سمِيَّت بكّة بهذا الاسم لازدحام الناس فيها،ويُقال :بكَّ الناس ُ بعضَهم بعضاً إذا ازدحموا
أما الفرق الواضح بينهما ففيه أقوال:
يقول عطية :بكة موضع البيت ومكة ما حواليه.
يقول عكرمة:بكة ما وَلِيَ البيت ،ومكة ما وراء ذلك.
جمهور أهل اللغة :بكة ومكة سواء ويجوز أن تكون الميم مبدلة من الباء ،وهو كقول العرب لازب ولازم ،وسبد شعره وسمَدَه إذا استأصله.
سعيد بن جبير :سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون.
وقال غيره:سميت كذلك لأنها تبكّ الجبابرة.
ولو رجعنا إلى الأصل اللغوي : ففي مادة (( مكك ومكاء و مكو ))
-المكّ : هو استخلاص الشيء باستقصاء من داخل شئ آخر كالجوف وغيره ،عن طريق المص .
*فيقال: مك الفصيل ما في ضرع أمه مكا و أمتكه :
إذا امتص جميع ما فيه من لبن وشربه كله ،
وكذلك مك الصبي ثدي أمه: إذا استقصى رضاعها بالمص ،
مك ومكمك العظم :امتص ما فيه من المخ و أكله أي أستخرج مخه بطريق المص
مكة:
*قيل سميت مكة لأنها استخرجت من بين الأرض واختيرت
وهذا المفهوم إسلامي وتفسير يظهر فيه التطور الحضاري وليس مفسرا لمَ سُميت مكة مكة ،
و ما قيل : بأن أهل مكة كانوا يمصون الماء مصا لشحته فلذلك سميت مكة
وهذا التفسير غريب ولم تأتي الشواهد والنصوص التاريخية والأدبية بما يعضده فلا يلتفت إليه.
ونرى سبب التسمية لمعرفة العرب قبل الإسلام فضل مكة وفضل الحج في التطهر من
الذنوب ،
فسميت مكة لأنها تعني المخرجة للذنوب من داخل النفس وتطهرها كأنها تمصّ الذنوب من النفس بصفة
الاستقصاء وذلك على سبيل المجاز وهذا ما تعارفت عليه العرب
ومن هذا المجاز: عبر عن التطهر وأزاله الأوساخ
في من قال :أمتكيت بالماء :بمعنى غسلت به وجهي ،قلت بصفة
الاستقصاء في غسل الوجه ، وقد مكى وجهه يمكي :غسله،
قال أبو عمرو :تمكى الغلام إذا تطهر للصلاة
*وقالته العرب أيضا مجازا في التطهر بالدم .
فقال عنترة :
إنك ، والجور على سبيل --- كالمتكي بدم القتيل
*وعبر عن اليأس من شخص أو شئ
فقيل : مكى يديه منه إذا يئس منه .
قلت :وهو نفس المعنى عندما نقول في وقتنا الحاضر:
غسل يديه منه . ولعل مكى أبلغ حيث تعني اليأس التام .
*ومن المجاز أيضا : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لا تمكمكوا على غرمائكم ) أي لا تلحوا عليهم إلحاحا يضر
بمعايشهم ولا تأخذوهم على عسرة و أنظروهم إلى ميسرة
ولا تستقصوا عليهم بأخذ كل شئ منهم فلا يستطيعون العيش بكرامة
بل الأصول بالرفق فالرحمة في ديننا واجبة حتى حين إستقضاء الدين من الغريم.
ملحوظة :بعضهم إدعي أن بكة لغة في مكة وهذا مجانب للصواب
فبكة تعني الزحام فقول الله سبحانه له الحمد (ببكة ) تعني أن مكة ستبقى المكان المزدحم مهما عمل
فيها من توسعات إلى يوم القيامةوتعني أن اسم مكة لم يكن موجودا في الزمن الغابر.
وقال ابن كثير حول الموضوع ، (( وهو لايخرج عما ذكر ))، ولكن لإتمام الفائدة:
قوله تعالى "للذي ببكة" بكة من أسماء مكة على المشهور قيل: سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة
والجبابرة بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها وقيل: لأن الناس يتباكّون فيها أي يزدحمون. قال قتادة: إن
الله بك به الناس جميعا فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها. وكذا روى عن مجاهد وعكرمة
وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ومقاتل بن حيان. وذكر حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مكة من الفج إلى التنعيم وبكة من البيت إلى البطحاء. وقال
شعبة عن المغيرة عن إبراهيم: بكة البيت والمسجد وكذا قال الزهري. وقال عكرمة في رواية وميمون بن
مهران: البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة وقال أبو مالك وأبو صالح وإبراهيم النخعي وعطية العوفي ومقاتل
بن حيان: بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة. وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة مكة وبكة والبيت العتيق والبيت
الحرام والبلد الأمين والمأمون وأم رحم وأم القرى وصلاح والعرش على وزن بدر والقادس لأنها تطهر من الذنوب
والمقدسة والناسة بالنون وبالباء أيضا والباسة والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبنية والكعبة
(( نقل النص عن تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ))
والذي نريد معرفته هو لماذا أورد الله تعالى في كتابه لفظة (( بكّة )) آل عمران / و (( مكّة )) في مواضع
أُخر ؟؟ وهذا ما سنبيّنه لمعرفة الحكمة في إختيار الألفاظ القرآنيّة بما يلائم السّياق و البيان ، فيمايأتي :
قال تعالى في سورة آل عمران: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين . فيه آيات
بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"
وقال عز وجل في سورة الفتح : " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليها "
نلاحظ اختلاف الاسم المستعمل لوصف البلد الحرام… ففي الآية الألى استعمل اسم بكة
وفي الثانية الاسم الشهير مكة والاسمان صحيحان ،
وسبب الاختلاف في اختيار اللفظين في الموضعين يتضح لنا عندما نعرف الفرق بين الاسمين، ثم نلاحظ
سياق كل آية
فأما بكة فهي من البك، وهو لفظ يدل على الزحام و التدافع ...، وآية آل عمران تتحدث عن الحج، والحج فيه
زحام حيث يبك الناس بعضهم بعضا أي يتزاحمون.
أما سياق آية الفتح فليس في الحج، بل هو حديث عن البلد الحرام كموضع فاختير له الاسم المعتاد الكثير
الاستعمال وهو (( مكّة ))
علماً أنّ لفظة (( بكة )) وردت في موضع واحد وهو ماسبق بيانه في سورة آل عمران ، وأمّا مكّة فقد وردت
في مواضع متعدّدة لما اعتاد الناس استعماله تعبيراً عن بيت الله الحرام .
..............................
منقولٌ مع التصرّف