أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته:-
) أفحسبتم أنماخلقناكم عبثاً (
الحمد لله رب العالمين، والعاقبةللمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أنلا إله إلا الله ولي الصالحين,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين, وقائد الغرل المحجلين, عليه وعلىآله وأصحابهأجمعين,وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
لقدشاء الله -عز وجل- أن يجعلالحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار وعمل، فأرسل الرسل،وأنزلالكتب، وأمر بعبادته وحده، وجعل داراً أخرى، وذلك من مقتضيات ملكه وحكمتهوعدله؛ليثيب المحسن على إحسانه، ويجازي المسيء على إساءته، ولم يخلق الخلق عبثاً،ولميتركهم هملاً، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِالْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ*الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُعَمَلًاوَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (1-2) سورة الملك. وقال-جل وعلا-: {أَفَحَسِبْتُمْأَنَّمَاخَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْإِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (115) سورةالمؤمنون. وقالسبحانه: {إِنَّهُيَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّيُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِوَالَّذِينَكَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَاكَانُواْيَكْفُرُونَ}(4) سورة يونس. وهو -عز وجل- لا يساوي بينالخبيث والطيب، والمحسنوالمسيء، والكافر والمؤمن، وقدأنكر على من ظن ذلك فقال تعالى: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواالسَّيِّئَاتِأّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِسَوَاءمَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (21) سورةالجاثية. وقال-جل ثناؤه-:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَكَالْمُجْرِمِينَ* مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (35-36) سورة القلم1.
وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُالْمُتَّقِينَكَالْفُجَّارِ}(28) سورة ص.
إن الحق الذي خلق به ولأجله الخلق هوعبادةالله وحده التي هي كمال محبته والخضوع والذل له ولوازم عبوديته من الأمروالنهىوالثواب والعقاب, ولأجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وخلق الجنة والنار. والسمواتوالأرض إنما قامت بالعدل الذي هو صراط الله الذي هو عليه وهو أحب الأشياءإلىالله تعالى, قال الله تعالى حاكياً عن نبيه شعيب -عليه السلام-: {إِنِّيتَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِرَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِندَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّرَبِّيعَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (56) سورة هود. فهو علىصراط مستقيم في شرعه وقدره وهو العدل الذي بهظهرالخلق والأمر والثواب والعقاب, وهو الحق الذي به وله خلقت السموات والأرض ومابينهما,ولهذا قال المؤمنون في عبادتهم: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذابَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَاعَذَابَالنَّارِ} (191) سورةآل عمران. فنزهواربهم سبحانه أن يكون خلق السموات عبثا لغير حكمةولاغاية محمودة وهو سبحانه يحمد لهذه الغايات المحمودة كما يحمد لذاته وأوصافهفالغاياتالمحمودة في أفعاله هي الحكمة التي يحبها ويرضاها وخلق ما يكره لاستلزامهمايحبه وترتب المحبوب له عليه ولذلك يترك سبحانه فعل بعض ما يحبه لما يترتب عليهمنفوات محبوب له أعظم منه أو حصول مكروه أكره إليه من ذلك المحبوب. وهذا كما ثبطقلوبأعدائه عن الأيمان به وطاعته لأنه يكره طاعاتهم ويفوت بها ما هو أحب إليه منهامنجهادهم وما يترتب عليه من الموالاة فيه والمعاداة وبذل أوليائه نفوسهم فيهوإيثارمحبته ورضاه على نفوسهم ولأجل هذا حلق الموت والحياة وجعل ما على الأرض زينةلهاقال تعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقال: {إِنَّاجَعَلْنَا مَا عَلَىالْأَرْضِ زِينَةً لَّهَالِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (7) سورة الكهف. وقالتعالى: {وَهُوَالَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍوَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْأَيُّكُمْأَحْسَنُ عَمَلاً} (7) سورة هود.
فأخبر سبحانه عن خلق العالم والموتوالحياة وتزيين الأرض بما عليها أنه للابتلاءوالامتحان ليختبر خلقه أيهم أحسنعملاً فيكون عمله موافقاً لمحاب الرب تعالىفيوافق الغاية التي خلق هو لها وخلقلأجلها العالم, وهي عبوديته المتضمنة لمحبتهوطاعته وهي العمل الأحسن وهو مواقعمحبته ورضاه وقدر سبحانه مقادير تخالفها بحكمتهفي تقديرها وامتحن خلقه بين أمرهوقدره ليبلوهم أيهم أحسن عمل2.
فتذكروا ما أنتم إليه صائرون من الموت وما بعده يومتحشرون,تذكروا حالتكم عند حلول الآجال ومفارقة الأوطان والأهل والعيال, تذكرواحينماتشاهدون الآخرة أمامكم وأنتم مقبلون إليها مدبرين عن الدنيا, تذكروا حينماينقسمالناس إلى قسمين فمنهم من توفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامعليكم، {إِنَّالَّذِينَقَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّاسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُالْمَلَائِكَةُأَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِالَّتِيكُنتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُأَوْلِيَاؤُكُمْ فِيالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِيالْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْوَلَكُمْفِيهَا مَا تَدَّعُونَ*نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} (30-32) سورةفصلت. ومنهممن توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّىالَّذِينَكَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْوَذُوقُواْعَذَابَ الْحَرِيقِ} (50) سورة الأنفال. {وَلَوْتَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِوَالْمَلآئِكَةُبَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ} (93) سورةالأنعام.
فاستعدوا للقاء ربكم, وأعدوا الجواب لما سيسألكم عنهيقولالله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّالَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّالْمُرْسَلِينَ* فَلَنَقُصَّنَّعَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَاكُنَّا غَآئِبِينَ* وَالْوَزْنُيَوْمَئِذٍ الْحَقُّفَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُفَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُفَأُوْلَئِكَالَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَايِظْلِمُونَ} (6-9) سورةالأعراف. تذكرواإذا حملتم على الرقاب إلىالقبور فانفردتم بها عن الأهلوالأولاد والأموال والقصور, جليسكم الأعمال فإما خيرتسرونبه إلى يوم القيامة وإما شر تجدون به الحسرة والندامة , {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىكَمَاخَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءظُهُورِكُمْ} (94) سورةالأنعام. تذكرواإذا نفخ في الصور{فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِوَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءاللَّهُثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ}(68) سورةالزمر. يوميقومون من قبورهم لربالعالمينحفاة عراة غرلاً, {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْأَخِيهِ* وَأُمِّهِوَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِوَبَنِيه* لِكُلِّامْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌيُغْنِيهِ} (34-37) سورةعبس3.{فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّالْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَرَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِالْهَوَى* فَإِنَّالْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (37-41) سورة النازعات.
نسأل الله تعالى لنا الثبات إلىالممات، وأن يحفظنا سبحانه من فتن الشبهاتوالشهوات, وأن يحشرنا إلى أعالي الجنات,مع الصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً, وصلِّ اللهموسلم وبارك علىنبينا محمد,وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
1الحكمة فيالدعوة إلى الله تعالى لـ(سعيدبن علي بن وهفالقحطاني (
2روضة المحبين لـ(ابن القيم (
3الضياءاللامع من الخطب الجوامع لـ(ابنعثيمين (
منقول.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗