عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا
۩۞۩ ::ادارة منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩ ترحب بكم
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا
۩۞۩ ::ادارة منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى
اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله
قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى الثلاثاء 11 أبريل - 18:54
قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى قصة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى
أهمية دراسة الحروب الصليبية د. راغب السرجاني القصة في القرآن الكريم لا يخفى على من يقرأ القرآن الكريم أن أسلوب القصة يُعَدُّ من الأساليب الرئيسية لتوصيل فكرة أو تفهيم معنى. ولا يخفى على قارئ القرآن الكريم أيضًا أن القَصَص فيه لا يذكر إلا متبوعًا بعِبْرة أو درس أو فائدة، وأنه قد بُنِي بصورة تجعل القصة قريبة جدًّا إلى التطبيق الواقعي في حياتنا، حتى لكأنك ترى الأحداث رأي العين، وحتى لكأنك تعلم هؤلاء الأشخاص، وتعايشهم في حياتك الشخصية، ولكن بأسماء مختلفة؛ فهذا يفعل مثلما كان فرعون يفعل في القصة، وهذا يشبه قارون، وآخر يسير على خُطَا طالوت، ورابع يحاكي ذي القرنين في سيرته، وهؤلاء يشبهون قوم بني إسرائيل في مرحلة معينة من مراحل حيات هم، وآخرون يعيشون حياة قوم ثمود، وهكذا. إن كل النماذج التي نراها في حياتنا لها أمثلة متشابهة في القرآن الكريم، حتى أصبح القرآن دليلاً واضحًا لطريقة الحياة التي ينبغي أن نكون عليها، وكل ذلك من خلال القصة؛ ولذلك يأمر ربنا I المؤمنين بقصِّ القصة، ورواية الرواية، يقول تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]. وتاريخ الإنسانية كنزٌ عظيم، فيه من التجارب والخبرات ما لا يُقدَّر بثمن، وخطأٌ كبير أن يقع الحكيم فيما وقع فيه السابقون، وذنبٌ عظيم أن نتوه في الدروب، وفي أيدينا دليل النجاة. ولقد ضلت أمتنا كثيرًا لأنها أهملت تاريخها وتاريخ البشر، بل - وللأسف الشديد - فإنها عندما قرأتْ تاريخها قرأته على يد مبدِّلين ومغيِّرين زوَّروا الكثير من الصفحات، وشوَّهوا العديد من الرموز، وبدَّلوا القصص، وقلبوا أحداثها؛ فصار الصالحُ طالحًا، وأصبح المفسد حكيمًا، وبهذا ضاعت العِبَر، واختفت الدروس، وفَقَد المسلمون أحد أهم كنوزهم. لذا كان لزامًا علينا أن نقوم بحملة دراسة شاملة لدراسة التاريخ الإسلامي من كل جوانبه؛ فنصحِّح كل هذه التجاوزات، ونعيد الأمور إلى نصابها، وبالتالي نستطيع الاستفادة من هذا الكنز الهائل. لماذا دراسة قصة الحروب الصليبية؟ يقع بين أيدينا موضوع من أهم الموضوعات التاريخية، وهو قصة الحروب الصليبية، وهي قصة في غاية الأهمية، ودراستها حتمية لفَهْم كثيرٍ من الأمور، سواء في التاريخ أو في الواقع؛ فدراسة هذه القصة مهمَّة لفهم التاريخ الإسلامي، وهي كذلك مهمة لفهم واقعنا الذي نعيش فيه الآن. لذا قد وقع اختيارنا على دراسة قصة الحروب الصليبية لعدة أسباب، كان منها: أولاً: فترة طويلة من التاريخ الإسلامي بل والإنساني
إنها أكثر من مائتي سنة، أي ما يمثِّل 1/7 التاريخ الإسلامي، فإن كنا نرى للتاريخ الإسلامي أهمية، فلا شك أن دراسة هذه الفترة أمر في غاية الأهمية. وليست دراسة هذه الفترة مهمة للمسلمين فقط، بل اهتم بها الأوربيون وغيرهم من مفكري العالم وعلمائه؛ فقد ظلت الحروب الصليبية مسيطرة على الفكر الأوربي وعقلية الأدباء والشعراء وعموم الناس أكثر من ثلاثة قرون متصلة، وذلك من سنة (488هـ) 1095م حين بدأت هذه الحروب وحتى سنة (802هـ)1400م بعد انتهائها بقرن كامل، بل وظل الاهتمام بها مستمرًّا في كل جامعات ومعاهد أوربا وأمريكا إلى الآن، حتى إنه في دراسة قام بها المؤرخ نورمان كانتور وجد أن الحادث الوحيد الذي يعرفه الخريج العادي من الجامعات الأمريكية فيما يتعلق بتاريخ العصور الوسطى هو الحملة الصليبية الأولى، ووجد أيضًا أن انطباعات هؤلاء الخريجين عن هذه الحملة إيجابية جدًّا[1]. ثانيًا: فهم الأيدلوجيات المختلفة للأطراف المتصارعة
ولأن هذه الفترة طويلة فإننا نستطيع أن نرصد فيها الأيدلوجيات المختلفة للأطراف المتصارعة، فإن أفكار المجتمع الغربي وأهداف محركي الجموع والجيوش وواضعي السياسيات والنظم قد تكون شاذة عن المألوف لو كانت عابرة أو مؤقتة، ولكن ثبات هذه الأيدلوجيات عشرات السنين أو مائتين من السنين يؤكد أن هذه الأيدلوجيات عقائد ثابتة راسخة، وليس مجرَّد فكرة طارئة خرجت من ذهن متهوِّر أو جاهل. وبهذا سنفهم خلفيات الغرب الأوربي في حربه للمسلمين، وهي الخلفيات التي حكمت الصراع قديمًا بين المسلمين والنصارى من الدولة الرومانية، كما سنفهم خلفيات المجاهدين المسلمين وطرقهم في الحرب، وفي المعاهدة، وفي التعامل مع غير المسلمين، ومناهجهم في التغيير. إنها دراسة رائعة في نفسيات البشر، وأدبيات الصراع بين القوى المختلفة، خاصةً إذا كان الإسلام طرفًا في القضية. ثالثًا: مدى التشابه العجيب بين التاريخ والواقع المعاصر
يبرز احتياجنا لدراسة الحروب الصليبية بدرجة أكبر عند رؤية التشابه العجيب بين هذه الحقبة القديمة التي مرَّ عليها أكثر من تسعة قرون، وبين زماننا المعاصر الذي نعيش فيه الآن. فكما قامت قوات التحالف الغربي بغزو العالم الإسلامي، وكما رأينا التكاتف بينهم لحرب واحدة، وكما رأينا التعاون بين الساسة والحربيين ورجال الدين وأهل الاقتصاد والعلوم لإمضاء هذه الحرب وإنفاذها، فإننا نرى الآن نفس هذا التكاتف والتعاون والتنسيق لحرب العالم الإسلامي في أكثر من بقعة.
وكما رأينا غزو الصليبيين للشام وفلسطين وأجزاء من تركيا ومصر بل والحجاز، نرى الآن الهجمات المستمرة، والجهود المتتالية التي نجحت في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي مثل فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير والبوسنة وكوسوفو، ونراها تخطط بحرص وتدبير في السودان والصومال ولبنان وسوريا، وليست مصر أو إيران أو باكستان أو تركيا ببعيدة عن الخطر. وكما رأينا كيانًا غريبًا يُزرع في فلسطين عُرف بعد ذلك بمملكة بيت المقدس الصليبية، ورأينا هذا الكيان يستمر عشرات السنين، ورأيناه يُمَدُّ بكل أنواع المساعدة من الغرب الصليبي، رأينا أيضًا الآن الكيان اليهوديّ الصهيوني يُزرع في نفس الأرض، في فلسطين، ويُمد بكل أنواع المساعدة من الغرب الصليبي أيضًا. وكما رأينا الفكر الاستيطاني الذي كان من محركي الحروب الصليبية، وكيف أنهم جاءوا برجالهم ونسائهم وأطفالهم لا لينتصروا في معركة ويعودوا بغنائم، ولكن ليعيشوا ويستقروا ويمتلكوا وينسوا تمامًا روابطهم القديمة وجذورهم الأصلية؛ كما رأينا ذلك رأينا الآن اليهود الصهاينة يقومون بنفس الشيء ويهاجرون إلى الأرض المباركة بكل عائلاتهم ليستقروا بلا عودة. وكما رأينا التخاذل من كثير من زعماء العرب والمسلمين، وظهور نماذج مخزية في تاريخ الحروب الصليبية تفسِّر الانهيارات المروعة التي حدثت في مقاومة المسلمين للمدِّ الصليبي، نرى الآن نفس التخاذلات وبنفس الروح، وبصورة تكاد تتطابق، فلا يهب جيشٌ ولا زعيم لنصر المكروبين في بلاد العالم الإسلامي المحتل. وكما رأينا حرصًا من أعداء الأمة على منع الوحدة بين ولايات الشام، وعلى منع الوحدة بين مصر والشام، وعلى منع الوحدة بين أي زعيمين مسلمين؛ لأن في هذا بقاء لهم أطول وأعظم، رأينا نفس الحرص من الغرب الصليبي في زماننا، وقد نجحوا في ذلك أيَّما نجاحٍ؛ فلا تكاد ترى قطرين مسلمين متجاورين إلا وبينهما صراع ونزاع. وأوجه التشابه أكثر من أن تحصى، وعند دراسة القصة بشكل تفصيلي سنشعر وكأننا لا نقرأ صفحات من تاريخ مضى، ولكن نقرأ واقع حياتنا، وقصة مجتمعاتنا التي نعيش فيها الآن. رابعًا: وضوح طبيعة الاختلاف الفكري والفقهي والعقائدي بين السنة والشيعة
يظهر أيضًا بجلاء في قصة الحروب الصليبية الاختلاف الفكري والفقهي والعقائدي في قضية حسَّاسة جدًّا داخل كيان الأمة الإسلامية، وهي قصة السُّنَّة والشِّيعة، وذلك أن الأحداث تدور في منطقتي الشام ومصر، وهما واقعتان تحت سيطرة سلجوقية سُنِّيَّة من جهة، وعبيديّة فاطمية شيعية من جهة أخرى، وهذا أفرز مواقف كثيرة تعين على فهم دقائق الأمور في زماننا الآن، وكذلك مستقبلاً.
خامسًا: دراسة الحروب الصليبية مفيدة للتعرف على مستقبل الأمة الإسلامية
دراسة الصراع مع الصليبيين ليس أمرًا مفيدًا لواقعنا فقط، بل هو مفيد لمستقبلنا أيضًا؛ فمن الواضح أنه لن يأتي زمانٌ تندثر فيه هذه الصراعات وتلك الصدامات، ولكنها قد تهدأ أحيانًا وتنشط أحيانًا أخرى، ولكنها على كل حال ستستمر إلى يوم القيامة. وفي ذلك جاءت أحاديث مختلفة لرسول الله ، وهي أحاديث صحيحة تؤكد استمرار هذه الصورة الحادَّة من العلاقة؛ ومن هذه الأحاديث مثلاً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه قَالَ:
من الدوافع المهمة لدراسة هذه الحقبة الخطيرة من تاريخ الأمة، التزوير الذي حدث في القصة، وبصورة مكثفة؛ وذلك لثراء القصة أدبيًّا، وولع الكتّاب والمؤلِّفين والأدباء بها، سواء من المسلمين أو الغربيين. ولا يخفى على أحد أن الأديب لا يهتم كثيرًا بصحة الوقائع التاريخية، ولكن يروي ما يراه يخدم القصة، بل قد يخترع شخصيات وهمية، أو يخترع قصصًا وهمية لأشخاص حقيقيين لتأييد معنى، أو ترسيخ فكرة، وهذا يشوِّش على الناس الكثير من الحقائق، ويصبح المستمع أو القارئ رهينة لفكر المؤلف أو الأديب، هذا فوق التزوير المغرض والتحريف المتعمد الذي استهدف في الأساس تشويه الرموز الإسلامية وتعظيم النوايا الصليبية، وإظهار الموضوع بشكل مغاير تمامًا للحقيقة.
ولعل من أكبر التزويرات في تاريخ الحروب الصليبية هو إطلاق هذا الاسم عليها! فالحروب الصليبية لم تكن معروفة بهذا الاسم طيلة الفترة التي حدثت فيها، بل والتي تبعتها، ولم يعرف هذا الاسم إلا في القرن الثامن عشر الميلادي وما بعده، وكان الجميع يطلق على الحروب الصليبية أسماء أخرى مثل: الحملة، أو رحلة الحجاج، أو الرحلة للأراضي المقدسة، أو الحرب المقدسة. أما لماذا اشتهر هذا الاسم فلكونه يحمل معنى الحرب النبيلة، ويُوحِي بالشجاعة والتضحية، ويعبِّر عن الفداء الذي يحبه النصارى، وهي جميعًا صفات لم توجد البتَّة في هذه الحروب، بل كانت حروبًا تجسِّد كل معاني القسوة والعنف والظلم والإجرام، ولكن الانطباع العام عند الأوربيين والأمريكان أنها كانت حرب نبيلة تهدف إلى غايات سامية، واستعملت وسائل شريفة؛ وهذا يفسِّر الكلمة التي قالها جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وهو يصف الحرب الأمريكية على العراق بأنها "حرب صليبية". فهو لا يعني بهذه الكلمة أيَّة ميولٍ عدوانية، إنما هو يسترجع الموروث الثقافي عنده وعند الشعوب النصرانية الأمريكية وغيرها، ومن ثَمَّ يوجه رسالة مباشرة وغير مباشرة إلى كل هذه الشعوب أن هذه الحرب نبيلة وشريفة، وتضحِّي فيها أمريكا من أجل سعادة الإنسانية. ومع هذا الخلط الشديد في مصطلح الحروب الصليبية إلا أن الخروج منه أصبح صعبًا جدًّا، وخاصةً أن الأجيال الأخيرة من المؤرِّخين المسلمين درست في معظمها على أيدي العلماء الأوربيين، وبالتالي تبنَّوا دون مقاومة نظرياتهم وتحليلاتهم وتقسيماتهم للتاريخ ومصطلحاتهم في وصفه، ولم يعُدْ يجدي هنا أن نتحدث عن الحملة الاستعمارية الأولى، أو عن حملة أوربا الغربية، أو عن حروب النصارى أو غير ذلك من المصطلحات؛ لأنها كلها ستصرف الذهن حتمًا إلى شيء آخر غير ما نعنيه من معارك وأحداث؛ ولذا جاء اسم الكتاب (قصة الحروب الصليبية) مع رفضنا التام لهذه التسمية. سابعًا: تحليل الأهداف والبواعث التي كانت وراء الهجمات الصليبية الشرسة
من أهداف دراسة الموضوع أيضًا تحليل الأهداف والبواعث التي كانت وراء هذه الهجمة الصليبية الشراسة، وذلك أن المؤرِّخين والمحلِّلين انقسموا في ذلك إلى فرق شتى؛ فمنهم من يؤكِّد الدافع الديني، وآخرون يؤكدون الدوافع الاقتصادية، وفريق ثالث يؤكد الدوافع السياسية، وفريق رابع يؤكد الأبعاد الأخلاقية لهذه الحرب، وفريق خامس يجمع عاملين أو ثلاثة، أو يجمع كل العوامل مع تقديم وتأخير، وحذف وإضافة.
فهذا موضوعٌ أعملَ فيه الكثيرُ والكثير فكرهم وذهنهم وجهدهم، واختلفت فيه التفسيرات بحسب الخلفيات العقلية والعلمية والدينية لكل محلِّل أو دارس. ثامنًا: إبراز الصفحات المشرقة لجهاد الكثير من أعلام المسلمين ومجاهديهم
من أسباب هذه الدراسة أيضًا إبراز الصفحات المشرقة لجهاد الكثير من أعلام المسلمين ومجاهديهم؛ فإن معظم من تناولوا هذا الحدث قصروا الجهد كله على صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وهو وإن كان مجاهدًا من أعظم المجاهدين في تاريخ المسلمين إلا أنه ليس الوحيد الذي حمل راية الجهاد في قصة الصليبيين، فهناك الكثير ممن سبقوه، وكذلك ممن لحق به، ومع ذلك لم يسمع بهم معظم المسلمين، وإلا فمن يعرف مودودًا؟! ومن يعرف سقمان بن آرتق؟! ومن يعرف آق سنقر؟! وغيرهم وغيرهم من المجاهدين العظماء، بل مَن يعرف تفاصيل حياة المشهورين من أمثال عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، ونجم الدين أيوب، وغيرهم من أبطال الإسلام؟!
فهذه الدراسة ستثبت لنا أن الجهد الذي بذل لتحرير بلاد الإسلام إنما هو جهد أمة وليس جهد أفراد، وأن هناك من الأتقياء الأخفياء في تاريخنا ما لا يتخيله إنسان، وأن الأمة لا تزال -ولن تزال- بخير إلى يوم القيامة. تاسعًا: بيان دور العلماء في تحرير بلاد المسلمين من الصليبيين
أغفل الكثير من المحللين أيضًا دور العلماء في تحرير بلاد المسلمين من الصليبيين، فلا يوجد لهم حديث إلا عن القوَّاد والمقاتلين، وليس هناك تفصيل إلا في المعارك العسكرية، والصدامات الحربية. وهذا مخالف لطبيعة الأشياء، ولسنن التغيير في هذه الأمة، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية العودة إلى الله وتطبيق الشرع، والحرص على الحلال، ونبذ المنكر والحرام، وهذه أدوار يقوم بها العلماء المخلصون، وهم في قصة الحروب الصليبية كُثُر، ولكن لم يركز عليهم إلا قليل القليل من المؤلِّفين والمحلِّلين، مع أنه بغير فَهْم دورهم والتركيز عليه، لن نستطيع أن نفهم طريقة البناء، ولا أسلوب الخروج من الأزمة.
عاشرًا: أن الآثار الناجمة عن الحروب الصليبية لم تكن محدودة الوقت بل ممتدة لوقتنا الحاضر
وندرس الحروب الصليبية أيضًا لأن الآثار الناجمة عنها آثار هائلة ضخمة، لم تكن محدودة بفترة المائتي سنة التي وقعت فيها هذه الحروب ولكنها امتدت بعد ذلك طويلاً، وليس لعدة سنوات بل لعدة قرون, بل إننا ما زلنا إلى لحظتنا هذه نعاني من آثار هذه الحروب المريرة. ولعل من أبرز الآثار المباشرة لهذه الحروب هو توقُّف المد الحضاري الإسلامي العظيم، الذي كان في أوج عظمته، وأبلغ مظاهره، حتى جاء الصليبيون فشغلوا طاقات الأمة وجهودها في حروبهم، وبالتالي استنزفت كل الطاقات، وتبدَّدت كل الجهود، ووقفت المسيرة الخالدة التي حمل المسلمون رايتها عدة قرون متتالية. ثم إنه من الناحية الأخرى -وبعد هذه الحروب الصليبية الشرسة- أخذ الصليبيون التراث العلمي الإسلامي العظيم من بلاد المسلمين، وخاصةً الأندلس وصقلية، وأحيانًا من بلاد الشام، ثم بدءوا بشغفٍ واهتمام يترجمونه ويعكفون على دراسته وتطبيقه، وكان هذا -لا شكَّ- نواةً للحضارة الأوربية التي قامت في القرن الخامس عشر وما بعده. فكما نرى، فإن هذا تغيرٌ محوري في مسيرة البشرية، قاد أمة إلى تخلفٍ وانحدار، وقاد أمة أخرى إلى علوٍّ وازدهار. نَعَمْ ليس هذا هو العامل الوحيد لهذه الأزمة التي مرت بها الأمة الإسلامية، ولكن لا شكَّ أنه من أهمِّ العوامل. مقارنة بين دوافع الفتوحات الإسلامية ودوافع الحروب الصليبية كل ما سبق لعله يجرُّنا إلى الحديث والتعليق على الفتوحات الإسلامية، ومقارنتها بالحروب الصليبية، وشتَّان، فالدوافع والوسائل والنتائج كلها مختلفة تمام الاختلاف. فالدوافع الإسلامية كانت رفع الظلم عن كواهل الشعوب، والتعريف بدين الإسلام دون قهر أو إجبار، ثم إنها كانت -في كثيرٍ من الأحيان- دفاعًا عن تعدٍّ صارخ من القوى المختلفة المحيطة بالمسلمين. والوسائل الإسلامية في الحروب كانت في منتهى الرقي، ولعل الأمة الإسلامية هي الوحيدة التي عرفت معنى أخلاق الحروب، وأهم ما يميِّز هذه الحروب هو البعد تمامًا عن إيذاء المدنيين، وكذلك حسن المعاملة للأسرى، بل والتعامل النبيل الشهم مع قادة العدوِّ عند التمكُّن منهم. ونتائج الحروب الإسلامية كانت مختلفة كذلك عن نتائج حروب الآخرين، فبينما جعل الآخرون من هممهم هدم الحضارة، ووقف مسيرة الإنسانية، جعل المسلمون من هممهم نشر العلم والفضيلة، والأخذ بأيدي الشعوب إلى أسمى معاني الرقي والتقدم. ولينظر كل منصف إلى الأندلس قبل الإسلام وبعده.. ولينظر إلى مصر قبل الإسلام وبعده.. ولينظر إلى المغرب قبل الإسلام وبعده.. ولينظر إلى بخارى وسمرقند ومدن الشام واليمن وغيرهم قبل الإسلام وبعده.. لقد كانت نقلة حضارة إنسانية بكل المقاييس.. وهذا لم نره أبدًا في الحروب الصليبية، ولا في أيِّ حروب لم تحتكم إلى دين صحيح أو خُلُق قويم. [1] نورمان كانتور: التاريخ الوسيط: قصة حضارة - البداية والنهاية 2/391، 392.
[2] مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في فتح قسطنطينية (2897)، والحاكم (8486)، وابن حبان (6813).
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: رد: قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى الثلاثاء 11 أبريل - 18:56
التجمعات النصرانية قبيل البعثة قبيل بعثة النبوة كانت القوة المسيحية ممثَّلة أساسًا في الدولة البيزنطية أو ما يعرف بالإمبراطورية الرومانية الشرقية، وذلك بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة 476م (قبل ميلاد الرسول بمائة سنة تقريبًا). وكانت الدولة الرومانية الشرقية تسيطر على شرق أوربا بكامله، إضافةً إلى الأناضول، وفوق ذلك فإنها كانت تحتل بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا، فصارت بذلك أعظم دولة في العالم، ولقد عرف البحر الأبيض المتوسط ببحر الروم لأن الأملاك الرومانية كانت تحيط به من كل جانب. وكان المسيحيون في خارج الدولة البيزنطية لا يمثِّلون كيانًا كبيرًا إلا في بقاع متفرقة: - غرب أوربا: إنجلترا، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا.
- إفريقيا: الحبشة أساسًا.
- الجزيرة العربية: نصارى الشام من العرب (الغساسنة/ تغلب/...)، نصارى اليمن ونجران.
- آسيا: لم يكن فيها نَصَارى تقريبًا.
الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد رسول الله ثم ظهرت الدعوة الإسلامية في بدايات القرن السابع الميلادي، وهي دعوة للناس كافة. يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]. ويقول الرسول : "وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً"[1]. استلزم ذلك أن يُرسِل رسول الله الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم، وذلك في بدايات العام السابع الهجري بعد صلح الحديبية. وأهمهم: هرقل قيصر الروم، وكذلك: النجاشي ملك الحبشة، والمقوقس زعيم مصر[2]. ومع يقين هرقل بصدق النبوة كما سيظهر من حواره مع أبي سفيان إلا أنه لم يؤمن[3]؛ وذلك حفاظًا على ملكه، بل سنراه بعد ذلك يجهِّز الجيوش لحرب المسلمين عدة سنوات. كذلك حدثت تطورات خطيرة في العلاقة الإسلامية المسيحية، عندما قُتل بعضُ رسل رسول الله إلى زعماء النصارى، وتحديدًا الحارث بن عُمَيْر الأزديّ الذي قتله شُرَحْبِيل بن عمرو الغسَّاني[4]؛ مما أدى إلى الصدام العسكري الأول بين المسلمين والمسيحيين في موقعة مؤتة سنة 8هـ، التي انتهت بانتصار المسلمين وتراجع الرومان، وكذلك انسحاب خالد بن الوليد بالجيش مكتفيًا بزوال هيبة الجيش النورماني العملاق[5]. وأتبع ذلك ببوادر صدام ضخم لم يتم، وكان ذلك في تبوك سنة 9هـ؛ حيث انسحبت الجيوش الرومانية ولم يحدث قتال، وإن كان ظهر للعيان قوة الدولة الإسلامية الناشئة[6]. ولم تكن كل العلاقة الإسلامية المسيحية علاقة حروب، بل كانت هناك علاقات أخرى كثيرة من التعايش والتعاهد، مثلما حدث مع الحبشة ونصارى نجران ونصارى أيلة وغير ذلك. ولكن وضح في الصورة أن الدولة البيزنطية ستحمل لواء الصراع مع المسلمين في السنوات، بل القرون المقبلة. الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد الخلفاء الراشدين ثم كان الصدام مباشرًا في عهد الخلفاء الراشدين وقويًّا أيام خلافة أبي بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، وكانت المعارك الشهيرة التي انتصر فيها المسلمون مثل أجنادين وبيسان[7]، ثم موقعة اليرموك الكبرى، ثم فتح دمشق وحمص وحماة، ثم فتح بيت المقدس وسقوطه في أيدي المسلمين، وبالتالي فتح كل مدن فلسطين ولبنان وسوريا وأجزاء من تركيا، كل ذلك في غضون سبع سنوات فقط؛ حيث بدأت هذه المعارك في (12هـ) 633م، وسقطت قيصريَّة سنة (19هـ) 640م، وهي آخر معاقل الدولة البيزنطيَّة جنوب جبال طوروس[8]. ثم تطوَّر الصدام ليكسب المسلمون جولة ثانية مهمة جدًّا بعد الشام وفلسطين وهي مصر؛ حيث انتصر المسلمون على جيوش الرومان التي كانت تحتل مصر أكثر من تسعمائة سنة، فكان الفتح الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص في سنة (20هـ) 641م، ثم وصلت الفتوح إلى برقة بليبيا سنة (22هـ) 643م[9]. الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد الخلافة الأموية
وفي جولة جديدة، وحلقة أخرى من حلقات الصراع وصل المسلمون إلى شمال إفريقيا في زمن الخلافة الأموية أيام معاوية بن أبي سفيان ، حيث قام عقبة بن نافع بفتح تونس سنة (43هـ) 664م، ودارت حروب شتى بين المسلمين والدولة البيزنطية مشتركة مع البربر، انتهت بضم كل شمال إفريقيا للدولة الإسلامية، ودخول البربر بأعداد كبيرة في الإسلام[10]. ثم فتحت في سنة (92هـ) 711م جبهة جديدة لحرب الصليبيين، حيث فتحت الأندلس بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد[11]، وأتمَّ المسلمون السيطرة عليها في غضون ثلاثة سنوات ونصف، بل وتجاوزوها إلى فرنسا، ودارت هناك مواقع كثيرة اقتسم فيها الفريقان النصر، وإن كان النصر في فرنسا في النهاية كان للصليبيين في موقعة بلاط الشهداء سنة (114هـ) 732م[12]، التي أوقفت المد الإسلامي في أوربا، ونشأت بعض الممالك النصرانية في شمال الأندلس، أهمها ليون وقشتالة وأراجون ثم البرتغال بعد ذلك، ودارت بينهم وبين المسلمين حروب متعددة على مدار عدة قرون. وعلى هذا فقد صار هناك جبهتان للصراع بين الأمة الإسلامية وبين نصارى أوربا؛ أما الجبهة الأولى فهي بين الدولة الإسلامية في المشرق متمثلة في الخلافة الأموية، ثم العباسية ضد الدولة البيزنطية. وأما الجبهة الثانية فكانت بين الدولة الإسلامية في الغرب وهي الأندلس، وبين الممالك النصرانية في شمال الأندلس متعاونة كثيرًا مع فرنسا، وأحيانًا مع إنجلترا وألمانيا وإيطاليا. وحيث كانت الخلافة الأموية تتخذ من بلاد الشام مركزًا لها، فإن الحروب بينها وبين الدولة البيزنطية كانت كثيرة، بل كانت هناك محاولات حقيقية لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، ولكن كلها لم تفلح[13]. الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد الخلافة العباسية وفي عهد الخلافة العباسية الذي بدأت من سنة (132هـ) 750م، خَفَتَ إلى حد كبير حدة الصراع بين الدولة الإسلامية والبيزنطية؛ وذلك لأن الخلافة العباسية اتخذت من بغداد والعراق مركزًا لها، وبالتالي صار قلب العالم الإسلامي بعيدًا نسبيًّا عن الدولة البيزنطية[14]، وإن كانت الحروب لم تتوقف، وكان ميدانها في غالب الأحيان أرض آسيا الصغرى، ومن أشهر الصدامات تخريب الدولة البيزنطية لمدينة زبطرة[15] مسقط رأس الخليفة العباسي المعتصم، وذلك في سنة (223هـ) 838م، ثم بعدها حدث الانتصار الإسلامي الكبير بفتح عَمُّورِيَّة مسقط رأس الإمبراطور البيزنطي ثيوفيل سنة (223هـ) (838م)[16].
ثم شهدت الدولة العباسية ابتداءً من منتصف القرن الثالث الهجري (منتصف القرن التاسع الميلادي) تدهورًا ملحوظًا، وظهرت الدُّوَيلات المتفرقة بداخلها، ومنها على سبيل المثال: الدولة الغزنوية، والدولة السامانية، والدولة الزيارية، والدولة الحمدانية، والدولة البويهية، والدولة الإخشيدية، الدولة الطولونية وغيرهم[17]. انكسار الشوكة الإسلامية
وهكذا ضعفت الشوكة الإسلامية، وأدى ذلك إلى أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفًا حازمًا من المسلمين، حتى إنها في بداية القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) ضمت معظم مدن الجزيرة تحت السيطرة البيزنطية، ثم سقطت الجزر التي كان المسلمون قد سيطروا عليها في البحر الأبيض المتوسط مثل كريت وقبرص وذلك في سنة (350هـ) 961م؛ مما أعاد للأساطيل البيزنطية السيطرة من جديد على البحر الأبيض المتوسط، ثم حدث أمر كبير في سنة (358هـ) 969م حيث سقطت أنطاكية، وهي من أهم المدن في يد البيزنطيين، وكان لهذا دويٌّ هائل في العالمين الإسلامي والمسيحي[18].
ثم حدث أمر ضخم في الأمة الإسلامية حيث سقطت مصر تحت سيطرة الدولة العبيديّة الشيعية المعروفة بالفاطمية، وذلك في سنة (358هـ)969م[19]، وبذلك انقسم العالم الإسلامي إلى قسمين كبيرين وهما: الخلافة العباسية السُّنِّية الضعيفة التي وقعت تحت سيطرة دولة بني بويه الشيعية، والدولة الفاطمية الشيعية التي تسيطر على شمال إفريقيا ومصر وأجزاء من الشام. وهكذا ازدادت الأمة الإسلامية ضعفًا وفُرقة، وهذا أعطى للدولة البيزنطية الفرصة لكي تزداد جرأة في حربها للأمة الإسلامية، فكان النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي) ميدانًا واسعًا للبيزنطيين، اجتاحوا فيه أعالي الشام والعراق، حتى وصل الأمر إلى أن دفعت الموصل وميافارقين وديار بكر، بل وحمص ودمشق الجزية للإمبراطور البيزنطي حنا شمشقيق (تزمستكيس)[20]. ومن الجدير بالذكر أن هذه الحملة الأخيرة للإمبراطور البيزنطي كانت تستهدف بيت المقدس إلا أنه لم يستطع الوصول له، وكانت تفيض من كلماته ورسائله العبارات الدينية التي تؤكد الروح الصليبية التي كان مشحونًا بها في حربه[21]. وهذا الوجود البيزنطي في بلاد الشام وأنطاكية سيفسِّر لنا النزاع المستقبلي الذي سيدور بينهم وبين الصليبيين الغربيين حول الحق الشرعي في امتلاك هذه الأراضي والمدن. أما القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) فقد شهد نموًّا للدولة الفاطمية، وتراخيًا من الدولة البيزنطية؛ نتيجة انشغالهم بحرب البلغار، وأيضًا لانشغالهم بضم بمملكة أرمينية النصرانية، التي كانت قد بلغت حدًّا مغريًا من الرخاء والتقدم، شجَّع البيزنطيين على بذل الجهد لضمها، وهذا أدى إلى أن بسطت الدولة الفاطمية سيطرتها على معظم الشام باستثناء حلب وأنطاكية. وفي هذا القرن الخامس الهجري أيضًا ظهرت دولة السلاجقة الإسلامية العظيمة، وكان لها دور كبير في الصراع الإسلامي النصراني، وسوف نفرد لها صفحات كثيرة في هذه المقالات للحديث عن مواقفها في هذا الصراع. كان هذا هو الوضع في المشرق الإسلامي من بداية البعثة النبوية إلى أواخر القرن الخامس الهجري (خمسة قرون متتالية من الحروب المستمرة بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية). [1] البخاري: أبواب المساجد، باب قول النبي r "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" عن جابر بن عبد الله (427) واللفظ له، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة (521)، وأحمد (14303)، والدرامي (1389)، وابن حبان (6398). [2] انظر ابن أبي شيبة: المصنف في الأحاديث والآثار 7/347. [3] انظر القصة في البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (7)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل (1773)، وأحمد (2370). [4] انظر: ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/589. [5] انظر غزوة مؤتة: ابن هشام: السيرة النبوية 2/378:373. [6] انظر غزوة تبوك: ابن هشام: السيرة النبوية 2/515. [7] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/347، 359. [8] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/ 335، 448، 511. [9] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/512، 534. [10] ابن كثير: البداية والنهاية 8/45. [11] ابن كثير: البداية والنهاية 9/83. [12] ابن عذارى: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب 2/27، وابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب ص216، 217. [13] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 4/61. [14] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/48،47. [15] زبطرة: من الثغور الجزرية، بينها وبين ملطية أربعة فراسخ وهي حصن منيع كثير الأهل قديم رومي، فتحه حبيب بن مسلمة الفهري وكان قائماً إلى أن أخربته الروم أيام الوليد بن يزيد، فبني بناء غير محكم فهدمته الروم في فتنة مروان، فأعاده المنصور فهدمته الروم فبناه الرشيد وشحنه، فطرقته الروم في خلافة المأمون وأغاروا على سرح أهله فأمر المأمون بتحصينه. انظر: الروض المعطار 1/285.
[16] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 5/235. [17] انظر: سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/50. [18] Schlumberger: Un Empereur Byzantin au Dixieme Sieclm, Nice – phore phocas, 723. [19] انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 11/266. [20] انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 11/271. [21] Grousset: Hist, de lP`Armenie, p484. & Cam. Med Vol. 4,p. 148.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد الخلافة العثمانية والأندلس د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 18:57
الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد الخلافة العثمانية والأندلس د. راغب السرجاني
الصراع بين النصرانية والإسلام في عهد ملوك الطوائف
في الوقت الذي كانت الحروب مستعرة في شرق العالم الإسلامي كانت الحروب كذلك مستمرة في غرب العالم الإسلامي بين مسلمي الأندلس والدول النصرانية الغربية (شمال إسبانيا وفرنسا في الأساس)، وكانت الأيام دُولاً بين الفريقين؛ فيوم للمسلمين ويوم للصليبيين، إلا أن القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) كان في معظمه للصليبيين، وهو العصر الذي عُرِف في التاريخ بعهد ملوك الطوائف، حيث تفرقت جدًّا كلمة المسلمين؛ مما أدى إلى اجتياح صليبي لقطاع كبير من شمال الأندلس، وخاصةً في زمن ألفونسو السادس ملك ليون وقشتالة، الذي أسقط في سنة (478هـ) 1085م مدينة طليطلة العتيدة؛ مما أحدث دويًّا هائلاً في العالمين الإسلامي والمسيحي[1].
الصراع بين النصرانية ودولتي المرابطين والموحدين
غير أن نهاية هذا القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) كانت سعيدة للمسلمين؛ حيث ظهرت دولة المرابطين القوية بالمغرب وغرب إفريقيا، وعبرت إلى بلاد الأندلس، وأنزلت بالصليبيين هزيمة فادحة في موقعة الزَّلاَّقَة سنة (479هـ) 1086م، أي بعد عام واحد من سقوط طليطلة، وبسطت دولة المرابطين سيطرتها على أجزاء كبيرة من الأندلس، إلا أنهم فشلوا في استرجاع طليطلة[2].
وكتقييم عام للموقف في نهاية القرن الخامس الهجري (نهاية القرن الحادي عشر الميلادي)، فإن العالم الإسلامي كان منقسمًا بين الخلافة العباسية تحت سيطرة السلجوقيين وبين الدولة الفاطمية ومقرها القاهرة، وكانت نهايات القرن الخامس الهجري تمثِّل ضعفًا وفُرقة واضحين في الشرق الإسلامي، بينما كانت نهاية القرن الخامس الهجري في الأندلس تحمل قوة بارزة للمسلمين بظهور دولة المرابطين الفتيَّة تحت قيادة القائد الفذِّ يوسف بن تاشفين رحمه الله. ومن ثَمَّ فإنه عند ظهور الحركة الصليبية في غرب أوربا في هذا التوقيت -على نحو ما سنشرح في بإذن الله- فكَّروا في غزو الشرق الإسلامي الضعيف، وهذا للمرة الأولى في تاريخ غرب أوربا، بدلاً من الانطلاق إلى الأندلس القوية تحت زعامة المرابطين. وهكذا بدأت الحروب الصليبية من نهايات القرن الخامس الهجري وحتى نهايات القرن السابع الهجري (أكثر من مائتي سنة؛ من نهاية القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي). استمرت هذه الحروب الشرسة فترة الخلافة العباسية ودولة السلاجقة، وكذلك الدولة الزنكية فالأيوبية فدولة المماليك، وانتهت بطرد الصليبيين الغربيين وعودة الأراضي الإسلامية للمسلمين، كما ذكرنا في أواخر القرن السابع الهجري. وعلى الناحية الأخرى فإنه على الرغم من هزيمة الصليبيين من دولة الموحدين التي ورثت دولة المرابطين في موقعة الأرك سنة (591هـ) 1194م فإن أوائل القرن السابع الهجري شهد في الأندلس تقدمًا ملحوظًا للصليبيين، حيث انتصروا على دولة الموحدين في موقعة العقاب سنة (609هـ) 1212م، ثم توالى سقوط المعاقل الإسلامية الكبرى، مثل قرطبة وإشبيلية[3]، ولم يتبقَّ للمسلمين في نهاية القرن السابع الهجري إلا مملكة غرناطة الصغيرة في جنوب الأندلس، التي قُدِّر لها أن تعيش حوالي قرنين ونصف القرن من الزمان[4].
الصراع بين النصرانية والخلافة العثمانية
وكانت نهايات القرن السابع الهجري قد شهدت أيضًا ظهورًا لدولة العثمانيين، الذين حملوا راية الجهاد ضد الدولة البيزنطيَّة، وذلك بعد رحيل الصليبيين الغربيين. وفي القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) كانت الفتوحات العثمانية الإسلامية في منطقة آسيا الصغرى مستمرة، بينما استقرت أوضاع الأندلس أو غرناطة نسبيًّا. أما القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) فقد شهد استمرارًا لحروب العثمانيين ضد البيزنطيين، وتُوِّجت هذه الحروب بانتصار مهيب، حيث فتحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية في عام 857هـ 1453م؛ مما فتح الطريق للمسلمين لينساحوا في شرق أوربا[5]. ومع هذا السرور العظيم الذي نَعِمَ به العالم الإسلامي على الجبهة الشرقية للنزاع بين المسلمين والنصارى، إلا أن القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) شهد حادثًا مؤسفًا جدًّا، وهو سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وبالتالي خروج المسلمين بالكُلِّيَّة من الأندلس بعد أكثر من ثمانية قرون، وذلك في سنة (897هـ) 1491م[6]. ورغم محاولات الدولة العثمانية لنجدة المسلمين في الأندلس إلا أن محاولتهم باءت بالفشل؛ لانشغال العثمانيين بالحروب مع شرق أوربا من جهة، والصفويين الشيعة في إيران من جهة أخرى[7]. أما القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) فكان عثمانيًّا خالصًا؛ إذ وصلت الفتوحات العثمانية الإسلامية إلى منتصف أوربا تقريبًا، واستطاع العثمانيون في عهد سليم الأول وسليمان القانوني أن يضما معظم أملاك الدولة البيزنطية إلى المسلمين، وبذلك دخلت اليونان وألبانيا ويوغوسلافيا والمجر وبلغاريا في نطاق الدولة الإسلامية، ووصلت الجيوش الإسلامية إلى فيينا عاصمة النمسا، وقَبِل ملك النمسا آنذاك أن يدفع الجزية للمسلمين. وفي هذا القرن حاول الأسبان والبرتغال احتلال دول شمال إفريقيا إلا أن المحاولات لم تكن ناجحة في الأغلب، اللهم إلا نجاح الأسبان في انتزاع سبتة ومليلة من المغرب سنة (987هـ) 1580م، وبقائهما تحت الاحتلال حتى الآن. وفي القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) بدأ التقلص العثماني في أوربا، واستطاعت بعض الدول الأوربية الانتصار على الدولة العثمانية في عدة لقاءات. وعلى الساحة الغربية كان التفوق الإسباني والبرتغالي ملحوظًا، وإن كان التفوق الهولندي كان أشدَّ وأكثر. أما القرون الثلاثة التالية وهي القرن الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر الهجري (الثامن عشر والتاسع عشر والعشرون الميلادي)، فقد كان التفوق الصليبي واضحًا، وبدأت الدولة العثمانية في التقلص التدريجي تحت ضربات إنجلترا وفرنسا من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى، وسقطت معظم دول العالم الإسلامي تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والروسي والصيني والهندي، وكذلك اليهودي الصهيوني في فلسطين بمساعدة الإنجليز. ثم شهد منتصف القرن الرابع عشر الهجري (منتصف القرن العشرين) موجة تحرر واسعة النطاق في العالم الإسلامي، بدأت في لبنان سنة (1360هـ)1941م، ثم سوريا (1362هـ) 1943م، ثم ليبيا (1370هـ) 1951م، ثم مصر (1371هـ) 1952م. وهكذا تتابعت الدول الإسلامية في التحرر حتى لم يبق إلا فلسطين، وسبتة ومليلة في المغرب، هذا فضلاً عن الدول المحتلة من دول غير نصرانية، كالدول المحتلة من الاتحاد السوفيتي أو الصين أو الهند.
ثم كانت الهجمة الصليبية الأخيرة على العالم الإسلامي؛ حيث احتلت الصرب البوسنة سنة (1412هـ) 1992م، ثم تحررت سنة (1415هـ)1995م، ثم احتلت أمريكا أفغانستان سنة (1421هـ) 2001م، ثم العراق سنة (1422هـ) 2003م.
وهكذا رأينا أنه منذ أيام البعثة النبوية الأولى وحتى أيامنا هذه لم تتوقف أبدًا حلقات الصراع الإسلامي- النصراني، ولم يكن هناك عَقْد -فضلاً عن قرن- خلا من معارك ونزال، وهذا أمر ليس مستغربًا؛ حيث قال تعالى في كتابه الكريم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]. وقال أيضًا: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]. وهكذا باستعراض هذه الحلقات نعرف أن قصة الحروب الصليبية التي نحن بصددها ليست قصة مستغربة، بل إن المستغرب فيه حقيقة ألا توجد فترة فيها تصادم وتصارع. ومع عدم رغبتنا في الصدام أو الصراع إلا أنه سنةٌ من سنن الكون، ذكرها ربُّنا I في كتابه حين قال: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين} [البقرة: 251]. [1] ابن الكردبوس: تاريخ الأندلس ص85. [2] ابن الكردبوس: تاريخ الأندلس ص34-94، حسن أحمد محمود: قيام دولة المرابطين ص276. [3] المقري: نفح الطيب 4/383، Cam. Med Vol. 6,p. 410. [4] محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز 264، لين بول: العرب في إسبانيا ص184، 185.
[5] عبد العزيز العمري: الفتوح الإسلامية عبر العصور ص380. [6] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 4/383.. [7] نبيل عبد الحي: جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس ص125.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: رد: قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى الثلاثاء 11 أبريل - 19:01
دولة السلاجقة قبيل الحروب الصليبية
د. راغب السرجاني
قلنا إنه في أوائل القرن الخامس الهجري ظهرت قوة جديدة على الساحة الإسلامية، هي قوة الأتراك السلاجقة السُّنَّة القادمين من بلاد الأناضول وآسيا الصغرى، وكان لهذه القوة أثر بالغ في القضاء على السيطرة الشيعية على الخلافة العباسية، وبلغت دولة السلاجقة أوج اتساعها في عهد ملكشاه بن ألب أرسلان، ولكن بعد وفاته سرعان ما حدث تنافس وصراع بين أبناء البيت السلجوقي؛ مما أضعف دولتهم وكان لهذه الصراعات أثرها في ضعف العالم الإسلامي، مما مهد للحروب الصليبية.
انقسام دولة السلاجقة
حدث صراع كبير بين السلاجقة الذين كانوا يعيشون في منطقة الأناضول (آسيا الصغرى) بقيادة سليمان بن قتلمش، وبين السلاجقة الذين يعيشون في الشام بقيادة تتش بن ألب أرسلان ويعاونهم سلاجقة فارس، وكان هذا الصراع في سنة (478هـ) 1086م، ونتج عن هذا الصراع مقتل سليمان بن قتلمش، وهو أقوى ملوك السلاجقة الروم[1]؛ مما أدى إلى فراغ سياسيٍّ ضخم في آسيا الصغرى، خاصةً أنه ترك ولدًا صغيرًا على ولاية عهده هو قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، وبالتالي تفككت منطقة آسيا الصغرى إلى عدة دويلات صغيرة منفصلة، بل ومتناحرة.
وكان من الآثار السيئة الأخرى لهذا الصراع أن فَقَد سلاجقة الروم وسلاجقة الشام أي ثقة في التعاون والاتحاد، وكان لهذا أشد الأثر في انهيار المقاومة أمام الصليبيين بعد ذلك[2].
وهكذا صار ملك السلاجقة موزَّعًا على الصورة الآتية في نهاية القرن الخامس الهجري (نهاية القرن الحادي عشر الميلادي) أولاً: دولة السلاجقة الكبرى وهي التي خلفها ملكشاه الأول، وظلت تحكم أقاليم واسعة أهمها العراق وإيران، وكانت لها السيطرة المباشرة على الخلافة العباسية، وهذه كان بها صراعات داخلية، وإن كانت ظلت متماسكة إلى حدٍّ ما، وكان يحكمها خلفًا لملكشاه ابنه الأكبر بركياروق، وقامت ضده عدة ثورات من أقاربه وأعمامه، ولكنه ظل حاكمًا حتى وفاته (498هـ) 1104م[3].
ثانيًا: بيت سلاجقة كرمان تقع جنوب إيران ومنطقة باكستان، وهم عشيرة قاروت بك بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وهو أخو القائد الكبير ألب أرسلان.
ثالثًا: سلاجقة العراق أي سلاجقة عراق العجم وكردستان (في شمال العراق).
رابعًا: سلاجقة الشام وهم بيت تتش بن ألب أرسلان، وهؤلاء انقسموا على أنفسهم عدة انقسامات، وفتَّتوا الشام إلى عدة إمارات، سنأتي لتفصيلها بإذن الله.
خامسًا: سلاجقة الروم بآسيا الصغرى وهم بيت قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق، والذي كان أكبرهم سليمان بن قتلمش أقوى ملوكهم، الذي قُتل سنة (478هـ) 1086م، كما بيَّنَّا.
ونتيجة هذه الصراعات المتتالية صار الوضع مزريًا قبيل دخول الجيوش الصليبية إلى أرض المسلمين. وضع دولة سلاجقة الشام ففي أرض الشام صارت حلب إمارة مستقلة تحت زعامة رضوان بن تتش، وصارت دمشق أيضًا إمارة مستقلة تحت حكم دقاق بن تتش، أما فلسطين فقد كانت تحت حكم سقمان وإيلغازي أولاد أرتق التركماني، وهو أحد القادة الذين كانوا يتبعون تتش بن ألب أرسلان[4].
ثم إن الدولة العبيدية المسماة زورًا بـ الفاطمية -التي كانت تحكم مصر آنذاك- كانت متفوقة في أسطولها البحري عن السلاجقة؛ مما مكَّنها من السيطرة على موانئ الشام، وأهمها صور وصيدا وعكا وجبيل، غير أن ميناء طرابلس كان إمارة مستقلة تحت حكم ابن عمار أبي طالب، وهو من الزعماء الشيعة المنشقِّين عن الدولة العبيديّة[5].
فكان هذا هو حال الشام! وهي المنطقة التي ستوجَّه إليها الحملات الصليبية القادمة. وضع دولة سلاجقة الروم ولم يكن حال سلاجقة الروم في آسيا الصغرى بأفضل من حال الشام، وخاصةً بعد مقتل سليمان بن قتلمش سنة (478هـ) 1086م[6]، وكان السلطان ملكشاه قد أخذ ابن سليمان بن قتلمش وهو قلج أرسلان إلى فارس تحت رقابته[7]، غير أنه عند وفاة ملكشاه وولاية ابنه بركياروق أطلق سراح قلج أرسلان ليصبح بذلك زعيم السلاجقة الروم[8]، وإن لم يتمكن من السيطرة على كل آسيا الصغرى. ولا يخفى على أحد أنه كان لا يمتلك الخبرة الكافية لهذه المهمة الكبيرة، وهي قيادة منطقة تموج بالمشاكل والفتن، سواء من المسلمين أو من غير المسلمين؛ فالمشاكل الداخلية بين الأتراك، والمشاكل مع سلاجقة الشام كانت مستمرة ومستعرة، إضافةً إلى وجودها إلى جوار الدولة البيزنطية العدو اللدود والتقليدي للمسلمين على مدار خمسة قرون متتالية.
ثم إن آسيا الصغرى لم تكن وحدة واحدة، فأزمير مثلاً كانت تحت إمرة زاخارس، بينما كانت هناك إمارة الدانشمند، وهي إمارة أسسها أمير تركماني اسمه أحمد غازي، وكانت تشغل الشمال الشرقي من آسيا الصغرى، وكانت على خلاف مستمر مع السلاجقة في آسيا الصغرى، ومن ثَمَّ كان التحالف بينهما نادرًا ما يحدث، وفي ظروف ضيقة جدًّا[9]. وليس هذا فقط، فقد شهدت سنة (490هـ) 1095م توسُّعًا بيزنطيًّا في غرب آسيا الصغرى، واستولت على الجهات الساحلية في نيثنيا وأبونيا[10]، ومما زاد الموقف تعقيدًا في آسيا الصغرى وجود أعداد كبيرة من الأرمن كانوا يعيشون في دولتهم في هذه المنطقة منذ فترات طويلة، لكن الدولة البيزنطية ضمت أرمينيا إلى أملاكها في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، لكن مع توسع السلاجقة في القرن الخامس الهجري في آسيا الصغرى على حساب أملاك الدولة البيزنطية اجتاح السلاجقة الكثير من أقاليم أرمينيا؛ مما جعل الأرمن يهاجرون إلى الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى حيث الطبيعية الجبلية الصعبة في إقليم قليقية، كما تركزوا في ثلاث مناطق أخرى متفرقة هي ملطية والرُّها وأنطاكية[11]. مع العلم أن هذه المناطق الثلاثة الأخيرة كانت تجمعات بيزنطية قديمة. ومن ثَمَّ أصبحت خليطًا من الأرمن الكاثوليك والبيزنطيين الأرثوذكس، غير أن سليمان بن قتلمش استطاع ضم أنطاكية لحكم السلاجقة سنة(477هـ) 1085م، وتسرب إليها المسلمون ليعيشوا فيها جنبًا إلى جنب مع البيزنطيين والأرمن[12]، وكذلك الرها فقد سيطر عليها ملكشاه، لكنه أقر على حكمها أحد الأرمن وهو ثوروس مع دفع الجزية[13]، ونفس الأمر حدث في ملطية فقد سيطر عليها أحد رجال الأرمن يُدعى جبريل، وكان كذلك يعلن الولاء للسلاجقة[14]. ومن هنا نرى أن هذا الوجود الأرمني المكثف جعل الأمور غير مستقرة وغير آمنة في هذه المناطق الثلاثة، إضافةً إلى إقليم قليقية في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى، وهذا كله سيكون له آثار مباشرة في نجاح الحملة الصليبية الأولى كما سيتضح لنا. وهكذا نرى أن التركيبة السكانية الصعبة في آسيا الصغرى والمكوَّنة من سلاجقة وأرمن وبيزنطيين، والتفتُّت الواضح في مراكز الحكم، والعلاقات السلبية بين الطوائف المختلفة، والتوتر الشديد مع المناطق المحيطة، كل هذا أدَّى إلى وضع معقد جدًّا في هذه المناطق، لعله يفسِّر الاقتحام الصليبي المرتقب لمنطقة آسيا الصغرى وما حولها. [1] النويري: نهاية الأرب 27/93. [2] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/90،89. [3] انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 12/150-164، وابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ص127. [4] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/96، وعماد الدين خليل: الإمارات الأرتقية في الجزيرة والشام ص66،65. [5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/425،424. [6] النويري: نهاية الأرب 27/93. [7] انظر: سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان ص443. [8] زامباور: معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ص215. [9] Grousset: Hist. des Croisades l, L Vll – Llll. [10] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/100. [11] lorga: L`Armenie Cilicienne, pp. 7-88. [12] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/294، وسبط ابن الجوزي: مرآة الزمان ص422. [13] Chalandon: Hist. de la Premiere Croisad, p. 175. [14] Setton, op cit l, p. 299.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: العالم الإسلامي قبيل الحروب الصليبية د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:02
العالم الإسلامي قبيل الحروب الصليبية د. راغب السرجاني
السيطرة الشيعية على معظم العالم الإسلامي
في القرن الرابع الهجري وفي النصف الأول من القرن الخامس الهجري، كان العالم الإسلامي كله إلا قليل القليل، واقعًا تحت سيطرة المذهب الشيعي.
ففي منطقة العراق كانت هناك الخلافة العباسية السُّنية، ولكنها دخلت في طورٍ شديد من أطوار الضعف؛ مما جعلها تقع فريسة للسيطرة الشيعية من بني بويه, الذين كانوا يسيطرون على فارس (إيران) في ذلك الوقت، واستمرت هذه السيطرة حتى منتصف القرن الخامس الهجري. وإلى الشرق من الخلافة العباسية وإيران حيث أقاليم آسيا الوسطى، كان السامانيون يسيطرون على شرق إيران ومنطقة أفغانستان وجنوب روسيا وما حولها. أما الجزيرة العربية فكانت تحت حكم القرامطة. ثم في وسط العالم الإسلامي وغربه كانت الدولة الفاطمية العبيدية الشيعية الإسماعيلية تسيطر على أرجاء واسعة؛ حيث سيطرت على مصر سنة (358هـ) 969م[1]، وظلت مسيطرة عليها قرابة قرنين كاملين من الزمان، وامتدت سيطرتها بعد ذلك لتشمل أرض فلسطين والشام والجزيرة العربية[2]. سيطرة الأتراك السنة على الخلافة العباسية وفي أوائل القرن الخامس ظهرت قوة جديدة على الساحة الإسلامية، هي قوة الأتراك السُّنَّة القادمين من وسط آسيا، وهم أكثر من قبيلة، وإن كان يجمعهم العرق التركي. وكان أبرز هذه القبائل هي قبيلة الغزنويين الأتراك، الذين استغلوا حالة الضعف التي اعترت دولة بني بويه وكذلك آل سامان، فبدأت تنتشر وتسيطر على مناطق شرق إيران وأفغانستان والهند. ثم ظهرت قبيلة أخرى من قبائل الأتراك هي قبيلة السلاجقة (نسبة إلى جَدِّهم سلجوق بن دقاق)، وتوغلت هذه القبيلة في إقليم خراسان، وصارت تحت تبعية الغزنويين فترة من الزمان، إلا أنهم في النهاية قاموا بالثورة عليهم، واستقلوا بإقليم خراسان (شرق وشمال إيران) تحت قيادة طغرل بك، وكان ذلك في (428هـ) 1037م[3]. ثم أخذ السلاجقة في التوسع على حساب القوى الإسلامية المحيطة، وكذلك على حساب الدولة البيزنطية التي كانت قد دخلت في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) في طور من أطوار ضعفها، وبذلك شملت دولة السلاجقة مساحات واسعة من فارس وشمال العراق وأرمينية وآسيا الصغرى[4]. ثم حدث تطور خطير في سنة (447هـ) 1055م، حيث استنجد الخليفة العباسي القائم بأمر الله بطغرل بك لينجده من سيطرة بني بويه الشِّيعة، وبالفعل دخل طغرل بك بغداد في سنة 447هـ[5]، ليبدأ عهد السيطرة السلجوقية على الخلافة العباسية، ولا شكَّ أن هذا أعطى مكانه كبيرة لطغرل بك في العالم الإسلامي السُّني؛ مما أدى إلى توحيد أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تحت سيطرته، خاصةً فارس والعراق وأجزاء من الشام وآسيا الصغرى، وكانت هجمات السلاجقة متوالية على منطقة آسيا الصغرى خاصَّةً[6]؛ مما أزعج الدولة البيزنطية جدًّا، على الرغم من أن هذه الهجمات لم تكن منظمة بشكل كبير، ولم تكن تستهدف الاستقرار في آسيا الصغرى. ألب أرسلان ومعركة ملاذكرد وفي سنة (455هـ) 1063م تُوفِّي طغرل بك ليخلفه القائد الإسلامي الفذُّ ألب أرسلان[7]، الذي غيَّر كثيرًا من سياسة السلاجقة في آسيا الصغرى، حيث أصبحت تستهدف البقاء والسيطرة على الأراضي البيزنطية والأرمينية، وأدى ذلك إلى نشوب معركة كبرى بين السلاجقة والدولة البيزنطية، وذلك في سنة (463هـ) 1071م، وهي معركة ملاذكرد (مانزكرت)، وهي من أقوى المعارك في تاريخ المسلمين، حيث استطاع السلاجقة بقيادة ألب أرسلان وبجيش قوامه عشرون ألفًا فقط، أن يهزموا جيش الدولة البيزنطية المكوَّن من أكثر من مائتي ألف جندي بقيادة رومانوس الرابع إمبراطور الدولة البيزنطية. وكان جيش الدولة البيزنطية مكوَّنًا من خليط من الجنود البيزنطيين والجنود النورمان الإيطاليين المرتزقة، وكذلك من جنود غربيين مرتزقة، إضافةً إلى فرق من التركمان الآسيويين، وقد سُحِق الجيش البيزنطي في هذه المعركة، وقُتل منه عشرات الآلاف، وأسر رومانوس الرابع نفسه، وتمَّ فداؤه بمليون دينار، إضافةً إلى إطلاق سراح كل أسرى المسلمين لدى الدولة البيزنطية[8]؛ وانهارت الدولة البيزنطية في منطقة آسيا الصغرى، وأصبح دورها في حماية البوابة الشرقية لأوربا دورًا مشكوكًا فيه؛ مما أقلق النصارى في غرب أوربا جدًّا، ولعل هذا من الأمور التي مهَّدت للحروب الصليبية بعد ذلك (بعد 25 سنة فقط من ملاذكرد). وانشغل ألب أرسلان بتثبيت دعائم دولته الكبرى، واهتم بالمنطقة الشرقية بصورة أكبر، ولكن سرعان ما قُتِل في أحد معاركه في بلاد ما وراء النهر بعد ملاذكرد بسنة واحدة في (464هـ) 1072م، ليخلفه ابنه ملكشاه الذي حكم من سنة 465 إلى سنة 485هـ (1072 إلى 1092م)، ووصلت دولته من الصين شرقًا إلى بحر مرمرة غربًا، وهي الدولة التي عرفت بدولة السلاجقة الكبرى[9]. وعلى الرغم من هذا الاتساع الضخم إلا أنه -للأسف- فإن القاعدة الأصيلة تقول: إنه عند انفتاح الدنيا واتِّساع الأملاك، يحدث التصارع والتنافس بين الإخوة؛ وهذا مصداق حديث رسول الله : "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[10]. وقد حدث التنافس بين أبناء البيت السلجوقي؛ مما أدى إلى انقسام الدولة إلى خمسة أجزاء، بل وكان في داخل كل جزء عدة انقسامات أخرى، مما أعطى طابع الفُرقة والتشتُّت في أواخر القرن الخامس الهجري (أواخر القرن الحادي عشر الميلادي)، وهي الفترة التي شهدت الحركة الصليبية الغربية.
[1] ابن كثير: البداية والنهاية 11/266. [2] Setton: A Hist of the Crusades, vol. l. pp. 85-86. [3] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/6، 11-12، وابن كثير: البداية والنهاية 12/48. [4] انظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/ 126،125، وابن كثير: البداية والنهاية 12/50. [5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/323،322، وابن كثير: البداية والنهاية 12/66. [6] Cam. Med. Hist., vol. 4. p. 304. [7] ابن كثير: البداية والنهاية 12/90،89.
[8] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/389،388. [9] انظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/395. [10] البخاري: كتاب الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (6061)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجه (3995)، وأحمد (17273).
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: مصر وبلاد المغرب العربي والأندلس قبيل الحروب الصليبية د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:05
قصة الحروب الصليبية مصر وبلاد المغرب العربي والأندلس قبيل الحروب الصليبية د. راغب السرجاني
في المقالين السابقين تعرفنا على الوضع في شرق العالم الإسلامي، وهو وضعٌ لا ينذر بخير، سواء في مناطق آسيا الصغرى والشام وفلسطين أو في مناطق العراق وفارس. ولم يكن الوضع في بقية بلاد العالم الإسلامي طيِّبًا، اللهم إلا في بعض البقاع المتفرقة، ولعل أهم المناطق التي تعنينا في هذه القصة هي منطقة مصر لقربها من الأحداث، بل ولتعرضها لبعض الحملات الصليبية كما سيتبين لنا. الدولة العبيدية الفاطمية في مصر
كانت مصر في هذه الأثناء تحت حكم العبيديين (الملقَّبين بالفاطميين)، وقد بدأ حكمهم في مصر سنة (358هـ) 969م بعد عدة محاولات لاحتلالها على مدار أكثر من خمسين سنة سابقة، ثم آلت لهم في النهاية مع شمال إفريقيا، بل وامتد حكمهم إلى الشام والحجاز. والعبيديون طائفة متطرفة جدًّا من الشيعة، يقولون بكل عقائد الشيعة وأكثر، ويحرِّفون تحريفاتهم وأشد، وهم يدَّعون النسب إلى فاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله ، وكذبوا في ذلك، بل نسبهم إلى أحد اليهود الذين عاشوا في المغرب، وقد سيطروا على المغرب سنة (296هـ) 908م، ثم انتشروا في شمال إفريقيا، وأقاموا ما يسمونه بالخلافة الفاطمية، وهي ليست في الأصل خلافة ولا فاطمية، إنما هي دولة خبيثة قامت على قتل علماء السُّنَّة واضطهادهم، وأذاقت الناس العذاب ألوانًا، وأظهرت من الفسق والفجور والمنكرات، وتغيير العقائد والأخلاق ما لا يتخيل. وكانوا جميعًا من طائفة الإسماعيلية، وهي إحدى الطوائف المنشقة عن الشيعة والمنتسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق[1]؛ يقول الإسماعيلية: إن الإمام السابع هو ابنه إسماعيل. بينما يقول الشيعة الاثنا عشرية: إن الإمام السابع هو موسى الكاظم الابن الآخر للإمام جعفر الصادق. ويقول الإسماعيلية أيضًا: إنه كان بعد الإمام إسماعيل خمسة أئمة مستورين، ثم الإمام الثالث عشر هو المهدي مؤسس الدولة العبيدية. ويدَّعون في أئمتهم أشياء عجيبة وخوارق منكرة، ووصل الأمر إلى ادِّعائهم أن الله حلَّ في أئمتهم -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- ولذلك فهناك منهم من ادَّعى الألوهية وليس النبوة، ومن أشهرهم الحاكم بأمر الله الذي كان زعيمًا لدولتهم في مصر، وهو الذي خاطبه الشاعر بقوله: ما شئتَ لا شاءت الأقـدار *** فاحكمْ فأنتَ الواحـد القهـارُ وأنشأ هؤلاء الفُسَّاق الجامع الأزهر في مصر لينشر سمومهم وأفكارهم المتطرفة، ولكن ردَّ الله كيدهم في نحورهم، فأصبح الجامع الأزهر على مدار عدة قرون من مراكز إشعاع السُّنة في العالم. وكانوا يُظهِرون سبَّ الصحابة بل والأنبياء، بل ورسول الله ؛ ومن ذلك ما كان ينادي به القائم بن المهدي في الأسواق: "العنوا عائشة وبعلها، العنوا الغار وما حوى". وكانوا يضربون عنق من أظهر حُبَّ أبي بكر أو عمر، ويقطعون لسان من قال في الأذان (حي على الفلاح)؛ لأنهم يستبدلون بها (حي على خير العمل)، ومنكرات أخرى كثيرة مطولة مسجلة في كتب التاريخ[2]. انقسام الدولة العبيدية الفاطمية لقد كانت هذه الدولة الخبيثة هي التي تحكم مصر في ذلك الوقت، بل وإنها انقسمت على نفسها في سنة (487هـ) 1094م، عندما تُوفِّي خليفتهم المستنصر، وتكوَّنت فرقتان كبيرتان؛ الأولى هي التي تقطن بمصر وتحكمها، وهي المستعلية (نسبة إلى المستعلي بن المستنصر). أما الفرقة الثانية فهي أشد شرًّا من كل ما سبق وهي فرقة النزارية، وهي المنتسبة إلى نزار بن المستنصر أخي المستعلي بن المستنصر، وهذه الطائفة ألغت الشعائر الدينية، وامتنعوا عن إقامة الفرائض، ومع ذلك ظلوا يدَّعون الإسلام، وهم الذين عرفوا في التاريخ باسم الباطنية، وهم يُظهِرون شيئًا ويبطنون أشياء أخرى، وكان من همِّهم الأكبر قتل علماء السُّنة ومجاهديهم، وسيكون لهم أثر سلبي شديد على حركات الجهاد التي تهدف إلى إخراج الصليبيين من أرض المسلمين، وكان هؤلاء الباطنية أهل حرب وحصون وقلاع، وبأس شديد في القتال، وكانوا يشنِّون حروب العصابات على القرى الآمنة، وعاثوا في الأرض فسادًا، وكانوا أشدَّ على المسلمين من الروم والصليبيين. أما الطائفة التي كانت تحكم مصر في أواخر القرن الخامس الهجري، أيام قدوم الحملة الصليبية فكانت طائفة المستعلية الإسماعيلية، وكانوا قد فقدوا السيطرة تمامًا على مناطق شمال غرب إفريقيا، ولم يعُدْ لهم في ملكهم إلا مصر، وكانت لهم أطماع كبيرة في الشام وفلسطين؛ ولذلك فإنهم كانوا في حروب مستمرة مع السلاجقة السُّنة، ولم يكونوا يمانعون أبدًا في التحالف مع الروم البيزنطيين تارة، ومع الصليبيين أنفسهم تارة أخرى في سبيل القضاء على السلاجقة، واقتطاع جزء من أرض الشام وفلسطين. لقد كان الوضع مؤسفًا حقًّا! وكان الجيش المصري آنذاك -وعماده في الأساس العبيديون الإسماعيلية- شوكةً في حلق الأمة الإسلامية، وظل كذلك فترة من الزمان حتى ظهر نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، كما سيتضح لنا من مجريات الأحداث بإذن الله. أحوال بلاد الهند وأفغانستان وتونس قبيل الحروب الصليبية إذن كانت هذه هي الحال في مناطق آسيا الصغرى والشام والعراق ومصر، وكلها كما رأينا كان سيِّئًا لسبب أو لآخر، ولم يكن الحال في بقية أطراف العالم الإسلامي بأفضل من ذلك. فقد كان الغزنويون يسيطرون على أفغانستان والهند، ولكنهم -للأسف الشديد- كانوا قد دخلوا في وقت أفولهم، وبالتالي ضعفت قوتهم جدًّا عن نصرة بلاد الشام، فضلاً عن بُعد مسافاتهم عن هذه الأراضي. وكانت اليمن مقسَّمة بين ثلاث طوائف هم: بنو نجاح، والصليحيون، وبنو زريع؛ وكانت الحروب بينهم مستمرة، وكان يغلب على معظمهم التشيُّع، وكانوا يدينون بالولاء للدولة العبيديّة في مصر. وكانت تونس تحت حكم آل زيري، وكانوا أيضًا قد دخلوا في طور من الضعف؛ مما أدى إلى فَقْد ثغر من أعظم الثغور الإسلامية، وهي جزيرة صقلية، حيث استطاع الإيطاليون النورمانيون أن يسيطروا عليها تمامًا سنة (484هـ) 1091م، وزال نفوذ آل زيري عنها، وبالتبعية زال وجود المسلمين من الجزيرة بعد حكم دام مائتين وسبعين سنة متصلة[3]. بلاد المغرب العربي والأندلس أما المكان الوحيد الذي كان يشهد قوة إسلامية في ذلك الزمن، فكان بلاد المغرب العربي وغرب إفريقيا والأندلس؛ حيث كانت هذه المناطق تابعة لدولة المرابطين العظيمة تحت قيادة قائدهم الفذِّ يوسف بن تاشفين رحمه الله، وهو من أعظم القادة في تاريخ الإسلام، وهو الذي أنزل بالصليبيين القادمين من شمال إسبانيا وفرنسا الهزيمة الساحقة في معركة الزَّلاَّقة سنة (479هـ) 1086م في وسط بلاد الأندلس. وهذه الدولة الكبيرة -على قوتها- لم تكن تستطيع أن تساعد بلاد المشرق في حروبهم ضد الحملات الصليبية، لا لبُعد المسافة فقط ولكن لانشغالهم الشديد في حرب الصليبيين شمال الأندلس، والوثنيين في غرب إفريقيا ووسطها. فهذه كانت نظرة عامة على بلاد العالم الإسلامي في أواخر القرن الخامس الهجري (أواخر القرن الحادي عشر الميلادي)، وهو الوضع الذي مهَّد لدخول الصليبيين إلى معاقلنا، وليس دخول الصليبيين -كما سنتبين- راجعًا إلى قوتهم، ولكنه يرجع في الأساس لضعفنا، وفرقة صفِّنا، وتشتت قوتنا، وبُعدنا عن ديننا، وهي عوامل مهلكة لا تخفى على لبيب، ولا ينكرها عاقل. كان هذا هو وضع بلاد العالم الإسلامي قبيل الحروب الصليبية، فكيف كان وضع أوربا في هذه الآونة؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم. [1] وهو الإمام السادس عند الشيعة. [2] انظر أخبارهم في:الكامل في التاريخ لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير، والروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة المقدسي. [3] انظر: ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 6/155.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: الدافع الديني للحروب الصليبية د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:07
قصة الحروب الصليبية
الدافع الديني للحروب الصليبية د. راغب السرجاني
لن نستطيع أن نفهم حقيقة الحروب الصليبية ولا دوافعها وبواعثها بدون اطِّلاع دقيق على الحياة التي كانت تعيشها أوربا في ذلك الوقت، ولا ينبغي أن يكون ذلك على المستوى السياسي فقط، بل يجب أن يشمل أيضًا المستوى الاقتصادي والديني والاجتماعي؛ لنأخذ فكرة كاملة عن الأحوال هناك، ومن ثَمَّ نفقه هذا التوجُّه الأوربي الشامل لغزو العالم الإسلامي الشرقي. أولاً: الدافع الديني للحروب الصليبية سيطرة الكنيسة على أوضاع أوربا في هذه الحقبة التاريخية وفي القرون التي سبقت الحروب الصليبية، وخاصةً القرن التاسع والعاشر الميلادي، وكذلك الحادي عشر الذي تمت فيه الحروب الصليبية، كان للكنيسة سيطرة كبيرة على مجريات الأمور في أوربا، ولم تكن هذه السيطرة فكرية ودينية فقط، بل كانت سياسية واقتصادية وعسكرية أيضًا[1]. لقد كان في إمكان الكنيسة أن تسحب الثقة من الملوك والأمراء، فتنقلب عليهم الأوضاع، ويرفضهم الخاصَّة والعامَّة، ومن ثَمَّ فالجميع ينظر إلى رأي الكنيسة بقدرٍ كبير من الرهبة والتبجيل، ويكفي للدلالة على قوة البابا في ذلك الوقت أن نذكر موقفًا للبابا جريجوري السابع مع الإمبراطور الألماني هنري الرابع. لقد كان الإمبراطور الألماني هو أقوى ملوك أوربا في زمانه، ومع ذلك فقد غضب عليه البابا في أحد المواقف، ورفض الإمبراطور الاعتذار للبابا، فقام البابا بسحب الثقة منه، وأعلن حرمانه من الرضا الكنسي، وبالتالي حرمانه من الجنة كما يزعم! وبدأ الناس يخرجون عن طوعه، بل وكاد أن يفقد ملكه، فنصحه مقربوه بالاعتذار الفوري للبابا، فماذا يفعل الإمبراطور الألماني الكبير؟! لقد قرر أن يأتي من ألمانيا إلى روما ماشيًا حافي القدمين! وذلك حتى يظهر ندمه الشديد على إغضابه للبابا. ثم كانت المفاجأة أن البابا رفض أن يقابله لمدة ثلاثة أيام كاملة، فبقي الإمبراطور خارج الكنيسة في المطر والبرد الشديد حتى سمح له البابا بالمقابلة، فما كان من الإمبراطور إلا أن ارتمى على الأرض يُقبِّل قدمي البابا ليصفح عنه[2]!! لقد كان هذا هو الحل الوحيد أمام الإمبراطور العظيم ليحتفظ بملكه! وكانت الكنيسة الكبرى هي كنيسة روما، والبابا يستطيع أن يتحكم في كل كنائس أوربا الكاثوليكية، ومن ثَمَّ يستطيع السيطرة على الأحداث في البلاد المختلفة، ولم تكن الكنيسة مكان عبادة أو معلِّم للأمور الدينية فقط، إنما كانت مؤسَّسة ضخمة تُؤدَّى إليها سنويًّا الأموال الغزيرة، ومن ثَمَّ فإنها كانت تملك الإقطاعيات الكبيرة في أوربا، بل وكانت تملك الفرق العسكرية التي تدافع عن هذه الإقطاعيات، وكانت الكنيسة تتحالف مع فرق عسكرية أخرى عند الحاجة، ومن هنا أصبحت الكنيسة تمثِّل الحاكم الحقيقي لمعظم دول أوربا الغربية، وإن لم يكن هناك اتحاد بالمعنى المفهوم بين هذه الدول. مستوى القساوسة في أوربا ومع كون الكنيسة تحتل في هذا الوقت هذه المكانة الكبيرة إلا أن القساوسة كانوا على درجة كبيرة من الجهل والتخبط، ولم يكن لهم في الغالب أي كفاءة دينية أو إدارية أو قيادية[3]، ولم يكن هذا فقط، بل إن معظم البابوات في القرن التاسع والعاشر الميلادي كانوا على درجة كبيرة من الفساد الأخلاقي، سواء في قضايا المال أو في قضايا النساء[4]، وكثير منهم قُتل في حوادث أخلاقية مخلَّة[5]، مع أنهم جميعًا كانوا يدَّعون الرهبانية، ويعلنون اعتزالهم مُتَع الحياة، ويشيعون الزهد في الدنيا، ويمتنعون عن الزواج، ثم يرتكبون بعد ذلك أبشع جرائم السرقة، وكذلك الزنا؛ وصدق الله إذ يقول في كتابه واصفًا هذا التحريف والتبديل الذي أضافه هؤلاء القساوسة في دينهم فشقوا على أنفسهم، وما استطاعوا الالتزام بما فرضه بعضُهم على بعض، يقول تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]. وليس خافيًا على أحدٍ ما حدث منذ عدة سنوات عندما أمسكوا بجيمي سواجارت[6] مع بعض العاهرات في أحد فنادق نيوأورليانز الأمريكية، وكان جيمي سواجارت قسيسًا من الذين يقيمون المناظرات مع الداعية الإسلامي الكبير أحمد ديدات[7] رحمه الله، ثم أَبَى الله إلا أن يكشف أوراقه أمام الجميع، فلا يمر أحدٌ الآن على الفندق الذي أمسكوه به إلا ويتذكر قصة هذا الدعيّ جيمي سواجارت. ومع هذا الوضع السيئ للبابوات والقساوسة إلا أنهم كانوا يسيطرون على الأوضاع في أوربا، وكان يساعدهم في ذلك السطحية والجهل والتخلف عند معظم شعوب أوربا آنذاك، وكذلك مفهوم الدين عند هذه المجتمعات البدائية، حيث كان الدين عندهم قائمًا على الخرافات والأباطيل، وكانت تسيطر عليهم فكرة الأشباح والأرواح والخوارق مثلما يحدث في مجتمع ريفي بسيط، وكان هذا الوضع المتدني يساعد البابوات والقساوسة في السيطرة على عقول الناس عن طريق نشر الإشاعات والأوهام، وعمليات غسيل المخ التي تمحو كل فرصة للتفكير عند الشعوب[8]. إشاعة كنسية في أوربا الكاثوليكية ومن الأفكار المهمة التي أشاعها البابوات والقساوسة في القرن الحادي عشر -أي قبيل الحروب الصليبية بقليل- أن الدنيا على وشك الانتهاء، وأن يوم القيامة قد اقترب جدًّا، وأن هذا مرتبط بمرور ألف سنة على نهاية عهد المسيح ، أي أن هذه الإشاعة بدأت تنتشر في سنة (424هـ) 1033م تقريبًا وما بعدها، وكانوا يفسِّرون كل الظواهر الكونية والطبيعية في ذلك الوقت على أنها أدلة على صدق الإشاعة، ومن ذلك مثلاً ثورة بركان فيزوف في إيطاليا، أو حدوث بعض الصواعق أو الزلازل[9]. وكان لانتشار مثل هذه الشائعات الأثر في إحداث حالة من الوجل والرعب والهلع عند عموم الناس، وخوفهم المفرط من ذنوبهم، وبروز دور البابوات والقساوسة والكنيسة بصفة عامة لإنقاذ الناس من هذه الضغوط، ومساعدتهم على التخلص من هذه الذنوب، وضرب رجال الدين على هذا الوتر بشدة، واستغلوه في توجيه الناس إلى ما يريدون، وقد كان من أهم الوسائل للتخلص من هذه الذنوب دفع الأموال للكنيسة، وهو الأمر الذي تطور بعد ذلك إلى صكوك الغفران، التي ثار عليها بعد ذلك بقرون مارتن لوثر[10] مؤسِّس البروتستانتية[11]. علاقة الحج إلى فلسطين بالحروب الصليبية غير أن هناك وسيلة أخرى أشاعها البابوات والقساوسة للتخلص من الذنوب لها علاقة كبيرة بموضوعنا، وهو التشجيع على رحلات الحج إلى أرض فلسطين مهد المسيح[12]، وذلك للتكفير عن الذنوب، وكانت رحلات الحج التكفيرية هذه تستغرق من الناس جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلاً، قد يصل إلى سبع سنوات، وكانت هذه الرحلات بديلاً عن دفع المال الكثير للكنيسة[13]، ومن ثَمَّ رغب فيها الفقراء الذين لا يستطيعون شراء رضاء الكنيسة، ومن هنا توالت رحلات الحج لفلسطين، والتبرك بالآثار هناك، وأصبحت هذه الرحلات ثقافة عامة عند الناس؛ ولذلك انتشر اسم فلسطين، وصار متداولاً بين عموم الناس. ولا شك أن هذا مهَّد نفسيًّا لقبول فكرة الحروب الصليبية بعد ذلك، فهي تذهب إلى مكان مألوف محبوب سمع الناس كثيرًا عنه، بل وشُجِّعوا على الذهاب إليه، بل إن فلسطين صارت حُلمًا لكثير ممن يريد الذهاب للتخلص من ذنوبه قبل انتهاء الدنيا، غير أنه يفتقد الطاقة البدنية أو المالية ليقوم بالرحلة، وكل هذا -لا شكَّ- أدى إلى تضخيم حجم فلسطين في عيون الغربيين[14]. وتشير الكثير من المصادر والوثائق أن استقبال المسلمين الذين يحكمون الشام وفلسطين لهؤلاء الحجاج كان استقبالاً طيبًا جدًّا، ولم يثبت أي محاولات تضييق عليهم كما يحاول البابوات أن يشيعوا؛ لكي يسوِّغوا فكرة الهجوم على فلسطين لتسهيل رحلات الحج لنصارى أوربا[15]. فهذه الخلفيات الدينية المعقدة من رغبة حثيثة للكنيسة للسيطرة على عقول الناس وأموالهم، ومن خوف مطَّرد عند الشعوب من فناء الدنيا وكثرة الذنوب، ومن حبٍّ جارف لهذه الأرض التي وُلد بها المسيح، والتي بسبب الرحلة إليها ستُغفر الذنوب. كل هذا وغيره مهَّد لفكرة الحروب الصليبية وغزو فلسطين. ولعل الخلفيات التي يجب أن تضاف إلى هذه الأمور السابقة، والتي تفسِّر ولع الغرب بقضية فلسطين خصوصًا والشرق عمومًا، هي ظهور رغبة عند بعض بابوات روما لضم الكنيستين الغربية الكاثوليكية والشرقية الأرثوذكسية تحت سقف واحد، يحكمه الكاثوليكيون بالطبع، وكان الذي تبنَّى هذا المشروع بقوة هو البابا جريجوري السابع، وهو البابا السابق مباشرة للبابا أوربان الثاني الذي وقعت في عهده الحروب الصليبية. وكان من ضمن الخطوات التي أخذها البابا جريجوري السابع لإتمام هذه الخطوة الفريدة أن بدأ يحسِّن من علاقاته مع الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين[16]، وهو الإمبراطور الذي سيعاصر الحروب الصليبية؛ مما جعل المراسلات بينهما مستمرة، ومما حدا -بعد ذلك- بالإمبراطور البيزنطي أن يستغيث بالغرب الكاثوليكي لنصرته ضد السلاجقة المسلمين، وذلك مع شدة كراهية هذا الإمبراطور الأرثوذكسي لكل بابوات وملوك وشعوب أوربا الكاثوليكية. ولعل الخلفيات التي ذكرناها سابقًا تفسِّر بوضوح الحميَّة المتناهية التي كانت عند الغرب للمشاركة في الحملات الصليبية، ومع ذلك فليست الخلفية الدينية ولا الدافع الديني هو الوحيد عند الشعوب الأوربية آنذاك، ولكن كانت هناك عوامل ودوافع أخرى مؤثرة جدًّا، مثل العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. د. راغب السرجاني [1] Cambridge Medievel History, Vol. 5 P. 273. [2] Ephraim Emerton, The correspondence of Pope Gregory Vll. Selected letters from the Registum pp. 111 – 112. [3] كانتور: التاريخ الوسيط 1/108:303. [4] Barraclough, The Med. Papacy, p. 63. [5] انظر: قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص79. [6] جيمي سواجارت قس أمريكي يملك محطة للتلفزيون يستخدمها للتبشير بمعتقده ولأغراض أخرى، فضحته النيابة العامة عند إلقاء القبض عليه واتهمته بسوء خلقه، فظهر على كبريات المحطات التليفزيونية الدولية ليعترف تفصيليًّا بعلاقته الجنسية مع إحدى البغايا الداعرات. هو صاحب مجلة the evangelist، وله مناظرة مشهورة مع الداعية الإسلامي الشيخ أحمد ديدات. [7] ولد الشيخ أحمد ديدات بالهند ثم هاجر وهو في سن التاسعة إلى جنوب إفريقيا، برع في دراسته وفاق أقرانه إلا أنه لم يستطع إتمام دراسته بسبب حالته الاقتصادية فاتجه إلى العمل، وتزود بالقراءة، وتصدى للإرساليات التبشيرية في إفريقيا حتى غدا من أكبر المناظرين لهم، وله مناظرات عدة أشهرها مناظرته مع القس سواجارت، ومن مؤلفاته: القرآن معجزة المعجزات، وكانت وفاته أغسطس 2005م. [8] Boase, Kingodoms and Stronghlds of the Crusaders, pp. 16-17; Bishop, op. cit., p. 105; Wolff The Awarkening of Europ, p. 202; Coulton, The MedIeval Scene, pp. 33-34. [9] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص19. [10] مارتن لوثر: إنه الرجل الذي ثار على الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، واستهل بذلك مرحلة الإصلاح الاحتجاجي على الكنيسة -أي صاحب نظرية البروتستانتية- وكان احتجاجه على الكنيسة الكاثوليكية لعدة أمور، منها: تجارة صكوك الغفران، وبقاء الراهب أعزب مدى الحياة؛ ولذلك تزوج من راهبة وأنجبا ستة أطفال، ولم تسترح الكنيسة إلى ثورته، فأدانته واتهمته بالإلحاد. [11] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص38،23. [12] John Wilkinson (ed.), Jerusalem Pilgrims before the Crusades, p. 42. [13] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص40. [14] Bradford, The Sword of the Sage of the Crusades, pp. 13 – 14, Michaud, Histoire de Crisades, 1, p. 14; Runciman, "The Pilgrimages to Palestin before 1095", in Setton (ed). A Hist. of the Crusades, vol. pp. 74-75. [15] عرفت هذه المذكرة باسم (مفكرة بكنائس القدس)، انظر: Commeroratorium of the Churches of Jerusalem, in: Palestine Pilgrims, pp. 138-139. ولمزيد من التفاصيل عن حركة الحج حتى القرن العاشر الميلادي انظر: Runciman, A. History of the Crusades, vol., 1, pp.39 – 44. [16] عن هذا الموضوع، انظر: إسحاق عبيد: روما وبيزنطة.. من قطيعة فوشيوس حتى الغزو اللاتيني قنسطنطين 869-1204م، ص25-39.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحروب الصليبية د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:11
الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحروب الصليبية د. راغب السرجاني
ثانيًا: الدافع الاقتصادي
عاشت أوربا عدة قرون تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، فمع خصوبة الأرض إلا أنها مليئة بالغابات[1]، واستصلاح الأراضي وزرعها يحتاج إلى فنٍّ وجهد وتقنية، ولم يكن هذا متوفرًا في هذه البيئات الجاهلة، وخاصةً في المناطق الشمالية ذات الصقيع القارس، هذا فوق ضعف المواصلات وانقطاع الطرق؛ مما كان يمنع وصول الغذاء من مكان إلى مكان ولو بغرض التجارة، ومن ثَمَّ فإن نقص الإنتاج المحلي من الغذاء كان يعني ببساطة المجاعة القاتلة! وكانت هذه المجاعات تستمر أحيانًا سنوات، مما يؤدِّي إلى فناء قرى ومدن، وكان انتشار الأمراض وانعدام العلاج يساهم في موت المزيد والمزيد، وكل هذه الأمور جعلت الفقراء والفلاحين يضيقون ذرعًا بحياتهم، ويشعرون بالإحباط الدائم واليأس المستمر، فإذا أضفت لكل ذلك الضرائب الباهظة التي كان يدفعها الفلاحون أدركت مدى المعاناة التي كانوا يعيشونها. وفي أخريات القرن الحادي عشر، وخاصةً في السنوات العشر التي سبقت الحروب الصليبية حدثت مجاعات رهيبة قاتلة، خاصةً في شمال فرنسا وغرب ألمانيا، ولعل هذا يفسِّر خروج الكثير من الجيوش من هذه المناطق، التي كان لا بد لها من أن تهرب إلى أي مكان به طعام وشراب، ولو كان هذا المكان على بُعد مئات وآلاف الأميال، فلن يكون أسوأ من الموت جوعًا[2]! وعلى النقيض من هذه الصورة، كانت هناك صورة مغايرة تمامًا عند بعض الاقتصاديين في أوربا، وخاصةً في الجنوب الأوربي وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، فقد ازدهرت التجارة البحرية في ذلك الوقت وأفاد تجَّار الجنوب الأوربي من وجودهم على السواحل في التجارة مع حوض البحر الأبيض المتوسط بكامله، بل تجاوزوه إلى داخل آسيا وإفريقيا. وكان من أبرز الموانئ التي ظهرت في الفترة التي سبقت الحروب الصليبية موانئ إيطاليا، وخاصةً جنوة وبيزا، فكانت هذه الموانئ تمثِّل قوة اقتصادية مؤثرة في هذا الوقت، وكانت القوة الاقتصادية المنافسة الوحيدة هي قوة الاقتصاد الإسلامي، وكانت لهذه القوة مراكزٌ مهمة في الشام ومصر والمغرب، وكذلك في الأندلس، وكان هذا التنافس دافعًا للموانئ الإيطالية أن تتربص بالمسلمين قدر استطاعتها، ودفعها ذلك إلى تجهيز الحملات العسكرية لإخراج المسلمين من صقلية، وتمَّ لهم ذلك كما مر بنا، وخرج المسلمون خروجًا نهائيًّا من صقلية سنة (484هـ) 1091م بعد حكم مائتين وسبعين سنة، وهذا يسبق الحروب الصليبية بسبع سنوات فقط، ولا شك أن هذا جعل الطريق البحري آمنًا إلى حد كبير[3]. ومن هنا حرص تجار إيطاليا على دعم الحملات الصليبية المتجهة للشرق، فهم بذلك سيقضون على منافسهم الوحيد، ومن ناحية أخرى سيفتحون سوقًا هائلاً لتجارتهم في هذه البقاع الإسلامية. وهكذا كان هناك شبه اتفاق بين المطحونين الكادحين الجائعين، وبين الاقتصاديين والأثرياء المتخمين لغزو العالم الإسلامي والمشاركة في الحروب الصليبية! ثالثًا: الدافع السياسي
في القرن الخامس الميلادي، وبالتحديد في سنة 476م، سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية العتيدة، وذلك تحت الضربات الموجعة للقبائل الجرمانية الشمالية، وهي قبائل همجية عنيفة لم تنظر بأي عين من الاعتبار للحضارة الرومانية المتميزة، بل سعت إلى التدمير والإبادة. وفي غضون قرنين من الزمان، كانت القبائل الجرمانية قد انتشرت في كل أوربا، وكان هذا الانتشار مصحوبًا بنشر الأفكار الجرمانية العنيفة، والسلوك الإجرامي عند عامة الناس[4]. ثم شهد القرنان التاسع والعاشر الميلادي - قبل الحروب الصليبية بقرن من الزمان - عدَّة هجمات ضارية على أوربا، سواء من الفايكنج القادمين من إسكندينافيا أو من المسلمين القادمين من الأندلس أو الشمال الإفريقي، وهذا ساعد في زيادة الروح القتالية عند عموم الناس، وتحول الأوربيون إلى الشكل العسكري، حتى صارت صورة الشخص النبيل العظيم هي صورة الفارس المقاتل[5]. ونتيجة نمو هذا الفكر العسكري داخل أوربا، كان لا بد للقوى المختلفة أن تصطدم معًا، فبدأ الصراع بين الدول الأوربية المختلفة بغية التوسع والسيطرة، ثم قُسِّمت الدول إلى إقطاعيات منفصلة متصارعة فيما بينها، وعلى كل إقطاعية أمير قد يدين بالولاء أو لا يدين للملك العام على الدولة، وكوَّن كل أمير ميليشيات عسكرية خاصة به، وعمَّت الفوضى كل أرجاء أوربا؛ مما أدى إلى فَقْد الكنيسة السيطرة على هذه القوى الكثيرة والمتناحرة[6]. وكان الوضع أشد ما يكون ترديًا في فرنسا، حيث فقد ملك فرنسا السيطرة كُلِّيَّةً على البلاد، وصار الحكم فيها لأمراء الإقطاعيات، وتفتَّتت الدولة إلى إمارات متعددة، كلٌّ منها له جيشه الخاص[7]. أما الوضع في ألمانيا فكان أفضل حالاً، حيث ظهر فيها ملك قويّ هو هنري الثالث، ثم ابنه هنري الرابع، وذلك في القرن الحادي عشر وقبيل الحروب الصليبية مباشرة؛ وهذا أدى إلى تماسك الوضع نسبيًّا في ألمانيا[8]، وإن كان هناك خلافا خطيرا نشأ بين هنري الرابع والبابا في روما كما مر بنا[9]، كان له توابع سنراها مع سير الأحداث. وفي إنجلترا ظهر ملك قوي أيضًا هو وليم الفاتح، ولكن وضع إنجلترا الاقتصادي كان سيئًا جدًّا؛ مما جعلها مشغولة تمامًا بنفسها[10]. أما الدويلات النصرانية في شمال الأندلس، فكانت تبذل كل طاقتها في حرب المسلمين هناك[11]. وتأتي القوة العسكرية الأخيرة في غرب أوربا متمثلة في إيطاليا، وكانت في الواقع قوة كبيرة، خاصةً في المناطق التي يسيطر عليها النورمانديون في جنوب إيطاليا، وبالذات بعد ظهور زعيم قوي جدًّا هناك هو روبرت جويسكارد، الذي كانت له أحلام توسعية هائلة وصلت إلى حروب مباشرة مع الدولة البيزنطية العتيدة[12]، وقد استطاع هذا القائد أن يُسقِط البلقان البيزنطية تحت سيطرته، بل وبذل أولى المحاولات لاحتلال أنطاكية التي كانت في حوزة البيزنطيين ثم المسلمين، وكان الذي يبذل هذه المحاولات هو ابنه شخصيًّا، وهو الأمير بوهيموند، الذي سيكون بعد ذلك أحد أمراء الحملة الصليبية الأولى[13]. كما صاحب ظهور هذه القوة الإيطالية المتنامية نمو سريع لأسطول بحري عسكري لميناء البندقية الإيطالي، وصار له أثر مباشر في تغيير سير الأحداث في حوض البحر الأبيض المتوسط بكامله[14]. إذن فالوضع السياسي في أوربا كان يضم عددًا كبيرًا من العسكريين المتصارعين، والمتنافسين على تقسيم البلاد عليهم، ولما كانت أوربا ضيقة وطبيعتها الجبلية والثلجية معوِّقة، كان التفكير في التوسع خارج أوربا، كما فكر في ذلك روبرت جويسكارد زعيم النورمانديين الإيطاليين، كما سيحدث بعد ذلك في الحروب الصليبية. رابعًا: الدافع الاجتماعي
لم تكن الشعوب الأوربية في ذلك الوقت شعوبًا مستقرة، بل كانت تعيش حياة البدو الرُّحَّل، حيث ينتقلون من مكان إلى مكان سعيًا وراء الطعام أو الأمن؛ وهذا أدى إلى عدم وجود روح الاستقرار والتمسُّك بأرض معينة. ولعل هذا سهَّل كثيرًا على الناس أن يتركوا أوربا بكاملها، ويتجهون إلى فلسطين بحثًا عن نظام حياة أفضل وأسعد[15]. وكان الفلاحون في أوربا يعانون بطش أمراء الإقطاع، ولم يكن للفلاحين أدنى حقوق، بل كانوا يباعون مع الأرض، ويستغلون تمام الاستغلال لجلب الرفاهية لمالك الإقطاعية، وهذا ولَّد عندهم شعورًا بالحقد تجاه ملاَّك الأراضي وملاَّكهم، ولكن لم يكن لهم فرصة ولا حتى حُلم في الخروج من أزمتهم[16]. وفوق هذا الأسى الذي كان يعيشه معظم الشعوب فإن الجهل كان مُطبِقًا على الجميع، وكانت الأمية طاغية، ولم يكن هناك أي ميل للعلوم، وهذه الحالة المتخلفة جعلت من السهل جدًّا السيطرة عليهم بأية أفكار أو دوافع، ولم يكن عندهم من القدرة العقلية والذهنية ما يسمح لهم بتحليل الأفكار المعروضة عليهم، أو ما يمكِّنهم من الاختيار بين رأيين متعارضين، وهذا كله -ولا شك- سهَّل مهمة إقناعهم بترك كل شيء، والتوجه للحرب في فلسطين[17]! هذه الخلفيات التي بحثناها، وضحت لنا أن المجتمع الأوربي كان مكوَّنًا من طوائف شتى: دينية وسياسية واقتصادية وشعوبية، وكل هذه الطوائف لها أهدافها ومطامعها، تصغر أو تكبر بحسب حجمها، وسيكون من العجيب حقًّا أن تظهر شخصية تجمع أهداف هذا الشتات في هدف واحد، وتدفعهم جميعًا على اختلاف مستوياتهم المادية والعقلية في اتجاه واحد، فيخرج الجميع، كلٌّ يبحث عن غايته، وكلٌّ يسعى لتحقيق سعادته. تُرى من هي هذه الشخصية؟ وكيف جمعت هذا الشتات؟ وما هي البواعث الحقيقية للحروب الصليبية؟ وهل هي حرب سياسية أم اقتصادية أم دينية؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في المقال القادم. [1] Pianter, "westem Europ", pp. 5-6; Coulton, The Medieval Scene, pp. 33-34. [2] Maurice Keen, The Pelican History of the Middle Agws, p. 123; The Mayer, The Crusades, p. 22; Marc Bloch, feudal Socity, pp. 72-73; Cohn "The Appeal of the Crusades", p. 36. [3] Heyd: Hist du Commerce l, 132 – 133. [4] Robert S. Hoyt and Stanley Chodorow. Europe in the middle Ages, pp. 55 – 38. [5] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص42، 43، Mayer, The Crusades, pp. 15 – 16. [6] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص73، 74. [7] كانتور: التاريخ الوسيط 1/282:272. [8] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص74. [9] عن النزاع بين البابوية والإمبراطورية حول التقليد العلماني انظر: Hoyt and Chodorow, Europ in the Middle Ages, pp. 292–302: barraclough The Medival Papacy, pp. 77-39. [10] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص57. [11] Benjamin W. Wheeler,"The Reconquest of Spain", pp. 31-40. [12] Charanis, op. cit., p. 188. [13] Ostrogorsky: op. cit., p. 317. [14] Bishop, op. cit., p. 46. [15] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/36. [16] Boissonade: Life and Work in Med Europe, p. 85. [17] Boase, Kingodoms and Stronghlds of the Crusaders, pp. 16-17; Bishop, op. cit., p. 105; Wolff The Awarkening of Europ, p. 202; Coulton, The MedIeval Scene, pp. 33-34.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: رد: قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى الثلاثاء 11 أبريل - 19:13
البابا أوربان الثاني شخصية الحرب الصليبية د. راغب السرجاني
البابا أوربان الثاني .. شخصيته وتوجهه الفكري
تولى الكرسي البابوي في سنة (480هـ) 1088م رجل من الرجال المهمين في الكنيسة الغربية، وكان لولايته الأثر في تغيير عدة صفحات متتالية من التاريخ، بل ولعل الآثار التي أحدثها هذا الرجل ما زالت موجودة إلى الآن. وهذا الرجل هو أوربان الثاني الذي تولى الكرسي البابوي في روما إحدى عشرة سنة، وذلك من سنة (480هـ) 1088 إلى سنة (492هـ) 1099م، وكان هو الآخذ لقرار الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي[1]. وكان أوربان الثاني رجلاً ذكيًّا سياسيًّا لبقًا، وكان خطيبًا مفوَّهًا، وكان أيضًا جريئًا حاسمًا، وكان مطلعًا على أحوال العالم المعاصر له، وفوق كل ذلك كان يُكِنُّ حقدًا كبيرًا على المسلمين، سواء في بلاد المشرق حيث يحكمون أرض المسيح ، أو في الأندلس حيث يحكمون قطعة أوربية مهمَّة على مدار أربعة قرون متتالية حتى زمان تولِّيه البابوية. ثم إنه كان رجلاً ذا طموح كبير، وأحلام واسعة بأن يكون هو الزعيم الأكبر والأوحد للمسيحيين جميعًا في العالم، وذلك بتوحيد الكنيستين الغربية والشرقية؛ استكمالاً لجهود البابا الذي سبقه وهو جريجوري السابع[2]. الإمبراطور البيزنطي يستنجد بأوربان الثاني وكانت العلاقات كما ذكرنا قبل ذلك قد تحسنت نسبيًّا بين البابا السابق جريجوري السابع والإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين، ولقد طلب هذا الأخير المساعدة قبل ذلك من جريجوري السابع لنصرته ضد السلاجقة المسلمين، ولكن حركة جريجوري السابع لم تكن بالقوة المناسبة، ومن ثَمَّ فلم يكن هناك تحرك يُذكر لمساعدة البيزنطيين[3]. غير أن الإمبراطور البيزنطي كرَّر المحاولة مرة ثانية، وأرسل وفدًا جديدًا إلى إيطاليا في مارس سنة (487هـ) 1095م لمقابلة البابا أوربان الثاني، وتجديد طلب المساعدة منه[4]. أوربان الثاني واستغلال الفرصة
فكر البابا أوربان الثاني في الأمر، ووجد أنه لو استغل هذه الفرصة واستجاب لطلب الإمبراطور البيزنطي، وعلى نطاق واسع، فسوف يحقِّق عدة أهداف في غاية الأهمية، وفي ضربة واحدة. فهو أولاً: سيعيد إبراز دور الكنيسة في حياة الأوربيين، حيث سيحمل البابا من جديد دعوة تهمُّ كل الشعوب الأوربية، وهي دعوة ستحمل بين طياتها الغفران الذي يبحث عنه الناس آنذاك بين يدي البابا[5]. وثانيًا: سيقوم البابا بحملة عسكرية تشمل التنسيق بين ممالك وإمارات أوربا المختلفة، وسيحتفظ بالقيادة في يده، فهو بذلك سيستعيد سلطان الكنيسة العسكري والسياسي على كامل أوربا؛ وحيث إن القضية ذات طابع ديني، فالذي سيرفض قد يعاقب بالحرمان، وسحب الثقة، وقد يؤدِّي ذلك إلى زلزلة عرشه، وبالتالي يصبح البابا هو الشخصية الأولى في أوربا سياسيًّا كما هو دينيًّا[6]. وثالثًا: لن يتحسن وضع البابا دينيًّا وسياسيًّا فقط، بل سيتحسن اقتصاديًّا أيضًا، فالبلاد التي ستفتح ستدر أموالاً كثيرة، والأوربيون الذين لن يستطيعوا المشاركة سيدفعون للكنيسة الأموال؛ تكفيرًا عن امتناعهم عن الذهاب لفلسطين. ورابعًا: الثروات التي ستأتي من فلسطين والشام، ستحل المشاكل الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها أوربا؛ وبذلك ستستقر الأوضاع المضطربة في أوربا[7]. وخامسًا: ستنصرف طاقات أوربا العسكرية إلى حرب خارجية يُبرِزون فيها قدراتهم ويستنزفون فيها رغباتهم العنيفة، وذلك بدلاً من التصارع الداخلي بين الإمارات والإقطاعيات[8]. سادسًا: ستشن أوربا الصليبية حربًا على العدو التقليدي لهم وهم المسلمون، وهي حرب في نظر البابا لا نهاية لها، ولن يرضى من المسلمين بشيء إلا بتغيير الدين. سابعًا: سيقوم البابا بذلك بنجدة آلاف الفقراء الذين يموتون في أوربا سنويًّا نتيجة الجوع والمرض والبرد، وسيشعر الجميع بذلك بالرضا نحوه. وثامنًا: ستتاح للبابا الكاثوليكي الفرصة الذهبية ليضم الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية إلى كنيسته الكاثوليكية، وذلك تحت سيطرته هو، فهو الذي جاء من أقصى البلاد لينقذ النصارى الشرقيين من المسلمين. وتاسعًا: سيحقِّق حُلمًا عاطفيًّا دينيًّا قديمًا، بالسيطرة على الأرض التي وُلد فيها المسيح وعاش[9]. وعاشرًا وأخيرًا: قد لا تتكرر بعدُ ذلك الفرصة المناسبة التي تبرر للشعوب هذه الحروب الضخمة والتضحيات الهائلة، فالآن النصارى الشرقيون يستغيثون[10]، ومن ثَمَّ فهناك مسوّغ أن تنفق الأموال، وتُزهَق الأرواح لنجدتهم، وستصبح صورة الحرب نبيلة، وستسكت الشعوب الأوربية عن مساءلة البابا عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه في هذه الحروب، بينما لو كان المبرر للقتال ليس واضحًا فقد يَفْقد البابا عرشه إذا خسرت أوربا كثيرًا في حربها، وذلك مثلما حدث مع رومانوس الرابع إمبراطور الدولة البيزنطية، الذي خُلع من منصبه بعد الهزيمة الساحقة من السلاجقة في موقعة ملاذكرد[11]. فالبابا سيحقق كل المكاسب باستغلال هذه الفرصة، ولن يخسر شيئًا لو حدث مكروه للجيوش؛ لأنه في النهاية يحارب من أجل أهداف نبيلة فيما يبدو للناس. فتلك عشرة كاملة!! ومن هنا فإن البابا تحمَّس كثيرًا للطلب الذي طلبه الوفد البيزنطي الأرثوذكسي، بل إنه جعل الوفد يقابل المجمع الكنسي المجتمع في إيطاليا آنذاك؛ ليعرض صورة الوضع في الشرق، وذلك يكون أبلغ في التأثير في القساوسة، وينفي عن البابا شبهة التخطيط المنفرد للحملة ودون سبب واضح. وقد تحمس الحضور للفكرة، وتكلم البابا مؤيدًا لكلام الوفد البيزنطي، وقرر أن يُعِدَّ العدة لأخذ التدابير اللازمة لغزو الشرق الإسلامي. ماذا فعل البابا؟ وأين عقد المؤتمر الكنسي الكبير؟
لقد قرَّر أن يعقد مجلسًا كنسيًّا كبيرًا يضم القساوسة من أطراف أوربا الغربية، وذلك لبحث أحوال الكنيسة المتردية، ثم في نهاية هذا المجلس الكنسي يعقد مؤتمرًا موسعًا يدعو إليه أمراء الإقطاعيات المختلفة، وكذلك الملوك إن أمكن، بل ويدعو إليه عامَّة الشعب؛ ليصبح مؤتمرًا جماهيريًّا مؤثرًا، وفي هذا المؤتمر سيدعو إلى التوجُّه عسكريًّا إلى فلسطين. ولكن بقي السؤال: أين سيعقد هذا المؤتمر الكبير؟ كان البابا على خلاف مع معظم ملوك أوربا، وخاصةً هنري الرابع ملك ألمانيا، ولكنه كان على علاقة طيبة مع أمراء الإقطاعيات، وخاصةً في فرنسا؛ ولذلك قرر البابا أن يستفيد من علاقاته هذه مع الأمراء في فرنسا فيعقد المؤتمر هناك[12]، وخاصةً أن الكثافة السكانية في فرنسا كبيرة، إضافةً إلى المجاعة الكبيرة التي ضربت شمال فرنسا وشرقه في السنوات العشر الأخيرة، مما أثَّر في الظروف الاقتصادية، وبالتالي سيكون قبولهم لفكرة الحروب ضد الشرق الإسلامي فكرة مقبولة لإخراجهم من أزماتهم الكثيرة[13]. ومن ثَمَّ قرر البابا أن يعقد مؤتمره الجامع في مدينة كليرمون[14] الفرنسية وذلك في (488هـ) 27 من نوفمبر سنة 1095م، وقد آثر أن يكون الوقت متأخرًا نسبيًّا؛ ليكون هناك فرصة لتبليغ الدعوة في أطراف فرنسا، وليحضر أكبر عدد من الفرنسيين. كما آثر ألا يكون المؤتمر في باريس؛ لكي لا يصطدم مع فيليب الأول ملك فرنسا، الذي كان على خلاف مع البابا، وأيضًا على خلاف مع أمراء الإقطاعيات الذين يعتمد عليهم البابا في مهمته. [1] محمد مؤنس: الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص63-65. [2] محمد مؤنس: الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص66. [3] Vasiliev: op. l, p. 358. [4] انظر نص الخطاب في: AOL, tom. ll, pp. 101-105 وأيضًا انظر: قاسم عبده قاسم: الخلفية الأيدلوجية ص116،115، وعن حقيقة المساعدة العسكرية التي طلبها ألكسيوس من البابا انظر: Duncalf, "The Councils", pp. 227-228. [5] ول ديورانت: قصة الحضارة 15/16،15، وقاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص85،Chalandon: Hist. de la Premiere Croisade, p.p. 44 – 45. [6] Runciman: op. cit. 1, p.p. 108 – 109. [7] Michaud: op cit. Tome 1, p.p. 105 – 106. [8] Fulcher de Chartres, pp. 67; Baudri, pp. 14-15; Guibert le de Nogent, p. 11. [9] Fulcher de Chartres, pp. 65-66; Robert le Moin. pp.2-3. [10] Chalandon: Hist. de la Premiere Croisade. p.p. 37-41. [11] Vasiliev, op. cit., 1, p. 356. [12] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص70. [13] انظر رواية روبير الراهب الذي كان من بين حضور مجمع كليرمون: Robert de Rheims, "Historia lherosolimitana", RHC, Occ., 111, pp.727-30. [14] تقع في جنوب فرنسا، على بُعد 330 كيلو مترًا تقريبًا من باريس.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: مجمع كليرمون .. خطبة أوربان الثاني ونتائجها د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:15
مجمع كليرمون .. خطبة أوربان الثاني ونتائجها د. راغب السرجاني
قرر البابا أوربان الثاني أن يعقد مؤتمره الجامع في مدينة كليرمون[1] الفرنسية وذلك في (488هـ) 27 من نوفمبر سنة 1095م، وكان البرد شديدًا في ذلك اليوم، ومع ذلك فقد لبَّت جموع هائلة دعوة البابا، واجتمعوا في أحد الحقول الفسيحة في كليرمون، بل وامتلأت القرى والمدن المجاورة لكليرمون بالقادمين من كل مكان لسماع الخطبة المهمة التي كان البابا يرتِّب لها منذ سبعة أشهر كاملة[2]. خطبة البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمون خطب البابا أوربان الثاني خطبة طويلة عصماء، وكان بليغًا مفوهًا، وصبرت الجموع في البرد الشديد، بل وتفاعلت تفاعلاً كبيرًا مع كلمات البابا، الذي ضرب على أكثر من وتر في خطبته؛ وذلك ليؤثِّر في كل الحضور على اختلاف نوعياتهم وظروفهم وأهدافهم. وقد جاءت خطبة البابا في أكثر من رواية من الروايات الأوربية التي صوَّرت الحدث، واستخدم فيها أكثر من وسيلة لإقناع الحضور بضرورة التوجه إلى فلسطين لنجدة النصارى الشرقيين، ولحماية الحجاج المسيحيين الذين يعانون - كما يصور البابا - من ظلم وبطش الكفار (وهو يقصد المسلمين)[3]. البابا ومؤثرات الإقناع في خطبته
كان من المؤثرات التي استخدمها البابا في خطبته أنه لا يتكلم في هذه الخطبة نيابة عن نفسه، وإنما يتكلم نيابة عن المسيح نفسه، فقال مثلاً: "ومن ثَمَّ فإنني لست أنا، ولكن الرب هو الذي يحثكم باعتباركم وزراء المسيح أن تحضوا الناس من شتى الطبقات"[4]. واستخدم فيها نصًّا من إنجيل لوقا فيه: "ومن لا يحمل صليبه، ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا"[5]. وكان من المؤثرات أيضًا أنه وعد المشاركين في الحملة بالغفران، وهو مطلب جماهيري في ذلك الوقت، خاصةً مع شعور الناس أن الدنيا ستفنى قريبًا كما وضحنا قبل ذلك في مقال "الدافع الديني للحروب الصليبية"، وكان من كلام البابا في هذه النقطة أنه قال: "إني أخاطب الحاضرين، وأعلن لأولئك الغائبين، فضلاً عن أن المسيح يأمر بهذا، أنه سوف يتم غفران ذنوب كل أولئك الذاهبين إلى هناك، إذا ما انتهت حياتهم بأغلالها الدنيوية، سواء في مسيرتهم على الأرض، أو أثناء عبورهم البحر، أو في خضم قتالهم ضد الوثنيين (يقصد المسلمين)، وهذا الغفران أمنحه لكل من يذهب بمقتضى السلطة التي أعطاني الرب إياها". وهو في هذا المقام يقول للجميع أنكم في كل الأحوال محققون للفائدة والخير، فحتى لو وصل الأمر لحدِّ الموت، فإن المشارك سيموت وهو مغفور الذنب[6]. وكان من المؤثرات أيضًا أنه استفاض في تصوير مدى الألم والمعاناة التي يشعر بها الحجاج النصارى في فلسطين، وهذا كله من الكذب والزور، ولكنه صوَّر القضية كقضية إنسانية مؤثرة[7]. وكان من المؤثرات أيضًا أنه لوَّح بوضوح بالثراء الذي عليه بلاد الشرق، بل إنه ذكر لهم ما جاء في الإنجيل عن أرض فلسطين حيث قال: "ووهبنا هذه الأراضي التي تفيض لبنًا وعسلاً"[8]. يقصد فلسطين، وبذلك حرَّك عواطف الفقراء والأمراء معًا؛ فالفقير يبحث عن الحياة، والأمير يبحث عن التوسع والتملك. وكان من المؤثرات أيضًا أنه نبَّه الفرسان إلى وجود ميدان خصب لاستعراض قوتهم، وإبراز كفاءتهم بدلاً من التصارع معًا، وإخلال الأمن في داخل أوربا. وكان من المؤثرات أيضًا امتداح شجاعة الفرنسيين وقدراتهم القتالية، وأيضًا امتداح تاريخ أسلافهم، وتحميلهم تبعات سيادة أوربا وريادتها[9]. وكان من المؤثرات أيضًا جذب المديون بوضع الدَّين عنه إذا شارك في القتال أو تقسيطه على فترات طويلة، وإعفاء أملاك الملاَّك من الضرائب أثناء القتال[10]، وإعفاء المجرمين من العقاب على جرائمهم إنْ هم شاركوا في الحملة[11]. ولقد صاغ البابا أوربان الثاني كل هذه المؤثرات بأسلوب بديع، وكلمات مؤثرة، وحجج مقنعة حتى دخلت كلماته قلوب كل الحضور، وأشعلت -رغم البرد الشديد- حماسة كل السامعين، حتى إنه بمجرد الانتهاء من كلمته استجاب الحضور استجابة هائلة، وقاموا يطلقون صيحة واحدة، يقولون فيها: "الرب يريدها" Deus lo volt، وهي الصيحة التي صارت شعارًا للحرب بعد ذلك[12]. ومن الجدير بالذكر أن البابا أوربان الثاني نفسه لم يكن يتوقع هذه الاستجابة الهائلة من الناس، بل إن هذه الاستجابة الضخمة أقلقته؛ لأنه كان يريد الاعتماد على الفرق النظامية والجيوش المدربة وليس العوام من الناس، ولكن العامَّة وجدوها فرصة للهروب من أزماتهم ومشاكلهم وديونهم وجوعهم ومرضهم، وبالتالي لم يكن هناك فرصة للتراجع[13]. لقد كانت ثورة حقيقية في فرنسا، ومنها انتقلت إلى كل غرب أوربا[14]. وفي هذا المؤتمر أعلن البابا أوربان الثاني أنه على كل من قرَّر الخروج إلى هذه الحملة أن يحيك صليبًا من قماش أحمر ليضعه على كتفه؛ إشارةً إلى دينيَّة الحملة، ونبل المقصد[15]. خطة أوربان الثاني بعد المؤتمر
غير أن البابا لم يكتف بالحماسة الطاغية في المؤتمر، إنما أتبع ذلك بخطة عمل محكمة تضمن استمرارية الحماسة، وقوة التفاعل؛ ولذلك فقد قام البابا بعدة خطوات مؤثرة، كان منها ما يلي: أولاً: الحرص على وجود الغطاء الكنسيّ، والهيمنة البابوية على الحملة من بدايتها الأولى؛ ولذلك عيَّن في يوم مؤتمر كليرمون الأسقف أديمار دي مونتي أسقف لوبوي Le Puy قائدًا عامًّا رُوحيًّا للحملة، وكان بمنزلة نائب البابا في هذه الرحلة[16]. ثانيًا: تواصل البابا مع كل المجامع الدينية في أوربا الغربية؛ ليأخذوا على عاتقهم مهمة تحميس الناس في مدنهم وقراهم، وبذلك تنتشر الدعوة إلى الحرب في كل مكان[17]. ثالثًا: قام البابا بتكليف أحد رهبان اميان، وكان يُدعى بطرس الناسك، بالقيام بجولات مكثفة في أوربا لتحميس الناس، وجمع المقاتلين لغزو فلسطين، وكان بطرس الناسك هذا رجلاً موهوبًا في الخطابة، وكان يلبس الملابس الرَّثَّة، ويمشي حافي القدمين، ويركب حمارًا أعرجَ، فأخذ القضية بمنتهى الجدية، وبدأ في التجول في أنحاء فرنسا، وخاصةً في الشمال الشرقي منها، وكان له فعل السحر في الناس[18]، فكانوا يتبعونه بالعشرات والمئات والآلاف، واستطاع في غضون شهور قليلة أن يجمع خمسة عشر ألف رجل، غير نسائهم وأطفالهم[19]، وكان جُلُّ من انضم إليه من عوام الناس الفقراء، ومن المجرمين الخارجين على القانون. كما انضم إليه عدد قليل من الفرسان وأمراء الإقطاعيات. وعُرفت المجموعة التي كوَّنها بطرس الناسك بحملة الرعاع أو حملة العامة؛ لأنها لم تكن لها صبغة الجيش أو الميليشيات، إنما كانت عبارة عن مجموعات ضخمة من العوام غير المنظمين[20]. وكما قام بطرس الناسك بجولته هذه، قام راهب آخر يدعى (والتر) ويلقَّب بالمفلس، واستطاع هو الآخر أن يجمع عددًا كبيرًا من المتطوعين الراغبين في الذهاب مع الحملة[21]. رابعًا: لم يشأ البابا أن يترك الأمور هكذا مفتوحة دون تحديد حتى لا يطول أمد التجميع والتجهيز، فحدَّد موعدًا معينًا ومكانًا معينًا لاجتماع الجيوش والفرق من شتى البلدان؛ فأما الموعد فكان (23 شعبان سنة 489هـ) 15 من أغسطس سنة 1096م، وأما المكان فكان في القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية. وكان هذا الموعد متأخرًا ليأخذ الفرصة لجمع الجيوش، وكذلك لتجميع المحاصيل في أول الربيع[22]، ثم تتحرك الجيوش مباشرة حيث ستقضي في الطريق ثلاثة أشهر تقريبًا. وكان المكان المختار للتجمع هو القسطنطينية؛ لأنها آخر محطة تقريبًا قبل دخول الأراضي الإسلامية في آسيا الصغرى، حيث كان من المخطط أن يحارب الصليبيون السلاجقة هناك ثم في الشام، وذلك قبل الانتقال إلى الهدف الأخير وهو فلسطين، وخاصةً بيت المقدس. ومن جانب آخر فإنه كان لا بد من لقاء الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين؛ وذلك لترتيب سبل التعاون معه لتسهيل أمور الحملة الصليبية. خامسًا: قام البابا بعدة مراسلات مع ملوك وأمراء أوربا ليحثهم على الخروج معه في الحملة، ولم يحقق في هذا المجال نجاحًا يُذكر مع الملوك، ولكن حقق نجاحًا كبيرًا مع الأمراء، وعلى رأس هؤلاء الأمراء ريمون الرابع كونت تولوز وبروفانس، وهو من الأمراء الكبار الذي كان مهتمًّا جدًّا بحرب المسلمين، حيث حاربهم قبل ذلك في الأندلس، كما ذهب أيضًا للحج في بيت المقدس[23]، وكان يرى في نفسه الكفاءة لقيادة الجيوش بكاملها، واستغل البابا حماسته هذه وعقد معه عدة اجتماعات، بل صحبه في مجمع نيم في يوليو 1096م[24]؛ وذلك لتحميس أكبر عدد من الناس للمشاركة في الحملة. وغير ريمون الرابع فقد استجاب عدد آخر من الأمراء، وسيأتي تفصيل ذكرهم عند الحديث عن تقسيم الجيوش الصليبية إلى مجموعات قبل الخروج. سادسًا: لم يكتف البابا بمراسلة الملوك والأمراء فقط، بل راسل أيضًا العسكريين والاقتصاديين في ميناء جنوة الإيطالي للمساعدة بأسطول بحري يسهِّل مهمة الحملة الصليبية، وقد استجاب الجنويون لنداء البابا، وأعدوا اثنتي عشرة سفينة بحرية، وناقلة كبيرة للجنود، وذلك في مقابل امتيازات كبيرة في بلاد الشام عند احتلالها[25]. سابعًا: لم يقتصر البابا على المراسلات المكثفة التي أرسلها لكل رءوس الدول والإمارات، إنما أخذ يتجول بنفسه في مدن كثيرة وقرى عديدة، داعيًا لنفس المهمة، فعقد مجمعًا في ليموج Limoges في ديسمبر 1095م بعد المؤتمر الأول بأقل من شهر، ثم في عام 1096م قام بعدَّة جولات في أنجرز ومان وتورز وبواتييه وبوردو وتولوز ونيم، وهذا كان في الفترة من يناير إلى يوليو 1096م[26]. وقد أسفرت هذه الجهود عن تجميع عدد كبير من الجنود جُلُّهم من فرنسا، وإن كان هناك جنود جاءوا كذلك من إيطاليا وإنجلترا وإسبانيا، بل ومن بعض البلاد البعيدة مثل إسكتلندا والدنمارك[27]. ثامنًا: هدَّد البابا بأن كل من يقرِّر المشاركة ويحمل شارة الصليب ثم يتخلف عن الخروج فإنه سيعاقب بعقوبة الحرمان[28]؛ وقد فعل ذلك لكي يتجنب خطورة الحماسة الطارئة التي ما تلبث أن تفتر، فيجد أن الأعداد الكبيرة لم تصبر معه على الخروج مما ينذر بخطر كبير. وهو بذلك التهديد قد ضمن أن كل من عرض الخروج سيخرج؛ وبذلك يستطيع أن يبني حساباته على أرقام صحيحة. لقد كان جهدًا كبيرًا ومنظمًا بذل فيه الكثير من الوقت والفكر والمال، وجمعت فيه جهود أوربا الغربية في قضية واحدة، وهذا لم يحدث منذ عدة قرون، ومنذ سقوط الإمبراطورية الرومانية القديمة. بعد ذلك الاستعراض لخلفية أوربا التاريخية، ولخلفية البابا الفكرية، وللجهود التي بذلت، وللجموع التي استجابت للدعوة نستطيع أن ندرك البواعث الحقيقية لهذه الحملة الصليبية. إن كثيرًا من المؤرخين يجعل الباعث وراء الحملة الصليبية سببًا معينًا واحدًا أو رئيسيًّا، وينكر ما دونه من أسباب ودوافع، وهذا ينافي الواقع الذي رأيناه، وينافي خروج هذا الشتات من الناس، حيث يمثِّلون عدة طبقات من المجتمع الأوربي، وعدة بلاد مختلفة، وعدة أمراء وزعماء، وعدة لغات ولهجات، وعدة مستويات اجتماعية. إن هذا التنوع العجيب يثبت -بما لا يدع مجالاً للشك- أنه ليس هناك دافع واحد جمع كل هذا الشتات، إنما كانت الدوافع مختلفة، والبواعث متعددة، وأفلح البابا أوربان الثاني في الضرب على كل وتر؛ حتى يقنع الجميع بالخروج في رحلة واحدة وهدف واحد. [1] تقع في جنوب فرنسا، على بُعد 330 كيلو مترًا تقريبًا من باريس. [2] H. Hagenmeyer, "Chronologi de la Premiere Croisade 1094-1100", ROL V1, p. 225. وعن الجولة التي قام بها البابا في الجنوب الفرنسي، وإعداده لمجمع كليرمون، انظر: Dunculf, "The Councils of piacenza and Clermont", in Setton, vol. 1, pp. 234-237. [3] Fulcher de Chartres, pp. 65-66; Robert le Moin. Pp.2-3. وأفضل دراسة لخطبة البابا في كليرمون قام بها مونرو، عن طريق مقارنة نصوص المؤرخين اللذين أوردوها، انظر: D.C.Munro, "The Speech of Pope Urban ll at Clemont", pp. 231-242. [4] Robert le Noin, p. 4: Baudri de Bourgueil, p.7: William of Tyre, vol. 1, p. 39. [5] إنجيل لوقا 14: 27. [6] Fulcher de Charts, pp. 61-63. [7] Chalandon: Hist. de la Premiere Croisade. p.p. 37-41. [8] Fulcher de Charts, pp. 65-66. [9] Fulcher de Chartres, p. 67; Baudri, pp. 14-15; Guibert de nogent, p. 11. [10] Mayer, The Crusades, pp. 41-42; Runciman, A Hist. 1, p. 109. [11] Thompson: op. cit., vol. 1, p. 302. [12] Robert le Moin, pp. 4-5; Fulcher de Charts, p. 68. [13] Riley – Smith op, cit, pp. 39-40. [14] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص110، الحملة الصليبية الأولى نصوص ووثائق تاريخية ص17. [15] Mayer, The Crusades, pp. 41-42; Runciman, A Hist. 1, p. 109. [16] Cam. Med. Hist. vol. 5 p. 273. [17] Runciman, A Hist. of the Crusades, 1, pp. 108-109; Maver, The Crusades, pp. 42-43. [18] Grouset: Hist. des Croisades, 1, p. 50 [19] Michaud: op. cit. Tome 1, p.p. 105-106. [20] عن حملة بطرس الناسك وأحداثها التفصيلية، انظر: Albert D`Aix, in Peters (ed.), The First Crusade, pp. 96-99; William of Tyre, 1, pp. 99-106; Chronique de Zimmern, A OL, ll, pp. 23-24; Anna Comnena, Alexiade, pp. 310-311; Runciman, A Hist. of the crusades, 1, pp. 123-127; Duncalf, "Clermont to Constantinople:, p. 260-262. [21] Vasiliv: op. cit., vol ll, p. 404. [22] قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص108. [23] Michel Le Syrien: (Rec. Hist. Cr Doc. Arm), 1. p. 372. [24] Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 273.
[25] Heyd. : Hist. du Commerce 1, p. 133; Setton: op. cit, 1, p. 252. [26] Hagenmeyer, "Chronologin", ROL, V1, pp. 224-225, p. 226,243; AOL, 1, pp. 109-110,116,119. [27] Runciman: op. cit. 1, p. 112. [28] Runciman: op. cit. 1, p.p. 108-109.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: بواعث الحملة الصليبية ضد العالم الإسلامي-(11) : د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:18
بواعث الحملة الصليبية ضد العالم الإسلامي-(11)
: د. راغب السرجاني
الحملات الصليبيةنستطيع بملاحظة تاريخ أوربا قبل الحملة الصليبية، وبملاحظة طرق التحميس، وبملاحظة خط سير الحملة الأولى، والمواقف التي تمت في رحلة الذهاب إلى أرض الشام، ثم بملاحظة الأحداث التي رأيناها أثناء الحروب الفعلية في آسيا الصغرى والشام وفلسطين، نستطيع بملاحظة كل هذه الأمور أن نحدِّد البواعث التي دفعت هذه الجموع المختلفة أن تجتمع للخروج في الحملة الصليبية. بواعث الحملة الصليبية وهذه البواعث تضم ما يلي:
أولاً: الباعث الديني وهذا الباعث يشكِّل أحد الدعامات الرئيسية لهذه الحملة، وإن لم يكن كما ذكرنا الدافع الوحيد، ونحن نعلم من القرآن الكريم، وكذلك من السُّنَّة المطهرة أن الحرب أبدية بين الإسلام ومن يرفضه، ولن يقنع الكثير من الناس بالتعايش السلمي مع الإسلام حتى لو مدَّ الإسلام يده بالتصافح والتحابِّ؛ لذلك فليس مستغربًا أن يسعى البابا أوربان الثاني لحرب المسلمين حتى دون وجود مبررات معينة تدفع لهذه الحرب، فهم مسلمون وهذا في حدِّ ذاته يكفي أن يكون سببًا في حربهم. وقد تكررت في كلماته ألفاظ توحي بعدم اعترافه بالإسلام أصلاً، كإطلاق لفظ الكفار أو الوثنيين على المسلمين، وعلى ذلك فالدافع الديني واضح عند البابا، ولا شك أنه واضح أيضًا عند بعض القساوسة والرهبان، كما أنه واضح أيضًا عند بعض الأمراء والقوَّاد.
وفوق كل ذلك فالهدف الديني هو الهدف المعلن للحملة، وإنقاذ الدولة البيزنطية من المسلمين كان السبب المتداول بين الناس، إضافةً إلى ادِّعاء البابا أن المسلمين يضطهدون الحجاج المسيحيين، وإن كان واضحًا أن هذا الادِّعاء ما ذكر إلا للاستهلاك المحلي في أوربا فقط[1]، ولتحميس الجيوش والشعوب النصرانية؛ لأنه لم يثبت أبدًا أن المسلمين اضطهدوا الحجاج النصارى، وقد ذكر أحد كبار المؤرخين الأوربيين وهو غيورغي فاسيلييف أن المسيحيين بوجه عام تمتعوا بقسط وافر من الحرية الدينية وغير الدينية في ظل الحكم الإسلامي، فلم يسمح لهم فقط بالاحتفاظ بكنائسهم القديمة، وإنما سمح لهم أيضًا بتشييد كنائس وأديرة جديدة، جمعوا في مكتباتها كتبًا دينية متنوعة في اللاهوت[2].
ويقول تومبسون -وهو مؤرخ-: "إن المسيحيين الذين خضعوا لحكم السلاجقة صاروا أسعد حالاً من إخوانهم الذين عاشوا في قلب الإمبراطورية البيزنطية ذاتها"[3].
بل إن كلام بطريرك القدس ثيودسيوس شخصيًّا في إحدى رسائله إلى بطريرك القسطنطينية سنة (255هـ) 869م امتدح المسلمين، وأثنى على قلوبهم الرحيمة، وتسامحهم المطلق، حتى إنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شئونهم الخاصة، وقد ذكر بطريرك القدس في رسالة حقيقية مهمة حين قال: "إن المسلمين قوم عادلون، ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت"[4].
هذه الكلمات والشهادات وغيرها تثبت -بما لا يدع مجالاً للشك- أن كلام البابا أوربان الثاني عن اضطهاد المسلمين للحجاج المسيحيين ما هو إلا فِرْية لا أصل لها، وتغطية مكشوفة على الدوافع الحقيقية وراء هذه الحملة العنيفة.
وفوق هذا فإننا لم نَرَ في سلوك المحاربين في هذه المعارك -سواء في رحلتهم إلى بيت المقدس أو في أثناء حروبهم- أيَّ علامات للزهد أو الورع الذي يتصف به المتدينون، بل كانوا في غاية السفاهة والحمق، وبلغوا الذروة في الشر والإجرام، بل إنهم لم يتصفوا بذلك فقط عند تعاملهم مع المسلمين، بل كذلك عند تعاملهم مع النصارى الشرقيين، وسنرى طرفًا من هذا السلوك المقيت في أكثر من موضع من مواضع هذه القصة، سواء مع نصارى المجر والنمسا وبلغاريا أو مع نصارى القسطنطينية ذاتها، التي زعموا أنهم جاءوا لإنقاذها[5]!
إذن كان الباعث الديني موجودًا، ولكنه ليس هو الدافع الوحيد، بل لا ينبغي أن يُضخَّم كثيرًا؛ فعموم الحملة الصليبية لم يكن يعنيهم الدين لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانوا جميعًا يضعون شارة الصليب على أكتافهم، ويدَّعون أنهم يريدون المغفرة!!
ثانيًا: الباعث الاقتصادي وهذا الباعث أيضًا من أهم البواعث في هذه الحملة الصليبية، فالجموع الهائلة من العامة خرجت لإحباطها التام من الحصول على أي قسط من رغد الحياة في أوربا، فخرجوا يبحثون عنها في فلسطين، وهم لن يخسروا شيئًا، فحتى الموت أفضل من حالتهم البائسة تحت نير الإقطاعيين والملوك[6].
والأمراء الإقطاعيون ما خرجوا إلا بغية الثراء والتملك، وقد كانت الحرب في فلسطين فرصة للكثيرين من أمراء أوربا لتحقيق طموحات استحال عليهم تحقيقها في أوربا؛ لأن القانون الأوربي آنذاك كان يمنع تقسيم الميراث على كل الأبناء، بل كانت تنتقل الإقطاعية بكاملها إلى الابن الأكبر بعد وفاة الأب الأمير، وذلك حتى لا تتفتت الثروة وتقلُّ الأرض، وبالتالي تسقط الهيبة والكلمة[7].
وهذا الوضع خلق جيلاً من الأمراء لا أمل عندهم في التملُّك، فلما فتحت أمامهم أبواب الحرب في فلسطين سارعوا جميعًا للحصول على أي ملكية؛ لينافسوا بذلك إخوانهم الكبار.
وكان هذا الباعث الاقتصادي واضحًا أيضًا عند تجَّار الموانئ الإيطالية، وأشهرها البندقية وبيزا وجنوة، وكذلك تجَّار مرسيليا الفرنسية، وغيرهم من تجار أوربا؛ فقد رأى هؤلاء التجار أن الفرصة لتحقيق المصالح الذاتية لهم، ولو على حساب البابوية والكنيسة[8]، وكان تبادل المصالح واضحًا جدًّا بينهم وبين الكنيسة، فالصليبيون لن يستطيعوا الاستغناء أبدًا عن معونة الأساطيل البحرية، والتجار سوف يأخذون مقابلاً سخيًّا نظير هذه المعونة، وهذا المقابل كان عبارة عن امتيازات خاصة تُعطَى للجمهورية التي تساهم في هذه الحروب المتواصلة، ولم تكن الامتيازات تشمل فقط حرية التجارة في البلاد المفتوحة، بل كانوا يُعْطَون في كل مدينة تُفتح شارعًا وسوقًا وفندقًا به حمام ومخبزًا خاصًّا، وكان التنافس بين الجمهوريات الإيطالية في هذا المجال كبيرًا جدًّا، بل كان التصارع والتقاتل، وما لبثت مرسيليا أن سارت على نهجهم، وتنافست معهم، وأخذت امتيازات قوية في بيت المقدس ذاته[9].
ولا يخفى على أحد أن النوايا الدينية لم تشغل أبدًا أذهان هؤلاء التجار الجشعين، وكانت كنوز الشرق وأراضيه هي الباعث الأكبر لهم على بذل كل الجهد لإنجاح الحملة الصليبية.
ثالثًا: الباعث السياسي وهذا الباعث الذي يهدف إلى توسيع النفوذ وقهر المنافسين، كان باعثًا رئيسيًّا عند البابا أوربان الثاني شخصيًّا، وكذلك عند ملوك أوربا، وهؤلاء الملوك لم يكن طموحهم يقف عند شيء، وكانت قوة كل ملك فيهم ترتبط بالمساحة التي يسيطر عليها، وهذا دفعهم بعد ذلك للمشاركة بقوة في الحملات الصليبية عندما شاهدوا النجاحات التي حققتها الحملة الأولى.
كما أن ملوك أوربا كانوا يرون أن الدولة البيزنطية دخلت طورًا واضحًا من أطوار الضعف، ولو سقطت فإن هذا يعني فتح الباب الشرقي لأوربا لقوات المسلمين العسكرية، سواء من السلاجقة أو من غيرهم، وهذا قد يضعهم بين فكي كماشة، أي المسلمين القادمين من الشرق والمسلمين في أرض الأندلس؛ لذلك رأينا أنه برغم التباطُؤ الذي رأيناه من الملوك في بداية الحملات إلا أنهم تسارعوا بعد ذلك للمشاركة، بل ذهب بعضهم بنفسه إلى أرض فلسطين أو مصر على قيادة جيوشه.
رابعًا: الباعث الاجتماعي مرَّ بنا عند الحديث عن الحالة في أوربا قبيل الحروب الصليبية، الحالةُ المزرية التي كان يعيشها الفلاحون والعبيد في أوربا؛ ففضلاً عن قلة الأقوات وانعدام الطعام والشراب، كانت المعاملة في غاية السوء، ولم يكن لهم حقوق بالمرَّة، بل كانوا يباعون مع الأرض، ولا يسمح لهم بأي نوع من الملكية، والإنسان قد يصبر على الجوع أحيانًا لكن الامتهان النفسي والأذى المعنوي، قد يكون أشد ألمًا من الجوع والعطش؛ ولذلك رأى العوام الفلاحون في أوربا أن هذه فرصة لتغيير نظام حياتهم، والخروج المحتمل من قيود العبودية المذلَّة؛ ولذلك خرج الفلاحون بنسائهم وأولادهم، وحملوا معهم متاعهم القليل البسيط، لقد كان خروجًا بلا عودة، وتغييرًا كاملاً للأوضاع، وثورة حقيقية على حياة التعاسة والاستغلال؛ لذلك سنرى أثناء الأحداث أن هذه الجموع البائسة ما صبرت حتى تكتمل الجيوش وتنتظم، بل خرجت بمفردها مسرعة، وكأنها تهرب من أسرٍ طويل! ولقد شارك هؤلاء البائسين فريقٌ آخر من المجرمين والخارجين على القانون الذين كانوا يعانون أحكامًا قضائية أو مهددين بذلك، وقد وجدوا الخروج ليس فرصة للنجاة من الأحكام وحسب، ولكنه فرصة أيضًا لمزاولة السلب والنهب والقتل والاغتصاب كما اعتادوا ذلك في حياتهم؛ وهذا سيعطي الحملات الصليبية صبغة إجرامية لا يمكن تجاهلها أبدًا.
كانت هذه هي البواعث التي من أجلها تحركت أوربا لغزو العالم الإسلامي، والسيطرة على أرضه ومقدراته وشعوبه.
تُرى عن أي شيءٍ أسفرت هذه الجهود والإعدادات؟ وكيف كانت الصورة عندما خرجت أول الجموع إلى الشام؟ وماذا فعلت هذه الجيوش الكثيفة مع ملك القسطنطينية قبل أن تعبر إلى أراضي المسلمين؟ هذا ما سنعرفه في المقالات القادمة بإذن الله.
[1] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/30.
[2] Vasiliev: Byzantine Empire p.393. [3] Thomson: Economic& Social history of the middle age vol. 1.p.391. [4] Thomson: Economic& Social history of the middle age vol. 1.p.385
. [5] William of Tyre, 1, p.
105-106, Hagenmeyer, "Chronologie", p. 243, 245-246; Anna Comnena, Alexiade, pp. 311 [6] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/36. [7] سعيد عاشور: أوربا في العصور الوسطى 2/263. [8] Heyd: Hist su commerce I, 132- 133. [9] سعيد عاشور: الحركة الصليبية ص33، 34.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: استشهاد آق سنقر والنظر إلى عماد-(60) د. راغب السرجاني : الثلاثاء 11 أبريل - 19:20
استشهاد آق سنقر والنظر إلى عماد-(60)
د. راغب السرجاني
في اليوم الذي عاد فيه آق سنقر إلى الموصل، وهو يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة سنة 520هـ الموافق 26 من نوفمبر 1126م، دخل آق سنقر المسجد الجامع لصلاة الجمعة، وكان يُصَلِّي مع العامة وَسْط الناس، وفي الصف الأول، وإذا ببضعة عشر باطنيًّا يهجمون عليه في وقت واحد، وتناوشوه بسكاكينهم وخناجرهم فسقط شهيدًا، في يومٍ كان من المفترض أن يحتفل فيه المسلمون باستعادة حصن رَفَنِيَّة[1]! إن طريق الجهاد شاقٌّ وطويل، ومشاكله لا تنتهي، وآلامه كثيرة، لكن مع ذلك يبقى الجهاد ذروة سنام الإسلام وأعلى ما فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»[2]. وعلى الأُمَّة التي تبغي عزَّة، وتهفو إلى ريادة وسيادة أن تتعوَّد على مثل هذه الصدمات، ولا تيأس لفقدان رمز من رموز الجهاد؛ لأن الله عز وجل إذا اطَّلع على الصدق في قلوب الناس، والرغبة الحقيقية في الجهاد، رزقها مَنْ يحمل الراية، وكثيرًا ما يكون هذا البديل أعظم ألف مرَّة ممَّنْ فُقِد، وهذا تدبير مَنْ لا يغفل ولا ينام. ومع ذلك فلا يمنع أن تحدث هزَّة وأزمة مؤقَّتة بعد فقدان رمز مهمٍّ من رموز الجهاد والصلاح، ولقد تزامن مع استشهاد آق سنقر البُرْسُقي عدَّة حوادث جعلت أحوال العالم الإسلامي في اضطراب أكثر وأزمة أكبر. فمن هذا مثلاً حدوث خلاف عظيم بعد مقتل البُرْسُقي بأقل من شهرين بين الخليفة المسترشد بالله والسلطان محمود، وقد تطوَّر هذا الخلاف حتى وصل إلى صدام بالجيوش، وكادت مقتلة عظيمة بين الطرفين تحدث لولا أن الله عز وجل سلَّم، وقُمعت الفتنة، واعتذر الخليفة المسترشد إلى السلطان القويِّ محمود، واستقرَّت الأوضاع نسبيًّا[3]. الفَجْرُ يأتي من جديد: ومن هذه الحوادث -أيضًا- وصول بوهيموند الثاني ابن بوهيموند الأول، بعد أن بلغ سنَّ الرشد، وكان وصوله في (شوال 521هـ= أكتوبر 1127م)[4]، ولم يكن يَقِلُّ شراسة عن أبيه، حتى وصفه المؤرخ أسامة بن منقذ بأنه كان بليَّة على المسلمين[5]. وبهذا استقرَّت أوضاع الصليبيين إلى حدٍّ كبير؛ فبلدوين الثاني على رأس مملكة بيت المقدس، وجوسلين دي كورتناي على رأس الرها، وبونز على رأس طَرَابُلُس، وبوهيموند الثاني على رأس أنطاكية. وقد سعى بلدوين الثاني إلى تقوية الأواصر بينه وبين مملكة أنطاكية، فاستقبل بوهيموند الثاني استقبالاً حافلاً، بل وعرض عليه الزواج من ابنته الثانية أليس، فقَبِل بوهيموند الثاني؛ وبذلك صارت الرابطة بين مملكة بيت المقدس وأنطاكية قوية ومتصلة[6]. ومن الحوادث العجيبة -أيضًا- التي أدَّت إلى اضطراب في صفوف المسلمين، أن السلطان محمود استخلف على الموصل وحلب بعد استشهاد آق سنقر البُرْسُقيّ ابنه عز الدين مسعود بن آق سنقر، وكان رجلاً شهمًا شجاعًا ورعًا كأبيه، وكان عازمًا على استكمال مسيرة الجهاد، وقد حاول أن يضمَّ إحدى القلاع المجاورة لحلب، غير أنه مات فجأة في أثناء الحصار دون أن يتعرَّض له أحدٌ بشيء، وكان في عنفوان شبابه، وأحدث موته اضطرابًا كبيرًا؛ إذ قام أحد المماليك واسمه جاولي بمحاولة تنصيب أخي عز الدين مسعود، وكان طفلاً صغيرًا؛ من أجل أن يتولَّى هو الوصاية عليه، وأرسل رسولين بذلك إلى السلطان محمود، وانخلعت قلوب العامَّة خوفًا من أن يقبل السلطان بهذا الوضع، مما سيضع البلد على حافَّة هاوية؛ فالأمر خطير، والصليبيون يطرقون الأبواب بشدَّة، ويحتلُّون بلادًا واسعة، ويحتاج المسلمون إلى شخصيَّة مجاهدة صابرة قوية لا إلى طفل صغير يتحكَّم فيه ملك صاحب مطامع! أرسل جاولي -كما ذكرنا- رسولين إلى السلطان محمود، وكان الرسولان هما القاضي بهاء الدين الشَّهْرُزُوري[7] قاضي حلب، وصلاح الدين محمد[8] حاجب عز الدين مسعود البُرْسُقي، وكان جاولي قد وعدهما بالولاية والتقديم إذا أفلحا في إقناع السلطان محمود بما يُريد[9]. ومع أن الرسولين قد وُعِدَا بمال ومنصب فإن الله عز وجل لطيفٌ بعباده، فقد اختار جاولي رسولين صالحين في قلوبهما رأفة على الأُمَّة، ونُصْحٌ لله ولرسوله وللمؤمنين؛ لهذا فقد قرَّر هذان الرسولان أن ينصحا السلطان بما يمليه عليهما الشرع والدين، لا بما يرغب فيه جاولي أو غيره، مُضَحِّين بذلك بدنيا قد وُعدا بها. التقى الرسولان بشرف الدين أنوشروان بن خالد وزير السلطان محمود، وقالا له في أمانة بالغة: «قد علمتَ أنت والسلطان أن ديار الجزيرة والشام قد تمَكَّنَ الفرنج منها وقويت شوكتهم بها، فاستولوا على أكثرها، وقد أصبحت ولايتهم من حدود مَارِدِين إلى عريش مصر، وقد كان البُرْسُقي (آق سنقر) مع شجاعته وتجربته وانقياد العساكر إليه يكفُّ بعض عاديتهم وشرِّهم، ومنذ قُتِل ازداد طمعهم، وهذا ولده طفل صغير، ولا بُدَّ للبلاد من رجل شهم شجاع، ذي رأي وتجربة يذبُّ عنها ويحفظها، ويحمي حوزتها، وقد أنهينا الحال لئلا يجري خلل أو وهن على الإسلام والمسلمين، فيختصُّ اللوم بنا، ويُقال: ألا أنهيتم إلينا جليَّة الحال؟»[10]. رفع الوزير شرف الدين هذا الكلام المهمَّ إلى السلطان محمود فاستحسنه جدًّا، واستدعاهما وشكرهما، ثم سألهما عمَّنْ يُرَشِّحان لمثل هذا المنصب الخَطِر، فعرضا عليه بعض الأسماء؛ غير أنهما حسَّنا له اسمًا بعينه ورغَّباه فيه، فقَبِل السلطان محمود ترشيحهما إذ خبر بنفسه قوَّة الرجل المرشَّح وخبرته وإخلاصه وورعه؛ ومن ثَمَّ صار هذا الرجل الجديد أميرًا على الموصل وحلب، وهذا المرشح الجديد والزعيم المرتقب هو عماد الدين زنكي[11]، وهو الزعيم الذي يحتاج منَّا إلى وقفات ووقفات، فهو -كما هو معروف- من علامات الجهاد البارزة في تاريخ الأُمَّة. فما قصة هذا البطل العظيم عماد الدين زنكي؟ وكيف علا نجمه واشتهر أمره؟ وما خطواته في الإصلاح؟ وما طريقته في التجديد والتغيير؟ وكيف كان تفاعل الشعب معه وموقف الأمراء منه؟ وما ردُّ فعل الصليبيين لظهور هذا النجم الجديد؟ هذا كله يحتاج إلى تفصيل ودراسة، وهو موضوع المقالات القادمة، بإذن الله. [1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/236، والنويري: نهاية الأرب 27/26. [2] الترمذي (2616)، وقال: حديث حسن صحيح. عن معاذ بن جبل، والنسائي (11394)، وابن ماجه (3973)، وأحمد (22069). [3] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/237-239، والتاريخ الباهر ص29، 30. [4] Foucher de Chartres, pp. 481-483. [5] أسامة بن منقذ: الاعتبار ص121. [6] Foucher de Chartres, p. 485. [7] بهاء الدين الشهرزوري: بهاء الدين أبو الحسن علي بن القاسم الشهرزوري، قاضي الممالك الأتابكية، وكان أعظم الناس منزلة، وصاحب عزيمة ماضية، وهمة نافذة، ويقظة ثاقبة، توفي سنة 532هـ، ودفن في صفين. أبو شامة: عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 1/126، وابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق 1/418. [8] صلاح الدين الياغيسياني: صلاح الدين محمد بن أيوب الياغسياني، أمير حاجب، وهو أكبر أمير مع عماد الدين زنكي، وكان ذا مكر وحيل، ولي حماة. ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/85. [9] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/242. [10] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/243. [11] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/243.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: رد: قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى الثلاثاء 11 أبريل - 19:23
نشأة عماد الدين زنكي - (61)
أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
لقد كان عماد الدين زنكى رجلا مخلصا مجهادا سائرا على نهج والده (آق سنقر قسيم الدولة) على الرغم من وفاة والده وهو فى سن مبكرة من عمره إلا أن العناية الالهيه قد أحاطت به حتى أصبح نموذجا عمليا لكل من أراد العزة للإسلام ورفعته فرحم الله عماد الدين زنكى ورحم والده ( آق سنقر) .
مات آق سنقر(والد عماد الدين زنكى) وترك عماد الدين زنكي محمَّلاً بحبِّ الشريعة والجهاد، وراغبًا في نصرة الدين والمسلمين، وشاعرًا تمامًا بهموم أُمَّته ومشاكلها؛ لذلك اختار عماد الدين زنكي في هذه السنِّ الصغيرة أن يحيا حياة الجهاد والجدِّيَّة.
ترك عماد الدين زنكي حلب بعد مقتل أبيه، فلم يكن يستطيع -على الرغم من حبِّ كل الناس له- أن يعيش في بلدٍ يحكمه تتش قاتل أبيه، خاصَّة أن تتش كان ظالمًا فاسدًا لا ينظر مطلقًا إلى مصالح أُمَّته، بل لا يصرف وقته ولا جهده إلاَّ لمصالحه الخاصَّة فقط. فإلى أين انتقل عماد الدين زنكي؟! لقد انتقل إلى الموصل!
أين تربي عماد الدين زنكى ؟
ولعلَّ هذا الانتقال في الأساس كان لولاية كربوغا على الموصل، وكربوغا هو أمير تركماني وكان صديقًا شخصيًّا لآق سنقر؛ فلمَّا مات استقدم ابنه عماد الدين زنكي، وضمَّه إلى جيشه، وكان هذا في سنة (489هـ)، وعماد الدين زنكي في الثانيةَ عشْرَةَ من عمره.[1] وأخذ يُوالي تدريبه على الفروسيَّة والقتال وإدارة الجيوش، وهكذا قَيَّض الله عز وجل لعماد الدين زنكي مَنْ يُصقل شخصيته، ويُنَمِّي مواهبه. واشترك عماد الدين زنكي في القتال مع كربوغا لأوَّل مرَّة حينما كان يُخضِع بعض الولايات لحكم السلطان بَرْكيَارُوق، وكان عماد الدين زنكي لا يتجاوز في هذه المعركة الرابعةَ عَشْرَةَ من عمره.[2] وفي حياة كربوغا -وتحديدًا في سنة (491هـ= 1097م)- احتلَّ الصليبيون مدينة أنطاكية، وأرسل السلطان بَرْكيَارُوق جيشًا بقيادة كربوغا لحرب الصليبيين، ولكن الجيش مُنِيَ بالهزيمة كما مرَّ بنا[3]، ولا ندري إن كان الطفل عماد الدين زنكي كان مشاركًا في هذا القتال أم لا، ولكن المؤكَّد أنه عاش قضية الصليبيين من أوَّلها؛ فلا شكَّ أن كل الأحاديث التي كان يسمعها في بلاط كربوغا كانت تدور حول الصليبيين. لقد عاش عماد الدين زنكي القصة من أوَّلها!
وفاة كربوغا(أمير الموصل)وتولى جكرمش تربية عماد الدين زنكى :
ومات كربوغا سنة (495هـ= 1102م)[4]، وكان عماد الدين زنكي في الثامنةَ عَشْرَةَ من عمره، وكان من توفيق الله أنَّ الذي تولَّى الإمارة في الموصل بعد ذلك كان جكرمش [5] وكان -أيضًا- من أخلص أصدقاء الأب قسيم الدولة آق سنقر؛ ومن ثَمَّ استكمل مسيرة كربوغا في تربية عماد الدين زنكي، وفي تقديمه على غيره، وتعليمه كل فنون القيادة والإدارة.
إننا نرى بوضوح أن الله عز وجل يُسَخِّر لعماد الدين زنكي مَن يضع قدمه على الطريق، ويُوَجِّه خطواته التوجيه الأصوب.
وفاء عماد الدين زنكى للسلاجقة:
وعند عزل جكرمش سنة (500هـ= 1106م)، حكم الموصل جاولي سقاوو، لكن جاولي كان على خلاف الأمراء السابقين، لقد كان ظالمًا فاسدًا لا يُفَكِّر إلاَّ في مصالحه بل وصل الأمر في سنة (501هـ= 1107م)، أي بعد سنة واحدة أن قرَّر جاولي أن ينفصل بحكم الموصل عن سلطة السلطان محمد السلجوقيِّ، وهو السلطان الذي خَلَف أخاه السلطان بَرْكيَارُوق منذ سنة (494هـ= 1100م)، وهنا يتَّخذ عماد الدين زنكي موقفًا عجيبًا! لقد كان آنذاك في الرابعة والعشرين من عمره فقط؛ ومع ذلك فقد قرَّر أن يخرج من جيش جاولي، وهو رئيسه المباشر، لينضمَّ إلى السلطان محمد السلجوقي( )، وكانت هذه الخطوة في منتهى الخطورة عليه، لكنه أقدم على هذه الخطوة دون تردُّد مُكَرِّرًا ما فعله أبوه قبل ذلك بخمسةَ عَشَرَ عامًا بحذافيره! لقد كانت الرؤية واضحة تمامًا عند عماد الدين زنكي؛ إذ كان ولاؤه الرئيسي للسلطان العادل محمد السلجوقي، وليس للأمير الظالم جاولي، ولا بُدَّ أن يُعلن هذا الولاء، ولو كان الثمن منصبه، بل ولو كان الثمن حياته!
ولكنَّ الله سلَّم، وحَفِظ عماد الدين زنكي، وباءت ثورة جاولي بالفشل، وعَرَف السلطان محمد السلجوقي القائد الشابَّ الجديد عماد الدين زنكي ابن قسيم الدولة المشهور والمحبوب إلى ملكشاه والد السلطان محمد، وأوصى السلطان محمد بعماد الدين زنكي خيرًا، ورفع ذلك اسمه في عيون الجميع.
عماد الدين زنكى وعلاقته الوثيقة بمودود بن التونتكين أميرالموصل:
ثم كانت لحظة فارقة في حياة عماد الدين زنكي، حين تولَّى أمرَ الموصل شخصيةٌ من أعظم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، وهو مودود بن التونتكين رحمه الله، وقد مرَّ بنا طرف من حياته، وكانت هذه الولاية مدَّة ستِّ سنوات، كان فيها عماد الدين زنكي من أقرب الناس إلى مودود، وما أدراك مَنْ مودود؟! إنه -كما مرَّ بنا- من أصلح الأمراء، وأتقاهم لله عز وجل، وأحبهم للعبادة، وأعدلهم مع الرعيَّة، وأخلصهم في الجهاد في سبيل الله، وأرغبهم في وَحْدَة المسلمين، وأكرههم للصليبيين، لقد أدرك عماد الدين زنكي مودودًا رحمه الله، وكان عماد الدين زنكي في ريعان شبابه، فقد صحبه حين كان يبلغ من العمر أربعة وعشرين عامًا، وقُتِل مودود، وقد بلغ عماد الدين زنكي ثلاثين عامًا.
ماذا إكتسب عماد الدين زنكى من مودود بن التونتكين؟
إنها فترة النضج الحقيقية في حياة المجاهد عماد الدين زنكي، شَرِب فيها عماد الدين زنكي كلَّ توقير وتقدير للشريعة.
وشرب فيها كيف يمكن بذل الوقت والجهد والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض.
وشرب فيها كل المهارات القيادية والفنية والقتالية التي يتمتَّع بها مودود.
وشرب فيها الشجاعة والجرأة والفكر العسكريَّ الصائب.
وشرب فيها في الوقت ذاته كراهية كبيرة للصليبيين الذين استباحوا بلاد المسلمين، وللباطنية الذين قتلوا مودودًا رحمه الله، وللزعماء التافهين الذين تركوا مودودًا في أزمته، بل أغروا به سفهاءهم ليقتلوه! عماد الدين زنكى وتعاونه مع مودود بن التونتكين وانتصارهما فى موقعة الصنبرة على الصليبين: ومع مودود -وفي سنة (507هـ= 1113م)- شهد عماد الدين زنكي موقعة الصِّنَّبْرَة ، حيث ذاق حلاوة النصر على الأعداء، وذاق طعم العزَّة والكرامة، وأبلى عماد الدين زنكي في هذه الموقعة بلاءً حسنًا غير مسبوق، وأظهر شجاعة نادرة، ومقدرة قتالية فذَّة، حتى اكتسب شهرة واسعة في كل بلاد المسلمين، وصار حديث الناس، كما كان أبوه حديث الناس وأشدّ! ثم قُتِلَ مودود رحمه الله.
وكانت صدمة كبيرة لعماد الدين زنكي، فقد أحبَّه حبًّا شديدًا من أعماقه، ثم إنها كانت صدمة لاكتشافه بحجم المؤامرات الدنيئة في العالم الإسلامي، وعَلِم على وجه اليقين أن قتال الصليبيين مستحيل في وسط هذه الأجواء، وليس هناك بُدٌّ من إصلاح الداخل قبل الصدام مع الأعداء الخارجيِّين.
وفاء عماد الدين زنكى الدائم للدولة السلجوقية:
ثم تولَّى آق سنقر البُرْسُقي ولاية الموصل للمرَّة الأولى، وذلك من سنة (507هـ= 1113م) إلى سنة (509هـ=1115م)، واشترك معه عماد الدين زنكي بقوَّة في معاركه ضدَّ الصليبيين، وحاصر معه الرها وسُمَيْسَاط وسَرُوج، مما زاد من شهرة عماد الدين زنكي لدى الجميع.
ثم بعد عزل آق سنقر البُرْسُقي سنة (507هـ= 1115م)، وتولية جيوش بك دخل عماد الدين زنكي تحت زعامة الأمير الجديد، وعندما حاول جيوش بك أن يقوم بمحاولة انقلابية على السلطان محمود سنة (514هـ= 1121م)، رفض عماد الدين زنكي أوامر قائده الأقرب جيوش بك، وأصرَّ على الولاء للسلطان الأعلى محمود، وقد فشلت هذه المحاولة الانقلابية، ورفع هذا كثيرًا من أسهم عماد الدين زنكي عند السلطان محمود. عماد الدين زنكى رجل المهام الصعبة:
ثم أُعِيد تولية آق سنقر البُرْسُقي على الموصل سنة (515هـ)، فعاد عماد الدين زنكي من جديد إلى تبعيَّته آق سنقر البُرْسُقي، وعندما انتُدِبَ آق سنقر لإدارة الأمن في بغداد للسيطرة على بعض الأمور الخطيرة سنة (516هـ= 1122م)، وكان دُبَيْس بن صَدَقَة قد قاد ثورة في بغداد للسيطرة على الحكم هناك، أخذ آق سنقر عماد الدين زنكي معه لثقته في قدراته العسكرية والإدارية، بل إنَّ آق سنقر البُرْسُقي ولَّى عماد الدين زنكي منطقة واسط حيث المركز الرئيسي لدبيس بن صدقة ليكون في مواجهته مباشرة، ممَّا يدلُّ على عظيم ثقة آق سنقر في القائد العظيم عماد الدين زنكي؛ وبالفعل استطاع عماد الدين زنكي أن ينتصر على دبيس ويُعيد الأمور إلى نصابها، ولما هاجمت الأعراب مدينة البصرة هجمات متكرِّرة أعطى آق سنقر ولاية البصرة لعماد الدين زنكي للسيطرة على الأوضاع هناك، فنجح في فترة وجيزة في السيطرة على الأعراب ومنع هجماتهم؛ مما جعله بحقٍّ رجل المهامِّ الصعبة في الدولة السلجوقية.
[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/149، 150. [2]يقول عنه ابن الأثير بعد هذه المعركة: «وكان له الشجاعة في الغاية». الكامل في التاريخ 9/153. [3]ان الأثير: الباهر ص19، 20. [4]ابن الأثير: الباهر ص24. [5]ابن الأثير: الباهر ص26-28.
Beauty Queen برونزى
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 28/07/2012
موضوع: عماد الدين زنكي رجل المرحلة - (62) أ.د. راغب السرجاني الثلاثاء 11 أبريل - 19:25
عماد الدين زنكي رجل المرحلة - (62) أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
عماد الدين زنكي، الرجل المناسب الذي توفرت فيه الصفات التي تؤهله للأخذ بيد الأمة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها، مقال للدكتور راغب السرجاني
كان ولاء عماد الدين زنكي للسلطان السلجوقيِّ وأمرائه، ولم يكن للخليفة العباسي؛ إنما كان يُدَافِع عن الخليفة العباسي في بغداد لأن مصالح السلطنة كانت متوافقة مع مصالح الخلافة، ولكن عند تَعَارُض مصالح السلطنة مع الخلافة؛ مثل الخلاف الذي حدث سنة (519هـ) بين السلطان محمود والخليفة المسترشد بالله، كان عماد الدين زنكي يقف إلى جوار السلطان دون تردُّد[1]، وهذا في رأيي أمر طبيعي ومُتَوَقَّع، مع أنه قد يُسَبِّب لنا حرجًا في الفهم، عندما نجد أن عماد الدين زنكي يقف بجيشه أحيانًا في وجه الخليفة، لكنْ تعالَوْا نفهم حقيقة الأمر بهدوء، وهذا سيساعد على فهم كثير من الأحداث المستقبليَّة. حقيقة الخلاف مع الخلافة العباسية: لقد عاش خلفاء بني العباس منذ فترة طويلة جدًّا تجاوزت المائتي سنة تحت السيطرة العسكرية لغيرهم، فكانت السيطرة تارة للأتراك، ثم أخرى للبويهيين الشيعة، ثم أخيرًا للسلاجقة، وفَقَدت كلمة الخلافة كل معنًى لها، وصار الحكم كله في يَدِ الحاكم العسكري الذي يملك الجيوش والوزارات والأموال والقرارات والاتفاقات الدُّوَلِيَّة، والأمور الداخلية الأمنية وغيرها؛ وفي ظلِّ هذه الأوضاع توارث الخلفاء اللقب والثروات الشخصيَّة فقط، وكان أقصى أحلام كلِّ خليفة أن يُسَيْطِرَ فقط على الأمور في بغداد، ولا أقول العراق! بمعنى أنَّ الخليفة في أفضل أحواله كان كالمحافظ على بغداد، بينما السلطان فكان المهيمن على الحُكم؛ يحكم دولة شاسعة من الصين إلى الشام، وتضمُّ بين طيَّاتها العراق بما فيه بغداد، وكان السلاطين -وخاصة السلاجقة- يُحافظون على بقاء الخليفة كرمز ليجمع الأُمَّة حول معنًى واحدٍ، ويُعِيد إلى أذهانهم دومًا أنهم أُمَّة واحدة، وصار وضع الخليفة في الدولة الإسلامية كوضع الملك أو الملكة الآن في البلاد التي أصبحت تُدَارُ بنظام جمهوري كإنجلترا وإسبانيا وكندا وهولندا؛ فهو مجرَّد رمز يُذَكِّر الناس ببعض المعاني الجميلة، ولكن ليس له دخلٌ في الحكم أو الإدارة أو أيِّ قرار.
ولكن أحيانًا كان الخليفة -كما في حالة المسترشد بالله في قصَّتنا- يجد في نفسه قوَّة، وتُرَاوِدُه الطموحات الكبيرة في أن يُعِيَد للقب «الخليفة» هيبته الحقيقية، فيُكَوِّن جيشًا من أهل بغداد وما حولها، ويبدأ بمهاجمة السلطان، ومحاولة فرض الرأي عليه، ولكن هذا في الحقيقة وضع مقلوب، فبعيدًا عن الألقاب فإنَّ تَشَتُّتَ السلطة بين خليفة وسلطان يُضعف الولاء عند الجميع، ويُدْخِل البلاد في حالة من الاضطراب غير المقبول؛ ولذلك كان عماد الدين زنكي يقف بصرامة مع السلطان القويِّ في مواجهة الخليفة الضعيف، مع أنَّ قوَّة الخليفة كانت أحيانًا تقوى محلِّيًّا حتى تتغلَّب على جيوش السلطان المحلِّيَّة في بغداد أو ما حولها، لكنها تبقى في النهاية محلِّيَّةً. ثم إنَّ عماد الدين زنكي بدأ في الظهور أكثر وأكثر؛ نتيجة النجاحات المتتالية التي يُحَقِّقُها؛ ممَّا جعل السلطان محمود سلطان السلاجقة العظام في فارس يستدعيه إلى أصفهان، ويُقَرِّبه منه، ويُولِيه ثقته، ويزوِّجه أرملةَ كندغدي، وهو أحد أكبر أمراء السلطان، ثم ولاَّه على إمارة البصرة في سنة (518هـ)[2]، ثم عيَّنه في سنة (521هـ) في منصب خَطِر، وهو «شِحْنَة العراق» أي مدير أمن العراق بكاملها[3]؛ بل وزاده على ذلك أمرًا عظيمًا، وهو أن جعله إضافة إلى إدارة الأمن في العراق «أتابكًا» لولديه ألب أرسلان، وفروخ شاه؛ والأتابك هو المربِّي، فأصبح عماد الدين زنكي هو الأتابك عماد الدين زنكي[4]، وأصبح مسئولاً عن تنشئة أولاد السلطان تنشئة عسكرية سياسية شرعية متميزة. طريق طويل من الإعداد: لقد كان طريقًا طويلاً صعبًا بدأه عماد الدين زنكي في سنٍّ صغيرة مبكِّرة، وعاش حياة جدية تمامًا، ولم يكن يلهو في حياته كما يلهو الأطفال أو الشباب، إنما كان رجلاً بمعنى الكلمة، يعيش هموم أُمَّته، ولا يهتمُّ بسفساف الأمور؛ فأجرى الله على يديه من الخير الكثير، وحقَّق نجاحات عظيمة، وكان كلُّ ذلك تأهيلاً لما هو آتٍ؛ فقد كان على موعد في مستقبله مع مهمَّة أثقل، ووظيفة أصعب، وهي مواجهة الكيان الصليبي الذي استقرَّ في بلاد الإسلام منذ ثلاثين سنة، وباءت محاولات المسلمين في كل السنوات السابقة بالفشل في إخراج الصليبيين من الأراضي التي احتلُّوها، فكانت هذه المهمَّة تحتاج إلى رجلٍ من طراز عماد الدين زنكي!
لقد كان من قدر الله عز وجل أن سخَّر الرسولين اللذين أرسلهما جاولي -المملوك الذي سيطر على الأمور في حلب- ليعرضا على السلطان محمود اسم عماد الدين زنكي ليتولَّى أمور الموصل وحلب، وبالتالي يُواجه الصليبيين بمهارته المعروفة، ووجد الاسم قبولاً عند السلطان محمود دون تردُّد؛ ومن ثَمَّ عهد إلى عماد الدين زنكي في (3 من رمضان 521هـ= 13 من سبتمبر 1127م) بولاية الموصل والجزيرة (شمال العراق) وما يفتحه من بلاد الشام[5]، لتبدأ بذلك مرحلة مهمَّة في التاريخ الإسلامي تُعرف بالدولة الزنكية التي بدأ تأسيسها عماد الدين زنكي في سنة (521هـ)، وتبدأ في الوقت نفسه مرحلة جديدة من مراحل الصراع الإسلامي- الصليبي في قصة الحروب الصليبية. عماد الدين زنكي أتابك الموصل: عماد الدين زنكي شخصية فريدة في التاريخ الإسلامي، ورأينا كيف كانت جذوره طيبة، وقد ترك له والده آق سنقر الحاجب كلَّ خير، ورأينا كذلك تدرُّجه في الأعمال والمناصب حتى وصل إلى رئاسة إمارة الموصل، وهو منصب رفيع جدًّا، لكن كم من الأمراء وصلوا إلى هذا المنصب قبل ذلك، ولم يُغَيِّروا أحداث التاريخ! لكن عماد الدين زنكي لم يكن كعامَّة الأمراء؛ بل كان متميزًا متفرِّدًا مؤثِّرًا في كلِّ مَنْ حوله، ناقلاً للأُمَّة الإسلامية بكاملها نقلة نوعية كان لها من الأثر ما تجاوز عشرات السنين!
وما أبلغ ما قاله عماد الدين الأصفهاني وهو يصف عماد الدين زنكي حين قال: «كان قطبًا يدور عليه فلك الإسلام!»[6]. لقد صوَّر العماد الأصفهاني عماد الدين زنكي بأنه أصبح مركزًا لكل عمل مهمٍّ في الأُمَّة الإسلامية، فصار كل شيء إسلامي في زمانه مرتبطًا به، متأثِّرًا بأفعاله! وهي درجة لا يصل إليها إلا أعاظم المسلمين، وأكابر المجدِّدين. عماد الدين زنكي رجل المرحلة: إنني أعتبر عماد الدين زنكي بشخصيته المتميزة «رجل المرحلة»! إنه الرجل المناسب الذي توفرت فيه الصفات التي تُؤَهِّله للأخذ بيد الأُمَّة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الأُمَّة، وهذا من فضل الله عليه وعلى الناس، وهذا من رحمة الله عز وجل بالمسلمين، فهو يرزقهم في كل مرحلة من مراحل حياتهم قائدًا يحمل من الصفات ما يصلح لعبور هذه المرحلة بكل ما فيها من أزمات.
ولقد جمع عماد الدين زنكي من الصفات ما يجعله يصلح أن يكون «نموذجًا» للحاكم المسلم؛ بحيث تصبح أقواله وأفعاله وأخلاقه واختياراته معيارًا تستطيع أن تحكم به على صلاح حاكم أو فساده، وليس هذا مبالغة، بل هو قليل من كثير؛ ولعلَّه من المناسب أن نقترب أكثر من شخصية عماد الدين زنكي فنطَّلع على جوانبها وصفاتها وأهم مميزاتها، وذلك قبل الخوض في تفصيلات قصته في إمارة الموصل، وخطوات تغييره للواقع الأليم الذي كانت تعيشه الأُمَّة، وهذا الاقتراب من شخصيته سيضع أيدينا على المفاتيح المهمَّة التي ينبغي لكل مصلح أن يتحلَّى بها، فما هي هذه الصفات؟ وكيف كانت شخصيته؟ وهذا ما سنتناوله في القادم بإذن الله. [1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/138، 139. [2] ابن الأثير: الباهر ص27. [3] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/241، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/327. [4] البنداري: تاريخ دولة آل سلجوق ص188، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/328. [5] عماد الدين الأصفهاني: تاريخ دولة آل سلجوق ص317، وابن الأثير: الباهر ص32-34. [6] البنداري: تاريخ دولة آل سلجوق ص185.
ساره بنت مصر برونزى
عدد المساهمات : 154 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
موضوع: رد: قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى الإثنين 26 نوفمبر - 6:01
قصة الحروب الصليبية / أهمية دراسة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى