أبحر في الأعماق

[size=43]• بسم الله الرحمن الرحيم [/size]
[size=43]• ---------------------[/size]

( دراسة نقدية وتحليلية . . لقصيدة " أبحر فى الأعماق " )
للشاعرة العراقية القديرة إيمان الخطيب . . بقلم / د . وحيد الفخرانى .
------------------------------------

فى هذه الدراسة . . نتناول القصيدة . . من عدة نواحى رئيسية هى :

أولاً : العرض العام للقصيدة .
ثانياً : الفكرة الرئيسية للقصيدة .
ثالثاً : العاطفة المسيطرة على الشاعرة .
رابعاًً : أسلوب عرض الفكرة . . وفيه نعرض لنقاط أربع هى :
( 1 ) الألفاظ .
( 2 ) التراكيب .
( 3 ) الصنعة الأدبية .
( 4 ) الإيقاع .
خامساً : الخيال .
سادساً : شخصية الشاعرة .
سابعاً : أثر البيئة فى القصيدة .
ثامناً : الخصائص الفنية لأسلوب الشاعرة .
تاسعاً : الحكم العام على القصيدة

---------------------------------

[size=43]• أولاً : العرض العام للقصيدة : - [/size]
--------------------------

[size=43]• أُبْحرُ في أعْماقِ خَيالِك[/size]
وأتَوَسّلُ عَذْبَ رِضابِكَ أن تُسْقيني
شَهْدًا في روعة ألحانِك
كَيْ أرْسُمَ فَوْقَ رِمالِ الحُبِّ حِكايَةَ
شِعْرٍ صُوفيٍّ تُنْشِدُها أوْتارُ الليْلِ
المَصْنوعِ بِكُلِّ قوافِلِهِ
أقْبِل لي نيسان فَرَحٍ
غَنّي لي
فَطُيورُ الأحلامِ بِسُنْدُسِها طربت
وَاخْتارَتْ قافيَتي
وَتَمايَلَ فيْها الشَّوْق
وَاخْضَوْضَرَ جَدْبُ الصَّحْراءِ بِقُدُوْمِك
أتُراكَ بِعِشْقِكَ تَعْشَقُني
كَغَرامٍ فيَّ سَأحمِلُهُ
أمْ أنَّ رَحيْقَك يَغْشاني
في بَحْرٍ لُجّيٍّ
يا مَنْ في حُبِّكَ يا أملي
حارَبْتُ قوانيْنَ الماضي،
وَكَسَرْتُ الطَّوْقَ لِعَيْنِك
وَمَسَحْتُ بِحِبْرِ تَواجدِنا
أسْماءَ أَخْفَت رَوْنَقَها
أتُراني غافِلَةً عَنْ وَجْدِك
هوَ ديْني بَلْ إيماني
ما كُنْتُ أظُنَّكَ يا روْحي
تِمثالا نَسْجُدُ مِنْ حَوْلِه
وَنُكَرَرُ أُغْنيَةَ العُشّاق
للهِ جَمال حكايَتِنا
كَمْ نُسِجَت فيْها الحانُ
قافيتي فيْكَ أُرَدِّدُها
وَحَنانُك لَوْنُ مواويلي
سَألُمُّ الشَّمْلَ بِمَوْعِدِنا
وِأرى في وِجْهِك تَلْحيني
[size=43]• ----------------------[/size]
يتبين من العرض العام ، أن القصيدة تمت صياغتها فى قالب الشعر العمودى الحر ، الذى تحرر من كل أوصاف الشعر – سواء من ناحية البحر أو الوزن أو القافية – وبالتالى فالقصيدة تميل إلى الشعر النثرى ، بصورة ظاهرة وواضحة .
وقد جاءت العبارات واضحة وبسيطة ، وإبتعدت الشاعرة عن الكلمات أو العبارات الغامضة . . . وهذا بلا شك يحسب للشاعرة .
-----------------------

ثانياً : الفكرة الرئيسية للقصيدة :-
----------------------------
تدور الفكرة الرئيسية للقصيدة . . حول مخاطبة الشاعرة لحبيبها ، وبيان قدر الحب الذى تحويه فى قلبها وصدرها للحبيب ، وحلمها الدائم بالإنطلاق مع الحبيب ، نحو تحقيق حلمها فى لم الشمل معه

------------------------

ثالثاً : العاطفة المسيطرة على الشاعرة : -
-------------------------------------
تسيطر على الشاعرة طوال القصيدة . . عاطفة الحب والعشق والحلم الجميل . . وقد لازمتها هذه العاطفة طوال القصيدة ، ولم تفارقها أبداً ، حتى آخر سطر فيها .
وقد ألقت هذه العاطفة بظلالها الكثيفة ، على إختيار المفردات والألفاظ ، وكذلك على التصوير الخيالى , وتأثرت بها الصنعة الأدبية للشاعرة إلى حد بعيد . . وذلك على النحو الذى سوف نعرض له فيما بعد .

------------------------

رابعاً : أسلوب عرض الفكرة : -
---------------------------
وسوف نتناوله . . فى نقاط أربع هى :

( 1 ) الألفاظ : فقد أجادت الشاعرة فى إختيار وإنتقاء الألفاظ المناسبة للتعبير عن فكرة القصيدة . . فجاءت الألفاظ رشيقة ، وقوية الدلالة على المعانى المطلوب التعبير عنها ، وملائمة تماماً لموضوع القصيدة ، مع شيوعها فى العصر الحالى ، بعيداً عن التعقيد أو المبالغة .

( 2 ) التراكيب : ويقصد بها تراكيب الجمل والعبارات فى القصيدة . . وطريقة بنائها . . والملاحظ من خلال القصيدة أن الجمل والعبارات ، قد جاءت جميعها قصيرة ، ذات مقاطع موجزة ، وجاءت ملائمة تماماً لقواعد الجملة العربية المعروفة ،بلا تجاوز أو نقصان . . كما جاءت الجمل والعبارات واضحة الدلالة على المعنى المراد إبرازه وتجسيده . . أما بناء الجمل فقد جاء مترابطاً إلى حد بعيد .

( 3 ) الصنعة الأدبية : أجادت الشاعرة إنتقاء الألفاظ بدقة عالية ، ووضعتها فى سياقها المعروف ، الذى يعطى دلالة معانيها بلا تزيد . . كما تنقلت بين الجمل الخبرية والإنشائية بصورة متكررة ، الأمر الذى أعطى القصيدة رونقاً خاصاً طبيعياً بعيداً عن التكلف أو المبالغة . . وقد حوت الكثير من المحسنات البديعية من طباق وجناس وسجع وخلافه ، رغم ميل الشاعرة نحو التعبير بالأسلوب النثرى أكثر من الأسلوب الشعرى . . وفى المجمل نستطيع القول بأن الصنعة الأدبية لدى الشاعرة متقنة بشكل كبير ظاهر وواضح .

( 4 ) الإيقاع : رغم طريقة عرض القصيدة ، وسيطرة أسلوب النثر عليها أكثر من الشعر . . إلا أننا نجد أن القصيدة قد توافر فيها بدرجة كبيرة عنصر الإيقاع الذى لازم العرض ، ولم تفتقر القصيدة إلى النغمات والإيقاعات الداخلية بين الكلمات ، اللهم إلا من القليل النادر فى مواضع حصرية . . وهو الأمر الذى أثر بالضرورة على إبراز الإنفعالات والعواطف داخل القصيدة ، وقوى المعنى إلى حد بعيد فى الكثير من المواضع .

وبصفة عامة . . نستطيع القول بأن أسلوب عرض الفكرة فى القصيدة ، جاء متميزاً بدرجة عالية ، بالنظر إلى الطابع النثرى للقصيدة .

---------------------

خامسا : الخيال : -
---------------
إمتازت القصيدة بتوافر عنصر الخيال فيها بشكل ظاهر وملحوظ . . كما تنوعت الصور الخيالية التى رسمتها الشاعرة بكل إتقان وتميز ، مابين التشبيه فى صورته العادية التى غلب عليها التشبيه بكافة أنواعه ( البليغ والمضاف والناقص ) ، وما بين الإستعارة بصورتيها المكنية والتصريحية . . وجاءت الصور الخيالية مبتكرة فى معظمها بعيدة عن التقليد أو المحاكاة . . كما جاء الخيال عميقاً ومركباً فى مواضع عديدة ، وهو الأمر الذى يشير إلى قدرة الشاعرة على إمتطاء صهوة الخيال والتصوير .
ونستطيع القول بوجه عام ، أن الشاعرة قد إستطاعت تطويع قدرتها الذاتية على رسم الخيال وتجسيده ، فى صالح القصيدة وفكرتها ودلالة معانيها ، بشكل متميز وبديع

---------------------.

سادساً : شخصية الشاعرة : -
------------------------
برزت ملامح شخصية الشاعرة من خلال القصيدة بوجه عام . . فالشاعرة ذات طبيعة رومانسية حالمة ، ولكنها قوية فى حبها قدر قوة تكوينها العقلى والعاطفى ، تميل إلى الصمت الذاتى الداخلى أكثر من ميلها إلى البوح . . وهى تحب الطبيعة بكل رموزها ، وتحلم بالحب الخالد الأبدى ولم الشمل مع الحبيب ، فى عناد وإصرار . . وهى فى حبها وفية مخلصة وأمينة .

----------------------

سابعاً : أثر البيئة المحيطة .بالقصيدة : -
------------------------------------
ظهرت البيئة المحيطة بالشاعرة بشكل واضح فى إستخدامها للمفردات التى إستعارتها من بيئتها الشرقية الخالصة ، وقد تكرر ذلك بشكل واضح فى العديد من المواضع ، ( مثل الرمال – الطيور – الصحراء – البحر – التمثال – شعر صوفى – مواويل ) . . كما تأثرت الصور الخيالية بمظاهر هذه البيئة فى أكثر من موضع ( أرسم فوق رمال الحب – طيور الأحلام بسندسها – تمثالاً نسجد من حوله – حنانك لون مواويلى ) .

---------------------

ثامناً : الخصائص الفنية لأسلوب الشاعرة : -
--------------------------------------
يمتاز أسلوب الشاعرة من خلال القصيدة . . بالدقة المتناهية فى التعبير ، والخيال الواسع الخصب ، والميل إلى الجمل والتراكيب القصيرة ، والتعبير عن نفسها وأغوارذاتها ومكنونات صدرها ، وكذلك الميل إلى الخطاب المباشر أكثر من الإخبار عن الحبيب . . كما تمتاز الشاعرة أيضاً بقوة الحبكة الشعرية فى الخاتمة النهائية للقصيدة أكثر من بدايتها ، وهو ما يعطيها القدرة على التأثير الذهنى والعاطفى اللاحق للقصيدة ، وليس المعاصر لقراءتها فقط . ، وتلك ميزة كبرى فى الشاعرة . . كما تمتاز الشاعرة فى أسلوب تعبيرها ، بجزالة اللفظ وقوة التراكيب اللفظية ، وعمق الخيال وخصوبته حتى أنه يعد أحد أقوى مميزات أسلوبها . . وأيضاً تمتاز الشاعرة بقوة البيان والقدرة على التعبير عن الفكرة فى وضوح صريح وظاهر . . وأخيراً قدرة الشاعرة الظاهرة فى الربط بين الجمل والعبارات بسلاسة وقوة ، وبصورة عميقة فى ذات الوقت ، وهو ما يحسب للشاعرة بلا شك .

-----------------------
تاسعاً : الحكم العام على القصيدة : -
------------------------------
القصيدة بوجه عام يمكن تصنيفها ضمن المستوى " ممتاز ". . وذلك بالنظر إلى ما أضافته من جديد فى فكرتها وعرضها ، والقيم الإنسانية التى حملت رسالتها ، والمهارات الفنية التى تميزت بها . .
وقد بان لى بكل وضوح من إستقراء العديد من قصائد الشاعرة ، أن أسلوبها متميز ، ويتسم بالحفاظ على التقاليد الشعرية الأصيلة فى بناء القصيدة ، وكذا الحفاظ على مقومات الوحدة العضوية للقصيدة العربية بوجه عام . . وهو ما يؤكد حرص الشاعرة على التمسك بالأصالة الموروثة ، مع التجديد فى حدود اللفظ والكلمة فقط ، دون المساس بالهيكل الأساسى للقصيدة العربية . ، الذى عرفناه منذ أمد طويل .

وأنا أرى بكل حيادية وموضوعية متجردة عن أى ميل أو هوى . . أن الشاعرة / إيمان الخطيب ، هى واحدة من الشاعرات الموهوبات بدرجة كبيرة ، وتحتل موقعاً متميزاً فى الصفوف الأولى ، وذلك بإعتبار الخصائص الفنية التى يمتاز بها أسلوبها فى الفكر والتعبير ، وجودة صنعتها الأدبية الراقية . . كما أرى أن المستقبل يحمل لها الكثير من التميز والرقى فى العطاء والإبداع ، إذا ما حرصت على إتقان وتجويد صنعتها الأدبية أكثر وأكثر ، وتميزت أكثر فى توظيف أدواتها التعبيرية المتميزة .

تلك كانت دراستى النقدية التحليلية لقصيدة " أبحر فى الأعماق " للشاعرة العراقية القديرة / إيمان الخطيب . . وأدعو الله لها بدوام الرقى والتميز والإبداع .
والله الموفق والمستعان .

( د . وحيد الفخرانى – كاتب وأديب وناقد )
القاهرة 19 يونيه 2013 م
---------------

‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗