ثم ذكر حديث ابن ام مكتوم أنه قال يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلا وشجرا فهل يسعني أن اصلي في بيتي قال تسمع الإقامة قال نعم قال فأتها المسند 3 / 423 ابو داود رقم 552 و 553 وابن ماجة رقم 792
قال ابن المنذر ذكر تخويف النفاق على تارك شهود العشاء والصبح في جماعة
ثم قال في أثناء الباب فدلت الأخبار التي ذكرت على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له فمما دل عليه قوله لابن ام مكتوم وهو ضرير لا اجد لك رخصة أبو داود رقم 552 فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة
قال وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم راجع البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 أبين البيان على وجوب فرض الجماعة إذ غير جائز أن يتهدد رسول الله من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض مسلم رقم 655
قال ويؤيده حديث أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد بعدما أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم
ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره وإنما لما امر الله جل ذكره بالجماعة في حال الخوف دل على ان ذلك في حال الأمن اوجب
والاخبار المذكورة في ابواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لاصحاب الاعذار تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له ولو كان
(1/136)
-------------
حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلف عنها في ابواب العذر معنى
ودل على تأكيد فرض الجماعة قوله من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ابو داود رقم 551 وابن ماجة رقم 793 ثم ساق الحديث في ذلك ثم قال وقال الشافعي ذكر الله الاذان بالصلاة فقال وإذا ناديتم إلى الصلواة 5 سورة المائدة / الآية 58 وقال تعالى إذا نودي للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله 62 سورة الجمعة / الآية 9 وسن رسول الله الأذان للصلوات المكتوبات فأشبه ما وصفت أن لا يحل أن تصلي كل مكتوبة إلا في جماعة حتى لا يخلو جماعة مقيمون أو مسافرون من ان يصلي بهم صلاة جماعة فلا ارخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها صلاها قبل الإمام أو بعده إلا صلاة الجمعة فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن اتيانها فرض هذا كله لفظ ابن المنذر
وقالت الحنفية والمالكية هي سنة مؤكدة ولكنهم يؤثمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة لفظي
وكذلك صرح بعضهم بالوجوب
قال الموجبون قال الله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك 4 سورة النساء / الآية 102 ووجه الاستدلال بالآية من وجوه
(1/137)
------------
أحدها أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقول ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك 4 سورة النساء / الآية 102 وفي هذت دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ولو كانت الجماعة سنة لكان اولى الاعذار بسقوطها عذر الخوف ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الاعيان فهذه على ثلاثة اوجه امره بها اولا ثم امره بها ثانيا وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف
الدليل الثاني قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 68 سورة القلم / الآيتان 42 و 43 ووجه الاستدلال بها انه سبحانه عاقبهم يوم القيامة بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا فأبوا أن يجيبوا الداعي
إذا ثبت هذا فإجابة الداعي هي إتيان المسجد بحضور الجماعة لا فعلها في بيته وحده فهكذا فسر النبي الإجابة فروى مسلم في صحيحه رقم 653 عن ابي هريرة قال اتى النبي رجل اعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فلم يجعل مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة
ويدل عليه حديث ابن ام مكتوم قال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله تسمع حي على الصلاة حي على
(1/138)
---------------
الفلاح قال نعم قال فحيهلا رواه ابو داود رقم 553 والإمام أحمد 3 / 423
وحيهلا اسم فعل امر معناه اقبل واجب وهو صريح في ان إجابة هذاالامر بحضور الجماعة وان المتخلف عنها لم يجبه
وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 68سورة القلم / الآية 43 قال هو قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح الدر المنثور 8 / 56
فهذا الدليل مبني على مقدمتين إحداهما أن هذه الإجابة واجبة والثانية لا تحصل إلا بحضور الصلاة في الجماعة
وهذا هو الذي فهمه أعلم الأمة وأفقههم من الإجابة وهم الصحابة رضي الله عنهم فقال ابن المنذر في كتاب الأوسط روينا عن ابن مسعود وابي موسى انهما قالا من سمع النداء ثم لم يجب فإنه لا تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر مجمع الزوائد 2 / 42
قال وروي عن عائشة أنها قالت من سمع النداء فلم يجب لم يرد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3 / 57
وعن ابي هريرة انه قال ان تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه
فهذا وغيره يدل أن الإجابة عند الصحابة هي حضور الجماعة وأن المتخلف عنها غير مجيب فيكون عاصيا
الدليل الثالث قوله تعالى وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الركعين 2 سورة البقرة / الآية 43 ووجه الاستدلال بالآية أنه
(1/139)
--------------------------------------------------------------------------------
سبحانه امرهم بالركوع وهو الصلاة وعبر عنها بالركوع لأنه من اركانها والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجودا وقرآنا وتسبيحا فلا بد لقوله مع الركعين 2 سورة البقرة / الآية 43 من فائدة اخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك
إذا ثبت هذا الأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال
فإن قيل فهذا ينتقص بقوله تعالى يمريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الركعين 3 سورة آل عمران / الآية 43 والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة قيل الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها امرت بذلك بخلاف قوله وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين 2 سورة البقرة / الآية 43 ومريم كانت لها خاصة لم تكن لغيرها من النساء فإن امها نذرتها ان تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه فأمرت ان تركع مه اهله ولما اصطفاها الله وطهرها على نساء العالمين امرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى وإذ قالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك وطهرك واصطفك على نساء العلمين يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الركعين 3 سورة آل عمران / الآيتان 42 و 43 فإن قيل كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى يايها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين 9 سورة التوبة / الآية 119 فالمعية تقضي المشاركة في الفعل ولاتستلزم المقارنة فيه قيل حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة ولا سيما في الصلاة
(1/140)
-----------
فإنه إذا قيل صل مع الجماعة أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة
الدليل الرابع ما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 وهذا لفظ البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم اخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا او مرماتين حسنتين لشهد العشاء
وعن ابي هريرة ان رسول الله قال إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق على صحته البخاري رقم 657 مسلم رقم 651 واللفظ لمسلم
وللإمام أحمد المسند 2 / 367 عنه لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وامرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار
قال المسقطون لوجوبها هذا ما لا يدل على وجوب صلاة الجماعة لوجوه
(1/141)
-------------
أحدها أن هذا الوعيد إنما جاء في المتخلفين عن الجمعة بدليل ما راه مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم
الثاني أن هذا كان جائزا لما كانت العقوبات المالية جائزة ثم نسخ بما نسخ العقوبات المالية
الثالث أنه هم ولم يفعل ولو كان التحريق جائزا لكان واجبا فإن العقوبة لا تكون مستوية الطرفين بل إما واجبة أو محرمة فلما لم يفعل ذلك دل على عدم الجواز
قالوا والحديث يدل على سقوط فرض الجماعة لأنه هم بالتخلف عنها وهو لا يهم بترك واجب
قالوا وأيضا فالنبي إنما هم بإحراق بيوتهم عليهم لنفاقهم لا لتخلفهم عن حضور الجماعة
قال الموجبون ليس فيما ذكرتم ما يسقط دلالة الحديث
أما قولكم إن الوعيد إنما هو في حق تارك الجمعة فنعم هو في حق تارك الجمعة وتارك الجماعة فحديث أبي هريرة صريح في أنه في حق تارك الجماعة وذلك بين في اول الحديث وآخره وحديث ابن مسعود في ان ذلك لتارك الجمعة أيضا فلا تنافي بين الحديثين
وأما قولكم إنه منسوخ فما أصعب هذه الدعوى وأصعب إثباتها فأين شروط النسخ من وجود معارض مقاوم متأخر ولن تجدوا أنتم ولا أحد من اهل الأرض سبيلا إلى إثبات ذلك بمجرد الدعوى وقد اتخذ كثيرا من
(1/142)
--------
الناس دعوى النسخ والإجماع سلما إلى ابطال كثير من السنن الثابتة عن رسول الله وهذا ليس بهين ولا تترك لرسول الله سنة صحيحة ابدا بدعوى الإجماع ولا دعوى النسخ إلى أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأئمة وحفظته إذ محال على الأمة ان تضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به ولم يبق من الدين وكثير من المولدة المتعصبين إذا رأوا حديثا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلا فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم فزعوا إلى دعوى الاجماع على خلافه فإن رأوا من الخلاف مالا يمكنهم من دعوى الإجماع فزعوا إلى القول بأنه منسوخ وليست هذه طريق أئمة الإسلام بل ائمة الإسلام كلهم على خلاف هذا الطريق وأنهم إذا وجدوا لرسول الله سنة صحيحة صريحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولانسخ والشافعي وأحمد من اعظم الناس إنكارا لذلك وبالله التوفيق
وإنما لم يفعل النبي ما هم به للمانع الذي اخبر أنه منعه منه وهو اشتمال البيوت على من لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية فلو احرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب عليه وهذا لا يجوز كما إذا وجب الحد على حامل فإنه لا يقام عليها حتى تضع لئلا تسري العقوبة إلى الحمل ورسول الله لا يهم بما لا يجوز فعله ابدا
وقد أجاب عنه بعض اهل العلم بجواب آخر وهو ان القوم كانوا أخوف لرسول الله م8ن ان يسمعوه يقول هذه المقالة ثم يصرون على التخلف عن الجماعة
وأما قولكم إن الحديث يدل على عدم وجوب الجماعة لكونه هم بتركها فمما لا يلتفت إليه ولا يظن برسول الله أنه يهم بعقوبة طائفة من
(1/143)
------------------
المسلمين بالنار وإحراق بيوتهم لتركهم سنة لم يوجبها الله عليهم ولا رسوله وهو لم يخبر أنه كان يصلي وحده بل كان يصلي جماعة هو واعوانه الذين ذهبوا معه إلى تلك البيوت وايضا فلو صلاها وحده لكان هناك واجبان واجب الجماعة وواجب عقوبة العصاة وجهادهم فترك أدنى الواجبين لأعلاهما كحال يف صلاة الخوف
قولكم إنما هم بعقوبتهم على نفاقهم لا على تخلفهم عن الجماعة فهذا يستلزم محظرون
الغاء ما اعتبره رسول الله وعلق الحكم به من التخلف عن الجماعة
والثاني اعتبار ما الغاه فإنه لم يكن يعاقب المنافقين على نفاقهم بل كان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله
الدليل الخامس ما رواه مسلم في صحيحه رقم 653 أن رجلا اعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المجسد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب وهذا الرجل هو ابن ام مكتوم واختلف في اسمه فقيل عبدالله وقيل عمرو
وفي مسند الإمام أحمد 3 / 423 وسنن أبي داود رقم 552 , 553 عن عمرو ابن ام مكتوم قال قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة ان اصلي في بيتي قال تسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة
قا المسقطون لوجوبها هذا امر استحباب لا امر إيجاب وقوله لا أجد لك رخصة أي إن اردت فضيلة الجماعة
(1/144)
--------------
قالوا وهذا منسوخ
قال الموجبون الأمر مطلق للوجوب فكيف إذا صرح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه لضرير شاسع الدار لا يلائمه قائده فلو كان العبد مخيرا بين ان يصلي وحده أو جماعة لكان اولى الناس بهذا التخيير مثل الأعمى
ابو بكر ابن المنذر ذكر حضور الجماعة علىالعميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لاندب وإذا قال لابنأم مكتوم وهو ضرير لا أجد لك رخصة فالبصير أولى ان لا تكون له رخصة
السادس ما رواه أبو داود رقم 551 وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 2064 عن ابن عباس قال قال رسول الله من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا وما العذر قال خوف او مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلاها
قال المسقطون للوجوب هذا حديث فيه علتان
إحدهما أنه من رواية معارك العبدي وهو ضعيف عندهم
الثانية إنما يعرف عن ابن عباس موقوفا عليه
قال الموجبون قد قال قاسم بن اصبغ في كتابه حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي قال من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر وحسبك بهذا الإسناد صحة سنن ا لبيهقي 3 / 57
(1/145)
----------------
ورواه ابن المنذر حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن عوف حدثنا هشيم ن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا راجع صحيح ابن حبان رقم 2064
قالوا ومعارك العبدي قد روى عنه ابو اسحاق السبيعي على جلالته ولو قدر انه لم يصح رفعه فقد صح عن ابن عباس بلا شك وهو قول صاحب لم يخالفه صاحب
السابع ما رواه مسلم في صحيحه رقم 654 عن عبدالله بن مسعود قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإنهن من سنن الهدى وأن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو انكم تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف
وفي لفظ وقال إن رسول الله علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه
فوجه الدلالة أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه ومن استقر علامات النفاق في السنة وجدها إما ترك فريضة أو فعل محرم وقد اكد هذا المعنى بقوله من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يناجي بهن وسمى تاركها المصلي في بيته متخلفا
(1/146)
----------------
تاركا للسنة التي هي طريقة رسول الله التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته وليس المراد بها السنة التي من شاء فعلها ومن شاء تركها فإن تركها لا يكون ضلالا ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الأثنين والخميس
الدليل الثامن ما رواه مسلم في صحيحه رقم 672 من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم احدهم وأحقهم بالإمامة اقرؤهم
ووجه الاستدلال به أنه امر بالجماعة وأمره على الوجوب
التاسع أنه أمر من صلى وحده خلف الصف أن يعيد الصلاة رواه الإمام أحمد مسند 3 / 228 وأهل السنن ابو داود رقم 682 الترمذي رقم 230 و 231 ابن ماجه رقم 1004 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1198 و 1199 وحسنه الترمذي
وعن علي بن شيبان قال خرجنا حتى قدمنا على النبي فبايعناه وصلينا خلفه قال ثم صلينا وراءه صلاة اخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا خلف الصف فوقف عيه حتى انصرف وقال استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف رواه الإمام احمد المسند 4 / 23 وابن حبان رقم 2202
وفي رواية الإمام أحمد صليت خلف النبي فرأى رجلا يصلي فردا خلف الصف فوقف نبي الله الرجل حتى انصرف فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف قال ابن المنذر وثبت هذا الحديث أحمد وإسحاق
(1/147)
-----------------
فوجه الدلالة أنه ابطل صلاة المنفرد عن الصف وهو في جماعة وأمره بإعاة صلاته مع أنه لم ينفرد إلا في المكان خاصة فصلاة المنفرد عن الجماعة والمكان أولى بالبطلان يوضحه أن غاية هذا الفذ ان يكون منفردا ولو صحت صلاة المنفرد لما حكم رسول الله بنفيها فأمر من صلى كذلك أن يعيد صلاته
قال المسقطون للوجوب لايمكنكم الاستدلال بهذا الحديث إلا بعد إثبات بطلان صلاة الفذ خلف الصف وهذا قول شاذ مخالف لجمهور أهل العلم وقد دل على صحتها إجماع الناس على صحة صلاة المرأة وحدها خلف الصف وقد صلى رسول الله خلف جبريل فروى جابر بن عبدالله أن النبي أتاه جبريل يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله رواه النسائي رقم 513
فقد صلى رسول الله خلف جبريل مقتد يأبه
قالوا وقد احرم ابو بكرة فذا خلف الصف ثم مشى حتى دخل الصف ولم يأمره النبي بالإعادة البخاري رقم 783
قالوا وقد احرم ابن عباس البخاري رقم 699 مسلم رقم 763 عن يساره فأخذ بيده فأداره عن يمينه فأدراه عن يمينه ولم يأمره النبي مسلم باستقبال الصلاة بل صحح إحرامه فذا فهذا في النفل وحديث جابر مسلم رقم 3010 في الفرض أنه قام عن يسار رسول الله فأخذ بيده فأقامه عن يمينه
(1/148)
--------
قال الموجبون العجب من معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة بمثل ذلك فإنه لا تعارض بين الأحاديث بوجه من الوجوه
وأما قولكم إن هذا قول شاذ فلعمر الله ليس شاذا ومعه رسول الله وسنته الصحيحة والصريحة ولو تركها من تركها فلا يكون ترك السنن لخفائها على من تركها أو لنوع تأيل مسوغا لتركها لغيره وكيف يقدم ترك التارك لهذه السنة عليها هذا وقد قال بهذه السنة جماعة من اكابر التابعين منهم سعيد بن جبير وطاوس وإبراهيم النخعي ومن دونهم كالحكم وحماد وابن ابي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وقال بها الأوزاعي حكاه الطحاوي عنه وإسحاق بن راهويه والامام أحمد وابو بكر ابن المنذر ومحمد بن اسحاق بن خزيمة فأين الشذوذ وهؤلاء القائلون وهذه السنة
وأما معارضتكم بموقف المرأة فمن أفسد المعارضات لان ذلك هو موقف المرأة المشروع لها حتى لو وقفت في صف الرجال أفسدت صلاة من يليها عند ابي حنيفة واحد القولين في مذهب أحمد
فإن قيل لو وقفت فذة خلف صف النساء صحت صلاتها
قيل ليس كذلك بل إذا انفردت المرأة عن صف النساء لم تصح صلاتها كالرجل الفذ خلف الرجال ذكر ذلك القاضي ابو يعلى في تعليقه لعموم قوله لا صلاة لفرد خلف الصف مسند أحمد خرج من هذا ما إذا كانت وحدها خلف الرجال للحديث الصحيح بقي فيما عداه على هذا العموم
قصة صلاته صلوات الله وسلامه عليه خلف جبريل وحده والصحابة خلفه فقد أجيب عنها بأنها كانت في اول الامر حين علمه
(1/149)
--------------------------------------------------------------------------------
مواقيت الصلاة وقصة امره الذي صلى خلف الصف فذا بالإعادة متأخرة بعد ذلك وهذا جواب صحيح
وعندي فيه جواب آخر وهو ان النبي كان هو إمام المسلمين فكان بين أيديهم وكان هو المؤتم بجبريل وحده وكان تقدم جبريل عليه السلام ابلغ في حصول التعليم من ان يكون إلى حانبه كما ان النبي صلى بهم على المنبر ليأتموا وليتعلموا صلاته وكان ذلك لأجل التعليم لم يدخب في نهيه الإمام به إذا ام الناس ان يقوم في مقتم ارفع منهم راجع ابو داود رقم 597 , 598
وأما قصة ابي بكرة فليس فيها انه رفع رأسه من الركوع قبل دخوله في الصف وإنما يمكن التمسك بها لو ثبت ذلك ولا سبيل إليه
وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد فيمن ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل فيه بعد ان رفع الإمام رأسه من الركوع وعنه في ذلك ثلاث روايات تصح مطلقا وحجة هذه الرواية أن النبي لم يأمر ابا بكرة بالإعادة ولا استفصله هل ادركه قبل رفع رأسه من الركوع ام لا ولو اختلف الحال لاستفصله
سعيد بن منصور في سننه الموطأ 1 / 165 سنن البيهقي 2 / 90 و 3 / 106 عن زيد بن ثابت أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف ثم يمشي راكعا ويعتد بها وصل الصف ام لم يصل
والرواية الثانية انها لا تصح نص عليها في رواية إبراهيم بن الحارث ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين من ادرك الركوع في الصف لأنه لم
(1/150)
-------------
يدرك في الصف ما يدرك به الركعة فأشبه ما لو أدركه وقد سجد وهذه الرواية أصح عند أكثر أصحابه
والرواية الثالثة إن كان عالما بالنهي لم تصح صلاته وإلا صحت لقصة أي بكرة وقول النبي لا تعد والنهي يقتضي الفساد ولكن ترك في الجاهل به حيث لم يأمره بالإعادة وكان هذه حال أبي بكرة
وأما قصة ابن عباس وجابر في ترك أمرهها بابتداء الصلاة وقد أحرما فذين فهذه اولا ليس فيه أنهما قد دخلا في الصلاة وإنما فيه أنهما وقفا عن يساره فادارهما عند اول وقوفهما ولو قدر أنهما احرما كذك فمن أحرم فذا صح إحرامه بالصلاة ودخوله فيها وإنما الاعتبار بالركوع وحده وإلا فمن وقف معه آخر قبل الركوع صحت صلاته ولو اعتبرنا إحرام المأمومين جميعا لم ينعقد تحريم أحد حتى يتفق هو ومن إلى جانبه في ابتداء التكبير وانتهائه وهذا من أعظم الحرج والمشقة ولهذا لم يعتبره أحد أصلا والله أعلم
الدليل العاشر ما رواه أبو داود في سننه رقم 547 والإمام أحمد في مسنده 5 / 196 من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله ما ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية
فوجه الاستدلال منه أنه أخبر باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذن وإقامة الصلاة ولو كانت الجماعة ندبا يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها
الدليل الحادي عشر ما رواه في صحيحة رقم 655 من حديث أبي الشعثاء المحاربي قال كنا قعودا في المسجد فأذن المؤذن
(1/151)
------------------
فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصرة حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم
وفي رواية سمعت أبا هريرة وقد رأى رجلا يجتاز في المسجد خارجا بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم
ووجه الاستدلال به أنه جعله عاصيا لرسول الله بخروجه بعد الأذان لتركه الصلاة جماعة ومن يقول الجماعة ندب يقول لا يعصي الله ولا رسوله من خرج بعد الأذان وصلى وحده وقد احتج ابن المنذر في كتابه على وجوب الجماعة بهذا الحديث وقال لو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجزأ أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها وإن شاء تركها يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة بل يجوز له ان يجلس فلا يصلي مع الإمام والجماعة فإذا صلوا قام فصلى وحده ولو رأى رسول الله وأصحابه من يفعل هذا لأنكروا عليه غاية الإنكار بل قد أنكر ما هو دون هذا وهو على من لا يصلي مع الجماعة اكتفاء بصلاته في رحله وقال ما لك لا تصلي معنا الست برجل مسلم مسند أحمد 4 / 34 النسائي رقم 857
وأمر بالصلاة في الجماعة لمن صلى ثم أتى مسجد الجماعة فقال إذا صليتما في رحاللكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة الترمذي رقم 219 النسائي رقم 858 مسند أحمد 4 / 160
(1/152)
---------------------
الدليل الثاني عشر إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم
قد تقدم قول ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق مسلم رقم 654
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سليمان بن المغيرة عن ابي موسى الهلالي عن ابن مسعود قال من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له المحلى 4 / 195
وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن ابي الحصين عن ابي بردة عن أبي موسى الاشعري قال من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له المحلى 2 \ 42 مستدرك الحاكم 1 \ 246
وقال أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل ومن جار المسجد قال من سمع المنادي سنن البيهقي 3 / 57 و 174
وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن بن علي قال من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر
وقال عبدالرزاق 1 / 498 عن انس عن ابي إسحاق عن الحارث عن علي قال من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له
(1/153)
----------------
وقال وكيع عن عبد الرحمن بن حصين عن أبي نجيح المكي عن أبي هريرة قال أن تمتليء أذنابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه المحلى 4 / 195
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن عدي بن ثابت عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت من سمع المنادي فلم يجب عن غير عذر لم يجد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3 / 57
قال وكيع حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عابس قال من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له صحيح ابن حبان رقم 2064
وقال عبدالرزاق 5 / 245 عن ليث عن مجاهد قال سأل رجل ابن عباس فقال رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة فقال ابن عباس هو في النار ثم جاء الغد فسأله عن ذلك فقال هو في النار قال واختلف إليه قريبا من شهر يسأله عن ذلك ويقول ابن عباس هو في النار
فهذه نصوص الصحابة كما تراها صحة وشهرة وانتشارا ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة لو كان وحدة فكيف إذا تعاضدت وتضافرت وبالله التوفيق
(1/154)
-----------------
فصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
وأما المسالة السابعة وهي هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين
أحدهماأنها فرض يأثم تاركها وتبرأ ذمته بصلاته وحده وهذا قول أكثر المتأخرين من اصحاب أحمد ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال إجابة الداعي إلى الصلاة فرض ولو أن رجلا قال هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره لكان خلاف الحديث وصلاته جائزة
وعنه رواية ثانية ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع أنها شرط للصحة فلا تصح صلاة من صلى وحده وحكاه القاضي عن بعض الاصحاب واختاره أبو الوفاء ابن عقيل وأبو الحسن التميمي وهو قول داود وأصحابه قال ابن حزم المحلى 4 / 196 وهوقول جميع اصحابنا
ونحن نذكر حجج الفريقين
قال المشترطون كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على انها شرط فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ماأمر به فبقي في عهدة الأمر
قالوا ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له ولو صحت لما قال النبي من سمع المنادي ثم لم يجبه لم تقبل منه الصلاة التي صلى
(1/155)
--------------------------------------------------------------------------------
فلما وقف القبول عليها دل على اشتراطها كما أنه لما وقف القبول على الوضو من الحدث دل على اشتراطه
ونفي القبول إما ان يكون لفوات ركن او شرط ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق وشارب الخمر أربعين يوما لأن امتناع القبول هناك لارتكاب ارم محرم قارن الصلاة فأبطل أجرها
قالوا ولو صحت صلاة المنفرد لما قال ابن عباس إنه في النار
قالوا لو صحت صلاته أيضا لما كانت واجبة وأنه إنما يصح عبادة من ادى ما أمر به
وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية
قال المصححون لها وهم ثلاثة أقسام
قسم يجعلها سنة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها
وقسم يجعلها فرض كفاية إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم
يقول هي فرض على الأعيان وتصح بدونها
وقد ثبت في الصحيحين البخاري رقم 645 مسلم رقم 650 من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة
وفيهما البخاري رقم 647 مسلم رقم 649 عن ابي هريرة عن النبي صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت لها بها درجة
(1/156)
------------------
وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم نزل الملائكة تصلي عليه ما دام في وصلاة ما لم يحدث اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة
قالوا فلو كانت صلاة المنفرد باطلة لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل
قالوا وفي صحيح مسلم رقم 656 من حديث عثمان بن عفان أن النبي قال من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله
قالوا فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب والحكم في المشبه كهو في المشبه به أو دونه في التأكيد
قالوا وقد روى يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا قال علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلوا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة رواه أهل السنن النسائي رقم 858 أبو داود رقم 575 الترمذي رقم 219 وعند أبي داود إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الأمام فليصلها معه فإنها له نافلة
قالوا ولولا صحة الأولى لم تكن الثانية نافلة
وعن محجن بن الأدرع قال اتيت النبي فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي ألا صليت قلت يا رسول الله قد
(1/157)
-------
صليت في الرحل ثم أتيتك قال فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة رواه الإمام أحمد المسند 4 / 34
وفي الباب عن ابي هريرة وعن ابي ذر وعبادة وعبدالله بن عمر
ولفظ حديث ابن عمر عن سليمان مولى ميمونة قال اتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال إني سمعت رسول الله يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين رواه أبو داود رقم 579 والنسائي رقم 860
فصل في ادلة الموجبين الجماعة لصحة الصلاة
قال الموجبون التفضيل لا يستلزم براءة الذمة من كل وجه سواء كان مطلقا أو مقيدا فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضل عليه من كل وجه كقوله تعالى اصحب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا 25 الفرقان / الآية 24 وقوله تعالى قل أذلك خير أم جنة الخلد 25 سورة الفرقان / الآية 15 وهو كثير
فكون صلاة الفذ جزءا واحدا من سبعة وعشرين جزءا من صلاة الجميع لا يستلزم إسقاط فرض الجماعة ولزوم كونها ندبا بوجه من الوجوه وغايتها ان يتأدى الواجب بهما وبينهما من الفضل ما بينهما فإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتهما في الفضل كما بين السماء والأرض
وفي السنن أبو داود رقم 796 عنه إن العبد ليصلي
(1/158)
------------
الصلاة لم يكتب له من الأجر إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها حتى بلغ عشرها
فإذا عقل اثنان يصليان فرضهما صلاة احدهما افضل من صلاة الآخر بعشرة اجزاء وهما فرضان فهكذا يعقل مثله في صلاة الفذ وصلاة الجماعة
وأبلغ من هذا قوله ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها اتحاف السادة المتقين 3 / 112 و 4 / 123 فإذا لم يعقل في صلاته إلا في جزء واحد كان له من الاجر بقدر ذلك الجزء وإن برئتى ذمته من الصلاة فهكذا المصلي وحده له جزء واحد من الأجر وإن برئت الذمة
ومثل هذه الصلاة لا يسميها الشارع صحيحة وإن اصطلح الفقهاء على تسميتها صلاة فإن الصحيح المطلق ما تربت عليه اثره وحصل به مقصودة وهذه قد فات معظم أثرها ولم يحصل منها جل مقصودها فهي ابعد شيء من الصحة واحسن أحوالها أن ترفع عنه العقاب وإن حصلت شيئا من الثواب فهو جزء وما هذا إلا على قول من لا يجعلها شرطا للصحة وأما من جعلها شرطا لا تصح بدونه فجوابه إن التفضيل إنما هو بين صلاتين صحيحتين وصلاة الرجل وحده إنما تكون صحيحة للعذر وأما بدون العذر فلا صلاة له كما قال الصحابة رضي الله عنهم
وهؤلاء لو أجابوا بهذا لرد عليهم منازعوهم إن المعذور يكمل له أجره فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءا واحدا وأما التكميل فليس من جهة الفعل بل بالنية إذا كان من عادته ان يصلي جماعة فمرض او حبس أو سافر وتعذرت عليه الجماعة والله يعلم أن من نيته أن لو
(1/159)
----------------
قدر على الجماعة لما تركها فهذا يكمل له أجره مع أن صلاة الجماعة افضل من صلاته من حيث العملين
قالوا ويتعين هذا ولا بد فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم صلى وحده فدل على ان من له جزء من سبعة وعشرين جزءا هو المعذور الذي له صلاة
قالوا والله تعالى يفضل القادر على العاجز وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء
وفي صحيح البخاري رقم 1115 عن عمران بن حصين وكان مبسورا قال سألت رسول الله عن صلاة الرجل وهو قاعد فقل من صلى قائما فهو افضل ومن صلى قاعدا فله نصف اجر القائم ومن صلى نائما فله نصف اجر القاعد
فهذا إنما هو في المعذور وإلا فغير المعذور ليس له من الأجر شيء إذا كانت الصلاة فرضا وإن كانت نفلا لم يجز له التطوع على جنب فإنه لم يفعله رسول الله يوما من الدهر ولا أحد من الصحابة البتة مع شدة حرصهم على أنواع العبادة وفعل كل خير ولهذا جمهور الأمة يمنع منه ولا تجوز الصلاة على جنب إلا لمن لم يستطع القعود كما قال النبي لعمران صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب البخاري رقم 1117 وعمران بن حصين هو راوي الحديثين وهو الذي سأل عنهما النبي
(1/160)
----------------
فصل في مناقشة أدلة منكري فرضية الجماعة
استدلالكم بحديث عثمان بن عفان من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل مسلم رقم 656 فمن افسد الاستدلال واظهر ما في نقضه عليكم قوله من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر مسلم رقم 1164 الترمذي رقم 759 ابو داود رقم 2433 ابن ماجه رقم 1716 وصيام الدهر غير واجب وقد شبه به الواجب بل الصحيح أن صيام الدهر كله مكروه فقد شبه به الصوم الواجب فغير ممتنع تشبيه الواجب بالمستحب في مضاعفة الأجر على الواجب القليل حتى يبلغ ثوابه ثواب المستحب الكثير
وأما استدلالكم بحديث يزيد بن الأسود ومحجن بن الأدرع وأبي ذر وعبادة فليس في حديث واحد منهم أن الرجل كان قد صلى وحده منفردا مع قدرته على الجماعة البتة ولو اخبر النبي لما اقره على ذلك وانكرعليه وكذلك ابن عمر لم يقل صليت وحدي وأنا اقدر على الجماعة
نقول إنه لم يصل من ترك الجماعة وهو يقدر عليها ونقول كما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له فحيث يثبت لهؤلاء صلاة فلا بد من احد الأمرين أن يكونوا صلوا جماعة مع غير هذه الجماعة أويكونوا معذورين وقت الصلاة ومن صلى وحده لعذر ثم زال عذره في الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة كما لو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في
(1/161)
----------------
الوقت او صلى قاعدا لمرض ثم بريء في الوقت او صلى عريانا ثم وجد السترة في الوقت
وقد دلت احكام الشريعة على ان صلاة الجماعة فرض على كل واحد وذلك من وجوه
أحدها ان الجمع لأجل المطر جائز وليس جوازه إلا محافظة على الجماعة وإلا فمن الممكن ان يصلي كل واحد في بيته منفردا ولو كانت الجماعة ندبا لما جاز ترك الواجب وتقديم الصلاة في وقتها لأجل ندب محض
أن المريض إذا لم يستطع القيام في الجماعة وأطاق القيام إذا صلى وحده صلى جماعة وترك القيام ومحال أن يترك ركنا من اركان الصلاة لمندوب محض
أن الجماعة حال الخوف يفارقون الإمام ويعملون العمل الكثير في الصلاة ويجعلون الإمام منفردا في وسط الصلاة كل ذلك لأجل تحصيل الجماعة وكان من الممكن أن يصلوا وحدانا بدون هذه الأمور ومحال ان يرتكب ذلك وغيره لأجل امر مندوب إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله وبالله التوفيق
(1/162)
------------------
فصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
المسألة الثامنة وهي هل له فعلها في بتيه أم يتعين المسجد فهذه المسألة فيها قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد احدهما له فعلها في بيته وبذلك قالت الحنفية والمالكية وهو احد الوجهين للشافعية
ليس له فعلها في البيت إلا من عذر
وفي المسألة قول ثالث فعلها في المسجد فرض كفاية وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي
القول الأول حديث الرجلين اللذين صليا في رحالهما فإن النبي ندبهما إلى فعلها في المسجد ولم ينكر عليهما فعلها في رحالهما وكذلك حديث محجن بن الأدرع وحديث عبدالله بن عمر وقد تقدمت هذه الاحاديث
وفي الصحيحن البخاري رقم 380 مسلم رقم 659 عن انس بن مالك قال كان النبي أحسن الناس خلقا فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا
وفي الصحيحين البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 عنه أيضا قال سقط النبي عن فرس فجحش شقة الايمن فدخلنا عليه
(1/163)
-----------------------
نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا البخاري رقم 689 مسلم رقم 411
و في الصحيحن البخاري رقم 3425 مسلم رقم 520 ايضا عن ابي ذر قال سألت النبي اي مسجد وضع في الارض اول قال المسجد الحرام ثم المسجد الاقصى ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد
وصح عنه جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا البخاري رقم 335 مسلم رقم 521
ووجه الرواية الثانية ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة فإنها صريحة في إتيان المساجد
وفي مسند الإمام أحمد 3 / 423 عن ابن ام مكتوم أن رسول الله اتى المسجد فرأى في القوم4 رقة فقال إني لأهم أن اجعل للناس إماما ثم اخرج فلا اقدر على انسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا احرقته عليه وفي لفظ لأبي داود رقم 553 ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرق عليهم بيوتهم
و قال له ابن ام مكتوم وهورجل اعمى هل تجد لي رخصة ان اصلي في بيتي قال لا أجد لك رخصة ابو داود رقم 552
وقال ابن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم مسلم رقم 654
وعن جابر بن عبدالله قال فقد النبي قوما في صلاة فقال ما
(1/164)
----------------
خالفكم عن الصلاة فقالوا الماء كان بيننا فقال لا صلاة لجار المسجد إلا في السمجد رواه الدار قطني السنن 3 / 111 و 174
وقد تقدم هذا المعنى عن علي ابن ابي طالب وغيره من الصحابة فإن خالف وصلى في بيته جماعة من غير عذر ففي صحة صلاته قولان
قال أبو البركات ابن تيمية في شرحه فإن خالف وصلاها في بيته جماعة لا تصح من غير عذر بناء على ما اختاره ابن عقيل في تركه الجماعة حيث ارتكب النهي ويعضده قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن الدارقطني 3 / 111 و 174 قال والمذهب الصحة لقوله صلاة الرجل في جماعة تضاعف على صلاته في بيته أو في سوقه خمسا وعشرين ضعفا البخاري رقم 647 ويحمل قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن الدارقطني 3 / 111 و 174 على نفي الكمال جمعا بينهما
والرواية الأولى اختيار اصحابنا وان حضور المسجد لا يجب وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها فإن الصلاة في المسجد من اكبر شعائر الدين وعلاماته وفي تركها بالكلية او في المفاسد ومحو آثار الصلاة بحيث تفضي إلى فتور همم اكثر الخلق عن اصل فعلها ولهذا قال عبدالله بن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم
قال وإنما معنى هذه الرواية والله اعلم أن فعلها في البيت جائز لآحاد الناس إذا كانت تقام في المساجد فيكون فعلها في المسجد فرض كفاية على هذه الرواية وعلى الآخرى فرض عين
قال ويدل على ذلك جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار ولو كان
(1/165)