مواعظ قرآنية - للشيخ : ( عبد الله حماد الرسي )
إن كتاب الله سبحانه وتعالى لم ينزل لأن يتخذ زينة في البيوت والرفوف، وإنما أنزله الله لقراءته والتعبد بتلاوته وتدبره، ففيه مواعظ وعبر لهذه الأمة. وفي هذا الدرس بعض المواعظ من أخبار الأمم السابقة وما أنزل الله بها من عذاب ونكال، وحذر من مصاحبة أهل الشر والفساد؛ حتى لا يصاب الإنسان بسخط الله ومقته عليه.
التحذير من الفواحش والمنكرات
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين.اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيراً..أما بعد:أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وابتعدوا عن المعاصي ظاهرها وباطنها.وأذكركم وأقول لكم: أكثروا من الحمد والثناء على الله جلَّ وعلا الذي جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، فلا تدنسوا أنفسكم بالذنوب والمعاصي، اشكروا الله تعالى على أكبر نعمة أنعم بها عليكم، وهي نعمة الإسلام والإيمان.أيها الإخوة في الله! لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحة سهلة، فيها الخير والصلاح والسعادة والفلاح لمن تمسك بها، وقام بها خير قيام.أيها الإخوة في الله! كلنا نسمع ما في كتاب الله، والبعض يقرأ القرآن -ولله الحمد والمنة- فعلينا أن نقف عند مواعظه ونحرك بها القلوب.عباد الله: إذا تدبرنا كلام الله جلَّ وعلا وجدنا أنه يذكر لنا ما حصل للأمم مع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله إليهم.فنوحٌ عليه السلام: أرسله الله إلى قومه، وهم يعبدون الأصنام والأوثان، فدعاهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً (950 عاماً) يدعوهم إلى توحيد الله عزَّ وجلَّ، فأبوا عليه، فأغرقهم الله سبحانه وتعالى.
اللواط وعقاب الله لمن قارفه
وهذا لوط عليه السلام بعثه الله إلى قومه، وهم قومٌ عُثاة، قومٌ أشر خلق الله، يدعوهم إلى التوحيد، ويحذرهم من فعل فاحشة لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالمين، فاحشة شنيعة، ألا وهي جريمة قوم لوط، إنها الجريمة القبيحة التي تلبس بها كثير من الناس في هذا الزمان، إنها إتيان الذكور دون الإناث، فعلتها أمة لوط التي لم تُسبق لمثل هذه الفعلة، وهذه الجريمة الفظيعة، وكانوا يفعلونها علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله لهم من أزواج، ولا يبالون بمن يمقتهم ويعتب عليهم، ولا يبالون بمن يشنع، وقد حذرهم لوط عليه السلام من فعل هذه الفاحشة، وكان الجواب من أولئك الكفـرة: أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56] يقولون هذا ومقصودهم السخرية والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته لم يلتفتوا إلى ذلك، ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيه، وتماروا به.وقد أرسل الله عزَّ وجلَّ إلى لوط عليه السلام ملائكة بصفة حسنة، جبريل وميكائيل وإسرافيل في صور شباب مُرد حِسان، محنة من الله واختباراً لقوم لوط، فأضافهم لوط عليه السلام وهو خائف عليهم من قومه، ولكن زوجة السوء، العجوز الشريرة بعثت إلى قومها، فأعلمتهم بأضياف لوط عليه السلام، فأقبلوا يُهرعون إليه من كل مكان، يريدون أولئك الشباب المُرد الحِِسان، وأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب -وذلك عشية- ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه، ويقول لهم: هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الحجر:71] أي: نساءهم قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ [هود:79] أي: ليس لنا فيهن إِِرَب (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ هود:79].
فلما اشتد الحال، وأبوا إلا الدخول على لوط عليه السلام خرج عليهم جبريل عليه السلام، فضرب أعينهم بطرف جناحه، فانطمست أعينهم، يُقال: إنها غارت من وجوههم، ويُقال: إنه لم تبقَ لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان، ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح، قال الله تعالى: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:37].أما لوط فقد جاءته الملائكة تأمره بالخروج من بين أظهر أولئك؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، فخرج لوط عليه السلام ومن معه آخر الليل، فنجا مما أصاب قومه، ولم يؤمن بلوط عليه السلام من قومه أحد، ولا رجل واحد حتى امرأته أصابها ما أصابهم، فخرج هو وبناته من بين أظهرهم سالماً، عند ذلك حل بهم بأس الله جلَّ وعلا، وحق عليهم العذاب، وهو أن الله جلَّ وعلا أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع ديارهم بجناحه، ثم رفعها إلى عنان السماء، حتى سمعت الملائكة صياح الديكة، ونباح الكلاب، ثم قلبها عليهم، وأتبعهم حجارة من سجيل منضود، فتلكم هي قرية سدوم التي أصابها ما أصابها، من القلب الصوري والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة، بطريق مهيعٍ، مسلكه مستمرٌ إلى اليوم، وهو المعروف بـالبحر الميت ، الذي لا يعيش فيه شيء، قال الله تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:73-75] لماذا فعل الله بهم ذلك يا عباد الله؟لأنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين، يرتكبون الجريمة الشنعاء، الذكر يركب الذكر، استغنوا بذلك عن النساء وعما أحل الله لهم، أي جريمة أقبح من هذه الجريمة؟!ثم أتدرون لماذا ذكر الله لنا أخبارهم في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ذكرهم الله لنا لنعتبر بما أصابهم، ونحذر كل الحذر مما كانوا عليه من سوء الحال، وقبح الفعال.حقاً يا عباد الله! إن هذه الجريمة التي عملها قوم لوط جريمة بشعة؛ لما فيها من مخالفة العقل والدين، وما فيها من خطر ومرض وشر مستطير، وخزيٍ وعار.
إنه في الحقيقة فعل تترفع عنه طباع الكلاب والبغال والحُُمُر، إنه ركوب الذكر على الذكر، إنها جريمة قوم لوط، ما ظهرت في أمة إلا ذلت وأخزيت وسُلب عزها، وإذا أراد الله جلَّ وعلا إهلاك قرية فسق فيها المترفون فاستحقت الخراب والدمار.فانتبهوا يا عباد الله وتناصحوا، واحذروا من هذه الجريمة البشعة، فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، والله جلَّ وعلا قال: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] لما ذكر عقوبة قوم لوط ذكر الله أن عقوبتهم ليست ببعيد ممن يفعل هذه الجريمة البشعة، هذه الجريمة الخبيثة، وهي ركوب الذكر على الذكر، يقول صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به} الله أكبر يا عباد الله! إنها جريمة بشعة؛ لذلك أكثر الصحابة اتفق رأيهم على تحريق اللوطي؛ لأنه جرثومة خبيثة مفسد في الأرض؛ ولذلك -يا عباد الله- يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[اللوطي إذا مات من غير توبة، فإنه يُمسخ في قبره خنـزيراً]] والعياذ بالله، ثم يوم القيامة عندما يبعث الخلائق، عندما يقوم الناس لرب العالمين، ناهيك به من عار على وجه هذا اللوطي، الذي عمل جريمة اللواط، يُعرف بها يوم القيامة، عندما يُسحب إلى النار، ومن تاب تاب الله عليه.
التحذير من الزنا ودواعيه
ثم احذروا يا عباد الله -أيضاً- من جريمة أخرى، وهي جريمة الزنا، وهي التي قرنها الله جلَّ وعلا بالشرك، وقتل النفس في محكم البيان.جريمة الزنا حذرنا الله منها في محكم البيان، فهي في غاية من القُبح والفُحش، وهي عمل إجرامي خطير، وجرثومة فتاكة، ووباء شره مستطير، ما حل في أمة من الأمم إلا دهورها وأرداها إلى الحضيض.نعم. إنها جريمة الزنا، عارٌ في الدنيا، وعذاب في البرزخ، جريمة الزنا عذاب في النار في الآخرة، يقول الله تعالى في محكم البيان عن شناعة هذه الجريمة: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]. عباد الله: لنتساءل: ما الذي يدعو إلى الوقوع في جريمة الزنا؟!إن من أسباب ودواعي الزنا:تبرج النساء بالأسواق وخروجهن متعطرات.ومن دواعي الزنا: اختلاط الرجال بالنساء بدون محرم، واسمعوا إلى هذا الأثر الذي ورد في بعض الأخبار: الزناة معلقون بفروجهم في النار، يُضربون بسياط من حديد، فإذا استغاثوا من الضرب نادتهم الزبانية: أين كان هذا الصوت وأنت تضحك، وتفرح وتمرح ولا تراقب الله، ولا تستحي من الله.عباد الله: الشريعة الإسلامية جاءت بأحكام صارمة على الزناة، وصدرت الأحكام الربانية على من ارتكب هذه الجرمية، وهي: إن كان بكراً ولم يتزوج فإنه يُجلد مائة جلدة، ويُغرب عن البلد، سواء بذلك الذكر أم الأنثى، وإن كان محصناً وإن كان قد طلق زوجته فإنه يُرجم بالحجارة حتى يموت، وكذلك المرأة إذا كانت ثيباً، وارتكبت جريمة الزنا فإنها تُرجم بالحجارة حتى تموت.من دواعي الزنا وهي كثيرة: مشاهدة الأفلام الخليعة، التي يوجد فيها النساء العاريات.ومن دواعي الزنا: استماع الأغاني الماجنات.ومن دواعي الزنا: قراءة القصص الغرامية، وقراءة المجلات السخيفة، التي تحمل صور النساء العاريات.
انتشار الذنوب والمعاصي وغزو أعداء الله للمسلمين
عباد الله: كم نسمع ما يحصل في هذه الأزمان، بل في هذه الأيام من أسباب الذنوب والمعاصي! فالكثير من الناس ابتعد عن تعاليم الإسلام، وآدابه وأخلاقه وأصبح يتلقى البدع والمحدثات، التي غُزي بها أهل الإسلام، مِن قِبَل أعدائهم، وأصبح بعض الناس يقلد الكفرة، حتى إن البعض من المسلمين -مع الأسف الشديد والحزن المرير- أصبح ينكر ويتنكر لدينه.أقول: إن البعض من المسلمين أصبح الآن يتنكر لدينه، وصار يسمي الدين الإسلامي رجعية وتزمتاً، وحتى آل الأمر بهم إلى محبة الكفار، وتفضيلهم على المسلمين، وهذا خطرٌ عظيم، وبعض من يدعي الإسلام لا يعترف بأركان الإسلام، إنما هو مسلم بالهوية -مع الأسف الشديد- كم نكرر هذه في الجُمع والأعياد؛ ولكن اللهم اشف مرض قلوبنا.نعم. يا أمة الإسلام! إن الكثير من المسلمين الآن يدعي الإسلام بالهوية، فكم تركوا الصلاة؟! وكم منعوا الزكاة؟! وكم أفطروا في رمضان؟! وكم استهزءوا بالركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الحج إلى بيت الله الحرام، ومع ذلك هم يدعون الإسلام، ويُحسبون في عداد الإسلام والمسلمين.ومن الخطر الذي اجترف كثيراً من المسلمين، وهذه والله هي المصيبة العُظمى التي ما حل بالمسلمين أشد منها في هذه الأزمان المتأخرة، سواء صدرت من كبار السن أم من الشباب، وهو السفر إلى خارج البلاد، إلى بلاد الكفار، إلى بلاد الحرية والإباحية والهمجية، فمجرد ما يجلس بعض قرناء السوء مع بعض، فيشرحوا لهم تلك الأوضاع الخبيثة، وتلك السبل المتيسرة، من ارتكاب الزنا، واللواط، وشرب الخمور، وقضاء الوقت في المسارح، ثم يستميلونهم بتلك الأحاديث المسمومة، حتى إن بعضهم ينهمك في كثير من المعاصي والذنوب، ثم يرجع وقد حمل لبلاده من الأفكار الهدامة، والأمراض الاجتماعية، الحسية والمعنوية الكثير الكثير، هذا مع ما أضاع من الأموال، بل قد تجد بعض الذين فُتنوا بالسفر إلى الخارج، يحاربون الأخلاق الفاضلة, والآداب السامية، لماذا؟الجواب يا أمة الإسلام: لأنهم عاشروا أناساً لا يبالون بأوامر الله، فتجد بعضهم انهمك في المسكرات، والمخدرات، وبعضهم ينتهك الأعراض، ويُقدم على الزنا، وبدون خوف من الله، الذي أوجده من العدم إلى الوجود، وأمده بالنعم، ومنحه القوة والصحة والعافية، ومع ذلك فرب العزة والجلال مطلع عليه، لا تخفى عليه منهم خافية، ثم يرجع من السفر بأفكار هدامة، وصور خليعة، صورٌ بشعة، صورٌ يستحي أن ينظر إليها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان مع الأسف الشديد.
أمة الإسلام! ثم يأتي وقد استمع إلى الصراعات، وانطبعت في فكره افتراءات من أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، شنعوا عليه هذا الدين، وبغَّضوا إليه هذا الدين الإسلامي، وسموه تعقداً وتجمداً وتزمتاً، ثم يأتي وقد حمل تلك الأفكار، التي أملاها عليه أعداء الإسلام والمسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.فأُحَذِّر الذين يسافرون إلى خارج البلاد ليرتكبوا جرائم الزنا أن لهم أمَّهات، ولهم أخوات، ولهم خالات وعمات وبنات، وإن كانوا متزوجين فلهم زوجات، فليحذروا إذا ركبوا الطائرة أن يقترفوا تلك المحرمات فإنهم يخلفهم أناس أقرب منهم في بلادهم ليفسدوا في نسائهم، فليأخذوا لذلك حذراً.وليتقوا الله عزَّ وجلَّ، وليتوبوا إلى الله قبل أن يقفوا يوم القيامة بين يدي جبار الأرض والسماوات، ثم يسألهم عن ذلك كله.اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم إنا نسألك حسن الختام.رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:21-22].اللهم إن نعوذ بك من الشيطان، وأعوانه.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
مضار مجالسة أهل السوء والفساد
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: احرصوا على مجالسة الصالحين وأهل الخير؛ فإنها تثمر في الدنيا والآخرة.واحذروا من مجالسة أهل السوء والفساد؛ فإن لها مضار في الدنيا والآخرة، نعم.. في الآخرة عندما تتقطع الصلات والأنساب، وتتلاشى المَوَدَّات وتذهب، قال الله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:166-167].نعم. هكذا يحصل يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يتبرأ الرؤساء من الأتباع الذين اتبعوهم على الباطل في الدنيا، يتبرأون منهم حينما يرون العذاب، وتنقطع بينهم الروابط، وتزول المودات، وكذلك الأتباع، يتمنون لو أن لهم رجعة إلى الدنيا؛ ليتبرأوا من هؤلاء الذين أضلوهم السبيل، وكما أن الله أراهم شدة العذاب، كذلك يريهم أعمالهم القبيحة ندامات شديدة، وحسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم، وصدق الله حيث أخبر عنهم: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66] وهم يتأسفون على تضييع العمر في المعاصي، وعلى تضييع أوقات الصلاة، فقد عصوا جبار الأرض والسماوات، ثم يا للمصيبة، ويا للأسف على الغيرة التي ذهبت من الكثير من الناس، حتى جلبوا السائقين والخدم والخادمات والمربيات، وأدخلوهم في البيوت، وتركوا لهم الحبل على الغارب مع النساء، فصاروا لهن مثل المحارم، حتى ذهبت الغيرة من بعض الناس، وصاروا لا يبالون بأعراضهم، ولا يحافظون على شرفهم، فتلاشت الأخلاق، وحصل الفساد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.ومع المعاصي التي هدمت كثيراً من البيوت: إدخال الأفلام الخبيثة، والتمثيليات الهابطة، والأغاني الماجنة إلى البيوت، حتى هوت بالأخلاق والآداب إلى الحضيض، وقتلت الحياء من الذكور والإناث، ومن جراء ذلك حصلت أمور لا نعرفها سابقاً، منها: مغازلة النساء، ومعاكسة النساء، وكثرة التبرج والسفور، وهذا والله أمر يُنذر بوخامة العاقبة إن استمر الحال على ذلك.مع ما انتشر أيضاً من المخدرات والمسكرات التي هي عار وشنار في الدنيا والآخرة، فكم أزهقت من أرواح بريئة؟! وكم أذهبت من أخلاق وعقول وأهانت أهلها، وأدت بهم إلى الحضيض حتى صاروا من الأرذال؛ بما سببوا على أنفسهم وعلى عقولهم وأعراضهم وشرفهم، وعلى أموالهم بسبب هذه المخدرات والمسكرات! وكم أضاعوا من أُسر! وخسروا من أوقات، وسوف يُسألون عنها يوم القيامة، ولا تسأل عما يحصل لهم عند الموت، إن جاءهم الأجل على غير توبة، وأيضاً إن ماتوا على غير توبة فإن الله توعدهم أن يسقيهم من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار، وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.شارب الخمر يتجرع إلى أن يترك الصلاة والصوم ويظلم ويفسق، ويستمر في الغواية، ويُرخي العنان لنفسه في سبيل الغواية، فتكثر ذنوبه، وتقل حسناته.شارب الخمر ربما يرتكب المحارم؛ لأنه فقد العقل الذي ميزه الله به، فإنا لله وإنا إليه راجعون.ثم مع الأسف الشديد ما يحصل في كثير من بلدان الإسلام والمسلمين من أكل الربا، ومن التعامل به، وكذلك أكل الأموال بالباطل، مثل الرشوة، والغش في البيع والشراء والمعاملات، والخداع، والسرقة، ولعب القمار والميسر, وكل ذلك حرام، ثم أتبع بذلك بيع الدخان، إلى غير ذلك من الملاهي وغيرها، ثم إذا ألمَّت بالمسلمين ملمة، ورفعوا أكفهم إلى الله، وإذا بالأكف قد تناولت الحرام، والبطون امتلأت من الحرام، ثم يُقال: أنَّى يُستجاب لذلك؟!
أما إذا رجعنا إلى الله، وتبنا إلى الله، وأكلنا الحلال، فإنا إذا رفعنا أكفنا إلى الله، وتضرعنا إلى الله فإن الله يستجيب الدعاء، ويدفع البلاء، ويقبل الصدقات، ويغفر الزلات.اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.اللهم ردنا إليك رداً جميلاً.عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً).اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا علي يا عظيم، يا حليم يا عليم، لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الإجلال والإكرام، اللهم عليك بالظلمة وأعوان الظلمة، اللهم عليك بالظلمة وأعوان الظلمة اللهم عليك بالظلمة وأعوان الظلمة، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، يا أرحم الراحمين.اللهم ارحم الشيوخ والأطفال والنساء.اللهم اشدد وطأتك على الظلمة، وأعوان الظلمة، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا مغيث المستغيثين، يا أرحم الراحمين، يا ناصر المستضعفين، لا إله إلا أنت، ولا رب لنا سواك، لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك من المسلمين، اللهم أيدهم بتأييدك، وانصرهم بنصرك يا أرحم الراحمين.عباد الله! صلوا على رسول الله.