حكم تخفيف اللحية او حلقها والإسبال للمضطر
أنا مهندس وأبلغ من العمر 28 سنة، الحمد لله أعفيت لحيتي قليلا وقصرت سروالي مع الكعبين لكني فتنت لسببن:
1- العمل في تونس و خاصة في الإدارات الحكومية حيث إنهم يفرضون عليك حلق اللحية أو تقصيرها إلى أقصى ما يمكن مع عدم تقصير السروال لأنه يجلب السخرية ولا يليق بشخص يعمل في إدارة, مع إمكانية عدم قبولك في العمل من الأول.
2- لقد تم أخدي إلى مركز الشرطة عدة مرات و تم استجوابي في بعض المسائل مثل: ماهي القنوات التي تشاهدها في التلفاز؟ما هم المشايخ الذين تسمعهم ؟ ما هي الكتب الدينية التي تقرؤها ؟ ماذا تعرف عن السلفية؟ كيف تصلي بالقبض أو بالسدل؟ ماذا يحتوي جهازك الكمبيوتر؟ حتى أن مرة جاءوا إلى منزلي ليأخذوا جهاز كمبيوتري إلى مركز الشرطة ليعرفوا على ماذا يحتوي, و أسئلة عديدة أخرى. و لم تنته الحكاية إلى هنا, بل إنهم يتصلون بي , إلى الآن, من حين إلى آخر عبر هاتفي الجوال لمعرفة أحوالي وفي أي مكان موجود بالتحديد مع إمكانية الحضور إلى مركز الشرطة, كما أنهم فرضوا علي أن أعلمهم بالمكان الذي سأسافر إليه كلما أريد السفر خارج المكان الذي أقطن فيه. كل هذا بسبب اللحية و تقصير الثوب لأنهما العاملان الأكثر جلبا للانتباه و الأكثر محاربة في بلادنا. لذا فأنا إلى الآن في القائمة المشتبه فيها على حسب رأيهم.
أنا في حيرة من أمري. انصحني فضيلتكم ماذا أفعل, مع العلم أني أحاول جاهدا السفر إلى بلاد أخرى عربية إسلامية للفوز بديني وطلب العلم الشرعي و العمل. لكن أخشى ما أخشى أن تزيد مسألتي تعقيدا مع رجال الأمن عند تشبثي بديني , مما يؤدي إلى استحالة خروجي أو حتى أن أفتن في ديني إذا أصبح الضغط لا يحتمل . مع العلم أني حاولت جاهدا في عدة مرات أن أبقى في بلدي و أن أتمسك بديني, لكن و في كل مرة يضعف إيماني لأن مجتمعنا وواقعنا لا يساعداني على تقوية الإيمان ونحن هنا نعيش في فتنة رهيبة ليس هناك علماء ربانيون, التبرج الفظيع في كل مكان, محاربة الحجاب, ليس هناك دروس علم , ممنوع قراءة كتب لبعض المشايخ مثل الشيخ العلامة الألباني, الشيخ محمد عبد الوهاب, الشيخ ابن عثيمين...مع الاستحواذ عليهم عند العثور عليهم في منزلك إلى آخر هده الأمثلة. ماذا تقترح علي فضيلتكم أن أفعله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك وسائر المسلمين، وأن يقينا شر مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ثم اعلم أخي الكريم أن الله تعالى خلق الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. {هود: 7}.
وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. {الملك: 2}.
ولا شك أن الوضع المذكور في السؤال فيه صور جلية لهذا الامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب، فعليك بالصبر وحسن الظن بالله وصدق التوكل عليه واللجوء إليه والاستعانة به سبحانه، فقد وعد الله المتقين بالفرج وحسن العاقبة، فقال سبحانه: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ. {هود : 49}.
وكما قال الكليم موسى لقومه: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. {الأعراف : 128}. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. {الطلاق:3،2}.
وهذا على وجه الإجمال، وأما التفصيل فلا يخفى على السائل الكريم أن إطلاق اللحية ورفع الإزار عن الكعبين مما أمر به شرعنا المطهر، ومما يجب الالتزام به.
ومن كمال هذا الشرع الحنيف أنه كما أمر وألزم بالتكاليف الشرعية، فإنه رخص للمضطر أن يتخفف منها بقدر ضرورته، بحيث يرتفع الحرج. فالضرورات تبيح المحظورات، ولكن لابد من تقديرها بقدرها. فإذا كان إعفاء اللحية يسبب للمرء ضرراً محققا، لا يستطع تفاديه إلا بالتخفيف من لحيته أو حلقها، فإنه يجوز له اللجوء إلى الأخف وهو التخفيف، ولا يصير إلى الحلق إلا إذا ثبت أن ما دونه لا يدفع عنه الأذى، مع التنبه إلى أنه قد ثبت بالتتبع والسؤال وباستقراء أحوال أناس كثيرين أن دعوى الإكراه على حلق اللحية لا تكون إلا في نطاق ضيق، وأن أكثر الناس يتخوفون من دون سبب حقيقي، وكثير منهم لا يريد أن يلحقه أي أذى أو مضايقة بسبب تدينه والتزامه بالمظهر الإسلامي والأخذ بالسنة، وهذا مخالف لسنة الله في عباده المؤمنين. كما سبق تفصيله في الفتويين: 3198 ،130141.
فحلق اللحية أو تخفيفها جدا قد يرخص فيه عند الخوف على النفس أو الأهل من القتل أو التعذيب أو الحبس أو التشريد، أو الأذى الذي لا يطيقه الإنسان كالفصل من العمل الذي لا يجد غيره، أو التضييق عليه في سبل العيش الضروري، فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لك - أيها السائل - فإننا لا نرى مانعًا من تخفيف لحيتك أو حلقها إذا كان لا يمكن التخفيف ، وإن كان الصبر على الأذى وتحمله أفضل. أما إذا كان الأذى اللاحق بك خفيفًا يمكن تحمله فلا نرى عند ذلك جواز حلق لحيتك؛ لأن الالتزام بالدين في الغالب مظنة حصول الأذى، لا سيما في هذا الزمان، وراجع في ذلك الفتويين: 25794 ، 8796 .
وهكذا الأمر في مسألة الإسبال، بل هو أخف، فقد ذهب كثير من أهل العلم أن أحاديث النهي عن الإسبال مقيدة بالخيلاء، فإذا انتفى الخيلاء لم يكن الإسبال عند هولاء محرماً، واختلفوا بعد ذلك في الكراهة وعدمها، وإن كان الراجح هو القول بالحرمة مطلقا، في ما زاد على الكعبين، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 16291 ، 21266 ، 16291 .
وأما مسألة السفر، فلا شك أن الإنسان إن خاف على دينه في بلد، وتيسر له الخروج منها إلى ما هو أفضل وأقرب إلى الالتزام بشعائر الدين، أنه يسارع بالسفر ويحتسب خروجه هذا في سبيل الله، فإن الإقامة في البلد الذي يقل فيه الفساد مطلوبة شرعا، كما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 118032.
ثم ننبه السائل الكريم على أن الضرورة والحاجة المنزلة منزلتها، تختلف من بلد إلى بلد، ومن شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال، والإنسان على نفسه بصيرة. ونذكره بأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين ولا يضيع عباده المتقين، وقد سبق أن أشرنا إلى عوامل الثبات والاستقامة على الدين ومنزلة المتمسك به في أيام وأماكن الفتن، في الفتويين: 63743 ، 125150 .
والله أعلم.
fatwa.islamweb