حكم حزب البعث في غير العراق
السؤال: وهو في الحقيقة ملحق بما قبله.. ينتقد أحد الإخوة ويقول: أليس من كتمان العلم بالنسبة للعلماء أن يتحدثوا عن البعث في العراق فقط؟ ألا يوجد البعث في أماكن أخرى!؟ الجواب: على كل حال البعث هو البعث في أي مكان وجد، وأينما ظهر إلا من تاب منهم ومن اتقى الله، لكن في الأحداث الأخيرة حصل من جانب من البعث ما لم يحصل من الآخر، أما العقيدة فهي واحدة، والمبدأ واحد، لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فرقهم، والبعثيون فيما بينهم من أعدى الأعداء، وهذا شأن كل قومٍ اجتمعوا على غير تقوى الله عز وجل، لا بد أن يفرقهم الله، وأن يجعل بأسهم بينهم شديداً، ففي ظل المتغيرات وهذه الصراعات وهذه الظروف أمكن أن يضرب بعضهم ببعض.
التوصيات الصادرة من المؤتمر الإسلامي العالمي
السؤال: ما رأي فضيلتكم في التوصيات التي صدرت من المؤتمر الإسلامي العالمي حول الأوضاع الراهنة في الخليج العربي؟ الجواب: كلكم قرأتموها، فالتوصيات التي صدرت حقيقة كانت توصيات إيجابية وجيدة ومثمرة، بل نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تأخذ وأن تنال من الأمة ما يجعلها موضع التنفيذ، فالقرارات كثيرة وهي قيّمة ونافعة، ولكن تحتاج من الأمة إلى التنفيذ وإلى الامتثال. فقد بينوا ونصوا على أمور عظيمة.. كل الفقرات التي وردت هي في الحقيقة فقرات جيدة، وقد أعجبت بها بعد أن سمعتها وقرأتها؛ إذ بينوا حكم هذا المجرم، ثم بينوا أيضاً ما يجب على الأمة، وهذا هو الجانب المهم، الفقرات التي تتعلق بواجب الأمة الإسلامية، وما يتعين عليها في سبيل دفع هذا الخطر أو غيره.وأهم شيء يجب دائماً أن نهتم به هو واجبنا حكوماتٍ أو علماء أو أفراداً لكي نقوم بهذا الواجب، والحمد لله أنها صدرت من هذا الجمع الكبير، هذه في ذاتها أنا اعتبرتها ميزة؛ لأن الأمة والحمد لله كلها استشعرت أن الحل هو في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وأن تبذل الأمة جهدها وأن تبذل الغالي والنفيس لتكون مجاهدة في سبيل الله، وتستغني بذلك عن الاستعانة بأعداء الله عز وجل، والاستعانة بالكفار.. فهذه من القرارات الإيجابية التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكون لها قبول عند المسلمين جميعاً.
فتوى اللجنة الدائمة حول أحداث الخليج
السؤال: بمناسبة الأحداث المؤلمة في الخليج من جراء الاعتداء الغاشم من نظام العراق الظالم على الكويت صدرت من هيئة كبار العلماء فتوى شرعية حول هذا الموضوع، أرجو منكم مزيد إيضاحٍ لذلكم؟ الجواب: الحمد لله، لا شك أن الهيئة قد أصدرت بياناً وقد أوضحه العلماء أنفسهم في بيانات ومحاضرات لاحقة بما لا يحتاج إلى أن أوضح، أنا تلميذهم إن صح أو استحققت أن أكون تلميذاً لهم، وأحب أن أقول في هذه المناسبة، وقد قلت في هذا المكان وفي هذا المسجد نفسه في شهر ذي القعدة عبارة، وكنت أقولها دائماً وما زلت أقولها، وهي حقيقة أو قاعدة أخذتها ولمستها والحمد لله من خلال معايشتي لهم وقربي منهم، واطلاعي على أحوالهم وعلى سيرهم مع اطلاعي على سير السلف الصالح، أقول: إن هؤلاء العلماء الربانيين بقية من السلف، ادخرهم الله عز وجل في هذا الزمان لنا نحن الخلف بفضل من الله وبنعمة من الله عز وجل..!علماؤنا والحمد لله لا نظير لهم في علماء الأرض قاطبة! أما المنهج فهو منهج السلف الصالح، كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا ينازع في ذلك أحد والحمد لله، دليلهم دائماً كتاب الله والسنة الصحيحة وإجماع العلماء والقياس الصحيح.وبذلك أنعم الله عز وجل على هذه البلاد بالذات بوحدة منهجية فكرية لا نظير لها في البلاد الأخرى، فمناهجنا وكتبنا وما يقال من أحاديث أو مواعظ أو دروس مسموعة أو مقروءة، وما يؤلف وما يصدر، كله محكومٌ بهذا المنهج الذي سنه وبينه لنا هؤلاء العلماء جزاهم الله عنا خير الجزاء.فنحن لا عقيدة لنا إلا عقيدة السلف الصالح، ولا منهج لنا إلا منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال، وهؤلاء العلماء جلَّوا ذلك وأظهروه وأنتم تعلمون أنهم من تجردهم وإخلاصهم وفضلهم أنهم لا ينتسبون انتساباً مذهبياً، وإنما دائماً يفتون الناس بما يعتقدون صحته من الأدلة، هذه نعمة، وهذا فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على هؤلاء العلماء الأجلاء، ولا سيما سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، الذي لا يخفى على أحد فضله وعلمه وجهاده، بل من عايشه عن قرب ومن رأى سيرته، فإنه والله -كما كنت أستشعر ومنذ أن سمعت عنه- وتحب أن تراه ولو رؤية، وأن يتاح لك الفرصة أن تقبل رأسه، ولا أظن أحداً من طلاب العلم إلا وهو يشاطرني ويشاركني هذا الشعور والحمد لله.جاءت هذه النازلة وجاء هذا الخطب الجلل، فكان الأمر كما سمعتم وكما رأيتم بما لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتفصيل، وأصدروا ذلك البيان، وضمنوه الأدلة.وأدلة الشرع على نوعين: إما أدلة كلية (قواعد كلية)، وإما أدلة تفصيلية، فهم جاؤنا بالأدلة الكلية القطعية على أن الاستعانة بالكفار ضرورة، لأن اتخاذ الإجراءات والاحتياطات في البلاد واجب على ولي الأمر؛ وذلك ضرورة من جهة، ولأن قواعد الشرع تدل عليه.. هذا موجز ما استدلوا به الضرورة والقواعد الشرعية العامة.وهذه لا ينازع فيها أحد, لأن الأدلة الكلية أقوى من الأدلة التفصيلية كما لا يخفى على أي إنسان من الإخوة؛ فالأدلة الكلية إنما جاءت وبنيت بناءً على استقراء نصوص وأدلة تفصيلية جزئية، اجتمعت فكونت قاعدةً كلية، فقاعدة الضرورة دلت عليها الآيات, ودلت عليها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذاً قاعدة الضرورة كلية، وكذلك القواعد الكلية في حفظ الدين والمال والعرض والنفس إلى آخر هذه الضروريات أيضاً دلت عليها أدلة كلية.وأقول: هذا الاستدلال صحيح، ولا شك فيه، وإن كان لي نقاش ممن استدلوا بأدلة تفصيلية قد يظنون، أو اجتهدوا ظناً منهم أنها زيادة على ما قال العلماء، فأحببت أن أقول: ما استدل به العلماء هو الصحيح، وأما هذه الأدلة الأخرى, فلسنا بحاجة إليها أصلاً لما أسلفت حتى وإن صحت، لأن القواعد الكلية إنما تبنى على أدلة صحيحة صريحة، أما الأدلة التفصيلية فقد يكون فيها ما هو صحيح وغير صحيح، وقد يكون الصحيح منها غير صريح، فهذا يضعف القضية التي نريد أن نستدل عليها.. هذا من جهة.من جهة أخرى أنا تلمست حكمةً أيضاً في اقتصار العلماء على هذه الأدلة الكلية؛ لأن بعض ما ذكر من الأدلة التفصيلية لا شك في سلامة نية قائليها ولا ريب، لكن نحن أمام أعداء مجرمين، ولديهم إعلام -كما ترون- شديد وهو مسلط على هذه الأمة، ليهدم هذا البلد بكل فئاته وبكل قطاعاته، فإذا قال أحد: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان باليهود أو غزا معه يهود، جاء المجرمون، وقالوا: إن هؤلاء يريدون أن يستعينوا بإسرائيل علينا، هذا كذب وإفك كما تعلمون، مع أن ذلك الدليل لا يوصل إلى المطلوب.ثم أصدر سماحة الشيخ بياناً مطولاً وسمعتموه جميعاً، وكنت أرجوه، وهو بيان واجبنا نحن أيضاً، وبيان أن خطر الذنوب والمعاصي هو السبب، وأننا يجب أن نتقي الله, وأن نقلع عن الذنوب والمعاصي، وأن نصلح أحوالنا، وأن نبتعد عن كل ما حرم الله مما تعلمون جميعاً؛ لينصرنا الله.. ثم تلا ذلك فضيلة الشيخ الكريم الشيخ محمد بن صالح العثيمين بمحاضرة في الرياض, وفي الطائف وفي جدة، فزاد الأمر إيضاحاً وتفصيلاً، وبين ما بيّن في مثل هذه الليلة من الأسبوع الماضي وحضرتم والحمد لله، وقال: إن الضرورة تقدر بقدرها زماناً ومكانا، وكماً وكيفاً، فالحمد لله فقد وضحوا، فجزاهم الله وأثابهم عنا كل خير، وضحوا التوضيح الذي لا حاجة بعده لإيضاح أو لمزيدٍ من كلام...، فهذه فتواهم وهذا منهجهم وهذا قولهم والحمد لله تحروا فيه الحق وأصابوه والحمد لله.مع أن الإنسان إذا اجتهد فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وهذا اجتهاد العلماء, وطلاب العلم يعلمون أن المسائل وخاصة ما كان مختلفاً فيه منها -وهذه مسألة مختلف فيها- هذه مسائل اجتهادية، حتى سماحة الشيخ عبد العزيز أثابه الله في كتابه نقد القومية العربية ذكر كلاماً طويلاً لعلكم تقرؤونه في منع الاستعانة مطلقاً، لكن الآن لما رأى الضرورة، قال: نعم للضرورة.فإذا قدرت الضرورة بقدرها زماناً ومكاناً، وكماً وكيفاً, وحصل ما يجب علينا نحن من التوبة والإنابة والتضرع والاستقامة, فإننا بإذن الله نكون قد حققنا إن شاء الله تعالى السبب الذي أمرنا الله أن نأخذ به من أسباب النصر، فمن الناحية العلمية والناحية الفقهية: الفتوى صحيحة, وهي حق ولا غبار عليها بأي حال من الأحوال.ويبقى علينا نحن أن نلتزم بما ذكره العلماء, من واجب إصلاح الأحوال والأوضاع والأخذ بالأسباب المعنوية والمادية؛ بأن ننال نصر الله، ويكون أمن هذا البلد وحمايته هي مسؤولية أبنائه كما نقول ونردد دائماً، هذا هو الذي يجب علينا أن نسعى إليه وأن نجتهد فيه.وعلينا جميعاً أن نتقي الله في لحوم العلماء، وألا نتكلم فيهم، وألا ننسب ما يقع من أخطاء إليهم؛ فإن العلماء جزاهم الله خيراً يتحملون ما لا تطيق الجبال حمله، والمسؤولية عامة ومشتركة, وكثير من الذنوب والمعاصي والمنكرات سببه تقصيرنا نحن طلبة العلم وضعفنا نحن طلبة العلم والدعاة والأئمة والمدرسين، أما العالم فماذا باستطاعته أن يفعل؟ثم لنتق الله فلا نأخذ من فتاواهم ما نريد، ونترك ما نريد! هذه مشكلتنا نحن أمة الإسلام، فإن الواحد منا إذا احتاج الشيخ في فتوى للطلاق أو للزواج أو لأمر من الأمور ذهب إليه، وسأله وقبله وقال يا شيخ أريد كذا وكذا، لكن أن يأتي الشيخ فيعظه، أو يوجه له نصيحة, أو يقدم له موعظة فمنا من يعمل بها, ومنا من لا يعمل، سبحان الله إذا احتجناهم فقط نأخذ بأقوالهم!! يجب كما سلمنا لهم بالإمامة العلمية في صحة المنهج وبسلامته أن نأخذ كل نصحائهم وكل توجيهاتهم ونضعها موضع الاعتبار, موضع التنفيذ, وندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظهم وأن يمتعنا بحياتهم, وأن يجعلنا نحن طلاب العلم بالذات طلاب حق لهم، لنرثهم ونرث علمهم كما أننا سنرث واجبهم، وقد تأتي المواقف، فتسألنا الأجيال عنها وتسألنا الأمة عنها.. ونكون نحن في موقعهم فلعلنا لا نستطيع أن نقف كما وقفوا، ولا أن نقول كما قالوا، نعوذ بالله من الفتن.ربما يأتي يوم ولا نكون نحن أجرأ ولا أقول للحق منهم نعوذ بالله من الفتن! نسأل الله أن يثيبهم, وأن يجزيهم خير الجزاء، وأن ينفعنا بعلمهم، وأن يبارك فيهم، وأن يجعلنا جميعاً والأمة جميعاً عوناً لهم على إقامة دين الله عز وجل, امتثالاً للعمل الذي يقومون به والذي يصدعون به.
حكم التمريض للفتيات
السؤال: استفسار عن حكم التطوع في التمريض للفتيات، وهل لذلك من ضوابط شرعية؟ الجواب: التطوع بالنسبة للفتيات لا أفهم حقيقته! يعني هل سيُذهب بالفتاة التي تطوعت إلى الجيش؟ هل سيذهب بها إلى الجبهة؟ فإن ذهبت، فنعلم أن الجنود جميعاً من الرجال -الجنود السعوديون وغيرهم - ما عدا الأمريكان، لكن أقول: ستذهب المرأة إلى الرجال فكيف تمرضهم؟! تذهب من غير محرم؟ تسافر مع من؟ أنا أفكر حقيقة، وإن قيل: إنها تسافر مع محرمها فهذا عجيب، لماذا لا نعلم المحارم التمريض؟ أو نعلم الشباب التمريض ونأخذهم إلى الجبهة، وتبقى هي في البيت تحفظ العيال، هل يعقل مثلاً إذا تطوعت زوجتي، فتعلمت التمريض فاحتاجوها في الجبهة, فأذهب أنا وهي في القتال!! علموني وأنا أمرض وتبقى هي مع الأبناء.أنا حقيقة أقول: إنني لم أستوعب هذا, وأخشى أن تكون الصحافة كما قرأت وسّعت الموضوع, أو أن يكون فينا من يريد الشهوات, ومن يتبع الشهوات، فوسعوا الموضوع، وجعلوه أكبر من حقيقته، وأخذوا يريدون به المآرب التي كانت قبل الفتنة وقبل الأحداث؛ لإخراج المرأة من بيتها، هذا الذي نخشاه.والله تعالى يقول: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُـوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيـدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)[النساء:27], فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من التائبين، وأن يكفينا شر أولئك المجرمين المائلين المميلين، وقد وعدت إن شاء الله أنني في الأسبوع القادم قد أزور بعض المستشفيات وآخذ فكرة كاملة عن الموضوع ثم نقول إن شاء الله ما يبرئ ذمتنا عنه، لن نكتم الحق، مني إلى الآن لم أتصور ماذا يريدون به، هل يريدون في حالة الهجوم على المدن، أنها تعرف التمريض مثل الدفاع المدني، فتكون هنا فقط في المستشفيات، وربما يكون هناك منفعة أن تتعلم بعض من لديهن فراغ، ثم تقوم بالمعالجة لو وقعت قنابل على البيوت, أو شيء من هذا.. على أية حال، حتى أستفصل وأعرف القضية بوضوح، آتيكم إن شاء الله بالجواب الذي أدين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به إلا أنني أخشى أن هذا الانفتاح الذي في الصحافة والتهويل والتضخيم, أخشى أن يكون دخل منه أصحاب الشهوات، يريدون استغلال هذا الظرف -الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى التقوى والإنابة- في الدعوة إلى الشهوات التي كان يدعون إليها قبل هذه الأحداث، نسأل الله العفو والعافية.
كلمة حول توحيد كلمة الأمة
السؤال: نرجو إلقاء كلمة حول وجوب توحيد كلمة الأمة في هذه البلاد، وفي التفافها حول قيادتها لدرء الخطر الداهم، والتهديد المستمر من حاكم العراق لهذه البلاد ومقدساتها؟ الجواب: قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد الآيات التي قرأناها في التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] قال عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103]. إن هذه الآيات مع أنها تنطبق على الصحابة رضوان الله عليهم والذين بعث فيهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهي أيضاً تنطبق على هذه البلاد، كان حالها قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقبل ظهوره كحال الجاهلية الأولى، كما ذكر الله عز وجل، وعادت إلى شبه هذه الحال أيضاً في أول هذا القرن أو القرن الماضي الهجري، ولكن الله من فضله ومنه جمعها على كلمة التوحيد.فهذا البلد والحمد لله ما قام إلا على كلمة التوحيد التي من لوازمها توحيد الكلمة والاعتصام بحبل الله وبكتاب الله؛ ولهذا فالمنهج واحد والحمد لله، والشرع واحد، والهدف كله واحد، ولذلك هذه البلاد لا مكان فيها لمن يدعو إلى الشرك، لا مكان فيها لأصحاب البدع، لا مكان فيها لعلمانيين، أو زنادقة، أو ملاحدة أبداً، هذه وكل بلاد المسلمين وقفٌ للإسلام، لكن هذه بالذات أهم وأعظم بلاد الإسلام، فهي كالقلب بالنسبة لبلاد الإسلام.فلا يجوز أن يقرّ فيها أي مبدأ ولا مذهب ولا قانون ولا رأي يخالف دين الله, أو يخالف منهج السلف الصالح.. من أراد ذلك وإلا فليرحل عنها، لا مكان له في هذه البلاد على الإطلاق.هكذا يجب أن نكون يداً واحدة على من سوانا كما أخبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن تجتمع كلمتنا على إقامة دين الله وتحكيم كتاب الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع راية الجهاد في سبيل الله متخلين بذلك عن شهواتنا وعن مآربنا وعن ملذاتنا وعما تحبه نفوسنا؛ فإنها دائماً تحب الركون والإخلاد إلى الدنيا، وأن نكون يداً واحدة، نتطوع ونتبرع وندفع كل غال ورخيص من أجل نشر كلمة الله, وإعلاء دين الله كما كان، والحمد لله تاريخنا حافل بذلك.ونقول توكيداً لما سبق: لا بد من توحيد الكلمة ووحدة الصف ونبذ الفرقة والاختلاف، والاعتصام بحبل الله، وكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن نكون جميعاً يداً واحدة لإعلاء كلمة الله.. هذا أمر ضروري لا بد منه.ويجب على الإخوة الخطباء والوعاظ وكل إنسان أن يدعو الأمة إلى ذلك، فإن هذا أمرٌ عظيم علق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النصر به، بل جعل الفشل والضعف في تركه، وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] فالتنازع وعدم الالتفاف حول القيادة المؤمنة المجاهدة لا شك أنه من أسباب الهزيمة والفشل نسأل الله العفو والعافية.
معنى الديمقراطية وحكم الإسلام فيها
السؤال: ما معنى الديمقراطية، وما حكم الإسلام فيها؟ الجواب: الديمقراطية هي أصلاً كلمة قديمة يونانية، معناها حكم الشعب للشعب، أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وقد طبقت عملياً في بلاد اليونان وفي حكومة أثينا القديمة كما يسمونها، كانت أثينا مدينة واحدة، وهي قرية باصطلاحنا المعاصر.وكان الناس فيها متعارفين جميعاً تقريباً، فاختاروا ليحكموا أنفسهم مرشحين أو نواباً، والمرشحون هؤلاء اختاروا من جملتهم أيضاً مجلساً خاصاً، ثم المجلس اختار مجلساً، ثم من المجلس الأصغر اختيرت الزعامة أو القيادة، فأصبح الناس يحكمون أنفسهم بأنفسهم، لا شرع لهم ولا قانون، ولا شك عندنا أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير قطعاً، لكن هم تركوا شرع الله وأعرضوا عنه أو كانوا في فترة من الرسل -الله تعالى أعلم-.المقصود أنهم كانوا إذا أرادوا تشريع أمر اجتمع هؤلاء الناخبون فيبلغون من انتخبوه, ماذا يريدون أن يُحْكَموا به، ثم في مجلس النواب تتبادل الآراء، ثم رأي الأكثرية يعمل به، هذه شرعة أو شريعة جاهلية قديمة كانت عند اليونان.فلما عانت أوروبا ما عانت من الاستبداد، والطغيان والظلم في عصور الإقطاع, والقرون التي هي قرون مظلمة حقاً، والقرون الوسطى مظلمة بالنسبة لهم، وهي قرون العز والنور بالنسبة لنا، لما عانت أوروبا من ذلك ما عانت، بدأت عندها الأفكار، أول ما بدأت ما يسمى بـالليبرالية التي تعني العتق أو التحرر أو العتاق أو الحرية، ثم تطورت ولا داعي للتفصيل في دعاتها، فكرة الليبرالية التي كانت تطالب الملوك والأباطرة, والإقطاعيين بالتنازل عن شيء من حقوقهم أو مما يظنونه حقوقهم للشعب، تطورت الفكرة حتى أصبحت مشاركة كاملة في الحكم، أو مشاركة كلية، أو حكماً للشعب بالكلية.مثلاً إذا أخذنا بريطانيا معياراً لذلك، وهي كما تعلمون أول بلد نشأت فيها الديمقراطية أو عندما قامت الثورة الإنجليزية, كانت أول مطالبة لها في عام 1215م بياناً يسمونه البيان العظيم الذي كان أول مرة يطالب فيه الامبراطور بالتنازل عن شيء من الحقوق.تطور بعد ذلك إلى الثورة التي قادها كرميل، ثم بعد ذلك تحول الأمر من الاستبداد المطلق الذي كان يملكه ملك بريطانيا إلى ما ترونه الآن من أن الملكة ما هي إلا رمز، وأن الحكم كله للسلطة التنفيذية، والتشريع كله بيد مجلس النواب, عموماً, أو بينه من جهة وبين الأحزاب التي تكون عن طريق الانتخاب إلى آخره من جهة أخرى، ثم يكون الوزراء, إما من المحافظين أو من العمال إلى غير ذلك، فأصبحت الملكة أو الملك -إذا كان هناك ملك- رمزاً فقط بعد أن كان في يده كل شيء،هذه لمحة تاريخية سريعة. بالنسبة لنا نحن في دين الإسلام: الديمقراطية كفر، الديمقراطية شرك، لماذا؟ لأنه وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] ويقول عز وجل: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] هؤلاء لا يعلمون، فالتحكيم الديمقراطي هو اتباع لأهواء الذين لا يعلمون، أما نحن فإنما أمرنا وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [المائدة:49] فديننا والحمد لله هو تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما هذه الديمقراطية فهي كفر وشرك كما بينا والمجال لا يتسع للتفصيل. وأما ما يتعلق بالشورى -كما يلبس البعض- والقول أن الشورى هي الديمقراطية فهي في الأمور الشوروية التي لا نص فيها، وفي تنفيذ الشرع، فإذا نزلت بنا نازلة، كيف نقيم حكم الله في هذه النازلة؟ أي نص ينطبق على هذه النازلة؟ هنا يكون أهل الشورى، إما بالنص إذا كان نصاً آيةً أو حديثاً، وإما بالاستنباط، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83] فنستنبط ونجتمع ونأخذ الرأي من أهله، إذا كانت مشكلةً أو نازلةً حربية مثلاً، يجمع العسكريون مع العلماء مع من يكون فيهم الثقة، ويقال لهم ما رأيكم في هذا؟ كيف نواجههم؟ كيف نقاومهم؟أما الآيات والأحاديث نحن ما اجتمعنا إلا لنعمل بها ولنقيمها، ولا نقاش في ذلك، لكن الديمقراطية يجتمعون يقولون: نحرم الخمر أو لا نحرم, بل وصل الأمر والعياذ بالله إلى أن بعض مجالسهم الديمقراطية أباحت اللواط زواجاً أي أن يعقد للرجل على الرجل والعياذ بالله، هذه الديمقراطية نسأل الله العفو والعافية.
طلب شفاعة
السؤال: وهو في الحقيقة ليس سؤالاً، وإنما هو رجاء وطلب من كثير من الإخوة اليمنيين ولا سيما طلاب العلم يرفعون معاناتهم ويرجون فضيلتكم قول كلمة في ذلك، يقولون: نحن طلاب العلم، خاصة بالنسبة لما صدر من أوامر تخص اليمنيين، ولا سيما الذين في المدارس في الثانوية وفي المتوسط وفي الجامعة، سنعاني ولن نجد حلاً لمشكلتنا ولم نجد من يكفلنا، وفي نفس الوقت لا نريد أن نذهب إلى بلادنا؛ لأننا قد أحببنا هذه البلاد وأهلها وحكامها, وبلادنا لا تطبق شرع الله، فما هي نصيحتكم أو كلمتكم الموجهة بالنسبة لما يخص طلاب العلم بالذات؟ الجواب: إنه من يتق الله يجعل له مخرجاً, فكل ما أفهمه أو ما يمكن أستطيع أن أقول أني فهمته أن الإنسان أو الأخ من اليمن أو من غيرها من الدول, التي لم يكن في حاجة إلى أن يكون له كفيل: أن يأتي بكفيل!! فنعمة كانت عليهم من قبل، وهو أنهم لم يكونوا يطالبون الكفلاء سنين والحمد لله وهم بهذه الحال، فالآن يأتي بكفيل، وأنا لا أظن أن مساواتهم بغيرهم في ذاتها تشكل أي شيء يمكن أن يؤثر على طلبهم للعلم أو على غيره إن شاء الله؛ لأن الأمين منهم والطيب والمخلص (والحمد لله هم كذلك، والإيمان يمان والحكمة يمانية ونحن والحمد لله أمة واحدة، والدين والجوار يربطنا جميعاً ) نقول: لن يعدم إن شاء الله المتقي ممن يكفله، ولا أعرف هل الكفالة تشمل الطلاب أم لا؟ وإنني لا أملك لكم إلا الدعاء.أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرحمنا وإخواننا المسلمين جميعاً، والحمد لله رب العالمين.