منتدي المركز الدولى


 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 1110
 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا  ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى


 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 1110
 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا  ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Orange 
Sharp Pointer
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى

اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله

 

  ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اواخر الشتا
برونزى
اواخر الشتا


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 25/04/2014

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة    ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Icon_minitime1الإثنين 3 ديسمبر - 16:00


ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن علي بن وهف القحطاني
شرح
أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة

{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }

كتبه
الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
راجعه :
الشيخ / د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
عضو الإفتاء بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية سابقا

المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن الله قد جعل لكل مطلوب سببا وطريقا يوصل إليه ، والإيمان هو أعظم المطالب وأهمها ، وقد جعل الله له أسبابا تجلبه وتقويه ، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه .

ومن أعظم ما يقوي الإيمان ويجلبه معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله بها قال الله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }(1) وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لله تسعة وتسعين اسما ؛ مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة " (2) أي من حفظها ، وفهم معانيها ومدلولها ، وأثنى على الله بها ، وسأله بها ، واعتقدها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون . فعلم أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان ، وقوته وثباته . ومعرفة الأسماء الحسنى بمراتبها الثلاث : إحصاء ألفاظها وعددها ، وفهم معانيها ومدلولها ، ودعاء الله بها دعاء الثناء والعبادة ، ودعاء المسألة – وهي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إليها ، لأن معرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات .
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) البخاري مع الفتح 5/354 و 11/214 و مسلم 4/2063 واللفظ لمسلم .


وهذه الأنواع هي روح الإيمان وأصله وغايته ، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه ، وقوي يقينه . فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، من غير تعطيل ولا تمثيل ، ولا تحريف ولا تكييف . بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه ، وقوة يقينه ، وطمأنينة في أحواله ، ومحبة لربه فمن عرف الله بأسمائه ، وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة . ولهذا كانت المعطلة والفرعونية ، والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى محبة الله تعالى .(1)
ومن الأمور التي تقوي الإيمان وتجلبه تدبر القرآن الكريم ، فإن المتدبر للقرآن لا يزال يستفيد من علومه ومعارفه ما يزداد به إيمانا ، وكذلك إذا نظر إلى انتظامه ، وإحكامه وأنه يصدق بعضه بعضا ويوافق بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف ؛ فإذا قرأه العبد بالتدبر ، والتفهم لمعانيه ، وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ، ليتفهم مراد صاحبه منه ، فهذا من أعظم مقويات الإيمان . وحسن التأمل لما يرى العبد ويسمع من الآيات المشهودة والآيات المتلوة يثمر صحة البصيرة . وملاك ذلك كله هو أن ينقل العبد قلبه من وطن الدنيا ، ويسكنه وطن الآخرة . ثم يقبل به كله على معاني القرآن ويتدبر معانيه ويفهم ما يراد منه ، وما أنزل لأجله ويأخذ نصيبه وحظه من كل آية من آياته وينزلها على داء قلبه ، فهذه طريقة مختصرة قريبة سهلة موصلة إلى الرفيق الأعلى ، وهي من أقرب الطرق لتدبر القرآن الكريم (2) .
__________
(1) انظر مدارج السالكين لابن القيم 3/17 والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان لعبد الرحمن السعدي ص 39 وبدائع الفوائد لا بن القيم 1/164.
(2) أنظر مدارج السالكين لابن القيم 2/28


وكذلك معرفة أحاديث النبي ‘ وما تدعو إليه من علوم الإيمان وأعماله ، وكل ذلك من محصلات الإيمان ومقوياته ، فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله ازداد إيمانه ويقينه وقد يصل في علمه وإيمانه إلى مرتبة اليقين .
ومن طرق موجبات الإيمان وأسبابه : معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية ، والأوصاف الكريمة ، فإن من عرفه حق المعرفة لم يرتب في صدقه وصدق ما جاء به : من الكتاب والسنة والدين الحق .
ومن أسباب الإيمان ودواعيه : التفكر في الكون : في خلق السماوات والأرض ، وما فيهن من المخلوقات المتنوعة ، والنظر في نفس الإنسان وما هو عليه من الصفات ، فإن ذلك داع قوي للإيمان ، لما في هذه الموجودات من عظمة الخلق الدال على قدرة خالقها وعظمته وما فيها من الحسن والانتظام والإحكام – الذي يحير العقول – الدال على سعة علم الله وشمول حكمته .
وكذلك النظر إلى فقر المخلوقات كلها ، واضطرارها إلى ربها من كل الوجوه ، وأنها لا تستغني عن الله طرفة عين .. وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع وكثرة الدعاء والافتقار إلى الله في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ويوجب له قوة التوكل على الله ، وشدة الطمع في بره وإحسانه ، وكمال الثقة بوعد الله ، وبهذا يتحقق الإيمان ويقوى ، وكذلك التفكر في كثرة نعم الله التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين .
ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الإكثار من ذكر الله تعالى ومن الدعاء الذي هو العبادة ، ويكون هذا الذكر على كل حال : باللسان ، والقلب ، والعمل ، والحال . فنصيب العبد من الإيمان على قدر نصيبه من هذا الذكر .

ومن الأسباب أيضا : معرفة محاسن الإسلام فإن الدين الإسلامي كله محاسن : عقائده أصح العقائد وأصدقها ، وأنفعها ، وأخلاقه أجمل الأخلاق ، وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها . وبهذا النظر يزين الله الإيمان في قلب العبد ويحببه إليه .
ومن أعظم مقويات الإيمان : الاجتهاد في الإحسان في عبادة الله ، والإحسان إلى خلق الله ، فيجتهد العبد في عبادة الله كأنه يشاهده ، فإن لم يقو على ذلك استحضر أن الله يشاهده ويراه فيجتهد في العمل وإتقانه ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى يقوى إيمانه ويقينه ويصل في ذلك إلى حق اليقين الذي هو أعلى مراتب اليقين فيذوق حلاوة الطاعات .
ومن مقويات الإيمان الدعوة إلى الله وإلى دينه والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر . وبذلك يكمل العبد بنفسه ويكمل بغيره .
ومن أهم أسباب تقوية الإيمان الابتعاد عن شعب الكفر والنفاق والفسوق والعصيان .
ومن الأسباب التي تقوي الإيمان التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض وتقديم ما يحبه الله على كل ما سواه عند غلبة الهوى .
ومن ذلك الخلوة بالله وقت نزوله ، لمناجاته ، وتلاوة كلامه ، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
ومن الأسباب المقوية للإيمان مجالسة العلماء الصادقين المخلصين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر .
ومن ذلك الابتعاد عن كل سبب يحول بين قلب العبد وبين الله تبارك وتعالى .(1)
__________
(1) انظر مدارج السالكين لابن القيم 3/17 والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي ص40-62

ومعرفة أسماء الله الحسنى بمراتبها الثلاث هي من أعظم مقويات الإيمان بل معرفة الله بأسمائه وصفاته هي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إلى هذا الأصل العظيم ، ولهذا السبب وغيره جمعت ما يسر الله لي من الأسماء الحسنى وذكرت لكل اسم دليلا من الكتاب أو السنة ثم عرضت هذه الأسماء كلها على سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ، جزاه الله خيرا فما أقره أثبته ، وما توقف عنه أو نفاه أسقطته ، حتى اجتمع لي أكثر من تسعة وتسعين من الأسماء الحسنى بأدلتها الصريحة(1) ، ثم اخترت من هذه الأسماء تسعة وتسعين اسما وشرحتها شرحا مختصرا إلا في بعض الأسماء فقد أطلت في شرحها لأن المقام يقتضي هذا ونقلت الشرح لهذه الأسماء من المصادر المعتمدة وخاصة لأهل التحقيق من أهل السنة كابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رحمة واسعة ، وهو لا شك من العلماء الذين نفع الله بعلمهم (2)
وقد قسمت هذا البحث خمسة عشر مبحثا :
المبحث الأول : أسماء الله تعالى توقيفية .
المبحث الثاني : أركان الإيمان بالأسماء الحسنى .
المبحث الثالث : أقسام ما يوصف به الله تعالى .
المبحث الرابع : دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع .
البحث الخامس : حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى .
المبحث السادس : إحصاء الأسماء الحسنى أصل للعلم .
المبحث السابع : أسماء الله تعالى كلها حسنى .

المبحث الثامن : أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله .
المبحث التاسع : من أسماء الله الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات .
__________
(1) ومن الأسماء التي عرضتها على سماحته ولم أذكرها في الشرح : المستعان ، والمسعر ، والطيب ، والوتر.
(2) وانظر قائمة المراجع في آخر الكتاب.


المبحث العاشر : الأسماء الحسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات .
المبحث الحادي عشر : أسماء الله وصفاته مختصة به واتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات .
المبحث الثاني عشر : أمور ينبغي أن تعلم .
المبحث الثالث عشر : مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى .
المبحث الرابع عشر : الأسماء الحسنى لا تحد بعدد .
المبحث الخامس عشر : شرح أسماء الله الحسنى بلا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه .
وختمت ذلك بفتاوى في الأسماء الحسنى . للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية .
وقد سميته شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة . هذا ما يسر الله لي جمعه . فما كان من صواب فمن الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان ، والله بريء من ورسوله . والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل خالصا لوجهه الكريم ، مقربا لجامعه وقارئه ، وطابعه من جنان النعيم وأن يجعله حجة لنا ولا يجعله حجة علينا ، وأن ينفع به جامعه ، ومن انتهى إليه إنه خير مسؤول ، وأكرم مأمول ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى :
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
ليلة السبت 12/7/1409هـ

المبحث الأول
أسماء الله تعالى توقيفية

أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص ؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }(1)وقوله : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }(2)ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص .(3)

المبحث الثاني
أركان الإيمان بالأسماء الحسنى
1) الإيمان بالاسم .
2) الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى .
3) الإيمان بما يتعلق به من الآثار .
فنؤمن بأن الله رحيم ذو رحمة وسعت كل شيء ، ويرحم عباده ، قدير ذو قدرة ، ويقدر على كل شيء ، غفور ذو مغفرة ويغفر لعباده (4).

المبحث الثالث
أقسام ما يوصف به الله تعالى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
ما يجري صفة أو خبرا على الرب تبارك وتعالى أقسام :
أحدها : ما يرجع إلى نفس الذات كقولك : ذات ، وموجود ، وشيء .
الثاني : ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم والقدير ، والسميع .
الثالث : ما يرجع إلى أفعاله نحو : الخالق ، والرزاق .
الرابع : ما يرجع إلى التنزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتا إذ لا كمال في العدم المحض كالقدوس السلام .
__________
(1) سورة الإسراء آية 36.
(2) سورة الأعراف آية 33.

(3) القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد بن صالح العثيمين 13 وانظر بدائع الفوائد لابن القيم 1/162 .
(4) مختصر الأجوبة الأصولية شرح العقيدة الواسطية لعبد العزيز السلمان ص 27

الخامس : ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد نحو : المجيد ، العظيم ، الصمد ، فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا فإنه موضوع للسعة ، والكثرة ، والزيادة ، فمنه : استمجد المرخ والغفار وأمجد الناقة علفا . ومنه ( رب العرش المجيد ) صفة للعرش لسعته وعظمه وشرفه (1). وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم ، لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه فأتى في هذا المطلوب باسم تقتضيه كما تقول : اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ولا يحسن أنك أنت السميع البصير فهو راجع إلى المتوسل إليه بأسمائه وصفاته وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه . ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي : (( ألظوا بياذا الجلال والإكرام )) (2) ومنه (( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام )) (3) فهذا سؤال له وتوسل إليه وبحمده وأنه الذي لا إله إلا هو المنان فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعا عند المسؤول ، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارة وقد فتح لمن بصره الله .
__________
(1) قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: المجيد فيه قراءتان : الرفع على أنه صفه للرب عز وجل ، والجر على أنه صفه للعرش وكلاهما معنى صحيح 4/497 .
(2) أخرجه الترمذي 5/539 واحمد 4/177 وانظر صحيح الترمذي 3/172 فقد صححه هناك .
(3) أخرجه أهل السنن وأنظر صحيح ابن ماجه 2/329


ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفات عديدة . فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال . وكذلك الصمد قال ابن عباس : هو السيد الذي كمل في سؤدده ، وقال ابن وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده . وقال عكرمة : الذي ليس فوقه أحد ، وكذلك قال الزجاج : الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء . وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة إن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم و أمورهم . واشتقاقه يدل على هذا فإنه من الجمع والقصد الذي اجتمع القصد نحوه واجتمعت فيه صفات السؤدد وهذا أصله في اللغة كما قال :
الأبكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن يربوع وبالسيد الصمد
والعرب تسمي أشرافها بالصمد لاجتماع قصد القاصدين إليه واجتماع صفات السيادة فيه .
السادس : صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو : الغني الحميد ، العفو القدير ، الحميد المجيد . وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن فإن الغنى صفة كمال والحمد كذلك واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر فله ثناء من غناه ، وثناء من حمده ، وثناء من اجتماعهما ، وكذلك العفو القدير ، والحميد المجيد ، والعزيز الحكيم ، فتأمله فإنه من أشرف المعارف .

وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والألوهية . والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتا كقوله تعالى : { لا تأخذه سنة ولا نوم }(1) فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته ، وكذلك قوله تعالى : { وما مسنا من لغوب } (2) متضمن لكمال قدرته وكذلك قوله : { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة }(3) متضمن لكمال علمه ، وكذلك قوله : { لم يلد ويولد } (4) متضمن لكمال صمديته وغناه ، وكذلك قوله : { ولم يكن له كفوا أحد }(5)متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له . وكذلك قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار }(6)متضمن لعظمته وأنه جل عن أن يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب .(7)

المبحث الرابع
دلالة الأسماء الحسنى
دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع :

أسماء الله كلها حسنى ، وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق ، وكلها مشتقة من أوصافها ، فالوصف فيها لا ينافي العلمية ، والعلمية لا تنافي الوصف ، ودلالتها ثلاثة أنواع :
دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله .
ودلالة تضمن إذا فسرناه ببعض مدلوله .
__________
(1) سورة البقرة آية 254
(2) سورة ق آية 38
(3) سورة يونس آية 61
(4) سورة الإخلاص آية 3
(5) سورة الإخلاص آية 4
(6) سورة الأنعام آية 103
(7) بدائع الفوائد 1/159 -161 ثم قال يجب أن يعلم هنا أمور وذكر عشرين فائدة تكتب بماء الذهب فارجع إليها في 1/159-170 .


ودلالة التزام إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها . فمثلا ( الرحمن ) دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة . وعلى أحدهما دلالة تضمن ، لأنها داخلة في الضمن ، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة ، والعلم ، الإرادة والقدرة ، ونحوها دلالة التزام ، وهذا الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل ، ويتفاوت فيها أهل العلم ، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ وما يدل عليه من المعنى وفهمته فهما جيدا ففكر فيما يتوقف عليه ولا يتم بدونه . وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية فدلالاتها الثلاث كلها حجة لأنها معصومة محكمة (1).

المبحث الخامس
حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى
وحقيقة الإلحاد فيها هو الميل بها عن الاستقامة إما بإثبات المشاركة فيها لأحد من الخلق ، كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلهتهم من صفات الله مالا يصلح إلا لله ، كتسميتهم اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، وكل مشرك تعلق بمخلوق اشتق لمعبوده من خصائص الربوبية والإلهية من برر له عبادته . وأعظم الخلق إلحادا طائفة الاتحادية الذين من قولهم : إن الرب عين المربوب فكل اسم ممدوح أو مذموم يطلق على الله عندهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا . وإما أن يكون الإلحاد بنفي صفات الله وإثبات أسماء لا حقيقة لها كما فعل الجهمية ومن تفرع عنهم ، وإما بجحدها وإنكارها رأسا إنكارا لوجود الله كما فعل زنادقة الفلاسفة فهؤلاء الملحدون قد انحرفوا عن الصراط المستقيم ويمموا طرق الجحيم (2).
__________
(1) توضيح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ص132 .
(2) المرجع السابق ص33


قال ابن القيم رحمه الله تعالى : قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }(1) والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته ل ح د . فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط . ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل . قال ابن السكيت الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه . ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك . وقوله تعالى : { ولن تجد من دونه ملتحدا }(2) أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره . تقول العرب : التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه . إذا عرف هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع :
أحدها : أن تسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية ، والعزى من العزيز . وتسميتهم الصنم إلاها وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة .
الثاني : تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبا وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك .
وثالثها : وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود : إنه فقير . وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه . وقولهم : { يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا } (3)وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته .
__________
(1) سورة الأعراف آية 180
(2) سورة الكهف آية 27.
(3) سورة المائدة الآية 64


ورابعها : تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع ، والبصير ، والحي ، والرحيم والمتكلم ، والمريد ، ويقولون : لا حياة له ، ولا سمع ، ولا بصر ، ولا كلام ، ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا ، وشرعا، ولغة ، وفطرة وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسمائه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب . وكل من جحد شيئا مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر .

وخامسها : تشبيه صفاته بصفات خلقه ، تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيرا ، فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها ، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ، ولم يجحدوا صفاته ، ولم يشبهوها بصفات خلقه ، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظا ولا معنى بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئا من التشبيه وتنزيههم خاليا من التعطيل لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنما أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدما . وأهل السنة وسط في النحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل ، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء . فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب. (1)










ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 0023
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اواخر الشتا
برونزى
اواخر الشتا


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 25/04/2014

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة    ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Icon_minitime1الإثنين 3 ديسمبر - 16:05

المبحث السادس
إحصاء الأسماء الحسنى أصل للعلم
__________
(1) بدائع الفوائد لا بن القيم رحمه الله تعالى بتصرف يسيرجدا 1/169 -170 وقد ذكر رحمه الله عشرين فائدة في أسماء الله الحسنى قال في نهايتها : (( فهذه عشرون فائدة مضافة إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف به الرب تبارك وتعالى فعليك بمعرفتها ومراعاتها ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلبا عاقلا ، ولسانا قائلا ، ومحلا قابلا و إلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجل وأعز مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال { وفوق كل ذي علم عليم } حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علما . وعسى الله أن يعين بفضله على تعليق شرح الأسماء الحسنى مراعيا فيه أحكام هذه القواعد بريئا من الإلحاد في أسمائه وتعطيل صفاته فهو المنان بفضله والله ذو الفضل العظيم )) وانظر بدائع الفوائد 1/159-170.


إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا ، إما علم بما كونه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسماءه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد ، والرأفة ، والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه فأمره كله مصلحة ، وحكمة ، ورحمة ، ولطف ، وإحسان إذ مصدره أسماؤه الحسنى وفعله كله لا يخرج عن العدل ، والحكمة ، والمصلحة والرحمة ، إذ مصدره أسماؤه الحسنى فلا تفاوت في خلقه , ولا عبث ، ولم يخلق خلقه باطلا ، ولا سدى ، ولا عبثا . وكما إن كل موجود سواه فبإيجاده فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى ولهذا لا تجد فيها خللا ولا تفاوتا ، لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما أن يكون لجهله به أو لعدم حكمته . وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم فلا يلحق فعله ولا أمره خلل ، ولا تفاوت ، ولا تناقض.(1)
المبحث السابع
أسماء الله كلها حسنى
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم 1/163


أسماء الله كلها حسنى ليس فيها اسم غير ذلك أصلا وقد تقدم أن من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل نحو الخالق ، والرازق ، والمحيي ، والمميت وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها ، لأنه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم ولم تكن أسماؤه كلها حسنى وهذا باطل فالشر ليس إليه فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته لا يدخل في أفعاله فالشر ليس إليه لا يضاف إليه فعلا ولا وصفا وإنما يدخل في مفعولاته . وفرق بين الفعل والمفعول فالشر قائم بمفعوله المباين له لا بفعله الذي هو فعله فتأمل هذا فإنه خفي على كثير من المتكلمين وزلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وهدى الله أهل الحق لما اختلفوا فيه بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (1)..

المبحث الثامن
أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم 1/163 .


إن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء . فالقدير ، والسميع ، والبصير ، والعزيز ، والحكيم ، وهذا يسوغ أن يدعا به مفردا ومقترنا بغيره فتقول : يا عزيز يا حليم ، يا غفور يا رحيم ، وأن يفرد كل اسم وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع . ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله كالمانع ، والضار ، والمنتقم ، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمعطي ، والنافع ، والعفو فهو المعطي المانع ، الضار النافع ، المنتقم العفو ، المعز المذل ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية ، وتدبير الخلق ، والتصرف فيهم عطاء ، ومنعا ، ونفعا ، وضرا ، وعفوا ، وانتقاما . وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع ، والانتقام ، والإضرار ، فلا يسوغ . فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد ولذلك لم تجئ مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه (فلو قلت ) يا مذل ،يا ضار ، يا مانع ، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها(1).
المبحث التاسع
من أسماء الله الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم 1/167 .


قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( من أسمائه الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات . ويكون ذلك الاسم متناولا لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها . كاسمه العظيم ، والمجيد ، والصمد ، كما قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره : الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله سبحانه . وهذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفوا أحد ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار . هذا لفظه . وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ، ففسر الاسم بدون معناه ،ونقصه من حيث لا يعلم فمن لم يحط بهذا علما بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره ) .(1)

المبحث العاشر
الأسماء الحسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة : اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن فاشتملت على التعريف بالمعبود – تبارك وتعالى – بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى ، والصفات العليا إليها ، ومدارها عليها وهي : الله ، والرب ، والرحمن وبنيت السورة على الإلهيه ، والربوبية ، والرحمة ، فـ { إياك نعبد } مبني على الإلهية ، و{ إياك نستعين } على الربوبية ، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة . والحمد يتضمن الأمور الثلاثة : فهو المحمود في إلهيته ، وربوبيته ، ورحمته ، والثناء والمجد كما لان لجده.. وتضمنت – يعني سورة الفاتحة – إثبات النبوات من جهات عديدة :
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى 1/168 نشر مكتبة الرياض الحديثه بتصرف يسير جدا .


كون الله ( رب العالمين ) . فلا يليق به أن يترك عباده سدى هملا لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ، ومعادهم ، وما يضرهم فيهما فهذا هضم للربوبية ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به وما قدره حق قدره من نسبه إليه .
من اسم (الله) وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله عليهم الصلاة والسلام .
من اسمه ( الرحمن ) فإن رحمته تمنع إهمال عباده ، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم . فمن أعطى اسم ( الرحمن ) حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، أعظم من تضمنه إنزال الغيث ، وإنبات الكلأ ، وإخراج الحب ، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب . وأدرك منه أولو الألباب أمرا وراء ذلك ...(1)
واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم . وهي :
1) التوحيد العلمي – سمي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة – ويسمى أيضا بـ( توحيد الأسماء والصفات ) .
2) التوحيد القصدي الإرادي – سمي بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة – وهذا الثاني نوعان : توحيد في الربوبية ، وتوحيد في الإلهية . فهذه ثلاثة أنواع .
فأما التوحيد العلمي [ توحيد الأسماء والصفات ] فمداره على إثبات صفات الكمال ، وعلى نفي التشبيه ، والمثال ، والتنزيه عن العيوب والنقائص وقد دل على هذا شيئان :
أ) مجمل ، ب) مفصل.
أ ) أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه .
ب ) وأما المفصل فذكر صفة ( الإلهيه، والربوبية ، والرحمة ، والملك ) وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات .
__________
(1) مدارج السالكين 1/8 وذكر بعد ذلك - رحمه الله تعالى - جهات عديدة لتضمن سورة الفاتحة لإثبات النبوات ولكني اقتصر على ما يختص بالأسماء الحسنى .


* فأما تضمن الحمد لذلك فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله ، ونعوت جلاله ، مع محبته والرضا عنه ، والخضوع له . فلا يكون حامدا من جحد صفات المحمود ، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له ، وكلما كانت صفات المحمود أكثر كان حمده أكمل وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها . ولهذا كان الحمد كله لله حمدا لا يحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها . لأجل هذا لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه . كما قال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ))(1) فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات .
* وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها ( أي على الأسماء والصفات ) وهي : ( الله ، والرب ، والرحمن ، والرحيم ، والملك ) فمبني على أصلين :
الأصل الأول : أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهي مشتقة من الصفات . فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى إذ لو كانت ألفاظا لا معاني فيها لم تكن حسنى ، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال . ولساغ وقوع أسماء الانتقام ، والغضب في مقام الرحمة والإحسان وبالعكس فيقال : اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر إنك أنت المنتقم . واللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع ، ونحو ذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
__________
(1) مسلم 1/352 .


ونفي معاني الأسماء الحسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } (1) ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصدرها ويوصف بها . لكن الله أخبر عن نفسه بمصدرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم . كقوله تعالى : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } (2) فعلم أن ( القوي ) من أسمائه ومعناه : الموصوف بالقوة . وكذلك قوله تعالى : { فلله العزة جميعا }(3) فالعزيز من له العزة ، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يسم قويا ولا عزيزا ، وكذلك قوله تعالى : { أنزله بعلمه }(4) وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله ، أو سمعه، أو بصره، أو قوته أو عزته ، أو عظمته انعقدت يمنيه وكانت مكفرة لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه . وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها . فلا يقال : يسمع، ويرى ، ويعلم ، ويقدر ، ويريد ، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها .. فنفي معاني أسمائه سبحانه من أعظم الإلحاد فيها والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها .
الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة ، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم . فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن ، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة ، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم . فإن اسم (السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة .
وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن ، ويدل على اسم ( الحي) وصفة الحياة بالالتزام . وكذلك سائر أسمائه وصفاته .. ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه .
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180 .
(2) سورة الذاريات الآية 58 .
(3) سورة فاطر الآية 10 .
(4) سورة النساء الآية 166 .


* إذا تقرر هذان الأصلان فاسم ( الله ) دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث ( المطابقة ، والتضمن ، واللزوم ) فإنه دال على إلهيتة المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه . وصفات الإلهية –يعني أن الله الإله الحق وحده لا شريك له – هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والتمثيل ، وعن العيوب والنقائص ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم كقوله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى } ويقال : ( الرحمن ، والرحيم ، والقدوس ، والسلام , والعزيز، والحكيم ) من أسماء الله ولا يقال : الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز . ونحو ذلك .
فعلم أن اسمه ( الله ) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى ، دال عليها بالإجمال ، والأسماء الحسنى تفصيل ، وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم ( الله ) واسم (الله) دال على كونه مألوها معبودا ، تألهه الخلائق محبة ، وتعظيما خضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد . وإلهيته وربوبيته ، ورحمانيته ، وملكه ، مستلزم لجميع صفات كماله . إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولا سميع ، ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ، ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في أفعاله .
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم (الله) .
وصفات الفعل ، والقدرة والتفرد بالضر والنفع ، والعطاء والمنع ، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم ( الرب ) .
وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف ، أخص باسم ( الرحمن) .


وكرر إيذانا بثبوت الوصف ، وحصول أثره ، وتعلقه بمتعلقاته . فالرحمن الذي الرحمة وصفه ، والرحيم : الراحم لعباده ولهذا يقول تعالى : { وكان بالمؤمنين رحيما }(1) ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين مع ما في اسم ( الرحمن ) الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ... فبناء فعلان للسعة والشمول . ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله تعالى : { الرحمن على العرش على استوى }(2) لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم قال تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء }(3)وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش (( إن رحمتي تغلب غضبي )) وفي لفظ : (( فهو عنده على العرش ))(4)فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ، ووضعه عنده على العرش وطابق بين ذلك وبين قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } (5)وقوله : { ثم استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيرا } (6) ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهيم .
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 43 .
(2) سورة طه الآية 5 .
(3) سورة الأعراف الآية 156 .
(4) البخاري مع الفتح 6/187 ومسلم 4/2107 .
(5) سورة طه الآية 5 .
(6) سورة الفرقان الآية 59 .


* وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز، والإذلال، والقهر، والحكم، ونحوها أخص باسم ( الملك ) وخصه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل لتفرده بالحكم فيه وحده، ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة، ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه .وفي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد في قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين }(1)وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته ، محمود في ربوبيته ، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه وأنه إله محمود، ورب محمود، وملك محمود . فله بذلك جميع أقسام الكمال .
كمال من هذا الاسم بمفرده ، وكمال من الآخر بمفرده وكمال من اقتران أحدهما بالآخر. مثال ذلك قوله تعالى : { والله غني حميد }(2) ، {والله عليم حكيم }(3) ، {والله قدير والله غفور رحيم }(4)، فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال ، واقتران غناه بحمده كمال أيضا وعلمه كمال وحكمته كمال واقتران العلم بالحكمة كمال أيضا . وقدرته كمال ، ومغفرته كمال واقتران القدرة بالمغفرة كمال ، وكذلك العفو بعد القدرة : { إن الله كان عفوا قديرا } (5).
فما كل من قدر عفا ، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة ، ولا كل من علم يكون حليما ، ولا كل حليم يكون عالم في قرن شئ إلى شئ أزين من حلم إلى علم ، ومن عفو إلى قدرة ، ومن مللك إلى حمد ، ومن عزة إلى رحمة , {وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (6) وفي هذا أظهر دلالة على أن أسماء الرب تبارك وتعالى مشتقة من أوصاف ومعان قامت به ، وإن كل اسم يناسب ما ذكر معه واقترن به من فعله وأمره والله الموفق للصواب .(7)
__________
(1) سورة الفاتحة 1-3
(2) سورة التغابن الآية 6
(3) سورة النساء الآية 26
(4) سورة الممتحنة 7
(5) سورة النساء الآية 43
(6) سورة الشعراء الآية 191
(7) مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله تعالى 1/24-37 بتصرف


إذا قال السائل (( اللهم إني أسألك )) كأنه قال : أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بأسمائه وصفاته . فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم ، إيذانا بسؤاله تعالى بأسمائه كلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (( ما أصاب عبدا هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا )) قالوا يا رسول الله أفلا نتعلمهن ؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن )) (1) .
فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم (( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم )) (2).
والدعاء ثلاثة أقسام :
أن تسأل الله بأسمائه وصفاته .
أن تسأله بحاجتك وفقرك وذلك فتقول أنا العبد الفقير المسكين الذليل المستجير ونحو ذلك .
أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدا من الأمرين فالأول أكمل من الثاني والثاني أكمل من الثالث فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل . وهذه عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم .
فالدعاء الذي علمه صديق الأمة رضي الله عنه ذكر الأقسام الثلاثة :
فإنه قال في أوله : (( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ))(3) وهذا حال السائل .
ثم قال : (( وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) وهذا حال المسؤول .
__________
(1) رواه أحمد 1/391 وصححه الألباني
(2) رواه أهل السنن ، وانظر صحيح ابن ماجه 2/329 .
(3) البخاري 1/68 ومسلم 4/2078


ثم قال : ((فاغفر لي )) فذكر حاجته وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه ، ثم قال ابن القيم رحمه الله : وهذا القول الذي اخترناه قد جاء عن غير واحد من السلف. قال الحسن البصري: (( اللهم )) مجمع الدعاء ، وقال أبو رجاء العطاردي : إن الميم في قوله (( اللهم )) فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى . وقال النضر بن شميل : من قال : (( اللهم )) فقد دعا الله بجميع أسمائه .(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اواخر الشتا
برونزى
اواخر الشتا


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 25/04/2014

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة    ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Icon_minitime1الإثنين 3 ديسمبر - 16:13

المبحث الحادي عشر
أسماء الله وصفاته مختصة به ، واتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء ، فكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره ، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص ، لا اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص .
فقد سمى الله نفسه حيا ، فقال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }(2)وسمى بعض عباده حيا فقال : { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } (3)وليس هذا الحي مثل هذا الحي ، لأن قوله : { الحي } اسم الله مختص به، وقوله : { يخرج الحي من الميت } اسم للحي المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ، والمخلوق عن الخالق .
__________
(1) التفسير القيم لابن القيم ص 210-211 بتصرف يسير جدا .
(2) سورة البقرة الآية 255 ...
(3) سورة الروم الآية 19


ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته ، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق ، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى .
وكذلك سمى الله نفسه عليما حليما ، وسمى بعض عباده عليما : { وبشروه بغلام عليم }(1) يعني إسحاق ، وسمى آخر حليما فقال : { فبشرناه بغلام حليم } (2) يعني إسماعيل ، وليس العليم كالعليم ، ولا الحليم كالحليم .
وسمى نفسه سميعا بصيرا فقال : {إن يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا }(3) وسمى بعض خلقه سميعا بصيرا فقال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } (4)وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير .
وسمى نفسه بالرؤوف الرحيم ، فقال : { إن الله بالناس لرءوف رحيم }(5)وسمى بعض عباده بالرؤوف الرحيم فقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }(6) وليس الرءوف كالرءوف ولا الرحيم كالرحيم .
وسمى نفسه بالملك فقال : { الملك القدوس } (7)وسمى بعض عباده بالملك ، فقال : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا }(Cool، {وقال الملك ائتوني به }(9)وليس الملك كالملك .
وسمى نفسه بالمؤمن فقال : { المؤمن المهيمن } (10)وسمى بعض عباده بالمؤمن ، فقال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون }(11) وليس المؤمن كالمؤمن .
__________
(1) سورة الذاريات الآية 28 .
(2) سورة الصافات الآية 101 .
(3) سورة النساء الآية 58 .
(4) سورة الإنسان الآية 2 .
(5) سورة البقرة الآية 143 .
(6) سورة التوبة الآية 128 .
(7) سورة الحشر الآية 23 .
(Cool سورة الكهف الآية 79 .
(9) سورة يوسف الآية 50 .
(10) سورة الحشر الآية 23 .
(11) سورة السجدة الآية 18
.


وسمى نفسه بالعزيز ، فقال : { العزيز الجبار المتكبر } (1)وسمى بعض عباده بالعزيز، فقال : { قالت امرأة العزيز }(2)وليس العزيز كالعزيز .
وسمى نفسه الجبار المتكبر، وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر فقال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار }(3) وليس الجبار كالجبار ، ولا المتكبر كالمتكبر.
ونظائر هذا متعددة.
وكذلك سمى صفاته بأسماء ، وسمى صفات عباده بنظير ذلك ، فقال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }(4) وقال : { أنزله بعلمه}(5)، وقال : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }(6) ، وقال : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة }(7).
وسمى صفة المخلوق علما وقوة فقال: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }(Cool، وقال : { وفوق كل ذي علم عليم }(9) ، وقال : { فرحوا بما عندهم من العلم }(10) ، وقال : {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير }(11)، وقال : { ويزدكم قوة إلى قوتكم }(12)وقال: { والسماء بنيناها بأيد}(13)، أي: بقوة ، وقال: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد }(14)أي: ذا القوة ، وليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة .
وكذلك وصف نفسه بالمشيئة ، ووصف عبده بالمشيئة ، فقال: { لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } (15) .
وقال: { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما } (16).
__________
(1) سورة الحشر الآية 23 .
(2) سورة يوسف الآية 51 .
(3) سورة غافر الآية 35
(4) سورة البقرة الآية 255
(5) سورة النساء الآية 166
(6) سورة الذاريات الآية 58
(7) سورة فصلت الآية 15
(Cool سورة الإسراء 85
(9) سورة يوسف الآية 76
(10) سورة غافر الآية 83
(11) سورة الروم الآية 54
(12) سورة هود الآية 52
(13) سورة الذاريات الآية 47
(14) سورة ص الآية 17
(15) سورة التكوير الآية 28-29
(16) سورة الإنسان الآية 29-30


وكذلك وصف نفسه بالإرادة ، ووصف عبده بالإرادة فقال : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم }(1)ووصف نفسه بالمحبة ، [ووصف عبده بالمحبة ] فقال : { فسوف بأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }(2) ، وقال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }(3) .
ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا , فقال : { رضي الله عنهم ورضوا عنه }(4).
ومعلوم أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد ، ولا إرادته مثل إرادته ، ولا محبته مثل محبته ، ولا رضاه مثل رضاه .
وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار ووصفهم بالمقت فقال : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون }(5)، وليس المقت مثل المقت .
وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد ، كما وصف عبده بذلك ، فقال: { ويمكرون ويمكر الله }(6) ، وقال:{ إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا } (7)وليس المكر كالمكر ، ولا الكيد كالكيد .
ووصف نفسه بالعمل فقال : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون }(Cool ، ووصف عبده بالعمل ، فقال: { جزاء بما كانوا يعملون }(9)وليس العمل كالعمل .
ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة ، في قوله : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا }(10)وقوله : { ويوم يناديهم }(11)وقوله : { وناداهما ربهما }(12) .
__________
(1) سورة الأنفال الآية 67
(2) سورة المائدة الآية 54
(3) سورة آل عمران الآية 31
(4) سورة المائدة الآية 119
(5) سورة غافر الآية 10
(6) سورة الأنفال الآية 30
(7) سورة الطارق الآية 9
(Cool سورة يس الآية 71
(9) سورة السجدة الآية 17
(10) سورة مريم الآية 52
(11) سورة القصص الآية 62
(12) سورة الأعراف الآية 22


ووصف عبده بالمناداة والمناجاة ، فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }(1)وقال : { إذا ناجيتم الرسول }(2)وقال:{ إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان}(3)وليس المناداة كالمناداة ، ولا المناجاة كالمناجاة .
ووصف نفسه بالتكليم في قوله : { وكلم الله موسى تكليما } (4) ، وقوله : {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه }(5)، وقوله : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } (6)، ووصف عبده بالتكليم في مثل قوله : { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين }(7)، وليس التكليم كالتكليم .
ووصفه نفسه بالتنبئة ، [ ووصف بعض الخلق بالتنبئة ، فقال : { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } (Cool وليس الإنباء كالإنباء .
ووصف نفسه بالتعليم ، ووصف عبده بالتعليم ، فقال : {الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان }(9).
وقال : {تعلمونهن مما علمكم الله }(10)، وقال : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة }(11)وليس التعليم كالتعليم .
وهكذا وصف نفسه بالغضب في قوله : { وغضب الله عليهم ولعنهم }(12)ووصف عبده بالغضب في قوله : {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } (13) وليس الغضب كالغضب .
__________
(1) سورة الحجرات الآية 4
(2) سورة المجادلة الآية 12
(3) سورة المجادلة الآية 9
(4) سورة النساء الآية 164
(5) سورة الأعراف الآية 143
(6) سورة البقرة الآية 253
(7) سورة يوسف الآية 54
(Cool سورة التحريم الآية 3
(9) سورة الرحمن الآية 1-4
(10) سورة المائدة الآية 4
(11) سورة آل عمران الآية 164
(12) سورة الفتح الآية 6
(13) سورة الأعراف الآية 150


ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه ، فذكر في سبع آيات(1)من كتابه أنه استوى على العرش ، ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره ، في مثل قوله : { لتستووا على ظهوره}(2)، وقوله { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك}(3)وقوله : { واستوت على الجودي }(4) وليس الاستواء كالاستواء .
ووصف نفسه ببسط اليدين فقال : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } (5) ، ووصف بعض خلقه ببسط اليد ، في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط }(6) وليس اليد كاليد ، ولا البسط كالبسط ، وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه ، ولا جوده كجودهم . ونظائر هذا كثيرة .
فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ، ونفي مماثلته لخلقه ، فمن قال : ليس لله علم ، ولا قوة ، ولا رحمة ولا كلام ، ولا يحب ولا يرضى ، ولا نادى ولا ناجى ولا استوى – كان معطلا، جاحدا ، ممثلا لله بالمعدومات والجمادات . ومن قال : [له ] علم كعلمي، أو قوة كقوتي ، أو حب كحبي ، أو رضا كرضاي ، أو يدان كيدي أو استواء كاستوائي –كان مشبها ، ممثلا لله بالحيوانات ، بل لابد من إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل (7).
__________
(1) وهذه الآيات هي : 1- { الرحمن على العرش استوى } طه آية 5 ، 2- { ثم استوى على العرش } الأعراف آية 54 ، 3- { ثم استوى على العرش } يونس آية 3 ، 4 – { ثم استوى على العرش } الرعد الآية 2 ، 5 – { ثم استوى على العرش } الفرقان الآية 59 ، 6- { ثم استوى على العرش } السجدة الآية 4 ، 7- { ثم استوى على العرش } سورة الحديد الآية 3 .
(2) سورة الزخرف الآية 13
(3) ورة المؤمنون الآية 28
(4) سورة هود الآية 44
(5) سورة المائدة الآية 64
(6) سورة الإسراء الآية 29
(7) التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص21-30 .


وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (( أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاث اعتبارات :
الاعتبار الأول : اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد .
الاعتبار الثاني : اعتباره مضافا إلى الرب مختصا به .
الثالث : اعتباره مضافا إلى العبد مقيدا به . فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتا للرب والعبد وللرب منه ما يليق بكماله وللعبد منه ما يليق به . وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات والعليم والقدير وسائر الأسماء ، فإن شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها فما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه بل يثبت له على وجه لا يماثل فيه خلقه ولا يشابههم فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله . ومن أثبته له على وجه يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه ومن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه بل كما يليق بجلاله وعظمته فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل وهذا طريق أهل السنة ، وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله كما يلزم حياة العبد من النوم والسنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك . وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به . وكذلك ما يلزم علوه من احتياجه إلى ما هو عال عليه وكونه محمولا به مفتقرا إليه محاطا به . كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى وما لزم صفة من جهة اختصاصه تعالى بها فإنه لا يثبت للمخلوق بوجه كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم وقدرته وإرادته وسائر صفاته فإن ما يختص به منها لا يمكن إثباته للمخلوق فإذا أحطت بهذه القاعدة خبرا وعقلتها كما ينبغي خلصت من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين آفة التعطيل وآفة التشبيه فإنك إذا وفيت هذا المقام حقه من التصور


أثبت لله الأسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة فخلصت من التعطيل ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم فخلصت من التشبيه فتدبر هذا الموضع واجعله جنتك التي ترجع إليها في هذا الباب والله الموفق للصواب .(1)
وقال ابن القيم رحمه الله أيضا : اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي ، والسميع، والبصير، والعليم ، والقدير، والملك ونحوها فقالت طائفة من المتكلمين هي حقيقة في العبد مجاز في الرب وهذا قول غلاة الجهمية وهو أخبث الأقوال وأشدها فسادا . الثاني مقابله وهو أنها حقيقة في الرب مجاز في العبد وهذا قول أبي العباس الناشي . الثالث أنها حقيقة فيهما وهذا قول أهل السنة وهو الصواب. واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجهما عن كونها حقيقة فيهما . وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله وللعبد منها ما يليق به .(2)

المبحث الثاني عشر
أمور ينبغي أن تعلم
الأمر الأول: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء،والموجود ، والقائم بنفسه ، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا .
__________
(1) بدائع الفوائد للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى 1/165-166 بتصرف يسير جدا وانظر مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم 2/37 فقد قال : إن هذه الألفاظ التي تستعمل في حق المخلوق والخالق لها ثلاث اعتبارات : أحدها أن تكون مقيدة بالخالق : كسمع الله وبصره ووجهه ويديه واستوائه ونزوله وعلمه وقدرته وحياته . والثاني : أن تكون مقيدة بالمخلوق كيد الإنسان ووجهه ويديه واستوائه . الثالث : أن تجرد عن كلا الإضافتين وتوجد مطلقة .. ثم شرح ذلك شرحا جيدا .انظر مختصر الصواعق 2/37
(2) بدائع الفوائد 1/164 ببعض التصرف .


الثاني : أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها هذا كالمريد ، والفاعل ، والصانع ، فإن هذه الألفاظ لا تدخل من أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا .
الثالث : أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل ، الفاتن ، الماكر ، تعالى الله عن قولهم فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة والله أعلم .
الرابع : أن أسماءه الحسنى هي أعلام وأوصاف والوصف بها لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة بخلاف أوصافه تعالى.
الخامس : أن أسماءه الحسنى لها اعتباران اعتبار من حيث الذات واعتبار من حيث الصفات فهي بالاعتبار الأول مترادفة وبالاعتبار الثاني متباينة .
السادس : أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الإخبار لا يجب أن يكون توقيفيا كالقديم ، والشيء، والموجود ، والقائم بنفسه . فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع .
السابع : أن الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلا ومصدرا نحو السميع ، البصير ، القدير ، يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو ( قد سمع الله ) . ( وقدرنا فنعم القادرون ) هذا إن كان الفعل متعديا . فإن كان لازما لم يخبر عنه به نحو الحي بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل فلا يقال حيي .


الثامن : أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم فالرب تبارك وتعالى فعاله عن كماله . والمخلوق كماله عن فعاله فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل . فالرب لم يزل كاملا فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وصفاته فأفعاله صادرة عن كماله كمل ففعل والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به (1).
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله 1/161-162 بتصرف يسير .


التاسع : أن الصفات ثلاثة أنواع : صفات كمال ، وصفات نقص ، وصفات لا تقتضي كمال ولا نقصا وإن كانت القسمة التقديرية تقتضي قسما رابعا وهو ما يكون كمالا ونقصا باعتبارين والرب تعالى منزه عن الأقسام الثلاثة وموصوف بالقسم الأول وصفاته كلها صفات كمال محض فهو موصوف من الصفات بأكملها وله من الكمال أكمله . وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرا بمرادف محض بل هو على سبيل التقريب والتفهيم . وإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص فله من صفة الإدراكات العليم الخبير دون العاقل الفقيه ، والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر . ومن صفات الإحسان البر ، الرحيم ، الودود، دون الشفوق ونحوه . وكذلك العلي العظيم دون الرفيع الشريف . وكذلك الكريم دون السخي ، والخالق البارئ المصور دون الفاعل الصانع المشكل ، والغفور العفو دون الصفوح الساتر . وكذلك سائر أسمائه تعالى يجرى على نفسه منها أكملها وأحسنها ومالا يقوم غيره مقامه فتأمل ذلك فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون .(1)

المبحث الثالث عشر
مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى
التي من أحصاها دخل الجنة
هذا بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح.
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة : دعاؤه بها كما قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }(2)وهو مرتبتان :
إحداهما : ثناء وعبادة .
__________
(1) المرجع السابق 1/167-168 بتصرف يسير جدا .
(2) سورة الأعراف الآية 180


والثاني : دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها فلا يقال : يا موجود ، أو يا شيء ، أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم . ومن تأمل أدعية الرسل ولاسيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا وهذه العبارة أولى من عبارة من قال : يتخلق بأسماء الله فأنها ليست بعبارة سديدة وهي منتزعة من قول الفلاسفة بالتشبه بالإله قدر الطاقة . وأحسن منها عبارة أبي الحكم بن برهان وهي التعبد وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال . فمراتبها أربعة أشدها إنكارا عبارة الفلاسفة وهي التشبه . وأحسن منها عبارة من قال التخلق ، وأحسن منها عبارة من قال التعبد . وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن (1).

المبحث الرابع عشر
الأسماء الحسنى لا تحد بعدد
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى 1/164 .


الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما في الحديث الصحيح : (( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ))(1)فجعل أسماءه ثلاثة أقسام : قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه ، وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده ، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحد من خلقه ولهذا قال : ((استأثرت به )) أي انفردت بعلمه وليس المراد انفراده بالتسمي به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه . ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : (( فيفتح علي من محامده بما لا أحسنه الآن ))(2)وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ))(3) وأما قوله صلى الله عليه سلم : (( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة))(4) فالكلام جملة واحدة . وقوله (( من أحصاها دخل الجنة )) صفة لا خبر مستقبل . والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة . وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها . وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك قد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه .(5)

المبحث الخامس عشر
شرح أسماء الله الحسنى
__________
(1) أخرجه أحمد 1/391 وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني انظر تخريج الكلم الطيب ص 73 .
(2) مسلم 1/183و 185 وغيره .
(3) مسلم 1/352 .
(4) البخاري مع الفتح 5/354 و 11/214 ومسلم 4/2063 وقد شرحه ابن حجر في الفتح 11/214 – 228 والحديث في آخره (( وهو وتر يحب الوتر )) .
(5) بدائع الفوائد للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى 1/166-167 وانظر أيضا فتاوى ابن تيمية 6/379-382 .


الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن
قال الله تعالى : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن }(1) هذه الأسماء الأربعة المباركة قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا جامعا واضحا فقال يخاطب ربه : (( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء)) (2) إلى آخر الحديث ، ففسر كل اسم بمعناه العظيم ، ونفى عنه ما يضاده وينافيه . فتدبر هذه المعاني الجليلة الدالة على تفرد الرب العظيم بالكمال المطلق والإحاطة المطلقة الزمانية في قوله( الأول والآخر ) والمكانية في ( الظاهر والباطن ). فالأول يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن ، ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية، إذ السبب والمسبب منه تعالى . والآخر يدل على أنه هو الغاية ، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألهها، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها ، ( والظاهر ) يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات على علوه ، (والباطن ) يدل على إطلاعه على السرائر ، والضمائر، والخبايا، والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل على كمال قربه ودنوه . ولا يتنافى الظاهر والباطن لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت(3).

العلي ، الأعلى ، المتعال
__________
(1) سورة الحديد آية 3
(2) مسلم 4/2084
(3) الحق الواضح المبين ص 25 وشرح النونية للهراس2/67


قال الله تعالى : { ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم }(1) ، وقال تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى }(2)، وقال تعالى : {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال }(3)وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابته لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى العرش استوى أي علا وارتفع . وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى : { ولا يحيطون به علما }(4) وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك لكمال اقتداره ، ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه .(5)

العظيم
قال الله تعالى : {ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم}(6) الله تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم ، فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه كما ينبغي له ولا يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده .
واعلم أنه معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان :
__________
(1) سورة البقرة آية 255
(2) سورة الأعلى آية 1
(3) سورة الرعد الآية 13
(4) سورة طه آية 110
(5) الحق الواضح المبين ص26 وشرح النونية للهراس2/68
(6) سورة البقرة آية 255
.


أحدهما: أنه موصوف بكل صفة كمال ، وله من ذلك الكمال أكمله، وأعظمه، وأوسعه، فله العلم المحيط ، والقدرة النافذة ، والكبرياء والعظمة ، ومن عظمته أن السماوات والأرض في كف الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن عباس وغيره ، وقال تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه }(1)، وقال تعالى : {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده }(2)، وقال تعالى : { وهو العلي العظيم } ، { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن }(3)الآية. وفي الصحيح عنه صلى الله عله وسلم : (( إن يقول الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما عذبته ))(4) فلله تعالى الكبرياء والعظمة ، الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما .
__________
(1) سورة الزمر آية 67
(2) سورة فاطر الآية 41
(3) سورة الشورى الآية 5
(4) رواه مسلم 4/2023 وأبو داود 4/59وابن ماجه 2/1397، وأحمد 2/376 بألفاظ متقاربة
.


النوع الثاني : من معاني عظمته تعالى أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما يعظم الله فيستحق جل جلاله من عباده أن يعظموه بقلوبهم، وألسنتهم ، وجوارحهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ، ومحبته والذل له ، والانكسار له، والخضوع لكبريائه، والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه أن يتقى حق تقاته، فيطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(1)وقوله تعالى { ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} (2)ومن تعظيمه أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه(3).

المجيد
(المجيد ) الذي له المجد العظيم ، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه :
فهو العليم الكامل في علمه ، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه ، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته(4)التي بلغت غاية المجد فليس في شيء منها قصور أو نقصان(5) قال تعالى : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد }(6).

الكبير
وهو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى.
__________
(1) سورة الحج آية 32 ...
(2) سورة الحج آية 30 ...
(3) الحق الواضح المبين ص27-28 وشرح القصيدة النونية للهراس 2/68 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/214
(4) الحق الواضح المبين ص33 وشرح النونية للهراس2/71
(5) المرجع السابق 2/71
(6) سورة هود الآية 73


وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه. قد ملئت قلوبهم من تعظيمه،وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه(1) قال الله تعالى : { ذلك بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير }(2).

السميع
قال الله تعالى : { وكان الله سميعا بصيرا }(3) وكثيرا ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة ، والباطنة فالسميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد ، لا تختلط عليه الأصوات، ولا تخفى عليه جميع اللغات، والقريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء : { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف باليل وسارب بالنهار }(4) ، { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير }(5) قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها }(6)الآية ، وسمعه تعالى نوعان :
أحدهما : سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية ، وإحاطته التامة بها .
الثاني : سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم ، ومنه قوله تعالى: { إن ربي لسميع الدعاء}(7)وقول المصلي (سمع الله لمن حمده ) أي استجاب .

البصير
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي 5/622
(2) سورة غافر الآية 12
(3) سورة النساء الآية 134
(4) سورة الرعد الآية 10 .
(5) سورة المجادلة الآية 1 .
(6) سورة المجادلة الآية1
(7) سورة إبراهيم الآية39


الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات، حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك . فسبحان من تحيرت العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته، ولطفه، وخبرته بالغيب، والشهادة، والحاضر والغائب، ويرى خيانات الأعين وتقلبات الأجفان وحركات الجنان، قال تعالى : { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم }(1) ، { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور }(2) ، {والله على كل شيء شهيد }(3) ، أي مطلع ومحيط علمه وبصره وسمعه بجميع الكائنات.(4)
العليم ، الخبير
__________
(1) سورة الشعراء الآيات 218-220
(2) سوة غافر الآية 19
(3) سورة البروج الآية 9
(4) الحق الواضح المبين ص 34-36 وشرح النونية للهراس 2/72


قال الله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(1) ، { إن الله بكل شيء عليم }(2) ، فهو العليم المحيط علمه بكل شيء : بالواجبات، والممتنعات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة ، ونعوته المقدسة ، وأوصافه العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها ، ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت. كما قال تعالى: { لو كان فيها ءالهة إلا الله لفسدتا }(3) وقال تعالى :{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض }(4) فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها وإخباره بما ينشأ عنها لوجدت على وجه الفرض والتقدير ويعلم تعالى الممكنات ، وهي التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده ، فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي والسفلي لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة ، والظواهر والبواطن ، والجلي والخفي، قال الله تعالى : { إن الله بكل شيء عليم }(5) والنصوص في ذكر إحاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جدا لا يمكن حصرها وإحصاؤها وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأن علوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسبت إلى علم الله اضمحلت وتلاشت،كما أن قدرتهم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة إليها بوجه من الوجوه ، فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون ،وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين . وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي ، وما فيه من المخلوقات ذواتها ، وأوصافها، وأفعالها، وجميع أمورها، فهو يعلم ما كان وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم أحوال
__________
(1) سورة الأنعام الآية 18
(2) سورة الانفال الآية 75
(3) سورة الأنبياء الآية 22
(4) سورة المؤمنون الآية 91
(5) سورة الانفال الآية 75


المكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يميتهم وبعد ما يحييهم، قد أحاط علمه بأعمالهم كلها خيرها وشرها وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار (1).
والخلاصة : أن الله تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، والإسرار والإعلان، وبالواجبات، والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي، والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء (2).

الحميد
قال الله تعالى : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}(3)ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن الله حميد من وجهين :
أحدهما: أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده، فكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض الأولين منهم والآخرين، وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة، وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضا ومقدرا حيثما تسلسلت الأزمان واتصلت الأوقات، حمدا يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي، ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا إحصاء، فإن الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة : منها أن الله هو الذي خلقهم، ورزقهم، وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وصرف عنهم النقم والمكاره، فما بالعباد من نعمة فمن الله، ولا يدفع الشرور إلا هو، فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات، وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات.
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 37-38 وشرح النونية للهراس 2/73 ، وتفسير السعدي 5/621 .
(2) تفسير العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله 5/621 .
(3) سورة فاطر الآية 15


الوجه الثاني: أنه يحمد على ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة ، فله كل صفة كمال وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها، فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد والثناء، فكيف بجميع الأوصاف المقدسة، فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله، لأنها دائرة بين أفعال الفضل والإحسان، وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه، وعلى شرعه، وعلى أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكام الجزاء في الأولى والآخرة، وتفاصيل حمده وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكار، ولا تحصيها الأقلام(1).
العزيز ، القدير ، القادر ، المقتدر ، القوي ، المتين
هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة ، فهو تعالى كامل القوة ، عظيم القدرة، شامل العزة { إن العزة لله جميعا }(2) وقال تعالى : { إن ربك هو القوي العزيز}(3)فمعاني العزة الثلاثة كلها كاملة لله العظيم.
عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي المتين، وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت. قال الله تعالى : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(4) وقال : { والله قدير والله غفور رحيم }(5) ، وقال عز وجل : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } (6) ، وقال تعالى : { وكان الله على كل شيء مقتدرا }(7) ، وقال عز وجل : { إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر }(Cool .
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 39-40 وشرح القصيدة النونية للهراس 2/75 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/215
(2) سورة يونس الآية 65
(3) سورة هود الآية 66
(4) سورة الذاريات الآية 58
(5) سورة المتحنة الآية 7
(6) سورة الأنعام الآية 65
(7) سورة الكهف الآية 45
(Cool سورة القمر الآية 55


وعزة الامتناع فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع.
وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا به. فمن قوته واقتداره أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وأنه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون : {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة }(1)، {وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه }(2) ، ومن آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبين والكفار الظالمين من أنواع العقوبات وحلول المثلات، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم ولا جنودهم ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك، وما زادوهم غير تتبيب ، وخصوصا في هذه الأوقات ، فإن هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة هذه الأمم هي من إقدار الله لهم وتعليمه لهم مالم يكونوا يعلمونه، فمن آيات الله أن قواهم وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئا في صد ما أصابهم من النكبات والعقوبات المهلكة، مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك، ولكن أمر الله غالب، وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي.
__________
(1) سورة لقمان الآية 28
(2) سورة الروم الآية 27


ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما : أنه كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم ، وهي أيضا أفعالهم ، فهي تضاف إلى الله خلقا وتقديرا وتضاف إليهم فعلا ومباشرة على الحقيقة ، ولا منافاة بين الأمرين ، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم، وخالق السبب التام خالق للمسبب، قال تعالى : { والله خلقكم وما تعملون}(1) .
ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصره أولياءه ، على قلة عددهم وعددهم على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العدد والعدة ، قال تعالى : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}(2).
ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه لأهل النار ولأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي لا ينقطع ولا يتناهى(3) .
فبقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرها، وبقدرته سواها وأحكمها، وبقدرته يحي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسنين بإحسانه والمسيء بإساءته، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء الذي إذا أراد شيئا قال له : { كن فيكون }(4) قال الله تعالى : { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير }(5) .

الغني
__________
(1) سورة الصافات الآية 96
(2) سورة البقرة الآية 249
(3) الحق الواضح المبين ص45-46 وانظر شرح النونية للهراس 2/78 وتفسير السعدي5/624
(4) تفسير العلامة السعدي 5/624 والآية من سورة يس الآية 82
(5) سورة البقرة الآية
148

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اواخر الشتا
برونزى
اواخر الشتا


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 25/04/2014

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة    ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Icon_minitime1الإثنين 3 ديسمبر - 16:19


قال الله تعالى : {وأنه هو أغنى وأقنى}(1)، وقال الله تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }(2) فهو تعالى ( الغني ) الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يكون إلا غنيا فإن غناه من لوازم ذاته، كما لا يكون إلا محسنا، جوادا ، برا ، رحيما كريما ، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها، فهي مفتقرة إليه في إيجادها، وفي بقائها ، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والأرض والرحمة بيده، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والأوقات ، وأن يده سحاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار .
ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم، ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه ، ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق وآخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلا منهم ما سأله وما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه مثقال ذرة .
ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم واللذات المتتابعات، والخيرات المتواصلات، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة، ولا ولدا، ولا شريكا في الملك، ولا وليا من الذل فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه، المغني لجميع مخلوقاته .(3)
والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه وهو المغني جميع خلقه، غنى عاما ، المغني لخواص خلقه، بما أفاض على قلوبهم، من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية(4).

الحكيم
__________
(1) سورة النجم الآية 48
(2) سورة فاطر الآية 15
(3) الحق الواضح المبين ص 47-48 وشرح النونية للهراس 2/78 .
(4) تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/629





قال الله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(1) ، هو تعالى (الحكيم ) الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، واسع الحمد، تام القدرة ، غزير الرحمة فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال .
وحكمته نوعان :
أحدهما : الحكمة في خلقه، فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملا على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته ، فلا يرى أحد في خلقه خللا، ولا نقصا ، ولا فطورا ، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيرا من حكمه ، ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعا بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والتأمل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصا ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 18





النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه تعالى شرع الشرائع ، وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه ، فأي حكمه أجل من هذا ، وأي فضل وكرم أعظم من هذا، فأن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وحمده، وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها. وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه، إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت كافية شافية .
هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير ، فأخباره تملأ القلوب علما ، ويقينا ، وإيمانا، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، وتثمر كل خلق جميل ، وعمل صالح وهدى ورشد .
وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.





ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب ، والأخلاق ، والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحا حقيقيا إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإن أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيرا من هداه ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية، انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم. وكذلك انظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة، والحضارة والمدنية مبلغا هائلا، ولكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله، كان ضررها أعظم من نفعها، وشرها أكبر من خيرها وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها، ولن يقدروا على ذلك ما داموا على حالهم . ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكما كاملا لا يحصل إلا به.




وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع، وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية، والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكونه وقدره ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه. والعبد المربوب لا يخلو منهما أو من أحدهما، فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ، فإن ما فعله واقع بقضاء الله وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر والطاعات، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري ، وما يحبه الله منها هو تابع الحكم الشرعي ومتعلقه . والله أعلم. (1)
الحليم
قال الله تعالى : { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم}(2)الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة ، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم .
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 48-54 وانظر شرح النونية للهراس 2/80 وانظر تفسير السعدي 5/621 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/226 .
(2) سورة البقرة الآية 235





ويستعتبهم كي يتوبوا ، ويمهلهم كي ينيبوا.(1)وهو الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان ، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم ، فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم(2) كما قال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا }(3) وقال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(4).

العفو ، الغفور ، الغفار
قال الله تعالى : { إن الله لعفو غفور}(5)الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا .
كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
وقد وعد بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى(6): { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى }.(7)
والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة، عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه .
__________
(1) تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/630
(2) شرح النونية للهراس 2/86
(3) سورة فاطر آية 45
(4) سورة النحل الآية 61
(5) سورة الحج الآية 60
(6) تفسير السعدى 5/623 . وانظر أيضا الحق الواضح المبين ص56
(7) سورة طه الآية 82





ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها(1) قال الله تعالى : { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنه يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم }(2) وفي الحديث ( إن الله يقول ): ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة )) (3)وقال تعالى : {إن ربك واسع المغفرة }(4) وقد فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار، والإيمان ، والعمل الصالح ، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقربا لمغفرته .(5)

التواب
قال الله تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم }(6)(التواب) الذي لم يزل يتوب على التائبين ، ويغفر ذنوب المنيبين. فكل من تاب إلى الله توبة نصوحا ، تاب الله عليه .
فهو التائب على التائبين : أولا بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه. وهو التائب عليهم بعد توبتهم، قبولا لها،وعفوا عن خطاياهم.(7)
... وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعان :
... أحدهما: يوقع في قلب عبده التوبة إليه والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي ، والندم على فعلها ، والعزم على أن لا يعود إليها. واستبدالها بعمل صالح .
__________
(1) شرح القصيدة النونية للهراس 2/86 والحق الواضح المبين 56
(2) سورة الزمر الآية 53
(3) أخرجه الترمذي 4/122 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5/548
(4) سورة النجم الآية 32
(5) الحق الواضح المبين ص 73-74 ... ... ...
(6) سورة التوبة الآية 104
(7) تفسير الشيخ عبد الرحمن بن السعدي 5/623





... والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها، فإن التوبة النصوح تجب ما قبلها .(1)
الرقيب
المطلع على ما أكنته الصدور ، القائم على كل نفس بما كسبت . قال الله تعالى : {إن الله كان عليكم رقيبا }(2).
والرقيب هو سبحانه الذي حفظ المخلوقات وأجراها ، على أحسن نظام وأكمل تدبير.(3)

الشهيد
أي المطلع على جميع الأشياء .
سمع جميع الأصوات، خفيها وجليها.
وأبصر جميع الموجودات ، دقيقها وجليلها ، صغيرها وكبيرها . وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده، وعلى عباده، بما علموه (4).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : (الرقيب) و ( الشهيد) مترادفان، وكلامها يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى : { إن الله كان عليكم رقيبا }(5) { والله على كل شيء شهيد}(6)ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد ، فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر وهاجس يبغضه الله ، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله ، وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه ، فإن الله يراه.(7).
فإذا الله كان رقيبا على دقائق الخفيات، مطلعا على السرائر والنيات، كان من باب أولى شهيدا على الظواهر والجليات، وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي الجوارح.(Cool
__________
(1) الحق الواضح المبين ص74
(2) سورة النساء الآية 1
(3) تفسير السعدي 5/623
(4) المرجع السابق 5/628 وانظر اسم ( الشهيد) و ( المؤمن) في مدارج السالكين 3/466
(5) سورة النساء الآية 1
(6) سورة المجادلة الآية 6
(7) الحق الواضح المبين ص 58-59
(Cool شرح القصيدة النونية للهراس 2/88





الحفيظ
قال الله تعالى : { إن ربي على كل شيء حفيظ}(1)(للحفيظ) معنيان:
أحدهما: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية، فإن علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ووكل بالعباد ملائكة كراما كاتبين ( يعلمون ما تفعلون )، فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة ، وعلمه بمقاديرها ، وكمالها ونقصها ، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله .
والمعنى الثاني: من معنيي( الحفيظ) أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون، وحفظه لخلقه نوعان عام وخاص .
فالعام : حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظ بنيتها وتمشي إلى هدايته وإلى مصالحها بإرشاده وهدايته العامة التي قال عنها : { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى }(2) أي هدى كل مخلوق إلى ما قدر له وقضى له من ضروراته وحاجاته ، كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح ، والسعي في أسباب ذلك ، وكدفعه عنهم أصناف المكاره والمضار ، وهذا يشترك فيه البر والفاجر بل الحيوانات وغيرها، فهو الذي يحفظ السماوات والأرض أن تزولا، ويحفظ الخلائق بنعمه ، وقد وكل بالآدمي حفظة من الملائكة الكرام يحفظونه من أمر الله ، أي يدفعون عنه كل ما يضره مما هو بصدد أن يضره لولا حفظ الله .
__________
(1) سورة هود الآية 57
(2) سورة طه الآية 50





والنوع الثاني : حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم ، يحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشبه والفتن والشهوات ، فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس، فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم، قال الله تعالى : { إن الله يدافع عن الذين ءامنوا }(1)وهذا عام في دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه ، وفي الحديث : ((أحفظ الله يحفظك ))(2) أي احفظ أوامره بالامتثال ، ونواهيه بالاجتناب ، وحدوده بعدم تعديها ، يحفظك في نفسك ، ودينك ، ومالك ، وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله(3).

اللطيف
قال الله تعالى : { الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز}(4)وقال تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}(5) .
(اللطيف) من أسمائه الحسنى ، وهو الذي يلطف بعبده في أموره الداخلية المتعلقة بنفسه، ويلطف بعبده في الأمور الخارجية عنه ، فيسوقه ويسوق إليه ما به صلاحه من حيث لا يشعر. وهذا من آثار علمه وكرمه ورحمته، فلهذا كان معنى اللطيف نوعين :
أنه الخبير الذي أحاط علمه بالأسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الأمور ، وما لطف ودق من كل شيء .
__________
(1) سورة الحج الآية 38
(2) أخرجه الترمذي 4/667 وصححه الألباني في صحيح الجامع 6/300
(3) الحق الواضح المبين ص 60-61
(4) سورة الشورى الآية 19
(5) سورة الأنعام الآية113





النوع الثاني: لطفه بعبده ووليه الذي يريد أن يتم عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويرقيه إلى المنازل العالية فييسره لليسرى ويجنبه العسرى ، ويجري عليه من أصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه ، وهي عين صلاحه والطريق إلى سعادته، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله، وكما ذكر الله عن يوسف صلى الله عليه وسلم وكيف ترقت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدره عليه من تلك الأحوال التي حصل له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا والآخرة، وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون .
فكم لله من لطف وكرم لا تدركه الأفهام ، ولا تتصوره الأوهام ، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية، أو رياسة، أو سبب من الأسباب المحبوبة، فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به لئلا تضره في دينه ، فيظل العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربه ، ولو علم ما ذخر له في الغيب وأريد إصلاحه فيه لحمد الله وشكره على ذلك ، فإن الله بعباده رؤوف رحيم لطيف بأوليائه، وفي الدعاء المأثور(1): (( اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب ، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب ))(2).

القريب
قال الله تعالى : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب }(3) .
من أسمائه ( القريب )، وقربه نوعان :
قرب عام وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء ، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد وهو بمعنى المعية العامة .
__________
(1) الحق الواضح المبين ص61-62 وانظر شرح النونية للهراس 2/91 وتوضيح المقاصد 2/228
(2) أخرجه الترمذي 5/523 وحسنه وقال عبد القادر الأرنؤوط وهو كما قال أنظر جامع الأصول 4/341
(3) سورة هود الآية 61
...





وقرب خاص بالداعين والعابدين المحبين ، وهو قرب يقتضي المحبة، والنصرة، والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول والإثابة للعابدين (1)قال تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }(2)وإذا فهم القرب بهذا المعنى في العموم والخصوص لم يكن هناك تعارض أصلا بينه وبين ما هو معلوم من وجوده تعالى فوق عرشه فسبحان من هو علي في دنوه قريب في علوه(3).

المجيب
من أسمائه تعالى ( المجيب ) لدعوة الداعين وسؤال السائلين وعبادة المستجيبين، وإجابته نوعان :
إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة ، قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }(4)فدعاء المسألة أن يقول العبد اللهم أعطني كذا أو اللهم ادفع عني كذا ، فهذا يقع من البر والفاجر، ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب الحال المقتضية وبحسب ما تقتضيه حكمته. وهذا يستدل به على كرم المولى وشمول إحسانه للبر والفاجر، ولا يدل بمجرده على حسن حال الداعي الذي أجيبت دعوته إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه وعلى صدقه وتعين الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم الله ، فإنه يدل على صدقهم فيما أخبروا به وكرامتهم على ربهم ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه كثيرا ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته ، وذلك من دلائل نبوته وآيات صدقه ، وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء الله من إجابة الدعوات، فإنه من أدلة كراماتهم على الله .
__________
(1) الحق الواضح المبين64 و شرح النونية للهراس 2/92
(2) سورة البقرة الآية 186
(3) شرح النونية للهراس 2/92 وتوضيح المقاصد 2/229
(4) سورة غافر الآية60





وأما الإجابة الخاصة فلها أسباب عديدة ، منها دعوة المضطر الذي وقع في شدة وكربة عظيمة، فإن الله يجيب دعوته، قال تعالى : {أمن يجيب المضطر إذا دعاه }(1) وسبب ذلك شدة الافتقار إلى الله وقوة الانكسار وانقطاع تعلقه بالمخلوقين ، ولسعة رحمه الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم إليها، فكيف بمن اضطر إليها، ومن أسباب الإجابة طول السفر والتوسل إلى الله بأحب الوسائل إليه من أسمائه وصفاته ونعمه، وكذلك دعوة المريض، والمظلوم، والصائم والوالد على ولده أو له ، وفي الأوقات والأحوال الشريفة(2)مثل أدبار الصلوات، وأوقات السحر، وبين الأذان والإقامة، وعند النداء، ونزول المطر واشتداد البأس، ونحو ذلك(3){ إن ربي قريب مجيب}(4).

الودود
قال تعالى : { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود }(5)وقال تعالى : { وهو الغفور الودود}(6)والود مأخوذ من الود بضم الواو بمعنى خالص المحبة فالودود هو المحب المحبوب بمعنى واد مودود ، فهو الواد لأنبيائه ، وملائكته، وعباده المؤمنين، وهو المحبوب لهم بل لا شيء أحب إليهم منه، ولا تعادل محبة الله من أصفيائه محبة أخرى، لا في أصلها، ولا في كيفيتها، ولا في متعلقاتها، وهذا هو الفرض والواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة ، غالبة لكل محبة ويتعين أن تكون بقية المحاب تبعا لها .
__________
(1) سورة النمل الآية 62 .
(2) الحق الواضح المبين ص65-66 وشرح النونية للهراس 2/93 .
(3) شرح النونية للهراس 2/93-94 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/229 .
(4) سورة هود الآية 61 .
(5) سورة هود الآية 90 .
(6) سورة البروج الآية 14
.





ومحبة الله هي روح الأعمال ، وجميع العبودية الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله . ومحبة العبد لربه فضل من الله وإحسان ، ليست بحول العبد ولا قوته فهو تعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه ، ثم لما أحبه العبد بتوفيقه جازاه الله بحب آخر ، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة ، إذ منه السبب ومنه المسبب ، ليس المقصود منها المعاوضة،وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده ولشكرهم ، فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد، فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب المؤمنين ، ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحاب ، وتسليهم عن الأحباب، وتهون عليهم المصائب، وتلذذ لهم مشقة الطاعات، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز برضاه والأنس بقربه .
فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه :
فمحبة قبلها صار بها محبا لربه ، ومحبة بعدها شكرا من الله على محبة صار بها من أصفيائه المخلصين .
وأعظم سبب يكتسب به العبد محبة ربه التي هي أعظم المطالب، الإكثار من ذكره والثناء عليه، وكثرة الإنابة إليه ، وقوة التوكل عليه ، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل ، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال ، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا(1)كما قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }(2).
الشاكر ، الشكور
قال الله تعالى : { ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}(3)وقال تعالى: { إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم }(4)، {وكان الله شاكرا عليما }(5).
__________
(1) الحق الواضح المبين ص69-70 وشرح النونية للهراس 2/96 وتوضيح المقاصد 2/230 .
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة البقرة الآية 158
(4) سورة التغابن الآية 17
(5) سورة النساء الآية 147





من أسمائه تعالى ( الشاكر، الشكور ) الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه بل يضاعفه أضعافا مضاعفة، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وقد أخبر في كتابه وسنة نبيه بمضاعفة الحسنات الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ، وذلك من شكره لعباده، فبعينه ما يتحمل المتحملون لأجله ومن فعل لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن ترك شيئا لأجله عوضه خيرا منه ، وهو الذي وفق المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك وأعطاهم من كراماته، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكل هذا ليس حقا واجبا عليه، وإنما هو الذي أوجبه على نفسه جودا منه وكرما.(1)
وليس فوقه سبحانه من يوجب عليه شيئا قال تعالى : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}(2) فلا يجب عليه سبحانه إثابة المطيع ، ولا عقاب العاصي بل الثواب محض فضله وإحسانه، والعقاب محض عدله وحكمته؛ ولكنه سبحانه الذي أوجب على نفسه ما يشاء فيصير واجبا عليه بمقتضى وعده الذي لا يخلف كما قال تعالى : {كتب ربكم على نفسه الرحمة، أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}(3)وكما قال سبحانه : { وكان حقا علينا نصر المؤمنين}(4)ومذهب أهل السنة أنه ليس للعباد حق واجب على الله وأنه مهما يكن من حق فهو الذي أحقه وأوجبه ولذلك لا يضيع عنده عمل قام على الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فإنهما الشرطان الأساسيان لقبول الأعمال.(5)
فما أصاب العباد من النعم ودفع النقم ، فإنه من الله تعالى فضلا منه وكرما، وإن نعمهم فبفضله وإحسانه ، وإن عذبهم فبعدله وحكمته ، وهو المحمود على جميع ذلك.(6)

السيد ، الصمد
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 70
(2) سورة الأنبياء الآية 23
(3) سورة الأنعام الآية 54
(4) سورة الروم الآية47
(5) شرح النونية للهراس 2/98 وانظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/231
(6) الحق الواضح المبين ص 72





قال الله تعالى : { قل هو الله أحد ، الله الصمد }(1) وقال النبي صلى الله عليه سلم : ((السيد الله تبارك وتعالى))(2)و (السيد) يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج ومتحمل أذى قومه والله عز وجل هو السيد الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم فالسؤدد كله حقيقة لله والخلق كلهم عبيده. وهذا لا ينافي السيادة الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية فسيادة الخالق تبارك وتعالى ليست كسيادة المخلوق الضعيف.(3)
(الصمد ) المعنى الجامع الذي يدخل فيه كل ما فسر به هذا الاسم الكريم، فهو الصمد الذي تصمد إليه أي تقصده جميع المخلوقات بالذل والحاجة والافتقار، ويفزع إليه العالم بأسره، وهو الذي قد كمل في علمه ، وحكمته، وحلمه ، وقدرته ، وعظمته ورحمته ، وسائر أوصافه، فالصمد هو كامل الصفات ، وهو الذي تقصده المخلوقات في كل الحاجات.(4)
فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار.(5)

القاهر ، القهار
__________
(1) سورة الإخلاص الآية2
(2) أبو داود 4/254 وأحمد 3/241 و 4/25 وإسناده صحيح وانظر فتح المجيد ص613 بتحقيق الأرنوؤط .
(3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/418 وانظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/161
(4) الحق الواضح المبين ص 75
(5) شرح نونية ابن القيم للهراس 2/100 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/232





قال الله تعالى : { قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}(1)وقال تعالى : { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار }(2) ، وقال عز وجل : {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}(3).
وهو الذي قهر جميع الكائنات ، وذلت له جميع المخلوقات، ودانت لقدرته ومشيئته مواد وعناصر العالم العلوي والسفلي ، فلا يحدث حادث ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وجميع الخلق فقراء إلى الله عاجزون ، لا يملكون لأنفسهم نفعا، ولا ضرا، ولا خيرا ولا شرا .
وقهره مستلزم لحياته وعزته وقدرته فلا يتم قهره للخليقة إلا بتمام حياته وقوة عزته واقتداره(4). إذ لولا هذه الأوصاف الثلاثة لا يتم له قهر ولا سلطان.(5)
الجبار
قال الله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار}(6) .
للجبار من أسمائه الحسنى ثلاثة معان كلها داخلة باسمه ( الجبار ) :
فهو الذي يجبر الضعيف وكل قلب منكسر لأجله، فيجبر الكسير، ويغني الفقير، وييسر على المعسر كل عسير، ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر ويعوضه على مصابه أعظم الأجر إذا قام بواجبها ، ويجبر جبرا خاصا قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته وأصناف المعارف والأحوال الإيمانية، فقلوب المنكسرين لأجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي ، فقال : (( اللهم اجبرني )) فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع المكاره عنه .
والمعنى الثاني : أنه القهار لكل شيء، الذي دان له كل شيء، وخضع له كل شيء.
والمعنى الثالث : أنه العلي على كل شيء.
فصار الجبار متضمنا لمعنى الرءوف القهار العلي.
__________
(1) سورة الرعد آية16
(2) سورة غافر االآية16
(3) سورة الأنعام الآية 18
(4) الحق الواضح المبين ص 76
(5) شرح النونية للهراس 2/101
(6) سورة الحشر الآية 23





وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء ونقص ، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وحقوقه(1)

الحسيب
قال الله تعالى : { وكفى بالله حسيبا}(2)وقال سبحانه : {ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}(3)والحسيب :
هو الكافي للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضار.
والحسيب بالمعنى الأخص هو الكافي لعبده المتقي المتوكل عليه كفاية خاصة يصلح بها دينه ودنياه .
والحسيب أيضا هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشر ويحاسبهم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. قال تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}(4) أي كافيك وكافي أتباعك . فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا وقيامه بعبودية الله تعالى.(5)

الهادي
قال الله تعالى : { وكفى بربك هاديا ونصيرا }(6).قال تعالى : { وإن الله لهادي الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم }(7).
[الهادي] أي: الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع ، وإلى دفع المضار، ويعلمهم مالا يعلمون ،ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره.(Cool
والهداية:هي دلالة بلطف وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه :(9)
الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل ، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شيء بقدر فيه حسب احتماله كما قال تعالى : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى }(10).
__________
(1) الحق الواضح المبين ص77 وانظر شرح النونية للهراس 2/102 وانظر توضيح المقاصد 2/233
(2) سورة النساء الآية 4
(3) سورة الأنعام الآية 62
(4) سورة الأنفال الآية 64
(5) الحق الواضح المبين ص 78 وشرح النونية للهراس 2/103
(6) سورة الفرقان الآية 31
(7) سورة الحج الآية 54
(Cool تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/631
(9) بدائع الفوائد 2/36-38
(10) سورة طه الآية 50





الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } .
الثالث : التوفيق الذي يختص به من اهتدى وهو المعني بقوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى } ، وقوله تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } ، وقوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم } ، وقوله : {والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا } .
الرابع: الهداية في الآخرة إلى الجنة المعني بقوله : {سيهديهم ويصلح بالهم}... وقوله : {الحمد لله الذي هدانا لهذا } وهذه الهدايات الأربع مترتبة فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل الثانية بل لا يصح تكليفه ، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها ، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله . ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الثانية أشار بقوله : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} ،{ يهدون بأمرنا } ، {ولكل قوم هاد} أي داع. وإلى سائر الهدايات أشار بقوله : { إنك لا تهدي من أحببت}(1).
__________
(1) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص538 والآية من سورة القصص 56





فهو الذي قوله رشد ، وفعله كله رشد، وهو مرشد الحيران الضال فيهديه إلى الصراط المستقيم بيانا، وتعليما، وتوفيقا، فأقواله القدرية التي يوجد بها الأشياء ويدبر بها الأمور كلها حق لاشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية هي أقوله التي تكلم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الأخبار والعدل الكامل في الأمر والنهي، فإنه لا أصدق من الله قيلا ولا أحسن منه حديثا : {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا} (1)في الأمر والنهي، وهي أعظم وأجل ما يرشد بها العباد، بل لا حصول إلى الرشاد بغيرها، فمن ابتغى الهدى من غيرها أضله الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد، فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق، والأصول، والفروع، والمصالح والمضار الدينية والدنيوية، ويحصل بها الرشد العلمي فإنها تزكي النفوس وتطهر القلوب وتدعو إلى أصلح الأعمال وأحسن الأخلاق، وتحث على كل جميل، وترهب عن كل ذميم رذيل ، فمن استرشد بها فهو المهتدي، ومن لم يسترشد بها فهو ضال. ولم يجعل لأحد عليه حجة بعد بعثته للرسل وإنزاله الكتب المشتملة على الهدى المطلق، فكم هدى بفضله ضالا وأرشد حائرا، وخصوصا من تعلق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنه المنفرد بالهداية(2).
وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي : الهداية الثالثة [وهي هداية التوفيق والإلهام] الذي يختص به المهتدون ،والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة كقوله عز وجل : {والله لا يهدي القوم الظالمين} وقوله : {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 115
(2) الحق الواضح المبين ص78-79 وانظر شرح النونية للهراس 2/103





وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة كقوله تعالى : {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } فأسأل الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .(1)

الحكم
قال الله تعالى : { فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}(2) وقال تعالى : { وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته}(3)وقال تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان }(4) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله هو الحكم وإليه الحكم))(5)وقال تعالى : { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا }(6) الآية.
والله سبحانه هو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة ، ولا يحمل أحدا وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه ويؤدي الحقوق إلى أهلها. فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه . وهو العدل في تدبيره وتقديره(7) .
__________
(1) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص539بتصرف يسير
(2) سورة الأعراف الآية 87
(3) سورة الأنعام الآية 115
(4) سورة النحل الآية 90
(5) أبو داود 4/289 والنسائي 8/226 وإسناده جيد انظر فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب بتحقيق عبد القادر الأرنؤوط ص 517
(6) سورة الأنعام الآية 114
(7) تفسير العلامة السعدي5/627





وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور أصلا، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة كما قدمنا.وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا، وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة فإنما فعل بهم ما يستحقونه فإنه لا يأخذ إلا بذنب، ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة ، وأقواله كلها عدل، فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة. ولا ينهاهم إلا عما مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء، ووزنه لأعمالهم عدل لا جور فيه(1).
كما قال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين }(2) وهو سبحانه ( الحكم ) بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط . وهذا معنى قوله : { إن ربي على صراط مستقيم}(3)فإن أقواله صدق، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ، فهي كلها أفعال رشيدة وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من الوجوه ، وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب(4).

القدوس ، السلام
قال الله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام }(5).
( القدوس ، السلام ) معناهما متقاربان ، فإن القدوس مأخوذ من قدس بمعنى : نزهه وأبعده عن السوء مع الإجلال والتعظيم . والسلام مأخوذ من السلامة . فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه ، ومن النقص ، ومن كل ما ينافي كماله(6) .
__________
(1) شرح النونية للهراس 2/104
(2) سورة الأنبياء الآية 47
(3) سورة هود الآية 56
(4) الحق الواضح المبين ص80
(5) سورة الحشر الآية 23
(6) شرح النونية للهراس 2/105





فهو المقدس المعظم المنزه عن كل سوء ، السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما ينافي كماله . فهذا ضابط ما ينزه عنه : ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه، وينزه ويعظم أن يكون له مثيل ، أو شبيه أو كفوء ، أو سمي ، أو ند ، أو مضاد، وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها .
ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له، فإن التنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة . كظن الجاهلية الذين يظنون به ظن السوء، ظن غير ما يليق بجلاله ، وإذا قال العبد مثنيا على ربه : ((سبحان الله )) أو (( تقدس الله)) أو ((تعالى الله )) ونحوها كان مثنيا عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال.(1)
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 81-82





قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في اسم ( السلام ): [الله] أحق بهذا الاسم من كل مسمى به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك . ولذلك إذا نظرت إلى إفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها ، فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما ، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه ، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه ، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما، أو تشفيا، أو غلظة، أو قسوة ، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما




يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة.
وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله حكمة، ورحمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى.
ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجا إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاجا إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله.
وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل. وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبر كما قال : {وقال الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا }(1)فلم ينف أن يكون له ولي مطلقا بل نفى أن يكون له ولي من الذل .
وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه ، وسلام مما يتقوله المعطلون فيها.
__________
(1) سورة الإسراء الآية
111
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اواخر الشتا
برونزى
اواخر الشتا


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 25/04/2014

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة    ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Icon_minitime1الإثنين 3 ديسمبر - 16:21




وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل. فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى . وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان.(1)
البر ، الوهاب
قال الله تعالى : {إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم}(2)وقال سبحانه : {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}(3).
من أسمائه تعالى ( البر الوهاب ) الذي شمل الكائنات بأسرها ببره وهباته وكرمه، فهو مولى الجميل ودائم الإحسان وواسع المواهب، وصفه البر وآثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة و الباطنة، فلا يستغني مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين.
وإحسانه عام و خاص:
فالعام المذكور في قوله : {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}(4){ورحمتي وسعت كل شيء}(5) ، قال تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله }(6)وهذا يشترك فيه البر والفاجر و أهل السماء و أهل الأرض و المكلفون وغيرهم .
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله 2/150-152 والطبعة المصرية نشر مكتبة القاهرة 2/135-137 التي طبعتها مكتبة الرياض الحديثة بتصرف يسير جدا.
(2) سورة الطور الآية 28
(3) سورة آل عمران الآية 8
(4) سورة غافر الآية 7
(5) سورة الأعراف الآية 156
(6) سورة النحل الآية 53

والخاص رحمته و نعمه على المتقين حيث قال : { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي }(1) الآية ... ، وقال : { إن رحمة الله قريب من المحسنين}(2)وفي دعاء سليمان : { و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}(3)وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها الأنبياء و أتباعهم، تقتضي التوفيق للإيمان، والعلم، والعمل، و صلاح الأحوال كلها، والسعادة الأبدية، والفلاح والنجاح، وهي المقصود الأعظم لخواص الخلق.(4)
وهو سبحانه المتصف بالجود : وهو كثرة الفضل والإحسان ، وجوده تعالى أيضا نوعان :
جود مطلق عم جميع الكائنات وملأها من فضله وكرمه ونعمه المتنوعة.
جود خاص بالسائلين بلسان المقال أو لسان الحال من بر وفاجر و مسلم وكافر، فمن سأل الله أعطاه سؤله و أناله ما طلب فإنه البر الرحيم ، {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون} (5)ومن جوده الواسع ما أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.(6)

الرحمن ، الرحيم ، الكريم ، الأكرم ، الرءوف
قال الله تعالى : { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم }(7) الآيات ، وقال تعالى : { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم }(Cool ، وقال سبحانه : { ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد}(9)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2) سورة الأعراف الآية 56
(3) سورة النمل الآية 19
(4) الحق الواضح المبين ص 82-83 و انظر شرح النونية للهراس 2/106
(5) سورة النحل الآية 53
(6) الحق الواضح المبين ص66-67انظر شرح النونية للهراس 2/94
(7) سورة الفاتحة الآية 1-2
(Cool سورة النمل الآية 40
(9) سورة آل عمران الآية 30

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: الرحمن ، الرحيم، والبر، الكريم، الجواد، الروءف، الوهاب – هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب، بالرحمة، والبر، والجود، والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته. وخص المؤمنين منها ، بالنصيب الأوفر، والحظ الأكمل ، قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}(1)الآية.
والنعم والإحسان، كله من آثار رحمته، وجوده، وكرمه. وخيرات الدنيا و الآخرة، كلها من آثار رحمته.(2)
وقال ابن تيمية رحمه الله في تفسيرة قوله تعالى : {اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } سمى ووصف نفسه بالكرم، وبأنه الأكرم بعد إخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين ويوصلهم إلى الغايات المحمودة كما قال تعالى : {الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى } ، { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} ، { الذي خلقني فهو يهدين } فالخلق يتضمن الابتداء والكرم تضمن الانتهاء . كما قال في سورة الفاتحة { رب العالمين} ثم قال { الرحمن الرحيم }ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء بل الإعطاء من تمام معناه، فإن الإحسان إلى الغير تمام والمحاسن والكرم كثرة الخير ويسرته.. والله سبحانه أخبر أنه الأكرم بصيغة التفضيل والتعريف لها. فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف لو قال (وربك أكرم) فإنه لا يدل على الحصر. وقوله { الأكرم } يدل على الحصر ولم يقل ((الأكرم من كذا)) بل أطلق الاسم، ليبين أنه الأكرم مطلقا غير مقيد فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه.(3)

الفتاح
قال الله تعالى : {قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم }(4)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 156
(2) تفسير العلامة السعدي5/621
(3) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 16/293-296 بتصرف يسير.
(4) سورة سبأ الآية 26

الفاتح : الحاكم والفتاح من أبنية المبالغة. فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد، وفتحه تعالى قسمين:
أحدهما: فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي.
والثاني: الفتاح بحكمه القدري.
ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على ألسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون، ويستقيمون به على الصراط المستقيم. وأما فتحه بجزائه فهو فتحه بين أنبيائه ومخالفيهم وبين أوليائه وأعدائهم بإكرام الأنبياء وأتباعهم ونجاتهم ، وبإهانة أعدائهم وعقوباتهم.
وكذلك فتحه يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفي كل عامل ما عمله.
وأما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع، قال تعالى:{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم }(1)فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه ، ويفتح على أعدائه ضد ذلك ، وذلك بفضله وعدله.(2)

الرزاق ، الرازق
وهو مبالغة من: رازق للدلالة على الكثرة.
والرازق من أسمائه سبحانه. قال تعالى : {إن الله هو الرزاق}(3){وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها}(4).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق}(5)ورزقه لعباده نوعان: عام وخاص.
__________
(1) سورة فاطر الآية 2
(2) الحق والواضح المبين ص 83 وانظر شرح النونية للهراس 2/107
(3) سورة الذاريات الآية 58
(4) سورة هود الآية 6
(5) أخرجه بلفظه أبو داود 3/272 والترمذي 3/596 وابن ماجه 2/741 وأحمد في المسند 3/156 و286 بنحوه. والدارمي بنحوه 2/165 وهو حديث صحيح الإسناد انظر صحيح الترمذي 2/32وصحيح ابن ماجه 2/15

فالعام إيصاله لجميع الخليقة جميع ما تحتاجه في معاشها وقيامها، فسهل لها الأرزاق، ودبرها في أجسامها، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر، بل للآدميين والجن والملائكة والحيوانات كلها.وعام أيضا من وجه آخر في حق المكلفين،فإنه قد يكون من الحلال الذي لا تبعة على العبد فيه، وقد يكون من الحرام و يسمى رزقا ونعمة بهذا الاعتبار، ويقال (( رزقه الله )) سواء ارتزق من حلال أو حرام وهو مطلق الرزق.
وأما الرزق المطلق فهو النوع الثاني، وهو الرزق الخاص، وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة، وهو الذي على يد رسول الله وهو نوعان:
رزق القلوب بالعلم والإيمان وحقائق ذلك، فإن القلوب مفتقرة غاية الافتقار إلى أن تكون عالمة بالحق مريدة له متألهة لله متعبدة، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها.
ورزق البدن بالرزق الحلال الذي لا تبعة فيه، فإن الرزق الذي خص به المؤمنين والذي يسألونه منه شامل للأمرين، فينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين، فمعنى ((اللهم ارزقني)) أي ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن ، وما به يصلح بدني من الرزق الحلال الهني الذي لا صعوبة فيه ولا تبعة تعتريه.(1)

الحي ، القيوم
قال الله تعالى : {الله لا إله هو الحي القيوم}(2)وقال سبحانه : {آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}(3)وقال عز وجل : {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما}(4)وهما من أسماء الله الحسنى.
__________
(1) الحق الواضح المبين ص85-86 انظر شرح النونية للهراس 2/108 وتوضيح المقاصد 2/234 .
(2) سورة البقرة الآية 254
(3) سورة آل عمران الآية 2
(4) سورة طه الآية 111

و(الحي القيوم) جمعها في غاية المناسبة كما جمعها الله في عدة مواضع في كتابه، وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال، فالحي هو كامل الحياة، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم، والعزة، والقدرة والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذات المقدسة، والقيوم هو كامل القيومية وله معنيان :
هو الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته.
وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها، فهو الغني عنها من كل وجه وهي التي افتقرت إليه من كل وجه، فالحي والقيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما يريد.(1)
...
نور السموات والأرض(2)
قال تعالى : { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء }(3)وقال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ..))(4)الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))(5).
__________
(1) الحق الواضح المبين 87-88 انظر شرح النونية للهراس2/109 وتوضيح المقاصد 2/236 .
(2) انظر فتاوى ابن تيمية فقد تكلم كلاما نفيسا في هذا 6/382 -396
(3) سورة النور الآية 35
(4) البخاري مع الفتح 13/464 و البخاري مع الفتح 11/116 ومسلم 1/532
(5) رواه مسلم 1/161

قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الل ه: من أسمائه جل جلاله ومن أوصافه (النور) الذي هو وصفه العظيم، فإنه ذو الجلال والإكرام وذو البهاء والسبحات الذي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهو الذي استنارت به العوالم كلها، فبنور وجهه أشرقت الظلمات، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الأكوان.
والنور نوعان:
حسي كهذه العوالم التي لم يحصل لها نور إلا من نوره.
ونور معنوي يحصل في القلوب والأرواح بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة نبيه . فعلم الكتاب والسنة والعمل بهما ينير القلوب والأسماع والأبصار، ويكون نورا للعبد في الدنيا والآخرة {يهدي الله لنوره من يشاء }(1)لما ذكر أنه نور السماوات والأرض وسمى الله كتابه نورا ورسوله نورا ووحيه نورا...
ثم إن ابن القيم رحمه الله حذر من اغترار من اغتر من أهل التصوف ، الذين لم يفرقوا بين نور الصفات وبين أنوار الإيمان والمعارف، فإنهم لما تألهوا وتعبدوا من غير فرقان وعلم كامل ، ولاحت أنوار التعبد في قلوبهم ، لأن العبادات لها أنوار للقلوب، فظنوا هذا النور هو نور الذات المقدسة، فحصل منهم من الشطح والكلام القبيح ما هو أثر هذا الجهل والاغترار والضلال.
وأما أهل العلم والإيمان الفرقان فإنهم يفرقون بين نور الذات والصفات، وبين نور المخلوق الحسي منه والمعنوي، فيعترفون أن نور أوصاف الباري ملازم لذاته لا يفارقها ولا يحل بمخلوق، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
__________
(1) سورة النور آية 35

وأما النور المخلوق فهو الذي تتصف به المخلوقات بحسب الأسباب والمعاني القائمة بها.والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار الله قلبه، فانكشفت له حقائق الأشياء، وحصل له فرقان يفرق به بين الحق والباطل، وصار هذا النور هو مادة حياة العبد وقوته على الخير علما وعملا، وانكشفت عنه الشبهات القادحة في العلم واليقين، والشهوات الناشئة عن الغفلة والظلمة، وكان قلبه نورا وكلامه نورا وعمله نورا، والنور محيط به من جهاته.
والكافر، أو المنافق، أو المعارض، أو المعرض الغافل كل هؤلاء يتخبطون في الظلمات، كل له من الظلمة بحسب ما معه من موادها وأسبابها والله الموفق وحده(1).
الرب
قال الله تعالى : { قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء}(2)هو: المربي جميع عباده، بالتدبير، وأصناف النعم. وأخص من هذا، تربيته لأصفيائه، بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم وأخلاقهم.
ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة.
الله
هو المألوه المعبود، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، لما أتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال.

الملك , المليك , مالك الملك
قال الله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم }(3) وقال تعالى : {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}(4)، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}(5).
فهو الموصوف ، بصفة الملك. وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق، والأمر، والجزاء.
__________
(1) الحق الواضح المبين ص93-95 وانظر توضيح المقاصد 2/237 وانظر أيضا شرح النونية للهراس 2/114 بتصرف يسير .
(2) سورة الأنعام الآية 164
(3) سورة المؤمنون الآية 116
(4) سورة القمر الآية 55
(5) سورة آل عمران الآية26

وله جميع العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه.(1) فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلاهيته فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق. رب الناس ملك الناس إله الناس وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني أسمائه الحسنى أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن ( الرب) هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.
وأما(الملك ) فهو الآمر، الناهي، المعز، المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز، الجبار، المتكبر، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، المعز، المذل، العظيم، الجليل، الكبير، الحسيب، المجيد، الولي، المتعالي، مالك الملك، المقسط، الجامع، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.
وأما ( الإله): فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم وإن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى فكان المستعيذ بها جديرا بأن يعاذ، ويحفظ، ويمنع من الوسواس الخناس ولا يسلط عليه.(2)
__________
(1) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/620
(2) بدائع الفوائد ابن القيم رحمه الله 2/249

وإذا كان وحده هو ربنا، وملكنا، وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعى، ولا يخاف، ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذل لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه، وتخافه، وتدعوه، وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومتولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقا وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلاهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك، وروحك، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان ربهم، وملكهم، وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجؤا إلى غير حماه فهو كافيهم، وحسبهم، وناصرهم، ووليهم، ومتولي أمورهم جميعا بربوبيته، وملكه، وإلاهيته لهم. فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه، ومالكه، وإلهه.(1)
الواحد ، الأحد
قال الله تعالى : {قل هو الله أحد}(2)، وقال سبحانه : {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}(3)وهو الذي توحد بجميع الكمالات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك.
ويجب على العبيد توحيده ، عقدا وقولا وعملا ، بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة .(4)
والأحد يعني : الذي تفرد بكل كمال ، ومجد وجلال ، وجمال وحمد ، وحكمة ، ورحمة، وغيرها من صفات الكمال. فليس له مثيل ولا نظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه. فهو الأحد في حياته وقيوميته، وعلمه وقدرته، وعظمته وجلاله، وجماله وحمده، وحكمته ورحمته، وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال ونهايته، من كل صفة من هذه الصفات.
__________
(1) المرجع السابق 2/248
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الرعد الآية 16
(4) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/620

ومن تحقيق أحديته وتفرده بها أنه ((الصمد)) أي: الرب الكامل، والسيد العظيم، الذي لم يبق صفة كمال إلا اتصف بها. ووصفه بغايتها وكمالها، بحيث لا تحيط الخلائق ببعض تلك الصفات بقلوبهم ، ولا تعبر عنها ألسنتهم.(1)

المتكبر
قال الله تعالى : {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون}(2)فهو سبحانه المتكبر عن السوء، والنقص والعيوب، لعظمته وكبريائه .

الخالق ، البارئ ، المصور ، الخلاق
قال تعالى : {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى}(3)، {إن ربك هو الخلاق العليم}(4) .
الذي خلق جميع الموجودات وبرأها، وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم.
المؤمن
الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال ، وبكمال الجلال والجمال. الذي أرسل رسله، وأنزل كتبه بالآيات والبراهين. وصدق رسله بكل آية وبرهان، يدل على صدقهم وصحة ما جاءوا به.
المهيمن
المطلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علما(5)وقال البغوي: الشهيد على عباده بأعمالهم وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما يقال: هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيبا على الشيء...(6)

المحيط
__________
(1) بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار ص291 لعبد الرحمن السعدي .
(2) سورة الحشر الآية 23
(3) سورة الحشر الآية 24
(4) سورة الحجر الآية 86
(5) تفسير السعدي 5/624
(6) تفسير البغوي4/326

قال الله تعالى : {ولله ما في السموات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا}(1)وقال عز وجل : {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}(2) وهو الذي أحاط بكل شيء علما، وقدرة، ورحمة، وقهرا. وقد أحاط علمه بجميع المعلومات، وبصره بجميع المبصرات، وسمعه بجميع المسموعات ونفذت مشيئته وقدرته بجميع الموجودات، ووسعت رحمته أهل الأرض والسماوات، وقهر بعزته كل مخلوق ودانت له جميع الأشياء(3).

المقيت
قال الله تعالى : {وكان الله على كل شيء مقيتا}(4)فهو سبحانه الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات . وأوصل إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء ، بحكمته وحمده.(5)
__________
(1) سورة النساء الآية 126
(2) سورة آل عمران الآية 120
(3) تفسير العلامة السعدي 2/179
(4) سورة النساء الآية 85
(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/625

قال الراغب الأصفهاني : القوت ما يمسك الرمق وجمعه: أقوات ، قال تعالى : {وقدر فيها أقواتها}(1)، وقاته يقوته قوتا: أطعمه قوته . وأقاته يقيته جعل له ما يقوته وفي الحديث : ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت))(2)قيل مقتدرا، وقيل: شاهدا. وحقيقته قائما عليه يحفظه ويقيته..(3) وقال في القاموس المحيط : ((المقيت: الحافظ للشيء، والشاهد له، والمقتدر، كالذي يعطي كل أحد قوته ))(4) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: مقتدرا أو مجازيا، وقال مجاهد: شاهدا، وقال قتادة حافظا وقيل:معناه على كل حيوان مقيتا: أي يوصل القوت إليه(5) وقال ابن كثير : {وكان الله على كل شيء مقيتا}أي حفيظا، وقال مجاهد: شهيدا، وفي رواية عنه: حسيبا، وقيل قديرا، وقيل: المقيت الرازق، وقيل مقيت لكل إنسان بقدر عمله.(6)

الوكيل
قال الله تعالى : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل}(7)فهو سبحانه المتولي لتدبير خلقه ، بعلمه، وكمال قدرته، وشمول حكمته. الذي تولى أوليائه، فيسرهم لليسرى، وجنبهم العسرى وكفاهم الأمور. فمن اتخذه وكيلا كفاه : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}(Cool.

ذو الجلال والإكرام
أي ذو العظمة والكبرياء، وذو الرحمة، والجود، والإحسان العام والخاص. المكرم لأوليائه وأصفيائه، الذين يجلونه، ويعظمونه، ويحبونه،(9)قال تعالى : {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام }(10).

جامع الناس ليوم لا ريب فيه
__________
(1) سورة فصلت الآية10
(2) أبو داود 2/132 وأحمد 2/160 ومسلم بلفظ ((كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته))مسلم 1/692.
(3) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص414
(4) القاموس المحيط ص202
(5) تفسير البغوي 1/457.
(6) تفسير ابن كثير 1/531 بتصرف يسير.
(7) سورة الزمر الآية 62
(Cool سورة البقرة الآية 257
(9) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/626
(10) سورة الرحمن الآية78

قال الله تعالى: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد}(1)فالله سبحانه وتعالى هو جامع الناس ، وجامع أعمالهم وأرزاقهم، فلا يترك منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين والآخرين، بكمال قدرته، وسعة علمه.(2)

بديع السموات والأرض
قال الله تعالى : {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول كن فيكون}(3)أي: خالقهما ومبدعهما، في غاية ما يكون من الحسن والخلق البديع، والنظام العجيب المحكم.
وقال تعالى : {وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده}(4)ابتدأ خلقهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ثم يعيدهم، ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي المسيئين بإساءتهم. وكذلك، هو يبدأ إيجاد المخلوقات شيئا فشيئا، ثم يعيده كل وقت.
وقال تعالى : {إن ربك فعال لما يريد}(5)وقال سبحانه : {ذو العرش المجيد * فعال لما يريد}(6).
وهذا من كمال قوته، ونفوذ مشيئته، وقدرته، أن كل أمر يريده يفعله بلا ممانع، ولا معارض. وليس له ظهير ولا عوين، على أي أمر يكون. بل إذا أراد شيئا قال له (كن فيكون).ومع أنه الفعال لما يريد، فإرادته، تابعة لحكمته وحمده. فهو موصوف بكمال القدرة، ونفوذ المشيئة.وموصوف بشمول الحكمة، لكل ما فعله ويفعله.(7)

الكافي
قال الله تعالى : {أليس الله بكاف عبده}(Cool.
فهو سبحانه الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه. الكافي كفاية خاصة، من آمن به، وتوكل عليه، واستمد منه حوائج دينه ودنياه.

الواسع
__________
(1) سورة آل عمران الآية9
(2) نفس المرجع السابق 5/627
(3) سورة البقرة الآية 117
(4) سورة الروم الآية 27
(5) سورة هود الآية 107
(6) سورة البروج الآية 16
(7) تيسير الكريم الرحمن 5/628-629
(Cool سورة الزمر الآية 36

قال الله تعالى : {والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}(1).فهو سبحانه وتعالى واسع الصفات، والنعوت، ومتعلقاتها بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .واسع العظمة ، والسلطان، والملك واسع الفضل، والإحسان، عظيم الجود والكرم.

الحق
الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته.فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته. ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به. فهو الذي لم يزل، ولا يزال، بالجلال، والجمال، والكمال موصوفا.
ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفا. فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له، هي الحق، وكل شيء ينسب إليه، فهو حق.(2){ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير}(3){وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(4){فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الضلال}(5){وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا}(6)وقال الله تعالى : {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}(7).
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، و عبادته هي الحق، ووعده حق، ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.(Cool

الجميل
__________
(1) سورة البقرة الآية 268.
(2) تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/631-632 بتصرف يسير
(3) سورة الحج الآية 62
(4) سورة الكهف الآية29
(5) سورة يونس الآية 32
(6) سورة الإسراء الآية 81
(7) سورة النور الآية25
(Cool تفسير السعدي 5/405 وابن كثير3/277

قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله جميل يحب الجمال))(1)فهو سبحانه جميل بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا يمكن مخلوقا أن يعبر عن بعض جمال ذاته، حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم وتلاشى ما فيه من الأفراح، وودوا أن لو تدوم هذه الحال، واكتسبوا من جماله ونوره جمالا إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحا تكاد تطير له القلوب.
__________
(1) أخرجه مسلم 1/93

وكذلك هو الجميل في أسمائه، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها، قال تعالى : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(1)وقال تعالى : {هل تعلم له سميا}(2)فكلها دالة على غاية الحمد والمجد والكمال، لا يسمى باسم منقسم إلى كمال وغيره. وكذلك هو الجميل في أوصافه، فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصفات وأعمها وأكثرها تعلقا، خصوصا أوصاف الرحمة، والبر، والكرم، والجود، وكذلك أفعاله كلها جميلة، فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث، ولا سفه، ولا سدى، ولا ظلم، كلها خير، وهدى، ورحمة، ورشد، وعدل : {إن ربي على صراط مستقيم}(3)فلكماله الذي لا يحصي أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع: أتقن ما صنعه : {صنع الله الذي أتقن كل شيء}(4)وأحسن خلقه.{الذي أحسن كل شيء خلقه}(5){ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}(6)والأكوان محتوية على أصناف الجمال، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال وأعطاها الحسن، فهو أولى منها لأن معطي الجمال أحق بالجمال، فكل جمال في الدنيا والآخرة باطني وظاهري، خصوصا ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم، فلو بدا كف واحدة من الحور العين إلى الدنيا، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال ومن عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء.فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى : {ولله المثل الأعلى}(7)فكل ما وجد في
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) سورة مريم الآية 65
(3) سورة هود الآية 56
(4) سورة النمل الآية 88
(5) سورة السجدة الآية 7
(6) سورة المائدة الآية 50
(7) سورة النحل الآية 60

المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصا، فإن معطيه وهو الله أحق به من المعطى بما لا نسبة بينهم ، كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته وصفاتهم إلى صفاته، فالذي أعطاهم السمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحق منهم بذلك، وكيف يعبر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به : ((لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك))(1)وقال صلى الله عليه وسلم : ((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))(2) فسبحان الله وتقدس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علوا كبيرا، وحسبهم مقتا وخسارا أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته والابتهاج بمحبته.(3)
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم))(4)وقال أيضا في الصحيح: قال الله تعالى : ((كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك.وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني.وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته.وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد))(5)فالله تعالى يدر على عباده الأرزاق المطيع منهم والعاصي، والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في إطفاء دينه، والله تعالى حليم على ما يقولون وما يفعلون، يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم ، وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة وإحسان ، فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل أمرهم.(6)
الرفيق
__________
(1) أخرجه مسلم 1/352
(2) أخرجه مسلم 1/161
(3) توضيح الحق المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص29-32 بتصرف يسير
(4) البخاري مع الفتح 10/511 ومسلم 4/2160
(5) البخاري مع الفتح 8/168 و8/739
(6) الحق الواضح المبين ص 57-58 بتصرف يسير

مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطى على ما سواه ))(1)فالله تعالى رفيق في أفعاله، خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئا فشيئا بحسب حكمته ورفقه، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة. ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئا بعد شيء شاهد من ذلك العجب العجيب، فالمتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ووقار، اتباعا لسنن الله في الكون واتباعا لنبيه صلى الله عليه وسلم. فإن من هذا هديه وطريقه تتيسر له الأمور، وبالأخص الذي يحتاج إلى أمر الناس ونهيهم وإرشادهم، فإنه مضطر إلى الرفق واللين، وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الراحة والطمأنينة والرزانة والحلم.(2)
والله عز وجل يغيث عباده إذا استغاثوا به سبحانه فعن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ثم قال يا رسول الله : هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قالSad(اللهم أغثنا.اللهم أغثنا. اللهم أغثنا ))(3)فالله عز وجل يغيث عباده في الشدائد والمشقات، فهو يغيث جميع المخلوقات عندما تتعسر أمورها وتقع في الشدائد والكربات: يطعم جائعهم ويكسو عاريهم، ويخلص مكروبهم، وينزل الغيث عليهم في وقت الضرورة والحاجة، وكذلك يجيب إغاثة اللهفان أي دعاء من دعاه في حالة اللهف والشدة والاضطرار، فمن استغاثه أغاثه.وفي الكتاب والسنة من ذكر تفريجه للكربات، وإزالته الشدائد، وتيسيره للعسير شيء كثير جدا معروف(4).

الحي ، الستير
__________
(1) أخرجه مسلم 4/2004
(2) الحق الواضح المبين ص63
(3) البخاري مع الفتح 2/507 ومسلم 2/612
(4) الحق الواضح المبين ص67

هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حيي يستحي من عبده إذا مد يديه إليه أن يردهما صفرا ))(1) وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله عز وجل حليم، حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر))(2)وهذا من رحمته، وكرمه، وكماله، وحلمه أن العبد يجاهره بالمعاصي مع فقره الشديد إليه، حتى أنه لا يمكنه أن يعصي إلا أن يتقوى عليها بنعم ربه، والرب مع كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحي من هتكه وفضيحته وإحلال العقوبة به ، فيستره بما يقيض له من أسباب الستر، ويعفو عنه ويغفر له، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم بعدد اللحظات وشرهم إليه صاعد، ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي وكل قبيح.
ويستحي تعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفرا، ويدعو عباده إلى دعائه ويعدهم بالإجابة وهو الحيي الستير يحب أهل الحياء والستر، ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصيا والله يستره ، فيصبح يكشف ستر الله عليه ، وقال تعالى :{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}(3)وهذا كله من معنى اسمه (الحليم) الذي وسع حلمه أهل الكفر والفسوق والعصيان ، ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلا،فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصروا واستمروا في طغيانهم ولم ينيبوا.(4)

الإله
__________
(1) أخرجه أبو داوود 2/78 والترمذي 5/556 وابن ماجه /وانظر صحيح ابن ماجه 2/331 وصحيح الترمذي 3/179
(2) أبو داود 4/40 والنسائي 1/200 والبيهقي 1/198 وأحمد 4/224 وهو حديث صحيح انظر إرواء الغليل 7/367 وصحيح النسائي 1/87
(3) سورة النور الآية 19.
(4) الحق الواضح المبين ص54-55

هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال ، فقد دخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن (الله) أصله (الإله) وأن اسم (الله) هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى والله أعلم(1)
قال الله تعالى : {إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا}(2).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اواخر الشتا
برونزى
اواخر الشتا


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 25/04/2014

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة    ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Icon_minitime1الإثنين 3 ديسمبر - 16:22


القابض ، الباسط ، المعطي
قال الله تعالى : {والله يقبض وبسط وإليه ترجعون}(3)وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرزاق ..))(4) وقال صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم..)) (5) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل ))(6) الحديث.
وقال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}(7)وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ))(Coolوقد كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد السلام من الصلاة حينما ينصرف إلى الناس : ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ))(9).
__________
(1) المرجع السابق ص104، وانظر ص164 من هذا الكتاب
(2) سورة النساء الآية 171
(3) سورة البقرة الآية 245
(4) ابن ماجه 2/741 والترمذي 3/596 وأبو داود 3/272 وأحمد 3/156 و286 والدارمي 2/165 وانظر صحيح الترمذي 2/32 وصحيح ابن ماجه 2/15
(5) البخاري مع الفتح 6/217 و 13/293
(6) مسلم 1/161
(7) سورة آل عمران الآية 26
(Cool البخاري مع الفتح 1/255 ومسلم 1/414
(9) البخاري مع الفتح 2/507 ومسلم 612

هذه الصفات الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يثنى على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر، لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق والرحمة والقلوب . وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان ، الخافض لأعدائه. وهو المعز لأهل طاعته، وهذا عز حقيقي، فإن المطيع لله عزيز وإن كان فقيرا ليس له أعوان ، المذل لأهل معصيته وأعدائه ذلا في الدنيا والآخرة. فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه حشوه الذل وإن لم يشعر به لانغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة الله والذل بمعصيته {ومن يهن الله فما له من مكرم}(1){من كان يريد العزة فلله العزة جميعا}(2){ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} (3) وهو تعالى المانع المعطي فلا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى.
وهذه الأمور كلها تبع لعدله وحكمته وحمده، فإن له الحكمة في خفض من يخفضه ويذله ويحرمه، ولا حجة لأحد على الله، كما له الفضل المحض على من رفعه وأعطاه وبسط له الخيرات، فعلى العبد أن يعترف بحكمة الله، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه ، وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور وكلها جارية تحت أقداره، فإن الله جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسبابا، ولضد ذلك أسبابا من قام بها ترتبت عليه مسبباتها، وكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله، والاعتماد على ربه في حصول ما يحب ، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة فإنها محل حكمة الله.(4)

المقدم ، والمؤخر
__________
(1) سورة الحج الآية 18
(2) سورة فاطر الآية 10
(3) سورة المنافقون الآية8
(4) الحق الواضح المبين ص89-90

كان من آخر ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم : (( اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم، وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت))(1) .
المقدم والمؤخر هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقرونا بالآخر، فإن الكمال من اجتماعهما، فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونيا كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له. ويكون شرعيا كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخر من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته. وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته.
فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات الباري، وإن صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله متصفة بها الذات ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال.(2)
قال الله عز وجل : {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير }(3)وقال الله تعالى : {قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا }(4).
__________
(1) مسلم 1/535
(2) الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين ص100
(3) سورة الأنعام الآية 17
(4) سورة الفتح الآية 11


وصفة الضر والنفع هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة . فالله تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك، وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها، فإن الله تعالى جعل مقاصد للخلق وأمورا محبوبة في الدين والدنيا، وجعل لها أسبابا وطرقا، وأمر بسلوكها ويسرها لعباده غاية التيسير، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النافع، ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومن إلا نفسه، وليس له حجة على الله، فإن الله أعطاه السمع، والبصر، والفؤاد، والقوة’ والقدرة، وهداه النجدين، وبين له الأسباب، والمسببات، ولم يمنعه طريقا يوصل إلى خير ديني ولا دنيوي، فتخلفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها.
واعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة، والحكمة الشاملة التامة. وهي كلها قائمة بالله، والله متصف بها، وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير، والنفع والضر، والعطاء والحرمان، والخفض والرفع، لا فرق بين محسوسها ومعقولها، ولا بين دينيها ودنيويها. فهذا معنى كونها أوصاف أفعال لا كما ظنه أهل الكلام الباطل.(1)

المبين
المبين : اسم الفاعل من أبان يبين فهو مبين إذا أظهر وبين إما قولا، وإما فعلا.
والبينة هي الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة والبيان هو الكشف عن الشيء .. وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المقصود وإظهاره نحو {هذا بيان للناس}.
__________
(1) توضيح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص131 -132

فالله عز وجل هو المبين لعباده سبيل الرشاد والموضح لهم الأعمال التي يستحقون الثواب على فعلها والأعمال التي يستحقون العقاب عليها، وبين لهم ما يأتون، وما يذرون يقال: أبان الرجل في كلامه ومنطقه فهو مبين والبيان: الكلام ويقال: ( بان الكلام وأبان بمعنى واحد فهو: مبين ومبين(1)وقد سمى الله نفسه بالمبين {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}.(2)
وهو سبحانه الذي بين لعباده طرق الهداية وحذرهم وبين لهم طرق الضلال وأرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب ليبين لهم قال الله عز وجل : {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }(3)وهذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى في كتبه التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) انظر مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص68-69 واشتقاق الأسماء للزجاجي ص180
(2) سورة النور الآية25
(3) سورة البقرة الآية 195

وقال عز وجل : {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون}.(1)، {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }(2)، {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم}،(3) وقال عز وجل : {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.(4)ويقول عز وجل : { انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون}.(5){ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}،(6)والله عز وجل يبين للناس الأحكام الشرعية ويوضحها ويبين الحكام القدرية وهو عليم بما يصلح عباده حكيم في شرعه وقدره،(7)فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
وقال عز وجل:{كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}،(Coolوقال:{وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم}،(9)يخبر الله عن نفسه الكريمة وحكمه العادل أنه لا يضل قوما إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة.(10)

المنان
__________
(1) سورة البقرة الآية 118
(2) سورة البقرة الآية 266
(3) سورة النساء الآية 26
(4) سورة المائدة الآية15-16
(5) سورة المائدة الآية 75
(6) سورة النور الآية18
(7) تفسير ابن كثير 3/274
(Cool سورة آل عمران الآية 103
(9) سورة التوبة 115
(10) تفسير ابن كثير 2/396

المنان من أسماء الله الحسنى التي سماه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت[وحدك لا شريك لك]المنان[يا]بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)).(1)
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث : (المنان) هو المنعم المعطي من المن:العطاء، لا من المنة. وكثيرا ما يرد المن في كلامهم:بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه فالمنان من أبنية المبالغة.... كالوهاب.(2)ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل ))(3) ومعنى ((إن من أمن الناس )) أكثرهم جودا لنا بنفسه، وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة ) (4) والله عز وجل هو المنان:من المن العطاء ، والمنان: هو عظيم المواهب، فإنه أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن وأنعم فأجزل، وأسنى النعم، وأكثر العطايا والمنح )) (5) قال وقوله الحق : {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}.(6)
__________
(1) أخرجه أهل السنن الأربع وابن حبان وأحمد والحاكم. وانظر صحيح النسائي للألباني 1/279وصحيح ابن ماجه 2/329 وصفة الصلاة للألباني ص204
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4/365
(3) البخاري مع الفتح 1/558
(4) فتح الباري 1/558
(5) الأسماء والصفات للبيهقي 1/120
(6) سورة إبراهيم الآية34

ومن أعظم النعم بل أصل النعم التي امتن الله بها على عباده الامتنان عليهم بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلال وعصمهم به من الهلاك.(1) قال الله تعالى:{لقدمن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. (2)
فالله عز وجل هو الذي من على عباده: بالخلق، والرزق، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، أسبغ عليهم النعم الظاهرة و الباطنة، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها- بل أصل النعم – الهداية للإسلام ومنته بالإيمان وهذا أفضل من كل شيء.(3)
ومعنى (( لقد من الله على المؤمنين )) أي تفضل على المؤمنين المصدقين والمنان المتفضل .(4) ، والمنة : النعمة العظيمة . قال الأصفهاني: المنة: النعمة الثقيلة وهي على نوعين:
__________
(1) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله 1/449
(2) سورة آل عمران الآية 164
(3) انظر تفسير السعدي 7/142
(4) الأسماء والصفات للبيهقي 1/49

النوع الأول: أن تكون هذه المنة بالفعل فيقال: من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى:{لقد من الله على المؤمنين}.(1)وقوله تعالى:{كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا}،(2)وقال عز وجل:{ولقد مننا على موسى وهارون}(3){ولقد مننا عليك مرة أخرى}(4)، {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}،(5){فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}،(6){ولكن الله يمن على من يشاء من عباده}.(7)وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى فهو الذي من على عباده بهذه النعم العظيمة فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد رضاه وله الحمد في الأولى والآخرة.
النوع الثاني : أن يكون المن بالقول . وذلك مستقبح فيما بين الناس ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة قال الله تعالى : {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}.(Coolفالمنة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام،(9)والمنة منهم بالقول المذموم وقد ذم الله في كتابه ونهى عن المن المذموم : وهو المنة بالقول فقال : {ولا تمنن تستكثر}(10)قال ابن كثير : (( لا تمنن بعملك على ربك تستكثره))(11)وقيل غير ذلك.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 164
(2) سورة النساء الآية94
(3) سورة طه الآية114
(4) سورة طه الآية 37
(5) سورة القصص الآية 5
(6) سورة الطور الآية 27
(7) سورة إبراهيم الآية11
(Cool سورة الحجرات الآية17
(9) مفردات غريب القرآن للأصفهاني ص474
(10) سورة المدثر الآية 6
(11) تفسير ابن كثير 4/242

وقال الله عز وجل : {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم * يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين}.(1) وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم المن بالعطية فقال عليه الصلاة والسلام : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم )) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات . قال أبو ذر: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله قال : (( المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ))(2) هذا هو المن المذموم أما المن بمعنى العطاء والإحسان، والجود فهو المحمود .
والخلاصة:أن الله تبارك وتعالى هو المنان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو عظيم المواهب، أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن، وأنعم فأجزل ، وأكثر العطايا والمنح ، وأنقذ عباده المؤمنين ، ومن عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بمنه وفضله. ومن على عباده أجمعين: بالخلق، والرزق، والصحة، والأمن لعباده المؤمنين. وأسبغ على عباده النعم مع كثرة معاصيهم وذنوبهم. فاللهم من علينا بنعمة الإيمان ، واحفظنا وأجزل لنا من كل خير ، واصرف عنا كل شر وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا كريم يا منان، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، يا بديع السموات والأرض، يا الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .

الولي
__________
(1) سورة البقرة الآيات 262-264
(2) أخرجه مسلم 1-102

الولي: يطلق على كل من ولي أمرا أو قام به، والنصير، والمحب، والصديق، والحليف، والصهر، والجار، والتابع، والمعتق، والمطيع يقال: المؤمن ولي الله، والمطر يسقط بعد المطر، والولي ضد العدو، والناصر والمتولي لأمور العالم والخلائق، ويقال للقيم على اليتيم الولي، وللأمير الوالي.(1)
قال الراغب الأصفهاني: الولاء والتوالي يطلق على القرب من حيث المكان ومن حيث النسب ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة، ومن حيث النصرة، ومن حيث الاعتقاد، والولاية النصرة، والولاية تولي الأمر.. والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي وفي معنى المفعول أي الموالى: يقال للمؤمن هو ولي الله، ويقال الله ولي المؤمنين.(2)
وولاية الله عز وجل ليست كغيرها : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.(3)فهو سبحانه الولي الذي تولى أمور العالم والخلائق، وهو مالك التدبير، وهو الولي الذي صرف لخلقه ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأخراهم)) (4) وقد سمى الله نفسه بهذا الاسم فهو من الأسماء الحسنى قال الله عز وجل:{أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير}،(5)وقال عز وجل:{وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}.(6)
فالله عز وجل هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته والتقرب إليه بما أمكن من القربات وهو الذي يتولى عباده عموما بتدبيرهم ونفوذ القدر فيهم، ويتولى عباده بأنواع التدبير.
__________
(1) انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5/227 والمعجم الوسيط ص1058 والقاموس المحيط ص1732 والمصباح المنيرص672 ومختار الصحاح ص306
(2) مفردات الراغب الأصفهاني ص533
(3) سورة الشورى الآية11
(4) انظر تفسير ابن كثير 4/116 و1/277 وتفسير العلامة السعدي 6/617 و6/595
(5) سورة الشورى الآية 9
(6) سورة الشورى الآية28

ويتولى عباده المؤمنين خصوصا بإخراجهم من الظلمات إلى النور ويتولى تربيتهم بلطفه ويعينهم في جميع أمورهم وينصرهم، ويؤيدهم بتوفيقه، ويسددهم قال الله عز وجل:{الله ولي الذي ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}،(1)وقال عز وجل:{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}.(2)
فالله عز وجل هو نصير المؤمنين وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .. وإنما جعل الظلمات للكفر مثلا، لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها وكذلك الكفر حاجب لأبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان، والعلم بصحته وصحة أسبابه فأخبر عز وجل عباده أنه ولي المؤمنين ومبصرهم حقيقة الإيمان، وسبله، وشرائعه، وحججه، وهاديهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر أبصار القلوب.(3)
__________
(1) سورة البقرة الآية257
(2) سورة الجاثية الآية19
(3) تفسير الطبري ببعض التصرف 3/14

والخلاصة : أن الله تعالى أخبر أن الذين آمنوا بالله ورسله، وصدقوا إيمانهم بالقيام بواجبات الإيمان، وترك كل ما ينافيه، أنه وليهم، يتولاهم بولايته الخاصة، ويتولى تربيتهم فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر، والمعاصي، والغفلة، والإعراض، إلى نور العلم، واليقين، والإيمان والطاعة، والإقبال الكامل على ربه، وينور قلوبهم بما يقذف فيها من نور الوحي والإيمان، وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ويجلب لهم المنافع، ويدفع عنهم المضار فهو يتولى الصالحين : {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}(1) الذين صلحت نياتهم ، وأقوالهم، فهم لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر تولاهم الله ولطف بهم، وأعانهم على ما فيه الخير، والمصلحة في دينهم ودنياهم ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه(2)كما قال عز وجل : {إن الله يدافع عن الذين ءامنوا}(3).
__________
(1) سورة الأعراف الآية 196
(2) تفسير العلامة السعدي ببعض التصرف1/318و 3/132 وانظر تفسير ابن كثير 1/312 .
(3) سورة الحج الآية 38

وأما الذين كفروا، فإنهم لما تولوا غير وليهم ولاهم الله ما تولوا لأنفسهم، وخذلهم ووكلهم، إلى رعاية من تولاهم ممن ليس عنده نفع ولا ضر، فأضلوهم، وأشقوهم، وحرموهم هداية العلم النافع، والعمل الصالح، وحرموهم السعادة الأبدية وصارت النار مثواهم خالدين فيها مخلدين: اللهم تولنا فيمن توليت.(1)والله عز وجل يحب أولياءه وينصرهم ويسددهم والولي لله هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته المبتعد عن معصية الله.ومن عادى هذا الولي لله فالله عز وجل يعلمه بالحرب ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : ((إن الله يقول من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه . وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن أستعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).(2)والمعنى أنه إذا كان وليا لله عز وجل فالله يحفظه ويسدده، ويوفقه حتى لا يسمع إلا إلى ما يرضي مولاه، ولا ينظر إلا إلى ما يحبه مولاه ، ولا تبطش يداه إلا فيما يرضي الله ، ولا تمشي قدماه إلا إلى الطاعات فهو موفق مسدد مهتد ملهم من المولى وهو الله عز وجل ولهذا فسر هذا الحديث بهذا أهل العلم كابن تيمية وغيره ولأنه جاء في رواية الحديث رواية أخرى : ((فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش وبي يمشي ))(3) هذا يدل على نصرة الله لعبده، وتأييده، وإعانته، فيوفقه الله للأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله عز وجل.(4)
__________
(1) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله 1/318 وانظر تفسير ابن كثير 1/312 وانظر الأسماء والصفات للبيهقي 1/123 تحقيق عماد الدين أحمد
(2) البخاري مع الفتح 11/340
(3) فتح الباري 11/344
(4) فتح الباري 11/344


 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 001510

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة Oouo_o10

 ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة 000910




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملف كامل عن شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأمثال في الكتاب والسنة لفضيلة الشيخ ابي اسحاق الحويني حفظه الله
» الرقية الشرعية من الكتاب والسنة
» شرح الدعاء من الكتاب والسنة
» فقه الفرح في الكتاب والسنة
» ذكر الموت في الكتاب والسنة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي المركز الدولى :: ๑۩۞۩๑ (المنتديات الأسلامية๑۩۞۩๑(Islamic forums :: ๑۩۞۩๑نفحات اسلامية ๑۩۞۩๑Islamic Nfhat-
انتقل الى: