قواعد مهمة
• قال الزركشي : " وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي ، فإن كان أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه إلا أن يقوم دليل علي أن المراد هو الخفي ، وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية وفي الآخر شرعية فالحمل علي الشرعية أولى إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما في قوله تعالى ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ التوبة: ١٠٣ } ( ) ، ولو كان في أحدهما عرفية والآخر لغوية فالحمل على العرفية أولى لأن الشرع ألزم ، فإن تنافى اجتماعهما ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فما ظنه فهو مراد الله تعالى في حقه وإن لم يظهر له شيء فهل يتخير في الحمل علي أيهما شاء أو يأخذ بالأشد حكما أو بالأخف ؟ أقوال ، وإن لم يتنافيا وجب الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة إلا إن دل دليل علي إرادة أحدهما ." . ( ) .
1. اختلاف القراءات
فاختلاف القراءات المتواترة فيه ثراء للمعنى وإيضاح له وتقرير .
• ومثال ذلك: ما ورد من قراءات في تفسير قوله تعالى ﭚ ﭛ ﭜﭝ [ سورة يوسف : 23]حيث لجأت امرأة العزيز إلي التصريح بعد أن استفرغت جميع أساليب التلميح ووسائل الإغراء فقالت بعبارة سافرة (ﭛ ﭜﭝ)
و(ﭛ ) اسم فعل أمر بمعنى هلم وأقبل وفي قراءة ( هِئْتُ ﭜ ) أي حسنت هيأتي من أجلك .
* قرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر ، وأبو جعفر بكسر الهاء وفتح التاء ، ( هِيتَ ) وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء ( هَيْتُ ) وقرأ الباقون بفتح الهاء وسكون التاء ( هَيتْ ) ، وقرأ هشام - كما روي عنه إبراهيم بن عباد – ( هِئتُ لك ) بكسر الهاء وضم التاء أي تهيأت لك ، ومدار القراءات حول معنى واحد وهو : هلم وأقبل فلقد تهيأت لك ( ).
• ومثال ذلك أيضا اختلاف المفسرين في تفسير قوله تعالى ﭧ ﭨ ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ آل عمران: ٣٦ ؛ ومرجع اختلافهم إلي اختلاف أوجه القراءات المتواترة في - التاء - من ( وضعت )
فقراءة ابن عامر، وأبي بكر الكوفي ، وعاصم بن أبي النجود ، ويعقوب بضم التاء ( وضعتُ ) ، وقراءة ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، والكسائي وحمزة وعاصم في رواية حفص بسكون التاء ( وضعتْ ) ( ) .
وعلي الأول : فالتاء تاء الفاعل ، وهي تاء المتكلمة أي بما وضعتُ 0
وعلي الثاني : فالتاء تاء التأنيث أي بما وضعتْ هي 0
والقراءتان متواترتان .
أما عن توجيههما ، فعلى النحو التالي :
أولا : القراءة الأولى (ﯝ ﯞ ﯟ وضعتُ) : من تمام كلام امرأة عمران قالته اعتذارا إلى ربها ؛ لعجزها عن الوفاء بنذرها ، أو قالته تسلية لنفسها ، لبيان أن لله في ذلك حكمة يعلمها ، فالله يدبر أحوال الخلق وفق قدرته وإرادته وعلمه وحكمته ، ولعل هذه الأنثى عند الله خير من الذكر ؛ لأن ما يفعله الرب بالعبد خير مما يريده العبد لنفسه ، كما قال ﭧ ﭨ ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﮊ البقرة: ٢١٦
ويمكن توجيه القراءة علي : أنها فوضت العلم إلى الله فقالت (ﯝ ﯞ ﯟ وضَعْتُ ) 0
لأن قولها (ﯚ ﯛ ﯜ) للاعتذار ، لا للإعلام ، فالله سبحانه لا تخفى عليه خافية 0
ولقد توجه الإشكال إلي هذه القراءة بأنها لو كانت حكاية لكلام أم مريم وتمام خطابها لكان الأولى أن تقول ( رب إني وضعتها أنثى ، وأنت أعلم بما وضعتُ ) ؟ ويمكن الإجابة علي هذا الإشكال بأن جملة ( والله أعلم بما وضعتُ ) التفات من الخطاب إلي الغيبة والالتفات صورة رائعة من صور البلاغة 0
ثانيا : وعلي القراءة الثانية (وضعتْ ): فهي جملة اعتراضية ، وقد سيقت تعظيما لشأن المولودة ، و بيانا لعلو منزلتها ، وسمو قدرها ، اصطفاها الله وطهرها ، وجعلها وابنها آية للعالمين 0
والجملة من كلام الله ، وليست من تمام كلام امرأة عمران 0
والقراءتان متواترتان ولا تناقض بينهما ؛ فكل قراءة لها توجيه مفيد في فهم المعنى ، وتعدد القراءات في الكلمة الواحدة مع اتفاق المعاني وانسجامها ، وتكاملها ، وجه من وجوه الإعجاز القرآني ولون من ألوان بلاغته 0
• هذا والمتأمل في اختلاف القراءات يجدها على النحو التالي :
الأول : أن تختلف القراءتان في اللفظ وتتفقا في المعنى مثل (الصراط والسراط )و (يحسَِب ) بفتح السين وكسرها، و(مَِرفَِقا)بفتح الميم وكسر الفاء والعكس ، فالمعنى واحد .
والحكمة في هذا النوع من الاختلافات تيسير القراءة على ذوي اللهجات المختلفة .
الثاني : أن تضيف القراءة معنى جديدا لا يتعارض مع المعنى الأول ولا يناقضه فكلا المعنيين صحيح ، وذلك كما في قوله تعالى ﭧ ﭨ ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﮊ البقرة: ٢٥٩ قرئ (ننشزها , و (ننشرها ) لأن المراد في القراءتين العظام فقوله تعالى (ننشرها ) بمعنى نحييها , وقوله تعالى( ننشزها ) أي نضم بعضها إلي بعض حتى تلتئم , " ولا تناقض بين المعنيين لأن الله تعالى إذا أراد بعث الخلائق ضم عظامهم بعضها إلى بعض ثم يحييها للجزاء " ( ) .
الثالث : اختلافهما في اللفظ والمعنى مع امتناع جواز اجتماعهما في شئ واحد , لكن يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد.
ومثاله قوله تعالى ﮋ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ يوسف: ١١٠ قرئ بالتشديد والتخفيف في " كُذِّبوا ", و" كذَبوا" فالتشديد :يعني: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذّبوهم , و التخفيف يعني : وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذَبوهم - أي كذبوا عليهم - فيما أخبروهم به , فلا تعارض بين المعنيين . ( )
ومن هنا فلا يمكن أن يكون هناك تعارض بين قراءتين متواترتين لأن كلاهما وحي من الله تعالى وكلام الله عز وجل منزه عن التناقض والاضطراب .
1. الاختلاف في القول بالنسخ
فقد يقول بعض المفسرين بالنسخ لمجرد التعارض ، ولو أمعنوا النظر وأعملوا الفكر لما وجدوا تعارضا بين النصوص يدعو إلى القول بالنسخ ، فإعمال النص خير من إهماله .
ولقد توسع المتقدمون في النسخ حتى أدخلوا فيه ما ليس منه فاعتبروا التخصيص والبيان والتقييد من قبيل النسخ .
قال ابن القيم رحمه الله :"ومن تأمل في كلامهم – يعني المتقدمين- رأى من ذلك فيه ما لا يحصى وذهب عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر " ( )
• مثال ذلك اختلافهم في قوله تعالى ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ البقرة: ٢١٩ البقرة : فعن السدي في قوله { ﯶ ﯷﯸ } قال: هذا نسخته الزكاة ، وعن طاوس قال: العفو اليسير من كل شيء ، وكان مجاهد يقول {العفو} الصدقة المفروضة ، " وقال الكلبي: كان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوما وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها ، وقال قوم: هي محكمة ، وفي المال حقٌّ سوى الزكاة " ( ) .
والراجح أنها محكمة فلا تعارض بينها وبين ما ورد في شأن الزكاة المفروضة ، لأن العفو هنا هو اليسير الزائد عن الحاجة ، ولا شك أن الزكاة لا تفرض إلا على الأغنياء ونصابها يسير وهو زائد عن حاجة الغني فلا تعارض في ذلك بين هذه الآية والآيات الأخرى .
• ومن ذلك أيضا زعم بعض السلف أن أيات الإذن في القتال نسخت جميع آيات الصبر والعفو والإعراض والصفح ، والصواب أن العفو والصبر والإعراض والصفح من الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن وهي قائمة محكمة لها مواطنها التي تحمد فيها كما أن للقوة مواطنها . ( )
• قال ولي الله الدهلوي في كتابه الفوز الكبير في أصول التفسير " بلغ عدد الآيات المنسوخة بآيات السيف قرابة الخمسمائة ، ولو تأملت لوجدتها غير محصورة ، والمنسوخ باصطلاح المتأخرين عدد قليل " ( )
1. الاختلاف في حمل اللفظ علي الحقيقة أو المجاز
• من ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [المسد: ٤ ] قيل كانت تحمل الأشواك وتنثرها أمام بيت رسول الله إيذاء له فكان جزاؤها في الآخرة من جنس عملها في الدنيا ، حيث تحمل الحطب علي ظهرها في نار جهنم لتزداد النار حرارة والتهابا وسعيرا عليها وعلى زوجها التي كانت تنفث فيه روح الحقد وتذكي نار غضبه وتضرم لهيب حسده لرسول الله فيزداد حنقا عليه وايذاء له 0
- وقيل كانت تمشي بين الناس بالنميمة فتنمي العداوة بينهم كما تزداد النار اشتعالا وحرارة حين يلقى الحطب فيها 0
قال القرطبي : " قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : (ﮛ ﮜ) كانت تمشي بالنميمة بين الناس ، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورّش به - أي حرّش به ، وأغرى به قال الشاعر :
إن بني الأدرم حمالوا الحطب 000 هم الوشاة في الرضا والغضب * عليهم اللعنة تترى والحّـَرَب ( ) .
وقال أكثم بن صيفي لبنيه : " يا بَني إياكم والنميمة فإنها محرقة للقلب ، وإن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر " 0
" ولذلك قيل : نار الحقد لا تخبو " وثبت عن النبي أنه قال : ( لا يدخُلُ الجنَّةَ نمَّامٌ ) . ( ) .
وقيل (ﮛ ﮜ) : كانت تعير رسول الله بالفقر ثم إنها كانت تحتطب بنفسها وتحمل الحطب علي ظهرها لشدة بخلها وحرصها فعيرت بالبخل 0 روي هذا القول عن قتادة " ( ) .
وقيل (ﮛ ﮜ) : أي حمالة الخطايا والذنوب ، وإذا كان الحطب يشعل النار فإن الخطايا والآثام تلقي بصاحبها في النار ، قال تعالى ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ الأنعام: ٣١
من هنا كان من أسباب اختلاف المفسرين اختلافهم في حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز ، وفي هذا التنوع ثراءٌ للمعنى واسيعابٌ له ، وتلك هي روعةُ القرآن وبلاغتُه ، ومن هنا كانت أهمية دراسة علوم البلاغة لمن يتصدر لتفسير كلام الله تعالى الذي نزل بلغة العرب وفق أساليبهم وفنونهم في الكلام .
عن أبي الدرداء موقوفاً : لا يفقهُ الرجلُ كلَّ الفقهِ حتى يَرَى للقرآنِ وُجُوهاً كثيرةً ( ).
وعبارةُ تُرْجُمَانِ القرآنِ عبدِ الله بنِ عباسٍ رضي الله عنهما الشهيرةُ التي قالها للإمامِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ " ... القرآن حمالٌ ، ذو وُجُوهٍ " روى الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه بسنده عن الأوزاعيِّ قال : خاصم نفر من أهل الأهواء عليَّ بن أبي طالب ، فقال له ابن عباس : « يا أبا الحسن : إن القرآن ذلولٌ حمولٌ ذو وجوهٍ ، تقولُ ويقولون ؛ خاصمْهم بالسنَّة ، فإنهم لا يستطيعون أن يكذبوا على السنة ». ( )
1. تفاوتهم في معرفة السنة النبوية
من ذلك أنه قد لا يبلغ الحديث أحد الصحابة ولم يكن قد سمعه من رسول الله فيجتهد في المسألة فيدلي برأي مخالف لما قال به النبي لكنه يتراجع عن رأيه حين يصله الحديث :
• من ذلك : اختلاف بعض الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت الحمل هل تنقضي عدتها بوضع الحمل فينطبق عليها قوله تعالى ﭧ ﭨ ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ الطلاق: ٤ [الطلاق: 4].}أم تعتد بأربعة أشهر وعشرا وهي عدة المتوفي عنها زوجها كما في قوله تعالى ﭧ ﭨ ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ سورة البقرة. الآية: 234 فقد رأي ابن عباس أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا تعتد بأبعد الأجلين ورأي ابن مسعود أنها إذا وضعت حملها قبل تمام الأربعة أشهر وعشر فعدتها بوضع الحمل وفي هذا يقول : أجل الحامل أن تضع ما في بطنها. ( )
ويؤيد قول ابن مسعود ما ورد في السنّة في حديث (سبيعة الأسلمية) المخرج في الصحيحين من غير وجه، أنها توفي عنها زوجها وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها تجملت للخطّاب، فدخل عليها (أبو السنابل بن بعكك): فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ مُتَجَمّلَةً؟ لَعَلّكِ تَرْجِينَ النّكَاحَ. إِنّكِ، وَاللّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حتى تَمُرّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِك، جَمَعْتُ عَلَيّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي. وَأَمَرَنِي بِالتّزَوّجِ إِنْ بَدَا لِي.. ( ).
وروي الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن سُلَيْمَان بْنِ يَسَارٍ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَ ابْنَ عَبّاسٍ اجْتَمَعَا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَهُمَا يَذْكُرَانِ الْمَرْأَةَ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عِدّتُهَا آخِرُ الأَجَلَيْنِ ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَدْ حَلّتْ ، فَجَعَلاَ يَتَنَازَعَانِ ذَلِك ، قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي (يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) فَبَعَثُوا كُرَيْباً (مَوْلَىَ ابْنِ عَبّاسٍ) إِلَىَ أُمّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: إِنّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ ، وَإِنّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوّجَ " . ( ) .
من هنا تأتي أهمية دراسة كتب السنة ، والاجتهاد في جمع الروايات في الموضوع الواحد ، لتكون النظرةُ شاملةً والتصورُ مكتملا .
1. الاختلاف في الإطلاق والتقييد
ومن أسباب الاختلاف أيضا الاختلاف في الإطلاق والتقييد ؛ والإطلاق تناول واحد غير معين ، والتقييد تناول واحد معين أو موصوف بوصف زائد ، فقد يري بعض المفسرين بقاء المطلق علي إطلاقه ، وقد يقول بعضهم بتقييد هذا المطلق بقيد ما :
• من ذلك : عتق الرقبة في كفارة اليمين وكفارة الظهار فقد وردت مطلقة: كما في قوله تعالى ﭧ ﭨ ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ المائدة: ٨٩ سورة المائدة
وقوله تعالى ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ المجادلة: ٣ سورة المجادلة
ووردت مقيدة كما في قوله تعالى ﭧ ﭨ ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ النساء: ٩٢
فحمل بعض المفسرين المطلق علي المقيد وقالوا لا تجزئ الرقبة الكافرة ، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه .
والأولى بقاء المطلق علي إطلاقه ما لم برد ما يقيده ، وإذا دار اللفظ بين الإطلاق والتقييد فإنه يحمل علي الإطلاق ؛ لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه .
1. الاختلاف في العموم والخصوص
• مثال ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ البقرة: ٢٢١ سورة البقرة .
فمن المعلوم أن النصرانيات واليهوديات مشركات لكنهن لا يدخلن في عموم هذه الآية بدليل قوله تعالى في سورة المائدة ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﮊ المائدة: ٥
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية {ولا تنكحوا المشركات} فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) (المائدة الآية 5) فنكح الناسُ نساءَ أهل الكتاب.
وعن سعيد بن جبير في قوله {ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ } قال: يعني أهل الأوثان.
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية، فقال: لا بأس به. فقلت: أليس الله يقول { ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ }؟ قال: إنما ذاك المجوسيات وأهل الأوثان. ( )
أقول والأصل بقاء العام علي عمومه ما لم يرد له مخصصا .
1. الاختلاف في فهم حروف المعاني
فقد يدل الحرف على أكثر من معنى :
• من ذلك الباء في قوله عز وجل ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﮊ سورة المائدة 6
هل هي للملاصقة أم للتبعيض ؟ فقيل إنها للملاصقة وقيل للتبعيض والخلاف في ذلك موجود في كتب التفسير والفقه .
• ومثال ذلك أيضا اختلافهم في (مِنْ) الواردة في قوله تعالى ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [النساء : 1] قيل إنها تفيد التبعيض؛ لأن حواء خلقت من بعض آدم عليه السلام وقيل إنها بيانية لأن حواء خلقت من جنس آدم، وخلقها الله من جنسه لتتحقق الألفة والوئام والمودة، والانسجام؛ لأن الجنس إلي الجنس أميل.
• ومن ذلك أيضا اختلافهم في تفسير قوله ﭨ ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ الأنفال : 5
حيث وقع الاختلاف حول الكاف في قوله تعإلى(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) وفي ذلك يقول الألوسي : "والكاف يستدعي مشبها وهو غير مصرح به في هذه الآية وفيه خفاء ، ومن هنا اختلفوا في بيانه وكذا في إعرابه علي وجوه ، فاختار بعضهم أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه ، أي حالهم هذه في كراهة ماوقع في أمر الأنفال كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له ، وإلى هذا يشير كلام الفراء حيث قال : الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها مع أنه أولى بحالهم ،أو أنه صفة مصدر الفعل المقدر في (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ) أي الأنفال ثبتت لله تعالى وللرسول عليه الصلاة والسلام مع كراهتهم، ثباتا كثبات إخراجك وضعف هذا ابن الشجري 000وقال أبو حيان خطر لي في المنام أن هنا محذوفا وهو نصرك ، والكاف فيها معنى التعليل أي لأجل أن خرجت لإعزاز دين الله تعالى نصرك وأمدك بالملائكة ودل على هذا المحذوف قوله سبحانه وتعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) 00000000 ولو قيل إن هذا مرتبط بقوله تعالى (ﮉ ﮊ ﮋ) على معنى رزق حسن كحسن إخراجك من بيتك : لم يبعد " ( ) .
من هنا تأتي أهمية دراسة علوم البلاغة واستيعابها ؛ حتى يتمكن الباحث من التعامل مع اختلاف المفسرين .
1. الاختلاف في أوجه الإعراب
وهذا أيضا من أسباب اختلافهم
• من ذلك : في تفسيرهم لقوله تعالى ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﮊ المائدة: ٦٩ المائدة : 69
حيث جاءت كلمة (ﯝ) في الآية مرفوعة وما قبلها منصوب ،والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون كذلك قال ابن كثير :" لما طال الفصل حسن العطف بالرفع " وقال النسفي : وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم . ( ) .
وقيل (والصابئون ) معطوف على محل إن واسمها ،ومحلها الرفع والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا ، والصابئون كذلك وعلى هذا قول الشاعر : وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاةٌ ما بقينَا في اختلافِ ( ).
وهنا ندرك أهمية دراسة واستيعاب وجوه الإعراب ، وان اختلاف تلك الوجوه فيه ثراءٌ للمعنى .
1. اختلافهم في أسباب النزول
• مثال ذلك : اختلافهم في سبب نزول قوله تعالى ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ التحريم: ١ - ٥ حيث نزلت هذه الآيات الكريمة تعقيبا علي ما حدث في بيت النبوة ، حين حرم رسول الله علي نفسه شيئا أحله الله له وأسر بذلك إلي إحدي زوجاته وهي حفصة فنبأت به عائشة فنزل القرآن الكريم بآيات بينات فيها عتاب لرسول الله وتوجيه لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن 0
وفيما يلي نذكر ما ورد في سبب نزولها 0
1- ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ ( ) ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ فقال ( بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ ) فَنَزَلَ فنزلت ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلي ( إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما ) لعائشة وحفصة ( وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا ) لقوله : بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا) ( ) .
2- وأخرج النسائي في السنن والحاكم في المستدرك بسنديهما عن أنس بن مالك أن رسول الله كانت له أمةٌ يطؤُها ، فلم تزلْ به عائشةُ وحفصةُ حتى جَعَلَهَا علي نفسِهِ حرامًا فأنزل الله تعالى ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم 000) الآيات ( )0
3- وروي البزار في مسنده والطبراني : في تفسير قوله تعالى ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في سريَّتِهِ " ( ).
4- وذكر الإمام ابن كثير في تفسيره رواية أوردها الهيثم بن كليب في مسنده بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله لحفصة لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم عليَّ حرامٌ فلم يقربْهَا حتى أخبرتْ عائشةَ فأنزلَ اللهُ تعالى ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )
وقال ابن كثير بعد إيراد هذه الرواية التي عزاها إلى الهيثم بن كليب في مسنده [ وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج ( ) .
وهذه الرواية ذكرها السيوطي في أسباب النزول وعزاها إلي الضياء في المختارة ( )0
5- قال ابن حجر ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلي مسروق قال : حلف رسول الله لحفصة لا يقرب أمته وقال هي علي حرام ، فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل الله 000
6 - وأخرج الضياء في المختارة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : قال رسول الله لحفصة لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم حرام علي قال فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )
7- وأخرج الطبراني في عشرة النساء وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال دخل رسول الله بمارية في بيت حفصة ، فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك ؟ " فذكر نحوه 0
8- وللطبراني من طريق الضحاك عن ابن عباس قال دخلت حفصة بيتها فوجدته مع مارية فعاتبته ، فذكر نحوه 0 وهذه طرق يقوي بعضها بعضا ( )0
مما سبق يتضح لنا :
أن هناك روايات متعددة في أسباب نزول صدر سورة التحريم ورد في بعضها أن الآيات نزلت في قصة تحريم الرسول شرب العسل علي نفسه وبعضها في قصة تحريمه أم إبراهيم " مارية القبطية " رضي الله عنها علي نفسه
يقول الإمام الشوكاني بعد أن أورد قصة تحريم العسل وقصة تحريم مارية القبطية : " فهذان السببان صحيحان لنزول الآية ، والجمع ممكن بوقوع القضيتين قصة العسل وقصة مارية وأن القرآن نزل فيهما جميعا وفي كل واحد منهما أنه أسر إلي بعض أزواجه 000 " ( ).
ويقول الإمام ابن حجر في الفتح بعد أن أورد الروايات التي وردت في تحريم مارية : " وهذه طرق يقوي بعضها بعضا فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا " ( )0
" وقصارى ما يمكن قوله : يحتمل أن يكون النبي قد شرب عسلا عند زينب ، وجاء إلي حفصة فقالت له ما قالت فحرم العسل واتفق له قبيل ذلك أو بعيده أن وطئ جاريته مارية في بيتها في يومها على فراشها فحرم مارية وقال لحفصة ما قال تطييبا لخاطرها واستكتمها ذلك فكان منها ما كان ، ونزلت الآية بعد القضيتين فاقتصر بعض الرواة علي إحداهما ، والبعض الآخر علي نقل الأخري وقال كل : فأنزل الله تعالى ( يا أيها النبي0000 ) إلى آخر الآيات0
وهو كلام صادق إذ ليس فيه دعوي كلّ حصر علة النزول فيما نقله فإن صح هذا هان أمر الاختلاف وإلا فاطلب لك غيره " ( ) والله تعالى أعلم 0
*وقال الإمام الطبري في جامع البيان بعد أن ذكر الروايات الواردة في تحريم العسل ، وفي تحريم مارية [ والصواب أن يقال كان الذي حرمه النبي علي نفسه شيئا كان الله قد أحله له ، وجائز أن يكون ذلك جاريته ، وجائز أن يكون ذلك شرابا من الأشربة ، وجائز أن يكون غير ذلك ، غير أنه أي ذلك كان فإنه كان تحريم شئ كان له حلال وعاتبه الله علي تحريمه علي نفسه ما كان له قد أحله ، وبين له تحلة يمينه ] ( )0
*وقال الشيخ الصابوني في كتابه قبس من نور القرآن الكريم بعد أن ذكر الروايات الواردة في تحريم مارية ، والواردة في تحريم شرب العسل " 000 وهذه خلاصة للرواية الثانية - ويقصد رواية تحريم شرب العسل - وهي مروية في الصحيحين بأوسع من هذا وهي أصح إسنادا من الرواية الأولي 0 - يقصد رواية تحريم مارية - ولكن كونها سببا للنزول مستبعد والذي يرجح الرواية الأولي وأنها سبب للنزول 0 أمور نجملها فيما يلي :
الأول ، أن مثل تحريم بعض النساء مما يبتغي به مرضاة بعض الأزواج ، لا شرب العسل أو عدمه ، الثاني : أن الاهتمام بنزول سورة فيها الوعيد والتهديد لأزواج رسول الله بالطلاق واستبدالهن بنساء خير منهن ، وأن الله وملائكته والمؤمنين سند وعون لرسول الله يدل علي وجود تنافس بينهن وغيرة ، وذلك إنما يكون في تحريم بعض النساء عليه لا في شرب العسل ونحوه 0
الثالث أن هذه الحادثة من إفشاء السر ، كادت تؤدي إلي طلاق زوجات الرسول حتى اعتزلهن شهرا ، نظرا لدقة الموضوع وشدة حساسيته مما أغضب الرسول حتى حلف عليهن ، وذلك إنما يكون في أمر مهم ، مثل تحريمه لبعض النساء ، وحلفه ألا يقرب " مارية القبطية " إرضاء لأزواجه واستكتم البعض منهن في هذا الأمر ، فأفشت السر فهذا ما يرجح الرواية الأولي " ( ) .
أقول : والراجح في سبب نزول هذه الآيات هو ما ورد عن تحريم مارية رضي الله عنها وذلك لموافقة هذه القصة لسياق الآيات الكريمة ، وأما قضية تحريم العسل ، وقول بعض السلف نزلت فيه فالمراد منه أن الآيات تشمل قضية بعمومها علي ما عرف من عادة السلف في قولهم نزلت في كذا ( ) 0 والله أعلم
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗