الهجرة وسر الجنود التى لم تروها
{فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} التوبة40
نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بجنود لم نرها ، ما هذه الجنود؟
الآيات الحسية للمرسلين والنبيين أحياناً يحدث بعضها لكبار أولياء الله الصالحين لكن ليس لكل الناس ونحن نريد عناية الله التى معنا كلنا ، فَعَرَّف الله النبى وعرَّفنا بأنالجنود الحقيقين الذين أيَّد الله حضرة النبى بهم لا تراهم العيون: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}
هذه الجنود ذكرها الله لأننا لنا مثلها حتى نعرف أن لنا تأييد من الله يؤيد به العبيد الذين يمشون على نهج النبى صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين
ما هذه الجنود التى لم نرها؟
منها توفيق الله ورعاية الله وكفالة الله وموالاة الله بما لا يُعد من النعم والآلاء لأحباب الله ورسل الله وأصفياء الله ، على سبيل المثال: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعضها وقال فى شأنها: {نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ}{1}
أعطاه الله فى أى معركة بينه وبين الأعداء ، يرسل الله سبحانه وتعالى عليهم الرعب وبينهم وبين حضرة النبى سفر شهر، أين سلاح الرعب هذا؟ {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} الحشر2
هذا السلاح يذهب إلى الأفئدة وليس على الأجسام أو البيوت هذا السلاح لا يراه أحد وبينهم وبينه مدة شهر أى أنه عابر للقارات ، لكن من الذى يبعثه؟ ومن الذى يصيره؟ الله رب العالمين لحَبيبه ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم
وكما أعطى هذا السلاح لرسول الله يعطيه للمؤمنين الأتقياء الأنقياء الذين يمشون على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سادتنا من السلف الصالح من الصحابة الأجلاء كيف فتحوا البلدان؟ ليس بالسلاح لأن سلاحهم كان ضعيف وخفيف وكان عددهم قليل ، لكن السلاح الأساسى كان الرعب الذى كان يبعثه الله فى قلوب الأعداء
ولا تعتقد أن هذا الرعب كان فى زمن رسول الله وصحابته فقط بل يوجد حتى فى زماننا هذا فقد كان السلاح الأساسى للنصر فى حرب أكتوبر عام ثلاث وسبعين كان الرعب
فقد كانت اسرائيل تمتلك أحدث طائرات فى العالم ومع ذلك رفض ضباطهم قيادتها ، حتى أنهم كانوا يربطونهم بجنازير حتى لا يهبطوا منها ويتركوها ، سبب ذلك الرعب ، هذا الرعب جاء من عند الله ، وذلك بسبب رجوعنا إلى الله فصدق معنا قول الله: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} محمد7
كيف ننصر الله؟ ننصر شرعه ، فنجعل شرع الله هو السائد بيننا فى هذه الحياة ، فى المعاملات وفى الأخلاق وفى المودات وفى كل الحالات ، لو جعلنا شرع الله هو السائد فسيأتينا نصر الله كما كان يأتى لحَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم
سلاح الرعب هذا كان للأعداء البعيدين لكن كان هناك نفر من حوله يريدون أن يغتالوه ، ورسول الله ليس له حرس يحميه من هؤلاء ، إذاً ما السلاح الذى يحميه منهم؟ الأنصار طلبوا من رسول الله أن يجعلوا له حرساً ، فتركهم رسول الله يجعلون له حرساً إلى أن نزل قول الله: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} المائدة67
فرفض الحراسة فكان ينام ويمشى بدون حرس ، لماذ؟ لأن الله سلَّحه بسلاح يغنيه عن الحرس وهو سلاح الهيبة ، الذى يقول الإمام علىّ فيه: {من رآه بديهة هابه} من يراه من بعيد يهابه سواء من المؤمنين أو من الآخرين
جاءت امرأة فى الطريق تشتكى لرسول الله ، فقيل لها ها هو رسول الله ، فعندما وصلت إليه ارتعشت وسقطت على الأرض ، فقال لها: {هَوِّنْى عَلَيْكَ فَإِنَّما أَنا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كانَتْ تَأْكُلُ الْقَديدَ في هذِهِ الْبَطْحاءِ}{2}
هذه الهيبة كانت مع الأعداء ، واسمعوا لرواية سيدنا جابر بن عبد الله رضى الله عنه: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: {قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّيْفِ ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟ قَالَ: لاَ ، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ}{3}
أخلاق مدحه بها العزيز الخلاق وقال فى وصفه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم4
كان على خلق عظيم صلوات ربى وتسليماته عليه
{1} الصحيحين البخارى ومسلم عن جابر بن عبد الله
{2} المستدرك على الصحيحين عن عبدالله بن جرير
{3} رواه الإمام البخارى ومسلم