الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
| موضوع: درسٌ قاس في خريف العمر السعيد صبحي العيسوي الخميس 15 ديسمبر - 7:37 | |
| درسٌ قاس في خريف العمر السعيد صبحي العيسوي درسٌ قاس في خريف العمر السعيد صبحي العيسوي درسٌ قاس في خريف العمر السعيد صبحي العيسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
نهاية أبي طالب -عم النبي صلى الله عليه وسلم- درسٌ قاسٍ في أن النجاة في الحياة ليست باتصال النسب بالشرفاء, فلا يكفي أن يكون أباً لنبيّ, ولا أن يكون بضعة منه, ولا قريباً، فضلاً عن صالحٍ..
وفي مشهد القيامة ترى شخوصاً كثيرة يساقون إلى النار وهم أقرب القوم نسباً بالأنبياء.. ولقد شقي برؤية رسل الله أقوام, ومن أقاربه من لا يذكر إلا مقروناً باللعن والتباب..
ألا يدل ذلك على أن الفضائل تُكتسب لا تُورث, وأن المعيار هو من أنت, وماذا تكون؟! إنها العصامية لا العظامية(1).
أكثر أنصار هذا الدين بالسيف والقلم لا أنساب لهم يتفاخر بها, بل كثير منهم من الموالي, لكنهم ومع ذلك هم سادات الأمة, وينابيع الرحمة, وذوو الأنساب العلية الذين ليسوا كذلك في مواطن جهلهم نسياً منسياً؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرفع بهذا الدين أقواما ويضع به آخرين" كذا قاله القاري في المرقاة.
قال أبو العلا المباركفوري (ت/1353هـ): "وقد صدق القاري" ا.هـ(2)
قال النووي رحمه الله: في قوله صلى الله عليه وسلم : "ومن بطأ به عملُه لم يسرع به نسبه"(3): معناه من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب، وفضيلة الآباء، ويقصر في العمل(4).
والمعنى: من أخره عمل عن بلوغ درجة السعادة, لم يسرع به نسبه, من الإسراع أي لم يقدمه نسبه يعني لم يجبر نقيصته لكونه نسيباً في قومه, إذ لا يحصل التقرب إلى الله تعالى بالنسب بل بالأعمال الصالحة.
حكى الحافظ ابن كثير في سنة خمس وتسعين ومائتين(5): وقد ذكر الناس يوما عند إسماعيل بن أحمد هذا الفخر بالأنساب فقال: إنما الفخر بالأعمال وينبغي أن يكون الإنسان عصاميا لا عظاميا. أي ينبغي أن يفتخر بنفسه لا بنسبه وبلده وجده. كما قال بعضهم:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي --- وبجدي سموت لا بجدودي
وقال آخر:
حسبي فخارا وشيمتي أدبي ... ولست من هاشم ولا العرب إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... وليس الفتى من يقول كان أبي
وقال آخر:
لسنا وإن كنا ذوي حسب --- يوما على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائـــلنا --- تبني ونفعل مثل ما فعلوا(6)
وكان الأمير إسماعيل بن أحمد السامانى يقول: كن عصامياً ولا تكن عظامياً أي سد بشرف نفسك, كما ساد عصام ولا تتكل على سؤدد آبائك الذين ماتوا وصاروا عظاما نخرة, فإن الشاعر يقول:
إذا ما الحي عاش بعظم ميت ... فذاك العظم حي وهو ميت(7)
إلا أنه ليس معنى أن يعتمد على نفسه وأن يكون كما كان عصام وألا يفتخر بأصله أن يكون ذلك دعوى للتحقير من النسب الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم ويكفي من انتسب إلى هذا النسب المبارك أن كان في ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر, إلا أن المناط والمعول عليه الجمع بين الشرف الموروث والمكتسب (7). ثم ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يحرض أهل بيته وعشيرته الأقربين على لزوم التقوى, ويحذرهم من الاتكال على نسبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف أنساب العالمين فتقصر خطاهم عن اللحوق بالسابقين من المتقين, كي يجتمع لهم الشرفان: شرف التقوى وشرف النسب(: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل { وأنذر عشيرتك الأقربين } . قال "يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً"(9).
وعن عمرو ابن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول: "ألا إن آل أبي ( يعني فلانا) ليسوا لي بأولياء, إنما ولي الله وصالح المؤمنين"(10).
يقول ابن رجب في شرح الأربعين: يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قَرُبَ وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح فمن كان أكمل إيماناً وعملاً فهو أعظم ولايةً له سواء كان له نسبٌ قريبٌ أو لم يكن. وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه --- فلا تترك التقوى اتكالا على النسب لقد رفع الإسلام سلمان فارس --- وقد وضع الشرك النسيب(11) أبا لهب(12)
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فأخبر صلى الله عليه وسلم عن بطن قريب النسب أنهم ليسوا بمجرد النسب أولياءه, إنما وليه الله وصالحو المؤمنين من جميع الأصناف, ومثل ذلك كثير بين في الكتاب والسنة أن العبرة بالأسماء التي حمدها الله وذمها كالمؤمنين والكافرين والبر والفاجر والعالم والجاهل(13).
------------------------------------------------- (1) مأخوذ من المثل العربي: "كن عصامياً ولا تكن عظامياً" قال الزبيدي في شرح القاموس(17/484) دار الفكر: وقوله: "ولا تكن عظامياً" أي: ممن يفتخر بالعظام النخرة, وفي الأساس: فلان عصامي وعظامي: أي شريف النفس والمنصب. والعصامي هو الذي تسميه العرب: "الخارجيَّ": وهو من خرج بنفسه من غير أولية كانت له. قال كثير: أبا مروان لست بخارجيٍّ --- وليس قديم مجدك بانتحالِ أما أصل المثل: فيقول أبو هلال العسكري: قولهم: نفس عصام سودت عصاماً هو عصام بن شهبر الجرمي وكان من أشد الناس بأسا وأبينهم لسانا وأحزمهم رأيا وكان على جل أمر النعمان ولم يكن في بيت قومه أدنى منه فقال له رجل كيف نزلت هذه المنزلة من الملك وأنت دنئ الأصل فقال: نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقدام وجعلته ملكا هماما والناس يقولون لمن يفتخر بنفسه عصامي ولمن يفتخر بآبائه عظامي. وقال أبو العتاهية: هل ينفع المرء في فهاهته ... من عقل جد مضى وعقل أب ما المرء إلا ابن نفسه فبها ... يعرف عند التحصيل لا النسب كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك محموده عن النشب وكتب أبو الفضل ابن العميد: أظنك ممن لا يعلم أن المتعلق بالأنساب متمسك بأضعف الأسباب وأنه لن يغنى عنك تالد موروث إذا لم يشده من جهتك طارف حديث. انظر/ كتاب جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري دار الفكر الطبعة الثانية ، 1988, محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المثل رقم (1743) (2/312). (2) تحفة الأحوذي (8/268-269). (3) سبق (4) شرح مسلم (17/24-25). (5) البداية والنهاية (11/104). (6) تدريب الراوي (1/34) تحقيق د. طارق عوض الله. (7) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي, دار المعارف - القاهرة, الطبعة الأولى ، 1965, تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم, ص137. ( ومما ذكر في كتب الأدب ما حكاه الميداني أنه وُصف عند الحجاج رجلٌ بالجهل وكانت له إليه حاجة فَقَالَ في نفسه: لأخْتَبِرَنَّهُ ثم قَالَ له حين دخل عليه : أعصامياً أنت أم عِظَامياً ؟ يريد أشَرُفْتَ أنتَ بنفسك أم تفخر بآبائك اللذين صاروا عظاما ؟ فَقَالَ الرجل : أنا عصامي وعظامي فَقَالَ الحجاج : هذا أفضل الناس وقضى حاجته وزاده ومكث عنده مدة ثم فاتشه فوجَدَه أجْهَلَ الناسِ فَقَالَ له : تصدُقُنِي وإلاَ قَتلتك قَالَ له : قل ما بدا لك وأصدقك قَالَ : كيف أجَبْتَنِي بما أجَبْتَ لما سألتك عما سألتك ؟ قَالَ له : والله لم أعلم أعصامي خير أم عظامي فخشيت أن أقول أحدهما فأخطئ فقلت: أقول كليهما فإن ضرني أحدهما نفعني الأخر وكان الحجاج ظَنَّ أنه أراد أفْتَخِرُ بنفسي لِفَضْلِي وبآبائي لشرفهم فَقَالَ الحجاج عند ذلك : "المقاديرُ تًصَيِّرُ العَيَّ خطيباً" فذهبت مثلاً. انظر/ الأمثال للميداني ص332. (9) انظر علو الهمة للمقدم، صـ91-101. (10) رواه البخاري (2602), مسلم (351). (11) رواه مسلم (366). وأحمد(17837). (12) في المطبوعة: " الشقيّ ", والمذكورة أعلاه من نسخة أخرى اضطررت إلى ذكرها. (13) جامع العلوم والحكم صـ654,طبع دار ابن الجوزي، بتحقيق د. طارق عوض الله. (14) اقتضاء الصراط المستقيم صـ144: مطبعة السنة المحمدية -القاهرة, الطبعة الثانية، 1369تحقيق الشيخ: محمد حامد الفقي رحمه الله.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
| |
|
ابوتوفيق المراقب العام
عدد المساهمات : 3486 تاريخ التسجيل : 05/11/2012
| موضوع: رد: درسٌ قاس في خريف العمر السعيد صبحي العيسوي السبت 8 أبريل - 11:22 | |
| | |
|