منتدي المركز الدولى


فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي 1110
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى


فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي 1110
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Orange 
Sharp Pointer
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى

اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله

 

 فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عوض ابو النور
عضو مميز
عضو مميز
عوض ابو النور


عدد المساهمات : 1231
تاريخ التسجيل : 09/11/2010

فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Empty
مُساهمةموضوع: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي   فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Icon_minitime1الأحد 22 أكتوبر - 3:32


فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي



فقه الخلاف والموازناتْ، بين المغالاة والمجافاتْ (1)

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا تخفى على ذي حسٍّ صادق، وقلبٍ سليم، ومتأمِّل ومتابع للأحداث الجارية في بلاد الإسلام - الهجمةُ الشرسة على الإسلام وثوابتِه، ومُحاولةُ تَحريف وتقويض قواعدِه الكبرى، كما لا يخفى أيضًا ما استخدمه الأعداءُ في ذلك من أُناسٍ، هم من جِلْدَتنا، ويتكلَّمون بألسِنَتِنا، بل يُنْسَبون أحيانًا لأهْلِ السُّنَّة، والسُّنَّةُ منهم براء.

وهؤلاءِ قد جعلوا من أُصول دينِهم، وقواعدهم المُحْكمة التمسُّكَ بسقطات العلماء وأخطائِهم، فالنَّاسُ عندهم لا يُوزَنون إلا بأخطائِهم، ولا يُحكَم عليهم إلا من خِلال زلاتِهم وهفواتِهم، وأنَّ كُلَّ زلَّة وخطأٍ وهفوة تَهْدِمُ كلَّ إحسانٍ وبِرٍّ، واجتِهاد بل شهادةٍ في سبيل الله.

فأهلُ السُّنَّة العاملون الصادعون بالحقِّ: علماؤهم المجاهدون بالسيف والكلمة، ودُعاتُهم، وعوامُّهم هم المُنْكَرُ الأكبر - في رأيهم السقيم - الواجبُ إزالتُه من على وجه البسيطة، وكلَّما زاد عِلْمُ العالم، وجِهادُ المُجاهد، وجهْرُ الدَّاعية بالحقِّ، كلما زادَ إنكارُهم عليه، وتضليلُهم إيَّاه، وهتْكُ عِرْضِه بألسِنَتِهم الحداد وأقلامِهم المسمومة، وتسليمهم لأعداء الأمة وأعداء الإنسانية!

ولو أنَّ الأمْرَ قدِ انتهى عند هذا الحدِّ لهان الخطْبُ، ولكنَّهم مع كلِّ هذا الضلال نسبوا باطلَهم وزيغَهم، وتُرَّهاتِهم وخُزَعْبِلاتِهم إلى مُعتقد أهْلِ السُّنَّة والجماعة.

ومن المعلوم من دينِ الإسلام بالضرورة، ومن البَدَهيَّات العقليَّة: أنَّ الرَّدَّ على المُخالف لا يكون إلا بعلْمٍ وعدْل، وليس بظُلْمٍ وجهل وجَوْر، وأنَّ الكلام يُحْمَل ويُفَسَّر على وجهٍ حسنٍ صحيحٍ ما أمكن، وأنَّ ما أُجْمِل في موضعٍ يُحْمل على المُفَصَّل المُحْكم من كلامِه في موضعٍ آخَر، وأنَّ مذهبَ الرَّجُل إنما يؤخَذ من آخِر كُتُبِه، كما يَجِبُ عدمُ تَحميل كلام المخالف ما لا يَحتمِلُه؛ بالدُّخول في النَّوايا، أو افتِراض الظَّنِّ السيِّئ.

وما قوَّى نَشَاطِي لهذا الموضوع: أَنِّي رَأَيْتُ كثيرا من المبتدئين في العلم الشرعي قد غرَّهم مذهبُ القِيل والقال، وثقافةُ الغِيبة والنَّميمة والبُهتان، يَقْرَؤُونُ ولا يَفْهَمُون، ومَذْهَبُهُم مَذْهَبُ العَوَامِّ، مع قلَّةِ العِلْمِ، وعَدَمِ الفَهْم، فضلاً عن ما هم عليه من العَصَبِيَّةِ المقيتة، والتي يسمُّونها سُنَّةً، حتى أن كثيرين ممن لم ينتسبوا لهذا المذهب الفاسد تأثروا به تأثرًا بالغا؛ ويظهر هذا جليا من تطاول هؤلاء الفُسْل على الأكابر من أهل العلم، الأحياء منهم والأموات؛ فوجب بيانُ الصَّوَاب لكلِّ مَن رزقه الله فَهْمًا في الدين والدنيا.

هذا؛ وإن كان الكَلامُ مَعَ هؤلاء مشافهةً صَعْبًا؛ لِقِلَّةِ فَهْمِهِم، وضحالة فِقْهِهِم، وهروبهم دائما من المناقشة؛ بدعوى أنها - أي المناظرة - من بدع العصر الحديث!!

بيد أَنِّه لابدَّ من مرَاعَاة طَالِبِي الحَقِّ مِنَ المسلمين، فنبين لهم الحق وندحض الباطل، وإن كنَّا لَم نبَالِ بِالسَّفْسَافِ الغَوْغَاءِ، الذين جِنَايَتُهُم على الشريعةِ، ومُخالفتِهم لمذاهبِ الفقهاءِ أجْمعين، ومنابذتهم لمعتقد أهل السنة وتفريق المسلمين - أكثَرُ من أن تُحصى.

وإن كان الغرض الأسمى والمطلب الأقوى - فيما أُرى - لهذا المقال هو مراعاة حال من ليس من أهل العلم؛ فيظن جهلاً أن ما يفعله ألئك الأغرار - هو فعلاً - مذهب أهل السنة في معاملة المخالفين، فضلاً عن معاملة علمائهم.

وليُعلم أن من أعظم قواعدِ الملَّة الحَنِيفِيَّة في الحُكم على الأشخاص، والَّتي دلَّ عليْها الكِتاب والسُّنَّة والإجْماع - قاعدةَ الموازنة، وتتلخَّص في أنَّ الحكم على الأشخاص يكونُ بالأغلب من أقوالِهم وأفعالهم، ما دام العالم أو الدَّاعية على مذهب أهل السُّنَّة في الجملة، وناصرًا لمعتقدهم على الإجمال، ثم بعد ذلك قال بقَوْلِ أهل البِدَعِ في مسألة - أو مسائلَ - لا يَعني ذلك أنَّه قد صار مبتدِعًا خارجًا عن أهل السُّنَّة، وهذا ما لم يَقُلْه أحد من أهل العلم ألبتة، ولَو قُلْنَا بغيْر ذلك، ومَاشَيْنا أهْلَ الضَّلال - وحاشانا - لَم يَسْلم لنا عالِمٌ واحد ولا إمام! كما قيل:
مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطّ ♦️♦️♦️ وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ

قال العلاَّمة ابن القيِّم في "زاد المعاد": "ومن فوائد هذه القِصَّة: أنَّ الكبيرةَ العظيمة - مِمَّا دون الشِّرك - قد تُكَفَّرُ بالحسنة الكبيرة الماحية، كما وقع الجَسُّ من حاطبٍ مُكَفَّرًا بشهوده بدرًا، فإنَّ ما اشتملتْ عليه هذه الحسنة العظيمة من المصلحة، وتَضَمَّنتْه من محبَّة الله لَها، ورِضاه وفرحِه بها، ومُباهاته لِلملائِكة بفاعِلها - أعظمُ مما اشتملت عليه سيئةُ الجَسِّ من المفسدة، وتَضَمُّنِه من بُغْضِ الله لها، فَغَلَبَ الأقوى على الأضعف، فأزاله وأبطل مُقْتضاه؛ وهذه حكمةُ الله في الصحة والمرض، الناشئَيْنِ من الحسنات والسيئات، المُوجِبَيْنِ لصحة القلب ومرضه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، وقال: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء: 31].

فتأمَّلْ قوَّةَ إيمان حاطب، التي حملَتْه على شهود بدر، وبَذْلِه نَفْسَه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيثارِه اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم على قومِه وعشيرتِه وقرابتِه، وهم بين ظَهْرَانَيِ العَدُوِّ وفي بلدهم، ولم يَثْنِ ذلك عِنان عزمه، ولا فَلَّ من حَدِّ إيمانه، ومُواجهته للقتال لِمَنْ أهلُه وعشيرتُه وأقاربُه عندهم، فلما جاء مرَضُ الجَسِّ بَرَزَتْ إليه هذه القوَّة، فاندفع المرض، وقام المريض، كأنْ لم يكن به قَلْبُه، ولما رأى الطبيبُ قُوَّةَ إيمانه قد اسْتَعْلَتْ على مرض جَسِّهِ وَقَهَرَتْهُ، قال لمن أراد فَصْدَهُ: لا يحتاج هذا العارضُ إلى فِصَادٍ، ((وما يُدريك لعلَّ الله أن يكونَ قدِ اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))".اهـ. مُختصرًا.

وروى البخاري ومسلم، عن عِتْبانَ بن مالك: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أتاه في بيتِه ليُصَلِّي له في مكان يتَّخِذُه مُصلًّى. إلى أن قال: فقال رجلٌ منهم: ما فعل مالك، لا أراه؟! فقال رجل منهم: ذاك منافقٌ لا يُحبُّ الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقُلْ ذاك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله؟!)) فقال: الله ورسوله أعلم، أمَّا نَحن، فوالله، لا نرى ودَّه ولا حديثَه إلا إلى المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ الله قد حرَّم على النَّار مَن قال: لا إله إلا الله يَبتغى بذلك وجه الله)).

فانظُرْ - رعاك الله - كيف تثبَّت النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في شأْنِ مالكٍ، وأنكر على مَن نَسَبه للنِّفاق، وحَمل الأمرَ فيه على الوَجْهِ الجميل، ودافع عنه ببيان أنَّ مالكًا لَم يكتَفِ في الإيمان بِمجرَّد النُّطْقِ من غيْرِ اعتِقادٍ، بل أثبت له صِدْقَ إيمانِه، وبيَّن بيانًا عامًّا: أنَّ العمل الذي يُبْتَغى به وجهُ الله - تعالى - يُنْجِي صاحبه، إن شاء الله تعالى.

أمَّا أقوال أئمَّة السُّنَّة الأعلام، فأكثَرُ من أن تُحصَر، وأعظم من أن تُذكر؛ إلا أن نذكر منها النَزْرَ اليسير، فَمَنْ راجعَ كُتُبَ العقائد والتَّراجِم والسِّيَر، وتأمَّل كُتُبَ شَيْخَيِ الإسلام أبي العبَّاس، ابن تيمية، وأبي عبدالله، ابن القيم، وكُتُب الحافظ الذَّهَبِيِّ، وغيرهم من أهل العلم الكِبار، وَجَدَ الحُجَّة تِلْوَ الحُجَّة في تَأْصِيلِهم لِهذا المنهج الرَّشيد القَويم، الَّذي شَهِدَ له المنقولُ والمعقولُ بأنه قاعدةٌ مُضطرِدةٌ في الشرع والعقل.

قال الإمام مالك بن أنس: "كلٌّ يُؤْخذ من قولِه ويُترَك؛ إلا رسولَ الله"، وقال الإمام أحمدُ بن حنبل: "لم يَعْبُر الجِسْر إلى خُراسانَ مثلُ إسحاق، وإن كان يُخالفنا في أشياء، فإنَّ النَّاس لم يَزَلْ يُخالف بعضُهم بعضًا"، "سير أعلام النبلاء".

وقد حكى شيخ الإسلام، أبو العبَّاس ابن تيمية اتِّفاقَ أهلِ السُّنَّة على قاعدة الموازنة الذهبية تلك، فقال - قَدَّسَ اللهُ رُوحَه، ونَوَّرَ ضَرِيحَه - في "مجموع الفتاوى" (28/209): "وإذا اجتَمع في الرَّجُل الواحد خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ ومعصيةٌ، وسنَّةٌ وبدعةٌ - استحقَّ من الموالاة والثَّواب بقَدْرِ ما فيه من الخَيْرِ، واستحقَّ من المُعاداة والعِقاب بِحَسب ما فيهِ من الشَّرِّ، فَيجْتَمِعُ في الشَّخص الواحد مُوجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا؛ كاللِّصِّ الفقير: تُقْطَع يدُه؛ لسَرِقَته، ويُعْطى من بيت المال ما يَكفيهِ لحاجتِه، هذا هو الأصل الذي اتَّفق عليه أهل السُّنَّة والجماعة، وخالفَهُم الخوارجُ والمعتزِلة ومَن وافقهم عليْه؛ فلم يَجعلوا النَّاسَ إلاَّ مُستحِقًّا للثَّواب فقط، وإلاَّ مُستحقًّا للعِقاب فقط".

وقال في موضعٍ آخَر (35/ 94): "ومَن كان فيه ما يُوالَى عليه من حسناتٍ، وما يُعادَى عليْه من سيِّئاتٍ، عُومل بِموجِب ذلك، كفُسَّاق أهل الملَّة؛ إذْ هُم مستحقُّون للثَّواب والعقاب، والمعاداة، والحبِّ والبغض، بِحسب ما فيهم من البِرِّ والفجور فإنَّ: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

وقال أيضًا (3/283): "والأصل أنَّ دماءَ المسلمين وأموالَهم وأعراضَهم مُحرَّمةٌ من بعضِهم على بعض، لا تَحلُّ إلا بإذن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا خطبَهُم في حجَّة الوداع -: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعْرَاضَكُم عليْكم حرامٌ، كَحُرمة يومِكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا))، وقال: ((كلُّ المسلم على المسلِمِ حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعرضُه))، وقال: ((مَن صلَّى صلاتَنا، واستقْبَل قِبْلَتنا، وأكَل ذبيحَتَنا، فهُو المُسْلِم، له ذمَّة الله ورسولِه))، ولهذا؛ كان السلف مع الاقتِتال يُوالِي بعضُهم بعضًا مُوالاةَ الدين، لا يُعادون كمُعاداة الكفَّار؛ فيقْبَل بعضُهم شهادةَ بعض، ويأخُذ بعضُهم العلمَ عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بِمعاملة المسلمين، بعضهم مع بعض، مع ما كان بينَهم من القتال والتَّلاعُن وغير ذلك".

وقال كذلك عن أبي مُحمَّد بن حزم - على الرَّغْم من أنَّه قال بقول الجَهْمِيَّة في باب الأسماء والصفات - (مجموع الفتاوى 4/20): "وإن كان أبو مُحمَّد بن حزم في مسائل الإيمان والقدَر أقومَ من غيْرِه، وأعلَمَ بالحديث، وأكثرَ تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكنْ قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة، في مسائل الصِّفات ما صرفه عن مُوافقة أهل الحديث في معاني مذهبِهم في ذلك، فوافق هؤلاءِ في اللفظ وهؤلاء في المعنى. وإن كان له من الإيمان والدِّين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يَدْفَعُه إلا مُكابر، ويُوجَد في كُتُبِه من كثرة الاطِّلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانبِ الرِّسالة ما لا يَجتمِعُ مثلُه لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديثٌ يكون جانِبُه فيها ظاهِرَ التَّرجيحِ، وله من التَّمييزِ بين الصحيح والضَّعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكادُ يقَع مثلُه لغيره من الفقهاء".

واعتذر أيضًا عن القاضي أبي يعلى، وهو من متكلِّمة الحنابلة - وقد قال بقول الجهْمِيَّة في مسألة شاتِم الرَّسول - في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (1 /513)، فقال: "وهذه زلَّة منكَرة وهفوة عظيمة، ويرحم الله القاضيَ أبا يعلى، قد ذكر في غيْرِ موضعٍ من كُتُبِه ما يُناقض ما قاله هنا؛ وإنَّما وقع من وقع في هذه المهْواة ما تلقَّوْهُ من كلام طائفةٍ من متأخِّري المتكلمين".

ومَنْ طالع كتاب "مدارج السالكين"، للإمام أبي عبدالله بن القيم رأى أنَّه ينقل عن الهروي صاحبِ المنازل أشياءَ كثيرةً مُنْكَرة، ومُخالفة لعقيدة السلف، وأحيانًا تكون من الطَّامَّات الكبرى، ثُمَّ يتأوَّل عنه، ويُحاول حَمْلَ كلامِه مَحملاً حسنًا؛ لأنَّه كان من أهل السنَّة في الجملة، وغرضه نصرة الحق.

فقال مرَّة - بعد أن ذكر كلامًا مُتهافتًا للهروي - في (3 /394): "شيخ الإسلام حبيبُنا، ولكن الحقَّ أحبُّ إليْنا منه، وكان شيْخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: عملُه خيْرٌ من عِلْمِه، وصدق - رحِمه الله - فسيرتُه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد أهل البِدَع لا يُشَقُّ له فيها غبار، وله المقاماتُ المشهورة في نُصرة الله ورسولِه، وأبَى الله أن يكسُوَ ثوبَ العِصمة لغَيْرِ الصَّادق المصدوق، الذي لا يَنطِق عن الهَوى، وقد أخطأ في هذا الباب لفظًا ومعنًى".
ومَنْ تأمَّل كتاب "سير أعلام النبلاء"، للإمام الذَّهبي، يَجِد قاعدةَ الموازنة بعَدْلٍ وتجرُّد وإنصاف، واضحةً جليَّة مع مَن هم مِن أهل السنة في الجملة، فقال في ترجمة أبي مُحمَّد بن حزم (18/186): "ولقد وَقَفْتُ له على تأليف يَحضُّ فيه على الاعتِناء بالمنطق، ويقدِّمُه على العلوم، فتألَّمتُ له؛ فإنَّه رأس في علوم الإسلام، متبحِّر في النقل عديم النظير. إلى أن قال: فلا نَغْلو فيه ولا نَجفو عنه، وقد أثْنَى عليه قبلنا الكبار".

وقال في ترجمة الإمام الكبير محمد بن نصر المروزي (14/40): "ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتِهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورًا له، قُمْنا عليه وبدَّعناه، وهجرْناه، لما سَلِمَ معنا ابْنُ نصر، ولا ابن منده، ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو هادي الخَلْقِ إلى الحقِّ، هو أرحم الراحمين، فنعوذُ بالله من الهوى والفظاظة".
وقال معتذرًا عن إمام الأئمَّة ابن خُزيْمة، في تأويلِه لحديث الصورة (14/376): "فليُعْذر من تأوَّل بعض الصفات. ولو أنَّ كلَّ مَن أخطأ في اجتِهاده، مع صحَّة إيمانه وتوخِّيه لاتِّباع الحقِّ، أهدرناه وبدَّعناه - لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا".

وقال في ترجمة قتادة (5/271): "وكان يرى القدر - نسأل الله العفو - ومع هذا فما توقَّف أحدٌ في صِدْقِه وعدالته وحفظه، ولعلَّ اللهَ ُيعذُر أمثالَه، مِمَّن تلبَّس ببدعةٍ، يُريد بِها تعظيمَ الباري وتنزيهه، وبذَل وُسْعَه، والله حكَمٌ عدْلٌ لطيف بعباده، ولا يُسأل عمَّا يفعل، ثم إنَّ الكبير من أئمَّة العلم إذا كثُر صوابُه، وعُلِمَ تحرِّيه للحقِّ، واتَّسع عِلْمُه، وظهر ذكاؤُه، وعُرِفَ صلاحُه وورعُه واتِّباعه، يُغْفَر له زلَلُه، ولا نُضلِّله ونطرحه وننسى محاسنه، نَعَمْ، ولا نقتدي به في بِدْعَته وخطئه، ونرجو له التَّوبة من ذلك".

وقال الحافظ في "الفتح"، (5/335): "الحُكْم على الشَّيْءِ بِما عُرِفَ من عادته، وإن جاز أن يطرأ عليه غيرُه، فإذا وقع من شخصٍ هفوةٌ، لا يُعْهَد منه مثلُها، لا يُنسب إليها، ويُردُّ على من نسبه إليها، ومعذرة من نسبه إليها مِمَّن لا يعرف صورة حاله".

هذا؛ وقد أفرد علامة عصْرِه، وأُعْجُوبةُ دهره الشَّيخ بكر بن عبدالله أبو زيد تصانيفَ قيِّمة، مشى فيها على طريقة الأقدمين في الانتِصار لعُلماء الأمَّة المُفْتَرى عليهم، ومن تلك الكتب: "الردود"، و"براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمَّة"، و"تصنيف الناس بين الشَّكِّ واليقين"، و"الرسالة الذهبيَّة"، وكان لسان حالِه، وهو يُجاهِد بقلمه، شاهرًا إيَّاه في وجْهِ الحروريَّة الجُدُد، والمرجئة الجُلُد، والمُتَنَطِّعة العبط:
فَدُونَكَ إِذْ تَرْمِى الظِّبَاءَ سَوَانِحًا ♦️♦️♦️ تَلَقَّ مَرَامِيْهَا فَمَنْ يَرْمِ يَتَّقِي

وهاك بعضَ الآداب العامَّة للتعامُل مع المخالف:
• التثبت من قول المخالِف - مهما عظُمَتْ مُخالفتُه - وإعذارُه، وتنزيهُه من فساد النية وإرادةِ غير الحقِّ؛ ما دام ظاهره هو الدينَ والعدل.

• إحسانُ الظَّنِّ بالعلماء والدُّعاة والمصلحين وعامَّة المسلمين، وعدم الاعتِقاد أنَّهم تعمَّدوا تركَ الحقِّ إلا إن قام دليل صحيح يدل على ذلك، ولنترك سرائِرهم لله - سبحانه وتعالى.

• ترك التشنيع والتَّفسيق والتبديع في الأمور الاجتهادية، وفي كل ما يُعْذَر فيه بالجهل أو التأويل، وخاصَّة العُلماءَ المشهود لهم بالخير والاجتِهاد، إذا خالف بعض الأمور القطعيَّة اجتهادًا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وليس في ذِكْرِ كون المسألة قطعيَّة طعنٌ على مَن خالَفَها من المجتهدين؛ كسائِر المسائل التي اخْتَلَف فيها السلف، وقد تيقنَّا صحَّة أحدِ القولَيْن"، "الآداب الشرعية: 186/1".

ولا فرْقَ في ذلك بين مسائِلِ الاعتِقاد ومسائل الفِقْه؛ قال شيخ الإسلام: "فمَنْ كان من المؤمنين مُجتهدًا في طلب الحقِّ وأخطأ، فإنَّ الله يَغْفِر له خطأه كائنًا ما كان، سواءٌ كان في المسائل النظريَّة أو العمليَّة، هذا الذي عليه أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم وجَماهير أئمَّة الإسلام".اهـ. "مجموع الفتاوى23/346".

وقال "مجموع الفتاوى 20/33-36": "والخطأ المغفورُ في الاجتهاد هو في نوعَيِ المسائل الخبريَّة والعمليَّة، كما قد بسط في غير موضعٍ، كمَنِ اعتقد ثبوتَ شيء لدلالة آيةٍ أو حديثٍ، وكان لذلك ما يعارضُه ويُبيِّن المراد ولم يَعْرِفه، مثلُ منِ اعتقَد أنَّ الذَّبيحَ إسحاقُ؛ لحديثٍ اعتقَدَ ثبوتَه، أوِ اعتقد أنَّ الله لا يُرى؛ لقولِه تعالى: ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [الأنعام: 103]، ولقوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾ [الشورى: 51]، نُقِلَ عن بعض التابعين أنَّ الله لا يُرى، وفسَّروا قوله: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23] بأنَّها تنتظِرُ ثوابَ ربِّها، كما نُقِلَ عن مُجاهدٍ وأبي صالح - أوِ اعتقد أنَّ الله لا يَعْجَبُ، كما اعتقد ذلك شريْحٌ؛ لاعتِقاده أنَّ العجب إنَّما يكون من جهل السبب، والله منزَّه عن الجهل.

وكما أنكر طائفةٌ من السَّلف والخلف أنَّ الله يُريد المعاصيَ؛ لاعتِقادهم أنَّ معناه أنَّ الله يُحِبُّ ذلك ويرضاه ويأمُر به، وكالذي قال لأهله: ((إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم ذرُّوني في اليمِّ؛ فوالله، لئن قدر الله عليَّ ليُعذِّبنِّي عذابًا لا يعذِّبه أحدًا من العالمين))، وكثيرٌ من النَّاس لا يعلم ذلك؛ إمَّا لأنَّه لم تبلغْهُ الأحاديثُ، وإمَّا لأنَّه ظنَّ أنَّه كذب وغلط".اهـ مختصرًا.

وقال في "مجموع الفتاوى 19/122": "وتنازعوا - أي الصحابة - في مسائلَ علميَّة اعتقاديَّة - كسماع الميِّت صوتَ الحيِّ، وتعذيب الميِّت ببُكاء أهله، ورؤية مُحمَّد ربَّه قبل الموت - مع بقاء الجماعة والأُلْفة، وهذه المسائل منها ما أحدُ القولين خطأٌ قطعًا، ومنها ما المُصيب في نفْسِ الأمر واحدٌ عند الجُمهور أتباع السلف، والآخَرُ مؤدٍّ لِما وجب عليه بِحسب قوَّة إدراكه. ومذهبُ أهل السنة والجماعة: أنَّه لا إثْمَ على من ِاجتهَد وإنْ أخطأ".

ولعلَّه قد ظهر مِمَّا سبق بيانه: أنَّ الأصلَ عند هؤلاء الحرورية هو استحالةُ اجتِماع الثَّواب والعِقاب، والحسنات والسيِّئات، والسُّنَّة والبدعة، والمُوالاة والمعاداة في شخصٍ واحدٍ، فمَن أُثِيبَ لا يُعاقَب، ومَن عُوقب لَم يُثَبْ، كما قالتِ الخوارج قديمًا، والذي فارقوا به أهلَ السُّنَّة حيث زعموا: أنَّ الطاعة جزءٌ من الإيمان، والمعصية جزءٌ من الكفر، ولا يَجتمِعُ كفرٌ وإيمان؛ لأنَّه ليس هناك إلا مؤمنٌ مَحض أو كافرٌ محض - كما زعموا.

ودلائلُ اجتِماع شُعَب الإيمان وبعضِ شُعَب الكُفْر، في شخصٍ واحدٍ من الكتاب والسُّنَّة - كثيرٌة جدا، وقد أجْمَع عليه علماء الأمَّة؛ قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى (27/476)": "فإنَّ العبد قد يكون فيه سببُ هذا وسببُ هذا - الطاعةَ والمعصيةَ - إذا اجتمع فيه مِنْ حُبِّ الأمرَيْنِ؛ إذْ كان من أصول أهل السُّنَّة التي فارقوا بِها الخوارج: أنَّ الشَّخص الواحد تَجتمع فيه حسناتٌ وسيئات، فيُثاب على حسناتِه ويُعاقَب على سيِّئاته، ويُحمَد على حسناتِه ويذمُّ على سيِّئاته، وأنَّه من وجهٍ مرضيٌّ محبوبٌ، ومن وجهٍ بغيضٌ مسخوط؛ فلهذا كان لأهل الأحداث هذا الحكمُ، وأمَّا أهل التأويل المَحْض، الذين يسوغ تأويلهم: فأولئك مُجتهدون مُخطئون، خطؤُهم مغفورٌ لهم، وهم مُثابون على ما أحسنوا فيه، من حُسْنِ قَصْدِهم واجتهادِهم في طلب الحق واتِّباعه، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم: ((إذا اجتهد الحاكمُ فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد الحاكمُ فأخطأ فله أجْر)).

هذا؛ وللحديث بقية.

وقد وردت آيات كثيرة في القُرآن الكريم يصعُب حصْرُها تؤصل قاعدة العدْلِ والمُوازنة بالقِسط، منها قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 9]، وقال سبحانه: ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].

بل إنَّ الله - تعالى - قد أنصف اليهود فذكر ما عند بعضِهم من أمانةٍ، فقال سبحانه: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75].

قال الإمام أبو جعفر الطبري: "هذا خبر من الله عزَّ وجلَّ أنَّ من أهل الكتاب - وهُم اليهودُ من بني إسرائيل - أهلَ أمانةٍ، يؤدُّونَها ولا يَخونونها، ومنهم الخائنُ أمانتَه، الفاجرُ في يَمينِه المستحِلُّ".

وكذلك قد وردتْ في صحيح السُّنَّة أحاديثُ كثيرةٌ، تدلُّ على تأصيل النبي صلى الله عليه وسلَّم وإرسائه لتلك القاعدة الذهبيَّة، وأنه ربَّى أصحابَه عليها، ودفع عنهم ما كان يَشوبُها أحيانًا، مع تَوجيهِهم إلى الحقِّ والعدْل والإنصاف، ومن الأمثلة المشهورة ما رواه البُخاريُّ عن عمر بن الخطاب: أنَّ رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلَّم كان اسمه عبدَالله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضْحِك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وكان النبي صلى الله عليه وسلَّم قد جَلَدَهُ في الشراب، فأُتِيَ به يومًا، فَأَمَر به فجُلِدَ، فقال رجلٌ من القوم: اللهم الْعَنْه، ما أكثرَ ما يُؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((لا تلعنوه! فوالله، ما علِمْتُ إلا أنَّه يُحِبُّ الله ورسوله)).

فانظر رحِمك الله كيف دافع نَبِيُّ الرَّحمة عن مُدْمِن للخَمر؛ لأنَّه وازن بين إدمانِه وما استقرَّ في قلبه من محبَّة للَّه ولرسوله، التي هي أصلُ الإيمان، فغلَّب القويَّ على الضعيفِ، ومثلُه ما ورد في حديث البطاقة!

وروى الشَّيخان عن عليٍّ رضي الله عنه في قصَّة حاطبِ بنِ أبي بلتعة رضي الله عنه وفيها: أنَّه أرسل كتابًا إلى ناسٍ من المشركين من أهل مكَّة، يُخْبِرُهُمْ ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا حاطبُ، ما هذا؟!))، قال: يا رسولَ الله، لا تَعْجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قريش، ولم أكن من أَنْفُسِهِا، وكان مَنْ معكَ من المهاجرين لهم قَرَابَاتٌ بمكَّةَ، يَحْمُونَ بها أهليهم وأموالَهم، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النَّسَبِ فيهم أن أَتَّخِذَ عندهم يدًا، يَحْمُونَ بها قَرَابَتِي، وما فعلتُ كفرًا، ولا ارتِدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد صَدَقَكُمْ))، قال عمر: يا رسولَ الله، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هذا المنافق، قال: ((إنه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لعلَّ اللهَ أن يكون قد اطَّلَعَ على أهل بدر، فقال: اعمَلوا ما شئتُم، فقد غفرتُ لكم)).

ولا يَخفى أنَّ ما فعله حاطبٌ مُوالاةٌ للكُفار، والتي حُكْمُها، إما كفرٌ مُخْرِجٌ مِن المِلَّةِ، وإمَّا معصيةٌ من كبائر الذنوب، ومع كلِّ هذا لم يَرفَع عنه وصفَ الإيمان، بل أنكر عليه فِعْلَتَهُ وقَبِلَ عذره، وأثبت تأثيرَ حسناتِه الكبار في تَكفير ذنبِه وإن كان كبيرًا، بل ودافع عنه بردِّ النفاق وإثبات نقيضه وهو الإيمان.

الى الجزء الثانى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عوض ابو النور
عضو مميز
عضو مميز
عوض ابو النور


عدد المساهمات : 1231
تاريخ التسجيل : 09/11/2010

فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Empty
مُساهمةموضوع: رد: فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي   فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات  الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي Icon_minitime1الأحد 22 أكتوبر - 3:33



فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات (2)

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
أبدأ مقالتي هذه بتعقيب مختصَرٍ على الأختِ - أو الأخِ - نورِ الهدى، وَفَّقَها الله تعالى - أو وفَّقه - فأقول:
إنّ مناقشةَ ما حَواه ردُّكم مِن مغالَطات يُخْرِج هذه الخاصيةَ - أي: الردود على المقالات - عمّا وُضعت له، وسِيقَتْ مِن أَجْله:
فَلَوْ كَانَ سَهْمًا وَاحِدًا لاتَّقَيْتُهُ ♦️♦️♦️ وَلَكِنَّه سَهْمٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ!!

وَأَشَدُّ السِّهام طيشًا قولُكَِ رعاكَِ الله: "ألم يَلْتَمِسِ الرسول صلى الله عليه وسلم العُذْرَ لمن ظهر منه الكفرُ والخيانةُ العظمى؟!"، فهل رأيتَِ أن أحدًا من أهل العلم المُعْتَبَرِين: نَصَّ على أن حاطبًا قد كَفَرَ بفِعْلَتِه هذه؟!

ولكن قام ما يمنع من إطلاق حكم الكفر عليه؛ وهو بَدْرِيَّتُه، وشُهُودُه تلك المَلْحَمَةَ الكبرى التي أَرْست دعائم الإسلام ومعالمه؛ وَمِنْ المقرَّر عند العلماء، بل ويعرفه حتى العَوَامُّ والدَّهْمَاء: أن إطلاق حكم التكفير لا يُجَوِّزه الشارع؛ حتى تُسْتَوفَى الشروط وتَنْتَفِيَ الموانع.

ثم إن عظمة مقام الصحابة تربأ بالمؤمن أن يُعَبِّر عن أحدهم بأنه: خان "الخيانة العظمى"، أو وقع في الجريرة الكبرى.

ومناقشة ما قُلْتَِه بالتفصيل آتٍ - بمشيئة الله تعالى - في حلقات قادمة، ومواقف متقادمة، فنرجو المتابعة إن رُمتُم معرفةَ الحق، وآثرتُم اتِّباع الصدق، فسَنُضَمِّنُه التِّرْيَاق، وعند الله الموعدُ والتَّلاق، وقد أحويناه ما يَجْلو عنكَِ عَشَا الخُفَّاش، ويَطْرد عنكَِ الاختلاط والاهْتِواش، بل إنه سيَمْحُو - بمعونة الله تعالى - كلَّ أثرٍ لوسوسة الوَسْواس، وخَنْس الخنّاس، سواءٌ أكان من الجِنَّة أم من الناس؛ اللهم إلا أن يكون الباعثُ غيرَ ما ظَنَنَّا من البواعث، فإن كان فلن يُوقِفَنا - بفضل الله - نَفْثُ نافث، ولا عَبَث عابث، ولله دَرُّ القائل:
وَلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ ♦️♦️♦️ وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ

ولله دَرُّ الآخَر:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ ♦️♦️♦️ فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ وَاللَّعِبِ

هذا؛ إذا ثبت أنّ النِيَّة مدخولة، والطَّوِيَّة مرذولة، ونرجو ألا يكون الأمر كذاك، على أن الله أعلم بما هناك.


بَيْدَ أني أقول، وبالله تعالى نَصُولُ ونَجُول: إنّ قولكَِ، كان الله لكَِ، وهداكَِ رشدكَِ، قولكَِ: "أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ"، مُجْمَل يحتاج إلى تفصيل، ومتشابِه يحتاج إلى بيان، ومُطْلق يَفْتقر إلى تقييد، وعام يَعوزُه التخصيص، وبالسَّبْر والتقسيم تَنْتج لنا هذه الاحتمالات، والله بالمقصود عليم.

أمّا إن كنتَِ تَقْصِدينني - أو تَقْصدني - فالأمرُ - لَعَمْرُ الله - هَيّنٌ لَيّن، فنُعْمَى وكرامةَ عَيْن.

وأمّا إن كنتِ تقصدين - أو كنتَ تقصد - أَسَدَ الساعة، وغَضَنْفر الجماعة، الكِبْرِيتَ الأحمر، وعلاّمةَ هذا العصر الأَغْبر، شيخَ الشيوخ، والإمام الفَرُّوخ، العالِمَ العلاّمة، والمِنْطِيقَ التِّكِلاّمة، رافِعِيَّ البيان، شاهر السنان، قويَّ الجَنان، شاكريَّ الوَشيجة، تَيْميّ العقيدة، رحمه الله، وبَلَّل ثَراه، وجعل الجَنَّة مأوانا ومأواه، أَعْني: بكرَ بنَ عبدِ الله، المُكَنَّى بأبي زيد، الممدوحَ بلا قَيْد، على أن الكمالَ عزيزٌ، وخيرُ الكلام الكلامُ الوَجِيز، وقد كان الشيخُ - وَايْمُنُ اللهِ - أبوه، لا بُرَّ مَن يَشْنَوه، بل فُضَّ فُوهُ، وكِيدَ مناصِروه، ونُصِر مُعادوه، نقول: إن كان هذا مقصودَكَِ!!! فالله حسيبُكَِ، وهو نِعْمَ النصير، وإليه المرجع والمصير؛ إذ كيف - يا لَلهِ!!! - يخطر ببال عاقل أو عُوَيْقِل: أن يَذْهب هذا المذهب، ويَنْقلب هذا المُنْقَلَب، ويُصَاب بِحَوْرٍ بَعْدَ كَوْرٍ، ويَرْجع طَوْرًا بعد طور؟! أما علمتَِ أنّ الشيخ ما زال كالطَّوْدِ الشامخ، والعَلَم الباذخ، في وجوه أُولَيَّائِكم المُبْتَدِعة، الكالِحةِ وجوهُهم، المنتكِسةِ قلوبُهم، الفاسدةِ عقولُهم، المُتَهَوِّكة أفكارُهم، العاطِلةِ أوقاتُهم، الخائبةِ آمالُهم، الحروريِّة منهاجُهم، إلى ما لا يحصيه الحاص، مما ليس لهم عنه مناص ولا خلاص.

بل كلُّ ذلك لهم لازم، رَغْمَ رَغْمِ الراغم، بالمنطوق والمفهوم، والمطابقة والتَّضَمُن واللزوم، وما زال كذلك حتى تَوَفَّاه الله أجلَه المحتوم، ففَرِح بذلك هَاتِيكَ الخصوم، وقد رد عليهم بتلك الردود العصماء، التي تَقْطَع ضَرْع البدع وتُغَوِّرُ ما بقي لهم من ماء؛ وهو ما أَوْرَثَ الشيخَ العَدَاوةَ العَادِيَة، ورَمَاه عند أهل البدع بالدَّوَاهِي الداهية، ممن انتصر لمذهبٍ مُحْدَثٍ مُلوَّث، أو نِحْلَةِ قديمٍ مُخَنَّث، مِن مبتدِعة العَصْر، وحَمْقَى ذلك المِصْر، ونعني من المعاصرين مَن نعني، والله أعلم بالمَعْنِي، وإنما يُخْبَر ذلك، كلُّ مختبئ هنالك، ونَعْني من المتقدمين خاصة، الأشاعرة المتأخرين ومَنْ لَصَّ تلك اللاصَّة، وأخشى أن تكون حَمْلَتُكَِ على الشيخ الذابّ، وانتصارُك للشيخ الذاهب أبي غدة من هذا الباب، فهذا بَكْرُ النِّياق، وذَاكَ مُقَلِّد العِتَاق، على أن للشيخ الثاني غدة، وليس الأمر كما قالت العرب: أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبَعِير؟! والأمر - والربِّ الجبَّار - خطير، فإن كان كذلك، ولا عُذْرَ في ذلك، فإنا ننصحكَِ بمراجعة مقالنا المنشور، في المجلس العلمي المعمور: "أباطيل وأسمار".

فإن لم يَكْفِكَِ مقالة ذلك المجلس، فتلك وسوسة مُوَسْوِس، شُفِيتَِ وعُوفيت، ومما تَكْره - أو تَكْرهين - لا لَقِيت، ثم أسألكَِ - هداكَِ الله - عن الحروب التي خاضها الشيخُ أبو غدة، اعْدُدِيها - أو اعددها - لنا عدة، ولن أُدْخِل في الحساب، حُرُوبَه المُعْلَنَة على ذوي الألباب، أعني: خوضَه الحروب الضَّرُوس، بوجه عَبُوس، ومحاربتَه لعقيدة أهل السنة والجماعة، الذين هم الناس، والمُعَدُّون ليَوْم الْبَاس، ولا أعني: نصرَه المُؤَزَّر، ودفاعَه المُحَبَّر، عن ذاك الكوثري، ذَيَّاك الغبي، الذي ركب رأسه وهواه، وأَضَلَّ مِن بَعْدِه مَنِ اتَّبَعه وحاباه.

أم أنك تَقصدين - أو تقصد - فراره من زحف النُّصَيْرِيِّين البَعْثِيِّين من بلاد الشام، ثم اللجوء لأهل جزيرة العرب العظام، مُتَدَثِّرًا بعقيدة أهل السنة، وحاله كما قال الشاعر:
إِذَا جَالَسَ الْفِتْيانَ أَلْفَيْتَهُ فتًى ♦️♦️♦️ وَجَالَسَ كَهْلَ النَّاسِ أَلْفَيْتَه كَهْلاَ

وقول الآخر:
يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاقَيْتَ ذَا يَمَنٍ ♦️♦️♦️ وَإِنْ لَقِيتَ مَعَدِّيًّا فَعَدْنَانِي

ولكن - بِرَبِّكَِ - أخبريني - أو أخبرني -: هل تَعْرِفِينَ - أو تعرف - حَقًّا نَصَرَهُ الشيخُ أبو غدة - رحمه الله تعالى- أو بَاطِلاً قَمَعَهُ، أو طَاغُوتًا كَسَرَه، أو عَدُوًّا قاتَلَه، أو مَرَضًا من أمراض الأمة عَالَجَه، أم أنكَِ لم تُرَاجعي - أو تراجع - كُتُبَه المنشورة - وإن كانت لا تخلو من فوائد،غيرَ أنها - كما يَعْرِفُ من له خِبْرَةٌ بالعلم الشرعي الشريف - مَحْضُ تجميع لكلام السابقين.

وأخيرًا: أرجو منكَِ أن تُتْحِفِينا - أو تتحفنا - بالمواضع التي خرج فيها الشيخُ بكر عن الجادة وأدب الحوار، في مناقشته للشيخ أبي غدة أو لغيره؛ لأني لم أجد في كتبه إلا الحُجَّةَ تَعْقبها الحُجَّة، بأسلوب عَذْبٍ رَصِين، وبقلمٍ رَافِعِيٍّ حَصِين، وقد عَلِم الموافِقُ والمخالف عنه أدب الحوار وعِفَّة اللسان، وراجعي - أو راجع - إن شئتَِ "الرسالة الذهبية".

هذا؛ وتحريرُ مَحَلِّ النزاع، فيمن نَعْنِيهم بالدفاع - كما ذكرتُ في أكثرَ من موضع من المقال السابق -: هم قومٌ من أهل السنة والجماعة في الجُمْلة، قالوا بقول أهل البدعة في مسألة جزئية مُعَيَّنة، أو مسائلَ جزئية محصورة، كمَن وقع عمليًا - تطبيقا لا تأصيلا - في تحريف بعض الصِّفَات؛ جَهْلاً، أو تأويلاً، أو لعَدَم معرفته بطرائق أهل السنّة في الاستدلال، أو لجَهْله بالسنّة أصلاً، أو قال كلاما ظاهرُه الضلالُ في موضع من كتبه، ورجع عنه في آخِرِ كُتُبِه، أو أَجْمَل أو أَطْلَق أو عَمَّم في موضع، وبَيَّن وقَيَّد وخَصَّص في موضع آخر. وغيرُ ذلك كثير ممن هو على المنهج الحق، وانتسب إلى السنّة في الجُمْلة، ونَصَرَها، فيُعْتَذر عنه، ولا تُنْسى حسناته، بل تُطْوَى سَيِّئَاتُه، في خِضَمِّ حَسَناتِه.

أما مَنْ خالف في أصل من الأصول، أو في جزئيات كثيرة، بحيث تكون كالأصل الْكُلِّيِّ - فقد فارقَ سبيلَ أهل السنّة، إلى طرق أهل البدعة؛ قال الإمام الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام": "وذلك أن هذه الفِرَقَ إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كُلِّيٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات؛ إذ الجزء والفرع الشاذ لا يَنْشَأُ عنه مخالَفة يَقَعُ بسببها التفرُّق شِيعا؛ وإنما ينشأ التفرُّق عند وقوع المخالفة في الأمور الكُلِّيَّة. ثم قال: ومَجْرى القاعدةِ الكلية كَثْرَةُ الجزئيات؛ فإن المبتدع إذا أَكْثَر من إنشاء الفروع المخترَعة، عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارَضة".اهـ.

ومن تَأَمَّل حال كل مبتدِع منحرِف، وَجَدَه خالَف أهل السنة والجماعة، في معنى أو عدة معانٍ كلية: مثل الخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والرافضة، ومتأخري المتصوفة القبورية، والأشاعرة.

فمن كان على منهج يخالِف منهج أهل السنة أصلاً، فضلاً عن أن يُعْرف بعدائه الشديد لهم، أو الكَيْد بهم، والحَطِّ عليهم، فلا يَدْخل فيما قَعَّدْناه وأَصَّلْناه؛ بل يُعَامَلُ معاملةَ المبتدِع، وإن كان من الواجب أن تكون معاملتُه بعَدْلٍ وإنصاف، مع تَرْك التَّعَصُّبِ والاعْتِسَاف.

فمن عرف ما ذكرْنا، وفَهِم ما أخبرنا، وفَقِه ما عليه دَلَّلْنا، لم يَغِبْ عن وَعْيِه، بل ولم يَعْزُبْ عن عَقْلِه، سِرُّ حَمْل العلاّمة: بَكْرِ بن عبدالله أبو زيد على الشيخ عبد الفتاح أبوغدة الحلبي، المعروفِ بشدَّة عدائه لأهل السنَّة، بَلْهَ أهلَ الحديث، وأنه كثيرُ الوقيعة في أهل التوحيد، مع وَصْمِهم بالوَهَّابِيَّة؛ تنقيصًا لهم، وتَصْرِيحه بتضليلهم، وهذا أشهر من أن يُذْكَر، وذلك مع قُبُورِيَّته وَأَشْعَرِيَّتِه، وتعصبه المقيت لحنفيَّته، وقوله بالاستعانة والاستغاثة بالموتى، فضلاً عن نُصْرَتِه لأقوال الضالِّ المُضِلِّ زاهدِ الكوثري، الذي جمع من الشرور أَشَرَّها، ومن الوقيعة أحَطَّها، ولم يُرَاعِ شيخًا أو إمامًا لأهل السنة والجماعة.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تقريظًا لرسالة: "براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة": "فقدِ اطَّلَعْتُ على الرسالة التي كتبتُم بعنوان: "براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة"، وفضحتُم فيها المُجْرم الآثمَ محمد زاهد الكوثري، بنقل ما كتبه من السَبِّ والشَّتْمِ والقَذْفِ لأهل العلم والإيمان، واستطالَتِه في أعراضهم، وانتقادِه لكُتُبِهم... إلى آخر ما فَاهَ به ذلك الأفَّاكُ الأثيم، عليه من الله ما يَسْتَحِقُّ، كما أوضحتُم - أثابكم الله - تَعَلُّقَ تلميذه الشيخ عبدالفتاح أبو غدة به، وولاءَه له، وتَبَجُّحَه باستطالة شيخه المذكور في أعراض أهل العلم والتُّقَى، ومشاركتَه له في الهَمْزِ واللَّمْزِ، وقد سَبَقَ أن نصحْناه بالتَّبَرُّؤ منه، وإعلانِ عدم موافقته له على ما صَدَرَ منه، وألححْنا عليه في ذلك، ولكنه أَصَرَّ على موالاته له، هداه الله للرجوع إلى الحق، وكفى الله المسلمين شرَّه وأمثالِه، وإنا لَنَشْكرُكم على ما كتبتُم في هذا الموضوع، ونسأل الله أن يَجْزِيَكم عن ذلك خيرَ الجزاء، وأفضل المثوبة".

وأقول لكل مَن رَاجَتْ عليه أقوالُ أُولَيَّائِكم المبتدِعة: إنّ هؤلاء تَعِبُوا وما أَغْنَوْا، ونَصِبُوا وما أَجْدَوْا، وحامُوا وما وَرَدُوا، وغَنَّوْا وما أَطْرَبُوا، ونَسَجُوا فَهَلْهَلُوا، ومَشَّطُوا فَفَلْفَلُوا؛ ظنُّوا ما لا يكون ولا يمكن ولا يُسْتطاع، ظنُّوا أنهم يُمْكنهم أن يَدُسُّوا البِدَعَ والخرافاتِ في الشريعة، وأن يَضُمُّوا إليها أقوالَ أهل الضلال، وهيهاتَ هيهاتَ!! ولاتَ حِينَ مَنْدَمِ!! فهذا مَرامٌ دونه حَدَد، وقد تَوَفَّر على هذا قبلَ هؤلاء قومٌ كانوا أَحَدَّ أنياباً، وأحضرَ أسباباً، وأعظمَ أقداراً، وأرفعَ أخطاراً، وأوسعَ قُوًى، وأوثق عُرًى، فلم يَتِمَّ لهم ما أرادوه، ولا بلغوا منه ما أمَلوه، وحصلوا على لُوثاتٍ قبيحة، ولطخاتٍ فاضحة، وألقابٍ مُوحِشة، وعواقبَ مخزِية، وأوزارٍ مثقِلة.

فالشريعة مأخوذةٌ عن الله عز وجل من طريق الوحي، وبابِ المناجاة، وشهادةِ الآيات، وظهورِ المعجزات على ما يوجِبه العقلُ تارةً، ويُجَوِّزه تارةً، لمصالحَ عامةٍ مُتْقَنة، ومراشدَ تامةٍ مُبَيَّنَة، وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه، والغوص فيه، ولابد من التسليم للداعي إليه، والمُنَبِّه عليه؛ فهناك يَسْقُط "لم"، ويَبْطل "كيف"، ويزول "هلاّ"، ويذهب "لو" و"ليت" في الريح؛ لأن هذه المواد عنها محسومة، واعتراضات المعترضين عليها مردودةٌ، وارتياب المرتابين فيها ضارّ، وسكون الساكنين إليها نافع، وجملتها مشتملةٌ على الخير، وتفصيلها موصولٌ بها على حسن التقبُّل، وهي متداوَلة بين مُتَعَلِّق بظاهرٍ مكشوف، ومحتجٍّ بتأويلٍ معروفٍ، وناصرٍ باللغة الشائعة، وحامٍ بالجَدَل المُبِين، وذابٍّ بالعمل الصالح، وضاربٍ للمثل السائر، وراجعٍ إلى البرهان الواضح، ومتفقِّهٍ في الحلال والحرام، ومستندٍ إلى الأَثَر والخَبَر المشهورَيْنِ بين أهل المِلَّة، وراجعٍ إلى اتِّفاق الأمّة، وأساسُها على الوَرَع والتقوى، ومنتهاها إلى العبادة وطلب الزُّلْفى.

هذا؛ وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وللحديث بقية.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  ميقات أهل مكة الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
»  اصطلاحات الحج الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
» اصطلاحات الحج الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
»  عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
» تزوجت نصرانيا زعم أنه أسلم، فما العمل؟ الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي المركز الدولى :: ๑۩۞۩๑ (المنتديات الأسلامية๑۩۞۩๑(Islamic forums :: ๑۩۞۩๑نفحات اسلامية ๑۩۞۩๑Islamic Nfhat-
انتقل الى: