش، ما عنديش وظيفة، أقول له: هتيجي الوظيفة في يوم من الأيام».
بدأ الحب يتسلل ويتمكن من قلب كليهما وظهرت فكرة الزواج على السطح لأول مرة، وبدأت «جيهان» تضرب عرض الحائط بالعادات والتقاليد من أجل التقرب من حبيبها، واستطاعت الخروج معه أكثر من مرة والمشي معه في الفجر على الشاطئ في السويس، ودبرت ظروفها وقابلته في الإسكندرية العديد من المرات، وهكذا، لكن المشكلة الأكبر في حياتها هي إقناع والدتها الإنجليزية بالموافقة على علاقتها بأنور.
وبعد صراع طويل مع والدتها استطاعت «جيهان» إقناع الأم الإنجليزية المتشدة بمقابلة أنور السادات، وكان «الجو متكهرب»، كما تقول «جيهان»، واستمرت المقابلة جيدة إلى أن سألته والدتها عن رأيه في «تشرشل»، فرد قائلا: «حرامي»، وهنا اغتاظت والدتها جدا وبدت المشكلة في طريقها للتعقيد أكثر فأكثر.وقفت «جيهان» أمام أهلها وأصرت على الزواج بأنور، قائلة: «لو متجوزتوش مش هتجوز غيره»، ووافقت على الارتباط من رجل كبير أسمر مطلق مفصول من عمله، وتم الزواج وارتضت الحياة في أسوأ الظروف المادية والاجتماعية فقط من أجل العيش مع حبيبها الذي أصبح بعد أكثر من 20 عاما رئيس أكبر الدول العربية، وأصبحت هي سيدة مصر الأولى كما كانت «سيدة قلبه الأولى»، وكان «حبها الأول والأخير»، كما تروي دائما.