نبذة مختصرة عن بعض الأئـمـة الـفـقـهـاء
نبذة مختصرة عن بعض الأئـمـة الـفـقـهـاء
نبذة مختصرة عن بعض الأئـمـة الـفـقـهـاء
نبذة مختصرة عن بعض الأئـمـة الـفـقـهـاء
نبذة مختصرة عن بعض الأئـمـة الـفـقـهـاءبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمدُ للهِ الَّذِي رَفَع قَدْر العُلمَاء، وجَعَلَهم بِمَنْزِلَة النُّجُوم فِي السَّمَاء، أَحْمَدُه عَلَى مَا أَسْبَغ مِن النَعْمَاء وأَجْزَل مِن العَطَاء، وأشْهدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شَريك لَه، المُتَفَرِّد بِالعَظَمَة والكِبْرِيَاء، وأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ إِلَى جَمِيع مَن يسْتَقلّ عَلَى الغَبْرَاء ويسْتَظِلّ بِالخَضْرَاء، صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وسَلَامُه دَائِماً مُسْتَمِراً مَا اخْتَلَط الظَّلام بِالضِّيَاء ومَا انْفَلق الإِصْبَاح عَن غُرَّة النَّهَار وأَعلَن الدَّاعِي بِالنِّدَاء، ورَضيَ اللهُ عَن الصَّحَابَة البَرَرَة الأَتْقِيَاء.
وبـعـــــد،،،
فَهَذَا مُخْتَصَر نَفِيس لِتَرَاجِم الأَئِمَّة الفُقَهَاء مِن لَدُن التَّابِعِين فَمَنْ بَعدهُم، اقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَنْ شَاعَ اِسْمُه واشْتَهَر ذِكْرُه عَبْر الأَزْمَان والأَعْصَار، وَكَان مَرجِعاً لِأبْنَاءِ وَقْتِهِ فِي أَحكَامِ الحَلاَل والحَرَام، وَاحْتَاجَ كَثِيرٌ مِن النَّاس إِلَى مَعرِفَة حَالِه.
سَائِلاً المَوْلَى عَزَّ وجَلّ أَنْ يَجعَل هَذَا العَمَل خَالِصاً لِوَجْهِهِ الكَرِيم، وأنْ يَنْفَعنا بِهِ وإِيَّاكُم، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ أَجْمَعِين.
كَتَبَـــه/ حَاتِم بْن أَحمَد بْن مُحَمَّد الشِّحْرِيُّ
(1) عَـلْـقَـمَـــةُ الـنَّـخَـعِــــيُّ
هُـــــو: عَلْقَمَةُ بنُ قَيْسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكِ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ سَلاَمَانَ بنِ كُهَيْلِ بنِ بَكْرِ بنِ عَوْفٍ، أَبُو شِبْلٍ النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ. الإِمَامُ، المُجْتَهِدُ، فَقِيْهُ الكُوْفَةِ وَعَالِمُهَا.
كَانَ مِن المُخَضْرَمِيْن الَّذِين عَاصَرُوا الإِسْلاَم والجَاهِلِيّة، وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ولَم يَرَه، وَهَاجَرَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَنَزَلَ الكُوْفَة، ولاَزَمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُوْدٍ وتَفَقَّهَ بِهِ، حَتَّى رَأَسَ فِي العِلْمِ والعَمَلِ، وتَفَقَّهَ بِهِ العُلَمَاءُ، وبَعُدَ صِيتُهُ، وتَصَدَّى لِلإِمَامَةِ والفُتْيَا بَعْد عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِب وعَبْد اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
كَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ فِي هَدْيِهِ وسَمْتِهِ، وكَانَ مِن أَعلَم النَّاس بِهِ؛ وكَانَ عَابِداً، يَخْتِم القُرْآنَ فِي خَمْسِ لَيَالٍ، وكَانَ طَلَبَتُهُ يَسْأَلُوْنَهُ ويَتَفَقَّهُوْنَ بِهِ والصَّحَابَةُ مَوْجُوُدُن؛ وكَانَ عَقِيْماً، لاَ يُوْلَدُ لَهُ.
- قَالَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ: "مَا أَقْرأُ شَيْئاً ولاَ أَعلَمُهُ إِلاَّ وعَلْقَمَةُ يَقْرَؤُه ويَعلَمُهُ".
- وقَالَ مُرَّةُ الهَمْدَانِيُّ: عَلْقَمَةُ مِنَ الرَّبَانِيين.
- وقَالَ أَحْمَدُ، وابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. زَادَ أَحْمَدُ: مِن أَهْلِ الخَيْرِ.
- وقَالَ الخَطِيبُ: كَانَ مُقَدَّمًا فِي الفِقْهِ والحَدِيثِ.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: فَقِيْهُ الكُوْفَةِ، وَعَالِمُهَا، وَمُقْرِئُهَا، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، المُجْتَهِدُ الكَبِيْرُ.
- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ؛ فَقِيهٌ، مَخَضْرَم.
وَفَـاتُـــهُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وسِتِّيْنَ (62 هــ) بِالكُوفَةِ، وقَد عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً (90)؛ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.(2) مَـسْـــرُوْقُ الــوَادِعِـــــيُّ
هُـــــوَ: مَسْرُوْقُ بنُ الأَجْدَعِ بنِ مَالِكِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرِّ بنِ سَلْمَانَ بنِ مَعْمَرٍ، أَبُو عَائِشَةَ الوَادِعِيُّ، الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ. الإِمَامُ، الفَقِيه، مِن كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، ومِن المُخَضْرَمِيْنَ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولَم يَلْقُوه، وصَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق ولَقِيَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وكَانَ مِن أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود الَّذِيْنَ يُقْرِئُوْنَ ويُفْتُوْنَ.
وكَانَ مِن العُبَّاد، يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، وكَانَ مِن المُجاَهِدِين، شَهٍدَ القَادِسِيَّةِ وشُلَّتْ يَدُهُ يَوْمَئِذ، وكَانَ لاَ يَأْخُذُ عَلَى القَضَاءِ أَجْراً ويَقرَأُ هَذِهِ الآيَـةَ: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)). [التَّوْبَةُ: 111]
وسَبَب تَسْمِيَتُهُ بِمَسْرُوْق: لِأنَّه كَانَ قَد سُرِقَ وهُوَ صَغِيْرٌ ثُمَّ وُجِدَ، فَسُمِّيَ بِذَلِك!!
شَهِدَ مَسْرُوْقُ صِفِّيْنَ، فَوَعَظَ، وخَوَّفَ، ولَمْ يُقَاتِلْ، فَكَانَ إِذَا قِيْلَ لَهُ: أَبْطَأْتَ عَنْ عَلِيٍّ وعَنْ مَشَاهِدِهِ؟!
فَيَقُوْلُ: "أَرَأَيْتُم لَوْ أَنَّهُ حِيْنَ صُفَّ بَعْضُكُم لِبَعْضٍ، فَنَزَلَ بَيْنَكُم مَلَكٌ فَقَالَ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيْماً}. [النِّسَاءُ: 29]، أَكَانَ ذَلِكَ حَاجِزاً لَكُم؟"
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: "فَوَاللهِ لَقَدْ نَزَلَ بِهَا مَلَكٌ كَرِيْمٌ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإِنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ".
مِن أَقْــوَالِـــــهِ:
- قَالَ مَسْرُوْق: كَفَى بِالمَرْءِ عِلْماً أَنْ يَخْشَى اللهَ تَعَالَى، وكَفَى بِالمَرْءِ جَهْلاً أَنْ يُعْجَبَ بِعَمَلِهِ.
- وقَالَ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُرْغَبُ فِيْهِ، إِلاَّ أَنْ نُعَفِّرَ وُجُوْهَنَا فِي التُّرَابِ، ومَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ السُّجُوْدِ للهِ تَعَالَى.
- وقَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ الأَوَّلِيْنَ والآخِرِيْنَ، وعِلْمَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَلْيَقْرَأْ سُوْرَةَ الوَاقِعَةِ.
- وقَالَ: لأَنْ أُفْتِيَ يَوْماً بِعَدْلٍ وحَقٍّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُوَ سَنَةً.
- قَالَ عَنْهُ الشَّعْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَطْلَبَ لِلعِلْمِ مِنْهُ؛ وكَانَ أَعْلَمَ بِالفَتْوَى مِن شُرَيْحٍ، وكَانَ شُرَيْحُ أَعْلَمَ بِالقَضَاءِ مِن مَسْرُوقٍ.
- وقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ؛ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ.
- وقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، والعِجْلِيُّ، وابْنُ حِبَّان: ثِقَةٌ. زَادَ ابْنُ حِبَّان: مِن عُبَّادِ أَهْلِ الكُوفَةِ وقُرَّائِهِم.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِمَامٌ، قُدْوَةٌ؛ أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ.
وَفَـاتُـــــهُ: مَاتَ مَسْرُوْقٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسِتِّيْنَ (63 ه)؛ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى.(3) عَـبِـيْـــدَةُ السَّـلْمَـانِـــــيُّ
هُـــوَ: عَبِيْدَةُ بنُ عَمْرٍو السَّلْمَانِيُّ المُرَادِيُّ، أَبُو عَمْرٍو الكُوْفِيُّ. الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُقْرِئ، المُخَضرَمُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
أَسْلَمَ فِي عَامِ فَتْحِ مَكَّةَ، بِأَرْضِ اليَمَنِ، ولاَ صُحْبَةَ لَهُ، ولاَزَمَ عَبْدَ اللهِ بْن مَسعُودٍ فَتَفَقَّه بِهِ وقَرأَ عَلَيْه القُرآنَ، وكَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ.
قَــالُـــواْ عَـنْــهُ:
- قَالَ الشَّعْبِيُّ كَانَ يُوَازِي شُرَيْحًا فِي عِلْمِ الْقَضَاءِ.
- وقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا كَانَ أَشَدَّ تَوَقِّيًا مِنْ عَبِيدَةَ.
- وقال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عَبِيدَةَ يُوَازِي شُرَيحاً فِي العِلْمِ والقَضَاءِ.
- وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الأَمْر كَتَبَ إِلَى عَبِيدَةَ، وانْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ.
- وقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، لاَ يُسْئَلُ عَنْ مِثْلِهِ.
- وقَالَ الفَلاَّسُ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ عَبِيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: : أَحَدُ الأَئِمَّةِ؛ أَحَدُ الفُقَهَاءِ الكِبَارِ بِالكُوفَةِ.
- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثَبْتٌ، تَابِعِيٌّ، كَبِيرٌ، مُخَضْرَمٌ.
وَفَـاتُـــهُ: تُوُفِّيَ عَبِيدَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ (72 هـ)، وصَلَّى عَلَيْهِ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ.(4) الأَسْـــوَدُ بـْنُ يَـزِيْـــد الـنَّـخَـعِـــــيُّ
هُـــوَ: الأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ أَبُو عَمْرٍو النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ، الإِمَامُ، الفَقِيهُ، العَابِد، الزَّاهِد، المُخَضْرَم، الصَوَّام، القَوَّام، الحَجَّاج.
كَانَ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ، وفِي غَيْرِ رَمَضَانَ يَخْتِمُه فِي كُلِّ سِتِّ لَيَالٍ، وحَجَّ ثَمَانِيْنَ مَرَّة، مِنْ بَيْنِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ، وصَامَ الدَّهْرَ.
صَحِبَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسعُودٍ ولاَزَمَهُ وتَفَقَّه بِهِ، حَتَّى صَارَ وَاحِداً مِن كِبَار فُقَهَاء الكُوفَة ومُفْتِيهَا.
وقَرَأَ الأَسْوَدُ القُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ.
وقَرَأَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ.
قَالُواْ عَنْهُ:
- قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ صَوَّاماً، قَوَّاماً، حَجَّاجاً.
- وقَالَ أَحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، مِن أَهْلِ الخَيْرِ.
- وقَالَ العِجْلِيُّ وابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ.
- وقَالَ ابْنُ حِبَّانٍ: كَانَ فَقِيهاً زَاهِداً.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِمَامٌ، قُدْوَةٌ؛ وهُوَ نَظِيْرُ مَسْرُوْقٍ فِي الجَلاَلَةِ والعِلْمِ والثِّقَةِ والسِّنِّ، يُضْرَبُ بِعِبَادَتِهِمَا المَثَلُ.
- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ، فَقِيهٌ، مُخَضْرَمٌ.
وفَـاتـــهُ: قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَد: كَانَ الْأَسْوَدُ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، يَصُومُ حَتَّى يَصْفَرَّ جَسَدُهُ، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ؟ فَقَالَ: "ومَالِي لَا أَجْزَعُ، ومَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي؟! واللَّهِ لَوْ أُتِيتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا صَنَعْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ، فَيَعْفُو، فَلَا يَزَالُ مُسْتَحْيِيًا مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ".
مَاتَ الأَسْوَدُ سَنَةَ خَمْسٍ وسَبْعِيْنَ (75 هـ)؛ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.(5) شُـــرَيْـــــــحٌ الـقَـاضِــــــيُّ
هُـــو: شُرَيْحُ بْنُ الحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الجَهْمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَامِرٍ الكِنْدِيُّ، أَبُو أُمَيَّةَ الكُوْفَيُّ. الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحُجَّةُ، المُخَضرَمُ، المُعَمَّرُ، الشَّاعِرُ، القَائِفُ، قَاضِي المِصْرَيْنِ (الكُوفَةَ والبَصرَة).
مِن كِبَارِ التَّابِعِينَ، وكَانَ مِن أَعلَمِ النَّاسِ بِالقَضَاءِ، ذَا فِطنَةٍ وذَكَاءٍ ومَعرِفَةٍ وعَقْلٍ ورَصَانَةٍ. قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْتَ أَقْضَى العَرَبِ.
أَسْلَمَ شُرَيْحٌ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولَم يَلقَه، وَانْتَقَلَ مِنَ اليَمَنِ زَمَنَ الصِّدِّيْق. ووَلِيَ القَضَاءَ لِعُمَرَ، وعُثمَانَ، وعَلِىِّ، ومُعَاوِيَةَ، ويَزِيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ولِعَبْدِ المَلِكِ، فَأَقَامَ قَاضِياً سِتِّينَ سَنَةً.
وكَانَت فِيهِ دُعَابَـة:
- دَخَل عَلَيْه أَحَدُ النَّاس يَوْماً فَقَال لَه:
أَيْن أَنْتَ أَصْلَحَكَ اللهُ؟
فَقَال: "بَيْنَك وبَيْن الحَائِط !!"
قَال: اِسْتَمِع مِنّي.
قَال: "قُلْ أَسْمَع".
قَالَ: إِنِّي رَجُل مِن أَهْل الشَّام.
قَال: "مَكَان سَحِيق!!"
قَال: تَزَوَّجتُ عِنْدَكُم.
قَال: "بِالرَّفَاءِ والبَنِين!!"
قَال: وأَرَدتُ أَن أُرَحِلّهَا.
قَال: "الرَّجُل أَحمَق بِأَهِلِه!!".
قَال: وشَرَطتُ لَهَا دَارَهَا.
قال: "الشَّرط أَمْلَك".
قَالَ: فَاحْكُم الآنَ بِيْنَنَا،
قَال: "قَد فَعَلتُ".
قَالَ: فَعَلَى مَنْ حَكَمْتَ؟
قَالَ: "عَلَى اِبْن أُمِّكَ!!".
قَال: بِشَهَادَة مَنْ؟
قَالَ: "بِشَهَادَة اِبْنِ أُخْتِ خَالتِك!!"
- واخْتَصَمَتْ أُمٌّ وَجَدَّةٌ إِلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَتِ الْجَـدَّةُ:
أَبَا أُمَيَّةَ أَتَيْنَاكَ ... وَأَنْتَ الْمَرْءُ نَأْتِيهْ
أَتَاكَ ابْنِي وَأُمَّاهُ ... وَكِلْتَانَا نُفَدِّيهْ
تَزَوَّجْتِ فَهَاتِيهِ ... وَلَا يَذْهَبْ بِكِ التِّيهْ
فَلَوْ كُنْتِ تَأَيَّمَتِ... لَمَا نَازَعْتِنِي فِيهْ
أَلَا يَا أَيُّهَا الْقَاضِي...هَذِي قِصَّتِي فِيهْ
فَقَالَتِ الْأُمُّ:
أَلَا يَا أَيُّهَا الْقَاضِي ... قَدْ قَالَتْ لَكَ الْجَدَّهْ
وَقَوْلًا فَاسْتَمِعْ مِنِّي ... وَلَا تُبْطِرْنِي رَدَّهْ
أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْ إِبْنِي ... وَكِبْدِي حَمَلَتْ كَبِدَهْ
فَلَمَّا كَانَ فِي حِجْرِي ... يَتِيمًا ضَائِعًا وَحْدَهْ
تَزَوَّجْتُ رَجَاءَ الْخَيْرِ ... مَنْ يَكْفِينِي فَقْدَهْ
وَمَنْ يُظْهِرُ لِي وُدَّهْ ... وَمَنْ يَكْفُلُ لِي رِفْدَهْ
فَقَالَ شُـرَيْــح:
قَدْ فَهِمَ الْقَاضِي مَا قَدْ قُلْتُمَا ... وَقَضَى بَيْنَكُمَا ثُمَّ فَصَلْ
بِقَضَاءٍ بَيِّنٍ بَيْنَكُمَا ... وَعَلَى الْقَاضِيَ جَهْدٌ أَنْ عَقَلْ
قَالَ لِلْجَدَّةِ: بِينِي بِالصَّبِيِّ ... وَخُذِي إِبْنَكِ مِنْ ذَاتِ الْعِلَلْ
إِنَّهَا لَوْ صَبَرَتْ كَانَ لَهَا قَبْلَ ... دَعْوَاهَا تَبْغِيهَا الْبَدَلْ
- قَالَ عْنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيْرِيْنَ: أَدْرَكْتُ الكُوْفَةَ، وبِهَا أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ يُعَدُّ بِالفِقْهِ، فَمَنْ بَدَأَ بِالحَارِثِ، ثَنَّى بِعَبِيْدَةَ، ومَنْ بَدَأَ بِعَبِيْدَةَ، ثَنَّى بِالحَارِثِ، ثُمَّ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ شُرَيْحٍ؛ وإِنَّ أَرْبَعَةً أَخَسُّهُم شُرَيْحٌ لَخِيَارٌ.
- وقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ شُرَيْحٌ أَعْلَمَهُم بِالقَضَاءِ، وكَانَ عَبِيْدَةُ يُوَازِيْهِ فِي عِلْمِ القَضَاءِ.
- وقَالَ مَكْحُوْلٌ: اخْتَلَفْتُ إِلَى شُرَيْحٍ أَشْهُراً لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ، أَكْتَفِي بِمَا أَسْمَعُهُ يَقْضِي بِهِ.
- وقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وابْنُ سَعدٍ، والعِجْلِيُّ، وابْنُ حِبَّان، وابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: فَقِيهٌ.
ومِـــن أَقـوَالِـــــهِ:
- قَالَ شُرَيْحٌ: مَا شَدَدْتُ لَهَوَاتِي عَلَى خَصْمٍ، وَلاَ لَقَّنْتُ خَصْماً حُجَّةً قَطُّ.
- وقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فَوَاللهِ، لا تَجِدُ فَقْدَ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ.
- وقَالَ: اتَّبِع ولاَ تَبْتَدِع، فَإِنَّكَ لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْتَ بَالأَثَرِ.
- وقَالَ: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا حَقَّ مَنْ نَقَصُوا، إِنَّ الظَّالِمَ يَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وإِنَّ الْمَظْلُومَ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ.
- وَقَالَ: إِنِّي لأُصَابُ بِالمُصِيْبَةِ، فَأَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مِنْهَا، وأَحْمَدُ إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وأَحْمُدُ إِذْ وَفَّقَنِي لِلاسْتِرْجَاعِ لِمَا أَرْجُو مِنَ الثَّوَابِ، وأَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهَا فِي دِيْنِي.
وَفَـاتُــــهُ: تُوُفِّيَ شُرَيْح سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ (78 هـ) بِالكُوفَة، وكَانَ قَد أَوْصَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِالْجَبَّانَةِ، وأَنْ لا يُؤَذِّنَ بِهِ أَحَدٌ، ولا تَتَبِعَهُ صَائِحَةٌ، وأَنْ لا يُجْعَلَ عَلَى قَبْرِهِ ثَوْبٌ، وأَنْ يُسْرَعَ بِهِ السَّيْرُ، وأَنْ يُلْحَدَ لَهُ؛ وعَاشَ مَائَة وَعَشْر سِنِيْن (110)، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.(6) ابـْــنُ أَبِـــي لَـيْــلَـــى الأَنْصَـــــارِيّ
هُـــــوَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى (واسْمُه: يَسَار) أَبُو عِيْسَى الأَنْصَارِيُّ الكُوْفِيُّ. الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، الحَصِيفُ، النَّجِيبُ.
مِن أَكَابِر تَابِعِي الكُوفَةِ وفُقَهَائِهَا، أَدرَكَ عِشْرِيْن وَمائَة (120) مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ ولاَزَمَهُ وتَفَقَّه بِهِ، وشَهِدَ مَعَهُ وَقْعَةَ الجَمَلِ الشَّهِيرَة، وكَانَت الرَّايَة مَعَه، وشَهِدَ مَعَه أَيْضاً النَّهْرَوَانَ.
مَـوْلِـــدُه: وُلِدَ فِي خِلاَفَة أَبِي بَكْر الصِّدِّيْق. وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ عُمَر بْن الخَطَّاب، فَاللهُ أَعلَم.
كَانَ ابنُ أَبِي لَيْلَى إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ، فَتَحَ المُصْحَفَ وقَرَأَ فِيِه حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ وكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا دَخَلَ الدَّاخِلُ نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ.
- قَالَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: جَلَسْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وأَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ كَأَنَّهُ أَمِيرٌ.
- قَالَ عَبْدُ اللهِ بْن الحَارِث الهَاشِمِىّ: مَا وَلَدَت النِّسَاءُ مِثْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
- وقَال عَبْدُ المَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ اللَّخْمِيُّ: لَقَد رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَن بْن أَبي لَيْلَى فِي حَلْقَةٍ فِيهَا نَفَرٌ مِن أَصحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسْتَمِعُون لِحَدِيِثِه ويَنْصِتُون لَهُ.
- وقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، والعِجْلِيُّ، وابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِمَامٌ، عَلاَّمَةٌ، حَافِظٌ، فَقِيْهٌ؛ عَالِمُ الكُوفَةِ.
ومِــن كَــلاَمِـــهِ:
- قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَن تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. (يُونُس- 26)؛ الزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِم تَبَارَكَ وتَعَالَى، {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ}؛ بَعدَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِم عَزَّ وَجَلَّ.
- وقَالَ: صَحِبْتُ عَلِيًّا فِي الحَضَرِ والسَّفَرِ، وأَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُونَ عَنْهُ بَاطِلٌ.
- وقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَوْلُ النَّاسِ فِي عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ عَبْدُ الرَّحمَنِ: قَد جَالَسْنَاهُ وحَدَّثْنَاهُ ووَاكَلْنَاهُ وشَارَبْنَاهُ وقُمْنَا لَهُ عَلَى الأَعْمَالِ، فَمَا سَمِعتُهُ يَقُولُ شَيْئاً مِمَّا تَقَولُونَ، أَوَ لاَ يَكْفِيكُم أَنْ تَقُولُواْ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ وختنه، وشَهِدَ بَيْعَةَ الرُّضْوَان وشَهِدَ بَدْراً؟!
- وقَالَ: لَقَدْ أَدرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُم عَنِ المَسْأَلَةِ أَحَبَّ أَنْ يَكْفِيَهُ غَيْرهُ.
وَفَـاتُـــــهُ: مَاتَ غَرَقاً بنَهْرِ الفُرَات سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وثَمَانِيْنَ (82 هــ)؛ رَحِمَهُ اللهُ.