عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا
۩۞۩ ::ادارة منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩ ترحب بكم
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا
۩۞۩ ::ادارة منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى
اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله
ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
كاتب الموضوع
رسالة
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الأربعاء 5 يونيو - 21:56
ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي فقه الأسرة [1] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي ) خلق الله الإنسان وكرمه، واستخلفه على أرضه، وشرع له شرائع متنوعة، بعضها يتعلق بالأسرة، وذلك يأتي لبيان أهمية صلاح الأسرة في إصلاح المجتمع، وأول حجر أساس في تكوين الأسرة الصالحة هو حسن اختيار المرأة للزوج، وحسن اختيار الرجل للزوجة. تكريم الله تعالى للإنسان الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فقد خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وجعله خليفته في الأرض، وكرمه على الملائكة وفضله عليهم بما علمه من أسماء الأشياء كلها: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ [البقرة:31].فحكم الله تعالى لصالح آدم في تلك المسابقة العلمية، وبذلك شرف هذا الجنس البشري بالعلم على غيره من سائر الأجناس، وقد كرم الله ذرية آدم بعده بأنواع التكريم فقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70].وهذا التكريم الذي كرم الله به هذا الجنس البشري يقتضي أنه نكتة هذا العالم، ومن أجله خلقت الأرض وما فيها، ومن أجله شرعت الأحكام لتحقيق مصالح هذا الجنس البشري؛ فقد شرع الله تعالى الأحكام لمصلحة البشر، وهو غني عنهم وعما يعملون، فإذا أحل أو حرم فإنما ذلك لصالح البشر, ولقد كلف الله الإنسان بهذا الاستخلاف، وأصله الإصلاح والقيام بمصالح أهل الأرض، ويبدأ ذلك بإصلاح الإنسان نفسه أولاً, فالإنسان ما لم يكن لبنة صالحة في بناء المجتمع، وما لم يؤدِّ المهمة التي من أجلها ابتعث إلى الأرض ومن أجل ما سبق -فإنه لا يمكن أن يكون طرفاً في إصلاح؛ لأن البسيط مقدم عن المركب، فالإنسان الصالح في نفسه يمكن أن يكون جزءاً من مركب صالح، والإنسان الفاسد إذا كان في مركب لا بد أن يأتي إليه الفساد من قبل ذلك الجزء الفاسد فيه.فاحتيج أولاً إلى إصلاح الإنسان لنفسه، وإصلاحه لنفسه لا يتم إلا بأربعة أمور هي:أولاً: تعلم ما أمر الله به، ثم العمل بما تعلمه من أمر الله، ثم الدعوة إلى ما تعلمه وعمل به، ثم الصبر على طريق الحق حتى يلقى الله, فهذه الأربع هي التي تضمنتها سورة العصر التي قال فيها الشافعي رحمه الله: (لو لم ينزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سورة العصر لكفت حجة على الناس), يقول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا[العصر:1-3]، وهذا تعلم ما أمر الله به؛ لأن الإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بتعلم الإنسان لما أمر الله بتعلمه من أمور الإيمان. وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3]، وهذا العمل، (( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )), وهذه دعوة، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]، وهذا الصبر على الطريق، وهو أيضاً وصية لقمان لابنه كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وهذا تعليم ثم قال بعد هذا التعليم: (( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ )), وهذا العمل، ثم قال: وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ [لقمان:17]، وهذه الدعوة، ثم قال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17] وهذا الصبر على طريق الحق. تنوع الأحكام الشرعية وموقع الأسرة منها إذا حقق الإنسان هذه الأمور الأربعة في نفس الاتجاه أصبح إنسانا يستحق أن ينضم إليه غيره, وحينئذٍ فإن المرحلة اللاحقة من مراحل الاستخلاف في الأرض تقتضي أن له بناء أسرة, وبناء الأسرة مقصد شرعي، يقصد به بقاء هذا الجنس البشري واستمراره، ويقصد به تحقيق الاستخلاف في الأرض بالقيام ببعض الوظائف الشرعية التي ما وجهها الشارع للأفراد, فالأحكام الشرعية التي ترونها في القرآن وفي السنة وفي كتب الفقه بعضها موجهة للفرد كأحكام طهارته وصلاته وصيامه, وبعضها موجه إلى الأسرة كأحكام الأنكحة والنفقات والرضاع وغير ذلك، وبعضها موجه إلى المجتمع كأحكام العقود والبيوع والشراء ونحو ذلك, وبعضها موجه إلى الدولة كأحكام القضاء والجهاد وإقامة الحدود ونحو ذلك.فإذاً هذه الأحكام ليست موجهة إلى الفرد كلها، بل بعضها موجه الى الفرد، وبعضها موجه إلى الأسرة وبعضها موجه إلى المجتمع وبعضها موجه إلى الدولة. ومراحل الاستخلاف لا تتم إلا هكذا: أن يصلح الإنسان نفسه ثم يشارك في بناء أسرة صالحة، ثم يشارك في بناء مجتمع صالح، ثم في بناء دولة صالحة، وحينئذٍ يتكامل البنيان الذي به يتم الاستخلاف في الأرض، فلا نجد حينئذ حكماً معطلاً؛ لأن الحكم ما لم يحصل حصلت وسائله، ومن يوجه إليه لا يمكن أن يقالّ, فالأحكام الموجهة إلى الأسرة ما لم تحصل أسرة لا يستطيع الإنسان القيام بها، وليس معنى ذلك أنه سيعطل جزءاً من القرآن لا يعنيه، فمثلاً في سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا * وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:1-3]، وهذا لا يعني أبداً أن هذا القسم من القرآن لا يعنيه إن كان سيتركه، بل هذا يتعلق بمرحلة بعد إصلاحه لنفسه وهي إصلاحه لأسرته، وحينئذٍ يكون هذا الخطاب موجهاً إليه مع شريكه الثاني في الأسرة، وكذلك الأحكام الأخرى الموجهة إلى المجتمع, وهو قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ [المائدة:2], ومثل قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:103-105], فهذه الأحكام أيضاً لا بد أن تكون موجهة إلى من يقوم بها وليست موجهة إلى فرد وحده، بل هي موجهة إلى المجتمع؛ ومنه يلزم أن يقام المجتمع المسلم الصالح الذي يقيم هذه الأحكام ويعرف أنها خطاب الله وأنها موجهة إليه، فيؤديها كما أدى الفرد الأحكام الموجهة إليه، وكما أدت الأسرة الأحكام الموجهة إليها. ثم بعد هذا تأتي الأحكام الموجهة إلى الدولة، فهذه أيضاً لا بد أن تقوم بها دولة مسلمة ترعى حدود الله وتقيمها، فعندما يأتي الخطاب: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ [النور:2], وقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ [المائدة:38], هذه الأحكام من عند الله سبحانه وتعالى وليست موجهة إلى الأفراد ولا إلى الأسرة ولا إلى المجتمع، بل هي موجهة إلى الدولة, وما لم تقم دولة ترعى هذه الأحكام وتطبقها ستبقى هذه الأحكام معطلة، فلذلك لا بد من إقامة حكم إسلامي صحيح يقيم أحكام الله الموجهة إلى الدولة ويرعاها ويؤديها. علاقة النية ببناء الأسرة وما سأتحدث عنه هنا هو بناء الأسرة، وهي المرحلة الثانية بعد بناء الإنسان لنفسه وشخصيته, فبناء الأسرة يبدأ كغيره من الأعمال بالنية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى), فالإنسان ليس مثل الحيوان البهيمي، الذي يأتي شهوته ويأتي حاجته ثم ينطلق كأن شيئاً ما حصل ولا يترتب على ذلك أحكام ولا نفقات ولا التزامات ولا واجبات, بل الإنسان كائن مشرف وكل تصرفاته مبنية على سوابق تتراكم حتى تحصل شخصيته المتكاملة.وبالتالي لا بد أن تكون له التزامات ولا بد أن تكون له أدبيات وأخلاق، ولا بد أن تترتب على تصرفاته أفعال أخرى، وأحكام تتعلق بتلك الأفعال، ومن هنا فليس للإنسان أن يتزوج لمجرد الزواج، أو أن يفعل ذلك تقليداً كما يفعله كثير من عوام الناس حيث يتزوجون من أجل التقليد, بأن رأوا الناس إذا بلغوا سناً معينة تزوجوا فيتزوجون من أجل التقليد، كما أنهم يرونهم يصلون فيصلون تقليداً، بل قد قال الإمام عبد الحق الإشبيلي : لكنهم كفروا بالله تقليداً نعوذ بالله.فهذا النوع من التقليد لا يليق بالمسلم، بل لا بد أن يكون عارفاً لماذا يعمل؟ ثم إن كثيراً من الناس أيضاً إذا أراد بناء أسرة فإنما ينوي أن يأتي شهوته فقط, أو ينوي أن يكون له أولاد فقط، وهذه النية لا يحصل للإنسان من مشروعه الذي يقدم عليه إلا هي, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته أو ما هاجر إليه ). نية امتثال أمر الله في الأمر بالنكاح لكن لا بد أن يعرف المسلم النيات التي تلزم عند إرادته بناء الأسرة، وهذه النية مشتركة يلزم أن يعرفها الرجل ويلزم أن تعرفها المرأة, وهذه النيات أرجعها العلماء إلى ست: النية الأولى: أن يمتثل أمر الله تعالى في قوله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى ويلزمه الإيفاء به وتطبيقه، ومن فعل ذلك تقرباً لله سبحانه وتعالى أثابه عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل حين قال له: ( أرأيت إذا أديت المكتوبات، واجتنبت الحرام، وأحللت الحلال، ثم لم أزد على ذلك شيئاً، أأدخل الجنة؟ قال: نعم ). والمقصود باستحلال الحلال: إتيانه معتقداً حليته، فذلك يثاب عليه الإنسان؛ لأنه العلامة بأنه رضي بحكم الله واقتنع به وانقاد له, فإذاً هذا هو الأمر الأول، ولا اعتراض على هذا الأمر من جهة أن النكاح قد لا يجب على بعض الناس كالبقية؛ لأنه تعتريه أحكام الشرع، فقد يكون واجباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون سنة، وقد يكون مندوباً، وقد يكون مكروهاً كما يأتي، لكن هذا الخطاب موجه من البداية لعباده، فلا بد من امتثاله حتى لو كان على الإباحة, فاستحلال الحلال لتحقيق العبادة لله وتحقيق العبودية له والقيام لأمره أمر مطلوب. نية امتثال أمر النبي في الأمر بالنكاح النية الثانية: الامتثال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، وإلا فعليه بالصوم فإنه له وجاء).وكذلك الامتثال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )، وفي رواية لـأبي داود في السنن: ( فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ).فالنبي صلى الله عليه وسلم يكاثر الأنبياء بأمته، وقد صح عنه في ذلك عدد كثير من الأحاديث الصحيحة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان والنبي وليس معه أحد والنبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، حتى ظهر لي سواد عظيم فقلت: هؤلاء أمتي؟ فقيل: لا, هذا موسى وأمته ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت إلى سواد عظيم قد سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب).فالنبي صلى الله عليه وسلم يكاثر الأمم ويكاثر الأنبياء بأتباعه، ويزداد ثوابه كلما ازدادت أمته فرداً واحداً, فكلما ازداد المصلون مصلٍ واحداً يزداد أجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما ازداد الذاكرون بذاكر واحد يزداد أجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما ازدادت دعاته إلى الله بواحد يزداد أجر النبي صلى الله عليه وسلم ويزداد عمره.وبذلك أقول في بعض الأحيان لبعض الإخوة الذين أراهم يخرجون في سبيل الله، ويدعون الناس إلى طريق الحق: إنكم في طريقكم هذه تهدون جزءاً من أعمالكم للنبي صلى الله عليه وسلم ليزداد به عمره، فالإنسان حريص جداً على عمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون أنكم يجب عليكم فداؤه بأنفسكم وأموالكم، وليس ذلك شيئاً في مقابل ما له من الحق.فالنبي صلى الله عليه وسلم يستحق أن يفدى بأمته بكاملها، ولذلك أنت إذا قمت بالدعوة إلى الله فإنما تزيد عمر النبي صلى الله عليه وسلم بساعة أو ثنتين أو ثلاث من عمرك أنت، أهديتها للنبي صلى الله عليه وسلم لتزيد بها عمره، ولذلك فتلك الساعة التي تنفقها في الدعوة سواء كنت مشاركاً أو مباشراً أو حاضراً أو مستمعاً هي خير ساعاتك، فهي أفضل سائر عمرك؛ لأنها معدودة في عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وليست معدودة فقط في عمرك أنت, فعمرك أنت هو ما تقضيه في بيتك وفي أهلك، أما العمر الذي تقضيه في الدعوة إلى الله فهو من عمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المكلف بتبليغ هذه الرسالة، وقد أداها على أحسن الوجوه، وتبليغها إنما هو قيام بمهمته وأداء لوظيفته.ولهذا أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه الرسل، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة، وهذا الرجاء مرتب على قوله: ( وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي). وهذا القرآن كل من تحمل منه آية واحدة، فقد ازداد بها أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا داخل في: ( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ).ولذلك فالحجة القائمة به تختلف عن الحجة القائمة بمعجزات الرسل السابقين، فمعجزات الرسل السابقين الذين كانت رسالتهم مؤقتة بمدة في علم الله يصلح لها تطبيق ما جاءوا به، وإذا انتهت تلك المدة لم تعد رسالتهم صالحة للتطبيق، ولم يعد ما جاءوا به صالحاً للتطبيق، بل ينسخ ويغير برسالة أخرى, أولئك الرسل كانت معجزاتهم من جنس ما هو سائد لدى البشر في ذلك الوقت، كناقة صالح، والإبل تعرفون مكانتها عند العرب، وكعصا موسى وتعرفون اشتغال أهل مصر إذ ذاك بالسحر، وكشفاء عيسى للأكمه والأبرص وإحيائه للموتى، وميلاده من غير أب، وهي أمور توقف لها الطب والعلم، وتعرفون شغف أهل ذلك الوقت بالعلم والطب، وهكذا فكل رسالة تأتي معجزتها من جنس ما هو أرقى ما اشتغل به الناس في ذلك الوقت، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم لبقائها واستمرارها لم تكن معجزتها معجزة مادية؛ لأن المعجزة المادية إنما تقوم بها الحجة على من رآها أو من نقلت إليه تواتراً ثم تنتهي بعد ذلك.فكون عيسى يحيي الموتى بإذن الله ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، لو لم يأتِ ذلك في القرآن لما صدق به هذا الرجل قطعاً، لكنه إنما صدق به لأنه جاء في القرآن، فلذلك لو كانت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم مادية محضة لقامت بها الحجة على الذين شاهدوها والذين نقلت إليهم تواتراً ثم تنتهي الرسالة، ومن المعلوم أن رسالته مستمرة لكل من بعده: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، إلى قيام الساعة، فلا بد أن تكون معجزته معجزة للجميع، تقوم بها الحجة على أهل كل عصر وأهل كل مصر وأهل كل لسان، وهي هذا القرآن الذي يتلى وقد تحدى الله به الثقلين (الإنس والجن) أن يأتوا بسورة من مثله، والتحدي به باق خالد ما دامت هذه الدعوة قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها وحتى يرفع القرآن إليه: ( منه بدأ وإليه يعود ).فلذلك زيادة أفراد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم مقصد شرعي، ونية من نيات بناء الأسرة، فلا بد أن يلي الإنسان تحقيقها ويلي امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ). نية طلب النسل الصالح من النكاح النية الثالثة: هي طلب النسل الصالح، الذي يكون امتداداً في عمر الإنسان، فالعمر فائدته ترجيح كفة الحسنات، أي: زيادة الحسنات، وكلما ذهب من العمر في غير ذلك فهي باطل ويندم عليه صاحبه، ولذلك قال الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمد رحمة الله عليهم: والعمر مدته كمثل دراهمبيد الفتى يقضي بها حاجاتهخسر لذي عقل لبيب مؤمنوقت يمر ولم يزد حسناتهفالوقت فائدته زيادة الحسنات، وأي وقت يمر ولم تزدد فيه حسنات الإنسان يكون ترة عليه بين يدي الله، والإنسان عمره محدود وبقاؤه في هذه الحياة الدنيا قصير، وفي عمله تقصير، والناقد بصير، وسيحتاج إذاً إلى الاستمرار والدوام، وهذا الدوام من الميئوس منه أن يكون في حياته الشخصية، فلذلك يحتاج فيه إلى رافد خارجي وهي الذرية التي بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها بقاء للإنسان وازدياد في عمره وعمله، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية ).والولد عمله الصالح في كفة حسنات آبائه، وعمله السيئ عليه هو فقط، فلا يصل إلى والديه منه شيء، وعمله الصالح يصله إلى والديه إذا نويا طلب الذرية، فالولد الصالح يزيد حسناتهما.فإذاً هذه النية على الراجح أيضاً هي شرط لاستمرار العمر في الذرية، وشرط لحصول أجر عمل الأولاد، بأن ينوي الإنسان وجودهم ليكون ذلك زيادة في عمله وعمره، والحمد لله هذه النية بالإمكان أن تلحق العمل؛ لأن تربية الإنسان لأولاده وقيامه عليهم مثل إنتاجهم من جديد، فكل يوم من الأيام هو عمر جديد يتجدد في حياة الأولاد، فبالإمكان أن يجدد الإنسان هذه النية إذا فات من عمره ما تسبب فيه من ذرية، فإذا لم يستحضر هذه النية فبالإمكان أن يجددها في كل وقت في تعامله مع أولاده، وإحسانه إليهم، وتربيته لهم، وقيامه عليهم. نية إعفاف النفس والزوجة بالنكاح ثم بعد هذا النية الرابعة: هي إعفاف نفسه، فلبدن الإنسان عليه حق أكده النبي صلى الله عليه وسلم وبينه، ويجب عليه أن يصون جوارحه عن المعصية، ولا يكون ذلك إلا بإعفاف نفسه، فإذاً يجب عليه السعي لإعفاف نفسه.والنية الخامسة: هي السعي لإعفاف الطرف الآخر، أعني الشريك الثاني في الأسرة أيضاً، وإعفافه من المعاونة على البر والتقوى، وقد قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:32-33].فلذلك يساعد الإنسان على إعفاف الطرف الآخر وبالتالي سيشارك في نقص الجرائم المتعلقة بالجنس، كجريمة الزنا وجريمة اللواط وغير ذلك من الجرائم المحرمة، فعندما يسعى الإنسان لإقامة أسرة مسلمة، فإنه يشارك في قطع هذه الجرائم وتقليلها ونقصها، وأنتم تعرفون أن الجرائم إنما تكون ظاهرة بكثرة تكررها وانتشارها، وأنها لا يقضى عليها بقرار سياسي ولا بمحاكمة ولا بقانون، إنما يقضى عليها بالتدريب بإصلاح المجتمع، فهذا الذي يقضي على الجرائم، ومن هنا فهذه النية ذات أهمية كبيرة عندما يكون الإنسان مستعداً لأن يعف غيره حتى يقطع هذه الجريمة ويمنعها، وحتى يقوم بالحق الذي عليه تجاه الآخرين. نية إقامة البيت المسلم عند النكاح ثم النية السادسة: هي إقامة البيت المسلم الذي تقام فيه أوامر الله سبحانه وتعالى التي تتعلق بالبيت، وهذه مرحلة من مراحل الاستخلاف لا بد من تحقيقها، فلا بد من نية إقامة البيوت المسلمة، التي تقوم على أساس من البر والتقوى، ويحترم أهلها أحكام الشرع، ويعلمون أنهم مخاطبون بين يدي الله، ومعروضون عليه، وكل إنسان منهم عليه من الحق مثل الذي له، كما قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ [البقرة:228] أي: للنساء من الحق مثل الذي عليهن بالمعروف، فالحق مشترك بين الطرفين، وكل طرف له من الحق مثل الذي عليه، فعليه أن يؤدي كل الحق الذي عليه، وعليه أن يسامح ما استطاع في الحق الذي له، وإذا حصل هذا فسيقع الإنصاف الذي يمنع الخلاف. استشعار المسئولية عند النكاح هذه النيات يستحضرها الإنسان عند إرادته لإحداث الأسرة، ثم بعد هذا هدف الإنسان للإقامة في هذه الأسرة لا بد أن يكون حاضراً في ذهنه، وأن يعلم ما يترتب عليه من مسئوليات، فالإنسان إذا أقام أسرة فمعناه أنه أصبح مسئولاً وصاحب قرار في محضن من محاضن التربية ومستوى من مستويات المجتمع, كالذي يعين في وظيفة لا بد أن تحدث لديه مسئولية عندما يقوم بهذا العمل، ولذلك فقد قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].فيجب عليه أن يحرص على قيامه بمهمته حق القيام، وأن يكون راعياً أميناً, فالنبي صلى الله عليه وسلم حض على القيام بهذه المسئولية فقال: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته ), وسيأتي يوم القيامة مسئولاً عما استرعاه الله تعالى من الناس وسيخاطبونه بين يدي الله، فالله يسأل عن صحبة ساعة، وأول من يخاصم الإنسان بين يدي الله أهل بيته فيقولون: يا رب! وليت علينا عبدك هذا فرآنا على المنكر فلم يغيره، ورآنا نقصر بالمعروف فلم يأمرنا به، فلذلك يفر منهم إذا رآهم يوم القيامة: يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].كل من عرف الإنسان وجهه في هذه الحياة الدنيا يفر منه يوم القيامة ويخاف أن يطالبه بحق بين يدي الحكم العدل الذي لا يظلم عنده أحد, ولذلك لا بد من تحمل هذه المسئولية، وأن يستحضر الإنسان قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].فأولاد الإنسان يشق عليه جداً أن يمرضوا أي مرض، وأن يشاكوا بأية شوكة، وإذا بات أحدهم ساهراً من أجل شوكة أو ألم في ضرسه أو مرضٍ أياً كان فسيسعى للتخفيف عنه بما يستطيع، وسينفق ماله وجاهه من أجل تخفيف معاناته بما استطاع, ولو اعتقل أحدهم لدى شرطة هذه الدنيا الضعيفة المسكينة، التي لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعاً ولا ضراً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ [الحج:73]، فإنه حينئذٍ ستضيق عليه الأرض بما رحبت وسيسعى لإنقاذه بما يستطيع، فكيف لا يسعى لإنقاذه من عذاب الله، ومن تعذيب الملائكة الأقوياء الأشداء الذين وصفهم الله بهذا الوصف العظيم، فقال: عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. ما يترتب على استشعار المسئولية عند النكاح إن قيام الإنسان بهذه المسئولية يقتضي منه أن يكون منتبهاً، وأن يكون صاحب صدق، وأن يتقي الله في تصرفاته، فالإنسان قبل أن يشارك في بناء أسرة فذنوبه عليه فقط، فإذا كذب فهذا ذنب عليه فيما بينه وبين الله ويمكن أن يتجاوز الله عنه، ويمكن أن يتوب فيتوب الله عليه، لكن إذا كان صاحب أسرة فكذب بين يدي أولاده وأهله، فهذا الكذب ليس كالكذب الأول؛ لأنه تعليم للكذب، فهو الآن بمثابة أستاذ أمام السبورة يعلم الناس الكذب والفجور. وكذلك تصرفه في أي تصرف من التصرفات، قبل أن تكون له أسرة كان على حسابه الشخصي، أما بعد إقامة الأسرة فقد أصبح أستاذاً معلماً، وقد قال زياد بن أبيه : إن كذبة الأمير على المنبر بلقاء، فمسئوليات الأمير مثلاً أو القائد أو المسئول تختلف تمام الاختلاف عن الأفراد، فلذلك كلما ترقت درجة الإنسان في المسئولية كلما ازداد خطابه.وهذا الذي نذكره في شأن رب الأسرة الواحدة، أعظم منه من كان ذا مكانة اجتماعية كقائد لمجموعة أياً كانت (قبيلة أو غيرها)، وأعظم من ذلك من كان على قمة الهرم كرئيس دولة أو ملك أو قائد، فكل رعيته يخاطبونه بين يدي الله، وكل إنسان منهم يريد حقه، ولا يظن بهم حينئذٍ العفو في ذلك المقام؛ لأنهم قد أبصروا الحق وعرفوه وهم محتاجون إلى حقوقهم، فلا يرجى منهم المسامحة في ذلك الوقت، فلهذا لا بد أن يكون المقدم على إقامة أسرة يعرف هذه التبعات ويستعد لها؛ ليستعين بالله عليها للقيام بها على الوجه الصحيح. مرحلة اختيار الزوج والزوجة كذلك بعد هذا تكون مرحلة الاختيار.
تابعووووونا ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الأربعاء 5 يونيو - 21:57
أهمية الاختيار الصحيح في تكوين الأسرة ومرحلة الاختيار لابد فيها أن يحذر الإنسان، فالبشر كائن كثير الاختفاء، ولديه كثير من الأسرار والعيوب والأمراض التي لا يطلع عليها إلا علام الغيوب, وهذه شديدة العدوى والسيران للمخالط ولهذا قال الحكيم:لا تصحب الكسلان في حاجاتهكم صالح بفساد آخر يفسدعدوى البليد إلى الجليد سريعةوالجمر يوضع في الرماد فيخمدفلهذا قد يكون الإنسان نشطاً في الخير والدعوة والصلاة ويقوم الليل ويصوم النفل، ولكن عندما يقيم أسرة ويكون الطرف الآخر له اهتمامات أخرى فيهتم بالموضات والأسواق، ويهتم بأنواع المطاعم والمشارب والمآكل، فإنه يتغير اتجاهه هو وينقلب، فيكون هذا المشروع سلبياً في حقه؛ لأنه سرت إليه العداوة بما يضره ولم يستطع هو التأثير بجلب الجانب الآخر إليه.وفيروسات الإيمان أخطر من فيروسات البدن, ففيروسات البدن قد يكون الإنسان فيها حاملاً للفيروس، كفيروس السيدا وفيروس الكبد الوبائي، وأي فيروس من الفيروسات يكون قابلاً للانتقال فإنه يخاف الناس منها عند الزواج، لكن أخطر منها وأعظم فيروسات الإيمان؛ أن يكون طرف من طرفي الأسرة يحمل فيروساً من الفيروسات الضارة بالإيمان، كنقص التوكل على الله والرغبة في أمور الدنيا والخوف من غير الله, فالإنسان إذا تضخمت في ذهنه الدنيا وأعجبته، فقد تلبس بفيروس من فيروسات الإيمان ولا يمكن القضاء عليه بسهولة، وكثير من المعاصي سببه تضخم الدنيا في ذهن الإنسان؛ لأنه يظن أن الأمل طويل، وأن العمر طويل، وأنه إن وقع في معصية فسيقع بعدها في طاعة وسيكفرها فيما بعد، وأنه سيتوب في المستقبل، ولكن أنى له ذلك وسيعاجله الموت: وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185]. وكذلك فإن تضخم الدنيا في ذهن الإنسان يقتضي منه النقص في الإقبال على الآخرة، والتزود لها، فستكون الدنيا أكبر همه، فيحاول الازدياد منها وأن يكون جهده وطاقته مصروفين إلى الدنيا، وهي ضرة الآخرة ولا يمكن إرضاؤهما معاً، فإما أن ترضي ما يتعلق بالآخرة، وإما أن ترضي ما يتعلق بالدنيا, فلذلك لا بد أن يختار الإنسان الشريك الذي بينه وبينه قواسم مشتركة، وهذه القواسم أهمها الإيمان، فقد قال الله تعالى: وَلا تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221]، وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]. فإذا كان الإنسان لديه فيروس من فيروسات الإيمان، ولديه شركيات ومعاص وإقبال على الدنيا ومحبة لها وجهالة لأمر الدين، وليس لديه اهتمام بأمر هذا الدين، ولا يستحضر الوقوف بين يدي الله ولا يدور أمر الآخرة في خلده، فهذا شريك غير مبارك، ولا يمكن أن ينتفع الإنسان بشراكته أبداً. ما يلزم المرأة مراعاته عند اختيار الزوج لذلك لا بد أن يحرص الإنسان أن يكون الطرف الآخر صاحب دين، وصاحب إيمان، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معايير تلزم مراعاتها، فقال في الرجل كما في سنن أبي داود بسند صحيح: ( إذا أتاكم من ترضونه وخلقه فأنكحوه، وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ), فالرجل في العادة لا ينظر إلى جمال خلقته؛ لأن هذا من الأمور التي يأتي عليها الزمان وشخصيته أهم من ذلك، ولا ينظر أيضاً إلى ما تحت يده؛ لأن الرجال الذين يصونون الأموال ويكنزونها معناه أن لديهم بخلاً فلا ينتفع الشريك الآخر من ماله أبداً، والذي يجمع المال ثم يوزعه في الخير فهذا قطعاً أولى من الذي يجمعه ثم يكنز؛ فلذلك لم يذكر المال في وصف الرجل, فالرجل من طبيعته الاكتساب وإنتاج المال، فإذا كان يكنزه ويجمعه ليتركه لورثته من بعده فلا فائدة فيه, وإذا كان يجمعه ثم يوزعه في أوجه الخير، فهذا المحمود وذلك ناتج عن حسن الخلق، ولذلك قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه )، فهما معياران فقط: الدين والخلق، ففي الدين يتحمل مسئولياته ويؤديها على الوجه الصحيح حين يقوم بها, ويكون الطرف الآخر أمانة لديه، ولا يمكن أن يضيع هذه الأمانة لأن دينه يحجزه عن الاعتداء عليها، وبالأخص إذا عرفنا أن الجانب الأضعف في بناء الأسرة هو جانب النساء، ولذلك أوصى الشارع بهن فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته في حجة الوداع أنه قال: ( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان لديكم، أخذتموه بشرط الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، وإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج، وإن ذهبت تقيمه انكسر ), فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً. وبين النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ضرورة الصبر عليهن، عندما ذكر أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإنك إذا استمتعت بها استمتعت بها على عوج، فلا بد أن تكون من قبل مستعداً للصبر على كثير من الكلام والكثير من التصرفات وكثير من الأفعال، وكثير من النقص، فإذا أقدمت وأنت تريد امرأة كاملة ليس فيها أي خطأ ولا أي نقص، وفيه طاعة كاملة، وفيها التزام بكل شيء، فمعناه أنك تريد نساء الجنة، وهذا مستحيل أن يوجد في الدنيا, لا بد أن تأتي وأنت تعرف أن النقص حاصل، وأن المخالطة أياً كانت تحتاج إلى الصبر، ألست تحتاج إلى الصبر على والدتك ووالدك وأخيك وأختك، وكما تحتاج إلى الصبر على هؤلاء فكذلك اعلم أنك لن تخالط أحداً إلا احتجت إلى الصبر منه، وقد قال الشاعر:ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلهاكفى المرء نبلاً أن تعد معايبهوقال الآخر:ولست بمستبق أخاً لا تلمهعلى شعث أي الرجال المهذبفلذلك لا بد أن يأتي الإنسان وهو يعلم أنه لن يقدم على نساء الجنة، وإنما يريد نساء الدنيا، وفيهن ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( فإن استمتعت استمتعت بها على عوج، وإن ذهبت تقيمها انكسرت ), وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأمثلة من هذا الاعوجاج، وهو كفران العشير، ( لو أحسنت إلى إحداهن أبد الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط )، وهذا المرض مستشرٍ في النساء كثير فيهن، فإذا أحسن الإنسان إلى إحداهن فستذكر له ذلك لتشكره في وقت الرضا، وتنساه وترفضه في وقت الغضب، وأيضاً سيكون الكلام غير معبر عن القناعة، فكثير من النساء -ويظن ذلك من التدلل- تتكلم بما لا تقتنع به تجاه الإنسان نفسه, فالكلام الذي توجهه إليه لم يعبر عن الحقيقة لديها، فطلباتها قد لا تعبر عن مرادها الواقعي، وقد تطلب الطلاق وهي لا تريد الطلاق، وقد تتنقص الإنسان وهي في واقع الأمر تعجب به.فلذلك هذا الطرف الأضعف في الأسرة لا بد من مراعاة أحواله، ولا بد من الصبر عليه، ولا بد من احترام مشاعره، ولا بد أن يعرف الإنسان أن مسئوليته عنه تقتضي أن يلطف به وأن يرفق به، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه), وقال ( ما من راعٍ يوليه الله رعية للأمة فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا لم يدخل معهم الجنة )، فلذلك لا بد أن يعرف الإنسان أن رعيته تحتاج إلى أن يصبر عليها، وأن يرفق بها، وأن لا يشق عليها. ما يلزم الرجل مراعاته عند اختيار الزوجة أما في جهة النساء فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أربعة معايير، وهذه المعايير قلّما تجتمع، ولكن إذا اجتمعت فقد حصل الكمال، وإذا لم تجتمع بين النبي صلى الله عليه وسلم أرجحها وأفضلها، فقال: ( تنكح المرأة لأربع: لجمالها، ولمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ), فهنا ذكر أربعة أمور: جمالها أي خلقتها، وهذا طبعاً ليس بيد البشر وليس لهم تدخل فيه، إنما هو من صنع الله سبحانه وتعالى، وقد جعل الله تعالى آراء الناس فيه متباينة، وذلك من تمام تدبيره فالحسن لدى بعض الناس والمرغوب فيه يكون غير حسن، وغير مرغوب فيه لدى آخرين، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى وحسن تدبيره وتسييره للكون. ثم بعد هذا قال: (ولحسبها)، أي: لنسبها ومفاخر آبائها، والمقصود بذلك من حولها؛ لأن الولد إنما يكون تابعاً لآباء المرأة في خلقه وفي تدبيره، فالمرأة تلد خالها غالباً وأخاها نادراً، وقد قال أحد الحكماء:إذا كنت تبغي أيماً بجهالة من الـناس فانظر من أخوها وخالهافأخوها وخالها مؤثران في ذريتها، حيث تنطبع الذرية بطابعهما.ثم بعد هذا قال: (ولمالها)، وهذا يشارك في تقليل المسئوليات وفي أن يكون الطرف الآخر أيضاً له مشاركة في الأسرة، فإذا كان الطرف الآخر جاء إلى الأسرة لا يحمل شيئاً معه فسيكون ضعيفاً في المشاركة في القرار، وسيستشعر نقصاً، أما إذا جاء ولديه ما يغنيه ولديه من الوسائل ما يستطيع به تحقيق بعض متطلبات الأسرة، فسيكون مشاركاً في القرار وطرفاً قوياً، والمقصود في بناء الأسرة أن يكون طرفاها مشاركين معاً, فكثير من الناس يظن أن المقصود هو قوة الرجل فقط، وأن المرأة ينبغي أن تكون ضعيفة، وكل ما ضعفت وكانت مطيعة كان ذلك أولى وهذا غير صحيح، فلا يقصد أن تكون الأسرة طرفاً واحداً والطرف الآخر صورة طبق الأصل منه، أو لعبة في يده أو آلة تصرف يصرفها كيف يشاء، فهذا غير صحيح، بل المقصود أن تكون الأسرة متكاملة بما لا يطلع عليه الرجال من أمور المروءة، أو من أمور الدين، فما لا يقومون به تقوم به المرأة، وهي صاحبة القرار فيه، وما لا يطلع عليه النساء يقوم به الرجل، وهكذا حتى يقع التكامل.فإذا كانت المرأة ليس لها رأي وليس لها مشاركة في أي شيء، وليس لها قرار ولا تأمر ولا تنهى، فالواقع أن الأسرة مكونة من شخص واحد، وليست مكونة من شخصين، والعكس أشد إذا كان الرجل هو الضعيف وكانت المرأة هي صاحبة القرار في كل شيء، فقد انعكست الفطرة وحصل الضرر الماحق، وذلك مذموم شرعاً؛ لأنه من وضع الأمور في غير نصابها، ومن هنا فلا بد أن يكون كل طرف طرفاً كاملاً، قد تكاملت شخصيته حتى يقع الإنضاج للأسرة بين طرفين صالحين وحافزين قويين يمنعان دخول ما لا خير فيه إلى حيز الأسرة.ثم قال: ( ولدينها )، وهذا هو المعيار الأهم، هو معيار الدين، فالدين يمنعها من طلب ما ليس لها من الحقوق، ويمنعها من الاعتداء على حقوق الزوج، ويحفزها على القيام بمصالحه، وبالأخص أن الشخص الذي ترعاه وأنت مسئول عن دينه وعن خلقه، ولا تستطيع ملازمته في الليل والنهار أبد الآبدين، لا بد أن تجد فيه ما يساعدك على حفظه، فإذا كان لديها دين تثق به، فمعناه أنك قد ارتحت فيما يتعلق بحضانتها وصيانتها.وأيضاً فهذا الدين يقتضي قيامها بمصالحك وأنت غائب، ورعايتها لما يجب عليك رعايته؛ لأنها تعلم أن المشروع مشترك والرأي مشترك، لذلك ستقوم بما يليها، وقد قال الشيخ محمد سالم حفظه الله: ما غاب من خلف في الدار منترعاه في مقامه والمسير كأنها إياه في كل ما تفعلفي غيبته تستشير تأتي الذي يرضى وتأبى الذييأبى عليها دينها والضميرفالمرأة إذا كانت هكذا فقد تحقق المقصد الشرعي، وأدت وظيفتها على أحسن الوجوه، فلهذا قال: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ).وقوله صلى الله عليه وسلم: (تربت يداك)، تعزيز لهذا الإرشاد، وهو قوله: (فاظفر بذات الدين) وتحفيز للقيام به.والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد. الأسئلة معنى حديث: (والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) السؤال: ما معنى حديث: ( والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )؟الجواب: عرف في هذا الحديث العاجز وهو ضد الكيّس، فالكيس: العاقل، والعاجز من يتصف بالعجز، وهو مرض نفسي، فليس العجز مرضاً بدنياً كما يتوهمه بعض الناس، إنما هو نقص القوة العقلية، فإذا كان الإنسان ضعيف الشخصية فهذا يعني العاجز، فلذلك قال: ( والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني )، فالعاجز هو من أتبع نفسه هواها، فلم يريد أن يضحي ببعض وقته ولا ببعض جهده، ولا ببعض راحته، إذا جاءه وقت فراغ قام إلى النعاس ونام، وإذا جاء وقت المآكل والمشارب كان من المبادرين إليه، فلم يستطع الصيام ولا القيام، ولم يكن ليبادر إلى الطاعات، فهذا هو العاجز؛ لأنه مأسور باتباع الهوى، ( وتمنى على الله الأماني )، فهو يتمنى أن يكون ممن يؤتى صحفاً منشرة، وأن يكون من الذي يبيض الله وجوههم يوم القيامة، ويتمنى جوار النبي صلى الله عليه وسلم والفردوس الأعلى من الجنة، لكن هذا ليس بالأماني ولا بالظنون إنما هو بالعمل. حكم التمائم والتعليق السؤال: ما حكم ما يفعله بعض الناس من تعليق بعض الأشياء على أعناقهم؟الجواب: ما يتعلقه الإنسان في عنقه بقصد النفع، الأصل النهي عنه مطلقاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تعلق شيئاً وكل إليه ).فهذا يقتضي أن لا يتعلق الإنسان شيئاً أصلاً، وذلك أن محل التوكل والمحبة ينبغي أن يكون مخلصاً فيه لله تعالى وحده.وقد جاء النهي عن التمائم في عدد من الأحاديث، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: ( من تعلق تميمة وكل إليها )، وقد ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في عضده حلقة, فقال: علام تتعلق هذا؟ قال: أتعلقه من الواهنة، قال: أما إنه لا يزيدك إلا وهناً ).والواهنة: مرض يصيب الإنسان بعلة في القلب وضعف وبكاء، وذكر أنه يتعلق تلك الحلقة من أجل طرد الواهنة عنه، فقال: ( أما أنه لا يزيدك إلا وهناً )، والوهن: الضعف.فلذلك الأصل أن لا يتعلق بجسمه شيء من ذلك، ومع هذا فإن كان مريضاً ولم يكن يستطيع قراءة الرقى الشرعية ولم يجد من يقرؤها عليه، فإن كتبت وعلقت عليه حتى يبرأ ثم تمزق، فإن كثيراً من أهل العلم لم يرَ بذلك بأساً، وقد ورد عن بعض السلف فعل ذلك، لكن إنما يكون مؤقتاً حتى يبرأ من مرضه ثم يمزق عنه ذلك.ولا بد أن يكون ذلك محفوظاً بحفظ أي بحرزٍ يستره، فإن كان بادياً فلا يحل له دخول الحمام به، ولا بد من احترام ما كتب فيه القرآن.أيضاً لا بد أن تكون الرقية الشرعية قرآناً أو حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما سوى ذلك من الأمور فلا يرقى به. إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أبويه حتى أسلما؟الجواب: لم يرد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا بوحي، ولم يخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل صح في صحيح مسلم أن أعرابياً أتاه فسأله عن أبيه فقال: ( إن أبي وأباك في النار)، وصح في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر أمه فأذن له بزيارة قبرها، فسأله أن يأذن له بالاستغفار لها فلم يأذن له، فذهب لزيارة قبرها فرجع يبكي). معنى قوله تعالى: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) السؤال: هذا سؤال عن تفسير قول الله تعالى: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21].الجواب: أن الله سبحانه وتعالى يصف مشاهد يوم القيامة، فذكر أن كل نفس من أهل الدنيا تأتي يوم القيامة ومعها سائق من الملائكة وشهيد من الرسل، فالسائق من الملائكة هو قرين الإنسان الذي كان معه، وهو ملازم له من ميلاده إلى موته، والشهيد من الرسل يشهد عليه بأعماله، فقد قال الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].فالرسول صلى الله عليه وسلم هو شهيد هذه الأمة يأتي مع كل نفس يوم القيامة حتى تحاسب، والله تعالى يأتي به وهو أول من يدخل الجنة، وأول من يقعقع حلقة الباب وهي شفاعة من شفاعاته صلى الله عليه وسلم، فالشفاعات ثمانية أقسام:الشفاعة الكبرى: وهي الشفاعة في أهل المحشر حتى ينطلقوا منه إما إلى جنة وإما إلى نار، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. والشفاعة الصغرى: وهي الشفاعة في رجل أوجب -أي مات على الكفر- أن يخفف الله عنه عقوبته فيبقى في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه أو توضع له جمرتان تحت أخمصيه يغلي منهما دماغه، وهذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً.والشفاعة الوسطى هي الشفاعة لأهل الجنة في نفس الجنة، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.والشفاعات الأخرى الخمس بعضها يشترك فيه الأنبياء والصالحين، فإنهم يشفعون في التخفيف من عذاب المؤمنين الذين دخلوا النار بمعاصيهم فتخفف عنهم ذنوبهم، ويشفعون في آخرين فيخرجون منها قد اسودوا وامتحشوا، ويشفعون في آخرين لترفع درجاتهم في الجنة وهم لا يستحقون الدرجات العالية، فهذه يشترك فيها الأنبياء والصالحون والملائكة، ثم بعد هذا شفاعة أرحم الراحمين، عندما تنقطع الشفاعات يقول الله تعالى لملائكته: ( انتهت شفاعات الشافعين وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، فيحثو الله تعالى بيمينه ثلاث حثيات في الجنة، ثم بعد ذلك يقول لملائكته: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ثم يمكث ما شاء أن يمكث ثم يقول: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله ).هذه شفاعة الرب سبحانه وتعالى، ومع هذا فالأوقات غير معقولة، فلا يمكن أن يدرك الإنسان أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقف على حساب كل إنسان من أمته على كثرة أعدادهم، ومع ذلك هو سابقهم وهو الواقف على الحوض يسقيهم، وهو الذي يطأطئ حلقة الباب ويدخل الجنة أول من يدخلها، فهذه الأمور غير معقولة، ولا يمكن أن يتعلق العقل الآن بتفسيرها، لكنها حق وسيراها الإنسان يوم القيامة. كشف المرأة وجهها وفيه كحل السؤال: هل هناك قول معتبر يقول: إن المرأة يجوز لها أن تكشف كفها إذا كانت فيها حناء، أو الرمش إذا كان فيه كحل؟الجواب: نعم جمهور أهل العلم أن ما استثناه الله سبحانه وتعالى لها من الزينة هو ما كان في الوجه والكفين، وقد قال الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31].فجمهور أهل العلم أن ما ظهر منها ما كان في الوجه من كحل، وما كان في اليدين من خضاب أو حلي، فهذا هو مذهب كثير أهل العلم، وهذا الاستثناء صريح في كتاب الله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، أي: ما ظهر من الزينة، أي: لا يحل له إلا إبداء ما ظهر من الزينة، وإنما يحل لهن ما ظهر من الزينة، وما ظهر من الزينة محل خلاف على قولين: القول الأول: هو مذهب الجمهور أنه ما كان في الوجه والكفين.والقول الثاني: أنه في اللباس، فلباس المرأة هو ما ظهر منها، وعلى القول الثاني لا يحل لها إبداء ذلك، ولكن الاحتياط دائماً هو بستر زينتها مطلقاً، وأن لا تبديها. علاج مرض السل الشعبي ببعض الرقى والتعاليق القديمة السؤال: سائلة عن مرض السل الشعبي وعندها قرن كبش، وفيه حفنة سوداء، ورقية توضع في قرن ثم يدخل في ماءٍ ويشربه المصاب بالسل، فيشفى بإذن الله أو تشربه المرأة التي استعصى عليها النفاس فما هو الحكم الشرعي في ذلك، مع العلم أنها تستخدمه لمنافع المسلمين وهي تعلم أن مضرته ونفعه لا يكون إلا بإذن الله؟الجواب: هذه الرقى كانت قديمة وكانت من أمر الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اعرضوا علي رقاكم )، فما كان فيها فيه تعظيم لله وذكر له أقره النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان غير ذلك رده ونهى عنه, فكل ما لا يعرف الإنسان معناه لا يحل له الرقية به، وبالنسبة لهذه الأمور المجسمات كالقرون ونحو ذلك لا يحل استعماله؛ لأن الإنسان لا يدري ما فيه، وإذا علمه فهو أمور ظاهرها مثل ظاهر السحر، وأنها مجسمات وأمور من هذا القبيل، فلذلك هذا النوع يضر ولا ينفع، وما يشاهد منه من النفع العاجل كالشفاء من مرض من الأمراض إنما هو فتنة لأن الإنسان سيتعلق به ويظن أنه يشفي أو ينفع، فهو فتنة يفتن الله بها، ونحن الآن ننتظر الدجال فعلينا أن نحذر مثل هذه الأمور. فإذا كان الإنسان يحذر فتنة المسيح الدجال فليعلم أن الدجال يحي الموتى، يناديهم فيقومون من قبورهم، ويمر بالقرية الخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويأتي أهل قرية وهم في غاية الجهد، فيصدقونه فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت، فتروح عليهم مواشيهم أسبل ما كانت دروعاً، ويمر على أهل قرية مخصبين فيكذبونه فيأمر السماء فتمسك ويأمر الأرض فتقحل، فتروح عليهم مواشيهم وهي أشد ما تكون لأواء، فإذا عرفنا هذا وعرفنا أن هذه الأمور من المشاهدات الدنيوية إنما هي فتن يجريها الله تعالى، كما يجري أشد منها على يد المسيح الدجال ، فعلى الإنسان ألا يغتر بها وأن يعلم أن الفتن موجودة، وأن تقليد الإنسان في اتباعها وشهادته بأن القضية هي مجرد مشاهدة لهذا، شهده فلان فبرئ، وعلق على فلانة فبرئت، فهذا النوع إنما هو من الفتن التي على الإنسان أن يحذرها؛ لأنه لو كان كل من يبرئ مريضاً يتبع لكان الدجال أحق بهذا، فهو يحي الموتى، فلذلك لا بد من الحذر، غاية الحذر من هذا النوع ومن خطره العقدي المؤثر على عقائد الناس، وأن نعلم أن الله سبحانه وتعالى آتانا بما فيه الشفاء والنور، فأنزل علينا هذا القرآن المبين الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، وهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، من تمسك به عصم، ومن تركه من جبار قصم الله ظهره، وقد قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]، وقال: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا [الإسراء:45-46]، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ جَمِيعًا [الرعد:31]. فلذلك علينا أن نكتفي بكتاب الله تعالى، وأن نلتمس فيه الهدى، وأن نحذر من هذه الشواغل التي تشغل عنه. تغيب الموظف عن وظيفته لأجل حضور دروس العلم السؤال: هل يجوز تغيب الموظفين من أجل الدروس؟الجواب: من كان في عمل في فرض كفاية يستلم عليه راتباً من بيت مال المسلمين لا يحل له الإخلال بذلك العمل إن كان نافعاً، وليس كل موظف يجوز له أصلاً الاشتغال بوظيفته، وليس كل وظيفة تنفع المسلمين أيضاً، فكثير من الوظائف التغيب عنها والهرب منها واجب أصلاً؛ لأنها هي مضرة لا منفعة، لكن على الإنسان أن لا يتوظف فيها وأن لا يقبل فيها راتباً, أما الوظيفة النافعة كالتدريس والطب ونحو ذلك من الوظائف النافعة للناس، فلا يحل للإنسان أن يأخذ مرتبها ثم يتخلف فيها عن الناس، لكن عليه أن يتعلم أحكامه في وقت آخر، وأن يعلم أنه قائم بفرض كفاية، وخادم للناس في مهمة عظيمة، وإذا تعطلت هذه المنافع فسيتأثر الناس بتعطلها.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الأربعاء 5 يونيو - 21:59
فقه الأسرة [2] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي ) إن للنكاح في الإسلام حكم وأحكام، وله شروط وأركان، فلقد حددت الشريعة كيفية الإقدام عليه، والنكاح تعتريه الأحكام الخمسة، ويختلف الحكم باختلاف الأشخاص والأحوال، ولقد رتبت الشريعة هذه العلاقة بين الرجل والمرأة ابتداءً من العقد حتى الطلاق. حكم النكاح الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فقد كان الحديث فيما سبق عن بدايات العلاقة الأسرية في بناء الأسرة المسلمة، والحديث في هذا الدرس موصول بما سبق؛ فأقول: إن الله سبحانه وتعالى عندما جعل هذه العلاقة سبباً للاتصال وصلات الأرحام وربط الوشائج قواها بكثير من الأحكام. حالة وجوب النكاح أول ما يبحث فيه من الأحكام حكم هذا العقد أصلاً، أي: حكم الإقدام على عقد النكاح، وحكمه مختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فتعتريه أحكام الشرع الخمسة؛ فقد يكون واجباً، وذلك في حق من يخاف على نفسه العنت، أي: يخاف الزنا على نفسه، فيجب على من خشي العنت على نفسه، أي: خشي على نفسه الوقوع في الزنا أو الوقوع فيما يقرب منه من المحرمات والكبائر، فيجب عليه النكاح إذا استطاع إليه سبيلاً، واستطاعة السبيل إنما هو بوجود الطاقة البدنية وحصول المال المجزئ الكافي، فيشمل ذلك المال المدفوع في الصداق والمال المدفوع في النفقة والسكنى؛ لأنهما من لوازمه. وإذا كان الإنسان يجد عوناً دون أن يكون له مال للصداق فهل يكفي مجرد القدرة على الاكتساب حتى يجب عليه ذلك؟ محل خلاف بين أهل العلم، فالذين يرون أن الصداق لا بد أن يكون مالاً متمولاً، يرون أنه لا بد من حصوله للوجوب، والذين لا يرون ذلك -وهم الشافعية والحنابلة- يرون أن مجرد الطاقة للإنتاج بأن يكون الإنسان قادراً على الكسب كافياً، واستدل الشافعية والحنابلة بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن امرأة أتته فأهدت إليه نفسها، فصعد فيها النظر وخفضه حتى عرف جلساؤه أنه لا يريدها فقال رجل: يا رسول الله! أنكحنيها، فسأله عن ماله؟ فذكر أنه سيصدقها إزاره فقال: إذاً جلست بلا إزار! فقال: التمس غيره، فذهب فالتمس فلم يجد فقال: لم أجد شيئاً، فقال: التمس ولو خاتماً من حديد فذهب فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال: أمعك شيء من كتاب الله؟ )، أي: أتحفظ شيئاً من كتاب الله؟ ( قال: نعم، لسور جعل يعددها.. )، وفي رواية التصريح بسورة البقرة وسورة النساء، ( فقال: أنكحتكها بما معك من القرآن )، وفي رواية التصريح بأن يعلمها السورتين، أي: سورة البقرة وسورة النساء.وهذه قدرة على الكسب لأنه يستطيع أن يستأجر على تعليم القرآن، وبالأخص إذا قدمه لزوجته فهو نفع والنفع بتحفيظ هاتين السورتين له مقابل معتبر شرعاً؛ لأنه يحل أخذ الأجرة عليه على الراجح، ويرجع البحث هنا إلى أخذ الأجرة على أعمال القرب؛ كتحفيظ القرآن ونحو ذلك.فمذهب جمهور أهل العلم جواز أخذ الأجرة على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، وذهب الشافعي رحمه الله إلى منع ذلك؛ لحديث عبادة بن الصامت : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلم أهل الصفة القرآن، فأهدى إليه أحدهم عصاً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له وعيداً شديداً في أخذها في مقابل تعليمه )، والجمهور يرون أن حديث عبادة إنما هو في حق من تعين عليه تعليمه؛ فمن تعين عليه تعليم القرآن كـعبادة -الذي كلفه به النبي صلى الله عليه وسلم ووظفه- فيه فهو متعين عليه لا يجوز له أخذ الأجرة عليه، وأما من لم يتعين عليه فيجوز له أخذ الأجرة عليه، والمتعين عليه هو من يسكن في بلدة ليس فيها من يصلح لتعليمه سواه فيجب عليه أن يعلم القرآن بدون أجر حينئذ، والذي يجد من يعلم سواه في البلد الذي هو فيه يجوز له أخذ الأجرة عليه؛ لأنه غير متعين عليه، ومثل هذا الإمامة والقضاء وأعمال القرب كلها؛ فالارتزاق عليها هو محل هذا البحث.وأخذ أبي بكر رضي الله عنه من بيت المال في مقابل قيامه بالخلافة وإجماع الصحابة على ذلك هو أقوى أدلة الجمهور؛ لأن إجماع الصحابة حاصل على الأخذ، وقد فعله أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر من بعده، فلم ينكر ذلك أحد من الصحابة فكان إجماعاً، وبالأخص أن أهل الحل والعقد من المسلمين تداولوا في الأمر حتى اتفقوا على رزق لـأبي بكر رضي الله عنه يتقاضاه من بيت المال.وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في غزواته: ( من قتل قتيلاً فله سلبه )، وهذا أجر في مقابل قربة وهي قتال العدو وجهادهم وهو واجب، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أجراً مادياً مقابل هذا العمل الذي هو قربة يبتغى بها وجه الله.وفصل بعض أهل العلم فقال: إذا كان الارتزاق من بيت المال العام فهو جائز، كما فعل أبو بكر وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قتل قتيلاً فله سلبه )، وإذا كان الارتزاق من مال الأشخاص الذين يعلمهم الإنسان القرآن أو يعلمهم العلم أو يقضي بينهم أو يؤمهم فلا يجوز، وذهب المالكية إلى تفصيل آخر وهو التفريق بين أنواع القرب؛ فما كان منها مرتبطاً بالصلاة فيكره أخذ الأجرة عليه وحده، فيكره للإمام الذي لا يخطب ولا يؤذن أن يأخذ أجرة على مجرد الإمامة، وقد أطلقوا ذلك فيشمل ما كان من بيت المال وما لم يكن منه، وكذلك أخذ الأجرة على نحو الصلاة كقراءة القرآن، وختم القرآن مثلاً، كالذين يقرءون القرآن ليقتدي بهم الناس في طريقة أدائه؛ فيكره أخذ الأجرة على ذلك على انفراده.وأما أخذ الأجرة على الأذان أو على الإمامة والخطابة معاً فهو غير مكروه لديهم، ولذلك قال خليل رحمه الله في عد جائزات الأذان، قال: (وأجرة عليه أو مع صلاة وكره عليها).وأجرة عليه أي: يجوز أخذ أجرة عليه، أي: على الأذان، (أو مع صلاة) أن يكون إماماً مؤذناً، (وكره عليها) أي: على الصلاة وحدها، والواقع أن الإمامة فيها جهد لا يجب على الإنسان؛ وهو رفع صوته بالتكبير حتى يسمع ذلك الناس، وأيضاً انضباطه في الوقت؛ فإنه غير واجب عليه في الأصل، وهذا الفعل غير الواجب يجوز له أخذ الأجرة عليه؛ كحال المؤذن، وأما حديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: ( واتخذوا مؤذناً لا يأخذ على ذلك أجراً )، فهذا وصف للأفضل وليس وصفاً للشرط، ليس شرطاً في الأداء، وإنما هو شرط في الكمال فقط.وقد حصل لأحد القضاة أن معلم القرآن شهد عنده فرد شهادته، فقال: علام ترد شهادتي أيها القاضي؟ قال: لأنك تأخذ أجراً على كتاب الله، فقال: وأنت أيها القاضي تأخذ أجراً على كتاب الله، فقال: أنا مكره، فقال: أكرهوك على القضاء فهل أكرهوك على أخذ الدراهم؟ فقال: هات شهادتك، فقبل شهادته.ولذلك فإن تعليم المرأة القرآن أو العلم يمكن أن يعد صداقاً لها إذا كان ثمنه يصل إلى ربع دينار لأن أقل الصداق على الراجح هو ربع دينار، ولم يرد في ذلك نص صريح في أقل الصداق، إلا أن البضع عوض وإفساده نظير قطع اليد في السرقة، والنصاب الذي تقطع فيه اليد هو سرقة ربع دينار فلا أقل من ثلاثة دراهم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإذا بلغ ثمن المجن )، وثمن المجن إذ ذاك ثلاثة دراهم كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقطع اليد في السرقة نصابه الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ربع دينار وهو ثلاثة دراهم، فيقاس إفساد البضع على إفساد العضو، أي: قطع اليد في السرقة؛ فعلى ذلك أقل الصداق هو ربع دينار.لا حد لأعلى الصداق؛ لأن الله تعالى يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:20]، والقنطار مائة رطل من الذهب -وهو مبلغ كبير- فعلم أنه يجوز دفعه في الصداق، لكن مع ذلك بشرط عدم الإسراف وتجاوز الحد؛ فلا يجوز ذلك إلا لمن كان غنياً، ولا يؤثر ذلك على ثروته، وأيضاً ألا يكسر نفوس الناس عندما يكون تعجيزاً لهم إذا قاسوا أمرهم عليه، والتبذير في الصداق ليس من المروءة ولا هو من الكمال فيما يتعلق بالعقد؛ ففي حديث ابن عباس : ( أن أفضل هذه الأمة كان أقلها صداقاً )، والمقصود بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فصداق أزواجه وصداق بناته قليل، وهذا يدل على أن الفضل ليس في التغالي في المهور والزيادة فيها.فإذا وجد الإنسان الطول الذي يمكنه من نكاح الحرة وجب عليه ذلك، وإن عجز عنه فلم يجده جاز له ما دون ذلك وهو نكاح الرقيقة؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، وقد شرط الله إذن أهلهن بقوله: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء:25]. حالات يحرم فيها النكاح يحرم النكاح في حق المريض المشرف، الذي هو في مرض موته غالباً، أي: في المرض الذي يؤدي إلى الموت غالباً لما فيه من إدخال الضرر على الورثة، وهذا مراعاة لحقوق الأحياء؛ لأنهم أكثر منه، أما إذا كان ورثته أقل؛ كأن كان له وارث واحد كولد واحد واحتاج هو إلى النكاح فيراعى حقه هو، ويقدم على حق وارثه عند طائفة من أهل العلم، وذلك من فقه الموازنات حيث يوازن بين الحقوق، فاعتبار حقوق الأكثر هو الموافق للقاعدة الشرعية، فإذا استوى أصحاب الحقوق فكان الوارث واحداً -والمتوفى طبعاً واحد- فيراعى حقهما معاً، ويقدم حق المريض في ماله؛ لأنه هو الذي اكتسبه فهو مقدم على الوارث فيه. وكذلك يحرم نكاح المرأة إذا كانت محرماً أو خامسة، والمحارم هن المحرمات على التأبيد بسبب شرعي، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى تحريم خمس عشرة امرأة في كتابه، فقال تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:22-24]، وقوله: وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، أي: المتزوجات، فكل امرأة متزوجة فلا يحل نكاحها حتى تطلق أو حتى تقع الفرقة ثم تنتهي عدتها؛ ولذلك استثنى الله من هذا فقال: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، أي: بالسبي، فالمتزوجة من نساء الكفار من أهل الكتاب إذا سبيت، فإن السبي يهدم النكاح فينهدم نكاحها السابق بالسبي؛ فحينئذ يجوز نكاحها بعد الاستبراء، وكذلك يجوز وطؤها بملك اليمين بعد الاستبراء؛ فلذلك قال: وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، أي: المتزوجات، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، أي: بالسبي، كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24]؛ فهذه خمس عشرة امرأة هن المحرمات على التأبيد، وزاد عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمع أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها لما في ذلك من السعي لقطيعة الأرحام، وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )، وذلك زيادة في العدد؛ فجميع ذلك هو المحرمات من النساء على وجه التأبيد.وقولنا: (على وجه التأبيد) هذا عند جمهور أهل العلم، وزاد المالكية: المنكوحة في العدة، فرأوا أنها أيضاً محرمة على وجه التأبيد، ولكن لم يرد على ذلك دليل صريح من كتاب ولا من سنة وليس محل إجماع، والتأبيد حكم مفسر، والحكم المفسر هو الذي لا يقبل النسخ ولا التغيير ولا التأويل؛ ولذلك فإن الراجح أن التأبيد مقصور على ما جاء به النص من كتاب وسنة، وما سوى ذلك إنما هو اجتهاد، فتقع البينونة والفرقة بالنكاح في حال العدة لكن لا ينبغي أن يقع التأبيد إلا بنص، فيحتاج فيه إلى نص. حالات ندب وكراهة النكاح ويكون النكاح سنة إذا كان الإنسان لا يخاف على نفسه الزنا، ويجد الطول وليس مريضاً مرضاً مخوفاً ويرجو النسل؛ لما في ذلك من رجاء زيادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد سبق حضه صلى الله عليه وسلم على زيادة أعداد هذه الأمة. ويكون مندوباً كما إذا كان الإنسان لا يرجو النسل ولكنه قادر على القيام بحقوق النكاح، ويستطيعه بدنياً ومادياً؛ فهذا يندب له أن يفعله إذا كان لا يخاف العنت على نفسه، وليس مريضاً مرضاً مخوفاً.. إلى آخر الموانع السابقة. ويكون مكروهاً في حق من لا يوقن الوفاء بالحقوق، وخاصة ما يتعلق بالحقوق البدنية، أما الحقوق المادية فالنكاح سبب من أسباب الغنى؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]؛ فهو من أوجه التسبب للمال والكسب، فإن كان الإنسان لا يوقن القدرة على الحقوق فإنه يكره له الإقدام عليه إلا إن كان يخاف العنت على نفسه.وهذه الأحكام اعتراؤها يختلف من شخص إلى آخر، ومن حال إلى حال، ولكن الأصل الذي يذكره الفقهاء في حكم النكاح الندب مطلقاً، وإنما يقصدون به الحال الذي بيناه، فعندما يطلقون الندب في النكاح لا يقصدون بذلك على كل أحد ولا في كل حال، بل هو مقيد بما ذكرناه من الضوابط. الزيادة على الواحدة في النكاح عند القدرة على ذلك كذلك فإن الإنسان إذا نكح فلم تسد حاجته بل احتاج في إعفاف نفسه إلى الزيادة على واحدة؛ فإن كان له طول لذلك، وكان يستطيعه بدنياً ومادياً فيرجع الحكم كما كان في عقد الأولى؛ فقد يجب وقد يندب وقد يسن وقد يكره وقد يحرم، وهكذا في الثالثة والرابعة ولا يزيد على الرابعة؛ فذلك الحد الأقصى للقدرة من الرجال؛ فقد قال الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، والمقصود بقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا [النساء:3]، أي: إن أيقنتم ألا تعدلوا؛ وكان العدل بين النساء متعذراً كما قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، فالمحرم هو كل الميل، فإذا كان الإنسان يخاف على نفسه كل الميل فهذا هو المأمور بقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، أما إذا كان لا يخاف على نفسه كل الميل حتى تكون كالمعلقة ومع ذلك يعلم أنه سيجد ميلاً إلى إحداهن فلا حرج في الإقدام على ذلك، وقد كانت عائشة رضي الله عنها أحضا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فذلك النوع من الميل لا حرج فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تكلفني ما لا أملك )، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لا يجب عليه قسمة، وفي حديث عائشة أنه لم يتوفه الله حتى أحل له كل شيء كان حرمه عليه، وتقصد بذلك ما يتعلق بالنكاح؛ فإن الله تعالى أنزل عليه عندما دخل على ميمونة بنت الحارث في عمرة القضاء في العام السابع من الهجرة: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب:52]، ثم أخبرت عائشة أنه حل الزيادة، لكن يفعل؛ فهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة من العام السابع من الهجرة. أركان عقد النكاح وكذلك فإن لهذه الأحكام أيضاً شروطاً أخرى تأتي بالتفصيل فيما يتعلق بالأركان؛ فهذا العقد الذي هو عقد النكاح يذكر له الفقهاء أركاناً هي الطرفان، أي: الزوج والزوجة، والولي والصداق والصيغة، ويذكر بعضهم الشاهدين أيضاً ركناً مستقلاً؛ فمجموع ذلك يصل إلى ستة أركان؛ فالزوج هو الذي يسمونه أهلاً، أي: هو المتأهل لإيقاع هذا العقد، والزوجة هي التي يسمونها محلاً، أي: هي محل وقوع العقد، والولي هو المرشد القائم بأمر المرأة، وهو الذي يعقد النكاح أو يوكل عليه من يوقعه، والصداق هو المال الذي يبذله الإنسان، وقد سبق البحث في ما إذا كان مجرد منفعة.والركن الخامس هو الصيغة. أولاً: الصيغة الصيغة هي لفظ العقد، وقد أجمع أهل العلم على أنه يجوز بلفظ (أنكحت) أو (زوجت) واختلف فيما سواهما من الألفاظ التي تدل على التأبيد، والراجح اقتصار هذا العقد على هذين اللفظين، وأنه لا يعقد إلا بهذين اللفظين؛ فما تسمعونه من بعض الناس في العقد بقولهم: (عقدت) أو نحو ذلك لا يصح به النكاح بل إنما يصح بأحد هذين اللفظين (أنكحت) أو (زوجت) وهما المذكوران في كتاب الله وفي عقود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سواهما من الألفاظ لا يجزئ في عقد النكاح.وهذه الصيغة إذا حصل هذا اللفظ وذكر الطرفان بأي وجه فقد حصل النكاح، إلا إذا كان بوجه مخالف للغة العربية؛ كمن قال: أنكحت فلاناً من فلانة مثلاً فهذا يدل على التبعيض؛ لأنه أنكحه بعض فلانة وهذا لا يتجزأ، لكن يجوز أن يقول: أنكحت فلانة من فلان لأنه هو يجوز أن يتزوج أكثر من واحدة، فإذا قال: أنكحت فلاناً فلانة؛ فهذا الأكمل، وإذا قال: أنكحت فلانة من فلان فهو جائز، أما إذا قال: أنكحت فلاناً من فلانة؛ فهذا لا يجوز ولا يصح به العقد؛ لأنه يقتضي إنكاح بعضها فقط.وله سنن في الصيغة وهي:أولاً: أن يفتتح الإنسان بخطبة الحاجة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود : ( إذا أراد أحدكم أن يخطب خطبة من نكاح أو غيره فليقل: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة شاء، ثم يقرأ ثلاث آيات، وفي رواية آيتين، فرواية الثلاث المقصود بها أول سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، وآية من سورة آل عمران، وهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وآية من سورة الأحزاب، وهي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، ولا يقصد بالآية هنا مصطلح أهل القراءة؛ فمصطلح أهل القراءة آية سورة الأحزاب هذه عبارة عن آيتين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:70]، هذه آية، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71]، آية أخرى.وقد أجمع أهل القرآن على أن سورة الأحزاب ثلاث وسبعون آية بجميع الأقوال في عد القرآن، فكلهم اتفقوا على أنها ثلاث وسبعون آية؛ وعلى هذا فلا يقصد هنا مصطلح أهل القراءة في عد الآي، بل يقصد بذلك المقاطع؛ فمقطع من سورة النساء ومقطع من سورة آل عمران ومقطع من سورة الأحزاب، ولا يلزم الترتيب، وفي الرواية الثانية الاقتصار على آيتين، أي: على مقطع سورة النساء ومقطع سورة الأحزاب.ثم بعد ذلك يوقع العقد، وإيقاعه هنا المقصود به الإيجاب، والإيجاب هو ما كان من طرف ولي المرأة، ويقابله القبول وهو قبول الزوج لذلك العقد فبعد نهاية الولي من العقد أو بعد نهاية وكيل الولي من العقد يقول الزوج: (قبلت ورضيت) أو يقول وليه: (قبلت له ورضيت له) وإذا كان الوكيل وكيلاً على الطرفين فلا يلزم القبول، بل مجرد إيقاع العقد يكفي، والولي يمكن أن يكون وكيلاً عن الزوج، ويمكن أن يكون زوجاً؛ فالزوج قد يكون ابن عم مثلاً فيكون ولياً وزوجاً في نفس الوقت فيعقد لنفسه، كما قال خليل رحمه الله: (ولابن عم ونحوه تزويجها من نفسه بـ(تزوجتك بكذا) وترضى وتولي الطرفين)أي: وتولى الطرفين، يتولى الطرفين، أي: الإيجاب والقبول.وإذا كان الوكيل وكيلاً لوكيل؛ كما إذا اعتذر الولي فوكل رجلاً، ثم وكل ذلك الرجل رجلاً آخر لإيقاع النكاح؛ فينبغي أن يقول الوكيل: قبلت لها ورضيت لها، ويقول الزوج أو وكيله أيضاً: قبلت ورضيت، أو يقول وكيله: قبلت له ورضيت له، لأن الوكالة على الوكالة محل خلاف بين أهل العلم وفيها شبهة، وهذا الذي يقطع ذلك بالكلية.وهذه الصيغة يشترط لها شروط الصيغة المعروفة وهي.الشرط الأول: وقوع الإيجاب والقبول على محل واحد، فإن وقع الإيجاب والقبول على محلين؛ كما إذا قال الولي: أنكحت فلانة فقال الزوج: قبلت نكاح فلانة الأخرى -لأختها مثلاً أو قريبتها- فهذا النكاح غير صحيح؛ لأن الإيجاب والقبول لم يقعا على محل واحد.والشرط الثاني: اتصال الإيجاب بالقبول بأن لا يفصل بينهما بما يقتضي الإعراض والانفصال؛ فإذا قال: أنكحتك فلانة فلم يقل: قبلت، ولم يصدر منهما ما يدل على القبول إلا بعد مدة؛ فهذا القبول الجديد لا يعتبر متصلاً بذلك الإيجاب الماضي، بل لا بد من تجديد العقد، إلا إذا كان غائباً عنه فكتب له بذلك فعندما وصل إليه الكتاب وقرأه صدر منه ما يقتضي قبولاً فذلك كاف؛ لأن مجلس وصول الكتاب كمجلس صدور الإيجاب.الشرط الثالث: صدورها من أهلها، فإنكاح الفضولي -وهو من ليس له ولاية في النكاح- لا اعتبار له على الراجح، وقالت طائفة من أهل العلم: هو صحيح غير لازم، فإذا أقره الولي جاز، واستدلوا بأن عائشة رضي الله عنها أنكحت ابنة أخيها عبد الرحمن مصعب بن الزبير و عبد الرحمن غائب، فلما حضر قال: أمثلي يفتات عليه؟ فقالت: أترغب عن ابن الحواري؟ فقال: قبلت ورضيت فأقر العقد، وهذا العقد افتيت عليه فيه ولم يحضر، فأقره عبد الرحمن بن أبي بكر واتفق الصحابة على ذلك ولم يقع اعتراض عليه؛ فدل هذا على أن عقد الفضولي صحيح غير لازم، ووجه الدلالة في الصحة أنه صح بعد الإمضاء، ووجه الدلالة في عدم اللزوم أنه قال: أمثلي يفتات عليه؟ فراجعته فقالت: أترغب عن ابن الحواري؟ وعموماً فتصرفات الفضولي كلها محل بحث؛ كبيعه، وشرائه، وطلاقه.. ونحو ذلك، كلها محل بحث هل تصح أم لا؟ مع الاتفاق على أنها غير لازمة، إلا إذا صدر ما يدل على اللزوم، والمالكية في هذا الباب يرون صحة تصرفات الفضولي ووقفها على الإمضاء لكنهم يضيقون في باب الطلاق فيرون أن مجرد السكوت على طلاق الفضولي يمضيه، وقد حصلت نازلة هي محل إشكال؛ فقد كان العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي رحمه الله في مصلاه مع أولاده وطلابه يصلون صلاة العصر، فجاء مجنون فوقف على باب المسجد فقال: كل من في المسجد زوجاتهم طوالق، فتكلم محمد وهو في الصلاة فقال لهم: تكلموا بأي كلام وهو يقصد أن سكوتهم حينئذ إقرار لتصرف الفضولي، وكانوا في أثناء الصلاة فقطعوها بهذا الكلام، ولكن الذي يبدو أن هذا التصرف غير لازم؛ لأن سكوتهم وهم في أثناء الصلاة لا يلزمهم أبداً، ومع ذلك فقد استحسن علماء أهل هذه البلاد فتوى العلامة محمد في هذه المسألة، ورأوها موافقة لنصوص المذهب، لكني استغرب حصول ذلك؛ لأنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن في الصلاة لشغلاً )، والإنسان في الصلاة معذور في كل ما يعرض له من الأمور. تابعونا
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الأربعاء 5 يونيو - 22:00
ثانياً: الزوج أما أهلية من صدر منه العقد -أي: الزوج- فيشترط له الإسلام والكفاءة، يشترط له الإسلام لأن نكاح غير المسلم بالمسلمة غير صحيح مطلقاً، فلا يجوز له نكاح المسلمة قطعاً؛ لقول الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، ولا سبيل أقوى من النكاح؛ فلذلك قال: وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، ومع ذلك إذا أسلمت الزوجة أولاً، ثم أسلم زوجها وهي في العدة؛ فإنها ترد عليه بالنكاح السابق إقراراً للعقود وإجراءً لها على ما كانت عليه؛ ( فقد رد النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها لـأبي العاص بن الربيع رضي الله عنه بعقدها الأول )، كما في حديث ابن عباس في صحيح البخاري ، ومن المعلوم أن زينب لم تشرك قط فهي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نشأت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أبو العاص كان امرأً مشركاً، ولكن ما أنزلت هذه الآية إلا بعد الهجرة، وهي: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة:10]، وقد نزلت آية سورة البقرة بعد قصة أبي العاص وآية سورة البقرة: وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221]، فهذه الآية نزلت بعد قصة أبي العاص ؛ لأنها نزلت في سورة البقرة وهي من آخر ما أنزل من سور الأحكام في القرآن، فعلى هذا اختلف هل إذا حصل الانفصال يعتبر العقد الأول كما حصل في قصة أبي العاص إقراراً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، واستمراراً عليه؟ أو تكون آية البقرة مما فرق بينهما؛ كما قال عثمان رضي الله عنه للرجل الذي أتاه وقد أسلمت زوجته، فجاء يريد الإسلام ومراجعة زوجته بعد أن انتهت عدتها، فقال: (فرقت بينكما آية البقرة) أو: (فرقت بينكما سورة البقرة) أو: (فرقت بينكما البقرة) أي: سورة البقرة.وكذلك يشترط للزوج الكفاءة، أي: أن يكون كفئاً، وهذه الكفاءة محل خلاف فجمهور أهل العلم يشترطونها لكنهم يختلفون في تحديدها ما هي؟ فجمهورهم يرى أن من الكفاءة الدين، فمن كان فاسقاً غير عفيف فليس كفئاً قطعاً للمسلمة المحصنة العفيفة؛ لقول الله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ [النور:3]، وقد اختلف في هذه الآية هل هي من قبيل القدر أو من قبيل التشريع؟ فكلام الله ينقسم إلى قسمين: كلمات تشريعية وكلمات كونية قدرية، فقالت طائفة من أهل العلم: هذه الآية من القدر لا من الشرع؛ فمعناها: أن الله تعالى جعل الأجناس متجانسة فيما بينها؛ كما صرح به في قوله: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ [النور:26]، فيكون هذا حكماً قدرياً فمن قدر الله أن المرأة إذا كانت زانية لا يقيض الله لها من الأزواج إلا زوجاً زانياً أيضاً، أي: يصح منه ذلك، وهكذا الرجل أيضاً، وهذا الترابط ورد فيه عدد من الأحاديث التي تدل عليه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ( عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناءكم )، فإذا كان الإنسان براً بوالديه فلا بد أن يبره أبناؤه، وإذا كان هو عفيفاً عن نساء الناس فلا بد أن يعف نساؤه، وهذا الحديث يدل في المقابل على العكس، وهو أنه إذا كان عاقاً بوالديه فلا بد أن يعقه أبناؤه، وإذا كان أيضاً غير عفيف عن نساء الناس فلا بد أن يكون نساؤه غير عفيفات أيضاً، وهذا التلازم أيضاً مجرب وهو غريب؛ فقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً قد التوت يده اليمنى فلا يستطيع أن يمسك بها شيئاً، فسأله فقال: ما الذي لوى يمينك؟ فقال: دعوة أبي، فقال: ماذا قال؟ فأنشده قوله:وربيته حتى إذا ما تركتهأخا القوم واستغنى عن المسح شاربهوبالمحض حتى آض نهداً عنطنطاًإذا قام ساوى غارب الفحل غاربهفأخرجني منها لقىً ولوى يديلوى يده الله الذي هو غالبهفتأثر عمر لذلك وسأله: هل كان أبوك عاقاً بأبيه؟ فقال: نعم، فذكر له أيضاً أبياتاً لأبيه في عقوقه به فإذا العقوق متسلسل في ذلك البيت -نسأل الله السلامة والعافية- وكان هذا من فراسة أمير المؤمنين رضي الله عنه؛ فعندما رأى هذا الحال عرف أن وراءه دعوة، ثم لما علم العقوق من هذا الولد عرف أن ذلك إنما هو جزاء على عقوق سبقه، فعرف هذا التسلسل.ويذكر أيضاً عن بعض السلف أنه خرج في سفر فنظر نظرة إلى امرأة لا تحل له فتاب وأناب فلما رجع إلى أهله سألها عن ذلك اليوم بتاريخه ووقته: هل نظر إليها رجل؟ فقالت: سبحان الله! كيف تعرف هذا؟ فقالت: نعم، خرجت في حاجة فرأيت رجلاً ينظر إلي فرجعت إلى بيتي، فإذا هو في نفس الوقت الذي نظر هو فيه إلى تلك المرأة، فهذا من أمر الله سبحانه وتعالى وقدره الذي يقع.وقالت طائفة أخرى: بل الآية من باب التشريع؛ فمعنى ذلك: أن من سبق منه الزنا أو من يمكن منه ليس كفئاً لمن هو من أهل العفاف والصيانة، وقد صرح الله تعالى بالحكم في قوله: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ [النور:3]، والذين يرون القول الأول يرون أن قوله: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ [النور:3]، أي: حرم الزنا والشرك على المؤمنين؛ لأنه مذكور بالإطلاق في قوله: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ [النور:3]، فاسم الإشارة هنا إما أن يكون راجعاً إلى النكاح وإما أن يكون راجعاً إلى الزنا والشرك، وكل ذلك محتمل؛ فاسم الإشارة الذي هو للمفرد كثيراً ما يطلق في القرآن بالدلالة على أكثر من واحد؛ كقول الله تعالى: لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [البقرة:68]، أي: بين ذينك الوصفين السابقين، ومثل قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]، أي: بين ذينك الحالين السابقين، فاسم الإشارة للمفرد يطلق في القرآن كثيراً ويقصد به اسم المفرد.كذلك فإن من كان عاصياً بغير الزنا كالفاسق الذي هو مشهور بالكذب أو بالخيانة أو بالغش أو بأكل الربا ليس كفئاً أيضاً لمن هي صالحة، فالمرأة الصالحة أمانة عند وليها فلا يحل له أن يزوجها إلا من صالح، ومحل ذلك إذا كان يخشى على دينها، فإن كانت قوية تستطيع الصمود والدفاع عن دينها أو كانت أصلاً تستطيع هداية زوجها فلا حرج في مثل هذا، وإن كانت ضعيفة تضعف أمامه فهذا تفريط في دينها؛ لأن المرأة قد جعلت وصاية الزوج عليها فيمكن أن يؤثر في دينها وينقص منه؛ فلهذا لا بد أن يراعى التجانس في الدين؛ فهو من الكفاءة. اعتبار التجانس في الحال من الكفاءة عند الزواج ثم اختلف أيضاً هل من الكفاءة التجانس في الحال، وذلك يشمل المال والحرية ونحو ذلك؛ فبعض أهل العلم رأى اعتبار هذا التكافؤ حتى أوصلوه إلى النسب واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: ( إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابن أبي طالب ابنتهم، ألا إني لا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن )، وبين أن فاطمة بضعة منه، يريبه ما يريبها، وأنه ما كان لرجل أن يجمع بين ابنة نبي الله وابنة عدو الله، ولكن الاستدلال بهذا الحديث على النسب استدلال غريب؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يطعن في نسب ابنة أبي جهل ، بل أقر أنها من ذرية هشام بن المغيرة ، وهذا النسب شريف في قريش وهو يجتمع مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم بالخؤولة وبالأصل، فهذه المرأة أبوها أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ، وهناك تلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبوه عبد الله بن عبد المطلب وأم عبد الله هذا هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة ، فأخواله بني مخزوم أيضاً، فإذاً ليس هذا طعناً في النسب وإنما هو بيان لواقعة عين خصوصية، وهي تفضيل فاطمة على سائر النساء؛ فلا يمكن أن يلحق بها من سواها منهن، ولا أن يقاس عليها؛ فقد شرفها الله تشريفاً عظيماً، وبين النبي صلى الله عليه وسلم منزلتها وشرفها ويكفيها أنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم، أي: جزء منه صلى الله عليه وسلم، فليس من سواها من النساء في منزلتها ولا يمكن أن يلحق بها في الحكم؛ فقد ميز الله أمهات المؤمنين عن سائر النساء في الأحكام فأباح لسائر النساء من المحارم اثنا عشر نوعاً كما في آية النور، وأباح لأمهات المؤمنين سبعة أنواع فقط كما في آية الأحزاب فالاثنا عشر في آية النور هي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]، أما السبعة ففي آية سورة الأحزاب في قوله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [الأحزاب:55].فخصهن الله تعالى بهذا الحكم عن سائر النساء وقال: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32]، ونساء النبي يشمل هذا الاسم بناته كذلك؛ فنساء الرجل يشمل هذا اللفظ أمهاته وبناته وزوجاته وأخواته؛ فكلهن من نسائه، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32]، و فاطمة رضي الله عنها لها خصوصيتها فهي أفضل النساء على الإطلاق -على الراجح- وقالت طائفة: بل مريم بنت عمران أفضل منها، وقالت طائفة أخرى بالخلاف بينها وبين عائشة ، وقد قال السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع:وأفضل النساء بالتحقيق فاطمة مع ابنة الصديقوفيهما ثالثها الوقف..أي: فيهما خلاف بين أهل العلم على ثلاثة أقوال: القول الأول: بفضل فاطمة ، والثاني: بفضل عائشة ، والثالث: الوقف بينهما.وفيهما ثالثها الوقف وفيعائشة مع بنته الخلف يفيوالمرتضى تقدم الزهراءبل وعلى مريم الغراءفاطمة رضي الله عنها المرتضى تقدمها حتى على مريم بنت عمران في الفضل، مع أن مريم بنت عمران ذكرت في القرآن ثلاثين مرة ولم تذكر أنثى في القرآن باسمها الصرح إلا مريم بنت عمران ، وقد ذكرت ثلاثين مرة، حتى حواء لم تذكر باسمها في القرآن، ولم يذكر من أسماء النساء في القرآن باللفظ الصريح إلا مريم ، فأمها نسبت فقط: امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:35]، وهكذا.إذاً فالكفاءة النسبية هي محل خلاف، والحرية كفاءتها معتبرة؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة عند عتقها، وكانت تحت عبد لبني مطيع اسمه مغيث ، فاختارت الفراق فكان مغيث يبكي ويتشفع فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع، فقالت: أتأمرني أم تشفع لدي؟ فقال: بل إنما أنا شافع، فقالت: لا أريده، فقال لـعائشة : ألا تعجبين من حب مغيث بريرة وكره بريرة مغيثاً ؟ ).وإذا كان الرجل مولىً، أي: سبق عليه الرق ثم عتق فهو كفء لكل حرة، وكذلك عند المالكية فإن الرقيق أيضاً كفء للحرة إلا إذا كانت ابنة مالكه؛ لأنه يمكن أن يؤول إليها ملك شيء منه وحينئذ ينفسخ النكاح؛ لأن الملك والنكاح لا يجتمعان، وهذا الذي أشار إليه خليل رحمه الله بقوله: (وللعبد تزوج ابنة سيده بثقل) (بثقل) أي: بكراهة.(والمولى وغير الشريف والأقل جاهاً كفء).وهذا هو مذهب المالكية، وأما الحنابلة والشافعية فيرون التفريق ويرون أن القرشية ليست بالكفاءة لغير قريش إلا القبائل التي عدها النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في عدم الاسترقاق في الأسر في الحرب، وهذه القبائل هي عشر من قبائل العرب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن استرقاق أسيرها، ولقريش أحكام مختصة منها ما قاله بعد قتله للنضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط ؛ قال: ( لا يقتل بعد اليوم قرشي صبراً ).وأما ما يتعلق بالغنى المادي فإذا كانت المرأة غنية فهي كفء للفقير على الراجح، وقالت طائفة من أهل العلم: بل لا تكون كفئاً له إلا إذا كان مكتسباً، أي: قادراً على الاكتساب، فالمكتسب غني غنى تقديرياً، فغناه غنىً بالقوة لا بالفعل، لكن الراجح كما ذكرنا أنه لا اعتبار للمال فيما يتعلق بالكفاءة. ثالثاً: الزوجة أما الزوجة فيشترط لها الدين، أي: الإسلام، أو أن تكون من أهل الكتاب، ويشترط فيها الإحصان، أي: أن تكون عفيفة، فغير العفيفة لا يحل نكاحها سواءً كانت مسلمة أو يهودية أو نصرانية؛ لأن الإنسان لا يأمن حينئذ على أن يخالط أولاده من ليس منهم، فكل من لا تؤمن على نفسها لا يحل نكاحها، فلا بد أن تكون مسلمة ملتزمة بدينها، أو نصرانية أو يهودية ملتزمة كذلك بمقتضى دينها الذي يمنعها من الوقوع في الزنا، وهذا الذي سبق بيانه أن أهل الكتاب اليوم لا يوجد فيهم العفائف، فإذا عرف الإنسان ذلك فعليه أن يتريث قبل الإقدام على عقد النكاح على نصرانية أو يهودية، فلم يعد فيهن اليوم المحصنات العفائف. رابعاً: الولي والولي يشترط فيه الرشد، ولا يشترط فيه الذكورة ولا الحرية، وقالت طائفة من أهل العلم باشتراط الإسلام فيه، وقالت طائفة أخرى بعدم اشتراطه، وعموماً ولي المسلمة لا بد أن يكون مسلماً، أما ولي اليهودية أو النصرانية فيمكن أن يكون غير مسلم أي أن يكون من أهل ملتها، وقد ذكر أن خويلد بن أسد بن عبد العزى هو الذي زوج خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الاستدلال بذلك استدلال بما هو سابق على كثير من أحكام النكاح؛ فحينئذ لم يشرع كثير من أحكام النكاح بعد، وقد شرع بعده الكثير من الأحكام التي تغير مثل هذا الحال لو قدر ثبوته وحصوله، وإن لم يكن للمرأة ولي من أهلها، فلم يكن لها أب ولا وصي ولا ولد ولا أخ ولا عم ولا جد ونحو ذلك من الأولياء، كأن كانت يتيمة شريفة، أو يرغب فيها لجمالها أو لحسبها؛ فلا بد أن يكون زواجها بيد من يتولى أمر المسلمين العام كالقاضي الذي يرعى الحقوق العامة؛ لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل.. فنكاحها باطل.. فنكاحها باطل، فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له ). وأما الدنية وهي التي لا يرغب فيها لمال ولا لجمال ولا لحسب فهذه يتولى نكاحها أي مسلم، فأي مسلم يمكن أن يكون ولياً لها بحق أخوة الإسلام، وذلك في حق من أسلمت من أهل الكتاب، فمثلاً إذا كانت نصرانية فأسلمت وليس لها ولي من أقاربها من المسلمين؛ فأي مسلم يمكن أن يتولى عقد نكاحها فيزوجها، إلا إذا كانت ممن يرغب لما ذكر فحينئذ ينبغي أن يرجع في تزويجها إلى سلطة للمسلمين تقديرية، سواءً كانت مركزاً إسلامياً في البلد الذي هي فيه كإمام المسجد، أو كانت في ديار الإسلام فيرجع في زواجها إلى القاضي الذي هو مسئول شرعاً عن الغيب واليتامى ونحو ذلك.وقد اشترط النبي صلى الله عليه وسلم في الولي الرشد في قوله: ( وولي مرشد )، في حديث أبي موسى الأشعري : ( لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل )، فاشترط أن يكون الولي مرشداً، أي: صاحب رشد ومعرفة، فإذا كان الولي سفيهاً فلا يمكن أن يتولى عقد النكاح، وكانت عائشة رضي الله عنها تقوم على زواج اليتيمات اللواتي ترعاهن فتعين الزوج والمهر وتقول: (اعقدوا فإن النساء لا يعقدن) فتوكل على إجراء العقد لكنها هي تتولى الأمر كله، فتعين المهر والزوج وتقول: (اعقدوا فإن النساء لا يعقدن). خامساً: الصداق وأما الصداق فإن الأصل فيه أن يكون مالاً؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، فهنا اشترط المالية فيه، وكذلك فإنه قال: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24]، وقال في نكاح الإماء: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:25]، وقال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، والنحلة هي ما لا يراد له مقابل أو ما لا يؤخذ مقابله شيء، وقال الشافعية -وهو رواية أيضاً للحنابلة- بعدم اشتراط المالية في النكاح واستدلوا بحديث: ( التمس ولو خاتماً من حديد )، للذي سبق فقالوا: خاتم الحديث غير متمول، وهو أقل شيء، والآخرون يرون أن المالية شرط وأن أقل ذلك ثلاثة دراهم كما سبق، ويرون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولو خاتماً من حديد )، إنما هو من باب المبالغة، أي: التمس لعلك تحرز شيئاً أياً كان، وأيضاً فإن كون الخاتم من حديد لا يتعين فيه كونه كاملاً من حديد بل قد يكون فصه من فضة أو ذهب، وتكون دائرته من حديد، وحينئذ قد يصل إلى ربع دينار، وهذا المطلوب شرعاً. الشاهدان في النكاح فإذاً هذه هي الأركان. وأما الشاهدان فعند المالكية هما خارجان عن أصل الماهية فليسا بركنين، وعند جمهور أهل العلم أن الشاهدين لا بد منهما في النكاح لحديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل )، وقد اشترط الله تعالى شهادتهما في أقل من هذا فقال في الطلاق: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ [الطلاق:2]، فإذا كانت فرقة النكاح يحتاج فيها إلى شاهدين فأصله من باب أولى، ومع ذلك فإن المالكية يوجبون الشهود، ويرون أن العقد إذا حصل بدون شهادة لا يحل الدخول قبل الإشهاد، وإن حصل فسخ، فإذا اطلع على العقد بدون شهود فإنه يفسخ قبل الدخول.وعموماً فالشاهدان اللذان لا بد من حضورهما للنكاح ينبغي أن يكونا رجلين؛ فهذا العقد يترتب عليه حقوق مالية وحقوق نسبية؛ فالحقوق المالية تثبت بشاهد وامرأتين مثلاً، بل تثبت عند الجمهور بشاهد ويمين خلافاً للحنفية، والحقوق النسبية لا تثبت بذلك؛ لأن النسب أدق وأهم من المال فلذلك لا يثبت إلا بشهادة عدلين، وهما نصاب الشهادة الأسمى في مثل هذا النوع، ولا يزيد نصاب الشهادة على ذلك إلا في حق الزنا -أعاذني الله وإياكم- فنصابه أربعة شهود؛ كما صرح الله بذلك في سورة النور. مذهب الحنفية في ولي المرأة في النكاح وقد ذهب الحنفية إلى عدم ركنية الولي فرأوا أن المرأة يمكن أن تتزوج بلا ولي إذا وجدت من يقوم بأمرها من المسلمين فيعقد عقد النكاح، فتذهب إلى القاضي مع الزوج الذي ترغب في الزواج منه فيزوجهما القاضي أو الإمام أو جماعة من المسلمين، ولا يشترط عندهم الولي، واستدلوا بقول الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ [البقرة:232]، فقد نسب الله ذلك إلى النساء أنفسهن، ورأوا أن الأحاديث التي فيها ذكر الولي معللة عندهم كحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي )، فهذا الحديث روي من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير و أبي عوانة و شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه بعض هؤلاء أيضاً عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، و أبو بردة تابعي غير صحابي، فرأوا أن الإرسال علة فيه، ولكن الراجح أن الإرسال غير علة فيه؛ لأن أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعي حفيده إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، و إسرائيل هو أثبت الناس في جده، وقد رواه عنه موصولاً ولم يقع عليه الاختلاف فيه، والذين وقع عليهم الاختلاف فيه اعتضد الوصل من روايتهم برواية الذين لم يقع عليهم اختلاف أصلاً في وصله، وأيضاً فيشهد له حديث عائشة السابق: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل )، وقد عللوا أيضاً حديث عائشة بأنه من رواية جريج عن سيف بن عمر وقد روي عن الزهري أنه سأل ابن جريج فقال: حدثني سيف بن عمر عنك بهذا الحديث، فلم يعرف الحديث وأثنى على سيف بن عمر ، فلم يتذكر الحديث لكنه أثنى على الراوي عنه وهو سيف بن عمر ، وقد عللوا ذلك ورأوا أنه يقتضي عدم اتصال الحديث، لكن الراجح اتصاله وقد وجد له متابع؛ فقد توبع فيه سيف بن عمر وبهذا زالت العلة، وعلى هذا فلا بد من الولي وأي نكاح حصل بغير ولي فهو باطل كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة السابق. حكمة اشتراط الولي للمرأة في النكاح وحكمة الولي أن النساء كثيراً ما يملن إلى العواطف، والأولياء يرشدون النساء ويقومون بينهن، فإذا حضر ولي المرأة فسيشترط لها مصالحها وسيرعاها، ولن يختار لها إلا من كان كفئاً أميناً، وسينظر إلى عواقب الأمور وما تؤول إليه، بخلاف ما إذا كانت هي التي تتصرف لنفسها؛ فكثيراً ما تحول العاطفة بينها وبين اختيار العواقب والنظر إلى المصالح، بل ربما مالت إلى إنسان لمجرد عرض دنيوي فيقع الانفصال سريعاً فتندم، فإذا كان الولي مرشداً فسيختار لها من سيكون صاحب استمرار وبقاء، ومن تكون قوامته أولى وأسمى، وهذه الأمور لا تعرف إلا بعد تجاوزها، فهي من الأمور التي لا تعرف إلا بعد ذهابها؛ فلذلك يحتاج إلى الولي كثيراً في مثل هذا النوع، وليس انتقاصاً لحقوق المرأة ولا لمكانتها، بل هو تأييد لها ومساعدة لها على القيام بحقوقها. مستحبات عقد النكاح النظر إلى المخطوبة ثم إنه في هذا العقد يشرع النظر إلى المخطوبة.. إلى وجهها وكفيها، أو إلى مشيها وقامتها؛ فكل ذلك من الأمور الجائزة وهي التي تؤدي إلى الاستدامة بالنكاح، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ففي حديث جابر : ( أنه خطب امرأة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً )، قال: فكنت أتخفى لها بجذوع النخل حتى رأيتها. وكذلك فإن المعرفة المطلوبة تحصل بهذا القدر؛ فكثير من الناس يظن أن النكاح لا ينبغي أن يتم إلا بعد كثير من المعرفة والاختلاط والمخالطة التي هي مدعاة للفتنة وكثيراً ما تؤدي إلى الخلوة، وكثيراً ما تؤدي أيضاً إلى ميل عاطفي غير مطلوب شرعاً في مثل هذا النوع، فلذلك يكفي مجرد النظر إلى الوجه والكفين أو إلى القامة والمشي؛ فهذا كاف في حصول الائتدام الذي صرح به النبي صلى الله عليه وسلم. تقديم الخاطب نفسه في خطبة من الكلام وجوابها من ولي المرأة كذلك فإنه من سنن هذا العقد أن يكون الخاطب يقدم نفسه في خطبة من الكلام، والخطبة هي الكلام المقفى المؤدي للغرض ولو كان ذلك قليلاً، فيعرض نفسه ويبين حاله بصدق، ويطلب مراده كذلك، وأفضل ذلك ما كان أقل: ( خير الكلام ما قل ودل )؛ ولهذا فإن بلالاً رضي الله عنه خرج بأخيه إلى أسرة من الأنصار فقال: (أنا بلال ، وهذا أخي، كنا عبدين فأعتقنا الله، وكنا كافرين فهدانا الله، وكنا فقيرين فأغنانا الله، فإن أنكحتمونا فلكم الأجر، وإن رددتمونا فلكم العذر) فقالا: والله لا نردكما، فزوجاهما، فكانت هذه الخطبة بليغة مؤدية للغرض، وهي سنة في طلب النكاح. ويسن أيضاً جوابها وهذا الجواب يسن أن يكون بالمعروف، فإن رضي فليكن رضاه بمعروف، وإن لم يرض فليكن ذلك باعتذار مقبول أيضاً وبقول معروف، فسوء الرد لا يؤدي إلا إلى البغضة فلذلك يندب حسن الرد في الكلام، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في حال الاعتذار بإلانة القول فقال: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهمْ قَوْلًا مَيْسُورًا [الإسراء:28]، فالقول الميسور مطلوب وقد أمر الله تعالى بقول الخير مطلقاً فقال: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53]، وقال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، فإذا أراد الإنسان الرد فينبغي أن يكون بمعروف وباعتذار، وأن يكون أيضاً بدعاء وكلام طيب. شهود أهل الصلاح والخير لعقد النكاح في المساجد كذلك من المندوبات في هذا العقد أن يشهده أهل الصلاح والخير رجاء دعائهم وشهادتهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بأن يعقد في المساجد؛ فقد أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اعقدوه في المساجد وأعلنوه في المشاهد ). وكذلك يندب أن يكون هذا العقد في دبر صلاة من الصلوات أياً كانت، تيمناً بذلك الوقت الذي تشهده الملائكة، وفي حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في شوال ودخل بها في شوال بعد ثلاث سنين )، أي أنه تزوجها وهي صغيرة في شوال وبعد ثلاث سنين وبعد الهجرة دخل بها في شوال أيضاً، وليس ذلك مطلوباً في كل حال؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج كل نسائه في شوال، بل قد سبق أنه تزوج ميمونة رضي الله عنها -وهي آخر امرأة تزوج بها- في ذي القعدة، في عمرته. إعلان النكاح كذلك إعلان النكاح، وذلك بإشاعته بين الناس؛ لأن إخفاءه مقتض لحصول الضرر، فإخفاءه مدعاة للاتهام، وإذا ترتب عليه أولاد مدعاة أيضاً لجهالة نسبهم أو الطعن فيه، ومدعاة لإضاعة الحقوق فكل إنسان بالإمكان أن يموت في أي وقت؛ فلذلك لا يقبل الإسرار بالنكاح، بل لا بد من الجهر به، وقد اتفق أهل العلم تقريباً على تحريم نكاح السر، لكنه مختلف ما هو؟ فجمهورهم يفسرونه بأنه هو الذي لم يشهد عليه عدلان، هذا نكاح السر، وقالت طائفة منهم: بل هو الذي أوصي الشاهدان بكتمانه أو الكتمان المطلق، فكتمانه عن أسرة أو عن شخص أو عن أهل بلد لا يكون به نكاح سر قطعاً، لكن كتمانه المطلق بأن يكون مكتوماً مطلقاً فهذا الذي قالت طائفة من أهل العلم باعتباره نكاح سر وهو مذهب المالكية، والشافعية يرون أن كل عقد حضره عدلان فهو غير نكاح سر، وأن السر هو ما لم يشهد عليه عندهم.وإعلانه يشمل تشهيره بالدف، وقد أذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه: ( أنه هو وخمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدوا نكاحاً يضرب فيه بالدف، فسئلوا عن ذلك فأخبروا أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم فيه )، وهذا الترخيص الهدف منه الإعلان والإشاعة؛ فالمقصود بالدف هنا سماع الصوت من بعيد، ولا يقصد به الطرب لذاته، فالدف صوته مرتفع، فارتفاعه يقتضي إشاعة الخبر، ولا يقصد به الطرب؛ ولذلك نهى عن المعازف التي هي أكمل بالطرب وأضعف صوتاً من الدف؛ فالمعازف منهي عنها والدف مأمور به في النكاح؛ لأن الدف يشيع الخبر؛ فصوته مرتفع وهو أيضاً غير مدعاة بذاته للطرب بخلاف المعازف، ومثل ذلك شهود المشاهد، أي: أن يكون في المكان العام الذي يجتمع فيه الناس؛ فهذا مطلوب، وذلك في حال العقد، أما إشاعة الدخول والوليمة فهذا غير مطلوب شرعاً، فالإشاعة إنما تكون عند العقد، فالعقد هو الذي يطلب إعلانه وإشاعته أما الدخول فلا يطلب فيه ذلك، ولذلك فدخول النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة إنما شهده نساء من الأنصار أهدينها إليه، والوليمة إنما تكون بعد الدخول، وهي مندوبة على قدر وسع الإنسان وحاله ( وقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بنت حيي رضي الله عنها بسويق وتمر )، فلم يكن عندهم اللحم إذ ذاك، وقال لـعبد الرحمن بن عوف : ( أولم ولو بشاة )، فذلك على قدر وسع الإنسان وحاله؛ فيندب له أن يولم، والوليمة: طعام يتصدق به فيكون عاماً للناس، ومن دعي إليه وجبت عليه الإجابة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من دعي فليجب فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليصل )، (إن كان صائماً فليصل) أي: فليدع لهم، وحينئذ يعتذر، لكن لا بد من الإجابة، فمن دعي فليجب، وذلك من حقوق المسلم على أخيه؛ فعليه أن يشهد مسرته وأن يشاركه في سروره، فإن كان صائماً دعا له، وإن كان مفطراً أكل معه جبراً لخاطره وتوسعة عليه.فلا بد من التسلسل في هذه الأحكام والحكم المتعلقة بالنكاح، ولا يمكن أن نأتي بها في مثل هذا الوقت الضيق فنقتصر على هذا الحد منها. الأسئلة قدر الاستطاعة على فريضة الحج السؤال: هذا سؤال عن نازلة صورتها امرأة زفها أبوها إلى زوجها ببقرة فولدت تلك البقرة عند الزوجة عدة بقرات، علماً بأن الزوج كان يقوم بمصالح البقرات من سقي ورعي في الفترات التي تعلف فيها الماشية، وكان ينتفع بغلتها فهل تجب عليها فريضة الحج أو لا تجب، أم أن للزوج نصيباً في تلك البقرات؟الجواب: إن الزوج ليس له نصيب من تلك البقرات إلا إذا كان أشهد قبل الإنفاق على رجوعه عليها بما ينفق على بقراتها، فإن كان ينفق عليها مروءة فلا يملك بذلك شيئاً؛ فالبقرات ملك لها هي، وإن كانت تملك ثمن تكاليف الحج فإن ذلك يلزم عليها الحج وإن وجدت فرصة مأمونة فاستطاعت أن تبيعها بالمقدار الذي يكفيها فإن الله تعالى اشترط للحج الاستطاعة بقوله: وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، واشترط ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وبين الاستطاعة وهي الزاد والراحلة والسبيل السابلة، الزاد والراحلة هي ما يكفي الإنسان ذهاباً وعودة، والسبيل السابلة هي الأمن على النفس والمال في الطريق. حكم قول: (أنت علي حرام) للزوجة السؤال: ما حكم رجل وجد أهله في خصام شديد فغضب هو لذلك وقال لهما: أنتما علي حرام، فهل له من كفارة أم يعتبر ذلك تحريماً؟الجواب: لفظ التحريم مختلف فيه على ستة أقوال، وهذا الخلاف من أيام الصحابة رضوان الله عليهم:القول الأول: أنه إيقاع للثلاث دفعة واحدة، وهذا القول المشهور لدى المتأخرين، وهو الذي يقول فيه العلامة محمد بابا رحمه الله:فخذ أيها المفتي لشخص بعرفهفبالعرف ألفاظ الطلاق تراموخليت قد كانت ثلاثاً وقد غدتلواحدة لا خلف ثم يرامولفظ حرام صار في العرف بتةوذكر أقاويل الحرام حراموهذا القول يترجح بقصد الإنسان؛ لأن الإنسان من المعلوم أنه إذا كان يعرف مدلولات الألفاظ وقال: أنتن حرام، أو أنتما حرام ويؤكد بذلك إيقاع الثلاث فقد أوقع الثلاث.القول الثاني: أن ذلك التحريم يعتبر طلقة واحدة بائنة لا يحل له الرجوع بعدها إلا بعقد جديد.والقول الثالث: أن ذلك طلقة واحدة رجعية يجوز له الارتجاع بعدها بدور عقد. والقول الرابع: أن ذلك ظهار يوجب عليه كفارة الظهار.والقول الخامس: أن ذلك كذب لا يلزم به شيء.والقول السادس: أن ذلك يمين يلزم بها كفارة يمين بالله.هذه ستة أقوال في المسألة، والقول الذي يفتى به هو القول الأول، وبالأخص إذا عرف في العرف العام أن الناس يعرفون معنى ما يقولون، وأن الزوج إذا قال لزوجته: أنت علي حرام فيعرف أن الحرام معناه المفارقة والطلاق، وأنه لا يريد الرجوع بعدها. واجب المرأة تجاه زوجها الذي لا يؤدي الفرائض ولا يغتسل من الجنابة السؤال: ما حكم امرأة تزوجت رجلاً كانت تحسبه صالحاً فوجدت أنه لا يؤدي الفراض ولا يغتسل من الجنابة، وعندما تسأله: لماذا لا تغتسل من الجنابة؟ يجيبها: بأنه لا يلزم الغسل إلا يوم الجمعة فما الحكم في ذلك؟الجواب: أن عليها أن تنصح هذا الرجل وأن تعلمه ما جهل من الأحكام فهذا جهل عظيم بأحكام الشرع؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا صلاة لأحدكم إذا أحدث ما لم يتوضأ )، والله تعالى يقول في محكم التنزيل: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولذلك عليها أن تعلمه وأن تنصحه، فإن استجاب لذلك فبها ونعمت، وإن لم يستجب فلا بد أن تستعين بطرف آخر ينصحه ويعلمه أحكامه، لكن لا تأثير لذلك بالزواج منه. زواج المرأة الحبلى من الزنا أثناء ذلك السؤال: نعوذ بالله! امرأة حبلى من الزنا، أعوذ بالله! كيف تتزوج وهي حبلى من الزنا؟الجواب: لا يحل لها النكاح حتى تضع حملها، وإذا وضعته فحينئذ يجوز لها الزواج، ولكن الرجل الذي زنى بها من قبل فيه خلاف هل يحل له أن يتزوج بها بعد أم لا؟ إذا حصلت توبتها وعلم أنها لا يمكن أن تعود للزنا، وتاب هو أيضاً فمحل خلاف، فقد ورد عن ابن أم أيمن رضي الله عنه: ( أنه كان زنى بامرأة في الجاهلية فلما كان يوم الفتح استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بها فلم يأذن له بذلك ... فلم يأذن له )، وقالت طائفة أخرى: المقصود بذلك من لم تحصل توبتها، ولم يعلم أنها ما يمكن لها الزنا في المستقبل، إلا إذا كانت يمكن لها الزنا فيعلم أنها لو راودها رجل آخر لقبلت مثلما قبلت بالأول، فهذه ما دامت كذلك لا يحل النكاح منها. أثر وقوع المحرمات في الزفاف على صحة النكاح السؤال: إذا كان في الزفاف مزامير واختلاط هل يبطل النكاح؟الجواب: لا، النكاح صحيح لكن تلك المحرمات حرام وهي غير مرتبطة بذات النكاح فلا تؤثر فيه، لكن أصحابها يأثمون، ولن يكون نكاحاً مباركاً ما دام بني على معصية الله. الفرق بين أم الولد والأمة السؤال: ما الفرق بين أم الولد والأمة؟الجواب: إن الأمة المقصود بها المملوكة التي تشمل من يحل للإنسان وطؤها ومن لا يحل له ذلك، وأم الولد هي الأمة التي قد أنجبت من سيدها ولداً استهل صارخاً ولو مات حينئذ، فكل امرأة أنجبت من سيدها ولداً وإذا استهل صارخاً ومات فهي أم ولد تعتق بمجرد موته، وله منهاج حياة ... لا يجوز له بيعها، وهي التي تسمى أم الولد وحكمها حكم الحرة في ستر الأس والأطراف وفي أحكام الصلاة. إرث أم الولد من سيدها السؤال: هل أم الولد ترث من زوجها؟الجواب: لا، أم الولد لا ترث من سيدها. حكم الافتخار والتساهل بجريمة الزنا السؤال: ما حكم الذين يفتخرون بالزنا -نسأل الله السلامة والعافية- ويعتبرونه بطولة ويقولون: إنه معصية بسيطة هينة.الجواب: إن الزنا من أكبر الكبائر وأغلظها، وقد رتب الله عليه الحد، وهو في حق المحصن الرجم حتى يموت، وفي حق البكر تغريب سنة وجلد مائة سوط، وقد جعله الله تعالى من أكبر الكبائر وتوعد أصحابه بالنار -نسأل الله السلامة والعافية- فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70]، وعلى هذا فالتهاون فيه يعد تهاوناً بكبيرة من أكبر الكبائر، وهي من الموبقات العظيمة، ودعوى أن ذلك من ... إنكار كبير للشرع والتفاخر به جريمة كبيرة وهي أكبر من سابقتها، نسأل الله السلامة والعافية! ...وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:28
فقه الأسرة [3] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي ) شرع الله لعباده النكاح، وجعل له شروطاً كالصداق ومعرفة رضى الثيب، وقد يشترط الناس في النكاح شروطاً هي محل خلاف بين العلماء؛ كاشتراط المرأة عدم التعدد، وهذا لا ينبغي لأنه مخالف لشرع الله تعالى الذي أباحه، ويعد طعناً في رسول الله وصحابته الذين عددوا الزوجات، وهو ما يسعى إليه أعداء الإسلام لإفساد الأسرة المسلمة، وللتعدد في الزوجات فوائد كثيرة يجهلها كثير من النساء. بعض الشروط العامة للنكاح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:فقد تحدثنا على أركان النكاح, وما لتلك الأركان من شروط, وقد ذكرنا بعض شروط النكاح العامة، وسيكون الحديث اليوم أيضاً -إن شاء الله- عن الشروط في النكاح، وما يتعلق بذلك. كون الصداق مالاً متمولاً مملوكاً منتفعاً به أما تلك الشروط العامة الباقية؛ فمنها ما يتعلق بالصداق فإنه يشترط أن يكون مالاً متمولاً، فإن كان غير متمول كالخمر والخنزير ونحو ذلك مما لا نفع شرعي فيه؛ فاختلف أهل العلم في النكاح هل يبطل بذلك أم يكون النكاح صحيحاً والشرط باطلاً؟وإذا كان الصداق من مال لا يجوز تملكه كالخمر والخنزير, وكالمحرم الأكل كالحمار ونحوه مما لا يحل أكله إذا أشرف على الموت، فقد اختلف في هذا النكاح هل هو صحيح، فيصحح العقد، بصداق آخر غير الصداق المشروط، أو يبطل العقد أصلاً لأنه سبق أن الصداق ركن من أركان النكاح؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] فالأصل فيها الإنفاق ويمكن أن تكون لتعدية، وسوف يكون النكاح حينئذٍ مما لا يمكن أن يتصور إلا منها.وكذلك: إذا كان الصداق مما يجوز تملكه؛ لكن لا انتفاع به، لا لذاته ولكن لقلته كالأرز مثلاً، أو نحو ذلك، فهذا من تمول مملوك لكن لا انتفاع به لقلته لا لتحريم عينه.فكذلك اختلف هل يصحح النكاح بأن يجعل العقد على أقل الصداق، وقد سبق أنه ثلاثة دراهم عند الجمهور، أو يبطل النكاح أصلاً لأن العقد لم يكن على منتفع به. كذلك: إذا كان الصداق ديناً، فإن كان مؤجلاً إلى أجل يبلغه عمرهما عادةً صح النكاح قطعاً، كما إذا كان الصداق ديناً لسنة أو سنتين أو نحو ذلك ويبلغه عمرهما عادةً، بخلاف ما إذا كان الصداق بأجل لا يبلغه عمرهما عادة أو أحدهما، كما إذا كان إلى ثلاثين سنة، وعمر الزوج أو الزوجة قد وصل إلى الستين، أو السبعين مثلاً؛ فحينئذٍ لم يختلف أهل العلم في أن العقد يصحح بصداق آخر إلا بصداق المثل أو لأقل صداق، فصداق المثل يختلف باختلاف النساء، فصدقاتهن على اعتبار نظائرهن فينظر إلى أواسط نظائرهن في البلد من ناحية القرابة والسن، فتقاس على أواسط أهل بلدتها وقرائبها، وإذا صحح بأقل الصداق فقد سبق الخلاف فيه, والترجيح أنه ثلاثة دراهم وهو النصاب المحدد كذلك في قطع يد السرقة كما سبق. رضا المرأة الثيب كذلك من هذه الشروط العامة: أنه يشترط رضا المرأة إذا كانت ثيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الثيب أملك لنفسها من وليها )؛ ولأنه قال: ( البكر تستأمر وإذنها صماتها، والثيب أملك لنفسها من وليها )؛ فلذلك لا يمكن أن تجبر وهي ثيب، والثيب تُعْرِب أي: تصرح برغبتها أو رفضها؛ فإن رضيت صح النكاح وإلا كان النكاح كعقد ... وقد سبق البحث فيه، إذاً الراجح: بطلانه إلا إذا كان... كما سبق في حديث عائشة في نكاحها لابنة أخيها عبد الرحمن بن أسعد بن الزبير رضي الله عنهم.وإذا رفضت البكر، وأراد والدها تزويجها بغير رضاها فهو كذلك مكروه، ولكن الراجح صحة النكاح حينئذٍ؛ لأنها قد تؤثر عليها العاطفة في وقت ثم يزول عنها ذلك فيما بعد، وهو أدرى بمصلحتها، وعليها الاستجابة له إذا اختار الأب على أساس مصلحتها هي لا على أساس مصلحته هو، وإن علم أنه قدم مصلحة نفسه على مصلحة المرأة فيعتبر حينئذٍ عاضلاً، ويرفع القاضي يده عن الولاية، ومثل ذلك ما لو عضلها أو منعها من النكاح بكفء؛ فتعدد ذلك، والتعدد مختلف فيه وهذه قاعدة عامة، بم يحصل التعدد؟ أو بم يكون الشيء عادة؟ ففي قول المالكية وهو رواية عن الحنابلة: أن التعدد المقصود به المرة الثانية، فإذا حصل مرة أولى لن يعتبر ذلك عادةً فإن عاد فوقع على نحو ما وقع أولاً كثر تعدده.وقالت طائفة أخرى: بل المقصود التكرر ثلاثاً بأن يحصل في المرة الثالثة؛ فلا يكون التعدد إلا بذلك، ونظير هذا، العادة في الثيب، فالمرأة إما أن تكون مبتدئة وإما أن تكون معتادة، فالمبتدئة هي التي تحيض لأول مرة أو لثاني مرة، على القول: بأن التعدد يشترط له ثلاث، والمعتادة هي التي تكرر عليها حول في نفس الوقت، ثلاث مرات، أو مرتين على القول: الوارد، ونظير ذلك ما خلافه في العزم أيضاً بم يحصل التعدد فيه، فإذا عضلها عن كفء واحدٍ فلا ترفع يده عن ولايتها، واحتمال أن يكون هو يعرف في ذلك الكفء ما لا يستطيع التصريح به من العيوب، فإن تعدد ذلك نزعت ولايته عنها ويزوجها فيها القاضي بغير إذن ذلك الولي.وبعض العلماء قد يخالف في هذا الأمر، فيمنع موليته، يعضلها لمصحته هو لا لمصلحتها هي، وذلك مخالف للشرع، وهو خيانة للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وغش بها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين أنه قال: ( ما من والٍ يوليه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ ولذلك لا بد من نصيحة من ظهر منه هذا الأمر، ولا بد أن يبين له الحكم الشرعي فيه، وأن يزجر عن مخالفته. الشروط في النكاح والوفاء بها أما الشروط في النكاح: فإنما يشترطه الولي أو المرأة أو الزوج، في عقد النكاح من الشروط، وهذه الشروط الأصل عدمها، الأصل في العقد ألا يشترط فيه أي شرط، وهكذا أصل العقود الشرعية كلها أنها خالية من الشروط. خلاف العلماء في الشروط في العقد أما إذا اشترط فيها شرط فقد اختلف أهل العلم فيه؛ فمنهم من منع إدخال الشروط في العقود مطلقاً ورأى بطلان العقد بالشرط، وهو أبو حنيفة رحمه الله, واستدل بما حدث به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم، (نهى عن بيع وشرط)، وقاس أبو حنيفة جميع العقود على البيع، فقال: كل عقد تضمن شرطاً فالعقد باطل والشرط باطل، وذهب بعضهم إلى بطلان الشرط وبقاء العقد، أي على أن العقد صحيح، وأن الشرط باطل، وذهب آخرون إلى أن العقد صحيح والشرط صحيح، وذهب آخرون إلى التفصيل، وقد روى بعضهم في هذا قصة حصلت لأحد المستفتين، فقد جاء إليه ابن أبي لؤلؤة فسأله عن بيع وشرط، جاء إلى أبي حنيفة أولاً فسأله عن بيع وشرط، فقال: الشرط باطل والبيع باطل، فسأل ابن أبي لؤلؤة ، فقال: العقد صحيح والشرط باطل، فذهب إلى ابن شبرمة فقال: العقد صحيح والشرط صحيح؛ فعاد إلى أبي حنيفة فقال: أسمعت ما قال: صاحباك؟ فاخبره به فقال: ما أدري ما قالا، غير أنه حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن بيع وشرط )؛ فالعقد باطل والشرط باطل، فرجع إلى ابن أبي لؤلؤة فأخبره، فقال: لا أدري ما قالا غير أن هشام بن عروة أخبرني عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشترطي لهم الولاء وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق)، فرجع إلى ابن شبرمة فقال: لا أدري ما قال، غير أن ابن شهاب حدثني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، (اشترى منه جملاً فشرط عليه حملانه إلى المدينة)؛ فالشرط صحيح والعقد صحيح.ومالك رحمه الله كان يرى تفصيلاً في هذا؛ فيرى أن الشروط تنقسم إلى ثلاثة أقسام:القسم الأول: شرط يتضمنه العقد ولا ينافيه، فهذا سواء ذكر أو لم يذكر فهو يلازمه، فالاشتراط في النكاح كاشتراط النفقة في النكاح، او اشتراط العدل، أو اشتراط الصداق مثلاً، فهذا يتضمنه العقد أصلاً ولا ينافيه، ومثله شرط: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]؛ فهذا الشرط يتضمنه العقد أصلاً سواء ذكر أو لم يذكر؛ فلا حرج في ذكره، وهو لازم أصلاً ذكر أو لم يذكر. القسم الثاني: شرط ينافي العقد أصلاً، كاشتراط ألا توارث بينهما، أو ألا تأتيه إلا نهاراً، أو ألا يساكنها في قريته؛ فهذا الشرط منافٍ لمقصد العقد أصلاً، وهو مبطل للعقد إن تعلق بذات العقد كما ذكر أو في محله، فإن تعلق الشرط بأمر آخر كالصداق ونحوه فيبطل الشرط، ويصحح العقد حينئذٍ. القسم الثالث: شرط لا يتضمنه العقد ولا ينافيه، كاشتراط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها؛ فهذا يصحح ويكره جعله في العقد، فيكره للولي أن يفعله في العقد ويكره الاتفاق على ذلك, ويكره للعاقد مطلقاً الإقدام على هذا؛ لأنه مخالف للسنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم إدخال الشروط في العقود. حكم الوفاء بالشروط في العقد ومع ذلك فإنه يلزم الوفاء به إن كان مباحاً شرعاً؛ لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله: ( إن أحق الشروط )، ما هي الشروط المقصودة هنا؟ فقالت طائفة منهم: إن المقصود بالشروط، هي الشروط في العقد، كشرط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها، وقالت طائفة أخرى: بل المقصود بالشروط العقود بذاتها، فإن العقد يسمى شرطاً، عند طائفة من أهل العلم؛ ولذلك يلقب الموثقون للعقود بالشرائط؛ لأنهم يكتبون الشروط أي العقود، والكتب المؤلفة في الشروط ككتاب الشروط في صحيح البخاري ، المقصود به ما يتعلق بالعقود، وقد قال: باب الإمامة في الشروط، فالمقصود بالشروط هنا ما يتعلق بالعقود مطلقاً؛ فالعقد يسمى شرطاً، وعلى هذا فالحديث محتمل للدلالتين معاً، فيمكن أن يكون المقصود به الشروط بمعنى العقود فيجب الوفاء بها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وبقوله: وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177]، وبقوله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب, وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة ينادى عليه على رءوس الأشهاد: هذه غدرة فلان ابن فلان ). ويختص النكاح بترتيب ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان لديكم أخذتموهن بشرط الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، وإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت به استمتعت بها على عوج )، ولقوله صلى الله عليه وسلم كذلك في ذكر النكاح ما ذكر من شدة الأمر فيه في عدد من الأحاديث، ولقول الله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، ولذلك يسمى عقد النكاح ميثاقاً غليظا، وليس كسائر المواثيق لشدته، وللجانب التعبدي فيه؛ ولأن الشارع رتب عليه من الأحكام ما لا يترتب على غيره من العقود كما سبق في الإرث والقوامة ونحو ذلك، ومن هنا لا بد من البحث في الشروط التي تدخل في العقود، فما كان منها لمصلحة العقد ولو لم يتضمنه العقد فإنه إن لم يتعدد فلا حرج فيه إن شاء الله، وإن تعدد فمحل خلاف؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله يرى أن العقد إن تضمن شرطين بطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن شرطين في بيعة، وعن بيعتين في بيعة، وعن رزق ما لم يضمن )، فهذا الحديث يقتضي أن كل عقد، وقع فيه شرطان بطل بذلك، وحمل مقصود هذا على مطلق الشروط، وحملها الشافعي على ما لا مصلحة فيه للعاقدين؛ فما كان فيه مصلحة للعاقدين أو لأحدهما وهو شرط الذي يحقق مصلحة للعقد، فهو جائز ويجوز اشتراطه بالعقد ويلزم الوفاء به إن لم يقبل بالنهي عنه بخصوصه. تعدد الزوجات واشتراط المرأة في العقد عدم الزواج عليها ولذلك نظائر كخياطة الثوب الذي هو صداق، وكنسيج الصوف الذي هو صداق، ونحو ذلك مما فيه مصلحة لأحد العاقدين؛ ولذلك فأكثر الشروط التي فيها نقطة فيما يتعلق بالصداق هي لمصلحة العقد. مشروعية تعدد الزوجات وحكم اشتراط المرأة عدم ذلك أما الشرط الذي يخالف الحكمة الأصلية من النكاح، ولم يرد فيه نهي بخصوصه، كشرط ألا يتزوج عليها مطلقاً، فهذا الشرط محل بحث، وينبغي أن نوضح فيه لحاجة الناس إلى البحث فيه، الأصل أن الرجل إذا كان لديه طول النكاح، ووجد القدرة في بدنه، والقدرة في ماله على أن يعف عدداً من النساء فله ذلك إلى أربع نسوة، وقد بدأ الله بذلك قبل الإفراد بواحدة، فقال: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]؛ فجعل الواحدة فرعاً عن التعدد، فالأصل إذاً التعدد في حق القادر عليه، وهذا يختلف باختلاف الناس، لأن فئة من الناس لا تطيق إلا اثنتين فلا يجوز لها التعدد، وفئة لا تطيق إلا ثلاثاً، فلا يجوز لها التعدد، وفئة تطيق أربعاً فلا يجوز لها الزيادة على ذلك، وإن لم تحصل العشرة المطلوبة في النكاح بواحدة لزم التعدد حينئذٍ كما سبق؛ لأن ما سبق أن بينا أن النكاح تعتريه أحكام الشرع، حتى ولو كان الإنسان متزوجاً، فتبقى حينئذٍ أحكام الشرع تعتري نكاحه في الثانية والثالثة والرابعة.فإن اشترطت عليه ألا يتزوج عليها, وكانت لا تعفه فقد شرطت ما هو مخالف لحدود الشرع، ومخالف لأصل المشروعية حينئذٍ. اشتراط المرأة القوامة في النكاح ومثل ذلك ما إذا شرطت أن تكون ولاية طلاقها بيدها، متى شاءت طلقت نفسها، ولو علقت ذلك بشرط التعدد فإن تزوج عليها فأمرها بيدها، فإن الشارع الحكيم جعل ولاية النكاح والفرقة بيد الزوج لا بيد المرأة.وقد علم الله سبحانه وتعالى ضعف النساء، وسرعة تأثرهن بالعواطف فلم يجعل ولاية النكاح ولا ولاية الفرقة بأيديهن؛ بل جعل ذلك راجعاً إلى الرجال، فانتزاع ذلك ممن جعله الله بيده، وجعله في من انتزعه الله منه، مخالف لحكمة الشرع في الأصل؛ ولذلك يترتب عليه من الضرر والمشكلات الشيء الكثير جداً؛ فالمرأة كثيراً ما تندم على تصرف تصرفته عن كثب وقرب، فتأتي وهي تريد الرجوع حيث لا يصح ذلك ولا ينفع، ومن ابتلي باستفتاء الناس له اطلع على الكثير من هذا، ثم إن جعل طلاقها بيدها أيضاً موقع لرجل في حرج كبير؛ لأن الله سبحانه وتعالى: قسم ما في الدنيا ما في البيت بين الزوجين، فالدنيا ما فيها يتصل إلى معنويات أو ماديات، فأشرف ما فيها من الماديات خص الله به النساء دون الرجال، كالذهب والحرير، فهذا أشرف ما في الدنيا من الماديات وقد خص الله به النساء وشرفهن به دون الرجال، وأشرف ما في الدنيا من المعنويات الولاية، كولاية النكاح، وولاية الفرقة، وقد خص الله الرجال بذلك دون النساء، وهذا عدل الله، بتوازن، فإذا حصل الإخلال به وقع الإخلال في التوازن، فمنع الرجال من نصيبهن لأن المرأة لا تستطيع أن تبيح للرجل الذهب ولا الحرير، وبالمقابل ينبغي ألا يبيح لها هو الولاية على النكاح أو الولاية على الفرقة؛ لأن هذا ليس من شأنها ولا من طاقتها، فهذا التوازن إذاً من حكمة الله وعدله، والإخلال به مضر ببناء الأسرة. زيادة الغيرة في النساء من الضرائر لا شك أن العوائد تؤثر في هذا؛ فكثير من النساء تتأثر بعادة وبمحل أهل بلدها، وبما أدركت لدى أمهاتها؛ فتظن أن كل مخالطة وعشرة تصدر من الزوج, وكل أمر يعمله ولو كان كبيرة، يمكن اغتفاره ويمكن تجاوزه إلا أمراً واحداً, وهو أن يفعل ما أحل الله له من التعدد.ومن المعلوم أن الغيرة في الرجال مطلوبة شرعاً محمودة طبعاً، وأن الغيرة في النساء مذمومة؛ لأنها لا يترتب عليها إلا الخروج عن الأدب والحياء، فليس فيها أية فائدة، فغيرة الرجل تقتضي حماية لأهله ورعاية لمصالحهم، وغيرة المرأة لا تقتضي شيئاً، إلا الغضب الذي لا فائدة فيه، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله للرجل الذي أتاه يريد السفر فقال: ( إني أريد الرجوع إلى أهلي فأوصني، قال: لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب ).فلذلك لا بد أن يعلم أن هذه الغيرة الشائعة بين النساء التي تقتضي الحرص على ما ليس لهن، هي من الجبروت والطغيان؛ لأنها تقتضي الحرص على أخذ الإنسان ما لم يعطه الله عز وجل، وما ليس من حقه، فإذا كان حقها موفوراً لها وأخذت كل حقها، فليس لها شرعاً أن تطالب بما ليس لها، وبما انتزعه الشارع من يدها وجعله في يد غيرها. الفوائد العائدة على المرأة عند تعديد زوجها وليعلم النساء أنه لا مصلحة لها في ذلك نهائياً؛ فالمرأة تظن أنها إذا تزوج عليها زوجها بأخرى فقد فقدت كثيراً من مصالحها، لكن الواقع خلاف ذلك تماماً، فمن مصلحتها إذا كانت مشغولة بإرضاع أو ممنوعة شرعاً بمانع شرعي كحيض أو نفاس، قد تجد من يساعدها في إعفاف زوجها ومنعه من الحرام، وكذلك فإن خدمته والقيام بكثير من مصالح البيت وبناء الأسرة يحتاج فيها الإنسان إلى المساعدة، ولا شك أن الإنسان في أي عمل يقوم به يحرص على وجود مساعد له، يساعده ويعينه على عمله؛ فكيف لا تحرص المرأة إذاً وهي قد وليت في ولاية شاقة لها تبعات كثيرة، فلا تجد مساعداً يساعدها في هذا العمل ويقوم عنها بجانب منه، فالعقل يقتضي ذلك والمصلحة تقتضيه، ثم إن هذه القضية أيضاً معينة على انقطاع الفاحشة، وانقطاع المحرمات التي بدون ذلك قد تكثر، فكثير من النساء يشكين من تخلف الأزواج عن البيوت إلى أوقات متأخرة، ويشكين من مخالطة أزواجهن للنساء ونحو ذلك من المحرمات، والسبب هو أنه لو كان هذا الرجل يملك طولاً بنكاح جارية لو سمحت له بذلك لما حصل هذا النوع من المخالفات الشرعية التي فيها خصام وشجار في داخل البيت، وفيها مخالفة للشرع، وفيها عدم قيام بلازم الاستخلاف في الأرض كما سبق؛ فلهذا من المساعدة على قطع الرذائل وإزالتها من المجتمع قبول النساء بمثل هذا، إذا كان الأزواج أهل له من الناحية المادية. من أضرار رفض النساء للتعدد كذلك فإن بعض النساء تصل بها الغيرة إلى الكلام في أصل تشريع التعدد فتعتبره عيباً أو عاراً، أو ذماً، وقد أحله الله في محكم التنزيل، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون وأصحابه المهديون، والطعن فيه طعن في أصل الشرع المقدس المطهر؛ فلذلك من طعن فيه لذاته فهو كافر بالله، حين رد على الله سبحانه وتعالى بعض ما شرعه، وهو صالح لطريقة من طرائق الوجود الذين قالوا: نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وهو أصل ذلك برأي المنافقين الذين قال الله فيهم: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:48-52]. حرص الأعداء على عدم تعدد الزوجات وأهدافهم في ذلك ومن المعلوم أن هذا الزمان قد تآمر فيه أعداء الإسلام على هذه الأمة، فنهبوا خيرات بلادها، واستطاعوا كذلك أن يكون منها طبقة تربت على ثقافة المستعمر، ونظرت بعينه، وفكرت بعقله، وارتبطت بتاريخه فهي التي تتولى الحكم في الأمصار الإسلامية في أغلب الأحوال، وهي التي تباشر تشريع الإناث، وفرضهم على ما يخالف شريعة ربهم، ثم تمكنوا كذلك من التفريق بين هذه الأمة بفصلها إلى دويلات لا تستطيع الواحدة منها القيام بمصالحها واتخاذ قراراتها، ثم وصلوا إلى أكثر من ذلك حيث أرادوا أيضاً تقليل أعداد هذه الأمة، وذلك بنظرين: أحدهما اقتصادياً، والآخر سياسياً، فالاقتصادي يريدون به حاجة الأمة إلى ما يصدرون به من وسائل الرفاه وآلات العمل، فالماكنات التي يعملونها، يمكن أن يستغنوا عنها بالأيدي العاملة، -أي: ماكنات الزراعة- والغسيل ونحو ذلك من الماكنات، هذه يمكن أن يستغنى عنها بالأيدي العاملة، فإذا كثر البشر لن يحتاج إليها؛ لأن عمل البشر عادة أكثر إتقاناً ودقة، ولذلك هو أغلى في الأسواق، وكلما هو معمول باليد الآن فهو أغلى في الأسواق مما هو معمول في مصنع، ونحن... وهي أن القوة هي التي تكون من وراء القرار، والقوة إنما تكون بالقوة البشرية؛ فالشعب إذا كان كثيراً فإنه يكون فيه مختلف التخصصات، وفيه أنواع العقول، فيستطيع حينئذٍ التضحية حتى لو مات بعضه في سبيل الوصول إلى قراره وقضيته فسيبقى من أبقاهم الله، لكنهم يريدون تقليل أعداد هذه الأمة، حتى يتمكنوا من السيطرة الدائمة عليها وتخليصها وتذليلها لعدوها المستعمر لها؛ فلذلك كانت مؤامرتهم بتحديد النسل، وتقليله شائعة بين الناس، وجاءت بمختلف الوسائل؛ ففي البلدان التي انكسرت فيها العلمانية الشرسة، كالحال مثلاً في بعض بلدان المغرب العربي المجاورة لنا، شرعوا أحكاماً تقتضي تحريم التعدد في النكاح مطلقاً، وأنه جريمة يعاقب عليها بالسجن عشرين عاماً أو خمسة وعشرين عاماً. وأذكر أن رجلاً ضربت امرأته فكانت لا تلد؛ فأذنت له بالزواج بثانية فتزوج بها وهي من الصالحين ومن حملة كتاب الله، وكان قائماً بحق أهله جميعاً، فاشتكاه أحد جيرانه، ورفع عليه قضية في المحكمة أنه معدد للزوجات، وأنه متزوج باثنتين؛ فكانت قضية كبرى فاستدعي لدى المحكمة، فوجد محامياً من أهل النباهة والذكاء فهمس في أذنه: إذا سئلت هل أنت متزوج بفلانة فقل: هي صديقة فقط، فقال: ذلك أمام المحكمة فسئلت هي فأقرت به فحكم القاضي ببراءته، وهذا في بلد إسلامي عربي، يصدر فيه مثل هذه الأحكام العجيبة. والغريب أن هذا النوع من العلمانية أيضاً، سارٍ لدى كثير من نسائنا، حتى في هذا البلد؛ فالمرأة يسهل عليها أن تستوعب أن لزوجها خدناً مثلاً من النساء، ولا يسهل عليها أن تستوعب أنه متزوج بأخرى؛ فهذا علمانية عجيبة جداً، ومخالفة صادة للشرع، كذلك فإن هذه المعاملة لتحديد النسل، وتقليل العدد وصلت إلى إنشاء جمعيات كما تعلمون، فإن كل بلد من بلدان العالم لها جمعيات ترقية الأسرة، هذه الجمعيات التي تسمى بها الاسم البراق، جمعية ترقية الأسرة، وهي في الواقع مؤامرة على المجتمع المقصود بها تقليل أعداده، وتقليصها حتى يكون دائماً تابعاً لبلاد الكفر، وتكون قراراته دائماً غير نابعة من القيم؛ بل هي متأثرة بضغوط الدول؛ فلذلك لا بد من الانتباه إلى مثل هذه المؤامرات التي لا توجه إلى الأفراد بل توجه إلى الأمة بكاملها. تشوف الشارع إلى إسقاط شرط عدم التعدد كذلك فإن شرط عدم التعدد في العقد لو قدر أنه حصل فإن الشارع تشوف لإسقاطه؛ فلو علمت المرأة أن زوجها تزوج عليها فسكتت، ولو لمدة ساعة حيث يمكنها القيام بشرطها بطل شرطها، ولم يكن لها القيام بعد ذلك، ومثل ذلك مما ينقل هذا الشرط أيضاً لو اشتراه منها الزوج بمالٍ فقد سقط الشرط، ولم يعد لها أن تطالب به فيما بعد، وإن كان لفظ الشرط في العقد بغير شرط، كأن يقول: أنكحتك فلانة على ألا سابقة ولا لاحقة مثلاً، أو ولا سابقة ولا لاحقة، فهذا ليس صورة شرط فلا يلزم الوفاء به، إلا إذا كان مشروطاً بأن قال: فإن فعل فأمرها بيدها، أو فهي طالق؛ فذلك الشرط هو الذي يعبر عنه بـ(إن) التي هي حرف شرط، أما (لا) وحدها فليست من أدوات الشرط، وإن كانت قد تدل على الشرط كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بايعت فقل لا خلابة )؛ فلذلك الشرط معروف في الشرع من قبل، وأن الخلابة وهي الغش محرمة شرعاً، وأما التعدد في السابقة واللاحقة فهذا غير مذموم شرعاً؛ فلذلك لا يكفي فيه مجرد لا؛ بل لابد فيه من الشرط بأداة من أدوات الشرط.وإن شرطت المرأة مالاً وكان في طوقه يجب عليه الوفاء به؛ فإن عجز عنه كان ديناً عليه متى قدر أداه، كما إذا شرطت هدية لأبويها أو قدراً معيناً في الصداق، أو نوعاً معيناً في السكن أو في الفراش أو نحو ذلك وجب الوفاء بذلك كله إن استطاع؛ فإن لم يستطع كان ديناً عليه متى قدر أداه إلا إذا اسقطته عنه. والشروط العرفية، حيث لا شرط في العقد, ولكن جرت عادة أهل البلد على الاشتراط فلم يشترط، فكثير من الفقهاء يذكر أن ذلك الشرط لازم، إذا جرى العرف في الشروط، في بلد معين، ولكن لم يشترط الولي ذلك لوليته، فيرون أن العقد منسحب عليه الشرط المعروف في البلد، ولكن لا دليل على ذلك شرعاً؛ لأن العبرة في العقود بالألفاظ والمباني على الراجح، وعلى هذا فإذا لم يشترط الولي شرطاً في العقد لم يلزم، ولو كان معروفاً في البلد معهوداً، يشترط به العاقدون، فلا يلزم الوفاء به. ما ينبغي لمن يريد التعدد ثم لا بد كذلك أن نعرف أن من أراد التعدد والإقدام عليه لحاجته إليه؛ فهو مخاطب بما سبق من الآداب الشرعية كلها في النكاح، في الاختيار، والعليات الست, وغير ذلك مما سبق جميعاً، ينطبق عليه، ثم بعد هذا لا بد كذلك من الانسجام، من أن يكون قد اتفق مع أهله على هذا؛ فقد سبق أن الزوجة طرف مشارك في بناء الأسرة، وأنه يلزم إشراكها في الرأي في الأمور، للاحتجاج إلى مساعدتها في هذا الأمر من الهدي النبوي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يستشير أزواجه حتى في قراراته العامة )؛ ولذلك فإن أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية أنقذت الموقف العام للمسلمين جميعاً، عندما أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحلل ويحلق رأسه وينحر هديه، ففعل ففعل الناس ذلك، وقد أمرهم فلم يطيعوه ثلاثاً، وما ذلك إلا لحرصهم على الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة في سبيل الله؛ فلما أمرهم رسول الله أن يتحللوا لم يبادروا إلى ذلك، فرجع مغضباً فدخل على أم سلمة فأخبرها، فأشارت عليه بهذا الرأي؛ فلما حلق رأسه تسابق الناس جميعاً إلى التحلل وحلق رءوسهم فأنقذت هذا الموقف، ورأيها مأخوذ به لدى النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف، كقولها أيضاً في أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و عبد الله بن أبي أمية وهو أخوها، لما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادا الإسلام فلم يقبل منهما، قالت أم سلمة : ( لا يكون ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك )، فأشارت بهذا الرأي على رسول الله، ثم أشارت عليهما أن يتوسطا بـعلي بن أبي طالب ؛ فلما أتياه قال لهما: لا أجرأ على تكليم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما كان ينبغي لأحد أن يكون أحسن جواباً منه، فقولا له ما قال إخوة يوسف ليوسف: تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91]، فأتياه فقالا ما علمهما علي بن أبي طالب : قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92]. وكذلك فإن حصول الاتفاق مع الزوجة على مثل هذا النوع، يقتضي أيضاً تأييدها هي على عدم الاستبداد، فمن المعلوم أن هذا يدخل في الشورى. تابعوونا
[/font][/size][/center][/b]
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:29
فوائد الشورى بالنسبة للأسرة والمجتمع الشورى من أفكار العمل الجماعي مطلقاً سواء كان عمل أسرة، أو جماعة، أو مجتمع أو دولة؛ فلذلك الجميع مطلبهم الشورى, وقد ذكر لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه عشرة فوائد: الفائدة الأولى: الامتثال لأمر الله تعالى حيث قال: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، وقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159]. الفائدة الثانية: التسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المشورة، فقد كان يشاور الناس حتى كان يشاور بريرة وهي مولاة عائشة رضي الله عنها.الفائدة الثالثة: أن فيها تعويداً للنفس على طلب الرأي من الغير، وهذا انتصار على النفس؛ لأن النفس تريد من الإنسان أن يتكبر ويتجبر، فإذا أجبرها على المشورة، وعلى أن يشاور الآخرين، دل هذا على هديه لنفسه وانتصاره عليها.الفائدة الرابعة: أن في الشورى أيضاً وصولاً إلى الحل الأمثل، والرأي الصواب؛ لأنه إذا تزاحمت العقول خرج الصواب.الفائدة الخامسة: أن فيها إجباراً للمأمورين على الامتثال، فإذا شاركتهم في الرأي فسألتهم فأبدو جميعاً رأيهم، فإنه من العار عليهم ألا ينفذوا ما أشاروا به، ففيها حظ لهم على الامتثال.كذلك فيها زيادة للأجر، فالوالي مطلقاً مطالب لإصلاح دين من ولي عليهم، لا إصلاح دنياهم فقط، فكل أمير وكل قائد عليه أن يسعى لإصلاح الرعية في دينهم، وترجيح كفة حسناتهم يوم القيامة، فهذا من حقوقهم عليه، ولذلك فمشورته لهم مما يزيد أجرهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء ) وقال: ( إني لأؤخر الأمر وأنا أريد أن أفعله رجاء أن يشفع فيه )؛ فهذا النوع هو من إشراك الرعية في الأجر، حتى لو كان الرعية زوجة تريد إشراكها في استشارتها في الأمر إشراك لها في الأجر.الفائدة السابعة: قطع الندم؛ فالأمر الذي استشرت فيه لا تندم على نتيجته مطلقاً؛ ( فما ندم من استشار ولا خاب من استخار )، وإذا كانت نتيجته سلبية؛ فإنك لن تقول: هذا تفكيري أنا وحدي؛ بل قد اشترك معي غيري في هذا التفكير، وجاء قدر الله بعد ذلك، ففي هذا تسلٍّ عند الإخفاق، كما قال الشاعر:فلا بد من شكوى إلى ذو مروءةيواسيك أو يسليك أو يتوجعفأنت قد بذلت الجهود كلها.الفائدة الثامنة: أن الشورى تعويد للمأمور على هذا الخلق الكريم، وتعويد له على نبذ الاستبداد، فالرعية يمكن أن تكون راعية يوماً من الأيام، فإذا كانت متعودة في فترة كونها رعية على الاستبداد ستستمر على ذلك إذا كانت راعية، وإذا كانت متعودة للشورى في وقت كونها رعية، فستتعود على ذلك بعد كونها راعية، في حال كونها راعية، إذاً: تعويد الناس على هذا الخلق الحميد من الأمور المفيدة.الفائدة التاسعة: أنها جبر للقلوب أيضاً، ومدعاة للتحابب بين الناس؛ فالإنسان الذي تستشيره في أمرك سيدلك على الخير دائماً ويعلم أنك محب له الخير حين أطلعته على بعض خصائصك وأسرارك، فسيكون ذلك مدعاة لبناء الثقة.وبناء الثقة أمر مطلوب في داخل الأسرة وفي داخل المجتمع، ويتم بأربعة أمور:أولاً: بالتعارف فإن المعرفة أساس للصداقة والثقة.ثانياً: بالتعاون المادي المثمر من الناحيتين، فالتعاون المادي تكتشف به حقيقة صاحبك، هل هو أمين أو هو عجيل؟ تكتشف أمانته إذا أقرضته أو أعرته، وتكتشف عجلته أيضاً إذا استقرضت منه؛ فإنك تعرفه تمام المعرفة من معاملته المادية، كما كان عمر يقول: لمن زكى رجلاً: هل سافرت معه، هل عاملته بالدينار والدرهم، وهذا الذي يكتشف به الرجال ويعرف به مدى صدقهم، ومدى أخلاقهم، عجلتهم وصبرهم. ثالثاً: من أركان بناء الثقة الاستشارة.رابعاً: الهدية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء )؛ فالهدية توجب المودة كما توجبه المشورة أيضاً.الفائدة العاشرة: من فوائد الشورى الترجيح عند الشك؛ فالإنسان قد يأتي له عدد من الاحتمالات؛ لأن الشورى هي في الواقع اتخاذ القرار، وتعامل مع الغيوب؛ لأنه إقدام على أمور غيبية مستقبلية، ولا تدري ما الله صانع فيها، وقد حجبت عنك وحجب عنك أكثر الاحتمالات، وهي أرزاق يمكن أن يرزق آخر باحتمال لم ترزق أنت به، فإن استشرته بدا لك.. وكشفت لك أكثر مما كان بدا لك وانكشف لك من قبل من الاحتمالات التي هي الحلول، وأهل التخطيط يسمون هذا تحكماً؛ فيقولون: التخطيط سيرجع إليك؛ فالتنبؤ هو استشراف المستقبل والاحتمالات التي تقع، والمخاطر التي تهدد والفرص التي يمكن أن تستغل، والتحكم هو اختيار لواء الحل الأمثل عند وقوع أي مشكلة من المشكلات التي توقعت حصولها.إذاً: هذه فوائد الشورى ومن المهم تعويد الأسرة عليها؛ ولذلك فإن الزوج إذا كتم النكاح عن زوجته، ولم يخبرها أنه تزوج عليها، فكثيراً ما يكون هذا سبباً للمن، والفساد داخل الأسرة، ويقتضي منه هو أيضاً ذلاً، أن يكون دائماً ذليلاً لأن لديه سراً يخاف أن يكتشف، فهذا يقتضي ضعفاً في شخصيته، وفي قوامته أيضاً؛ فلذلك ينبغي أن يكون صريحاً بتعامله، وأن يكون مشاوراً قبل الإقدام على هذا الأمر، وقد اختلف أهل العلم في نجاح السر الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو؛ فذهب الشافعي إلى أنه كل نكاح لم يشهد عليه عدلان، وقد روي هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة، وقال آخرون بل هو ما أوصي الشهود بكتمانه، وهذا الكتمان اختلفوا فيه، هل المقصود كتمانه مطلقاً، أو كتمانه عن الزوجة وأهلها، أو عن أهل قرية معينة، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، يصحح بعد الدخول للاطلاع عليه، فيعلم أن الذي وقته على العقد هو نفس الإعلان فقط, والإعلان ثبت عن النبي وهو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ( أمر بإعلان العقود والمشاهد )؛ فيعلن العقد بعد الاطلاع عليه وحصوله، فهذا تصحيحه، وعلى مذهب الشافعي ، إذا شهد به عدلان كفى ذلك فلم يكن نكاح سر؛ ولكن الأول أحوط وأوضح؛ لأن النكاح يترتب عليه كثير من الأحكام، كما يتعلق بالميراث، وثبوت النسب ونحو ذلك، والطعن في الأنساب عادة متفشية في الأمم، وقد بين للأمة صلى الله عليه وسلم، أن هذا العمل هو في الجاهلية، وأنها لا تزال في هذه الأمة، فقال: ( أمران من أمر الجاهلية في أمتي هما بهم شرك أو كفر )؛ وبينهما وهما: ( الطيرة والطعن في الأنساب )؛ فالأنساب من الأمور التي يجب الحفاظ عليها, وهي ستة أمور لم يأت نبي قط إلا للحفاظ عليها: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والنسب، والمال، هذه الست لم يأت نبي قط إلا للحفاظ عليها، وهي من ضروريات الإنسان التي يحتاج إليها في كل شيء، من شئونه، وكتمان النكاح مدخل لها في دائرة الخطر، ومثل ذلك أيضاً كتمان الفرقة وكتمان الطلاق، وسيأتي إن شاء الله في حلقة قادمة ما يختص بالفرقة. الأسئلة ولعلنا نقتصر بهذا القدر في هذه الحلقة لنتناول بعض الأسئلة، وستكون الحلقة القادمة إن شاء الله عن العشرة، وهي من أهم الحلقات التي ينبغي أن يحضرها الناس وأن يطبقوها في حياتهم. تولي الأبعد عقد نكاح الثيب مع وجود الأقرب السؤال: هل يجوز عقد نكاح امرأة ثيب بولاية عمها رغم أنه زعم أنه وكيل عن الأب، وشهد على ذلك رجل وجمع من النساء وهم جميعاً في نفس المدينة؟ الجواب: النكاح يصح بولاية الأبعد مع وجود الأقرب، حتى لو امتنع الوالد من ولاية هذا النكاح ومن عقده، وكانت ثيباً فيمكن أن يتولى العقد عمها، أو أخوها أو ابنها، فنكاح الثيب يصح بولاية الأبعد مع وجود الأقرب. العذر بالجهل السؤال: هل يعذر الجاهل بجهله؟الجواب: هذا ليس على إطلاقه؛ فالجهل أنواع منه جهل بالمعلوم من الدين بالضرورة، كالجهل بأركان الإيمان وأركان الإسلام، وفي الأمور المحرمة الكبرى، كحرمة الزنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك، فهذا لا يعذر به أحد؛ لأن الإسلام لا يعرف إلا بهذه الأمور، إنسان يقول: إنه مسلم، وهو لا يعلم وجوب الصلاة، فهل هو مسلم؟ أو إنسان لا يعلم وجوب الزكاة، ولا يعلم حرمة الزنا، ولا يعلم حرمة النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا حرمة القتل؛ فهذا لا يعرف الإسلام أصلاً؛ فهذا النوع من الأمور الكبرى في الإسلام هو الذي لا يعذر الإنسان بجهله فيها، أما ما سوى ذلك من الأمور التفصيلية فهي مما يعذر بجهله، كما يتعلق بتفصيلات العقائد والأحكام؛ ففروعها وتفصيلاتها هي من هذا القبيل الذي يعذر فيها الإنسان بجهله، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( دخل علي عجوزان من اليهود، فذكرتا عذاب القبر، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن عذاب القبر فقال: عائذاً بالله من عذاب القبر )، ثم لم أزل بعد أسمعه يستعيذ بالله من عذاب القبر، وهذا الحديث، قد يقل فيه: إن عائشة رضي الله عنها، لم تكن تعلم عقيدة عذاب القبر، وهي من تفصيلات العقيدة، من الإيمان باليوم الآخر، وهي القيامة الصغرى، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يأمرها بتجديد الإيمان، ولم يجدد نكاحها، وعذرها بجهلها في ذلك.ومثل هذا حديث ذات أنواط, وهو عند أصحاب السنن، و أحمد في المسند، عن أبي واقد الليثي ، قال: (مررنا بشجرة كانت تدعى في الجاهلية ذات أنواط؛ فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال أصحاب موسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة )، فجعل هذا كفراً ولكن لم يكفرهم به معذرة لهم بالجهل؛ لأنه من الأمور التفصيلية، فهم يرون أن هذه الشجرة تعظم تعظيماً أقل من تعظيم الإلهية، فلم يروا ذلك شركاً وهو شرك في الواقع؛ لكن لأنهم جهلوا وكانوا حدثاء عهد بالإسلام، عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، و(ذات أنواط شجرة)، كان أهل الجاهلية ينوطون بها أسلحتهم، أي: كانوا يشدون بها أسلحتهم يعلقونها فيها، تعظيماً لها وتبركاً بها, ولهذا قال كثير من أهل العلم: ما كان من عمل الجاهلية من التعوذ بالحجارة والأشجار والتبرك بها هو من الشرك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( قلتم والذي نفس محمد بيده ما قال أصحاب موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ). قراءة مختصر الأخضري ومختصر خليل وطرق التأليف في الفقه السؤال: هل تجوز قراءة مختصر الأخضري ومختصر خليل مع أنه ليس فيه أحاديث متواترة؟الجواب: الأصل في الدراسة أن يرجع فيها إلى المقررات التي تقرر، فمثلاً إذا كان الإنسان يريد دراسة الفقه فله طرق لذلك، منها أن يدرس كتاب المنتهي... مأخوذ من الأدلة من الأحكام فقط، ثم يدلل له بعد ذلك أدلتها في مستوى أعلى، كالصبي الذي يدرس القرآن خالياً من التجويد، ثم يدرس التجويد بعد ذلك، أو كالذي يحفظ القرآن يحفظ متنه دون دراسة تفسيره، ثم يدرس التفسير بعد ذلك، وهذا من مقررات الدراسة، وقد سلك الناس في التأليف في الفقه ست طرائق:الطريقة الأولى: يكفي الاقتصار على قول واحد هو الراجح لدى المؤلف دون ذكر للدليل ولا التعليل، ودون ذكر الاختلاف، هذه الطريقة الأولى هي التي جرى عليها المختصرون، فأكثر أصحاب المختصرات، لا يذكرون الخلاف في المسائل، وإنما يذكرون قولاً واحداً وهو الراجح..الطريقة الثانية: ذكر الخلاف من غير ذكر دليله، أي: يذكرون الخلاف في المسائل الخلافية دون أن يتعرضوا للدليل، ولا للتعليل، ولا للترجيح، كالكتب المقارنة التي تذكر أقوال العلماء منها القوانين الفقهية، فإن المؤلف يذكر مسألة، فيقول: اختلف فيها الناس على أربعة أقوال: قول الحنفية كذا، قول الشافعية كذا، قول المالكية كذا، قول الحنابلة كذا وهذه طريقة ثانية في التأليف في الفقه.الطريقة الثالثة: ذكر الأقوال والأدلة في داخل المذهب الواحد، ويقتصر على مذهب واحد فتذكر الأقوال فيه، مقرونة بالدليل والترجيح، فيختار الراجح منها، كما فعل أبو عمر بن عبد البر في كتاب الكافي في المذهب المالكي، وكما فعل ابن قدامة في كتاب الكافي في المذهب الحنبلي، وكما فعل الشيرازي في كتاب المذهب الشافعي وهكذا.الطريقة الرابعة: أن ذكر الأقوال في داخل المذهب من غير ذكر دليله، يذكر الخلاف في داخل المذهب من غير دليل، وهذا هو حال الشروح والحواشي، تذكر الأقوال في المذهب، وتحاول استقصاءها من غير ذكر الأدلة، ونظير هذا ما فعل ابن مفلح في كتاب الإنصاف؛ فهو يحصر أقوال الحنابلة جميعاً في كل مسألة من غير ذكر الأدلة. الطريقة الخامسة: ذكر أقوال أهل العلم، أو مقارنة المذاهب مع ذكر الأدلة والترجيح؛ فالمؤلف يذكر الأقوال مقترنة بأدلتها ويرجح هو، كما فعل ابن قدامة في المغني، وكما فعل أبو عمر في الاستذكار، وعدد من أهل العلم هكذا يفعلون، يذكرون المذاهب وأدلتها ويختارون هم كما فعل الشوكاني في نيل الأوطار.الطريقة السادسة: اختيار قول واحد مرتبط بالدليل، فيأتي به وبدليله، وهذه طريقة المبتدئين وهو أيسر شيء لهم، أن يقرن لهم كل فرع بدليله ويختار لهم مذهب واحد في كل مسألة كما فعل الشوكاني في الدراري المضيئة، وعدد من أهل العلم؛ فهم يأتون بقول واحد مع دليله، سواء كان الدليل مرتبطاً بالقول كما فعل الشوكاني ، أو غير مرتبط به كما فعل الشيخ ... الشنقيطي رحمه الله في كتابه ... فإنه يذكره أولاً مختصراً في الأحكام ثم يأتي بالأدلة بعده، وقد سئل عن ذلك رحمه الله: لم لم يذكر الأدلة مقترنة بالفروع، فقال: أردت احترام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أخلله بكلامي، فكل باب يذكر فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، في آخر... على ما قبله.وعموماً فهذه الطرق كلها اجتهادية وكلها وسائل تعليم، ونظيرها أيضاً التعليم عن طريق المحاضرات، أو عن طريق الجامعات، أو عن طريق الدراسة في الكتب ... إلى آخره؛ فكل هذه الأمور اجتهادية لا حرج فيها؛ فلذلك يجوز دراسة هذه الكتب جميعاً ولا بد للدارس المبتدئ من دراسة الفروع، ولا بد له من مرحلة تقليدية، لا بد أن يكون مقلداً في مرحلة من المراحل، ومدرسة من المدارس، ومذهب من المذاهب، يأخذ بالرأي والتأييد من غيره؛ لأنه في ذلك الوقت لا يصلح للاستنباط، لم يتعلم بعد دلالات الألفاظ، ولم يدرس الأدلة، إلا إذا درس الأدلة فيكون وجب عليه العمل بالراجح؛ لأن العمل بالراجح واجب ضمن مرحلة فقط من مراحل التعلم، وإذا تجاوزها الإنسان لا ينبغي له أن يقتصر عليها، وإذا تجاوزها أيضاً لم يعذر كما كان معذوراً من قبل في صباه عندما كان يدرس فقط، ويعرف الحكم الذي لديه ولا يعرف دليله، ولا يعرف ماذا عليه من الأحكام، وهذا يختلف باختلاف نباهة الطلاب وذكائهم. وقد ذكر الشوكاني رحمه الله أنه درس وهو صغير على أبيه كتاب الأزهار، وهو مختصر من الفقه الزيدي، فقال له: فرائض الوضوء خمسة، غسل المخرجين، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، ومسح الرجلين إلى معقد الشركين، ودليل ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وفي قراءة (وأرجلِكم) بالجر، فقال: قلت لأبي: لم يقل الله تعالى: فاغسلوا المخرجين، واليدين إلى المرفقين؛ بل قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]؛ فما دليل غسل المخرجين في الوضوء، قال: يا بني! أنت صغير، وعندما تكبر ستعرف دليل ذلك، فلما تعلم ألف كتابه المشهور السيل الجرار على حدائق الأزهار، فجاء بهذا السيل الذي أزال عنه كل ما لا دليل عليه. إخبار المرأة المتزوجة التي وقعت في الفاحشة بوقوعها السؤال: ما حكم امرأة متزوجة واتخذت الفاحشة مع رجل سواء كان وارث أو رجل متزوج أم لا، وسواء كانت الفاحشة كبرى أو صغرى مثل ... فهل تخبر الزوج بذلك أم لا؟الجواب: هذا نعوذ بالله من أعظم أنواع الكبائر، ومن أفحشها عقوبة شرعاً، فإن الله سبحانه وتعالى أغناها عن ارتكاب الفاحشة وهي محصنة، وجزاؤها الدنيوي هو الرجم حتى تموت؛ ولذلك فهذا النوع من الخيانة هي أعظمها، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سأله أبو ذر عن أكبر الكبائر قال: ( أن تتخذ لله نداً وهو خلقك، قال: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يشركك في معاشك )، هذا من أكبر الكبائر، وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى، وأشدها عقوبة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين كذلك الذين يخاصمهم الله يوم القيامة، كما في الحديث القدسي: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: ملك كذاب، وأشيمط زان، وعائل مستكبر )، (ملك كذاب) فالرئيس العام أو الملك، كذبه على الناس يعتبر من أغلظ الكذب، وأفحشه لأنه سيكون تضليلاً للعامة، وكذلك كل أفعاله التي لا يستطيع أحد ردها؛ لأنه إذا كذب على الناس لم يستطع أحد القيام باكتشافه فسينتشر الكذب حينئذٍ ويشيع، ومثل ذلك كل أعماله الفاحشة الكبيرة؛ فإذا فعلها كان الأصل إذا فعلها غيره أن يشكى إليه هو، فإذا فعلها هو فشكايته إلى الله وحده فقط؛ فلذلك كان الله خصمه يوم القيامة، ومثل ذلك (الأشيمط الزاني) ومعناه: من كان كبيراً وكان زانياً نعوذ بالله، فهذا خصمه الله يوم القيامة، وكذلك (العائل المستكبر) أي: الفقير المتكبر الذي لا يعمل، ولا يكتسب تكبراً؛ فهو متكبر وليس له وسيلة للتكبر أصلاً، فهذا خصمه الله يوم القيامة.لكن ليس عليها أن تصرح بما ذكرت لزوجها إلا إذا كانت تخاف أن تكون قد حملت من الزنا؛ فإن استطاعت أن تستتر بستر الله وألا تخبر زوجها بذلك فذلك أولى، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حق من أصابه من هذه القاذورات شيئاً فإنه إن استتر بستر الله كان صائراً إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه، وإن عوقب بشيء منها في الدنيا، كان له كفارة، فلذلك عليها أن تستتر بستر الله، وأن تتوب إلى الله، وتكثر التوبة والإنابة إلى الله، وتبتعد عن مثل هذا النوع من الفواحش، وتعلم ما فيه من الضرر الماحق في الدنيا والآخرة.وأما بالنسبة للاستبراء فإن استطاعت أن تمتنع عن زوجها بالأعذار، كأن تخرج لحاجة، أو تسافر حتى تحيض ثم تطهر فذلك إلى استبراء، وإن لم تستطع واستطاعت الكشف الطبي والفحص، هل فإن حصل حمل أم لا، حصل حمل فلا بد أن تخبره. قيام الكشف مقام العدة السؤال: [هل يقوم الكشف مقام العدة؟]الجواب: بالنسبة للكشف لا يقوم مقام العدة لكنه قرينة ... عليها فقط في مثل هذا الحال نعم، فالكشف مطلقاً لا يقوم مقام العدة؛ بل العدة هي الأصل وهي التي شرعها الله في كتابه، وهي التي يستطيعها كل أحد، والكشف من الأمور المتعذرة على كثير من الناس، فليس كل أحد يطيقه؛ فلذلك لم يكن الشارع يرتب عليه الأحكام المترتبة على العدة. النيات التي ينبغي استحضارها عند عقد النكاح والجماع السؤال: هل يشترط استحضار النيات عند إرادة الزواج؟ لم يتزوج بعد لكنه خطب؟ الجواب: الأمر ...، فالنية حتى لو تزوج قبل هذه النيات فبالإمكان أن يجدد النيات، فالنيات يجددها الإنسان، ومتى ما أراد مباشرة أهله، فيجدد نيته، امتثال أمر الله في قوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ [البقرة:222]، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك فيما سبق، وكذلك حصول الولد الذي يكون صالحاً، وينوي كذلك الاستمرار في إقامة بيت المسلمين ورعايتهم؛ فهذه الأمور مما يمكن تلافيها عند استحضار النية فيها وتجديدهما. التراجع عن الخطبة لعدم استحضار النية السؤال: هل يمكن أن يتراجع عن الخطبة؟مداخلة: ...الشيخ: لا، عليه أن يستحضر النية ويستمر على خطبته. السؤال: ما الموقف الشرعي ... السودان؟الجواب: نعوذ بالله من بلايا هذا الزمان الذي تنتشر فيه الفواحش والآثام، فلو طلب مثل هذا الشخص فلا حرج في مثل ذلك، وبالأخص في البلدان التي ينتشر فيها كثيراً، ينتشر فيها هذا المرض كثيراً، ولكن الأصل البراءة وعدم ... توكيل الغائب في عقد نكاحه السؤال: هل يجوز الزواج بامرأة لست معها في نفس الدولة، كأن توكل وكيلاً يعقد وأنت غائب؟الجواب: لا حرج في مثل هذا النوع، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي بالحبشة وهو بالمدينة؛ فتولى نكاحها عثمان بن عفان ، أو عمرو بن سعيد ، وأرسلها النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دفع النجاشي المهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسلها إليه. موقف إمام المسجد من رجل وامرأة طلبا منه عقد النكاح السؤال: [ما موقف إمام المسجد من رجل وامرأة أتياه يطلبان عقد نكاحهما؟]الشيخ: بالنسبة لإمام المسجد إذا أتاه رجل وامرأة يريدان إيقاع عقد النكاح وهو لا يعلم حالهما، فهذه الصورة مريبة، فلا بد من أن يؤخرهما حتى يتقصى الأمر، وحتى يعرف أن هذه المرأة المتزوجة... مانع آخر شرعي، ولا بد أن تأتي بولي من أهلها؛ فالولي ركن كما سبق، وقد بينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي )، وبينا قوله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له ). حدود علاقة الخطيب بخطيبته السؤال: ما هي حدود علاقة الخطيب بخطيبته؟الجواب: قد سبق بيان ذلك وأنه لا يجوز له الخلوة بها، ولا يجوز له الكلام والجلوس معها حتى لو كان ذلك في الهاتف ويجوز له زيارتها، وزيارة أهلها, وعيادة من مرض منهم، ويجوز له رؤية وجهها وكفيها، ورؤية قامتها ومشيها، وقد سبق أن ذلك مطلوب شرعاً في بداية الخطبة، ويجوز له الإهداء إلى أهلها لما في ذلك من طلب المحبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا )، ويجوز له الإهداء إليها هي لكن لا يكون ذلك في خلوة ولا في ريبة كما سبق، وبالإمكان أن يراجع هذا الموضوع في الدرس الماضي. طلب الأم طلاق ابنتها قبل الدخول بها لكذب الزوج في إعطاء الصداق السؤال: رجل تزوج فتاة ثم تبين أنه كذاب قبل الدخول بها، فهل يحق لوالدتها أن تطلب منه الطلاق، خاصة أن أمره انكشف، حيث إنه التزم مرات ومرات بأن قال: إنه سوف يعطي الصداق، أربعمائة ألف ولم يعط إلا خمسة وعشرين ألفاً؟الجواب: الكذب ليس من العيوب التي تقدح في الخيار؛ بل هو مرض وعيب على صاحبه، ويجب عليه التوبة والإقلاع عنه، ويجب نصحه إذا وعد، بأن يفي بوعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالوفاء بالوعد وبين أن الإخلاف صفة من صفات المنافقين؛ فعليه ألا يخلفه وأن يفي بوعده، وألا يرضى بأن يوصف بالكذب، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ). التداوي بالرقية للعقم السؤال: هل يجوز للمرأة الرقية على العقم إذا قاربت الأربعين؟الجواب: الرقية إنما هي على المرض، فمن كان مريضاً بأي مرض سواء كان عضوياً أو عقلياً، وسواء كان من ما يعرف سببه أو لم يعرف؛ فيشرع لصاحبها الرقية، وذلك إذا أتى من يثق بدينه وإيمانه فقرأ عليه قرآناً أو نفثه عليه، أو كتبه له في قدح فغسله فشربه، سواءً كتبه بعسل أو بزعفران، أو بلبن أو كذلك إذا نفث له على تراب، فوضعها في ماء فشرب من ذلك الماء، أو وضع التراب على محل الأذى من الجسم، فكل ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والسلف الصالح، وأما ما سوى ذلك من الرقى فالرقية هي طلب الحصول منفعة أخرى من غير مرض، كما إذا كانت المرأة وصلت إلى سن الإياس عن الإنجاب، فأرادت الرقية من هذا، فهذا ليس مرضاً، هذا أمر معتاد فلا رقية فيه، إنما الرقية من المرض، فما هو من المرض الذي يرقى له، وما ليس كذلك لا رقية فيه. ما يستمتع به الرجل من زوجته السؤال: هل يجوز أن يرضع الرجل الإنسان من زوجته، وإذا كان الجواب فهل ثبت فعل ذلك؟الجواب: أن الرجل يجوز له الاستمتاع بكل زوجته مما أحل الله له، وإنما يحرم عليه إتيانها في الدبر على الراجح فقط، وأما سوى ذلك من الاستمتاع بها فهو جائز، ومن ذلك امتصاص اللسان إذا كان مما يستمتع به فلا حرج فيه، لكن الذي ذكره، هو ما فيه... البشري، كامتصاص الفرج أو نحو ذلك، فهذا هو المحرم لما فيه من علل الجنس البشري كله، وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] وهذا من المحرمات، وهو وافد من بلاد الكفر، وقد وجد في بلاد الكفر وانتشر؛ فلذلك لا بد أن يمتنع عنه المسلمون، وألا يصلوا للانجراف وراءهم، وهذه العادات كلها تسربة من بلاد الكفر، وكذلك يعتبر إهانة للإنسان في ذلك. نفوذ طلاق الغضبان السؤال: ما حكم طلاق الغاضب، حيث أن رجلاً طلق زوجته وهو غاضب؛ تعصيه كثيراً ما تكلفه ما لا يستطيع من متاع الدنيا، فهل هذا الطلاق باطل لا أصل له، وله أن يراجع بعد أن طلق غاضباً فصلح؟ الجواب: الطلاق إذا كان في حال الغضب فالراجح نفاذه؛ لأنه ينزل على السكران فكيف لا ينزل على الغضبان، فإذا غضب الإنسان فهو مكلف، والمكلف مخاطب بتصرفاته, ومنها طلاقه؛ فلذلك لا يحل له التراجع حينئذٍ إلا إذا كان طلقها طلقة رجعية، فيرتجعها فقط بنية الرجعة، فالغضب ليس عذراً، وهذا هو الراجح، وقد قال بعض أهل العلم: إن الغضب ثلاث درجات: فأدناه الغضب المعتاد الذي يعقل الإنسان معه التصرفات، ويباشر كل أموره، فهذا تصرفه فيه نافذ قطعاً، وطلاقه فيه نافذ قطعاً.النوع الثاني: الغضب الشديد الذي يزيل عقل الإنسان بحيث لا يدري الأعلى من الأسفل، ولا يستطيع التفكير، ويتصرف ولا يدري أنه تصرف ذلك التصرف، فهذا رأوا أن طلاقه غير نافذ فيه، وأن كل تصرفاته أيضاً غير نافذة؛ لأنه كالنائم فقد رفع عنه القلم.النوع الثالث: ... وسط بين الأمرين، وهو متردد وقد جعلوه محل اختلاف، ولكن الراجح أن الغضب مطلقاً يجري فيه الخلاف.فإذا كانت طلقة أولى فما زال معه طلقتان بعدها. طلب المرأة الطلاق من زوجها الذي لا يصلي ولا يحب الدعوة السؤال: امرأة تزوجت رجلاً ثم ظهر لها أنه لا يصلي، ولا يحب الدعوة؛ فهل يجوز لها طلب الطلاق منه؟ الجواب: يجب عليها أن تنصحه أولاً، وتسعى لإصلاحه، فإن عجزت عن ذلك فلها أن تطلب منه الطلاق وأن تخالعه. طلب المرأة الطلاق لعدم قيام الزوج بالنفقة السؤال: هل يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق إذا لم ينفق عليها؟الجواب: النفقة حق واجب للمرأة فيجب على زوجها أن ينفق عليها بقدر ما يصلح حالها؛ فإذا ترك النفقة لعجز فإنه يؤجل ويؤخر حتى يقدر عليه، وتحسب عليه النفقة وتقوم عليه بذلك، كالدين الذي عليه، وإن ترك ذلك من غير عجز وهو قادر عليه، فقد أثم في حقها هو، ولها أن ترفع أمرها إلى القاضي، ولها أن تطلب منه الطلاق حينئذٍ إذا لم يقم بواجبه حيالها.السؤال: ما حكم ما يتعلق بحوادث السير، والضمان الذي فيها وما يتعلق بالديات وإسقاطها في هذه الحوادث؟الجواب: السيارة عجماء جبار، وكل تصرف نشأ عن حركتها فهو على سائقها؛ فما كان منه عمداً حكم فيه بالعمد، وما كان منه خطأً حكم فيه بالخطأ؛ فالعمد يتحمل السائق المسئولية فيه وحده، والخطأ تتحمل العاقلة فيه الدية مع السائق، ولا عبرة بالمالك؛ فالسائق سواء كان مالكاً أو غير مالك فهو المخاطب؛ لأن حركة هذا الجماد ما حصلت إلا بتصرفه هو، فإن حصل اصطدام بين سيارتين، فكانت إحداهما على خطها الذي ينبغي أن تسير فيه، وكانت الأخرى قد غايرت، وخالفت السير، فتلك التي خالفت السير هي المعتدية، وهذا منصوص عليه في الفقه؛ فالسفينة المصعدة والهابطة، فالمصعدة هي التي تتحمل المسئولية، ونص مالك على ذلك في المدونة، ونص عليه أحمد في عدد من الروايات عنه، فالسفينة المصعدة هي التي يتحكم صاحبها، وهو الطابق الأعلى، بخلاف الصاعدة فصاحبها غير متحكم؛ فلذلك إذا خالفت السير فسارت في مسار غير مسارها فهي ظالمة، فصاحبها سائقها هو المسئول وحده, وإذا حصل خطأ مشترك من السائقين، فكل على حسب خطئه، وينبغي أن يقوم ذلك أهل الخبرة والمعرفة، فهذا أخطأ بنسبة 20%، وهذا أخطأ بنسبة 80%، فيكون ضمان الجناية على قدر ذلك.أما ما يتعلق بالدية، فدية الخطأ على العاقلة إن كان من رجل جانٍ عاقلاً، فالسائق مثلاً إذا كان له عاقلة فكان من قبيلة معروفة فيها قرابة الألف من الرجال؛ فيلزم شرعاً أن يتكافئوا فيما بينهم وأن يقدموا الدية، منزلة على ثلاث سنين؛ تحل بأواخرها، وهي دية الخطأ المخمسة، وجمعها ليس حقاً واجباً على القبيلة؛ بل هو لأولياء الدم، فما في جمعها من التكاليف عليهم هم، وليس على القبيلة، ليس على العاقلة، فإن كان السائق ليس له قبيلة ولا عاقلة؛ فالدية على أهل الديوان؛ فإن كان من السائقين فسائقو السيارات الكبيرة هم جميعاً يدي بعضهم عن بعض، أو كان من الشرطة فالشرطة جميعاً يدي بعضهم عن بعض، أو من المعلمين فيدي بعضهم عن بعض، أو من الإداريين فيدي بعضهم عن بعض، وهكذا فالدواوين يدي بعضها عن بعض، فكل ديوان عمل موحد، كالأطباء والمهندسين، ونحو ذلك فيدي بعضهم عن بعض، ويتحمل الديوان كله، والمسجلون في هذا الديوان جميعاً يتحملون أقساطاً بحسب ذلك، وهذه الدية إذا جرت عادة قبيلة من القبائل على إسقاطها ألا تأخذ دية من قبائل أخرى، أو من جيرانها أو لا تأخذها أصلاً من أحد، تكرماً وتعففاً، فإن كان ورثة الميت من البالغين جميعاً فقد أسقطوا حقهم، كسائر قبيلتهم وهذا أمر محمود شرعاً؛ لأنه مجرد إسقاط حق، وإن كان فيهم أصبياء يتامى فلا يحل إسقاط حقهم؛ بل لا بد من التأكيد على هذه القبيلة بدفع مال مقابل حقهم؛ فالدية ميراث عن هذا الميت، فما كان من ورثته من البالغين فقد أسقطوا حقهم، وما كان في ورثتهم من الأصبياء يتامى فلا بد أن يعطوا حقهم، وهذا الحق كما ذكرنا منزل على ثلاث سنوات يحل بأواخرها، فإذا كان معجلاً فسيكون أقل طبعاً من المؤجل، وإذا كان... لهم لا يتسلفون... فيسكون أيضاً أقل مما لو تولوه منهم، فلذلك يمكن أن يعطوا ويصالحوا على أقل من الدية بنصيبهم من الدية.أما بالنسبة للتقويم الذي يوجد لدى المحاكم، وهو تقويم قديم، كان قديماً يقدر بمائتي أوقية، إلى أن كانت الأوقية ذات ثمن، ثم زيد فيه إلى مليون ومائتي ألف، وهو الحال الآن الذي يحكم به في المحاكم، وهو تقويم قديم جداً للإبل، وفي بلادنا هذه العبرة فيها بأثمان الإبل، فالدية فيها مائة بعير محلسة على أسنان الإبل، وقيمة الإبل من المعلوم أنها ارتفعت كثيراً، وقيمة الأوقية انخفضت كثيراً؛ فلذلك لا بد لمن أراد حكم الشرع في هذا أن ينظر إلى قيمة الإبل، وألا ينظر إلى مجرد تقويم قديم لدى المحاكم؛ فهذا لا اعتبار له، وما يتعلق بالتأمين على السيارات وتصرفات التأمين عقد فاسد مطلقاً؛ لما فيه من تحميل الغير مسئوليته، ومن... وأقدمها الشخصية...كقول الله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى [النجم:36-41].وقد جاء في القرآن في أربعة مواضع: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، والنبي صلى الله عليه وسلم بين في أن تصرف الإنسان أن الإنسان هو المسئول عن تصرفه في عدد من الأحاديث الكثيرة، وقد جاء بيان هذا في سورة يوسف، في قول الله تعالى في يوسف عليه السلام: قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ [يوسف:79] فتحميل الغير ما لم يتحمله هو من الظلم؛ فلذلك عقد التأمين عقد فاسد، ولا يلزم منه شيء، وإنما يفعله المسلمون اليوم إكراهاً وإجباراً فقط، فيدفعون هذه النقود فقط أنهم مكرهون على دفعها؛ لكن لا يترتب عليها أية تبعة، وإن وكل لإمام ... يسقط مقابله من الدية عن العاقلة فقط، فالعاقلة مؤسسة اجتماعية، ومسئوليتها مشتركة يمكن أن يخفف عنها من الدية في مقابل ما أخذ فقط. كذب الرجل على امرأة تزوجها بإسكانها في سكن ملائم السؤال: امرأة تزوجها رجل، وقال لها: إنه يملك كذا وكذا، وأنه سوف يسكنها في سكن ملائم، وبعد الزواج به، قال لها: إنه ليس لديه شيء مما أخبر به، وتبين لها أنه يكذب عليها؟الجواب: هذا ليس سبباً للخيار وليس سبباً لبطلان النكاح، فالنكاح صحيح، ولكن الرجل عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى؛ فقد غر هذه المسلمة لما قال لها، وقد غشها بذلك، وهو متوعد بالوعيد الشديد، فكذبه ذنب ويجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى منه، ويجب أن يسترضي هذه المرأة وألا يخادعها. موقف المرأة إن علمت أن زوج أختها تزوج الثانية السؤال: من علمت أن أختها تزوج عليها زوجها فماذا عليها أن تفعل؟الجواب: عليها أن تسكت وألا تبلغها ذلك؛ لما يخشى في ذلك من إفساد ذات البين، ومن خروج أختها عن حكم الشرع، وعليها أن تسكت عن ذلك، وألا تتدخل فيه.السؤال: ما حكم من... صيام..؟الجواب: أن ذلك من الأمور الجائزة، ويجب الوفاء به، ومن استعار حلياً عليه أن يرده، ومن استعار ثياباً أن يردها، إذا... أو كانت مستعارة لوقت محدد. السؤال: هل هناك فرق إذا كانت غالية الثمن أم لا؟الجواب: لا، لا فرق حينئذٍ. إطلاع البائع المشتري على قدر الربح السؤال: هل للبائع أن يطلع المشتري على قدر الربح أم لا؟ الجواب: لا، غير مطالب بذلك، إلا في دور واحد وهو بيع المرابحة، بيع المرابحة يجب فيه البيان، ويحرم بالخفاء. اشتراط المرأة على خاطبها عدم الذهاب بها إلى القرية لأسباب معينة السؤال: امرأة اشترطت على خاطبها، ألا يذهب بها إلى أهله؛ لأنها تخاف على ابنتها أن ترجع عن التزامها، وأن أهله في البادية يسكنون، فماذا تنصحونها؟الجواب: أنه إن رضي بهذا الشرط فقد سبق الكلام في لزوم هذا النوع من الشروط، وإن اشترطتها عليه قبل العقد ورضي بذلك، فهو وعد منه، والراجح وجوب الوفاء بالوعد لقوله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ) وقال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، فيلزمه أن يفي بوعده؛ ولكن إذا خالف فلا تأثير على النكاح في ذلك. الصلاة خلف من يترك الجمعة السؤال: [ما حكم الصلاة خلف إمام يترك الجمعة؟]الجواب: بالنسبة للإمام الذي يترك الجمعة ولا يصليها، إذا كان متؤلاً فالصلاة وراءه صحيحة لأنه غير عاص؛ لأنه اجتهد فأخطأ، ولكن لا يحل الاعتماد عليه في ترك الجمعة؛ بل يجب على أهل القرية أن يصلو الجمعة خلف إمام آخر، ولا يحل لهم ترك الجمعة؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين )، ويقول: ( من تخلف عن ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه بطابع النفاق )، ويقول: ( أَلَا هل يوشك أن يتخذ أحدكم الصبة من الغنم تأتي الجمعة فلا يشهدها والجمعة فلا يشهدها والجمعة فلا يشهدها، ثم يطبع على قلبه )، فهذا مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. الولاية في عقد النكاح السؤال: [لمن تكون الولاية في عقد النكاح؟].الجواب: قد سبق أن هذا في حق الثيب جائز، أما في حق البكر فلا يجوز، فالبكر لا بد أن ينكحها والدها, أو وصيه إذا كانت يتيمة أو القاضي، أما الثيب فيجوز أن ينكحها أي ولي من أوليائها. تزويج عائشة رضي الله عنها بنت أخيها السؤال: [ ما قولكم في إنكاح عائشة ابنة أخيها في غيبته؟].الجواب: حديث عائشة رضي الله عنها أنكحت ابنة أخيها في غيبة عبد الرحمن فلما جاء فقال:... النكاح عليه؟ فأقر ذلك، فهل يعتبر إقراره الأخير هو عقد النكاح، أو المعتبر العقد الذي قامت به عائشة ، هذه المسألة محل بحث بين أهل العلم.اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك الحمد كثيراً، كما تنعم كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:32
فقه الأسرة [4] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي ) رتب الله تعالى لكل واحد من الزوجين حقوقاً على الآخر، ورتب للأولاد حقوقاً على الجميع، ورتب للأصهار حقوقاً كذلك لا بد من رعايتها بالاحترام والعناية، وجعل الصهر كالنسب، فلا بد أن تكون العشرة على أساس معروف، والمعروف يشمل أوجه الإحسان كلها، فلا بد أن يكون الركنان المكونان للأسرة المسلمة آخذين بمبدأ الشرع بالإنصاف وعدم التطفيف، فمن المعلوم أن التطفيف هو أن يأخذ الإنسان كل حقوقه، وأن ينتقص من حقوق الآخرين. آداب العشرة بين الزوجين الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.أما بعد:فقد سبق فيما مضى التنويه بالاعتبار الشرعي لعقد النكاح بما يترتب عليه من الآثار، وبيان أن الله تعالى سماه ميثاقاً غليظا، وجعله سبباً للتوارث، وسبباً لربط الصلات ونشوء العلاقات وتقويتها وتوطيدها، وسبق كذلك ارتباطه بالدين والمروءة، وسيأتي الحديث اليوم عن بعض آثاره، وفيما يتعلق بالعشرة في بناء الأسرة، وهي لا شك من أهم موضوعات بناء الأسرة، فهي مما يكثر فيه الانحراف، والميل عن طريق الحق. قيام العلاقة بين الزوجين على المعروف والإنصاف إن الله سبحانه وتعالى رتب لكل واحد من الزوجين حقوقاً على الآخر، ورتب للأولاد حقوقاً على الجميع، ورتب للأصهار حقوقاً كذلك لا بد من رعايتها بالاحترام والعناية، وجعل الصهر كالنسب كما سبق في آية الفرقان، وفي حديث أبي ذر في افتتاح مصر، وفي غير ذلك من النصوص الشرعية، فلا بد أن تكون العشرة على أساس معروف، كما قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].والمعروف يشمل أوجه الإحسان كلها، فلا بد أن يكون الركنان المكونان للأسرة المسلمة آخذين بمبدأ الشرع بالإنصاف وعدم التطفيف، فمن المعلوم أن التطفيف هو أن يأخذ الإنسان كل حقوقه، وأن ينتقص من حقوق الآخرين، وهو في كل شيء، فهو غير مختص بالبيوع، بل يشمل كل شيء، كما قال مالك رحمه الله في الموطأ: يقال: لكل شيء وفاء وتطفيف. و عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: للرجل الذي تأخر يوم الجمعة، حتى قام الإمام على المنبر، فتوضأ فأتى: لقد طففت. ومعناه: أنه أخذ كل ما له من الحق ونقص بعض الذي عليه. التعاون على البر والتقوى بين الزوجين وكذلك لا بد أن تقوم هذه العلاقة على أساس التعاون على البر والتقوى، فهذا التعاون واجب على المسلمين جميعا، ويتأكد ويزداد في حق الذين تربطهم هذه الرابطة القوية، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ [المائدة:2]، فلذلك لا بد أن يستشعر كل واحد من ركني الأسرة أنه يحترم الطرف الآخر، ويسعى معه للنجاح في أمور الدنيا وأمور الدين، والقيام بالوظائف المشتركة، وليعلم قيم الأسرة أنه مسئول عن دينها وعن رفاهيتها في الآخرة، وليس مسئولاً فقط عن أمورها الدنيوية، وقد أكد الله ذلك في كتابه وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] وهذه الآية بينت قانوناً مهما ً من قوانين التوازن، فإن الإنسان إذا كان يخاف على أولاده، وأهله من آلام الدنيا، ومن الهوان فيها والعذاب، فعليه أن يخاف عليهم من عذاب الله يوم القيامة، فإذا اشتكى أحد أولاده أو أهله بشوكة يشاكها، أو مرض يصاب به، يبذل جاهه وماله ووقته من أجل تخفيف معاناته في الدنيا، ومن الهوان فيها والعذاب، فعليه أن يخاف عليهم من عذاب الله يوم القيامة. احترام إنسانية المرأة وشخصيتها ومن المعلوم أن من حقوق المسلم على أخيه أن لا يقبحه، وأن لا يحتقره وأن لا يكذب عليه، فهذه من الضرورات التي لا بد منها، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( المسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يكذبه، ولا يخذله، ولا يسلمه، التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره ثلاثاً، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ).وإن كثيراً من الناس إذا حصلت هذه العلاقة يظن أنها تقضي على كل الحقوق، ويظن أن استقلالية هذا الإنسان ومكانته قد زالت بزوال الفوارق بينه وبينه, وهذا غير صحيح؛ لأن كل الروابط تنقطع يوم القيامة: يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ [المعارج:11-14]، فإذا كان الإنسان سيفر منهم يوم القيامة، ويخاف أن يطالبوه بحقوقهم، وأن يرفعوه إلى الحكم العدل الذي لا يظلم عنده أحد، فينبغي أن يرعى ذلك في هذه الحياة مادام بينهم، فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على تعافي الحقوق، وقال: ( أيها الناس تعافوا الحقوق فيما بينكم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم )، أي: قبل العرض على الله في المحشر، فذلك اليوم عندما يأتي الناس يخاصمون لا يجد الإنسان ما يقضي به حقوق الناس؛ إلا من أعمالهم، ولذلك سألهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون من المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: بل المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا نفدت حسناته ألقي عليه من سيئاتهم ثم ألقي به في النار )، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث عائشة رضي الله عنها بحديث أم زرع ، أتى به على صورة الإقرار على عشرة أبي زرع لـأم زرع ، فقال لـعائشة : ( كنت لك كـأبي زرع لـأم زرع غير أني لا أطلقك )، وفي حديث أم زرع هذا، تقول: أم زرع عن أبي زرع : ( وعنده أقول فلا أقبح، وأنام فأتصبح، وأشرب فأتقمح )، فهنا ذكرت أن النقد غير البناء مأمون منه، فلا ينتقدها إذا قالت؛ لأنه يعتبر لها إنسانيتها وشخصيتها، فلا يكذبها في قولها مالم تلح عليه علامات الكذب، ولا ينتقدها في رأيها ما دام معقولاً، ولا ينتقدها في تصرفاتها الشخصية، كنومها وطعامها وشرابها، فهذه الأمور شخصية في الإنسان ومختصة به، وهو أدرى بما يصلح له منها، فلذلك لا بد أن يحافظ ركنا العشرة على هذا الجانب من الشخصية لكل واحد منهما، فيخص الآخر بما يختص به من أموره الشخصية، ويحافظ على أسراره، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خطر ذلك ومسئولية المرأة فيه، فأسرار كل واحد منهما أمانة لدى الآخر، ويجب عليه الحفاظ عليها، وليعلم أن الأصل في الأسرار أن لا تتعدى صاحبها، وقديماً قال الحكماء:إذا جاوز الاثنين سر فإنهببث وتكثير الوشاة قمينوقد قال بعض أهل العلم: حبس الكلام يعتمد على الشفتين، فإذا نطق الإنسان بذلك فقد خرج من ملكه وطوقه، فأصبح في ملك الآخرين، وقديماً قال الآخر: إذا ما كتمت السر عمن أودهتوهم أن الود غير حقيقيوما صنت عنه السر عن ظنة بهولكنني أخشى صديق صديقيفالعلاقات متعدية، وكما بينك وبين هذا الإنسان علاقة، فإن بينه وبين آخر علاقة، فلن تلومه إذا سرّب لصديقه الحميم ما سربت أنت له؛ لأن علاقته بذلك الشخص كعلاقتك أنت به. مراعاة الفوارق والأحوال بين الزوجين وكذلك فإنه لا بد من مراعاة الفوارق والأحوال، فمن النادر أن تكون الأسرة الواحدة في نفس المستوى من العمر والثقافة والدين والخلق والاهتمام، فهذا من النادر جداً وقلّما يوجد، ولا بد أن تبقى فروق بين الجانبين، وهذه الفروق لا بد من مراعاتها، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج عائشة رضي الله عنها، كان حينئذٍ قد قارب الخمسين من عمره، وعندما دخل بها كان في الحادية والخمسين من عمره، على روايتها، وعلى رواية غيرها في الثالثة والخمسين من عمره، لكنه راعى الفرق بينهما في العمر، فراعى اهتماماتها ورغباتها، فلما رغبت في النظر إلى الأحباش، وهم يتدربون في المسجد على رمي الحراب، وقف لها النبي صلى الله عليه وسلم في الباب، فكانت تنظر من بين كتفه ورقبته إليهم، ويلتفت إليها ويقول: ( أشبعت، وتقول: ما ظنك بجارية حديثة السن )، وكذلك فإنه سابقها، كما في حديثها في الصحيحين.وكذلك: فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأذن لها في حضور الأعراس والمناسبات، كما في صحيح مسلم ، أنها خرجت لحضور عرس في الأنصار، وسألها النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا قلتن؟ فعلمها ما تقول في ذلك، فكل هذا من مراعاة الظروف بين ركني الأسرة في العمر والاهتمام، وكذلك لا بد أن يكون كل واحد منهما مقدراً لمحبة الآخر وعلاقاته، وهذا هو رمز الوفاء والإباء، والمروءة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفظ لـخديجة رضي الله عنها حتى بعد موتها بعلاقاتها ومودتها، فعندما سمع صوت امرأة تسلم عليه هش لها وقال: ( كانت تأتينا في زمان خديجة )، وكان يحب آل بيتها ويكرمهم، فكانت هالة بنت خويلد بن أسد ، وهي أخت خديجة تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكرمها، وفي حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح شاة فأمر بتوزيعها في صديقات خديجة )، والمقصود بذلك أهل مودتها وأهل قربها، وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أخوالها من بني عامر بن لؤي ، وهم أخوال خديجة ، فأمها منهم، فكان يكرم أخوالها من أجل علا قتها بهم، وهذا من تمام المروءة والوفاء.ولذلك كان الناس يتمادحون به قديماً، كما قال خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:أحب بني العوام طراً لأجلهاومن أجلها أحببت أخولها سرداًفقوله: (أحب بني العوام طراً لأجلها)، أي: من أجل زوجته وهي رملة بنت الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، (ومن أجلها أحببت أخوالها سردا)، حتى أنه يحب أخوالها من بني سردة بن نضرة بن لحاف بن قضاعة. مراعاة كل من الزوجين للمستوى العلمي للآخر كذلك فلا بد من مراعاة كل واحد منهما لمستوى الآخر العلمي، وما يفكر فيه، فإذا كان المستوى العلمي لأحدهما رفيعاً فلا يعني ذلك احتقار الآخر، ولا النظر إليه بتعال عليه في مستواه المتدني، بل عليه أن يكون مكملاً له في نقصه، ومتمماً لما لديه من القصور، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين لأزواجه ما قصر فهمهن عنه، كقوله لـحفصة رضي الله عنها في ورود الناس جهنم، الوارد في سورة مريم في قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71] بين لها أن الورود العبور.وكذلك في بيانه لـعائشة رضي الله عنها، أن من نوقش الحساب عذب، وكذلك بيانه لـعائشة ما يتعلق بعذاب القبر، كما في حديثها في الصحيحين أنها قالت: ( دخلت علي عجوزان من اليهود، فذكرتا عذاب القبر فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فلما خرجتا دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته: أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال: عائذاً بالله من عذاب القبر، ثم لم أزل بعد أسمعه يستعيذ بالله من عذاب القبر )، وكذلك جوابه لـأم سلمة رضي الله عنها عندما رأته يصلي ركعتين بعد العصر، فأرسلت خادمها يسأله عن الركعتين بعد العصر، فقال: ( هم الركعتان بعد الظهر شغلني عنهما وفد عبد القيس، قلت: أفنصليهما؟ قال: لا ).فهذا النوع هو لتعليم أهله، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الرجل أهله في عدد من الأحاديث الصحيحة، وعقد البخاري لذلك باباً في الصحيح. الإحسان في الأمور المادية وكذلك فإن من تمام العشرة الإحسان فيما يتعلق بالأمور المادية، فإن الله سبحانه وتعالى أوجب للنساء على الرجال النفقة والسكنى بالمعروف، وهذا يشمل أداء ضرورياتهن وحاجياتهن وكمالياتهن، على حسب المستطاع، وبحسب المستوى الذي هو فيه، وأداء ذلك لا بد أن يكون عن طيبة نفس، فإذا كان الإنسان يؤديه لكن مع ضيق وسوء عشرة، فإنه لا يمكن أن يأخذ مكانه من القلب، والمقصود من المال تحبيب القلوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ، و الحاكم في المستدرك: ( تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء )، فالمال يقصد به إزالة الشحناء وحصول المحبة والمودة، فإذا كان المال يرتبط به منٌّ وأذى؛ فإنه لا يؤدي إلى الحكمة المنشودة منه، ولا يؤدي إلى الهدف المنشود كما قال الشاعر:ألبان إبل تعلة بن مسارما دام يملكها علي حراملعنَ الإله تعلةَ بنَ مساورٍلعناً يشنُ عليهِ من قُدامإنَ الذين يسوغ في أحلاقهمزادٌ يمنُ عليهم للئامُفلذلك إذا أخذ الإنسان مالاً من أحد يعلم أنه سيمن عليه بما أخذ، فلن يأخذه برضاً، ولن يؤدي الهدف المنشود من حصول المحبة والمودة، وكذلك فإن الذي يبذل ينبغي أن يبذل أيضاً دون حاجة إلى بذل ماء الوجه والمسألة، فذلك مما يصان عنه الناس، ولا شك أن الإعطاء دون مسألة أبلغ في النفس وأكثر تأثيراً فيها، ولهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي الناس قبل أن يسألوه، ففي حديث ابن عمر في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على بعير لـعمر بن الخطاب ، كان يبطئ عليه عبد الله بن عمر فنخسه به، فقدم أمام الركب فكان لا يغلب، أي في السباق، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عمر ووهبه لـعبد الله بن عمر )، وكذلك في حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من تبوك مر عليه وهو على بعير له قد أعيا أي تخلف من شدة السفر فضربه فسبق الإبل، فساومه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، حتى اشتراه منه، فاشترط عليه حملانه إلى المدينة قال جابر : فلما أتيت المدينة جئت أقوده فنقدني الثمن، ثم قال: أحسبتني إنما كايستك لآخذ جملك هو لك )، فأخذ الجمل وثمنه، فهذا من هديه صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يقتدى به فيه. مراعاة الزوجين الأحوال النفسية لبعضهما كذلك فإن من تمام العشرة: أن يعلم الإنسان أن أحوال الطرف الآخر غير ثابتة، فقد يكون في وقت من الأوقات مغضباً بسبب آخر خارج عن البيت، وقد يشكو ألماً لا يستطيع التصريح به، وقد يشكو مرضاً نفسياً، أو تأثر من حادثة أو أمر ما، وقد يتأثر أيضاً فيصاب بعجز مادي عن بعض أموره، وكل ذلك يؤثر في نفسه، فلا بد أن يراعي الطرف الآخر هذه الظروف كلها، ولذلك فإن خديجة رضي الله عنها لما أتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرعوباً عند أول نزول الوحي إليه، قال لها: ( زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لـخديجة وأخبرها الخبر، والله لقد خشيت على نفسي، فقالت: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق )، فراعت خديجة هذا الظرف الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت خير مؤازر له فيه، ومثل ذلك مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لظروف نسائه، وما يعتريهن من الضعف والعوارض البشرية، فعندما رأى عائشة رضي الله عنها تبكي بكاءً شديدا عندما جاءت حاجة إلى مكة، فحاضت فبكت؛ لأن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرجعن بعمرة وحجة، وترجع هي بحجة، وشكت إليه ذلك فخفف عليها، وقال: ( لعلك نفست، فقلت: نعم، فقال: أمر كتبه الله على بنات حواء )، فخفف عنها معاناتها، وأخبرها بأن هذا من الأمور التي كتبها الله على نساء الجنس البشري كله، فلا عار عليها في ذلك، وعندما أراد الانصراف، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر وقضى نهمته، يحب الرجوع إلى المدينة بإسراع؛ لشدة محبته للمدينة، فقال للناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو يخطب: ( إنا نازلون غداً إن شاء الله بمحصب بني كنانة، حيث تعاهدوا على حرب الله ورسوله )، فلما زالت الشمس رمى الجمار، وانصرف على ناقته إلى خيمة له أو قبة له قد ضربت في المحصب، فصلى هنالك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم ذهب إلى الحرم وطاف طواف الوداع، وأخبرته أم سلمة أنها ستطوف، فأخبرها أنه سيشغل لها الناس بصلاة العشاء، وأمرها أن تطوف من وراء الرجال على بعيرها، فصلى فقرأ بسورة الطور؛ ليشغل الناس بصلاة العشاء حتى تطوف أم سلمة ، فلما رجع دخل على عائشة فقالت: يا رسول الله! أيرجع صواحبي بعمرة وحجة، وأرجع بحجة فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يذهب بها إلى التنعيم، حتى تحرم منه، ويذهب بها إلى مكة لتطوف وتسعى وتتحلل ثم تلحق به في الطريق.وعندما دخل على صفية بنت حيي في ليلته تلك، فإذا هي تبكي فقال: ( حلقى عقرى، أحابستنا هي؟ تقول له: إنها قد أفاضت قال: فلتنفر إذاً)، ومعنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم يراعي ظروفهن، وما يعرض لهن من العوارض، وكل ما يشغل فكرهن، وما يتأثرن به من الأمور جميعاً، وكان هذا من رحمته صلى الله عليه وسلم التي جبله الله عليها، وأثنى عليه بها في قوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ [آل عمران:159].ولذلك ذكرت عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب امرأة قط، أي: ما رفع يده على امرأة قط من أجل تأديبها، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يخاطب أحداً بما يكره، ولذلك استغرب الوليد منه، عندما نادى مناديه فيه: يا إخوان القردة والخنازير! فقالوا: يا أبا القاسم والله ما كنت فحاشا، يقصدون أنه لم يكن يخاطبهم من قبل إلا بما يخاطب به الناس، مع أنهم قد غدروا به، وأرادوا قتله، وآذوا المسلمين أذىً شديداً، وهو يحاربهم ويمكنه الله منهم.وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم من تمام مراعاته لهذه الظروف لدى نسائه، ما كان عليه كذلك من الرحمة بهن في حال المرض، ومن عيادتهن، حتى ولو كان ذلك في وقت الغضب، كما في حديث الإفك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعود عائشة في بيت أبويها، فيقول: ( كيف تيكم )، أي: كيف هي، وكيف حالها، فيسأل أبا بكر و أم رومان عن حال عائشة رضي الله عنها، ولا تستطيع أن تتكلم من شدة النافض أي: من شدة الحمى الشديدة التي أصابتها.وكذلك من مراعاته لهذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، ( أن صفية بنت حيي جاءت تسلم عليه في معتكفه في المسجد، فخرج من معتكفه يقلبها ) أي: يوصلها إلى حجرتها في الليل، فهذا من تمام رفقه، وحسن معاشرته، فهو معتكف، ومع ذلك يخرج من معتكفه؛ ليوصل صفية رضي الله عنها إلى حجرتها، فلما مر به رجلان من الأنصار رأوا المرأة فأسرعا، فقال: ( على رسلكما إنها صفية بنت حيي ، فقالا: يا رسول الله! سبحان الله أنتهمك؟ قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم )، فالتمس لهما العذر، وبين لهما الحكم الشرعي، وأزال عنهما ما قد يحصل في النفوس من الأنجاس. مراعاة الطباع والأخلاق كذلك فإنه لا بد من مراعاة كل واحد من الطرفين أيضاً؛ لأن الجنس البشري له طباع وأخلاق هو مجبول عليها، فلا بد من مراعاتها له، فالإنسان الذي هو حاد الطبع سريع الغضب، لا بد من مراعاة ذلك فيه، والإنسان الذي هو شديد الغيرة لا بد من مراعاة ذلك له، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بـأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وهي تحمل النوى على رأسها من أرض الزبير بالعالية إلى المدينة، وهذه الأرض بغابة تبعد ثمانية أميال عن المدينة، وذلك لتخدم زوجها، وكان الزبير شديد الغيرة, لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحملها على ناقته، مراعاة لظروفها؛ لأنها تعلم غيرة الزبير رضي الله عنه، ولما سمع ذلك الزبير قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ فاستنكر ذلك.وكذلك ما أخبر به عن نفسه عندما رأى قصراً أبيض في الجنة لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأراد أن يدخل فيه، فذكر غيرة عمر فلم يدخله، فقال عمر : يا رسول الله! أعليك أغار! فمراعاة ما لدى الناس من هذا النوع من الأخلاق والعادات أمر مهم، وهو قاضٍ على كثير من أسباب الغضب وأسباب الفرقة، فإذا كان الإنسان يراعي ظروف الناس، فإن كان لديه حساسية في شيء من الأشياء، أو لديه فرط جهل في جانب من الجوانب، أو لديه غيرة شديدة، فلا بد من مراعاة ذلك كله، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة رضي الله عنها بإزالة الغيرة عنها، وقد سبق في الدرس الماضي أن الغيرة محمودة في الرجال، مذمومة في النساء، فلذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة أن تزول عنها الغيرة فزالت عنها. اهتمام الزوجين ببعضهما حال المرض وكذلك فمراعاة هذه الأحوال التي تعرض، منها ما يتعلق بالمرض، فإذا مرض الإنسان ضعف فاحتاج إلى الإحسان إليه، وزيادة الرفق به والرأفة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حال مرضه يسأل: ( أين أنا غداً )، ينتظر يوم عائشة ، فلما طال عليه ذلك سألهن أن يتمرض في بيت عائشة ، فأَذنّ له بذلك، فانتقل إلى حجرة عائشة رضي الله عنها وفيها أتاه الموت، وفيها دفن بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرت هي عن ذلك فقالت: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي ). وكان أزواجه يجتمعن عليه في مرضه، وقد أمرهن عندما اشتدت عليه الحمى أن يصببن عليه سبع قرب من ماء، فصببن عليه القرب، حتى رفع يده أي: حسبكن، ومراعاة حال المرض مهمة جداً، وبالأخص لما تتركه من الأثر، وهذا صخر بن عمرو بن شريد السلمي ، لما طعن في خصره فأيس الناس من حياته كانت أمه تعوده وتسلم عليه، وكانت زوجته تمل مكانه، وتتمنى موته، فقال أبياته المشهورة:أهم بأمر الحزم لو أستطيعهوقد حيل بين العور والنزوانأرى أم عمر لا تمل عيادتيوملت سليمى مضجعي ومكانيوأي امرئٍ ساوى بأم حليلةفلا عاش إلا في شقاً وهوانِفكانت أمه تريه من الرأفة والرحمة والحنان في مرضه ما كان يتمنى أن يجد بعضه، أو يلمس بعضه لدى زوجته، فالرأفة في ذلك الوقت تبقي أثراً عجيبا، ولهذا شرعت عيادة المرضى وزيارتهم والتخفيف من معاناتهم، وكان ذلك حقاً عاماً على المسلمين. مراعاة حالات العجز المادي لدى الزوج كذلك فإن مراعاة الظروف للرجال في حال العجز المادي ونحوه مهمة أيضاً، وهي مما يؤدي إلى حصول المحبة والمودة، فقد كان علي رضي الله عنه في أول الهجرة من فقراء المهاجرين، وكان يذهب إلى امرأة من الأنصار فينتزع لها دلواً من ماء، كل دلو بتمرة واحدة، فإذا امتلأ كأسه من التمر قال: يكفيني هؤلاء، وأكل ذلك التمر، وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكله معه، وعندما تزوج فاطمة رضي الله عنها، وهي سيدة نساء العالمين وبضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تكن الظروف المادية إذ ذاك مواسية ولا مساعدة للرفاه ولا للطمأنينة والسعة في الحال، ومع ذلك فقد تفهمت فاطمة رضي الله عنها هذا الوضع، فكانت تطحن في يدها حتى تأثرت كفاها بالرحى، وكانت تخدم فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وعندما أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بسبي أمر علي فاطمة أن تسأله من ذلك السبي، فجاءت فاطمة تري رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر الرحى في يدها، ففهم أنها تسأله خادماً، فلم يجبها، ووزع ذلك السبي في المسلمين، ثم جاء إلى علي و فاطمة في حجرتهما، وقد ناما في فراشهما، فأرادا القيام إليه، فقال: ( مكانكما، فجلس بينهما فوضع بياض رجليه في بطن علي وأسند ظهره إلى بطن فاطمة ، قال علي : فأحسست ببرد رجليه في ظهري، فقال: إذا أويتما إلى فراشكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، وسبحاه ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم، قال علي : فما تركته منذ علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة واحدة، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين )، وهنا مراعاة فاطمة لظروف علي رضي الله عنه، وولايتها بأمه، ومساعدتها له في هذا الأمر، كل ذلك يدخل في هذا القبيل، وحتى في ظروف القتال والظروف غير الاعتيادية، ففي الصحيح أن فاطمة رضي الله عنها رمى لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه سيفه يوم أحد، وأمرها أن تزيل عنه الدم، وبين لها بلاءه به في قتال المشركين. إحسان الزوجين إلى أقارب بعضهما وكذلك فإن من أوجه العشرة التي لا بد من مراعاتها أيضاً: الإحسان إلى أقارب الزوج، ومراعاة ظروفهم، فالإنسان المقطوع الذي ليس له أصل ولا فرع، ليس له قريب لا خير فيه، فلذلك لا بد أن تدرك المرأة أن زوجها إذا كان له أقارب كثر فهذا مما يزيد مكانته في المجتمع، ويقوي الرغبة فيه، والإنسان الذي ليس حوله أحد، ولا يمت لأحد بصلة لا خير فيه، فلذلك لا بد أن تحسن إلى أقاربه جميعاً، وأن تتقصى آثار العلاقة به بالإحسان.وكذلك لا بد أن يستشعر الزوج هذا حيال أقارب زوجته، فلا بد أن يحسن إليهم، وأن يراعي حق الصهارة فيهم، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص بن الربيع بحسن صهارته، وبصدقه ووفائه في معاملته معه، وعندما أسر أرسلت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعقد لـخديجة تريد به فداء أسيرها أبي العاص بن الربيع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، و زينب مسلمة، و أبو العاص يومئذٍ مشرك، فلما جاء العقد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه تذكر أيام خديجة ، فرحم زينب ، وعرض على المسلمين أن يردوا عليها عقدها وأسيرها فقال: ( إن شئتم رددتم عليها عقدها وأسيرها )، فقالوا: نفعل، فردوا عليها العقد والأسير، فهذا من إحسان العشرة وكمالها، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقد تصرف زينب , بل أعجب به ورأى أنه من تمام العقل وتمام التدبير، أن تحسن إلى زوجها.إن هذه الأمور لو ذهبنا نستقصيها ونعدها، ستفوت العد وتكثره، وقد ألف فيها كثير من العلماء كتباً مستقلة، فقد ألف النسائي رحمه الله كتاب عشرة النساء، وقد أدرج هذا الكتاب في السنن الكبرى له، وطبع وحده مستقلاً أيضاً، وألف البيهقي كذلك في العشرة، وألف فيها عدد من أهل العلم بعد ذلك، فهي من الأمور المهمة التي لا بد من العناية بها. المخالفات الشرعية في العشرة بين الزوجين وسنذكر نظير ما سبق بعض المخالفات التي تقع فيها، وهذه المخالفات بعضها من تصرفات الرجال، وبعضها من تصرفات النساء، وهي من الأمراض الشائعة، والعيوب الذائعة التي لا بد من علاجها وإزالتها من المجتمع. عدم المعرفة بأحكام النكاح وحقوق الزوجية فمن ذلك أن كثيراً من الشباب مقدمون على الزواج ولم يدرسوا أحكامه، فلا يعرفوا ما لهم من الحقوق، وما عليهم من الحقوق، ومن هنا فهم يظنون أنهم بالزواج أصبحوا ملوكاً يتصرفون دون مراقب، فيطلبون من الحقوق ما لا يمكن أن ينالوا، ويأخذونه بالغصب والإكراه، وهذا التصرف مخالف لقواعد العشرة السابقة، فعلى الإنسان أولاً أن يتعلم أحكامه، ويعرف ما له وما عليه، ثم بعد ذلك يعمل، فالعمل لاحق للعلم، وهو سابق عليه كما قال البخاري في صحيحه: باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].فلا بد أن يتعلم الإنسان أولاً ما له من الحقوق وما عليه، ثم بعد ذلك يعمل بها. كتمان الأمور عن المرأة وتهميش رأيها كذلك فإن كثيراً من الأزواج يريدون لزوجاتهم أن يكن بعض المتاع، ليس لهن رأي ولا مشاركة في الأمر، فيكتمون أخبارهم وتصرفاتهم وأملاكهم وأموالهم وأمورهم كلها عن زوجاتهم, وهذا سبب لكثير من المشكلات، وسبب لعدم حصول الألفة داخل الأسرة، وسبب للقضاء على الطاقة والموهبة التي قد تفيد الإنسان تدبيراً وعقلا ً، فالإنسان قليل بنفسه كثير بإخوانه، وإذا وهبه الله عقلاً آخر وإنساناً آخر يفكر معه ويساعده في الرأي، فكيف يلغي عقله ويهمله، فهذا إهمال لطاقة عظيمة ومنفعة كبيرة كان بإمكانه أن ينتفع بها، وكثيراً ما يكون رأي المرأة نافعاً ومؤثراً، وتعرفون ما حصل في قصة الحديبية، حين أنقذ الله الموقف برأي أم سلمة رضي الله عنها، وحتى أن العرب في أمور الجاهلية يقرون بآراء النساء؛ لما لهن من الأثر البالغ في تجاوز العقبات والعراقيل، حتى إن عامر بن الظرب وكان من حكماء العرب وقضاتهم، وكان الناس يتحاكمون إليه، له أمة تسمى طفيلة ،لم يكن يظن أنها من أهل العقل والتدبير، فجاءه خصوم يسألونه عن ميراث الخنثى، وكان العرب لا يورثون الإناث، فترددوا في الخنثى، هل يورث أم لا؟ فبات عامر يفكر في هذا الأمر، ولم يجد له حلاً فرأته طفيلة لم ينم، فقالت: يا سيدي ما لك لا تنام؟ فقال: سئلت عن أمرٍ لا أحسنه، فقالت: ما هو؟ قال: ميراث الخنثى، فقالت: أتبع المال المبال، أي: اجعل المال تابعاً المبال؛ فإن بال من آلة الرجل فهو رجل، يرث ميراث الرجل، وإن بال من آلة الإناث فهو أنثى، وهذا إزالة للإشكال، وحتى في الفقه هكذا إذا بال من أحدهما أو كان أسبق أو أكثر، فهذا مزيل للإشكال، فقال: فرجتها طفيلة ، فضربها مثلاً. جعل الزوجة آلة لعمل البيت فقط وكذلك فإن كثيراً من الرجال يريدون أن يقضوا على كل اهتمامات أزواجهم، فلا يريد الزوج أن يكون للمرأة أي اهتمام ما عدا بيتها، فيريد أن تكون آلة تعمل في البيت الليل والنهار، ليس عليها واجبات في الدعوة، ولا واجبات في التعلم، ولا واجبات في المجتمع، وليس لها اهتمامات بأمور أقاربها وعيادة مرضاها، وصلة أرحامها، يريدها منقطعة للعمل، كآلة تعمل الليل والنهار في المنزل، وهذا التصور غير صحيح، فقد سبق أنها إنسان له شخصية واستقلال، ولا بد من مراعاة ذلك. تجاهل حاجة الأهل إلى الترويح عنهم كذلك فإن بعض الأزواج يريدون أن تكون الساعات الحلوة من حياتهم خارج البيت، في أوقات العمل أو في أوقات النزهة مع الأصدقاء والأصحاب، والبيت ليس له من أوقاتهم إلا ساعة النوم فقط، فلذلك لا يجد أهله من المتعة والرخاء إلا ما وجدوه بينهم وبين أنفسهم في البيت الخالي، وهذا عار ونقص، فلا بد أن يجعل الرجل من نفسه حظاً لأهله، وهو من تمام العشرة التي لا بد منها. سلطة الزوج وسوء خلقه كذلك فإن كثيراً من الأزواج يريدون أن يكونوا أهل سلطان في البيت، فيؤدبون ويؤذون ويتكلمون بالكلام غير المناسب لأتفه الأسباب وأقلها، وهذا نظير ما في حديث أم زرع في قول المرأة الأولى: قالت: ( زوجي لحم جمل غث على جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل )، فهذا النوع من الأزواج لا يرغب في عشرته؛ لما فيه من سوء الخلق وسوء العشرة. تحميل الزوجة كل المسئوليات وعدم قبول اعتذارها كذلك فإن كثيراً من الأزواج يحملون الزوجة كل المسئوليات في البيت، فيريد أن تقوم بكل الأعمال، وإذا حصل أي نقص، أو أي تأخير أو أي داعٍ من الدواعي وسبب من الأسباب يعد ذلك عليها، ومن هنا فجعبته مليئة بأخطاء أهله، يعدها عليهم عداً ويحصيها إحصاءً، وهذا غير مناسب، فالخطأ إذا اعتذر عنه صاحبه أو عرف له سبب موضوعي فينبغي أن يمحى من الذاكرة وأن يزول بالكلية , وأن لا يعده الإنسان بداية مسلسل قد لا ينتهي، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )، فالذي تاب من الذنب وانتهى منه ينبغي أن لا يؤاخذ بذلك الذنب، ومثل هذا من اعتذر عذراً صحيحا مقنعاً، فلا يمكن أن يؤاخذ بما حصل بسبب ذلك العذر، وبالأخص إذا كان العذر بيمين بالله تعالى، فقد أخرج ابن ماجه في السنن بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف له بالله فليرض )؛ لأن الأصل أن المسلم لا يحلف بالله إلا على الحق؛ لعلمه خطورة ذلك، وأن اليمين الكاذبة غموس تغمس صاحبها في النار، فلذلك لا يحلف المؤمن الصادق بالله تعالى إلا صادقاً مخلصاً، وهذا لا يختص بالزوجين، بل هو في العشرة مع الناس كلهم، فكل من حلف له بالله في الاعتذار في أي أمر من الأمور فعليه أن يرضى بذلك. التقصير في الجانب المادي كذلك فإن كثيراً من الأزواج مقصرون في الجوانب المادية، فلا ينفقون على قدر وسعهم وطاقتهم، ولا يؤدون الحقوق التي يحتاج إليها أهليهم، وهذا من البخل المقيت شرعاً، وقد قال الله تعالى في الثناء على الأنصار: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الحشر:9]، ومفهوم هذه الآية أن من يوق شح نفسه لا يكون من المفلحين، والشح هو البخل، فلذلك لا بد أن يكون الإنسان في حال إنفاقه ممتثلاً لأمر الله تعالى في قوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]. التضجر من المطالب المشروعة للزوجة كذلك فإن كثيراً من الأزواج في كثير من الأحيان يضجرون بالمطالب المشروعة لأهل البيت، والمطالب إذا كانت مشروعة فالأصل أن لا يضطرهم أن يسألوها، بل ينبغي أن يؤديها طيبة بها نفسه، قبل أن تسأل، وإذا سئلت فاعلم أن ذلك مجرد تقصير، فقم بالحق الذي عليك، فكيف تضجر بحقٍ افترضه الله عليك، وهذا الضجر أيضاً قد يحصل بسبب أقارب الزوجة وزياراتهم للبيوت، وتكرر ذهاب الزوجة إلى والديها مثلاً، قد يحصل الضجر بذلك، وهذا غير مقبول، فهذه الزوجة إنسان وعليها حقوق سابقة على الزواج, ولها أقارب كانت علاقتها بهم قائمة قبل عقد الزواج، فلا يمكن أن يقضي عقد الزواج على كل هذه الفترة السابقة، ولذلك لا بد من مراعاة هذه الظروف. تابعووونا
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:33
تقليد المرأة أمها في معاملة الزوج وفي المقابل نجد الكثير من الغلط في جهة النساء أيضاً في العشرة، فمن المؤسف أن النساء جميعاً إلا من رحم الله لا تتزوج إحداهن وقد درست أحكام النكاح، ولا تعرف إحداهن وقت زواجها من أحكام النكاح إلا ما تعودت عليه من المعاملة السيئة مع أمهاتها وصواحبها، فعندما لا تأخذ شيئاً من الأحكام والكتب ولا تدرسه، بل تظن أنه من العيب أن تدرس أحكام النكاح والعشرة قبل زواجها، وتظن أن الحياء ينبغي أن يمنعها من ذلك، وهذا هو الحياء المذموم المانع من دراسة الأحكام الشرعية، وتتعود البنت على ما رأت عليه أمها من العادات، وتظن أنه هو الحق وهو الحل، وهو الأحسن والأكمل، فتسمعها تخاطب زوجها بالكلمات النابية، وتراها تعطيه أوامرها بغلظة، وتخرج من بيته بغير إذنه، وتعامله المعاملة التي لا ترضي أحداً، وإن كان صابراً عليها ومكرهاً عليها، ويخنع خنوع الفأرة للأسد، وهذا في حال كثير من الأزواج، فهذا لا يقتضي استباحة ما حرم الله تعالى من حقوقها عليه، وتعود البنت على مثل هذا التعامل بين أبويها يعودها هي على أن تعامل زوجها بنظير ذلك، فقد تراه خادماً لها، وداخلاً تحت يدها وحقوقها، وتكلفه ما لا يطيق، وإذا اعتذر على أمر ما، رأت ذلك طامة كبرى، وفي كثير من الأحيان تسأله الطلاق لأتفه الأسباب، ولا يحل لها ذلك، وفي كثير من الأحيان تخرج من بيتها بغير إذنه مغاضبة، وهذا التصرف غير صحيح، بل العكس هو الصحيح، إذا رأى الرجل من أهله شيئا هو الذي يخرج، كما فعل علي رضي الله عنه، خرج إلى المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم، كذلك خرج إلى مشربة فوق المسجد، فجلس تسعاً وعشرين ليلة، ثم بدأ بـعائشة ، وكانت أول من دخل عليها من نسائه، فقالت: ( يا رسول الله! لقد أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، فقال: الشهر تسعة وعشرون يوماً )، فهذا كله من التصرفات المخيفة الأليمة، فلذلك نجد كثيراً من المخالفات الشرعية التي لا يقرها شرع ولا طبع من قبل النساء في العشرة، وبالأخص ما يتعلق بحالة الزوج نفسه، وعدم القيام بحقوقه وعدم مراعاة أحواله، فهو الإنسان الذي لا يُرحم أبداً، وهو الإنسان المكبوت على الهوان والعار في كل الأوقات، وحال كثير من الأزواج كحال الذي يقول:ولا يقيم على ضيم يراد بهإلا الأذلان عير الحي والوتدهذا على الخسف مربوط برمتهوذا يشجّ فلا يرثي له أحدفتعود البنت على سوء العشرة وأخذها لذلك عن أمها، هو من الأخلاق الذميمة التي لا يرضى بها إنسان عاقل لأهل بيته، بل كان الأولى بها أن تسعى لأن تتجاوز عقدها، وما لديها من النقص، ومن الغريب في الفطرة أن الإنسان لا يرضى أن يكون أحد خيراً منه، وأعلى منه مستوى إلا أولاده، فالإنسان إذا قيل له: هل ترضى أن يكون أبوك أعلم منك، وأكثر عملاً، وأتقى لله منك، فيقول: لا، أترضى أن يكون أخوك كذلك؟ يقول: لا، لكن هل ترضى أن يكون ولدك أعلم منك وأتقى لله منك، يقول: نعم، فهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، بأن الإنسان يؤمل في نفسه، فإذا انقطع عمله انتقل ما كان يؤمله إلى أولاده، فيريد منهم أن يصلوا إلى المستوى الذي قصر هو به، ويريد أن يكون منتهاه بداية أولاده، فلذلك على الأمهات أن يعلمن بناتهن حسن العشرة، وأن يدربنهن ويؤدبنهن على الإحسان إلى الأزواج، وما كان لدى الأمهات من النقص في هذا الباب فينبغي أن يكون مما يطوى ولا يروى، وأن يستر بستر الله تعالى، وأن تتعود البنات على مخالفته، فبر الزوج واجب, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ).وامتناع المرأة إذا دعاها إلى الفراش من الكبائر العظيمة التي توعد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوعيد الشديد، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فامتنعت أو فأبت فبات عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح )، وفي رواية لـمسلم في الصحيح: ( فامتنعت كان الذي فوق السماء ساخطاً عليها )، فكل هذا يقتضي الحذر من مثل هذا النوع من المخالفات.وكذلك فإن سوء التعامل مع الزوج سبب لحصول الفراق، فهو بيده، ويحدثه في كثير من الأحيان بسبب الغضب دون تفكير، فإذا أغضبته فبالإمكان أن يتصرف تصرفاً أرعن، فيؤدي ذلك إلى قطع هذه العلاقة وضياع الأولاد والبيت، وتهديم الأسرة بكاملها، وهذا من الأمور التي لا ينبغي الإقدام عليها ولا إثارتها بوجه من الوجوه. تقصير المرأة في التصنع لزوجها وكذلك فإن من التقصير في هذا الجانب في مجال الأسرة، تقصير المرأة كذلك في التصنع لزوجها، فإن الله تعالى أمرهن بإبداء الزينة لأزواجهن، فقال: ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، ومعنى الاستثناء أن عليهن أن يبدين زينتهن لبعولتهن، وآبائهن وآباء بعولتهن.. إلى آخره، وامتناع المرأة عن ذلك هو من التقصير في حق الزوج والنقص في تعاملها معه، ومن سوء التبعل له. التقصير في مصالح الزوج وكذلك فإن من الأخطاء في مجال العشرة، التقصير في مصالحه ومروءته، فإن كثيراً من النساء لا تظن أن عليها حقاً فيما يتعلق بمروءة زوجها والقيام برعاية عرضه، وهذا خطأ ونقص، وإن كان كثير منهن ولله الحمد أيضاً في مقابل ذلك ترعى هذا الجانب وتقوم به.وهذا من اللازم، وهو من القيام بشئون الأسرة، ورعاية جوانبها. عدم الاهتمام بالبيت ونظافته وكذلك من إساءة العشرة لدى النساء ما يتعلق بعدم صيانة البيت ونظافته والتفريط في خدمته، فالكثير من النساء ينشغلن بأعمالهن وأمورهن عن أمور البيت، فتظن أن البيت من خاصتها هي، ومن أمورها التي تملكها، فلذلك لا تبالي بشيء من أموره لا ترتب فراشه ولا أوانيه، ولا ترعى ما فيه من الأمور، فتكون أموره مبعثرة ويكون غير مريح، وهذا مما يؤدي إلى البغضة، وسيكره الزوج الاستقرار في هذا البيت المبعثر الذي لا ترتب أموره، ولا يأخذ كل شيء مكانه فيه.وكذلك ما يتعلق برعايتها لملابسه وكتبه وأموره المختصة به، فهذه لا بد أن تلقى لدى المرأة عناية خاصة، وقد قال أحد شعراء الدعوة في هذا القبيل:تحل أزرار القميص الذي ألبسه ومصحفي والكتابفالأمور التي تختص به، ينبغي أن تقدرها وتحترمها، وتضعها في مواضعها.ومما يزيد المحبة والإجلال، الابتعاد عن كل ما يثير الزوج ويثير غضبه، فالعشرة تقتضي أن يتعرف كل واحد منهما على الآخر، وأن يدرك الخطوط الحمراء لديه، والتي لا يحب الوصول إليها، وأن يدرك الأمور التي تزيل حفيظته وغضبه، فعليه أن يبتعد منها بالكلية، وإذا كانت الزوجة تعلم أن أموراً ما تغضب زوجها وبالأخص إذا كانت تلك الأمور محرمة شرعاً، فعليها أن تبتعد عنها بالكلية، وأن لا تصل إليها بوجه من الوجوه، بالإضافة إلى كون الشرع حرمها وهي أيضاً سبب لغضب زوجها، وقد يؤدي ذلك إلى تفكك الأسرة وإزالة هذا البناء، وكل ذلك ممقوت شرعا.هذه إذاً بعض الأمثلة والنماذج، وقد سبق بعض نظائرها من المخالفات التي تقع في بداية الزواج، كما يتعلق باختفاء الزوجة في الفترة الأولى، ومنعها من المبيت عند زوجها ونحو ذلك من الأمور المقيتة شرعاً، والمذمومة عرفاً التي لا خير فيها بوجه من الوجوه، فلا بد من اجتنابها جميعا، واللبيب تكفيه الإشارة، وهذه بعض الأمثلة التي يقاس عليها ما سواها وليقس ما لم يقل.والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. الأسئلة حكم وقوع الطلاق بكتابته السؤال: رجل عزم على الطلاق وكتبه بإرادته، وفي نهاية كتابته ندم على الطلاق فمزق الورقة، فهل كلمة: أفارقك، طلقة واحدة مع أنه نوى ذلك ثلاث طلقات، وهل كتابة الطلاق دون إعلام أي أحد يعتبر طلاقاً أم لا؟الجواب: الكتاب ينقسم إلى قسمين: إلى كتاب أراد به صاحبه الإيقاع، أي: أراد إيقاع الطلاق بنفس الكتابة، وهذا يقع به ما نواه من الطلاق ولو لم يشهد عليه أحد.النوع الثاني: إلى كتاب أراد تهيئته، فيكون بمثابة العزم على الأمر، ولم يرد إنفاذه بعد حتى يخرجه للناس؛ لأنه لو أراد إنفاذه لأسفر عنه أو أرسله، فهذا النوع لا يعتبر طلاقاً وإنما هو عزم على الطلاق، وقد ذكر أهل العلم الفرق بين رفض النية ونية الرفض، وحكمهما ليس على السوية، فنية الرفض أن ينوي الإنسان رفض الصلاة أو رفض الصيام مثلاً، أو أن ينوي الطلاق بالفعل، فهذه النية بالرفض، أما رفض النية فهو أن يكون الإنسان قد عقد نية، كنية الصلاة مثلاً فنوى رفضها والخروج منها، وعقد نية الصوم فنوى رفضها والخروج منها، فنية الرفض إنما هو نية لأمر لم يقع بعد، ورفض النية إنما هو رفض لأمر قد وقع، فرفض النية يحصل به المقصود، ونية الرفض لا يحصل بها بعد، حتى يقع ما يأتي به، فلذلك إذا كان نوى بكتابة الطلاق إيقاع الطلاق فقد وقع عليه ما نوى، وهي طلقة واحدة كما في السؤال، وإذا لم ينوِ ذلك إلا بعد وصوله واستقراره لم يلحقه شيء. عدة المرأة المنقطع حيضها العارض السؤال: سمعت بعض العلماء يقول: بأن المرأة إذا طلقت في حيض منقطع لعارض، كالرضاع مثلاً، أن عدتها عدة الآيسات، وبعضهم يقول: بأنها تدخل تحت قوله تعالى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4].. الآية، كـالشوكاني ، وبعضهم يقول بأنها لا بد لها من الحيض فتعتد بالأقراء، فما هو الصحيح؟الجواب: المرأة ما دامت في سن الإنجاب وفي سن الحيض، فعدتها بالأقراء، كما قال الله تعالى: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ولا يحل لها الانتقال عن هذه العدة المستوفاة في كتاب الله إلا بدليل، وذلك الدليل هو مثل أن تكون حاملاً، فهذه عدتها مستقلة لقول الله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، أو أن تكون آيسة تعدت سن الحيض، فهذه عدتها ثلاثة أشهر، كما قال الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق:4]، ولذلك فالمرضع ما زالت في سن الحيض، فتعتد بالأقراء كما هو النص في آية البقرة. اعتبار البت في التطليق بالثلاث دفعة واحدة السؤال: هل يعتبر الطلاق ثلاث مرات دفعة واحدة طلاقاً باتاً لا رجعة فيه أم لا؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والمذاهب الأربعة على أن هذا الطلاق يقع على العدد المنصوص عليه، وهو ثلاث طلقات، وهذا هو مذهب عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين.وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك يعتبر طلقة واحدة، وقد كان ذلك في الصدر الأول، وكان مذهباً لـأبي بكر رضي الله عنه، والذي يفتى به بين الناس هو جانب الاحتياط أن يعتبر هذا ثلاث طلقات؛ لأن هذا هو الأسلم وهو الذي يفتى به. أثر التسمي بأسماء النبي السؤال: هل صحيح أن كل من يتسمى بأحد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، يكسب شخصيته؟الجواب: لا، هذا غير صحيح، بل من تسمى باسم النبي صلى الله عليه وسلم، لا يكسبه ذلك شخصيته، فكثير من الذين تسموا بأسماء الأنبياء كانوا من الفجرة، وكثير منهم من الذين تسموا بأسماء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أعدائه الذين لا يدينون بدينه. نسأل الله السلامة والعافية. الهبة للعامل في المحلات التجارية السؤال: عامل بأحد المحلات التجارية، باع لترات من الوقود لصاحب السيارة، فأخذ بعضها وأعطى بقيتها للعامل، لكن صاحب المحل ادعى أن العامل لا حق له فيما أعطي له، وأن ذلك من صالح المحل فما الحكم في ذلك؟ الجواب: هذا النوع هو ملكٌ لمن أعطي له؛ لأن هذا ليس من التعامل مع المحلات، وإنما هو من التعامل مع الأفراد، فما وهب للعامل في المحل مختص به هو لا علاقة له بالمحل، ولا يملكه صاحب المحل. أجر صلاة القاعد والقائم السؤال: هل صحيح أن نافلة الجالس لا يحصل إلا على نصف أجرها وهل هناك فرق بين من تجاوز الستين وغيره؟ الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )، ولا يختص ذلك بسن معين فقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فيشمل الكبير والصغير، فصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم دائماً، فلا فرق بين من تجاوز الستين ومن لم يتجاوزها. وبالنسبة للفرض لا بد أن يقوم الإنسان فيه غير معتمد إن قدر، فإن عجز كان مستنداً، فإن عجز جلس مستقلاً، فإن عجز جلس مستنداً، هذه المراتب الأربعة الترتيب فيها واجب، ثم ثلاث مراتب أخرى الترتيب فيها سنة، وهي أن يضطجع على شقه الأيمن، فإن عجز فعلى الأيسر، فإن عجز فعلى ظهره، والنافلة يجوز للصحيح أن يصليها جالساً، ويجوز أن يجمع بين القيام والجلوس, وأن يقرأ ما تيسر له قائماً، ثم يجلس فيكمل قراءته، فإذا أراد الركوع قام فقرأ قليلاً ثم ركع، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. الاحتيال على جهة لأخذ حق من الحقوق السؤال: موظف يقطع جزءاً من راتبه لصالح صندوق الضمان الاجتماعي، بدون استشارته، فهل يجوز له الاحتيال على الصندوق حتى يسترجع بعض راتبه...؟ الجواب: إذا أيقن القدر الذي اقتطع من راتبه من غير طيب نفس منه، واستطاع الوصول إليه دون خيانة فله ذلك، وإذا كان لا يستطيعه إلا بالسرقة مثلاً، فالراجح عدم جواز ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ). الذبح وشراء الملابس في المولد النبوي السؤال: هل يجوز الذبح وشراء الملابس في ذكرى المولد النبوي؟ الجواب: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ليس عيداً من أعياد هذه الأمة، والعيد الذي تذبح فيه الأضاحي هو يوم واحد في السنة وهو يوم العاشر من شهر ذي الحجة، وما سواه ليس فيه ذبائح قربة لله تعالى، وأما اللباس فيه وفي غير العيد وفي العيد، فلا يختص بالعيد، بل للإنسان أن يلبس متى ما وجد ما يستر به، ويوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم أول من احتفل به هم العبيديون في القرن الرابع الهجري، وجعلوا ذلك احتفالاً بموته صلى الله عليه وسلم، لا بمولده صلى الله عليه وسلم فإنهم يكرهونه ويكرهون آل بيته. الحكمة من قضاء المرأة الصيام دون الصلاة السؤال: لماذا تقضي المرأة الصوم دون الصلاة في رمضان حين الحيض؟ الجواب: إن ذلك كان كذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث معاوية عن عائشة رضي الله عنها في الصحيح، فقد نصت عائشة على: ( أن النساء كن يحضن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكن يؤمرن بقضاء الصوم لا بقضاء الصلاة )، وهذا صريح في سقوط قضاء الصلاة عنهن؛ وذلك لكثرة تكررها ومشقة قضائها، وفيه تصريح كذلك بأمرهن بقضاء الصوم؛ لأن الأمر فيه ميسور؛ ولأن الله تعالى بيّن قضاءه بعدة من أيام أخر، في حال المرض والسفر، ومثل هذا العذر الذي يلحق بالمرض والسفر الحيض والنفاس، اللذان يمنعان من الصوم. محرمية زوجة والد الزوجة على زوج ابنته من غير أمها السؤال: هل زوجة والد الزوجة محرم على زوج ابنته؟الجواب: لا، بل يجوز للرجل أن يتزوج زوجة والد زوجته، إذا كانت غير أمها، وقد جمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي رضي الله عنه وزوجته، فتزوج زوجته وتزوج ابنته، فجمع بينهما. اشتراط الولي شرطاً وقبول الوكيل له السؤال: ولي المرأة إذا اشترط شرطاً وقبله وكيل الزوج، دون الرجوع إلى الزوج فهل هذا الشرط الذي قبله جائز؟الجواب: إذا كان ذلك الشرط مما يقره الشرع وقبله وكيل الزوج، فإنه يلزم؛ لأن الزوج وكله على القبول على مثل هذا. التمتع بالمرأة حال الحيض السؤال: عما يمكن التمتع به من المرأة في حال الحيض؟ الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أباح التمتع بالمرأة الحائض في حال حيضها، فأمرها أن تتستر بثوب، وجاز مباشرتها بما فوق الثوب، فيجوز التمتع بها بعد أن تلبس إزاراً يستر ما بين سرتها وركبتها، وشأنك بباقيها، أي يجوز له الاستمتاع بما عدا ذلك منها. التماس الماء للغسل من الجنابة والحياء في ذلك السؤال: رجل أصبحت عليه جنابة ودخل عليه وقت الصلاة واستحى أن يطلب الماء، فهل يحق له التيمم؟الجواب: هذا من الأمور التي تدخل في حديث العادات، فإن كثيراً من الشباب إذا تزوجوا، فكانوا عند أصهارهم وبالأخص في البادية، يستحون من البحث عن الماء للطهارة، فلا يؤدون هذا الحق الواجب، وهذا غلط في التصور ونقص في الفقه، ويجب عليهم أن يلتمسوا الماء حتى لو كان هذا الماء لدى الأصهار ولا يوجد إلا عندهم، فيغتسلون به لأداء الفرض الذي افترض الله عليهم, وإذا خشي الإنسان خروج الوقت بأن لم يستيقظ إلا وقد قاربت الشمس على الطلوع ولا يجد وقتاً كافياً للاغتسال أو الوضوء، فقد اختلف أهل العلم، هل يقدم الوقت فيصلي فيه بالتيمم، أو يقدم الطهارة فيتطهر ويقضي الصلاة، وهذا الخلاف رجح فيه ابن تيمية رحمه الله أنه إذا كان معذوراً بالتأخير؛ فإنه يقدم الطهارة، وإذا كان غير معذور فيه؛ فإنه يقدم الوقت، هذا الخلاف في المذاهب الأربعة كلها، وقد ذكره خليل في المختصر وقال: وهل إن خاف فواته باستعماله خلافاً، أي: إذا خاف فوات الوقت باستعمال الماء خلاف فيه. انتساب الرجل إلى أمه وحكم التبني السؤال: بماذا تنصحون من يعرف أنه ابن رجل ما، لكنه تزوج رجل من أمه في صغره، فعمل له هذا الأخير شهادة الولادة، فنسبه إلى نفسه وهو يعلم أنه ليس ابناً له، وقد بلغ الآن بضعاً وعشرين سنة، فإلى من ينتسب إلى أمه، أم إلى هذا الرجل الذي ينسب إليه؟الجواب: عليه أن يعلم أن هذا الأمر ليس له فيه حيلة ولا هو مشارك فيه، وهو قدر كتبه الله تعالى، وعليه أن ينتسب إلى أمه، وأن لا ينتسب إلى ذلك الرجل الذي تبناه فلا تبني في الإسلام، وقد أبطل الله تعالى التبني... ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. السلام على الأجنبية السؤال: هل يجوز رد السلام على الأجنبية...؟ الجواب: نعم، يجوز ذلك وليس فيه ريبة، فهو من الأمور الجائزة. اقتداء المرأة بالأجنبي السؤال: هل يجوز للمرأة أن تصلي مقتدية برجل أجنبي؟ الجواب: نعم، يجوز لها ذلك ما لم تخش الخلوة. زواج نساء الدنيا في الجنة السؤال: عن اعتبار الزوجية يوم القيامة لنساء الدنيا مع الحور العين في الجنة؟الجواب: نساء الدنيا من دخلت منهن الجنة كانت سيدة حتى على الحور العين في الجنة، ويزيد حسنها حتى تكون أبهى وأحسن من الحور العين، وأقل أهل الجنة أزواجاً من نساء الدنيا من يتزوج بامرأتين، بالإضافة إلى ما اختص به من الحور العين. إقدام الرجل على الزواج بامرأة لا تلد السؤال: من أراد أن يتزوج امرأة وهي لا تلد ما حكم هذا؟الجواب: هناك أمنيات أخرى غير طلب الولد، وحتى طلب الولد؛ لأنه لا يدري لعل الله يرزقه منها ولداً، فهذا من الأمور الغيبية، في خمس لا يعلمهن إلا الله: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ٌ [لقمان:34]، فكم من امرأة لم ترزق بولد من أزواج، ثم رزقت بولد من زوج آخر، قد يكون المانع لها من ذلك مرضاً فتشفى بإذن الله تعالى، والله تعالى هو الشافي، يشفي من يشاء من الأمراض كلها: ( لم ينزل الله داءً من السماء إلا وأنزل له دواء فتداووا عباد الله )، اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8]. نظر أحد الزوجين لعورة الآخر السؤال: هل نظر الزوج إلى عورة زوجته، ونظرها هي إلى عورته يعتبر من المحرمات أم لا؟ الجواب: يجوز لكل واحد منهما النظر إلى جميع بدن الآخر، ولكن لا ينبغي ذلك لما فيه من نقص الحياء، لكنه من الأمور الجائزة في الأصل. جلوس الزوجة مع أصدقاء الزوج في حضرته السؤال: جلوس الزوج والزوجة مع أصدقاء الزوج في حضرة زوجها مع حشمتها في جلستها وكلامها، هل هو جائز أم لا؟ الجواب: نعم، يجوز أن تجلس في مجلسه، وأن ترد السلام على زائريه، لكن لا بد أن تكون متحشمة في ملابسها، وأن لا تكون متزينة بزينة بادية، وأن لا تكون متعطرة، ويجوز أن تخدم جليسه بحضرته، وأن لا تخلو به. زواج المرأة برجل لا ينجب وطلبها الطلاق بسبب ذلك السؤال: رجل تزوج بامرأة وهو لا ينجب فهل يعتبر هذا عيباً ينبغي أن تخبر به الآخرين، وهل لها طلب الطلاق؟ الجواب: إذا كان ذلك لاعتراض أو علة فهذا سبب من أسباب الفراق، ولها الخيار في البقاء معه أو فراقه، وإن كان من غير اعتراض ولا علة فلم ترزق منه الولد، وهي صبرت على ذلك مدة، فلها أن تطلب منه الطلاق، إن كانت ترجو وجود مسلم غيره. تعليم الرجل للنساء السؤال: [تعليم الرجل للنساء في غير خلوة ولا ريبة هل يجوز]؟الجواب: بالنسبة لتعليم الرجال والنساء إذا كان في غير خلوة ولا ريبة لا حرج فيه شرعاً، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم النساء، وكان يعلمهن يوم الخميس. حضور المرأة في الأعراس السؤال: [ما حكم حضور المرأة العرس وهل ثبت ذلك]؟الجواب: نعم، ثبت ذلك في صحيح مسلم ، وعلمها ما تقول فقال: ( قلن أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم، وفي رواية فحيونا نحييكم، ولولا الذهب الأسود لم نحمل جوابيكم، ولولا الحلقة البيضاء، لم تسلم عذاريكم ). زواج الرجل بابنة زوج ابنته من امرأة قبلها السؤال: هل الرجل يجوز له أن يتزوج بابنة زوج ابنته من امرأة قبلها؟ الجواب: نعم، يجوز له ذلك، لكن إنما يحرم في حالة واحدة، وهي حالة الشغار، إذا زوجه ابنته على أن يزوجه ابنته من غير صداق بواحدة منهما، فهذا الشغار، وهو من العقود المحرمة التي لا تجوز، لكن إذا كان لكل واحدة منهما صداق، فلا حرج في هذا العقد. محرمية والدة زوجة الأب وابنتها على الابن السؤال: [والدة زوجة الأب هل هي محرم للابن]؟الجواب: إذا تزوج والد الرجل بامرأة فتلك المرأة محرم له؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22]، لكن أمها وأختها وبنتها لسن محارم له، فيجوز له أن يتزوج ابنتها أو أمها بلا حرج على الراجح، فيما يتعلق بابنتها أما أمها فلا خلاف فيها، أما ابنتها من غيره ففيها خلاف على ثلاثة أقوال:القول الأول: الجواز مطلقاً سواءً كانت قبل أبيه أو بعده.القول الثاني: بالكراهة مطلقاً سواءً كانت قبل أبيه أو بعده. القول الثالث: بالتفصيل، بحرمة ما كان بعد أبيه وإباحة ما كان قبله. والراجح في ذلك: الإباحة مطلقاً، ولذلك يقول الشيخ محمد عالي رحمه الله:حفيدة الربيب لم يحرمنكاحها ولم تكن بمحرموبنت زوجة تحل لابنهمن غيرها ولم تكن في حضنهمن قبله بلا خلاف نقلاوبعده مع قول منع وصلا تيمم المرأة الحامل لخوف الضرر عليها أو على جنينها السؤال: أنا امرأة متزوجة مع رجل، وأنا الآن حامل ولدي تسعة أشهر، وأنا أتعب كثيراً من الحمل، ولا أستطيع الغسل من الجنابة؛ لتأثيره علي وعلى الجنين فماذا أعمل؟الجواب: إن هذا النوع يرفع فيه إلى الأطباء، فإذا أخبرها الأطباء بأن غسلها مضر بها أو بجنينها فلها الحق أن تتيمم، وتبقى على تيممها وتستبيح بالتيمم ما تستبيحه بالغسل. المنكرات التي تقع في الأعراس السؤال: ماذا عن إنكار المنكرات التي تقع في الأعراس في هذا الزمان؟الجواب: أنها مثل غيرها من المنكرات يجب إنكارها وتغييرها على من استطاع ذلك، وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ). ترك الزواج مخافة المشاكل المتوقعة السؤال: إذا كان الرجل يخاف من المشاكل المتعلقة بالزواج، كفساد الأسرة مما يؤثر سلبياً على نجاحه في طموحاته فهل له ترك الزواج؟الجواب: الخوف دون أن يكون مبنياً على أسباب ومعلومات إنما هو من عمل الشيطان، فعلى الإنسان أن يكون دائماً صاحب أمل في الله تعالى، وأن يكون صاحب توكل عليه، وأن يكثر اللجاء إليه، والاستعانة به في أموره كلها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله )، وعلى الإنسان أن يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن يعلم أن الأقلام قد رفعت، وأن الصحف قد جفت بما هو كائن، فلا يصيبه إلا ما قد كتب له، وقد قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:34
فقه الأسرة [5] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي ) لقد شرع الله النكاح ورغب فيه، ولكن في المقابل شرع ما يفرق هذا النكاح وذلك من حكمته سبحانه وتعالى، وفرق النكاح متعددة فمنها ما يكون من الزوج كالطلاق، ومنها ما يكون من الزوجة كالخلع، ومنها ما يكون من القاضي، وليعلم أن أمر الطلاق كبير وعظيم وهو أبغض الحلال إلى الله. الطلاق وصيغه وحكمه بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.أما بعد: فالموضوع هو ما يتعلق بفرق النكاح, والفرق جمع (فرقة) وهي ما يقع به التفريق بين الزوجين، وما يقع به التفريق بين الزوجين ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما كان ناشئاً عن تصرف الزوج، وهذا يشمل الطلاق، وما يتعلق به.القسم الثاني: ما كان ناشئاً عن تصرف الزوجة، وهذا يشمل الأخذ بالخيار والخلع، والأخذ بالشرط أيضاً عند القائلين به. القسم الثالث: ما كان ناشئاً عن تصرف القاضي، أي: بتفريق القاضي بين الزوجين. أما القسم الأول، وهو ما يتعلق بتصرف الزوج؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل الطلاق بيد الزوج، وقد صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما الطلاق في يد من يرفع الساق )، وذلك أن الطلاق يهدم هذا البيت الذي سبق ما ورد من النصوص الشرعية في الحفاظ عليه والحفاظ على بنائه، وجعل هذا العقد ميثاقاً غليظاً، وقد سبق الإكثار من النصوص في هذا الباب واعتناء الشريعة الإسلامية به؛ ولذلك لا يمكن أن يوضع مصير هذا البيت وهذه الأسرة بيد من يتأثر بالعواطف، وبيد من لا يقدر الأمور ولا يتعقل في عواقبها ونتائجها ونهاياتها؛ لأجل كل ذلك لم يجعل الله الطلاق بيد النساء وإنما جعله بيد الأزواج. وحدد له كثيراً من الحدود والضوابط فلم يبحه إلا في الأوقات التي تستدعي استمرار النكاح، فقد حرم الشارع الطلاق في وقت الحيض والنفاس؛ لأنه وقت لا يرغب فيه الزوج في معاشرة أهله، وهي محرمة عليه في ذلك الوقت، وحرمه كذلك في الطهر الذي مسها فيه؛ لأنه في ذلك الطهر قد قضى أربه، فإذاً: لا بد أن يكون الطلاق واحدة في طهر لم يمس فيه فهذا هو الطلاق السني، وما سواه معصية لله سبحانه وتعالى وهو الطلاق البدعي.فالأوقات التي فيها استدعاء للتقزز أو الملل لم يبح الشارع الطلاق فيها، كالطهر الذي مس فيه، وكالحيض والنفاس، وإنما أباحه في حالين كلاهما يدعو الإنسان إلى الاستمرار: الحال الأول: ما إذا كانت حاملاً فيجوز له أن يطلقها، وهذا الحال فيه ما يدعو إلى عدم الفراق؛ لأن الإنسان مجبول على الرحمة والرفق وبالأخص فيما يتعلق بأولاده؛ فلذلك الحمل وقتاً مباحاً للفرقة؛ لأنها لا تقع إلا عندما تشتد دواعيها فيه، وكذلك الطهر الذي لم يمسها فيه فهو أيضاً داع إلى عدم الفرقة فلذلك أحل له الفراق فيه عندما تشتد دواعيه. صيغ الطلاق الطلاق كغيره يحتاج إلى صيغة، وصيغته تنقسم إلى ثلاثة أقسام:إلى صرائح وكنايات وألفاظ تصرف إليه بالنيات.فالقسم الأول: صريح الطلاق، وهو أن يقول لها: طلقتك أو فارقتك، أو نحو ذلك مما يدل على فصال العصمة.القسم الثاني: كنايات الطلاق كما إذا قال لها: الحقي بأهلك، أو قال لها: اعتدي أو نحو ذلك. والقسم الثالث: ما ينصرف إلى الطلاق بالنية، إذا نوى به الطلاق حصل، وهذا توسع فيه بعض الفقهاء فرأوا أنه إذا نواه بأي لفظ حصل الطلاق، وهذا مذهب المالكية فقد نصوا على أنه إذا نوى الطلاق بأن تسقيه الماء حصل الطلاق، ولو نواه بما لا يدل؛ كلغة لا يعرفها أو ككلام ليس مستعمل في أية لغة، كما إذا حاكى صوت نهيق الحمار أو غير ذلك من الأصوات ونوى به الطلاق فقد اختلف هل يلزم به أم لا؟ لأن النية وحدها لا يلزم بها الطلاق، فلا بد أن يدل شيء على التصرف لأن الطلاق إيقاع، والإيقاع لا بد أن يظهر على بوقه فيما يدل عليه، ومجرد النية لا يحصل بها الطلاق، وهذا قطعاً للوساوس والظنون التي تصير لدى الإنسان؛ فكثير من الناس موسوس فإذا فكر في الأمر ظن أنه قد أوقعه فلم يعتبر الشارع من ذلك إلا ما صرح به وأعلنه. وقد ندب الشارع إلى الإشهاد على الطلاق فقال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2].وصريح الطلاق ينصرف في الأصل إلى العدد المحدد فيه كما إذا قال في تصريحه: طلقتك واحدة مثلاً أو اثنتين أو ثلاثاً فإنه ينصرف إلى العدد الذي حدده، وقالت طائفة من أهل العلم: بل ينصرف إلى الواحدة إذا كان دفعة وبلفظ واحد، أما إذا كان في مجالس فبالإجماع أنه يقع، إلا إذا كان بصيغة تدل على التنكير، كما إذا طلقها في مجلس، ثم أخبر أنه طلقها في مجلس آخر فهذا يحمل على الخبر والتأكيد لا على التأسيس والإنشاء. حكم الطلاق يكره للإنسان أن يطلق على غير أساس؛ فالإنسان لا يطلق لمجرد انتهاء أربه وانتهاء غرضه فهذا من المكروهات؛ لأنه يدل على أنه لم يتزوج أصلاً ابتغاء النيات السابقة، فلا يطلق الإنسان إلا على أساساً معقولاً، وسبباً موضوعياً للطلاق، كما إذا حصل نقص في الدين أو في الخلق، أو حصل إيذاء لا يستطيع تحمله والاستمرار عليه، أو أيقن أن البيت لا يمكن أن يستمر بناءه؛ فهذا الذي يبيح الطلاق؛ ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وغيره أنه قال: ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق )، وحمل أهل العلم ذلك على ما ليس له سبب؛ لأن ما كان ذا سبباً من الطلاق فإن الله شرعه وجعله حلاً للمشكلات فهو غير بغيض إليه حين أذن فيه، وما لم يكن له سبب فهو وإن كان من حيز المباح لأنه من تصرفات الإنسان، والإنسان لا يكره على شئونه الخاصة ووجدانياته، لكن مع ذلك هو أبغض الحلال إلى الله عز وجل. وصيغة (أفعل) هنا وهي: (أبغض) بما أنها أضيفت إلى الحلال لا تدل على التحريم، فصيغة (أفعل) تدل على التكثير والزيادة؛ لأنها صيغة مبالغة وتفضيل، لكن يتصل ذلك بما أضيفت إليه وبما يأتي بعد (من) فإذا قيل: فلان أعدل الناس، فالمقصود بذلك بحسب الإمكان، بحسب ما يطلع عليه، وإذا قيل: أطول الناس فبحسب ما يطلع عليه أيضاً أو بحسب الإمكان، وإذا قيل: أبغض كل مبغوض فيدل هذا على تحريمه؛ لأنه داخل في المبغوض وهو منه وهو أشده بغضاً، لكن إذا أضيف ذلك إلى الحلال فقيل: أبغض الحلال؛ دل هذا على أنه لا يقصد به التحريم، ولكنه أدنى الحلال إلى الحرام فهو أقربه إليه؛ ولذلك حمله بعض العلم على الكراهة. وعموماً ذكر عدد من أهل العلم أن الطلاق بغير سبب شبهة، والشبهات نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).وقد اختلف العلماء في معنى (الشبهات) على ستة أقوال:القول الأول: أن الشبهة هي: ما التبس فيه الحلال بالحرام، أي: ما اختلط فيه الحلال بالحرام كالمال الذي بعض أصله حلال وبعض أصله حرام فهذا شبهة. القول الثاني: أن الشبهة هي: ما تعارضت فيه الأدلة، أي: ما جاء من الأدلة في الشرع ما يبيحه وجاء من الأدلة في الشرع ما يحرمه، فيكون محل تردد عند تعارض الأدلة. القول الثالث: أن الشبهة هي: ما اختلف فيه أهل العلم، أي: ما اختلف أهل العلم في حكمه، فكل مسألة خلاف بين الإباحة والتحريم هي محل شبهة يأخذ فيها الإنسان بالاحتياط، والاحتياط هو الأخذ بالأشد، أي: بأشد ما قيل.القول الرابع: أن الشبهة هي: المكروهات؛ لأنها بين الحلال والحرام، فلا هي حلال مطلقاً، ولا هي حرام كذلك يعاقب فاعله، بل هي منهي عنها نهياً غير جازم.القول الخامس: أن الشبهة هي: ما لم يرد فيه نص، أي: ما سكت عنه، وهذا القول ضعيف عند كثير من أهل العلم؛ لأن ما سكت عنه ورد فيه حديث أنه مما أذن فيه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وما سكت عنه فهو مما عفا عنه )، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف، وعليه فلا يكون فاصلاً في محل الخلاف، ولو صح هذا الحديث لفصل في محل الخلاف، لكنه لم يصح، ومع ذلك فلهذا الحديث شاهد آخر، لكن الشاهد إنما يشهد لإثبات السكوت لله تعالى ولا يثبت أنه من العفو، وذلك الشاهد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان؛ فلا تبحثوا عنها )، فهذا الشاهد صحيح لكنه يثبت صفة السكوت لله تعالى، ويدل على أن من الأحكام ما هو مسكوت عنه، لكنه لا يقتضي أن ما سكت عنه دائماً من المباح.القول السادس: أن الشبهة هي: ما جهل الإنسان حكمه؛ فكل أمر لم يعلم الإنسان حكمه بعد وتردد في نفسه فهو شبهة بالنسبة إليه، ومحل هذا إن كان الإنسان من أهل العلم وطلبه، فإن كان جاهلاً به لم يكن لجهله وتردده أي تأثير؛ ولذلك فإن رد النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال وابصة بن معبد رضي الله عنه وغيره عندما سألوه عن البر والإثم؟ فأحال فيه إلى النفس، وهذه الإحالة إنما تختص بأهل الفقه والورع؛ فمن كان من أهل الفقه والورع، وهو الذي يكره أن يطلع الناس على تصرف منه غير مرضي، فهو الذي يستفتي قلبه، أما من كان من أهل الفسق ولم يكن من أهل العلم فكيف يستفتي قلبه؟! ولو استفتى قلبه لأحب له كل شيء! فلذلك المرجع في استفتاء القلب إلى من كان من أهل الورع ومن أهل العلم. الفرقة بخيار الزوج ثم إن هذا الطلاق وهذا الفصل الذي يقع من الزوج أيضاً قد يكون لسبب من أسباب الخيار، وأسباب الخيار هي ما يمنع استمرار النكاح لعيب قديم أو مرض عارض، فالعيب القديم منه ما يمنع التمتع أو كمال اللذة، وذلك منصوص في عيوب الخيار كالعدد والرتق والأعضاء، ومنه أمراض طارئة متجددة كالبرص والجنون والهيام؛ فهي سبب كذلك للخيار، وهذا الخيار فائدته أنه إذا اختار الفراق بسبب هذا العذر الحاصل فإنه يستحق حينئذ الفصل بين اللواحق ولوازم، وإذا طلق فإنه تلزمه النفقة والسكنى إلى خروجها من العدة. الخلع ومقدار ما يحصل به أما القسم الثاني وهو ما كان بيد المرأة فمنه الخلع، والخلع هو: الطلاق بعوض عند المالكية وطائفة من أهل العلم، وقال جمهور أهل العلم: الخلع فسخ وليس طلاقاً؛ لأن الله تعالى عده مستقلاً عن أنواع الطلاق، فالله تعالى لما عد أنواع الطلاق في سورة البقرة قال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، فهذا الطلاق الأول، ثم قال بعدها: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، ثم ذكر الخلع بعد الطلاق مرتين فقال: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:229]، ثم ذكر بعد ذلك الطلاق الثالث فقال: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فتدل هذه الآيات بسياقها على أن الخلع غير داخل في الطلقات الثلاث، وقد حصل الإجماع على أن الطلاق أقصاه ثلاث؛ فإذاً: تدل هذه الآيات على أن الخلع غير طلاق وإنما هو فسخ مستقل. وهذا الخلاف يترتب عليه مسائل: منها: أنه إذا كان فسخاً فلا تلزم به العدة الكاملة، بل تعتد منه بطهر واحد، أي: بحيضة واحدة، فإن طهرت منها فقد انتهت عدتها؛ لأنه استبراء فقط كالفسخ.وكذلك يترتب عليه أنه لا يعد في الطلقات الثلاث، فلو طلقها مرتين ثم خالعته، ثم بعد ذلك تزوجها بعقد جديد فقد بقيت له طلقة وتحل له دون زوج، والذين يرون أنه طلاق يرون ذلك جميعاً غير صحيح فلا يرون له مراجعتها إلا بعد أن تنكح زوجاً ويدخل بها ويطلقها، ويرون أنه لا بد فيه من عدة كاملة كعدة الطلاق.والخلع طبقة النبي صلى الله عليه وسلم على ثابت بن قيس بن شماس وزوجته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري رضي الله عنهما وقد شكت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله! إني لا أنقم على ثابت في دين ولا مروءة، ولكني أكره العودة إلى الكفر بعد أن أنقذني الله منه )، وهي هنا تشكو إليه حال هذا الرجل فلا تنقم عليه في دين ولا خلق، ولكنها تكره كراهة شديدة ككراهة الكفر، ( فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن صداقها فأخبرت أنه أصدقها حديقة من النخل، فقال: ردي عليه الحديقة وطلقها تطليقة )، وهذا الحديث هو أقوى أدلة المالكية على أن الخلع طلاقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلقها تطليقه واحدة فقال: (ردي عليه الحديقة، وطلقها تطليقة)، فدل هذا على أن الخلع طلاق. مقدار ما يحصل به الخلع أيضاً اختلف أهل العلم فيما يحصل به الخلع، فذهبت طائفة منهم: إلى أنه لا يحل بأكثر مما أصدقها؛ لما في ذلك من نقص المروءة؛ لأن الرجل إذا كان يتزوج فيدفع في صداقه شيئاً يسيراً، ثم يزعج امرأته حتى تخالعه بأكثر مما دفع إليها فكأنه يتكسب من ذلك، وهذا نقص في المروءة وعيب في الخلق، فقالوا: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ردي عليه الحديقة وطلقها تطليقه ).وقالت طائفة أخرى: بل الخلع كالصداق، فيجوز إلى غير نهاية، فما اتفقا عليه فهو الخلع؛ لأن المرجع هنا إلى رضاه هو، ولا يحل التفريق بينهما إلا برضاه، ورضاه إنما يحصل إلا بما يخرجه من هذا الأمر، ولا يخرجه منه إلا ما رضي به وقبله؛ فلذلك لا بد من الرضا، وأقله هو المتمول، فلو أعطته ما لا نفع فيه لقلته كحبة واحدة من الرز مثلاً، فقالت: طلقني على هذا، فإن رآه وقبله كان طلاقاً ولم يكن خلعاً، وإن لم يره كأن قالت: طلقني على ما في يدي هذه، وكان في يدها حبة واحدة من الأرز فلا يقع الخلع ولا الطلاق؛ لأن ما في يدها غير متمول لقلته، وكذلك ما إذا ما كان في يدها لا نفع فيه أصلاً كالذبابة مثلاً، فإذا أمسكت ذبابة في يدها وقالت: طلقني على ما في يدي؛ فقال: طلقتك، فإذا هو ذبابة فلا يلزم الطلاق ولا الخلع؛ لأن ما في يدها غير متمول ولا مملوك، لكن إذا رأى ما في يدها فرضي به وقال: (طلقتك) كان ذلك طلاقاً لا خلعاً كما سبق.والفرق بين الطلاق والخلع أن الخلع دائماً طلاق بائن، وأما الطلاق إذا قال لها: (طلقتك) ففي هذه الحالة؛ فهو طلاق رجعي له أن يرتجع ما دامت في عدتها، بخلاف الخلع فليس له ذلك فيه. والخلع هو الذي سماه الله (فداءً) في القرآن فقال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، وهذه الآية ليس فيها تحديد بالقدر الذي يفتدى به، ليس فيها تحديد للأدنى ولا للأعلى؛ لأنه قال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، و (ما) من ألفاظ العموم، وهي مبهمة فتدل على أن الخلع يحصل بكل ما يرضى هو بالفداء به قل أو كثر. والذين يرون أن للخلع فسخ - كما سبق - يرون أنها إذا خالعته فقبل الخلع على شيء مجهول فإن الخلع يقع، ولكن يلزمها هي خلع مثلها، وإذا خالعته على شيء فاستحق فإن الخلع لازم، ولكن يلزمها هي قيمة المستحق كما إذا خالعته على جمل أو سيارة فخوصم فيها فظهر أن الجمل أو السيارة ليس لها، فحينئذ يلزم عليها أن تعطيه ما خالعته عليه، وكذلك إذا خالعته على عصير فتبين خمراً مسكراً فيلزمها قيمته، أي: قيمته ولو كان عصيراً؛ لأنه تبين أنه ليس متمول، وكذلك إذا خالعته على كبش فظهر خنزيراً مثلاً فإنه تلزمها قيمة الكبش. الفرقة بخيار الزوجة كذلك من الفرق التي تكون في تصرف المرأة ما يتعلق أيضاً بأخذها بالخيار، فإذا ظهر في الزوج عيب من العيوب كما إذا ظهر عنيناً فحيل بينه وبينها، فرفعت ذلك إلى القاضي فلها الخيار حينئذ؛ لأن هذا المرض سابق على النكاح فإن عرض له من جديد فإنه يودي المعترض سنة للعلاج، وهذه السنة تكون شمسية حتى تمر فيها الفصول الأربعة، وهذان الموضعين في الفقه تعتبر فيهما السنة الأعجمية، أي: السنة الشمسية، هما: خروج الساعي وتأجيل المعترض، فقط هذا الذي تعتبر فيه السنة شمسية، وما سوى ذلك كله الاعتبار فيه بالسنة القمرية.وكذلك إذا ظهر به مرض من الأمراض السابقة كالبرص والجنون والجذام، فذلك سبب لخيارها، فإن علمت بذلك فلم تختر ولم ترفع أمرها فقد بطل خيارها، ولم يكن لها التراجع. تخيير الزوجة في الطلاق كذلك إذا خيرها هو في الطلاق فاختارت الفرقة واختارت الطلاق فقد اختلف في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال: القول الأول: أن مجرد التخيير طلقة واحدة رجعية، وإن اختارت الفراق كان ذلك طلقة أخرى. القول الثاني: أن مجرد التخيير لا يلزم به شيء، فإن اختارت الفراق كان طلقة واحدة رجعية. القول الثالث: إنه إن خيرها فاختارت الفراق كان ثلاثاً بائنة. القول الرابع: أنه إن خيرها فاختارت الطلاق كان طلقة واحدة بائنة، لا تحل له إلا إذا عقد عليها من جديد.ولعل أرجح هذه الأقوال ما ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه إذا خيرها فاختارت الفراق فقد فصلت عصمتها بثلاث، وإن خيرها فلم تختر شيئاً أو اختارت واحدة أو اثنتين بطل خيارها وبقيت كما كانت لم ينفصل شيء من عصمتها.وللزوج التخيير في كل الأحوال، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29]، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة رضي الله عنها فقال: ( إني مخبرك بأمر فلا تستعجليه حتى تستأمري أبويك، فلما عرض عليها الأمر قالت: أفي هذا أستأمر أبوي؟! أختار الله ورسوله )، ثم عرض على بقية نسائه ذلك فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.كذلك للزوج التمليك، وهو أن يملكها عصمتها، واختلف أهل العلم هل التمليك كالتخيير سواء بسواء؟ وهذا مذهب أهل الظاهر، أو الفرق بينهما أن التمليك يكون تمليكاً لما يملكه هو من فصل الملكة، فإن اختارت واحدة.. أي: إن طلقت واحدة رجعية كانت رجعية، وإن اختارت ثلاثاً كان الطلاق ثلاثاً، فقد ملكت من الطلاق ما يملكه هو، بخلاف التخيير فقد خيرها بين البقاء والانفصال المطلق. التوكيل في الطلاق كذلك للزوج التوكيل على الطلاق؛ أن يوكل غيره بالقيام بهذه الفرقة، وإذا وكله فهذه الوكالة لا يشترط فيها البلوغ، ولا تمام التصرف، فيجوز أن يوكل سفيهاً أو صبياً؛ لأنه بمثابة رسول يرسله، وإذا وكله على الطلاق فالوكالة إن طالت قصرت وإن قصرت طالت، فإن قال له: وكلتك على أن تطلق زوجتي واحدة لم يجز له تعدي ذلك، ولم يجز ارتجاعها بعد، وإن قال: وكلتك على طلاق أهلي فقصرت الوكالة، فقد شملت كل أنواع الطلاق، وكان له من الحق ما للزوج في ذلك، وهذا حال الوكالة دائماً إذا قصرت طالت وإذا طالت قصرت، فإذا طالت صيغتها لم تشمل إلا ما ذكر فيها، وإذا قصرت بأن جاءت مطلقة تناولت كل شيء. ردة أحد الزوجين أما القسم الثالث وهو ما كان الفراق فيه ناشئاً عن تصرف القاضي، وهو أنواع كذلك؛ فمنه ما يكون بسبب ردة أحد الزوجين والعياذ بالله، فإذا ارتد أحدهما عن الإسلام فإن ذلك مبطل للطلاق بالكلية، وهذا لا يحتاج إلى حكم بل يحصل بمجرد الردة، ودليل هذا قول الله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، وقد ذهب الشافعية إلى أنه إنما يحصل ذلك - أي: الفراق - بالاستمرار على الردة، فإن تاب الإنسان مبادراً ورجع إلى الإسلام ولم يمت على الكفر لم يبطل عمله بل يعود إليه فعلى هذا لا تكون الردة فاصلة للعصمة بالكلية، واستدل الشافعية بالتقييد في قول الله تعالى في سورة البقرة: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217]، فإن الله قيد إبطال العمل بالردة بقيد هو أن يموت على الكفر، والشافعية يرون أن المطلق يحمل على المقيد، فالآيات التي جاء فيها الإطلاق -وهي ثلاث-، تحمل على الآية التي جاء فيها التقييد وهي آية البقرة، وجمهور أهل العلم يرون: أن المطلق يبقى على إطلاقه وأن المقيد لا يتجاوز محله وهذا يشمل سائر الأعمال.واختلف في الإحصان هل هو من العمل أم لا؟ فإن المرأة إذا دخل بها زوجها فقد صارت محصنة، والمحصنة إذا زنت يقام عليها الحد بالرجم، وإذا ارتدت عن الإسلام بعد دخول الزوج بها، ثم رجعت إلى الإسلام فزنت فهل يقام عليها حد المحصن أو حد البكر؟ محل خلاف بين أهل العلم، فالذين يرون أن الإحصان من العمل يرون أنه قد بطل بالردة؛ لأن الردة تبطل العمل كما سبق، والذين يرون أن الإحصان ليس من العمل، ويرون أنه صفة من الصفات فلا تبطله الردة؛ ولذلك إذا كانت كافرة فأسلمت وهي محصنة في كفرها من قبل تعتبر محصنة ولو لم يدخل بها زوجها بعد في الإسلام، فإذا كانت أماً لأولاد في الجاهلية فأسلمت على أولاد فهي محصنة بما كانت فيه من نكاح سابق على إسلامها، وعلى هذه فالإحصان ليس من العمل، والذين يرون أن الإحصان من العمل يستدلون بقول الله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فإن الله تعالى قال: (فإذا أحصن) فمعناه: فعل بهن ذلك، وهذا يدل على أن الإحصان من العمل. وعموماً: فإن ردة أحد الزوجين تكون بمثابة الطلقة الواحدة عن القائلين بإبطال العصمة بها، وهم جمهور أهل العلم، وحينئذ هي بائنة لا بد من عقد جديد.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:35
إعسار الزوج وإيلاؤه كذلك ما يوقعه القاضي من الفرق فكل فرقة يوقعها القاضي فهي بائنة لا بد فيها من عقد جديد إلا الطلاق للإعسار بالنفقة، فإذا أعسر الزوج بالنفقة فلم يستطع أن ينفق على امرأته فرفعت أمرها إلى القاضي ولم تصبر فطلق عليه القاضي، فجاء بالنفقة ورزق مالاً قبل نهاية عدتها فله الحق أن يرتجعها، وما سوى ذلك من الفرق كله بائن ومن ذلك فرقة المولي، كمن آلى - أي: أقسم - لا يقرب امرأته فإن الشارع لها أجل له أربعة أشهر، فإن فاء خلال هذه الأشهر الأربعة قبل نهايتها لم تطلق عليه، وإن انتهت الأشهر الأربعة ولم يرجع إليها فإن القاضي يطلقها عليه طلاقاً بائناً، لا تعود فيه إلا بعقد جديد، وقد قال الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]، والمقصود بـ(الفيئة) الرجوع عما نواه وعما أقسم عليه سواءً كفر في هذا الوقت أو رجع حانثاً آثماً، فكل ذلك تحصل به الفيئة في الأشهر الأربعة. سؤال الزوجة طلاقها أو طلاق ضرتها وتكليفها الخلع ولا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق؛ لما في ذلك من هدم هذه الأسرة، وإن تضررت فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي وأن تحاول الإصلاح، ومحاولة الإصلاح تتم بإخراج الحكمين كما أمر الله بذلك في قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]، وقد ربط الله التوفيق بين الزوجين عند بعث الحكمين بإرادتها الإصلاح، فإن أرادا إصلاحاً فإن الله سيصلح بينهما ولو لم يتدخل الحكمان، وقد جرب ذلك؛ فقد اختلف عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وامرأته فاطمة بن عتبة بن ربيعة ، وهي خالة معاوية رضي الله عنه، فأرسل عثمان رضي الله عنه معاوية و ابن عباس حكمين بينهما فـابن عباس من أولياء عقيل و معاوية من أوليائها هي، فذهبا فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما، فقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف، فلما أتيا استأذنا عليهما فلم يأذنا لهما، فوجداهما قد اصطلحا؛ إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].كما لا يجوز للمرأة أن تسأل فراق ضرتها أيضاً؛ لما في ذلك من إكفاء إنائها والاعتداء على حقها، فلا يجوز لها أن تسأل الزوج أن يطلق ضرتها، كما لا يجوز لها أن تسأله أن يفارقها هي. وسؤالها الطلاق من غير إضرار فاحش هو من النشوز الذي حرمه الله تعالى وجعله من أكبر الكبائر.وكذلك لا يجوز للزوج أن يكلف امرأته الخلع، كأن يسألها أن تخالعه من غير أن تضر به، فيجوز له ذلك في حال نشوزها وامتناعها، لكن لا يجوز له أن يكلفها ذلك ارتزاقاً فقط، أي: يريد أن يرتزق من كسبها، فهذا لا يجوز له. العدة إذا حصل الطلاق فإن الشارع قد رتب عليه أحكاماً متنوعة؛ فمنها العدة، وهي أنواع باختلاف حال المطلقة، فالمطلقة الحامل عدتها وضع حملها، وكل حاملاً فعدتها وضع حملها، سواءً كانت مطلقة أو متوفىً عنها لقول الله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وهذا في المطلقة إجماع وفي المتوفى عنها هو الراجح من الأقوال، وقد قال بعض الصحابة: إنها تعتد بأقصى الأجلين، فإن كانت في أول حملها اعتدت بوضع حملها، وإن كانت في آخره اعتدت بأربعة وعشر، وقال آخرون: بل تعتد بأربعة أشهر وعشر مطلقاً؛ لأن الله تعالى جعل عدة المتوفى عنها كذلك في قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وعدة اليائسة التي لا تجد الدم لكبر أو صغر ثلاثة أشهر لقول الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق:4]، ولا مفهومة لقوله: (إن ارتبتم) على الراجح فهذه عدتها ولو لم تحصل ريبة، لكن إذا حصلت الريبة كان ذلك آكد وأقوى. ومحل الريبة اختلف فيه فقيل معناه: إن ارتبتم في بلوغها تلك السن، أي: ارتبتم هل ما زالت تجد الحيض؟ أي: قد تجده مرة واحدة في السنة في آخر فترتها فهذا من الارتياب، وقيل: المقصود: إن ارتبتم في حملها، هل هي حامل أو لا؟ ولعل الراجح الأول؛ لأنها إذا كانت مشكوكاً في حملها ودلت قرائن عليه فلا بد من مراعاة ذلك لما يترتب عليه من الحقوق.والمطلقة التي هي في سن الحيض عدتها ثلاث حيض، وقيل: ثلاثة أطهار؛ لأن الله تعالى يقول: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، و (القرء) يطلق على الحيض، ويطلق على الطهر، فمن إطلاقه على الحيض قول الراجز: يا رب ذي ضغن علي قارضله قروء كقروء الحائضومن إطلاقه على الطهر قول الأعشى :أفي كل عام أنت عازم غزوةتشد لأقصاها عزيم عزائك مورثة مالاً وفي الحي رفعةلما ضاع فيها من قروء نسائك(لما ضاع فيها من قروء نسائك) الذي يضيع هو الأطهار لا الحيض، فقد اختلف أهل العلم هنا بالمقصود بذلك.وذهب بعضهم إلى: أن (القرء) الذي جمعه (أقراء) هو الحيض، والذي جمعه (قروء) هو الطهر، وهذا رأي ابن الأنباري ، ولكن ليس له ما يدل عليه، فإن كان وارداً في البيتين السابقين فلا يقتضي ذلك استمرار وروده في اللغة، فالبيتان السابقان جاء فيهما القروء فيهما معاً:..له قروء كقروء الحائض مورثة مالاً وفي الحي رفعةلما ضاع فيه من قروء نسائكلكن ابن الأنباري رأى أن الأقراء للحيض، وأن القروء للأطهار، وعموماً: فإن اللفظ الواحد قد يتفق في الإفراد ويختلف في الجمع كالأمر، فإن الأمر الذي جمعه (أمور) هو الشأن، والأمر الذي جمعه (أوامر) هو طلب الفعل، فاتفقا في الإفراد واختلفا في الجمع؛ فمفردهما واحد وجمعهما مختلف.وعموماً: فهذا من الأمور المشتبهة التي جاء فيها الإشكال في الدلالة؛ ولذلك فإن هذه الآية معدودة في قبيل المجمل؛ لأنها مما خبيت دلالته فيمكن أن يكون المعنى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، أي: ثلاثة أطهار، ويمكن أن يكون المعنى ثلاث حيض، لكن الفرق يسير فالمعنى المترتب على ذلك محصور، فإذا طلقها في طهر لم يمس فيه فقد طلقها في عدتها كما أمر الله بذلك في قوله: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1]، وحينئذ فذلك الطهر الذي طلقها فيه لا يعتبر، فإن حاضت بعده فطهرت عدتها أولى، ثم إن حاضت فطهرت عدتها ثانية، ثم إن حاضت فقيل: بمجرد الحيض تخرج من عدتها، وقيل: بل لا بد أن تطهر من حيضتها تلك، والفرق قليل ومدته يسيره، والاحتياط الأخذ بالأشد، أي: اعتبار الأطهار، وهو مذهب المالكية وأهل المدينة أن المقصود بالأقراء: الأطهار. والعدة قد تهدم وقد تتداخل، فهدمها كما إذا طلق الرجل امرأته، فلما حاضت حيضتين طلقها في الطهر الثالث قبل انتهاء عدتها، فهذا الطلاق يهدم العدة الماضية وتستأنف عدة من جديد. وكذلك قد تتداخل العدد، كمن وطئت بشبهة وهي معتدة أو تزوجت من غير أن يعلم الزوج أنها معتدة، فوطئها في عدتها ففرق بينهما، فلا بد أن تعتد من هذا الوطء الفاسد، ثم ترجع إلى عدتها الأولى.وكذلك عدة الوفاة تهدم عدة الطلاق؛ كما إذا طلق الرجل امرأته، وفي أثناء عدتها مات؛ فموته هادم لتلك العدة فتبدأ إحدادها من جديد أربعة شهور وعشراً، إلا إذا كانت حاملاً فلا فرق؛ لأن عدتها هي وضع حملها، سواءً أن كان ذلك من طلاق أو من وفاة. الاستبراء من الأمور التي تشبه العدة الاستبراء، والاستبراء المقصود به: طلب براءة الرحم، أي: الاستدلال على أن الرحم غير مشغول بالحمل، وذلك فيما إذا كانت المرأة موطوأة بشبهة أو كانت أمة فبيعت فلا بد من استبرائها، أو كانت كافرة فسبيت أو أسلمت فهدم إسلامها نكاحها السابق فلم يسلم زوجها في عدتها، فكل ذلك يقتضي استبراءً، وهذا الاستبراء هو أن يوقن الإنسان أن الرحم بريء من الحمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه حرث غيره )، والمقصود بذلك: ألا يطأ حاملاً من غيره. والاستبراء في حق الحرة هو كالعدة على الراجح إلا في مسائل محصورة وهي: الزنا واللعان؛ لأن اللعان كالزنا، والنكاح في العدة، وكذلك الردة أيضاً فهذه تستبرأ فيها بحيضة واحدة، أما ما سوى ذلك فاستبراؤها كالعدة، فتستبرأ بثلاث حيض، واستبراء الأمة دائماً بحيضه واحدة.وهذا الاستبراء لا تغني عنه الفحوص الطبية، ولا إخبار الأطباء، ولو كان ذلك محصلاً للعلم؛ لأن الشارع إنما بنا هذه الأمور على الستر والدرء، والأنساب كلها مبنية على الستر والدرء؛ ولهذا قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، فلم يقل: (وعلى الوالد رزقهن وكسوتهن بالمعروف) لأن الزوج قد لا يكون والداً في علم الله، لكن المرأة قطعاً والدته؛ فلذلك قال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233]، وقال في الرجل: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233]. أما في أمور الآخرة فإن الأمور تنكشف وتتضح؛ فلذلك قال: لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، ففي يوم القيامة تنكشف الأمور، ويعرف الوالد من غيره، فلذلك جاء الجزم به في القرآن. النفقة والسكنى للمطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا حصل الطلاق الرجعي فكانت في عدة وهي غير مبتوتة فيلزم الزوج النفقة والسكنى، فيلزمه أن ينفق عليها، ويلزمه أن يسكنها من وجده بالمعروف، والنفقة والسكنى دائماً بالمعروف عرفاً بين الناس، كذلك يختلف باختلاف النساء، فمن كانت شريفة كريمة، وكان مستواها الاجتماعي رفيعاً فلا بد أن تكون نفقتها على حسب مستواها فيدخل فيها الإخدام، ويدخل فيها أنواع الفرش التي تحتاج إليها، ويدخل فيها أيضاً ما تحتاج إليه من الزينة، ومن كان مثلها يخدم نفسه فلا إخدام ولها النفقة بالمعروف، وإذا لم يحدد القاضي نفقة للزوجة رجع في ذلك إلى العرف، فإن حدد القاضي نفقتاً للزوجة، لإحدى زوجات الرجل، كان ذلك تحديداً لزوجاته الأخر، إلا إذا تفاوتنا في المستوى، فتفاوتهن في المستوى معتبر.وهذه النفقة المرجع فيها إلى المعروف للمروءة، وكذلك السكنى فإنه من وجد الإنسان، أي: مما يجده الإنسان ويتمكن منه لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].وكذلك المتوفى عنها فإنها محبوسة عن الزواج بسبب عصمة الزوج الذي مات فيلزم إسكانها في بيته حتى تنتهي عدتها لقول الله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، وهذا مما يخالفه النساء كثير، فكثير من النساء يخرجن من بيوتهن بمجرد الطلاق أو موت الزوج، وهذا محرم شرعاً، بل عليها أن تثبت في مكانها، فالمطلقة تستقر في مكانها، لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، والمتوفى عنها كذلك نهاها الله عن الخروج فقال: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، ولا استثناء في هذه القاعدة إلا عند الخوف عليها، فإن خيف عليها من الوقوع في المحرمات والفواحش، وعرف أن المكان غير آمن بالنسبة إليها فحينئذ توضع في مكان آمن حتى تنتهي عدتها. وكذلك فإن المطلقة المبتوتة، سواءً أكان طلاقها واحدة بائناً، أو كان طلاقها ثلاثاً؛ فإنها ليس لها نفقة ولا سكنى، وقد قال بعض أهل العلم: لها السكنى فقط دون النفقة، لكن بما أن ذلك من لواحق النكاح فمن المعلوم أنها لا ترث، فإذا كانت لا ترث فكذلك الحال بالنسبة للنفقة، فالمبتوتة لا ترث باتفاق جميع أهل العلم، فكذلك نفقتها تابعة للميراث، فلا نفقة لها ولا سكنى؛ لأنه قد حسم ما يتعلق بالعصمة بمجرد بتها، ويعترض على هذا فإن المتوفى عنها أيضاً قد حسمت العصمة بالنسبة إليها بالموت، لكن يجاب عن ذلك باحتمال وجود الحمل، وهذا الاحتمال يوقف عليه القسم، قسم الميراث، فالحمل مؤثر في الميراث؛ ولذلك فإن للحمل ست صور في الشرع، أي: هي الصور المعتبرة، هي إما أن ينفش الحمل فلا تلد شيئاً، وإما أن تلد ذكراً واحداً، وإما أن تلد أنثى واحدة، وإما أن تلد مثلاً عدداً من الذكور أو عدداً من الإناث، أو أن تلد عدداً من الذكور والإناث معاً كأن تلد ذكراً وأنثى، أو ذكرين وأنثى، أو أنثيين وذكراً؛ فالصورة واحدة، وكذلك الصورة السادسة من هذه وهي أن يموت الجنين قبل أن يستهل صارخاً.فالصورة الأولى: وهي انفشاش الحمل، والصورة الثانية: أن يموت قبل أن يستهل صارخاً، لا تأثير لهما في الإرث، والصور الأخرى كلها مؤثرة في الإرث قد تقتضي حجباً، وقد تقتضي تغييراً للمسألة من أصلها. بعض المخالفات الشائعة لكثير من الناس في باب فرق النكاح أنبه كذلك على أن من المخالفات الشائعة في هذا القبيل في باب الفرق، ما يقع في كثير من الأحيان من طلب النساء أزواجهن الطلاق، فيبادر الزوج إلى إيقاع ما طلبت، فتقول هي: قد طلبت ثلاثاً، ثم بعد ذلك يندمان فيريدان الرجوع، وهذا لا يمكن فإذا حصل الفراق البات فلا رجوع؛ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ ولذلك ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصارية التي شكت إليه زوجها الذي تزوجها بعد أن طلقها زوجها الأول، فذكرت أنما معه كالهدبة قال: أتريدين أن تراجعي رفاعة ؟ قالت: نعم، قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )، فلا يمكن أن يقع التحليل إلا بعد الدخول، ولا عبرة في مجرد العقد إذا لم يكن معه دخول؛ فلذلك قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وقد ذكر أهل التفسير أن من الحكم في قول الله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، أنه لم يقل: حتى ينكحها زوج غيره، بل قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ لأنها هي قاصدة للتحليل والرجوع إلى الزوج، فإن كان زوجها قاصداً لذلك حرمت، وكان تحليلاً، والتحليل إذا قصده المحلل حرم، والمحلل ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا لم يقصده المحلل، وقصدته هي فلا حرج؛ لأنه قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ لأنه هو الذي بيده الطلاق، أما هي فليس بيدها ذلك.وكذلك من المخالفات أن كثيراً من الناس يظنون أن الطلاق في الغضب لا يحصل، وهو دائماً على غضب فيريدون إرضاء كل تصرفاتهم، وهذا ما تشكى منه ابن عاشر رحمه الله في زمانه حيث قال: يزهدني في الفقه أني لا أرىيسائل عنه غير شخصين في الورى فزوجان راما رجعة بعد بتةوذيبان راما جيفة فتكاشرافلا يسأل عن الفقه بين الناس إلا هذان القسمان من الناس، رجلان تبايعا فغبن أحدهما الآخر وظلمه فأراد الفصل بينهما، وهما يرغبان في أمور الدنيا والتزيد فيها، فهذا يقول: نحن تبايعنا بعقد فاسد ربوي، ولا أعطيك إلا رأس المال فقط، والآخر يريد تلك الزيادة، أو زوجان راما رجعة بعد بتة، حصل بينهما البتة وهما يريدان الرجوع حيث لا يمكن ذلك.كذلك فإن من المخالفات التي تنتشر في مجتمعنا أن كثيراً من الرجال لا يحسنون أحكام الطلاق فيقدمون على هذه الأحكام دون أن يتعلموها، وهذا ما انتقد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبد الله ، فقال: (هذا الذي لا يحسن أن يطلق امرأته)؛ فلذلك لا بد أن يتعلم الإنسان هذه الأحكام وأن تكون له ثقافة عامة فيها قبل الإقدام عليها، وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36].كذلك الاستعجال في الطلاق؛ فإن كثيراً من الناس يستعجل فيه لأتفه الأسباب وأدناها، وقد قال أحد الحكماء: (إن بعض الرجال لا يصلح له في الدنيا إلا نساء الجنة) فلذلك يستعجلون في الطلاق دائماً في كل الأمور ويفصلون العصم لأتفه الأسباب وأقلها، وهذا قطعاً مخالف للحكمة الشرعية ومناف لقصد البقاء والدوام في هذا العقد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم مما يدعو إلى الائتدام والبقاء فيه فقال: ( فذلك أقمن أن يؤتدم بينكما )، أي: أن تدوم الوصلة بينكما.وكذلك من المخالفات التي تقع في هذا الباب: الإكثار من الطلاق البدعي؛ فكثير من الناس يطلق ثلاثاً دفعة واحدة، وكثير منهم يطلق في طهر مس فيه، وكثير منهم يطلق وامرأته حائض وكل ذلك حرام شرعاً، وهو بدعة منكرة، وقد اختلف أهل العلم أن يحصل الطلاق البدعي ويعتد به أم لا؟ ومذهب جمهورهم أنه يحصل ويعتد به لكن صاحبه آثم، وإن طلقها طلقة واحدة وهي حائض أو في طهر قد مسها فيه وجب عليها أن يرتجعها، والرجعة تكون بالنية والإشهاد وبالكتابة، ولا تكون بمجرد الفعل، فليس وطئها في عدتها رجعة على الراجح، حتى يصرح بارتجاعها أو يشهد عليه أو حتى ينويه، ونيته إنما تعرف بالإشهاد أو الكتاب أو تصديقها هي له.إذاً: هذا بعض ما يتعلق بالفرقة بين الزوجين، وسنتكلم بعدها -إن شاء الله- فيما يتعلق بتربية الأولاد وحقوقهم.نسأل الله تعالى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الأسئلة تغيير صيغة الحديث من المفرد إلى الجمع والعكس السؤال: الحديث الذي جاء بصيغة المفرد هل يجوز أن يقرأه شخص بصيغة الجمع إذا كان يدعو لجماعة؟الجواب: نعم، إذا كان الإنسان يدعو لجماعة فله أن يغير صيغة الدعاء حتى تتلاءم مع الجماعة، وكذلك إذا كان الحديث جاء بصيغة الرجل فأرادت امرأة أن تدعو به فإنها تغير الضمائر، وما يحتاج إلى تغييره من الأسماء؛ فسيد الاستغفار مثلاً: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك.. )، فالمرأة تقول فيه: ( خلقتني وأنا أمتك ). طلب المرأة المطلقة الزواج بآخر لتحل لزوجها الأول السؤال: هل يجوز لامرأة حرمت على زوجها أن تطلب من رجل أن يتزوجها حتى تحل لزوجها الأول، مع العلم أنها لا تطلبه الطلاق ولكنها تظهر له ما يدعوه إلى ذلك؟الجواب: أنه إذا اتفق هذا الرجل معها على أنه محلل حرم ذلك ولم يقع التحليل به، وإن لم يتفق معها على ذلك وإنما طلبته الزواج فتزوج بها، فبدا له أن يطلقها فقد حلت لزوجها الأول، ولا يحل لها هي أن تضايقه حتى يطلقها، لكن يحل لها أن تخالعه إذا أرادت الرجوع لزوجها الأول.وإذا قصد الإنسان مصلحة أسرة مثلاً ولم يتفق مع الزوجة على أنه محلل، وقصد أيضاً أنه متى ما بدا له الاستمرار على هذا النكاح فسيستند عليه ولم يرد به التوقيت فيكون ذلك جائزاً، إذا أراد الزواج فإن صلحت له استمر، وإلا استطاعت أن تتزوج زوجها الأول فهذا لا حرج فيه، وهو مثل النكاح بنية الطلاق، إذا كان الإنسان ينوي الطلاق في المستقبل، وهو لا يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، فقد لا يستطيع الطلاق أصلاً. دعاء الإنسان في القنوت بالشيء الذي يحتاجه السؤال: هل يجوز لشخص يحتاج إلى شيء أن يدعو به في القنوت؟الجواب: نعم، يدعو الإنسان في صلاته بما احتاج إليه، فعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما: أنه كان يسأل الله كل شيء في الصلاة حتى الملح في الطعام، فيدعو الإنسان بما شاء، وإن كان لدنيا. الدعاء على أمريكا وأعداء الله في القنوت السؤال: هل يجوز الدعاء في القنوت على أمريكا وأعداء الله؟الجواب: نعم، يجوز ذلك، بل هو مطلوب شرعاً وهو من الجهاد وهو مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته على عصية ورعل وذكوان، ودعا على قريش كذلك في قنوته. الجمع بين اعتبار الطلاق بالثلاث دفعة واحدة بائناً وبين آية: (الطلاق مرتان ...) السؤال: ما التوفيق بين اعتبار الطلاق بالثلاث دفعة واحدة بائناً، وبين آية: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]؟الجواب: أنه لا تعارض بين هذا؛ فالآية تتعلق بالطلاق مرتين، والمسئول عنه يتعلق بالطلاق ثلاثاً. لمس الأجنبية في رمضان السؤال: هذا السؤال عن حكم من أخطأ أو تعمد لم أجنبية في رمضان فما حكمه؟الجواب: إن انكسرت لذته فخرج منه مني أو مذي فقد لزمته الكفارة والتوبة والقضاء، وإن لم تنكسر فتلزمه التوبة فقط، ولا يلزمه قضاء ولا كفارة، لكن لا بد أن يعلم أنه قد أتى أمراً عظيماً ووقع في ذنب شديد في الشهر العظيم. مدى اعتبار القول للموسوس في الوضوء بأنه توضأ مرات عديدة كذباً السؤال: عن حكم شخص من أهل الوسوسة يسأل في الوضوء: هل فعلت كذا؟ فيقول له: قد فعلت مراعاة لصاحب الوسوسة لكثرة التكرار عنده، فهل هذا فيه كذب أم لا؟الجواب: ليس فيه كذب، بل عليه أن يقطع عليه وسوسته؛ لأن الوسوسة من اتباع خطوات الشيطان، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21]. أدوات التجميل للنساء السؤال: عن أدوات التجميل للنساء هل هو جائزة كلها أم لا؟ وخصوصاً شارلي ونحوه؟الجواب: إن الله تعالى أجاز للنساء الزينة بالإطلاق، وما كان من الزينة محرماً فقد جاءت النصوص به؛ كالنمص والوشم والوشر ونحو ذلك؛ فهذا هو المحرم من التزين، أما ما سواه فالأصل فيه الإباحة، وأما الدهانات والكريمات التي سئل عنها فما كان منها طاهراً فيجوز استعماله قطعاً، وما كان منها صبغاً يطلى فوق الجسد، فإن كان حائلاً يحول بين وصول الماء إلى الجسد حرم في وقت الطهارة، وإن لم يكن كذلك.. أي: إن كان في غير وقت الطهارة فلا حرج به إذا كان يمكن إزالته في وقت الطهارة، وما كان من أصل نجساً كشارلي الذي يصنع من مشيمة الحمل فإنه عولج بالكيمياء وتغير عن أصله، وما تغير عن أصله من المواد مختلف فيه على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يطهر مطلقاً.والقول الثاني: أنه يبقى على نجاسة أصله. والقول الثالث: أنه يفرق فيه بما استحال إلى صلاح كان طاهراً، وما استحال إلى فساد بقي على نجاسته.وعلى هذا فالراجح فيه الطهارة وأنه يجوز استعماله وبيعه وشراءه..ومثل ذلك لبن الجلالة وكالزرع بالنجس ونحو ذلك، وكالخمر إذا تحجرت أو خللت، فكل ذلك من فروع هذه القاعدة. معنى الوشر والنمص السؤال: ما هو الوشر؟ وما هو النمص؟الجواب: الوشر هو تحديد الأسنان بالمبرد. والنمص: ترقيق الحاجبين. لحوم الدجاج المستورد من الخارج السؤال: عن حكم لحوم الدجاج المستورد من الخارج؟ الجواب: وقد سبقت الإجابة عنه وكثرت، قد بينا أن ما كان منه من بلاد الكفر ويعلم الإنسان أن الشركات يعمل فيها البوذيون والهندوس والسيخ فإنه لا يجوز استيراده وهو جيفة غير مذكىً؛ فلا يحل بيعه ولا شراؤه، ولا استعماله. حقيقة الأفضلية لصلاة الجماعة في مسجد الجمعة على غيره من المساجد السؤال: أصحيح أن صلات الجماعة في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة أفضل بخمسمائة درجة من الصلاة في المسجد الذي لا تصلى فيه الجمعة، وما دليل ذلك؟الجواب: هذا غير صحيح، ولم يرد فيه نص، ومساجد الجماعة التي يقصدها الناس من بعيد أفضل من مساجد القرية، المساجد القليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك في حديث أم حميد الساعدية فبين لها أن صلاتها في بيتها أفضل لها في صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها أفضل لها من صلاتها في المسجد الجامع؛ فدل هذا على أنه في حق الرجال وفي حق من لا يخاف منها ولا يخاف عليها، والصلاة في المسجد الجامع أفضل من الصلاة في مسجد قومها، وهكذا. الفرق بين ما يسجد للسهو فيه من الفريضة والنافلة السؤال: هل كل ما يسجد له من السهو في الفريضة يسجد له في النافلة، أم أن هناك فرقاً بينهما وما هو بالتحديد؟الجواب: أن النفل كالفرض إلا في مسائل محصورة وهي: أن الفريضة لا يمكن أن يزيد الإنسان عدد ركعاتها، فالصبح ركعتان، ولا يحل للإنسان أن يتعمد الزيادة على ركعتين، والظهر أربع، ولا يحل له أن يتعمد الزيادة على ذلك، وكذلك العصر والعشاء والمغرب ثلاث ولا يحل له أن يتعمد الزيادة بخلاف النفل؛ فيجوز للإنسان أن يتنفل باثنتين ويجوز له أن يتنفل بأربع، وعند الشافعية يجوز له أن يتنفل بواحدة أيضاً حتى في غير وقت الوتر، وقد روي ذلك عن ابن عمر .وكذلك بالنسبة للوتر يجوز له أن يوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع، فكل ذلك يمكن أن يفعله الإنسان وهذا فرق بين النافلة والفريضة، فلذلك إذا قام الإنسان لخامسة في الفريضة فإنه يرجع مطلقاً ويسجد، أما إن كان ذلك في النفل فقام لثالثة فإن عقد الركوع فإنه يستمر حتى يجعل التنفل حينئذ بأربع، ولا يلزمه السجود، ومسائل أخرى مثل الفاتحة وما يتعلق بالسورة أيضاً في النفل، وهي ست مسائل يذكرها الفقهاء بعضها عليها دليل من القواعد العامة، وبعضها استحسان فقط. اختصاص الإمام بباب يدخل فيه وحده إلى المسجد السؤال: هل صحيح أن باب الإحرام للمسجد لا يجوز دخول غير الإمام منه؟الجواب: لا، ولكن فقط إذا كان للإمام مكاناً يختص به، فإذا كان ذلك في أيام الخليفة مثلاً فخروج الناس منه بغير إذنه غير جائز، وقد كان معاوية رضي الله عنه عمل محراباً، وهو أول المحارب التي عملت في الإسلام، وكان هو مقصورة لها باب يختص به، فلا يدخل منه غيره. تكبير بعض الأئمة للركعة الثالثة بعد الاعتدال في القيام السؤال: لقد اعتدنا من كثير من الأئمة ألا يكبروا للركعة الثالثة إلا بعد الاعتدال في القيام فهل لذلك أصل؟ الجواب: نعم، بالنسبة للركعة الثالثة تشبه ابتداء الصلاة، فلذلك يجوز للإنسان أن يكبر في أثناء الانتقال حتى يقوم ويجوز أن ينتظر حتى يقوم فيكبر، وبالنسبة لرفع اليدين يجوز أن يفعل وهو جالس، ويجوز أن ينتظر به حتى يقوم. الفرق بين النفس والروح السؤال: ما الفرق بين النفس والروح؟الجواب: هذا محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أن الروح تطلق على القوة التي بها الحياة، وأن النفس تطلق على باطن الإنسان؛ فالنفس هي ما يسمى بالقلب مثلاً، والروح تشمل كل القوى الباطنية فيدخل فيها: النفس والقلب والعقل والبصيرة وغير ذلك؛ ولهذا فالحيوانات لها أرواح وتقبض عند الموت، ولكن ليس لها تلك القوى، فليس لها عقل مثلاً فهذا يختص بالإنسان. الراجح في الخلاف في تحية المسجد في أوقات النهي السؤال: ما الراجح في الخلاف في تحية المسجد في أوقات النهي؟ الجواب: إن جانب الحول مقدم على جانب الأمر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات محدودة، فيبقى النهي أقوى فيها. وأما ذوات الأسباب استثناها الشافعي و أحمد في ذلك، ولكن دليلهم بذلك القياس على حديث أخرجه أبو داود في السنن وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً من الأنصار يصلي بعد الفجر فقال: ألم تشهد معنا الصلاة؟ قال: نعم؟ قال: فماذا أنت تصلي؟ قال: ركعتي الفجر ... عنهما بالصلاة فسكت )، فقاس الشافعية والحنابلة ذوات الأسباب على هاتين الركعتين من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الآخرين قالوا: إنكاره ودعاؤه للرجل وسؤاله عن تلك الصلاة دليل على ذلك النهي وعلى إطلاقه ... ما أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عمر بن الخطاب : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب ). طلب الزوجة السكن لوحدها مع وجود أم الزوج المحتاجة لمن يقوم برعايتها السؤال: رجل له أم وزوجة وهو الوحيد بالنسبة لأمه التي بلغت من الكبر عتياً، والزوجة مصرة على السكن وحدها دون الأم، فهل يجوز له ذلك مع العلم أن بعض الفقهاء أفتوها بذلك؟ الجواب: الزوجة -كما سبق- إنما يقصد بها العون على البر والطاعة، ولا يقصد بها أن تكون سبباً لقطيعة الرحم، ولا سبباً لائتلاف الأم؛ فليس بديلاً عنها؛ فلذلك يجب على هذه الزوجة أن تعين زوجها على بر أمه، وأن تساعده على ذلك، ولا يحل لها فصل هذا الرجل عن أمه الكبيرة المحتاجة إليه، ولتصبر وتحتسب؛ ففي خدمتها لأم هذا الزوج من الخير العظيم والأجر الكثير الشيء الكبير، ولا يحل للزوج أن يترك أمه للضياع وهو الوحيد عندها، وليس لها ولد سواه ولا بنت فلا بد من قيامه بشئونها، فالزوجة إن استطاعت البقاء معها فالحمد لله، فقد أعانته على بر أمه، وإن لم تستطع فلا بد أن يبحث عن بديل وهو أن يتزوج عليها أخرى تسكن مع أمه، وترضى زوجته بذلك فلا بد أن ترضى به. ولا يحل له أن يضيع حقه أمه. التعامل بالربا وكيفية التخلص منه السؤال: رجل تبايع بيعة ربوية مع آخر وبعد أن تأكد من عدم جواز هذا النوع من البيع رفض صاحبه ذلك؛ فهدد خصمه فهل يستمر معه في هذه المعاملة لما حصل بينهما سابقاً؟الجواب: الله تعالى قال: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، وهذا الرجل قد تبين له أن ما عقده من البيع محرم، فيجب عليهما أن يتوبا إلى الله سبحانه وتعالى وألا يأخذ الأول إلا رأس ماله فقط، وألا يأخذ أكثر منه، ولا يجوز لهما الإقدام على إكمال ذلك. ما يلزم من ترك الوضوء جهلاً السؤال: هل ترك الوضوء مدة من الزمن جهلاً من التارك أنه مطالب به؛ كامرأة كانت تجهل أنها إذا لم تقدر على الاستنجاء فليس عليها أن تتوضأ؛ فهل يلزمها قضاء الصلاة التي كانت تصليها بالتيمم؟ الجواب: من ترك الوضوء مدة من الزمن جهلاً، وكان يصلي بالتيمم، وكان جاهلاً للحكم بالكلية، فالراجح أنه لا يلزمه قضاء شيء مما مضى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته لقضاء شيء مما مضى، ولكن يلزمه الإحسان في المستقبل وإتقان صلاته. امتناع المطلقة من الرجوع إلى بيت زوجها مع مطالبة الزوج بذلك السؤال: امرأة طلقها زوجها، وظل يأتيها يطالبها بالرجوع فتمتنع حتى انتهت عدتها فجاء إلى خالتها وقال لها: إنه ارتجعها، وفي الوقت الحالي العدة قد انتهت، فما حكمها؟الجواب: إن كان أخبرها أنه ارتجعها وهي ما زالت في العدة فهي آثمة بتأخيرها، ويجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تعلم أن امتناعها ذلك معصية عظيمة، ويجب عليها أن تطاوع زوجها وأن تبره، وإن كانت تعلم أنه لم يراجعها حتى انتهت عدتها فهذه الرجعة باطلة؛ لأنها وقعت في غير محلها. فطام الولد واتفاق الوالدين على مدة الفطام السؤال: امرأة فطمت طفلها وهو في الشهر الخامس بعد سنة من عمره لسبب ذهاب إلى دولة خارجية مع خالتها التي تحتاج إليها أو بسبب مرض فما هو حكمها؟ الجواب: فطام الولد حق للزوجين معاً، فإذا رضي الزوج بأن تفطم المرأة ولدها قبل إتمام الرضاعة فلهما ذلك، ويجب عليهما أن ينظرا إلى مصلحة الولد، فقد حدد الله تعالى مدة الرضاع بحولين كاملين، فقال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وقال: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وقال: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، فلذلك يلزم أن يتفقا معاً وأن يكون ذلك لمصلحة الولد مصلحة الولد، وقد قال العلامة محمد عالي رحمه الله:الحق في الرضاع للأبين معاًفلا ينقص عن حولينإلا إذا ما كان عن وفاقولم يضر قال عبد الباقي نظر كل واحد من الزوجين إلى عورة الآخر السؤال: ما حكم نظر كل واحد من الزوجين إلى عورة الآخر؟الجواب: أن هذا من الأمور الجائزة، فيجوز لكل واحد منهما النظر إلى عورة الآخر، ولكن ليس ذلك محبوباً ولا محموداً؛ فالأفضل عدم ذلك لكنه من الأمور الجائزة. النظر إلى النساء المتبرجات في التلفاز السؤال: عن حكم النظر إلى النساء المتبرجات في التلفزيون؟ الجواب: إن ذلك مما لا يجوز؛ فلا يجوز النظر إلى السافرات اللواتي كشفن ما لا يحل له كشفه، بل يجب غض البصر عنهن، وإن كان الإنسان سيستمع إلى الأخبار فربما جاءت فيها لقطة مثلاً من بعض النساء السافرات فلا حرج لأن ذلك من النظرة الأولى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك النظرة الأولى ). كيفية تغيير المنكر داخل البيت إذا كان من الأخت أو الأم السؤال: ما رأيك فيمن له أخت تجتمع مع الرجال في المنزل، وإذا أراد أن يغير هذا المنكر نهرته والدته عن ذلك فهل يتوقف؟الجواب: هذا الولد يجب عليه تغيير المنكر إن قدر عليه، ولا يلزم إذا عجز عنه كما إذا حالت أمه بينه وبين ذلك، ولكن يلزمه هو أن يعظ أمه وأن ينصحها، وأن ينصح أخته ويعظها بالتي هي أحسن ويبين لهما الحكم الشرعي في هذا، وإذا كان هو مسئول الأسرة وكبيرها فلا بد له أن يغير حينئذ لأن ذلك في سلطانه وتحت يده. محل القنوت في الركعة الأخيرة السؤال: [هل يجوز لقنوت جهراً في الركعة الأخيرة قبل الركوع وبعده؟]الجواب: نعم، يجوز القنوت جهراً في الركعة الأخيرة قبل الركوع وبعده. العدل بين الزوجات السؤال: سمعت أن هناك تغليظاً على الزوج بعدم عدله بين زوجاته، هل لذلك أصل في الكتاب والسنة؟ الجواب: نعم، قد أوجب الله على الأزواج العدل بين الزوجات، والمقصود به العدل في المبيت في القسمة، وأما العدل فيما يتعلق بالمحبة وفعل القلب فإنه لا يستطيع؛ وقد قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، فالقسم في المبيت واجب، والعدل فيما يتعلق بمحبة القلب غير ممكن، ولكن لا بد أن يجتهد في ألا يذرها كالمعلقة. الاحتلام في نهار رمضان السؤال: رجل نام في نهار رمضان فاستيقظ وهو جنب ماذا عليه؟الجواب: ليس عليه إلا الغسل ولم يتضرر صومه بذلك. قضاء صيام من مات وعليه صوم السؤال: شخص توفي وعليه صيام ولم يستطعه، فهل يصوم عنه غيره؟الجواب: إن كان الصيام الذي عليه من نذر فإن وليه يصوم عنه، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن كان الصيام من واجب كرمضان مثلاً فلا يجب على وليه القضاء عنه، لكن إذا قضى عنه فإن الراجح أن ثواب ذلك يصل إليه. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:37
فقه الأسرة [6] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي ) من أعظم نعم الله على العباد منحهم الأولاد زينة لحياتهم، وكما أنها نعمة إلا أنها مسئولية عظيمة، يجب العناية بها في كل المراحل، بداية بالحمل وما يترتب عليه من تأثير على الجنين، ومروراً بمرحلة الولادة والطفولة، ثم مرحلة التعليم والفتوة، فيجب الحرص على إعطاء كل مرحلة حقها من التربية والتأديب، والقيام بشكر هذه النعمة كما ينبغي. نعمة الأولاد والواجب تجاهها بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد الله رب العالمين, وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنة إلى يوم الدين.أما بعد:فإن من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده ما يهبه لهم من الأولاد، وهي نعمة لا يستطيع الإنسان الحصول عليها إلا بقدر الله سبحانه وتعالى ومشيئة، ولذلك عد هذه الخصائص الإلوهية فقال: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50], وهذا التقسيم حاصر، فإن أقسام الناس في الذرية محصورة في هذه الأربعة يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا [الشورى:49], من وهب له الإناث ولم يوهب له الذكور هذا القسم الأول. وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49], من وهب له الذكور دون الإناث وهذا القسم الثاني. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا [الشورى:50], من وهب له الثنتان معاً وهذا القسم الثالث. وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:50], وهذا القسم الرابع.فالتقسيم إذاً حاصر لا يكون من الخلائق إلا من هو من أحد هذه الأصناف الأربعة. وهنا بين الله تعالى أن ذلك لا يكون إلا بقدره، وما يوهب من الذرية إنما هو هبة من الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يطلب بالأسباب, فطلب الذرية ما هو إلا بمثابة استزراع الزرع، فالإنسان يحرث الأرض ويجعل فيها الحب، ولكنه لا يدري ما يخرج منها، إلا ما أراد الله إخراجه, ولذلك قال الله تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:8-9], وقد قال الزمخشري رحمه الله: إنما الأرحام أرضون لنا محترزاتفعلينا الزرع فيها وعلى الله النباتفالله سبحانه وتعالى هو المنبت، ولذلك قال في سورة الواقعة: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة:63-64], فلا يمكن أن ينبت شيء منه إلا بقدر الله سبحانه وتعالى وتدبيره. مسئولية الرعاية والعناية لكن هذه النعمة تترتب عليها مسئولية عظيمة جسيمة، وهي مسئولية الرعاية والعناية، فالإنسان يخلق من ضعف ثم يصل إلى القوة، ثم يرجع أدراجه إلى الضعف والشيبة، ويخرج من بطن أمه جاهلاً لا يعلم شيئا، ولكنه مؤهل للعلم، فله ثلاثة أنواع من أنواع الإدراك تابعة لأصل خلقته. فالإنسان خلق من ثلاثة عناصر وهي: العقل الذي شرف به على الحيوان, والروح التي هي نفخة غيبية من أمر الله, والبدن الذي هو من تراب.وكل واحد من هذه العناصر الثلاثة له إدراك يدرك به, فالروح إدراكها إنما يقع بالوجدان والإحساس فيحس الإنسان باللذة والألم، وما يعتريه من الرضا والغضب وغير ذلك، وهي أمور لا تدرك بالحواس فليس للبدن بها صلة، ولا تدرك أيضاً بمقتضيات العقول وترتيب الأدلة، فلا هي مما يدرك بذلك ولا يستطيع أحد أن يقنع أحداً أنه راضٍ أو أنه غضبان أو أنه سعيد أو أنه متألم، فهذه الأمور وجدانية يجدها الإنسان في خاصة نفسه. وما يظهر عليها من الشوائب التي تدل عليها في بدن الإنسان هي عوارض تتفاوت بين الناس، فقد يجد الإنسان سبباً عظيماً للألم فلا يتألم، وقد يجد سبب عظيماً للذة فلا يلتذ, وقد يجد سبباً عظيماً للرضا فلا يرضى, وقد يجد سبباً عظيماً للغضب فلا يغضب، فكل ذلك يرجع إلى الأمر النفسي.ثم بعد هذا إدراك العقل، وهو بترتيب الأدلة وتركيب الجزئيات على الكليات، ويستطيع الإنسان توصيله إلى غيره، فمدركات العقول متعدية، كل أمر اقتنعت به في عقلك تستطيع أن تقنع به الغير، بخلاف الأمر الذي اقتنعت به في روحك وميزانك فلا تستطيع أن تقنع به الغير. ومن هنا فإن ما يراه الإنسان في المنام هي من مدركات الأرواح، وليست من مدركات الأبدان ولا من مدركات العقول، فلا يستطيع الإنسان أن يقنع بها الغير, فما تراه في المنام لا تستطيع أن تريه شخصاً آخر، ولا أن تسمعه إياه، فهو من مدركات الأرواح ولا يتعدى العقول ولا إلى الأبدان.وأما مدركات الأبدان فهي ما يدرك بالحواس الخمس، عن طريق السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، فلها إدراكها, ولذلك امتن الله تعالى بها فقال: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [النحل:78], فهذه جامعة لما ذكر، فالسمع والأبصار هما أكبر الحواس فائدة وأكثرها توصيلاً للعلم فيما يتعلق بالبدن، والأفئدة تشمل إدراك الأرواح وإدراك العقول، فهي شاملة للجانبين السابقين, لكن لا بد في نشأة الإنسان وبداية ضعفه من أن يخضع لرعاية وعناية هي التي تسمى بالتربية. مسئولية التربية السليمة وأطوارها وهذه التربية مسئولية عظيمة جسيمة، يحتاج فيها الإنسان إلى إدراك عظم تحملها، وأن يقوم بها على وجهها الصحيح, ولذلك لم يكل الله سبحانه وتعالى إلى الإنسان في خاصة نفسه، بل عهد به إلى والديه وكلفهما بتربيته والعناية به، ثم بعد ذلك عهد بمتابعة التربية إلى المجتمع, فالتربية عملية معقدة تمر ثلاثة أطوار:الطور الأول: يكون فيه الإنسان غير مشارك في تربية نفسه لا تخطيطاً ولا تنفيذاً, فلا هو يخطط لنفسه ولا هو ينفذ ما خطط له, وهذا الطور لا يمكن أن يوكل فيه الإنسان إلا إلى أقرب إنسان إليه وذلك والداه اللذان أنجباه، فعهد الله به إلى والديه في هذا الطور؛ لأنه هو غير مشارك في العملية لا تنفيذاً ولا تخطيطاً. الطور الثاني: الإنسان فيه مشارك في التنفيذ، وغير مشارك في التخطيط، كالطالب في المدرسة، فالبرامج معدة مسبقاً سلفاً، وهو مشارك في التنفيذ؛ لأنه محور العملية التعليمية, فهذه يقوم به المجتمع بمؤسساته.الطور الثالث: ما يكون الإنسان فيه مشاركاً في الأمرين معاً، في التخطيط والتنفيذ، وذلك بما يدركه من التجارب ويختزنه في ذاكرة دماغه من القضايا التي يأخذ به التجارب المستقبلية. فالقسم الأول هو أخطر هذه الأقسام، ولا يمكن أن يعهد به إلى بعيد؛ لأن البعيد غير مؤتمن في كثير من الأحوال وبعده سبب للحسد والبغضاء، وسبب كذلك لعدم الرحمة، فاحتيج إلى أن يكون المشرف على هذا الوقت في حال الاستضعاف والمذلة من هو أبلغ رحمة, ولذلك لم توكل هذه التربية إلى الآباء فقط، وإن كانت لديهم الشفقة ولديهم العقول ومهاراتهم أقوى وأكبر، ولكن الرحمة ناقصة لديهم، فالرحمة لدى الأمهات أبلغ، فلذلك كان الحق مشتركاً بين الأبوين ما داما زوجين، فإذا افترقا كانت الأم أولى بالحضانة, فإذا تزوجت بغير أبيه سقط حظها بالحضانة، فتنتقل الحضانة إلى أمها إن كانت متصفة بالشروط الشرعية، فإن هي فقدت تلك الشروط انتقلت الحضانة إلى الخالة أيضاً إذا اتصفت الشروط الشرعية؛ لأن الخالة بمثابة الأم، فإن هي فقدت أو اتصفت بمانع أو بطل فيها شرط من الشروط رجعت الحضانة إلى الوالد، ثم إلى بناته وهن أخوات الصغير، وهكذا على ترتيب أولياء الإنسان في الحضانة. وهذه الحضانة هي جزء فقط من العملية التربوية وليست كلها, فلذلك يحتاج الإنسان إلى العناية بها ومعرفة جزئياتها, فأول ذلك: ما يحصل للإنسان عند مولده، فالإنسان ما دام جنيناً في بطن أمه لم يدخل بعد هذه الحياة فحياته تابعة لحياة أمه، تنفسه مما تدخله هي من الأكسجين، وتغذيته مما تتغذى به، والحبل السري الذي يخرج من سرته يدخل إليه ما يحتاج إليه من الطعام والأكسجين، وينقل عنه أيضاً فضلاته وما زاد من التعفنات التي يخرجها في دمه، فكل ذلك يذهب على الإنسان عن طريق هذا الحبل، فالحبل فيه سالب وموجب، فالسالب هو الذي يذهب بفضلات الإنسان، والموجب هو الذي يدخل إليه ما يحتاج إليه، مثل السلك الكهربائي الذي فيه القسمان معاً. فلذلك يحتاج فقط في هذه المرحلة إلى عناية بأمه، فالحامل لا بد من العناية بها ومراعاة ظروفها؛ لأنها لا تعيش حياة عادية، فكل شيء من حياتها هي مشاركة فيه حتى الهواء الذي تتنفس به في رئتها هي مشروكة فيه, ودمها الذي يجري في عروقها هي مشروكة فيه, وغذاؤها الذي تتغذى به هي مشروكة فيه، فلذلك تحتاج إلى رحمة وعناية خاصة. العناية بالجنين والمرأة الحامل ولهذا اعتنى الشارع بالحوامل، وبين ما لهن من الحقوق حتى لو كانت مطلقةً مبتوتة، فلا بد من رعايتها، ونفقتها وسكناها والقيام بمصالحها، وهذه الرعاية منها رعاية نفسية، فإن الأم إذا توترت في فترة الحمل أثر ذلك على الجنين فيخرج شديد الانفعال شديد الغضب والاكتئاب. وإذا كانت في فترة الحمل تشكو أمراضاً وآلاماً فإن ذلك يعود على بدن الجنين بالضعف، والشارع راعى هذه الأمور حتى في اختيار الأم من قبل هذا، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (أغربوا لا تضووا)، ومعنى ذلك: أنه ينصح الرجال بعدم تزوج القرائب الشديدة القرابة لما في ذلك من إضعاف الأولاد، وعندما رأى بعض أولاد المهاجرين قد ضعفوا أمرهم أن يتزوجوا من الأعراب، فتزوجوا من الأعراب فكان أولاد الأعرابيات ذوي قوة, وقديماً قال الشاعر الجاهلي:فتىً لم تلده بنت عم قريبةفيضوى وقد يضوى وليد القرائبِوهذا ثابت علمياً بالتجارب اليوم، فإن الإنسان في أصله مكون من نوعين من أنواع الأنسجة في دمه:النسيج الأول: قد يكون فيه نقص وهو النسيج الراجع إلى الذكور.النسيج الثاني: هو راجع للأنوثة، فقد يكون فيه نقص في أحدهما، ولكن ذلك النقص لا تظهره الخلقة إلا إذا ازدادت نسبته, فالنقص مثلاً إذا كان نقص واحد بالمائة أو ثلث واحد بالمائة أو ربع واحد بالمائة سيكون تأثيره معدوماً إذا لم يزدد, فإذا ازداد ذلك النقص بأن كان الزوجان من أسرة واحدة، وحصل النقص فيهما معاً فستكون النسبة مضاعفة إذا كان النقص في والده بنسبة خمسة على واحد في المائة مثلاً، والنقص في أمه بنسبة خمسة على واحد في المائة، سوف يكون النقص فيهما بنسبة واحد في المائة فتزداد النسبة.فلذلك يحتاج إلى مثل هذا النوع ومراعاته، وقد يكون النقص في جهة الذكور فقط، فتكون الأسرة التي هي منحدرة من أصل واحدٍ نقصها في أولادها الذكور، وقد يكون في الإناث فقط، وقد يكون فيهما معاً, ثم إن الحوامل أيضاً يعتريهن من الأمور الأخرى ما لا بد من مراعاته، فإن الله سبحانه وتعالى في أصل خلقة المرأة زادها في خلقتها سعةً في الحوض؛ لتتحمل الجنين على اتساع الرحم له، فالرحم في الأصل منكمش صغير، ولكنه يتسع مع طول الوقت, ولذلك له عنقان في الخاصرتين، وكل واحد من العنقين ينتج في كل شهر بويضة، فينتج هذا بويضة في الشهر، وفي الشهر الذي يليه ينتج الآخر, فإذا نزلت فهي قابلة للتلقيح، فإذا لقحت حصل الحول بإذن الله, وإذا لم تلقح كانت حيضاً، فهذا الذي يحصل منه تحصل منه الحيضة في الدورة. ثم إن أحواض النساء قد تتسع لجنين على قدر قامتها هي مثلاً! إذا كان الزوجان قامتهما متقاربة، فالعادة أن أولادهما يكونان على ذلك المقاس تقريباً، فيكون حوض المرأة متسعاً لجنين دائماً، فكمل مدة الحمل تسعة أشهر، وإذا زادت أسبوعاً أو نقصت أسبوعاً لا حرج، فالحوض متسع له, لكن إذا تباينت قامة الزوجين، فكانت المرأة طويلة مثلاً أو الرجل طويلاً وحصل التبيان بينهما في القامة فهذا يؤدي إلى اختلاف الحال، فسيكون الجنين مثلاً أكبر من الحوض، وحينئذٍ يحتاج إلى العملية القيصرية أو إلى الميلاد قبل أجله بالوسائل الأخرى، وهكذا فيحتاج إلى مراعاة هذا النوع كذلك. نفقة الحامل وتغذيتها وأثره على الجنين ثم إن نفقة المرأة في أمد الحمل مؤثرة كذلك على الجنين؛ لأنه يتغذى بها، فيحتاج إلى أن تكون من حلال؛ لأن اللحم إذا نبت من حرام فالنار أولى به كما في الحديث: ( كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به ), فلذلك لا بد من مراعاة الحلال حتى في مرحلة الحمل، أن تكون تغذية الجنين من حلال، وهو جنين في بطن أمه, وكذلك العناية بالأخلاق في هذه المرحلة، فالإنسان دائماً يتأثر بأخلاق من يخاله ومن يجالسه.ومن هنا شرعت أحكام الطريق التي هي في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها, فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه, قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ), فالطرق التي يمر بها الإنسان يتأثر بها؛ لأنه إذا سمع كلاماً فسيسهل عليه النطق به، وإذا كان ذلك الكلام غير مناسب فهذا خلق قد صار إليه بالعدوى وانتقل إليه, ولذلك فكثير من الذنوب ليست مقتصرة على صاحبها الذي فعلها؛ لأنه يصدرها للناس عندما يفعلها عياناً بياناً أمام الناس، فكأنه يدعوهم إليها ويصدرها إليهم, والذنوب غير المعهودة التي لا يراها الناس كثيراً يقشعرون منها إذا رأوها, والذنوب المعهودة الدارسة في الطرق إذا رآها الإنسان لا يقشعر منها عادة ولا ينكرها, ولذلك يقول العرب: كثرة المساس تمت الإحساس.ولهذا لا تسمعون الآن من ينكر الغيبة ولا الكذب، لكن إذا سرقت مائة أوقيه على تفاهتها من أحد الناس فسيقوم الناس على السارق جميعاً ويضربونه من اليمين إلى الشمال, لكن إذا نطق بالكفر أو أكل الميتة أو كذب فإنه لا أحد يضربه ولا يتهمه ولا يعيبه. والسبب أن هذا الذنب ليس أكبر من الآخر، فالكفر بالله أكبر الذنوب، لكن هذا الذنب أصبح معهود لدى الناس، هل سمعتم الآن من ينكر على أحد مرابٍ مثلاً! فيجلده بين الناس ويعيبه أو يضربه على رباه؟ لكنكم تشاهدون من سرق والناس يضربونه ويعيبونه. وأكل الربا أعظم من السرقة، وكلاهما من الكبائر المحرمة، لكن هذه الذنوب المدعومة هي مثل المواد المدعومة في الاقتصاد التي تدفع الدولة جزء من سعرها وتكلفتها، فتكون أرخص من غيرها، كذلك بعض الذنوب تكون مدعومة لدى المجتمع أو حتى لدى الدول والأنظمة، فتدعمها فيسهلها ذلك على الناس وتكون في متناول أيديهم، فيكثر الوقوع فيها، نسأل الله السلامة والعافية. أثر ما تشاهده الحامل وتسمعه على جنينها ومن هنا كان لا بد من رعاية الحامل لعدم تأثر جنينها بما تشاهده وما تسمعه من شؤم الذنوب في فترة الحمل، ومع ذلك فلا بد من خروجها، فالجنين يحتاج إلى نصيب من أشعة الشمس في بطن أمه، وهو من تمام نفقته، فإذا جلست أمه في البيت طيلة أمد الحمل فسيخرج ضعيف العظام معرضاً للكساح، ولغيره من الأمراض, لكن إذا نالته أشعة الشمس وهو في بطن أمه، فذلك مما يقوي عظامه وهو من نفقته وحقوقه. لكن لا بد أن يكون خروجها للشمس ومشيها بمنأىً عن الذنوب ومشاهدة المناكر، لما في ذلك من الضرر المعنوي أيضا. ثم بعد هذا إذا ولد فلا بد من العناية بالتوليد، وهو وظيفة من الوظائف الإسلامية، عدها ابن خلدون من وظائف الدولة الإسلامية، وعد أصبح التوليد من العلوم التي تستحق الدراسة، ومن المؤسف أن هذه العملية يقوم بها في زماننا في كثير من الأحيان الرجال، فالمتخصصون في الأمراض النسائية وفيما يتعلق بالتوليد أغلبهم من الرجال, وهذا ضرر وخطر، فيحتاج إلى إيجاد بدائل من النساء، يتعلمن ما يحتاج إليه في هذا الجانب، وهو فرض كفاية، ويجب على النساء أن يكون منهن من تتولى هذا الفرض، فتتهيأ لدراسته لتسد خلة هذه الأمة في هذا الجانب. وكشف الأطباء الذكور على النساء محل ضرورة فلا يتعدى فيها محلها، ولا ضرورة للخلوة، فلا يحل خلوة الحامل أو المرأة مطلقاً للطبيب، بل لا بد أن يكون معها زوجها أو من يرعاها, ولا تحل خلوة الطبيب بها وحدهما. وكذلك الكشف أيضاً يقتصر فيه على محل الضرورة فلا تتجاوز، فإذا استغنى عن بثها بالأجهزة لم يحل له مس شيء من بدنها، وإذا اضطر إلى المس أو الجس بحائل كأن يفعل يده في الكيس البلاستيكي، وجب عليه ذلك ولم يحل له بدون الحائل، فهذه الأمور كلها محل ضرورة، والضرورة لا تتعدى محلها، فلا يتجاوز بها الإنسان محلها. مراعاة ما تتناوله الحامل من علاج وأثره على الجنين ثم بعد هذا ما تتناوله من الأدوية لا بد أن يراعى فيه ما يتعلق بجنينها، فـأنتم تعلمون أن الأدوية يكتب عليها المنع -في كثير من الأحيان- من تناول الحوامل لها؛ لأن كثيراً من الأدوية لم تجرب على جميع الشرائح، وإن جربت فليس شيء منها مضمون النتائج، أي دواء من الأدوية المشتهرة في العالم لا تتجاوز نسبة نجاحه 75%, وكذلك في أصل تكوينه؛ إذ كل دواء مؤلف من عدد من العناصر، ففيه المادة الفعالة التي هي العلاج، ويضاف إليها عدد كبير من المواد، منها مواد حافظة، وهذه في العادة مضرة، ومواد للتلوين، ومواد للطعوم، ومواد للإساغة داخل المصنع؛ لأن المصنع الذي ينفذ الدواء للتعليم يحتاج المسحوق ليسير فيه في دورته إلى كثير من السخونة والليونة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بإضافة مواد مسيغة للدواء، فتكون نسبة المادة الفعالة في كل دواء لا تتجاوز 25%، والبقية كلها مواد إضافية، وهذه المواد الإضافية فيها خطورة، ولذلك إذا استطاعت الحامل أن تستغني عن استعمال الدواء مطلقاً فهذا أولى.واستعمالها للمواد غير المركبة كالأدوية الناشئة على الأعشاب والأغذية المباشرة فذلك أولى، وبالأخص في زماننا هذا الذي كثر فيه مرض الحوامل بارتفاع السكر وارتفاع الضغط، وزيادة نسبة الكلسترول في الدم، فهذه الأمور لا بد من مراعاتها باجتناب الإكثار من الأملاح، والأملاح توجد في كثير من المواد التي نستعملها، فمادة الصوديوم في الماء إذا ارتفعت فإنها تكفي لاستعمال الإنسان من الأملاح، وهكذا المواد السكرية فهي موجودة في النشويات التي نستعملها كالأرز والذرة والقمح وغير ذلك، كلها فيها نسبة كبيرة من السكريات. وكذلك الكلسترول فإنه يوجد في اللحوم البهائم وبالأخص بهيمة الأنعام، فهو في الطيور أقل، وهو في الإبل أيضاً أقل منه في البقر والغنم، فلحوم الإبل بهذا الاعتبار أحسن للحوامل، وأليق من لحوم الغنم ومن لحوم البقر، وأولى منها اللحوم البيضاء كالأسماك ولحوم الدجاج طبعاً غير المستورد من بلاد الكفر, فهذا من العناية التي لا بد منها. أهم الخطوات في تربية الأبناء الأذان في أذن المولود وبداية حياته بذكر الله عند المولد لا بد أيضاً أن يكون الجنين أول ما ينفتق عليه سمعه ذكر الله تعالى، فيؤذن في إحدى أذنيه ويقام في الأخرى، والمقصود بذلك الذكر فقط، ولا يقصد به إتمام الأذان والإقامة، فالأذان بعض ألفاظه ليست ذكراً مخصوصاً، كحي على الصلاة حي على الفلاح فهي دعاء إلى الذكر وليست ذكراً بذاتها, وكذلك الإقامة فيها (قد قامت الصلاة) وهذا في غير وقته، وليس هو ذكراً بذاته، فلهذا المقصود أن يكبر مرتين أو أربعاً، ثم يؤتى بالشهادتين بالتكرير في أذنه اليمنى، ثم يكبر مرتين ويؤتى بالشهادتين مرة واحدة في أذنه اليسر، حتى ينفتق سمعه على ذكر الله، فهذا مما يقتضي رسوخ هذا الذكر في قلبه, وتأثره به وتتميماً لفطرته، فالله سبحانه وتعالى فطر الناس جميعاً على توحيده, وفطرهم على العبودية له.وهذه الفطرة بقي منها مع الإنسان ثلاثة أمور:الأمر الأول: أنه دائماً خاضع، فلو ولد إنسان في جزيرة من جزائر البحر ولم يرَ أي أحد من الناس، فلن يدعي الربوبية لنفسه، بل سيبحث عن شيء يعبده, فإن هدي لعبادة الله عبده وإلا سيعبد حجراً أو شجراً أو غير ذلك فهذا من الفطرة.والأمر الثاني: التعارف بين الأرواح كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ).والأمر الثالث: ما يتعلق بسلامة الإنسان في الأصل من الأمراض القلبية، فهو في الأصل قد فطر على السلامة إلا ما يعرض منها ويأتيه من الخارج، وهذا من بقايا العمر الأول الذي هو عمر الإنسان في عالم الذر، عندما مسح الله ظهر آدم فأخرج منه ذريته، فأخذ عليهم العهد بعبادته، فقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61], فإن الله تعالى في ذلك الوقت أخرجكم جميعاً من ظهر آدم فكلمكم جميعاً، فقد برزتم للوجود في ذلك العالم الأول, وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الله تعالى مسح ظهر آدم بيمينه فأخرج منه ذرية فقال آدم: أي رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون, ثم يمسح ظهره أخرى فأخرج منه ذرية فقال آدم: أي رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار وبعمل أهل النار يعملون, ثم خلطهم حتى ما يتميزون فناداهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وجعل في وجوههم نوراً على قدر ما في قلوبهم من الإيمان، فرأى آدم فيهم رجلاً في وجهه نور عظيم، فقال: أي رب من هذا؟ قال: رجل من ذريتك اسمه داود فقال: أي رب كم عمره؟ قال: ستون, فقال: أي رب زده من عمري أربعين, فلما لم يبقَ من عمر آدم إلا تلك الأربعون أتاه ملك الموت، فقال: أي رب! ألم تخبرني أن عمري كذا وكذا؟ فقال: نسيت يـا آدم ألم تعط ولدك داود أربعين من عمرك؟! فنسي آدم فنسيت ذريته ). وعندما أسري بـالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج به ليلة المعراج ( أتى آدم في السماء الدنيا، فرأى أسودة عن يمينه وأسودة عن شماله، فقال لجبريل: ما هذه الأسودة؟ قال: نسم بنيه، فالذين عن يمينه أهل السعادة إذا نظر إليهم ضحك، والذين عن شماله أهل الشقاوة إذا نظر إليهم بكى ). فالناس جميعاً إذاً قد كانوا في العالم الأول وكلمهم الله وبرزوا للوجود، وأحرزوا هذه الفطرة من ذلك الوقت: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم:30]. العناية بتغذية المولود في بداية نشأته الأولى ومن هنا فلا بد أيضاً من العناية بتغذية المولود في بداية نشأته وأولى ما يغذى به ما يخرج من ثدي أمه، فهو خير غذاء؛ لأنه هو الذي خلقه الله له وجمع له فيه كل الخصائص التي يحتاج إليها في تغذيته، ففيه ما يحتاج إليه من الحديد، وما يحتاج إليه من الأملاح، وما يحتاج إليه من المواد الصلبة كالكلس وغيره، وما يحتاج إليه كذلك من المواد السائلة التي يحتاج إليها في تنقية دمه وتصفيته، كل ذلك موجود في اللبن الذي جعله الله في ثدي الأم.وقد جعل الله تعالى هذا اللبن تغذية للولد لحولين كاملين، كما قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233], وهذا الفعل المضارع الذي هو في الأصل بمعنى الخبر يقصد به الأمر، ومعنى الكلام: ليرضع الوالدات أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، أي: هذه المدة أكمل رضاعة وأتمها، فما بعد الحولين إذا أرضع فيه الولد كان نقصاً في عقله وتراجعاً في شخصيته وتربيته, ولهذا قال تعالى: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، فينفصل عن ثدي أمه إلى أكمل عامين: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15], ثلاثون شهراً عامان منها للفصال، وستة أشهر للحمل، وهي أقل أمد الحمل. ثم بعد هذا إذا غذي بما فيه بركة دل الدليل عليها فذلك أكمل وأولى، والأمور التي فيها البركة إما فوق الأرض مثلاً منها: ماء زمزم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنها طعام طعم وشفاء سقم ), وقال: ( ما على وجه الأرض ماء أفضل من ماء زمزم ), فهذا الماء ماء مبارك، فلذلك تغذية الولد به مما يعين على رسوخ الإيمان فيه, والمنافقون لا يستطيعون التضلع منه، لا يستطيع التضلع من زمزم إلا من كان من أهل الإيمان، فأهل النفاق لا يتحملون ذلك. وكذلك ماء المطر فإن الله تعالى يقول: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا [ق:9] , فهو مبارك بنص كتاب الله، فهذه البركة تلتمس فيه, و( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكشف له عن كتفيه، فيرفع رداءه عن رأسه وكتفيه لاستقبال المطر ويقول: إنه قريب عهد بربه ). وكذلك ما تلي فيه القرآن، فما تلي عليه القرآن كله نافع.وكذلك العسل, فتغذية الأولاد الصغار به يعطيهم مناعة عظيمة ضد كثير من الأمور, فالعسل فيه المضاد الحيوي الكفيل بمضادة كل الفيروسات والجراثيم والشفاء للجروح، وفيه كذلك تقوية للذاكرة، فمن أراد الضبط, وأراد علاج النسيان فعليه بالعسل؛ لما فيه من الفوائد في ذلك، وقد أخبر الله في كتابه أنه شفاء، لكن هذا الشفاء متنوع بأنواع الناس, فإن الله جعل العسل أنواعاً متنوعة، وجعل الناس أنواع متنوعة، فكل نوع من الناس يصلح له نوع من العسل، ولذلك قال: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69], (مختلف ألوانه)، أتي بها هنا للتنبيه على أن الإنسان قد لا ينفعه نوع منه فينفعه نوع آخر.وكذلك فالعسل من المواد الحافظة، فهو يحفظ للصغير ما يحتاج إليه من الحمض في معدته، فالعسل إذا وضع على اللحم لن يتعفن؛ لأنه حافظ, وإذا وضع على الجرح لم يتعفن, فهو مادة حافظة فيحتاج إليه الطفل الصغير في تغذيته.وهكذا بقية الأغذية النافعة التي تدرس في الطب النبوي، وبالإمكان أن يرجع إليها في كتاب ابن القيم : الطب النبوي, أو في كتاب الذهبي : الطب النبوي, فالرجوع إلى هذه الأغذية مهم جداً، فهي مما كان الأنبياء يتناولونه وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يصفه للمرضى, فالعلاج بها مهم جداً والتغذية بها للأولاد الصغار نافعة. ثم بعد هذا لابد كذلك من حفظه من التغذية المضرة, والتغذية المضرة أعظمها ضرراً ما كان حراماً, فما كان من حرام فإن تأثيره بالغ على الإنسان في نقص إيمانه، وفي نقص خلقه، وفي نقص نشاطه للعمل الصالح، وفي نقص ذاكرته وعلمه، فكل ذلك يتأثر بتغذيته. ولذلك فإن الإمام محمد الجويني وهو المكنى أبا محمد الجويني وهو من أئمة الشافعية، أراد أن يربي ولداً يكون حافظاً للعلوم وجامعاً لأنواع الرواية والدراية في المنقولات والمعقولات، فعمل بيده حتى أحرز مالاً من حلال، فتزوج به زوجة ليس عليها سوابق، ورباها في بيته وحجبها عن الناس جميعاً، وعلمها قيام الليل، وصيام النهار، ورباها تربية صحيحة، وقام عليها قياماً حسناً في مدة حملها حتى ولدت ابنه أبا المعالي الجويني إمام الحرمين, فلما ولد أراد منعها أيضاً من الاختلاط بالناس فبينما هو يصلي في وقت الضحى إذ دخلت عليها امرأة فخفف صلاته، وجاء يجري فإن المرأة قد أرضعت ولده، فحمل ولده برجليه وصوب رأسه وما زال يعصر بطنه حتى قاء ما مصه من ثدي تلك المرأة.قال أبو المعالي : فكانت تأخذني كبوة عند المناظرة ما أراها إلا من تلك المصة.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:38
العناية بصحة الطفل والحفاظ عليه من الأمراض كذلك بعد هذا لابد أيضاً من العناية بأطوار الأطفال، وبالأخص أنهم في هذه الأطوار الناشئة عرضة لكثير من الأمراض التي لا تظهر أعراضها في بداية أمرها، فالنقص في السمع والنقص في البصر وغير ذلك من الأمراض التي يمكن علاجها في بدايتها إذا لم تراقب في وقت الصغر كانت شاقة العلاج في الكبر، فيحتاج إلى مراقبتها في الصغر، وتختلف البلدان باختلاف انتشار أمراض الأطفال، وفي بلدنا هذا ينتشر الكثير منها كأمراض الأذنين، وكاللوزتين في الحلق، واللوزتان التهابها يترتب عليه كثير من الأمراض المتعلقة بالكلى والمتعلقة بالمثانة، والمتعلقة بالحلق، ففيهما ضرر كبير، وكثير من قصور القلب سببه التهاب اللوزتين، فالصديد الذي ينشئ التهاب اللوزتين -سبحان الله- مؤثر في عضلة القلب في ضعفها وقصورها، فلذلك يحتاج إلى مراقبة الأطفال في هذا الباب.ومن هنا لا بد من منعهم من المثلجات, فما ترونه الآن من انتشار تناول الأطفال للمثلجات وهي عادة لديهم قد استشرت وانتشرت، يشترون دائماً المثلجات بالبلاستيك وغيره، فهذا به ضرر, وكذلك نفخ الهوائيات هو أيضاً مضر؛ لأنه يؤدي إلى التهاب اللوزتين، فلا بد من منعهم لهذا. اختيار الألعاب المناسبة للطفل ثم بعد ذلك شغلهم أيضاً بالألعاب التافهة مضر بهم، فالألعاب التي ليس لها معنىً ولا تأثير في عقلية الإنسان وتفكيره مضرة بالأطفال، لكن في مقابلها لا بد أن يجعل لهم من الألعاب ما له معنىً مفيد، فالألعاب التي تدل على الرجولة، وتهيئهم للتعاون مع غيرهم أو للتعامل مع أمور الحياة، فيعرفون بها مخالطة الناس، أو يعرفون بها مخالطة البهائم التي يحتاجون إلى مخالطتها، أو يتعودون بها على تحمل مسئوليتها، هذا النوع من الألعاب هو الجيد بالنسبة الأطفال. وكان في الصدر الأول يشترى للأولاد والبنات الألعاب، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بشراء الألعاب للأطفال؛ ليشغلوهم عن الأكل والشرب في يوم عاشوراء، فكانوا يصومون أولادهم الصغار فيه، فيشغلونهم عن الرضاعة وعن التغذية بالألعاب التي يشترونها لهم، وقد نص الحافظ ابن حجر : أن هذا الحديث دليل على جواز شراء الألعاب، وأن فيها نفعاً شرعياً؛ لأنها لو لم يكن فيها نفع شرعي لما أذن النبي صلى الله عليه وسلم في شرائها, فألعاب الأطفال إذاً فيها نفع شرعي. وهنا لا بد كذلك من تجنب الصور المجسمة الكاملة التي لها ظل، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً هي فيه، فإذا أراد الإنسان أن يشتري لأطفاله لعباً فليحذر من الصورة الكاملة, إذا أراد شراء بنات لبناته، فليأخذ ما كان مطموس الوجه كالبنات اللواتي كن في العهد الأول، فكانت الوجوه عبارة عن قطعة من قماش، ليس فيها عين ولا فم ولا أنف, فهذا النوع مما يحل استعماله، وقد كان البنات يلعبن به أيام الصحابة رضوان الله عليهم. وكذلك لا بد من التعويد على النظافة والستر من بداية الصغر، فالصبي الصغير إذا تعود على عدم العناية به فيما يتعلق بنظافته، فكان يخالط الأوساخ والأقذار ولا يرده أحد عن ذلك، فتتسخ أظافره فيلعقها بفمه فيدخل الوسخ إلى جوفه، فهذا مضر به ضرراً بالغاً، وهو السبب لكثير من الأمراض، لكن إذا كانت العناية به تقتضي ألا تتسخ أظافره ولا أطرافه، وألا يصبر على مخالطة النجس والأقذار، فإنه بهذا سيعيش كريم النفس لا يقبل المهانة والمذلة، فكل مخالطة القذر والوسخ تنقص من نفسية الإنسان وشخصيته وتجعله قابلاً للمذلة والهوان. وكذلك ما يتعلق باللباس، فتعويد الأطفال على الستر من بداية صغرهم معود لهم على المروءة وتمام العناية بأنفسهم في الكبر, فالولد الذي يعوّد على أنه لا بد أن يكون دائماً ساتراً لعورته لا تبدوا للناس بوجه من الوجوه لا بد أن يكون في شبابه صاحب كرامة وصاحب مروءة، ويعتني بسمعته، وعرضه. تعويد الطفل على الخلطة وعدم الانعزال وهكذا ما يتعلق بالخلطة، فلا بد أن يعود على الخلطة، وأن ينشأ عليها، فالولد الذي يعيش منعزلاً لا يخالط الأطفال ولا يخالط الناس بوجه من الوجوه سيكون معقداً انزوائياً في كبره، فيحتاج إذاً إلى حصص من المخالطة تكون مضبوطة بالضوابط الشرعية، ويكون الإنسان حاضراً فيها, فالمخالطة المفتوحة كالحال الحاصل عندنا هنا فإنها مضرة بالأولاد، وتقتضي انتشار العدوى في الأخلاق والقيم، فلا بد أن تكون المخالطة مضبوطة. مراعاة نفسيات الأطفال وتقلباتها كذلك لا بد أيضاً عندما يتعذب الأولاد من مراعاة نفسيتهم، فالولد الأول دائماً ينشأ محبباً إلى أبويه، فينشأ بذلك متعوداً على أنه كلما طلب شيئاً أحضر له، فإذا جاء الولد الثاني نشأ في نفسه الحسد له، فيحتاج إلى مراعاة نفسيتهم ومراعاة تنبيههم على الفوارق والتميز، فتنبيههم على الفوارق وأن من كان أصغر يحتاج إلى الرحمة يحدث في نفسيتهم أيضاً تكبراً عن الرذائل، وطمعاً فيما هو أكبر من هذا. وكذلك الفروق بينهم كالفرق بين الذكر والأنثى منهم، وذلك بتعويد الذكر على أن للأنثى أموراً تختص بها، وللذكر أمور يختص به، تعويد الجنسين على هذا في الصغر ألا يلبس أحد منهما لباس الآخر، وألا يلعب أحد منهما بلعب الآخر، وتعويدهما على هذا يقتضي عدم الاختلاط في الكبر، ويقتضي التميز والعناية بأمور الإنسان عند كبره، وحتى في المضاجع فلا بد من التمييز بينهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ), فالتفريق بين ذكورهم وإناثهم في المضاجع، أو حتى بينهم جميعاً مهم؛ لئلا يتعودوا على المخالطة السيئة التي لا تؤمن أن يكون فيها اتباع للشهوة، فيكون ذلك ممنوعاً؛ لأن تعويدهم عليها معود لهم على عدم الورع بالمستقبل، فيحتاج إلى التفريق بينهم في المضاجع. تعويد الطفل في بداية النطق على الكلام الطيب كذلك مما يتعلق بتعليمهم فعندما يبدأ الولد في النطق لا بد أن يعود بالكلام الطيب، كذكر الله تعالى, فإذا غضب لا بد أن يعود على أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, كلما بكى أو غضب لا بد أن يعود على أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهذه الكلمة لها خصائص عجيبة لإطفاء الغضب, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ما به، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, فقيل للرجل: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال: أبي جنون؟ ), فتعويد الولد عندما يبكي أو يغضب أو يظلم على أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لها تأثير على ذهاب الغضب وعدم الانفعال الشديد. وكذلك تعويده على البسملة قبل الأكل والشرب والنوم، وتعويده على الحمد بعد الغذاء، وتعويده على أذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ ودخول الخلاء وغير ذلك، يجعله غير متكلف لذلك في المستقبل؛ لأنه جرى على لسانه ذكر الله فتعود عليه، فيكثر عليه ذكر الله في كل أحيانه. وكذلك تعويده أيضاً على الكلام الطيب وتأديبه بترك الكلام القبيح، فهذا أمر لا بد منه, فلا بد أن يعود الأطفال الصغار على اجتناب كل قبيح من الكلام، وأن يعود في المقابل على أن تختار له الكلمات الحسنة، ومن هنا فإن الكلام أمامه لا بد أن يكون متزناً، فالإنسان إذا تكلم بغير حضرة الأطفال بكلام نابٍ كان ذلك جريمة، لكن في حق نفسه فقط, أما إذا تكلم بكلام نابٍ في حضرة الأطفال فهذه جريمة في حق نفسه، وجريمة في حق الطفل الذي سيتعود عليه.ومثل ذلك التصرفات، وأعظمها مثلاً في هذا العصر: الكذب، فإذا كان الوالد يكذب أمام أولاده، أو كانت الأم تكذب أمامهم، فهذا سيعودهم على أن الكذب غير ممنوع وأنه أمر سهل، فيسهل عليهم الكذب ويجري على ألسنتهم, ومن هنا لا بد أن يعودوا على اجتناب الكذب المطلقة، فلا يكذب والد على ولده؛ لما في ذلك من تعويده على الكذب في المستقبل.فإذا سألك ولدك: إلى أين تتجه؟ فلا تكذب عليه إذا أردت إجابته الصحيحة فأجبه أنا متجه إلى مكان العمل أو إلى المسجد أو إلى كذا, وإذا كنت تكتم وما تتجه إليه فقل له: هذا أمر لا يعنيك وأنا متجه لشأني، لكن لا تكذب عليه أبداً؛ لأن ذلك سيعوده على الكذب. الابتعاد عن الخصام والنزاع أمام الأطفال كذلك ما يتعلق بالخصام والنزاع بين الزوجين وبين الجيران كل ذلك مضر بالأطفال الصغار، فإذا حصل خلاف بين الزوجين فليكتماه على أولادهما؛ لما في ذلك من المضرة عليهما، وليكن الخلاف إذا اضطر إليه في وقت نوم الأطفال، أو في وقت خروجهم من المدرسة، أو ليكن في غرفة خاصة لا يطلع الأولاد على أمرها، وهذا يدخل فيه أيضاً ما يتعلق بالعشرة والفراش، فينبغي أن يخرج الأولاد من المكان الذي فيه الزوجان في ذلك الوقت, وكان ابن عمر إذا دخل على أهله يخرج الرضع عن الحجرة التي هو فيها, فالرضيع الصغير يخرجه عن الحجرة وهذا الفعل حياء من ابن عمر أو تعويداً للطفل أيضاً على الحياء. ومن هنا فإذا تعود الأولاد على الإخراج عن الحجر الخاصة، فستكون حرماً لديهم لا يدخلونها إلا باستئذان واستئناس وطرق، ولا يدخلونها في كل الأوقات، وتعويدهم على ذلك في وقت الإدراك مهم جداً، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النور:58], فلذلك لا بد من تعويدهم على هذا وتربيتهم به. تعليم الأطفال كل ما يتعلق بالتراث والعقائد الإسلامية ثم بعد هذا أيضاً: لابد من تعليمهم في حال الصغر ما يتعلق بشخصياتهم وتراثهم وعقائدهم، فهذه الأمور إنما تبدأ بصغر الإنسان, فالإنسان يتلقف فيما يتعلق بالعقائد والأخلاق ما يراه ويسمعه منتشراً بين الناس، إذا رأى الناس يعظمون أي عظيم فسيحل تعظيمه في قلبه ويجري على لسانه، وإذا رآهم يعتقدون أن أمراً ما مضر بهم فسيقشعر منه هو ويراه أنه خطر عليه، ولو لم يكن فيه خطر. تعرفون أن بعض المناطق عندنا هنا يتعود الناس على ألا يتجهوا في حال البول إلى الشمال، يظنون أن جهة الشمال فيها الجن أو شيئاً من هذا القبيل, وإذا تعود الأطفال على مثل هذا النوع من العقائد الباطلة فإنهم سيعتقدون أن هذا خطأ وفيه ضرر عظيم ويجتنبونه. وفي المقابل لو عودوا على الاعتقاد الصحيح، ونسبة الأمور كلها إلى الله سبحانه وتعالى والإيمان بقدره النافذ، وبأنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، وأن الإنسان لا يصيبه إلا ما قدر له، وعودوه على أن الأمة جميعاً لو اجتمعت على أن تنفع الإنسان بشيء لم تنفعه إلا بشيء قد كتبه الله له, وإن اجتمعت جميعاً على أن تضره بشيء لن تضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه, فهذا يعينهم على تجاوز هذه العراقيل والعقبات، ولذلك علم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس ذلك في صغره فقال: ( يا غلام إني أعلمك كلمات )، فعلمه هذه الكلمات التي قال فيها: ( إذا سألت فسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ). تزهيد الأطفال في أمور الدنيا ورفع هممهم وكذلك تزهيدهم في أمور الدنيا وتعويدهم على أن ما يكبر في نفوسهم من شأنها إنما هو تافه رذيل، فتعويدهم على ذلك يقتضي منهم القناعة، وألا يرغبون فيما ليس لدى الوالدين، كثير من الأولاد يرغب فيما ليس لدى الوالدين، فيرغب في المكان الذي فيه التلفزيون والذي فيه الفرش الراقية، والذي فيه المباني الشاهقة، وغير ذلك من أمور الدنيا، فإذا عود الأولاد تفاهة هذه الأمور ولم يسمعوا المبالغة فيها لدى الوالدين، فهذا يقتضي منه القناعة ورضاً بما لديهم, وحينئذٍ لن يحرصوا على ما ليس بإمكانهم أن ينالوه، والله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:131-132].وتعويدهم على النظر إلى من دونهم أيضاً يقتضي حصول الرحمة لديهم، فإذا تعود الأطفال صغاراً على تحمل المسئولية، كل يوم تدفع إلى كل واحد منهم صدقة، يقال له: تصدق بهذا عن نفسك، تعود على ذلك في كبره وتعود على رحمة الناس, إذا ذهب إلى المدرسة كان يحمل صدقته معه ويعود على أن أول فقير يراه يدفع إليه هذه الصدقة، ( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس )، فهذا مما يعينهم على تحمل المسئوليات، وعلى القناعة ونفع الآخرين، فيتعودون على أن ينفعوا وألا يضروا. تعريف الأطفال بهويتهم وتاريخهم الإسلامي كذلك لا بد أيضاً من تعويدهم في صباهم على التعرف إلى هويتهم وتاريخ أمتهم، فكثير من الشباب الآن ينشئون غافلين عن تاريخ هذه الأمة، لا يعرفون من أية أمة هم، فيتعلقون مثلاً بالتاريخ الأمريكي أو الغربي أو الحضارات الأخرى، وينسون أنهم من أمة عريقة لها أمجاد كبيرة جداً، وهي خير أمة أخرجت للناس، وقد شرفها الله على سائر الأمم، وينسون إذا فخرت الأمم الأخرى بما أنجزته من أمور الدنيا أن يتذكروا ما أنجزته هذه الأمة من المنجزات العظيمة، وما قدمته من التضحيات الجسيمة, فلذلك لا بد من تربيتهم على ذكر أسلافهم وأجدادهم السابقين الذين قدموا الإسلام وبذلوا في سبيل الله، وربطهم بذلك يقتضي علو هممهم من الصبا، والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في خطابه للأمة فقال: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج:78], فربطنا نحن بتراث لنا عظيم، هو أننا من ذرية إبراهيم عليه السلام، وهذا النسب كان منه ذرية إسماعيل من العرب فهو نسب ديني وطيني، ومن لم يكن منا من تلك السلالة فهو نسب ديني فقط, لكنه نسب موجود، فالمسلمون جميعاً أبوهم إبراهيم عليه السلام، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم، فكذلك أبوهم جميعاً إبراهيم عليه السلام. ولذلك فإن يوسف عليه السلام قال: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي [يوسف:38], فلماذا يقول: (اتبعت ملة آبائي) ولم يقل: اتبعت الملة الحقة، أو الملة التي جاءت من عند الله؟ إنما قال ذلك لما في التعلق بآباء الإنسان وأجداده من الرفع لهمته ومعنوياته, فهذا يقتضي رفع الهمم والمعنويات إذا تعلق الإنسان بأسلافه الذين سبقوا، فتعلق الشباب الآن مثلاً بما كان عليه مصعب بن عمير و شماس بن عثمان و عمير بن الحمام وأولئك السابقون الأولون، وحتى الذين دونهم من الذين جاءوا بعد الصحابة كـمحمد بن القاسم الثقفي :قاد الجيوش لبضع عشرة حجةيا قرب ذلك سؤدداً من مولد ومن كان على شاكلة أولئك كـمحمد الفاتح وغيره, فدراسة حياة أولئك الرجال وتعويد الصغار عليها مما يرفع هممهم ومعنوياتهم, وعلو الهمة هو أصل نجاح الصغار مطلقاً، ولذلك قال علال بن عبد الله البازي رحمه الله:أبعد بلوغي خمس عشرة ألعبوألهو بلذات الحياة وأطربولي نظر عال ونفس أبيةمقاماً على هام المجرة تطلبوعندي آمال أريد بلوغهاتضيع إذا لاعبت دهري وتذهبولي أمة منكودة الحظ لم تجدسبيلاً إلى العيش الذي تتطلبعلى أمرها أنفقت دهري تحسراًفما طاب لي طعم ولا لذ مشربولا راق لي نوم وإن نمت ساعةفإني على جمر الغضا أتقلبفارتفاع همة الإنسان في صغره هو الذي يقتضي منه تجاوز العراقيل والعقبات، ويقتضي منه تعلق النفس بما عند الله تعالى، لا يرضى إلا بالفردوس الأعلى من الجنة، ولا يرضى إلا بالرقم القياسي في كل شيء: إن كان في الألف منا واحد فادعوامن فارس خالهم إياه يعنونولا تراهم وإن جلت مصيبتهممع البكاة على من مات يبكون فعلوّ الهمة لدى الصغار مقتضٍ منهم بأن تكون حياتهم حياة غير عادية, ولذلك لا بد أن يعود الأطفال على أن الإنسان الذي ولد ميلاداً عادياً، وعاش حياة عادية سيموت موتاً عادياً, فينساه التاريخ ويخرج منه كما دخله، لكن الإنسان الذي عاش عيشاً غير عادي، وعمل أعمالاً غير عادية فهو الذي يبقى في التاريخ، ويبقى له دوي أمد الدنيا: وإنما المرء حديث بعدهفكن حديثاً حسناً لمن وعىولذلك قالت الخنساء رضي الله عنها في مرثيتها لأخيها صخر بن عمرو بن الشريد السلمي :أعيني جودا ولا تجمداألا تبكيان لـصخر الندا ألا تبكيان الحميد النبيلألا تبكيان الفتى السيدا رفيع العماد طويل النجادساد عشيرته أمردا إذا القوم مدوا بأيديهمإلى المجد مد إليه اليدافنال الذي فوق أيديهممن المجد ثم غدا مصعدا يكلفه القوم ما عالهموإن كان أصغرهم مولدا وإن ذكر المجد ألفيتهتأزر بالمجد ثم ارتدى سؤال الأطفال عن طموحاتهم ومستقبلهم وكذلك مساءلتهم عن مستقبلهم وماذا سيكونون عليه؟ فهذا من المهمات جداً، وأنتم تعرفون ما بين الله لنا في مسائلة يعقوب لأولاده عند موته: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133], راجع عقائدهم عند الموت، آخر عهده بهم مراجعتهم للعقيدة، ما تعبدون من بعدي؟ فلذلك لا بد أن يعود الأطفال على هذا، وقد كان بعض الحكماء يمتحنهم في هذا امتحاناً عجيباً، فمن العقلاء -في هذه البلاد- الحكماء المشاهير محمود بن عبد الله بن بارك الله فيه بن أحمد بن زيد ، وهو من مشاهير العقلاء في هذه البلاد، وقد دعا أولاده فسألهم قائلاً: أرأيتم لو أن قوماً لديهم جمل كبير يحملون عليه خيمتهم، ولديهم أبعرة صغيرة فمات الجمل، ماذا يعملون؟ فقال أحدهم: يصغرون الخيمة حتى يحملها بعيراً صغير، فقال: لا، ليس هذا حلاً، فقال الآخر: يقسمونها كلما أرادوا الانتقال، فيحمل هذا البعير جزء منها وهذا جزء منها، فإذا نزلوها أعادوها، فقال: لا، ليس هذا حلاً, فقال الآخر: يحملونها على بعير من الأبعرة حتى يتعود عليها، يقوم بها ويسقط حتى يتعود عليها، فعرف أنه سيدهم في المستقبل. وهذا ضرب مثال لنفسه هو، فهو يتحمل هذه المسئولية الجسيمة فإذا مات وأولاده بعده، ماذا سيتحملون من المسئوليات؟ وماذا سيقومون به؟ فلو أنهم نظروا إلى حجمهم هم، وضعف إمكانيتهم ووسائلهم لأجابوا بأجوبة الأولين، لكن إذا نظروا إلى التحمل والعناية بالنفس وعلو الهمة لأجابوا بجواب الأخير.وكذلك من عقلاء هذه البلاد في ذلك العصر بابا أحمد يقبل الله الذوباني ، وكان من العقلاء المشاهير، وقد امتحن أولاده كذلك بنوع آخر من أنواع الامتحانات، فطبيعة بني ذوبان تختلف عن طبيعة من سواهم فليس فيها كلام، وإنما فيها أفعال فقط، ارتاد مكاناً فنزل فيه في وقت الظلماء، وجعل بين بيته وبين مراح إبله جذعاً صغيراً مختفياً في الأرض، إذا مر به الإنسان وضربه سيسقط، فأرسل أولاده إلى المراح فأما أحدهم فرأى الجذع من بعيد، فعرف المكان فصار بعد ذلك بالليل إذا ما تردد إلى المراح يسلك طريقاً فيه اعوجاج عن ذلك المكان يجتنبه بالكلية، فعرف أن هذا هو أعقلهم, وآخر أصابته تلك النكبة مرة واحدة، فصار يجتنب ذلك المكان بعد، والآخر أصابته فقطع رحلته ورجع إلى البيت جاء بقدوم فانتزع هذا العود، وهذا طبعاً لم يسلك المنهج المعروف، فعموماً هذا النوع من الامتحان للأولاد مهم جداً في تكوينهم وتربيتهم، ويحتاج إليه الإنسان لمتابعة سلوكهم، والعناية بأحوالهم في المستقبل. ومن هنا فسؤالهم وهم صغار ماذا ستعملون؟ وفي أي تخصص ستكونون؟ وأية وظيفة ستشغلون؟ هذا النوع من الامتحانات يرفع همم الأطفال، ويعودهم على التنافس الايجابي, وكذلك دراستهم لسير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وللسلف الصالح، وتعويدهم على ذلك معين لهم أيضاً على الارتباط بتاريخ هذه الأمة وتراثها، وعلى حفظ العلم في الصغر، وأعرف طفلاً صغيراً عود على تراجم بعض الصحابة، فكان يظن أنه لقيهم، ويوقن ذلك ولا يقبل النقاش فيه، إذا سئل عن ابن عمر فيقول: أتانا في الوقت الفلاني وصفته كذا وكذا، وأبوه عمر بن الخطاب بن عمر بن نفيل بن رياح بن عبد لله بن قرطب بن رزاح بن عدي بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضغة بن النزار بن عبد بن عدنان بن ود بن أدد بن إليسع بن قيدار بن نبت بن حمل بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر بن ناحور بن عابر بن فهر بن يفخشر بن المتوشلخ بن سام بن نوح بن لامك بن مثلائيل بن يعرب بن أكروخ بن أنوش بن قيلان بن شيث بن آدم ، وأمه زينب بنت مظعون ، ويعد النسب أيضاً بكامله, فيتعود على هذه الأمور ويظن أنه يعرفه شكلاً، فما ذلك إلا لكثرة ترديده عليه، فعندما رددت عليه الأسماء والصفات عرفهم معرفة كاملة، كما قال الإمام أحمد البدوي المجلسي رحمه الله:وإن عرفت النسب الخطيروسيرة تكن بهم خبيراحتى كأنهم بعين النقسفي الصك قد لاحوا لعين الحس (كأنهم بعين النقس): المداد، (في الصك) أي: الكتاب، (قد لاحوا لعين الحس)، كأنك رئيسهم بعين الحس. ربط الأطفال بقضايا أمتهم ومعرفة أقاربهم وأنسابهم كذلك ربطهم بقضايا الأمة، كقضية فلسطين وهي القضية المركزية للأمة الإسلامية اليوم، ربطهم بها وعنايتهم بها, وبقضايا الأمة الأخرى كالشعوب المستوعبة المظلومة في مشارق الأرض ومغاربها، فارتباط الأطفال بذلك وتعويدهم على العناية بهذه الشعوب والسؤال عن حالها، وسماعهم لما لدى آبائهم وأمهاتهم من الانشغال بهذه القضية والتحدث عنها، كل ذلك يرفع هممهم، ويبعد عنهم القومية الضيقة والوطنية الضيقة، ويجعلهم يفكرون في آمال الأمة وآلامها، وتتسع آفاقهم اتساعاً كبيراً يقتضي منهم علواً مهمة، وشرفاً كذلك في المستقبل. وكذلك ما يتعلق بأنسابهم، ومعرفة أقاربهم، فذلك معين على صلات الأرحام، وتعويدهم على معرفته بالصغر يثبته في صدورهم, فالتعلم في الصغر كالنقش في الحجر, ومن هنا إذا عرفوا أقاربهم وأرحامهم وأنسابهم، وعرفوا كل من يمت لهم بصلة من الناحية النسبية في الصبا، فذلك معين لهم في المستقبل على صلة الرحم والاتصال الكامل بأقاربهم, وقد رتب الشارع حقوقاً عظيمة على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى لما فرغ من خلق الخلق قامت الرحم فتعلقت في ساق العرش، فقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة, فقال: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ ), والله تعالى جعل قطيعة الرحم من عمل الكفار، فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23], ولا يمكن أن يصل الإنسان رحمه ما لم يتعلم هذه الرحم ويعرفها. ربط الأطفال باللغة العربية كذلك ما يتعلق بربطهم باللغة العربية التي هي لغة القرآن، ولغة العلم كله، ولغة هذه الأمة التي ينتمون إليها، فمحبتهم لها في صباهم وتعويدهم على تعلم علومها ومتابعة دقائقها وحفظ شواهدها، كل ذلك مما يزيدهم في المستقبل ثقافة، ويهيئهم لتحمل العلم والمسئولية؛ ولهذا فإن عمر رضي الله عنه لما مر بصبيان صغار يلعبون وهم يخطئون في الرمي، شق عليهم ذلك فقالوا: يا أمير المؤمنين! نحن متعلمين، فقال: لخطؤكم في ألسنتكم، أشق علي من خطئكم في أيديكم, فهم أخطئوا بألسنتهم حين قالوا: نحن متعلمين، فنصبوا الخبر، فكان ذلك أشق عليه من خطئهم في أيديهم, ومن هنا لا بد من تعويد الأطفال على العناية باللغة العربية، وحفظ مفرداتها وشواهدها وأشعار العرب التي هي ديوان العرب، وهي التي يفهم بها الكتاب والسنة، وهذه علوم لا يمكن تعلمها إلا لمن أحبها، ولا يحبها الإنسان إلا في فترة من العمر هي فترة نعومة الأظافر؛ لأن الكبار الآن لا يحسن بهم أن يحفظوا أشعار الجاهلية التي ليس فيها فائدة، لا يحسن بكبير السن الآن أن يردد على الملأ وهو يقرأ:قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلبسقط اللوى بين الدخول فحوملأو أن يردد: يا دار مية بالعلياء فالسندأقوت وطال عليها سالف الأبد أو نحو ذلك، فهذا إنما يحسنه الصغار، فإذا تعود الصغار على حفظ هذه الأشعار وفهموا المفردات التي فيها، فإن ذلك يعينهم على فهم كتاب الله وتدبره في المستقبل، وعلى حفظ اللغة، والطريقة التي أنتجها الشيخ محمد المامي رحمة الله عليه من تعليم الصغار مهمة جداً، ولا بد من إحيائها في هذا العصر، طريقة الشيخ محمد المامي كانت تسمى تمييز المامي ، وهي التي كان الأمهات والجدات فيمن أدركنا يعودون الأطفال الصغار عليها، هذه الطريقة تنشد الأم بيتاً من الشعر مثلاً على أولادها، فيميزون ألفاظه ويعربونها بتمييز خاص، مثلاً إذا أنشدت:قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدوينكر الفم طعم الماء من سقمتقول: قد ما تمييزها؟ فيقولون: حرف، فتقول الأم: ما عملها؟ فيقولون: لا عمل لها، فتقول: ما معناها؟ فيقولون: معناها التحقيق والتقريب والتقليل، فتقول: أي معانيها يقصد هنا؟ فيقولون: التحقيق مثلاً، فقد ترد لهذه المعاني الثلاثة، التحقيق: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [النور:64]، قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1], وللتقريب: قد قامت الصلاة، معناه: إن قيامها قريب, وللتقليل: قد يصدق الكذاب، وقد يجود البخيل، هذا للتقليل, فيخبرونها بأن معناها هنا تحقيق، فتقول: كم فيها من سؤال؟ وأنتم تعرفون أن الكلمات ثلاث: الاسم، والفعل، والحرف, فالحرف إذا بني على السكون ليس فيه سؤال؛ لأن كل حرف في الأصل مبني، والمبني كله الأصل فيه البناء على السكون، فيقولون: ليس فيها سؤال، بينما لو كانت حرفاً محركاً، لكان فيها سؤالان: لم حركت؟ ولم كانت حركتها كذا؟ لكن ليس فيها سؤال لم بنيت؟ ولو كانت اسماً مبيناً على السكون لكان بها سؤال واحد لم بنيت؟ ولو كانت اسماً مبنياً على الحركة لكان فيها ثلاثة أسئلة: لم بنيت؟ ولم حركت؟ ولم كانت حركتها كذا؟ وتعويد الصغار على هذه النكات في اللغة العربية مهم لهم جداً. ثم بعد هذا: (تنكر) هذا فعل، أي أنواع الفعل ماض أو مضارع أو أمر؟ فيقولون: مضارع, فتقول: معرب أو مبني؟ فيقولون: معرب, فتقول: أي أنواع الإعراب؟ فيقولون: الرفع, فتقول: ما علامته؟ فيقولون: الضمة الظاهرة على الآخر، فتقول: وما عامله؟ فيقولون: تجرد من العوامل اللفظية, فتقول: وأين حرف المضارعة فيه؟ فيقولون: التاء في أوله وهي لتأنيث الفاعل (تنكر العين), فتسأل الأم مثلاً في هذا الفعل عن اشتقاقه؟ وكم يستعمل منه من الأفعال؟ وكم يستعمل منه من الأسماء؟ فكل ثلاثة أحرف من اللغة العربية في الاشتقاق يستعمل منها ستة مواد مثلاً! (نكر) النون والكاف والراء تستعمل بهذا الترتيب، وبتقديم الكاف صار مثلاً! (كنر) وهذا مهمل غير مستعمل، كلاهما غير مستعمل، (ركن) مستعملة، (رنك) غير مستعملة، فإذاً الكلمة ست: نكر ونرك غير مستعملة، وركن، ورنك، وكنر، وكرنا فهذه ستة أفعال في الأصل تتصور، والمستعمل منها اثنان فقط وأربع مهملة, وكل فعل منها أيضاً كم يستعمل منه الأفعال؟ وكم استعملوا منه من الأسماء؟ فكل مادة في الأصل يستعمل لها ستة أفعال: هي الفعل الماضي، والفعل المضارع، وفعل الأمر، وفعل التكسير، وهو الأولى في التكسير وهي جامدة غير مشتقة، وكذلك ما أفعل، وأفعل به في التعجب فتلك ستة أفعال. ثم الأسماء هي أحد عشر اسماً، من كل مادة في الأصل هي المصدر، واسم المصدر غير الميمي، واسم المصدر الميمي، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعال التفضيل، ووزن المبالغة، واسم الآلة التي يعمل بها الفعل، واسم الزمان، واسم المكان، فهذه هي الأسماء في الأصل هي أسس الاشتقاق في كل كلمة عربية، وهكذا حتى يتعود الصغار على أصول العربية ويفهموا عللها ونكتها، وإذا تعودوا على ذلك سهل عليهم في المستقبل طلب العلم، وأحبوا هذه اللغة وأحبوا القراءة بها. وقد أخبرني الشيخ أبو الحسن علي الندوي الهندي رحمه الله أن قريبة له كانت تعوده على القراءة في الصغر، فكانت تقيم لهم المسابقة وهم صغار، أيهم أسرع قراءة، فالذي يقرأ صفحة خلال ثانيتين مثلاً بسرعة، ولا يلحن فيها تعطيه جائزة وهكذا، فتعودوا على محبة القراءة. فيقول: قرأنا حتى كتباً لا فائدة فيها، كتاب ألف ليلة وليلة، يقول: قراناه اثنتي عشرة مرة, ويقول: إنه حفظ مقامات الحريري بكاملها وهو في الحادية عشرة من عمره، طبعاً قد حفظ القرآن، وحفظ كثيراً من السنة في ذلك الوقت. فالتعويد على الحفظ أيضاً معين جداً للولد على الإقبال على العلم في المستقبل؛ لأن ذاكرة الإنسان منطوية وهي قابلة للتمدد، فإذا عود على الإكثار من المحفوظات في الصغر فسيكون من الحفاظ في كبره, وإذا عود على أن الحفظ أمر مستحيل، وكان بينه وبينه جبل، فلن يكون من حفظة كتاب الله، ولا من حفظة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يتعود على الحفظ بوجه من الوجوه ولن يحبه. ومن هنا لا بد أن يتعود الأمهات على تعليم الصغار الحفظ في الصبا، وأن يمرن الآباء والأمهات ذاكرة الطفل على الإكثار من حفظ المعلومات في الصغر, فالصغر الحفظ فيه أهم من الفهم, والكبر الفهم فيه أهم من الحفظ, وهذه الموازنة لا بد منها؛ لأن الإنسان إذا بلغ عشرين سنة فسيتراجع حفظه، وما كان يحفظه من مرة واحدة لن يحفظه إلا بخمسين مرة, فلذلك لا بد من انتهاز هذه الفرصة، وهي الفرصة العمرية التي يتعود فيها الإنسان على الحفظ ومدتها خمسة عشر سنة فقط؛ لأن بداية الحفظ من الخامسة، ونهاية قوته واستعداد الإنسان له عند العشرين، فإذا كان الإنسان في هذه الفترة قد استغل المهلة، فحفظ كثيراً من المتون فسيكون من الحفاظ الكبار, و عائشة رضي الله عنها قد حفظت لـلبيد وحده اثني عشر ألف بيت. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يحفظ الشعر بمرة واحدة، وقد كان في الحرم المكي فأتاه نافع بن الأزرق قائد الخوارج، فسأله أسئلة في تفسير كتاب الله، وكان كلما سأله عن معنى كلمة وأجابه سأله هل تعرف العرب ذلك في أشعارها، فيجيبه بشاهد من شواهد اللغة, فمثلاً: سأله عن قول الله تعالى: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108]، قال: غير مقطوع، قال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، أما سمعت قول الحارث بن حلزة اليشكري : فترى خلفها من الرجعوالوقع منيناً كأنه أهباءحتى جاء عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وهو شاب صغير من شعراء قريش، فسأله ابن عباس عن آخر ما قال من الشعر، فأنشده هذه القصيدة:أمن آل نعم أنت غاد فمبكرغداة غد أم رائح فمهجرلحاجة نفس لم تقل في جوابهافتبلغ عذراً والمقالة تعذرتهيم إلى نعم فلا الشمل جامعولا الحبل موصول ولا القلب مقصروأخرى أتت من دون نعم ومثلهانهى ذا النهى لو ترعوي أو تفكرإذا زرت نعماً لم يزل ذا قرابةلها كلما لاقيته يتنمرعزيز عليه أن أمر ببابهامسر لي الشحناء والبغض مظهرألكني إليها بالسلام فإنهيشهر إلمامي بها وينكربآية ما قالت غداة لقيتهابمدفع ركبان أهذا المشهرقفي فانظري يا أسم هل تعرفينهأهذا المغيري الذي كان يذكرأهذا الذي أطريت نعتاً فلم أكنوعيشك أنساه إلى يوم أقبرفقالت نعم لا شك غير لونهسرى الليل يحيي نصه والتهجرلئن كان إياه لقد حال بعدناعن العهد والإنسان قد يتغيررأت رجلاً أما إذا الشمس عارضتفيضحى وأما بالعشي فيخصرأخا سفر جواب أرض تقاذفتبه فلوات فهو أشعث أغبرقليل على ظهر المطية ظلهسوى ما نفى عنه الرداء المحبروأعجبها من عيشها ظل غرفةوريان ملتف الحدائق أنضرووال كفاها كل شيء يهمهافليست لشيء آخر الليل تسهروليلة ذي دوران جشمني السرىوقد يجشم الهول المحب المغررفبت رقيباً للرفاق على شفاًأحاذر منهم من يطوف وأنظرإليهم متى يستمكن النوم منهمولي مجلس لولا اللبانة أوعروباتت قلوصي بالعراء ورحلهالطارق ليل أو لمن جاء معوروبت أناجي النفس أين خباؤهاوكيف لما تأتي من الأمر مصدرفلما فقدت الصوت منهم وأطفئتمصابيح شبت بالعشاء وأنوروغاب قمير كنت أرجو غيوبهوروح رعيان ونوم سمرونفضت عني العين أقبلت مشية الـحباب وركني خشية القوم أزورفحييت إذ فاجأتها فتولهتوكادت بمذكور التحية تجهرفقالت وعضت بالبنان فضحتنيوأنت امرؤ ميسور أمرك أعسرأريتك إذ هنا عليك ألم تخفرقيباً وحولي من عدوك حضرفوالله ما أدري أتعجيل حاجةسرت بك أم قد نام من كنت تحذرفقلت لها بل قادني الحب والهوىإليك وما عين من الناس تنظرفقالت وقد لانت وأفرخ روعهاكلاك بحفظ ربك المتكبرفأنت أبا الخطاب غير منازععلي أمين ما أقمت مؤمرفيالك من ليل تقاصر طولهوما كان ليلي قبل ذلك يقصرويالك من ملهى هناك ومجلسلنا لم يكدره علينا مكدريمج ذكي المسك منها مفلجنقي الثنايا ذو غروب مؤشروترنو بعينيها إلي كما رناإلى ظبية وسط الخميلة جؤذرفلما تقضى الليل إلا أقلهوكادت هوالي نجمه تتغورأشارت بأن الحي قد حان منهمهبوب ولكن موعد منك عزورفما راعني إلا مناد ترحلواوقد لاح مفترق من الصبح أشقرفلما رأت من قد تنور منهموأيقاظهم قالت أشر كيف تأمرفقلت أباديهم فإما أفوتهموإما ينال السيف ثأرا فيثأرفقالت أتحقيقاً لما قال كاشحعلينا وتصديقاً لما كان يؤثرفإن كان ما لا بد منه فغيرهمن الأمر أدنى للخفاء وأسترأقص على أختي بدء حديثناوما بي من أن تعلما متأخرلعلهما أن تطلبا لك مخرجاًوأن ترحبا صدراً بما كنت أحصرفقامت كئيباً ليس في وجهها دممن الحزن تذري عبرة تتحدرفقالت لأختيها أعينا على فتىأتى زائراً والأمر للأمر يقدرفأقبلتا فارتاعتا ثم قالتاأقلي عليك اللوم فالخطب أيسرفقالت لها الصغرى سأعطيه مطرفيودرعي وهذا البرد إن كان يحذريقوم فيمشي بيننا متنكراًفلا سرنا يفشو ولا هو يظهرفلما أجزنا ساحة الحي قلن ليأما تتقي الأعداء والليل مقمروقلن أهذا دأبك الدهر سادراًأما تستحي أو ترعوي أو تفكرإذا جئت فامنح طرف عينك غيرنالكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظرفكان مجني من كنت أتقيثلاث شخوص كاعبات ومعصر وآخر عهد لي بها أن تولهتولا حلها خد النقي ومحزرفالقصيدة بكاملها ثمانون بيتاً وقد حفظها ابن عباس بمرة واحدة، أيكم يعيدها الآن وقد سمعتموها؟ فقال نافع بن الأزرق لـابن عباس : لله أنت يا ابن عباس نضرب إليك آباط الإبل في طلب العلم، فتعرض عنا، ويأتيك شاب حدث من قريش ينشدك سفهاً فتسمعه؟ فقال ابن عباس : ما سمعت سفهاً، فقال: بلى أما سمعت قوله: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضتفيخزى وأما بالعشي فيخصرفقال: ما هكذا قال إنما قال:رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضتفيضحى أما بالعشي فيخصرفلما كان من الغد سأله عن قول الله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى [طه:118-119], فقال: تبرز للشمس، فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال: أما سمعت قول المخزومي بالأمس:رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضتفيضحى وأما بالعشي فيخصرفهذه شواهد اللغة ومن لم يحفظها ولم يعتنِ بها في صغره لا يمكن أن يحفظها في كبره، إلا النوادر فقد حفظ ابن مالك ثمانية شواهد من الشواهد العربية يوم موته حفظها من ابنه بدر الدين . والعناية بها هي من الشأن الأول ومن هدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة السابقين المهديين، فلذلك لا بد من تعويد الصغار عليها. تحبيب العلم والمطالعة للأطفال وكذلك تعويدهم على محبة العلم والمطالعة، فالصغار إذا لم يتعودوا على محبة العلم والمطالعة ومحبة الكتب لا يمكن أن يكونوا من أهلها، فسيعيش الإنسان في بيت فيه مكتبة وافرة جمة وهو لا يتعود فتح الكتاب منها، ومن المؤسف أن كثيراً من الموظفين اليوم في مكاتبهم مصاحف، لكنهم لا يتعودون على فتحها.وأنا أعرف الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه، كان يقول: إن كتاباً لم يختم ليس محرماً للكتب، فلا يوضع في المكتبة أبداً. وكان يقول: إنه لم يملك كتاب قط إلا ختمه، وما ختم كتاباً قط فالتبس عليه ما فيه مع ما ليس فيه, فلذلك يعتبر تعويد الصبيان على المطالعة والقراءة من المهمات العظيمة، وبالأخص تعويدهم على احترام الكتب، فأنتم تعرفون أن المدارس اليوم تعود الأطفال على عدم احترام الكتب، فهم يمزقونها، ويلعبون بها، ويجلسون عليها في كثير من الأحيان نراهم يفعلون ذلك، مع أن الأولى أن يعود الأطفال على احترام الكتب وتعظيمها، وقديماً قال الحكيم :لنا جلساء ما يمل حديثهمألباء مأمونون غيباً ومشهدا يفيدوننا من علمهم علم من مضىوعقلاً وتأديباً ورأياً مسددا فلا فتنة تخشى ولا سوء عشرةولا نتقي منهم لساناً ولا يدا فإن قلت أحياء فلست بكاذبوإن قلت أموات فلست مفندا والأولاد إذا رأوا عناية الآباء والأمهات بالكتب واحترامهم لها وكثرة مطالعتهم لها فإنهم سينشئون على ذلك, وقد قال غيلان : ألفى أباه بذاك الكتب يكتتبفما ألف الولد أباه سيتعود عليه, ولذلك فإن كثيراً من الأئمة كانوا يعودون الصغار على المطالعة ودخول المكتبات حتى في صباهم، وكانوا يحضرونهم مجالس العلم، والإمام محمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ذكر أن أباه كان يحمله على عنقه وهو في الرابعة من عمره فيحضره مجالس التحديث حتى أحرز الأسانيد العالية في صغره؛ لأن المشايخ الذين كانوا يحدثون قد ماتوا وهو صغير، لكن حضر مجالسهم فسمع تحديثهم فأصبح معدوداً في طلابهم، وكتب في أسماء المجازين بأسانيد المشايخ فأصبح إسناده عالياً على أهل زمانه، وهذا ما يرغب فيه الناس، ولذلك فإن الحافظ ابن عساكر رحمه الله كان يقول: لقول الشيخ أنبأنا فلان وكان من الأئمة عن فلان أحظ ما تسمع أذني، فتعويد الصغار على هذا مما يجعلهم من المعتنين بالعلم ودراسته. تعويد الأطفال على احترام كبار السن والقدر كذلك تعويدهم أيضاً على احترام كل كبير في السن وخدمته، فهذا من خصائص هذه الأمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لن تزال أمتي بخير ما زال صغيرها يوقر كبيرها، وكبيرها يرحم صغيرها ), فتعويد الصغار على هذا من الأدب. قواعد مهمة في التربية وهنا فيما يتعلق بالأدب لابد من قواعد مهمة: التوسط في أسلوب الضرب في التربية منها: أن الضرب الشديد للأطفال في التأديب مزعج لهم، وسبب لتراجعهم وانغلاق نفسيتهم، فما ضرب عليه الولد في العادة من المحفوظات لا يبقى معه كثيراً، فيحتاج إلى التوسط في هذا الباب، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث بدء الوحي، عندما غط جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل العلم أخذوا من ذلك: أن الصبي لا يضرب على القرآن ولا على العلم أكثر من ثلاث ضربات؛ لأن جبريل غط النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً, ولذلك يقول الشيخ محمد عال رحمه الله: يؤخذ من تثليث غط أحمداعند نزول وحيه بادي بداألا يزاد الضرب للصبيان على ثلاثة..فلذلك لا ينبغي أن يتشدد معهم في الضرب والإهانة، ففي ذلك كسر لخواطرهم وتكريههم في المسائل العلمية.ومن هنا فمبدأ التشجيع والتأديب مبدءان مهمان للصغار، فتشجيعهم إذا أحسنوا بالجوائز والتكريم والتشريف من المهمات, وكذلك تأديبهم أيضاً تأديباً غير فاحش إذا أساءوا من المهمات، وليكن الإنسان معتدلاً في هذا.ولا يحل الدعاء عليهم، فدعاء الوالد على ولده مستجاب، ولذلك ينبغي للأمهات أن يتعودن على عدم الدعاء على الأولاد، فهو مستجاب وهن لا يرضين باستجابته. تعويد الأطفال في وقت الدراسة على الجد والتشمير وكذلك تعويدهم في وقت الدراسة على الجد والتشمير والمنافسة من المهمات، كأن يعودوا على أن وقت اللعب محصور، وأن وقت الدراسة محصور لا بد من إكماله، وإذا انتهى وقت الدراسة فلا بد أن يعطوا إجازة وراحة، تجم بها نفوسهم وقد قال الحكيم :أفد طبعك المكدود بالجد راحةيجم وعلله بشيء من المزحِولكن إذ أوليته المدح فليكنبمقدار ما يولى الطعام من الملح التنويع في أساليب تعليمهم ومراعاة قدراتهم وكذلك لا بد أيضاً من تعويدهم على تسميع ما حفظوا، فإذا كان الإنسان يحفظ بسهولة وسرعة فإنه سينسى أيضاً بسهولة وسرعة, لكن إذا كان يراجع ذلك فهذا الذي يثبته في ذهنه. وكذلك التنويع في المعلومات، أن يكون مثلاً ما يدرس في الليل غير ما يدرس في النهار، وأن يكون ما يحفظ في أيام الأسبوع متبايناً، فهذا مما يعين نفسياتهم على التحمل, ولهذا فإن تقسيم الأوقات على المواد من مهمات التربية. وكذلك ألا تثقل أذهانهم أيضاً، فإذا أرت أن يحفظ الولد شيئاً من القرآن فلا تجبره على حفظ صفحة كاملة دفعة واحدة، بل اختر له أسطر قليلة يحفظها بسرعة، فشجعه على حفظها، ثم أعطه جرعة أخرى وهكذا، فما كان يشق عليه جرعة واحدة إذا قسمته لن يشق عليه فاقسمه. التربية على الأخلاق الفاضلة الحميدة كذلك فيما يتعلق بتأديبهم على الأخلاق، فلا بد أيضاً أن يربط لهم ذلك بالمروءة والنخوة، وأن يعودوا فيه على الاحترام، فالولد لا ينبغي أن ينادى باسم غير شريف، وما تعود عليه في زماننا هنا من تضمير أسماء الأطفال وخطابهم بالألقاب السيئة فهذا يكسر نفوسهم ويعودهم على عدم المسئولية, لكن إذا كانوا يكنون: قم يا أبا العباس، قم يا أبا حمزة، ويكنون بالكنى الشريفة، وينادونا بأسمائهم التي يحبونها، فهذا مما يزيد شخصياتهم ويزيد عنايتهم بأنفسهم, ومن هنا يقول الحكيم :أكنيه حين أناديه لأكرمهولا ألقبه والسوأة اللقباكذاك أدبت حتى صار من خلقيأني رأيت ملاك الشيمة الأدباكمخاطبة الإنسان بالاسم الشريف تحميل له المسئولية وزيادة لشخصيته, وهذا يشمل حتى الكفار، فـالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الوليد بن المغيرة فيناديه بكنيته، وكان يخاطب عتبة بن ربيعة فيناديه بكنيته, وهذا من قول الحسن للناس، وقد قال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]. إذاً: هذه بعض القواعد وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:39
فقه الأسرة [7] - للشيخ : ( محمد الحسن الددو الشنقيطي )
استخلاف الإمام في الصلاة وما يترتب عليه بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فنجيب عن بعض الأسئلة التي وردت في الدروس السابقة: السؤال: ما حكم الاستخلاف في الصلاة وما يترتب عليه؟الجواب: الإمام إذا عرض له عارض يمنعه من استمرار الصلاة، كالمرض أو الحدث أو نحو ذلك، سواء منعه من وجه الكمال، أو منعه من الصحة، فإنه يستخلف ممن وراءه من يتم الصلاة، وهذا الاستخلاف من التعاون على البر والتقوى, وقد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر : ( لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يصلي بالناس، فضرب الناس أفخاذهم، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثروا عليه ألتفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن مكانك فرفع أبو بكر يديه وحمد الله تعالى على ذلك، ثم نكص حتى دخل في الصف، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فلما سلم قال لـأبي بكر : ما منعك أن تثبت مكانك إذ أمرتك؟ فقال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ). والمستخلف ينوب مناب الإمام ويقوم مقامه، فإن كان الإمام في أثناء ركن من الأركان، فيكمله الخليفة كما بدأ هو, وإن كان في أثناء التلاوة، فإن المستخلف أيضاً إذا كان هذا في الجهرية يبدأ من حيث وقف الإمام، أما في السرية فإن ظن أنه لم يقرأ الفاتحة، فلا بد من استئناف الفاتحة، وأنها واجبة، فإذا ظن المستخلف أن الإمام لم يكملها، ولم يدرِ مكان وقوفه فلا بد من الرجوع من أولها. والإمام إن عرض له ما يمنعه من إكمال الصلاة؛ فإنه يقطعها ويخرج حتى يتوضأ ويرجع، إن كان المانع لم يؤثر على عقله أو بدنه، وإن منعه من الكمال فقط, كما إذا لم يستطع القيام فإنه يرجع مؤتماً، فيقتدي بالمستخلف فيكمل الصلاة وراءه كسائر المأمومين. معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ...) السؤال: عن تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )؟الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم هنا يأمر الشباب من المسلمين من استطاع منهم أن يتزوج وجوباً، وإن كان لا يرجو النسل، لكنه يخاف من العنت كذلك فإنه يجب عليه, وإن كان لا يخاف العنت على نفسه ولكنه يرجو النسل، كان مؤكداً في حقه ولن يصل إلى درجة الوجوب, وإن كان لا يخشى العنت، ولا يرجو النسل، وليس ذا مرض مخوف فإنه يندب له ندباً غير مؤكد, وإن كان في مرض مخوف، فإنه إن لم يخشَ العنت لم يجز له إدخال وارث فيكون حراماً في حقه، ويكون مكروهاً في حق من لا يستطيع القيام بالواجبات، كالذي يغش فتظن المرأة أنه يستطيع كفالتها بالنفقة والقيام بمصالحها، وهو عاجز عن ذلك فيكره له الإقدام على مثل هذا، وبهذا يعلم أنه تعتريه أحكام الشرع كلها. سب الأنبياء أو واحد منهم السؤال: ما حكم من سب نوحاً عليه السلام؟الجواب: سب الأنبياء جميعاً كفر بالله تعالى؛ لأنه تكذيب لهم، ومقتضى شهادة الإنسان أنهم رسل لله تعالى غير ذلك. بقاء المطلقة في بيتها أثناء العدة السؤال: هل المطلقة المعتدة يجوز لها أن تنتقل من بيت زوجها إلى أهلها بعد وقوع الطلاق مباشرة؟ الجواب: المعتدة يجب عليها المبيت في بيت زوجها، هي لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، فعليها أن تبقى في مكانها حتى تكمل عدتها، فما زالت آثار الزوجية منسحبةً عليها ما دامت في العدة، ومن هنا فإن بقاء النساء في بيوت أهليهن، أي: في بيوت الآباء والأمهات في فترة العدة أمر مخالف للشرع كما بينا، وكذلك استقرارهن أربعين يوماً بعد النفاس في بيوت أهليهن، هذا أيضاً مخالف للحق الواجب عليهن في حفظ بيوتهن، وفي إكرام أزواجهن وبرهن. فبقاء المرأة في بيت والدها بعد نفاسها مدة طويلة كأربعين يوماً أو ستين يوماً، كل ذلك مخالفة شرعية، فهي من العادات التي يجب نبذها ومخالفتها, ومثل ذلك ما يتعود عليه النساء في فترة النفاس، من بعض العادات والخرافات التي هي من أعمال الجاهلية، كظنهن أنهن يلزم أن يكون حولهن إنسان دائماً، فهذا من الخرافات التي هي خطر في الاعتقاد، فظن ذلك مضر في العقيدة، ومثل ذلك: حاجة بعضهن إلى أن تكون عندها سكيناً دائماً أو نحو ذلك، فهذا أيضاً من الخرافات التي لا بد من نبذها وإزالتها، ومثل ذلك: ملازمتهن للوسخ في هذه الفترة وعدم اغتسالهن وعدم لبسهن للنظيف من الثياب، كل ذلك من البدع والخرافات التي لا بد من إزالتها، ونظير ذلك طلاء وجوههن ببعض الأصباغ فكل ذلك من البدع والخرافات. تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه السؤال: عن قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]؟الجواب: تفسير ذلك أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم في تربيته لأزواجه أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة؛ ليكون ذلك أبلغ في التزامهن، وسيرتب عليه أمر عظيم، وهو أن أجورهن إن أحسنّ مضاعفة، وأن عقابهن إن أسأن مضاعف، فلذلك قالت عائشة رضي الله عنها لما نزل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29]، بدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي بدأ بـعائشة رضي الله عنها فدخل عليها فقال: ( إني مخبرك بأمر فلا تتعجلي حتى تستأمري والديك، فقرأ عليها الآية وخيرها كما أمره الله، فقال: أفي مثل هذا استأمر أبوي، والله لا استأمرهما، أختار الله ورسوله والدار الآخرة، فدار على أزواجه وكلهن تقول ذلك، فأنزل الله تعالى بعد هذا: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا [الأحزاب:30-31]، )، فبعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، نزل الحكم بمضاعفة الثواب والعقاب في حقهن، وذلك تشريف لهن فهن قد اتقين. وقد صح في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها لما حضرها الموت، استأذن عليها ابن عباس ، فترددت في الإذن له، فقيل: لمَ لا تأذنين لابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أخاف أن يثني عليّ، وذلك لتواضعها رضي الله عنها، فخافت أن يثني عليها ابن عباس فقالت: ائذنوا له، فدخل ابن عباس فأثني على عائشة رضي الله عنها فقال: كيف أنت يا أماه؟ فقالت: على خير إن اتقيت، فقال: قد اتقيت، فأثنى عليها بذلك، فـعائشة رضي الله عنها مثلت زهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: على خير إن اتقيتِ؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب:31-32]. طلب الزوج تخيير زوجته السؤال: هل يطلب من الزوج تخيير زوجته مطلقاً؟الجواب: لا، ليس هذا مشروعاً لسائر الأزواج، بل قد شرعة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لتخيير أزواجه بين الدنيا والآخرة، وليس هذا مشروعاً لسائر الأزواج، وأما إذا خير الزوج زوجته بين البقاء معه وفراقه، فقد اختلف الصحابة في هذا التخيير على ثلاثة أقوال: فبعض الصحابة يرى أن مجرد التخيير قد تحصل به طلقة واحدة رجعية، فإن اختارت الفراق كان ثلاثاً، وبعضهم يرى أن التخيير لا يحصل به شيء، فإن اختارت الفراق كان ثلاثاً، وبعضهم يرى أن التخيير لا يحصل به شيء، فإن اختارت الفراق كان واحدة رجعية.وبعض الفقهاء يرى أنها إن اختارت الفراق كانت واحدة بائنة، ولكن المذهب الأوسط هو أن التخيير لا يحصل به شيئاً إلا إذا اختارت الفراق فيحصل به الفراق، بخلاف التمليك فإنه إن ملكها فلها الحق أن تطلق واحدة واثنتين وثلاثاً، بخلاف التخيير، فإنه تخيير بين الفراق البات، وبين البقاء كذلك، فإن اختارت البقاء أي سكتت لم يلزم شيء.ولذلك فإن عبد الرزاق أخرج في المسند عن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا خير الرجل امرأته كانت على خيارها ما لم تتكلم. أي: في مجلسها، فإذا تكلمت فما قالته فقد أودت به ما لها من الحق، وكذلك إذا انقضى مجلسه فهو انقضاء لخيارها، فلا يمكن أن تأخذ به بعد ذلك. الخط بالرمل والافتتاح بالكتاب والسنة السؤال: ما حكم الخط بالرمل وهل هي استخارة وكذا الافتتاح بالكتاب والسنة؟الجواب: أما الخط في الرمل فقد كان يعمله أهل الجاهلية قديماً، وفيه يقول الشاعر: عشية ما لي حيلة ترى أننيبلهي الحصى والخط في الرمل مولعوقد جاء في الصحيح: ( أن نبياً من الأنبياء كان يخط، فمن وافق خطه خط ذلك النبي فذاك، وإلا فلا خير فيها )، وعموماً لم يعرف أحدٌ الآن أنه وافق خط ذلك النبي؛ لأن هذا مما لا يعرف إلا بالوحي، فعلم من هذا الحديث أنه لا خير فيها، ولا في الاشتغال بذلك، وهي من التطلع على الغيب، والبحث عن القدر، وهذا ما لا يمكن أن يفتح له باب، فلا بد من اجتناب ذلك بالكلية، أما الافتتاح بالقرآن هو أن يفتح الإنسان مصحفا؛ لقصد الإقدام على أمره، فإذا قرأ آية فيها أمر به، أو فيها مبشر من المبشرات أقدم عليه، وإذا وجد آية فيها عقاب أو نحو ذلك تشاءم به وتركها، فهذا النوع لم يرد عنه شرع؛ لما فيه من التطلع على الغيب كذلك؛ ولأنه بمثابة الطيرة، وكل ذلك منهي عنه، فالطيرة من عمل الجاهلية، ونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي لا ترد شيئاً من قدر الله، لكن المشروع له إن شك في الأمر هو ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن يصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو بهذا الدعاء: ( اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه باسمه- خير لي في ديني ودنياي، وعاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه باسمه- شر لي في ديني ودنياي، وعاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، وأقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به )، فهذه الاستخارة الشرعية، وما سواها من الاستخارات لا خير فيه جميعاً. إصرار المرأة على استخدام ما يخالف الشرع وكيفية التعامل معها السؤال: إذا كانت المرأة تصر على الطلب من زوجها أن يطلقها إن لم تمتثل؟الجواب: أن على زوجها أن يمنعها من الوقوع في مثل هذا النوع؛ لأنه ليس مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والخير كله فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا النوع من الخلاف إنما يكون عن طريق التفاهم والإقناع، فعلى زوجها أن يقنعها بالتي هي أحسن، والطلاق كما سبق في الحلقة الماضية، هو أبغض الحلال إلى الله؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن للشيطان عرشاً على الماء، يرسل سراياه في الليل، فيأتي أحدهم فيقول: ما زلت به حتى شرب الخمر، فيقول: ما صنعت شيئاً؛ لعله يستغفر، فيتوب فيتوب الله عليه، ثم يأتيه آخر فيقول: ما زلت به حتى زنا فيقول: ما فعلت شيئاً، لعله يتوب فيتوب الله عليه، ثم يأتيه آخر فيقول: ما زلت به حتى فارق أهله، فيدنوه يقبله فيقول: أنت ابني)، فهذا النوع مما ينبغي أن يبعده المسلم من تفكيره؛ ولا يجعله علاجاً لكل المشكلات، فقد سبق أن الطلاق مشكلة وليس علاجاً، فلذلك لا يقدم عليه الإنسان، إلا وهو يعلم أنه لا يجد حلاً للمشكلة إلا به، وقد عدمت كل الحلول. تصرف المرأة في حال طلبها الخلع ورفض زوجها ذلك السؤال: إذا طلبت المرأة من الرجل الخلع ولم يقبل، فماذا تفعل؟ مع العلم أنها لا تطيق الحياة معه لأسباب عديدة؟الجواب: نسأل الله أن يفرج كروب المسلمين أجمعين، بالنسبة للمرأة إذا كرهت زوجها، فلم تستطع أداء حقه، وكان ذلك لأسباب موضوعية، بأن كان غير عدل أو كان فاسقاً، أو كان ظالماً لها، أو كان مقصراً في بعض أمور دينه، أو كان سيئ الخلق أو نحو ذلك فلم تستطع البقاء معه، فإنها تعرض عليه الخلع، فإذا قبل خالعته، وإلا عرضه عليه غيرها من الناس، وإن لم يستجب لذلك، فلا بد من رفع القضية إلى القضاء، والقاضي حينئذٍ يجبره على الخلع أو على الطلاق، يعرض عليه الطلاق؛ فإن لم يقبل أجبره على الخلع، لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول رضي الله عنها فقالت: ( يا رسول الله! إن ثابت بن قيس بن شماس )، أي: زوجها ( لا أنقم عليه في دين ولا خلق، ولكني أكره الرجوع إلى الكفر بعد الإسلام )، وفي رواية: ( أكره الكفر في الإسلام، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ماذا أصدقها؟ فقال: أصدقتها حديقة، فقال: ردي عليه الحديقة، وطلقها تطليقة، فردت عليه الحديقة ففارقها )، فكان ذلك خلعاً أجراه رسول الله صلى الله عليه وسلم للقضاء بين هاذين الأنصاريين رضي الله عنهما. موقف المرأة من زوجها الذي يتعامل بالربا السؤال: بماذا تنصحون المرأة التي زوجها يتعامل مع البنوك الربوية؟الجواب: عليها أن تنصحه وتعظه، وأن تذكره بالله تعالى، وتنبهه إلا أنه إذا مات وترك هذا المال وراءه وهو من حرام فهو مصيبة عظيمة، ولذلك لا بد أن تحرص على هدايته، وتركه لهذا التعامل؛ لما فيه من حرب الله ورسوله، فإن الله تعالى آذن آكل الربا وموكله بحرب منه ورسوله فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279]، وقبل ذلك تعامله بالتي هي أحسن؛ لأنها لا يمكن أن تغير قناعته وعمله إلا إذا كان يثق بها، فتستطيع التأثير عليه. ضابط لباس المرأة السؤال: هل يجوز للمرأة أن تلبس القميص الضيق تحت الملحفة؟الجواب: أن زي المرأة ليس له تحديد في الشرع ولا مقاس ولا عدد من الثياب ولا لون، فهو بحسب ما يستر ما يجب عليها ستره، فإن كانت تلبس ثياباً ضيقة، ولكنها تلبس فوقها ملحفة أو عباءة تسترها فلا حرج، فقد حسن الستر بذلك، فلذلك ضابط لباس المرأة هو الستر، وإذا كان للخروج فلا بد أيضاً ألا يكون فيه رائحة طيب، وألا تكون فيه زينة بارزة ظاهرة لافتة للانتباه. استعمال المرأة للدهانات ونحوها السؤال: عن بعض الكريمات والدهان التي تستعمله النساء؟الجواب: الكريمات والدهانات إذا كانت غير أصباغ فيجوز استعمالها؛ لأنها تدخل في داخل البدن ولا تغطيه، فأما الأصباغ التي تغطي فوق البدن، فلا يحل استعمالها في وقت الطهارة؛ لأنها مانعة لوصول الماء إلى الجسم، ولكن إذا كانت المرأة ذات مانع، فلا حرج من استعمالها ثم تزيلها بعد ذلك، وهي من الزينة التي لا يحل إظهارها إلا لمن يحل إبداء الزينة له. من تزوج بمن يظنها داعية وتبين له خلاف ذلك السؤال: رجل تزوج بامرأة يظنها داعية، وحين دخل بها وجدها غير داعية فما حكم ذلك؟الجواب: هذا ليس عيباً، فإنما كان ظناً منه، وقد ظن شيئاً فلم يجد الظن على ما ظن، لكن هذا ليس عيباً من عيوب الخيار، وإن كان نقصاً في الأداء فليس نقصاً في أصل الدين، فلذلك يستطيع هو أن يقنعها أن تكون داعية في المستقبل، بأن يؤثر عليها تأثيراً يصلح ما نقص من شأنها. مراجعة المرأة في عدتها ورفضها ذلك السؤال: امرأة طلقها زوجها، ولما يأتيها يطالبها بالرجوع فتمتنع، حتى انتهت عدتها فجاء إلى خالتها، وقال إنه قد ارتجعها، وفي الوقت الحالي العدة انتهت فما حكمها؟الجواب: أنها إن كانت علمت أنه ارتجعها في العدة وامتنعت من الذهاب معه وهو يطلبها، فهي ناشز آثمة في تلك الفترة، ويجب عليها أن تبادر بالتوبة، وأن تسترضي زوجها، حتى تغير ما في خاطره من الغضب عليها، فإن غضبه معصية عظيمة، وقد سبق الحديث في الصحيح: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، كان الذي في السماء عليها ساخطا )، وفي رواية: ( لعنتها الملائكة حتى تصبح )، فهذا من الكبائر العظيمة فلذلك عليها أن تعتذر إليه، وأن تسترضيه، وأن تذهب معه، إن كان قد ارتجعها في عدتها.أما إذا لم يرتجعها في العدة حتى انقضت، فلا بد من عقد جديد، إن كانت ترضى به، ولا بد من مشاورتها بذلك. فطام الطفل قبل تمام الحولين السؤال: امرأة فطمت طفلها وهو في الشهر الخامس مع سنة أي: في السنة الثانية بسبب ذهابها إلى سفر خارجي مع خالتها، وهي تحتاج للعلاج بسب مرض فما حكم ذلك؟الجواب: إذا كان هذا لا يضر بصحة ولدها فهو جائز، وكذلك إذا لم تفطمه لكنها استأجرت له مرضعاً، أو أحضرت له من الحليب ما يكفيه، ولو كان ذلك صناعياً حتى تأتي؛ لأنها تقوم على خالتها التي تحتاج إليها، والصبي حينذٍ إذا لم يتأثر فلا إثم عليها بهذا؛ لأنه يمكن أصلاً أن يفطم قبل إكمال الفطام إن اتفق الزوجان على ذلك، فالحق في الحولين للأبوين، فإذا تنازلا عنه عن تراض، فيجوز فطام الولد قبل تمام الحولين. نظر المرأة إلى عورة المرأة السؤال: ما حكم نظر المرأة إلى عورة الأخرى، إذا كانت تجد مع نظرها استجابة دينية أو دنيوية من النظر إلى النساء المتبرجات في التلفزيون اللاتي يظهرن في الأخبار؟الجواب: عورة المرأة مع المرأة، هي ما بين سرتها وركبتها، فما فوق السرة ليس من العورة، وما تحت الركبة ليس من العورة في حق المرأة مع المرأة، فإذا كانت تنظر إلى ما يجوز لها النظر إليه مما ذكر في التلفاز مثلاً، فهذا لا حرج فيه، وأما نظرها إلى ما بين السرة والركبة فهو حرام مطلقاً، ولا يحوج إليه إلا للضرورة، كما إذا كانت طبيبةً وتكشف للعلاج أو للتوليد أو نحو ذلك، أما ما سوى ذلك من الفوائد الدينية والدنيوية كما في السؤال، فلا يبيح النظر إلى العورة.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
الشيماء مستشاره ادارية
عدد المساهمات : 4955 تاريخ التسجيل : 21/08/2010
موضوع: رد: ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي الخميس 6 يونيو - 3:40
المسح على الجوربين السؤال: المسح على الجوربين والخفين في حكم المسح الشرعي؟الجواب: المسح على الجوربين وهما ما يشترط فيه من الصوف أو الكتان أو القطن أو نحو ذلك، فهذان الجوربان اختلف في حكم المسح عليهما، فذهب بعض أهل العلم إلى جواز المسح على الجورب إذا كان ثقيلاً، وهذه رواية عن الحنابلة وقول للشافعية، وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يمسح عليه؛ لأن الأصل في المسح أنه رخصة، والرخصة لا تتعدى محلها، وإنما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين. وأما الجوربان فقد أخرج الترمذي في السنن من حديث عروة عن المغيرة بن شعبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين )، وهذا الحديث معلل لدى أهل الحديث بعدد من العلل، فمنها أن عروة الذي رواه عن المغيرة غير مسئول، فيمكن أن يكون عروة بن المغيرة معه، ويمكن أن يكون عروة بن الزبير بن العوام ، وقد كان كبيراً في أيام المغيرة لكن ما تعرف له رواية عنه، فكان المغيرة في الشام والعراق، وكان عروة من أهل المدينة، وكذلك فإن المعروف في رواية المغيرة لحديثه في المسح على الخفين كان في غزوة تبوك، وأيضاً فإن الحديث فيه مسح على الجوربين والنعلين، فهو محتمل بأن يكون مسح عليهما معاً، وأن يكون مسح على الجوربين وحدهما، وعلى النعلين وحدهما. وهذا الإشكال يقتضي ألا يكون هذا الحديث حازاً في المفصل؛ لأنه لا يتعين أحد المعنيين، ولا تتعين إحدى الدلالتين، فلذلك الراجح ترك المسح عليهما إلا من مرض، لكن يلحق بالخفين إذا استخدم من المواد الصوف التي تشبه الجلود، فما كان من البلاستيك أو من الجلود الصناعية، فالخفاف التي تكون من الجلود الصناعية أو البلاستيك أو نحو ذلك، يمكن أن يمسح عليها بشروط المسح على الخفين؛ لأنها تنوب مناب الخفين تماماً، و أنس بن مالك رضي الله عنه كان يرى المسح على الجوربين، وقد جاء من العراق يلبس جوربين ثقيلين فمسح عليهما، فأنكر عليه أبو طلحة الأنصاري وقال: أعراقية؟ فقال أنس : إنهما خفان من صوف، فهذا يدل على أن ما كان ينوب مناب الخفين ويقوم مقامهما مطلقاً، فيجوز المسح عليه. ضابط ركوب الأجنبية مع سائق السيارة السؤال: من كانت له سيارة ويمكن أن يحمل معه بعض الأخوات المتحجبات؛ لكي يوصلهن بنية الأجر، فما حكم ذلك؟الجواب: إذا كان في غير ريبة وفي غير خلوة، فهو جائز، فيجوز للرجل أن تركب معه امرأة أجنبية إذا كانت في آخر السيارة، ولا يجوز أن تجلس مجاورة له من قرب فلا تجلس في المقعد الأمامي، وإنما تجلس في المقعد الخلفي، إلا إذا كانت في المقعد الأمامي وبينه وبينها حائل، ولم تكن الريبة حاصلة ولا الخلوة. والخلوة كما إذا كانا وحدهما وكانا يسلكان طرقاً قد لا يكون فيها مارة، فهذه خلوة لا تجوز، أما إذا كان ذلك مع ركاب آخرين، أو كان في طريق مزدحم بالمارة، فلا يكون ذلك خلوة، ويكون من الأمور الجائزة. حكم التدخين السؤال: ما حكم شخص يدخن مع أنه داعية إلى الله ويصدع بالحق؟الجواب: استعمال الدخان لا تبيحه الدعوة، ولا يبيحه الصدع بالحق، فإن الله تعالى وصف رسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف فقال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157]، فالخبائث هو ما لا نفع فيه، والدخان لا نفع فيه، وهو ضار بالإنسان، فقد ثبت أنه سبب لسرطان الرئة، ولكثير من الأمراض الأخرى الفتاكة، فلذلك هو من الخبائث فلا يحل استعماله. إجهاض الحمل في الأشهر الأولى السؤال: هل إسقاط الحمل في الأشهر الأربعة الأولى، أي: قبل نفح الروح في الجنين جائز؟ إذا خشيت المرأة كثرة الأولاد والاهتمام بهم؟الجواب: الإقدام على مثل هذا النوع هو من إهلاك النسل، وهو من الإفساد في الأرض، فلا يتكون حملٌ إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:8-9]، فالنطفة إما أن تكون مخلقة أو غير مخلقة، والملك يسأل الله تعالى فيقول: أي ربي مخلقة أو غير مخلقة، فإذا كانت مخلقة أذن الله له في إيصالها إلى محلها، وإذا كانت غير مخلقة لم يـأذن له في ذلك، ومثل هذا النوع هو من الرضوخ للتعليمات الأجنبية التي يقصد بها تحديد النسل وتقليله، وهي من المؤامرات المشهودة على الأمة، فعلى النساء أن يتقين الله تعالى وأن يعلمن أن الإجهاض وسيلة من وسائل المؤامرات التي تحاك ضد هذه الأمة، ويقتضي بها تقليل نسلها والتأثير عليها، فالحمل منحة من الله سبحانه وتعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50]، فهبة الله ينبغي قبولها لا ردها، فإذا وهب الله تعالى عبده نعمةً وخصه بها ويطلبها كثير من الناس وقد لا ينالها، فعليه أن يقبل هبة الله. أفضل الطرق لتفادي الحمل فترة الرضاع السؤال: ما هي أحسن طريقة لتفادي الحمل في فترة الرضاع؟الجواب: المرأة إذا كانت متلبسة بمرض تخاف فيه من تقارب الحمل، كما إذا كانت مصابة بمرض السكري، أو بارتفاع ضغط الدم أو نحو ذلك، أو كان لديها فشل في الكلى أو ضعف فيها، فيمكن حينئذٍ الحيلولة بينها وبين الحمل بطريق شرعي، وهو الامتناع من الوقاع في فترة قبول البويضة لذلك، وذلك أن للرحم عنقين، كل واحد منهما ينتج بيضة لكل شهر، فإذا نزلت البيضة إلى المبيض كانت قابلة للتلقيح عن طريق قناة فالوب، فإنما تقبل ذلك في اليوم الرابع عشر من بداية الدورة، فالعبرة من بداية الدورة لا بنهايتها؛ لأن دورات النساء متفاوتة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـفاطمة بنت أبي حبيش : ( تحيضي ستاً أو سبعاً في علم الله )، فهذا يشير إلى أن عادة النساء متفاوتة في الدورة، فالعبرة هي بأول الدورة لا بآخرها، فإذا عدت من أول الدورة أربعة عشر يوماً ففي آخر اليوم الرابع عشر تنزل البيضة إلى المبيض، فتكون قابلة للتلقيح مدة ثمان وأربعين ساعة، فإذا تجاوزت الثمانية والأربعين ساعة ولم تلقح؛ فإن المشيمة ستنكمش حينئذٍ وستصير حيضة، ولا تكون قابلة للتلقيح بعد ذلك، فهذا الامتناع عن الوقاع في مدة محصورة هي ثمان وأربعين ساعة من بداية الدورة من الأمور السهلة، أما استعمال الحبوب والحقن أو الواقي أو غير ذلك، فكلها محرمة؛ لما يترتب عليها من الأضرار الفادحة، والمشكلات الاصطناعية الكبيرة. تزويج الفتاة اليتيمة بمن تكره السؤال: أنا فتاة يبلغ عمري اثنتي عشرة سنة، تريد أمي أن تزوجني برجل أكبر من أبي، وأنا لا أحبه وليس لي رغبة فيه؛ ولكن أمي دائماً تشكره لي وتقول: إنه غني، وسيجعل لي الدنيا وما فيها، وكذلك إخواني يتفقون مع أمي على ذلك، فأنا لا أعرف كيف أتصرف؟الجواب: الذي فهمت من هذا السؤال أن كاتبته ليس والدها حياً، وإذا كان الحال كذلك؛ فإنه لا يمكن تزويجها بهذه السن إلا عن طريق القضاة المنتسبين، ولا بد أن تكون هي المستأمرة في هذا النوع، فلا يمكن أن تزوج بغير إذنها، وإذا كانت غير يتيمة فإنها تستأمر أيضاً، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وينبغي حينئذٍ أن لا تكره على من تكرهه، فلا بد أن يكون الذي تتزوج به مناسباً لها، أو على الأقل ترضى على الزواج به، فهذا النوع ليس من النوع الذي فيه إكراه، وإنما يكون عن طريق التراضي والإقناع؛ لأن مشروع الزواج مشروع يراد له البقاء، وقد سماه الله ميثاقاً غليظا، ويترتب عليه الكثير من الحقوق، فلذلك لا ينبغي الإقدام عليه بالإكراه، وإذا أريد له النجاح والاستمرار، فلا بد أن يكون عن طريق القناعة، أما ما دون ذلك فلا يحصل به المقصد الشرعي. دراسة الفلسفة والمنطق السؤال: ما حكم دراسة الفلسفة؟الجواب: الفلسفة أنوع منوعة، فالفلسفات التي هي نتاج بعض المدارس الكفرية دراستها محرمة، وقواعد الفلسفة التي ليست نتاجاً لمدرسة بعينها، وإنما هي قواعد عامة يمكن الاستفادة منها في رد بعض الشبهات، وفي إدراك بعض العلوم، فهذه لا حرج في دراستها، ولكن المشكلة هنا، أن الطلاب ليسوا هم الذين يختارون مقرراتهم بأنفسهم، وفي كثير من الأحيان لا يختارها أيضاً لهم أهل الدين والورع، والمقررات لا بد أن توكل إلى أهل الدين والورع، فهم الذين يختارون النافع للطلاب، ويجنبونهم ما فيه مضرة، وليس هذا مختصاً بالفلسفة بل في كل العلوم، وقد كان أهل الحديث يقولون: فلان ينتخب، أي: يختار للطلاب ما يحدثهم به من الأحاديث، فيجنبهم الأحاديث المعللة والمشكلة ونحو ذلك، وتعرفون أن كثيراً من كتب الحديث هي المنتخبات، كالمنتخب لمسند عبد بن حميد ، وهو كتاب مطبوع مشهور، وهكذا، فاختيار المقررات التي يدرسها الطلاب كان من شأن أهل العلم والورع الكبار، واليوم لم يعد الحال كذلك مع الأسف، فلهذا على الإنسان إن اضطر في شهادته إلى دراسة بعض المقررات التي فيها فساد ومخالفة للشرع أن يحرص على ألا يقتنع بشيء من ذلك، وإذا سمعه أن يكثر بعده من الاستغفار؛ لأن ظلمته لا يزيلها من القلب إلا الإكثار من الاستغفار، وأن يقتصر على محل الحاجة منه، أي: ما ينجح به في الامتحان، ثم يتجاوزه بعد ذلك.وهذه الدارسات النظامية التي يفرض على الإنسان فيها دراسة مثل هذه النوع من المواد، قد كانت قديماً نشأت في أيام المأمون العباسي ، عندما فرض بعض الكتاتيب على تدريس المنطق، وكان المنطق إذ ذاك نتاج فكرٍ وثني، وهو الفكر اليوناني، لم ينقَّ بعد، وقد اختلف العلماء في تدريس المنطق في ذلك الوقت:فـابن الصلاح والنواوي حرماوقال قوم ينبغي أن يعلماوالقولة المشهورة الصحيةجواز لكامل القريحة من وارث السنة والكتابليهتدي به إلى الصوابوقد قال ابن المختار بن بونة رحمه الله:قلت نرى الأقوال ذي المخالفةمحلها ما ألف الفلاسفة أما الذي انتخبه المسلمون فذلك جائز عنده هو في اختياره، لكن القول الذي اشتهر بين أهل العلم أن هذا النوع من العلوم يختص تعلمه، بمن كان كامل القريحة، ممارساً للسنة والكتاب، فهذا الذي يهتدي به إلى الصواب. وجود أثر المني في الثياب مع عدم معرفة وقت الاحتلام السؤال: [إذا احتلم الرجل في المنام ولم يعلم، فماذا عليه إذا وجده في ثوبه؟]الجواب: إذا احتلم الإنسان فخرج منه المني فهو يعرف أن هذه الأمور توجب عليه الغسل، وإن وجده في ثوبه ولم يدر متى خرج نهائياً، فهو محل خلاف بين أهل العلم للاحتياط للطهارة، فقالت طائفة من أهل العلم: يعتبره من آخر نومة نامها، وقال آخرون: يعتبره من أول نومة نامها في ذلك الثوب، يمكن أن يكون قد اختلف فيها، وإن كان ذلك في صوم فإنه يكمل الصوم؛ لأنه قد رفع عنه القلم في يومه، وإن كان وجده في ثوبه بعدما صلى فإنه يغتسل ويعيد تلك الصلاة، وإن ميز أنه مذي غير مني، وهذا نادر ما يقع في الاحتلام فإنه يقوم بغسله، ويغسل فرجه ويتوضأ للطهارة الصغرى وهي التي يلزم منها غسل الفرج والوضوء، والراجح في غسل الفرج أن المقصود به غسل الذكر والأنثيين معاً، كما في حديث علي رضي الله عنه قال: ( كنت امرأً مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لمكان ابنته، فأمرت المقداد أن يسأله فسأله فأمر بغسل الفرج )، وفي رواية: ( بنضح الفرج، وأن يتوضأ وضوءه للصلاة ).أما اللباس فيغسل من آثار الاحتلام.وإذا علم القصة وعرف أنه احتلم في النوم الفلاني وفي الوقت الفلاني فيعمل به، وإن لم يذكر قصة منامه، ولا عرفه؛ فإنه يعتمد على القرائن الأخرى، كأن يتذكر هذا الثوب هل يلبسه في الليل أو في النهار ونحو ذلك.وهذا النوع يقع أيضاً من النساء، فإذا وجدت المرأة أثرها حيض في ثوب من ثيابها، ولم تدرِ متى حصل ذلك الحيض، فتحمله على أول يوم ارتدت فيه ذلك الثوب على الراجح، إلا إذا كان ذلك في وقت ليس وقت عادتها، وكانت في وقت عادة لها، ولم تر ذلك الحيض ثم طهرت، ولم تشعر بالحيض حتى انتهى، فإنها تحمله على وقت العادة، وهذا منيه إذا كان هناك ثوب يتعاقبن عليه ثلاث نساء في رمضان، فلبسته الأولى في العشر الأوائل من رمضان، والثانية في العشر الأواسط من رمضان، والثالثة في العشر الأواخر من رمضان، ثم وجدن فيه أثر حيض لا يدرين من أين هو بعد نهاية الشهر، فإن الأولى: تغتسل وتقضي صيام شهرٍ كامل، والثانية: تغتسل وتقضي صيام عشرين يوماً، والثالثة: تغتسل وتقضي صيام عشرة أيام فقط.وقد نظم هذه النظم الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه:ثلاث أسوة بالمسلمين ... بعشر ...ثم يجدن بعد ذاك أثرحيضٍ ولا يدرين ممن شجروكان ذاك الشهر شهر الصوم قريناً كلهن قوله أن الصلاة أقصد الصلاة وليس الصوم:قبيل كلهن صوم يومأما الصلاة فصلاة شهر ثلاث عشرين ثلاث عشر فالأولى التي لبست في العشر الأوائل، تغتسل وتصلي صلاة شهر كامل؛ لأن هذا الدم الذي لا تشعر به صاحبته إنما يكون لحظة من نهار، ثم طهرت فوجبت عليها الصلاة، فتقضي صلاة شهر، والتي تليها وهي التي لبسته في العشر الأواسط تقضي الصلاة عشرين يوماً، والآخرة تقضي صلاة عشرة أيام، أما الصوم فكل واحدة منهن تقضي يوماً واحداً؛ لأن هذا الدم اليسير إنما يكون ليوم واحد، فهذا هو المعتبر. تطهير النجاسة من الثياب عند الغسال السؤال: حكم اللباس يكون فيه نجاسة ويعطى للغسال يغسله، فهل يجزئ ذلك الغسل؟الجواب: أن الإنسان إذا وجد النجاسة في ثوبه، فإن عليه أن يغسلها حفاظاً على طهارته، وقد قال الله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، وقد حمل ذلك بعض أهل العلم على تطهير الثياب الطهارة الحسية، وحمله آخرون على تطهير القلوب، فالثياب تطلق على العرض، ومنها قول امرئ القيس : ثياب بني عوف طهارىنقية وصفه عند بالرجلوعلى كل فإن حمله على تطهير الثياب إذا لامست نجساً، فيكون ذلك واجباً ولا يصح أن يدخل بها في الصلاة، وإذا أعطاه أجيراً مشتركاً في ... يغسل الناس ثيابهم بأجرة، فلا بد أن ينبهه على نجاسته؛ لأن كثيراً من الذين يمارسون هذه المهنة يضعون الثياب في الماء الذي قد استعمل وفيه الأوساخ فلا يكون مطهراً على الراجح، وقد قال بعض أهل العلم: إن النجاسة تطهر بكل مائعٍ قلّاع، وهذا رأي أبي حنيفة ورأي بعض المالكية كـالقرافي وغيره، يرون أن المائع القلّاع إذا زال به أثر النجاسة، فلن يطلع أثره فقد طهر الثوب بذلك، وعموماً فإذا أتاك الثوب فأتاك من الغسال وأنت ما زلت تشك فيه، فإنه يكفي لطهارته أن تنضحه؛ لأن النجاسة الآن مشكوك فيها، فلذلك يطهره النضح، فإذا نضخت عليه ماءً يسيراً، فإن ذلك مطهر له ولو لم يقع على بقعه النجاسة أصلاً؛ لأن النضح لطهارة الخبث، وطهارة الخبث لا تشترط فيها النية، ليست مثل طهارة الحدث. معنى قوله تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض ...) السؤال: هذا السؤال عن تفسير قول الله تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ [فصلت:9]؟الجواب: هذه الآية نزلت في عتبة بن ربيعة و الوليد بن المغيرة ، وقد كانا يجادلان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الله تعالى، فأنزل الله تعالى سورة فصلت، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة لما أتاه فقال: ( اسمع يا أبا الوليد فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت:1-3]، فقرأها عليه، حتى قرأ قول الله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13]، فدعاه إلى السكوت )؛ لأنه خشي من صاعقة كصاعقة عاد وثمود لتمام عقله، وهذه الآية قامت بها الحجة على عتبة وغيره، وهي قول الله تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:9]. وهذا استدلال على البعث بخلق الأكبر، فإن خلق الأكبر أعظم من خلق الأصغر، فخلق الناس أقل من خلق السموات والأرض: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ[غافر:57]، وهم ينكرون البعث بعد الموت، ويقولون: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ[الإسراء:49]، فكانوا ينكرون أن العظام إذا تفتت، وكانت كثيباً في الرمل تنفخ فيها الروح وتعود بعد ذلك، فقامت عليهم الحجة بآيات البعث، ومنها هذه السورة، فإنها نزلت لإثبات البعث بعد الموت، وكذلك سورة يس، جاءت لإثبات البعث بعد الموت، وكذلك سورة ق، فإن المقسم عليه يوم البعث وقد حذف فلم يذكر؛ لكن سبب النزول يفسره، فقول الله تعالى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، المعنى أي: لتبعثن، فهذا المقسم عليه وهو محذوف معروف سياق القصة التي نزلت فيها السورة، وكذلك هنا بين الله تعالى خلقه للسموات السبع، والأرضين السبع وما فيهن من أنواع الخلائق في ستة أيام، وقد بين أن خلق الأرض وما فيها كان في أربعة أيامٍ، وأن خلق السموات وما فيها كان في يومين، فتمت بذلك ستة أيام.وقد جعل الله تعالى العالمين العالم العلوي والعالم السفلي متوازنين، فالعالم العلوي ذكر الله فيه أربعة أنواع من أنواع الخلائق، والعالم السفلي ذكر فيه أربعة أنواع من أنواع الخلائق، فقال: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:9]، فهذا أول خلائق العالم السفلي، أي: خلق الأرض، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا [فصلت:9-10]، وهذا النوع الثاني، وَبَارَكَ فِيهَا [فصلت:10] هذه البركة في الأرض التي تشمل أمطارها ونباتها وأكسجينها وهواءها ورياحها، كل ذلك من بركات الله فيها، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا [فصلت:10] بما فيها من أنواع الأرزاق، وقبول التربة للنبات والزرع، فكل ذلك من أقواتها. ثم قال في العالم العلوي: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:11-12]، فهذه النوع الأول من العالم العلوي، وهي السموات التي تقابل الأرضين في العالم السفلي. وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا [فصلت:12]، وهذا يقابل البركة في الأرض، وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ [فصلت:12]، وهي تقابل الجبال في الأرض وَحِفْظًا [فصلت:12]، فالحفظ في السماء هي مثل الأرزاق التي في الأرض، فهو يقابل ذلك، فهذه أربعة أنواعٍ تقابل أربعة أنواع، فيقع التوازن بين العالمين العلوي والسفلي بذلك. موت زوج المرأة مع شروعها في الحج السؤال: ما حكم امرأة ذهبت إلى الحج وعندما قضت أياماً توفي زوجها قبل الرجوع فهل ترجع أم تواصل الحج؟الجواب: عليها أن تواصل حجها وألا ترجع، فهذا العارض جاء وهي قد تلبست ببداية الحج؛ ولزمها حينئذٍ إتمامها، والحج من الواجبات التي تلزم بالشروع إجماعاً، حتى لو كانت قد حجت من قبل ذلك حجة الإسلام؛ فإن الحج لا يكون نفلاً، ولذلك قال السيوطي رحمه الله في ذكر المندوب: وبالشروع لا نلزمهوقال نعمان بلى والحج ألزم بالتمام شرعاإذ لم يقع من أحد تطوعاأي أن مذهب مالك و أبي حنيفة أن المندوب يلزم بالشروع في أغلبه، إلا الطهارة مثلاً والوقف فلا يلزمان بالشروع، ويلزم بالشروع الصلاة والصوم ونحو ذلك، كما قال السيوطي :صلاة وصوم ثم حج وعمرةطواف العكوف للشروع تحكما وفي غيرها كالطهر والوقف خيراًفمن شاء فليقطعه ومن شاء تمما وقال: والحج ألزم بالتمام شرعاإذ لم يقع من أحد تطوعافالشافعية والحنابلة لا يرون أن الإلزام في الصوم والصلاة بالشروع، بل يرون أن الإباحة فيه باقية، إلا ما ألزم بأمر من الشارع فيبقى على عدم الفرض، ويستثنون من ذلك الحج والعمرة، وبذلك قال: والحج ألزم بالتمام شرعا، أي: أن الشارع ألزم بإتمامه، ولم يقع من أحد تطوعا؛ لأن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، فهذا يقتضي أن إقامة الموسم فريضة كفائية على المسلمين في كل عام، حتى لو قدر على المسلم لو حصر عددهم في عدد محصور وقد حجوا جميعاً فيلزمه إقامة الموسم ولا يحل له التخلي عنه. معنى قوله تعالى: (قالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ...) السؤال: عن تفسير قول الله تعالى: قَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يوسف:31]؟الجواب: الله تعالى بين قصة امرأة العزيز مع يوسف فإنها أعجبها جماله، فراودته عن نفسه، فاستعصم منها وامتنع، فغلقت الأبواب وقالت: هيت لك، ودعته إلى نفسها، فاستعصم منها وامتنع، فتسابقا إلى الباب حين سمعت صوت العزيز، فسبقها هو، فجبذته فشقت ثوبه من الخلف، فشكته إلى زوجها، بأنه راودها عن نفسها، فأخبره يوسف أنها هي التي راودته عن نفسه، فلما احتكما بعث الله شاهداً من أهلها، وهو ابن أختها وهو الصبي في المهد، فتكلم بلسان فصيح، وقال: إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف:26-27]، فلما وجدوا قميصه قد من دبر عرف العزيز أنها هي الكاذبة، ولكن مع ذلك أراد الستر، ولم يرد فضحها ولا إشاعة خبرها، لكنها علمت أن نسوة من أهل مدينة مصر يتحدثن بذلك، ويتعجبن من شأنها، فدعتهن إلى بيتها واعتدت لهن متكئاً، وآتت كل واحدة منهن سكينا، ثم أمرته فجأة أن يخرج عليهن، فلما خرج عليهن ذهبت عقولهن بالنظر إليه لحسنه وجماله، وقد أوتي شطر الجمال، فقطعن أيديهن لهول ما رأين وقلن وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ[يوسف:31-32]، فسمع يوسف ذلك فاستجار بالله تعالى فأجاره، وأعاذه من كيدهن.وقوله تعالى: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ [يوسف:31]، أي: قالت امرأة العزيز لـيوسف: اخرج عليهن، أي: افتح الباب واخرج عليهن دون سابق إنذار، وذلك أبلغ في التوتر في عقولهن، ولذلك قطعن أيديهن، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ [يوسف:31]، أي: عند خروجه عليهن: أَكْبَرْنَهُ [يوسف:31]، بمعنى: عظمنه، أي: عظم في نفوسهن، وقيل: أصل الكلمة أكبرن، والهاء هاء السكت، أي: حضن، فأكبرت المرأة معناه: حاضت، فعلى ذلك التفسير يكون المعنى: أنهن حضن من هول ما رأين حين فاجأهن يوسف فرأينه، وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31]. فوائد من حديث: (ما فعل النغير يا أبا عمير!) السؤال: ما هي الفوائد المستخلصة من حديث: ( ما فعل النغير يا أبا عمير )؟الجواب: هذا الحديث أخذ منه كثير من الأحكام، وقد روي أن الشافعي فصل فيه فأخرج منه عدداً كبيراً من المسائل: فمنها: تكنية من ليس له ولد، وأنه يجوز له أن يتكنى، ومنها: خطاب الإنسان بأحب أسمائه إليه، ومنها: جوز مداعبة الصبيان، ومنها: جواز تملك الطيور التي لا يقتضي أكلها، وأنه ليس هذا إهانة لها إذا كانت ينفق عليها ولا تعذب، ومن ذلك جواز استعمال الدواجن في البيوت، وأنها من الطوافين عليكم والطوافات، ومنها: طهارة فضلات الدواجن كالطيور ونحوها مما يشق، أي: يعسر التحرز منه، وغير ذلك من الفوائد الكثيرة المستخلصة من هذا الحديث. حكم صيام يوم المولد النبوي السؤال: سمعت بعض فقهاء الإذاعة يقول: إن الصيام يوم المولد النبوي الشريف مكروه، مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صيام يوم الاثنين قال: ( ذلك يوم ولدت فيه )؟الجواب: هذه الكراهة كراهة غير شرعية، فصيام يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم سنة؛ لما أخرج مسلم في الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين، فسئل عن صيام يوم الإثنين، فقال: ذلك يوم ولدت فيه )، فيسن صيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر بعض الفقهاء قصة حصلت لأحد فقهاء المغاربة وهو ... ، ذكرها الرهوني في حاشيته على شرح الفرقان على مختصر خليل ، وهذه القصة هي فقط زجر أحد؟ الفقهاء المغاربة المتأخرين لأحد الفقهاء قدم عليهم في هذا وهو صائم، وهذا لا يقتضي كراهة السلف له، إنما هي قصة حصلت فقط لأحد الفقهاء المغاربة على نهر ذي رقراق، ولا يقتضي منها حكم شرعي وليست دليلاً. محرم المرأة في سفرها إلى الحج السؤال: أريد أن أسأل عن المرأة التي تمشي حاجة ومعها محرم، وليس المحرم محرماً لها، هل هذا حرام أم لا؟الجواب: أولاً: حكمت أنه محرم لها، ومع ذلك قالت: وليس محرماً لها، وهذا من شهادة الزور ومن الكذب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم )، وإذا كان ذلك في حجة الإسلام ولم تجد محرماً، فإن المالكية يرون أنه يجوز لها أن تخرج إلى سفر الحج مع رفقة مأمونة، والرفقة المأمونة اختلفوا فيها: هل لا بد فيها من الرجال والنساء معاً، أو يكفي فيها أحد الجنسين فقط، وسبب ذلك أن النساء في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كن يهاجرن من غير محارم، فقد هاجرت حمنة بنت جحش و أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من مكة إلى المدينة، وليس معهما محرم، وهاجر كثير من النساء إلى المدينة كذلك دون أن يكون معهن محارم، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ليأتي بـزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وهو ليس محرماً لها، فالضرورة تبيح هذا النوع من الأسفار، ولذلك فإن صفوان بن المعطل رضي الله عنه جاء بأمنا عائشة رضي الله عنه في غزوة المريسيع لما بقيت على أثر الركب، فبقيت في مكانها حتى مر عليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركه وراءه في كل غزوة يوماً وليلية، فهذا النوع من الأسفار ما كان منه للضرورة فهو خارج عن محل الحديث من الأسفار غير الواجبة، فلذلك إذا كان السفر واجباً كحجة الإسلام ولم تكن حجت من قبل، فيمكن أن تسافر مع نفرٍ مأمونٍ، ولا بد مع ذلك من الشرط الأخرى وقد ذكرها الفقهاء: وامرأة كرجلٍ يزيداأن لا يكون مشيها بعيداوأن تخص بمكان في السفلللنوم والقضاء للحاج وكلوإن يكون معها في ذي الحج أو محرمٍ في لازم القمة وتمييز الجرب أو من نساء الشر اكتفاء..... في اكتفاء ... أي اشتراط أن يظن العبد في حين ... ترددفهذا من الشيخ محمد سالمي . التحاق البنت الصغيرة بالمدرسة النظامية السؤال: لي بنت قد أصرت أمها المطلقة مني على دخولها في المدرسة، وأنا كنت أرفض ذلك، ولكنها لا تسكن معي، ولا سلطة لي عليها، فماذا علي في هذا الأمر؟ وهل يجوز لي أن أساعدها على ذلك؟الجواب: المدارس النظامية ليس فيها حضانة للبنات، ولا تعليم لهن ما يكفيهن من أمور الدين، وحتى أمور الدنيا ما يدرس في المدارس النظامية عندنا هنا منه غير كافٍ، فلذلك لا ينتبه هذا الرجل على ابنته في المدرسة، ولا بد من القيام عليها وتعليمها فرائض دينها، ولا بد من مراعاة تربيتها وصيانتها، ومن المعلوم أن البنت إذا تجاوزت التاسعة من عمرها، فقد دخلت في أخطر مرحلة في حياتها، وهي مرحلة تكون الحياء والرأي العام لديها، من التاسعة إلى الخامسة عشرة، هذه السن التي تأخذ فيها من وازع حيائها والتزامها، فإذا كانت في هذه الفترة تخالط الرجال، وتخرج إلى المدارس بزينتها، فهذا خطر على حيائها والتزامها، فلذلك لا بد أن يمنعها في هذه المرحلة، أما إذا كانت صغيرة جداً قبل التاسعة، فأرادت أمها أن تدخل المدرسة لتعلم الكتابة والقراءة، وثم بعد ذلك يخرجها فلا حرج، أو كانت كبيرة أيضاً قد تأدبت وعرفت أحكامها وتكوّن حياؤها فحينئذٍ لا حرج أيضاً. معنى حديث: (كم أجعل لك من صلاتي) السؤال: هناك حديث في سنن الترمذي لا أحفظه، ولكن مضمونه أن أحد الصحابة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد أمرنا أن نصلي عليك؟الجواب: هذا الحديث صحيح، والمقصود بصلاة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كم أجعل لك من صلاتي، المقصود بذلك دعاؤه، فالإنسان إذا جعل كل دعائه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله يكفيه ما أهمه وما لا يهتم له، وإن كان يصلي عليه قبل دعائه وبعده، فإن دعاءه مستجاب أيضاً، فالمقصود بالصلاة هنا الدعاء. صلاة من لا يعرف وجوب الوضوء للصلاة السؤال: امرأة تقول: كنت في فترة من عمري لا أعلم أن الوضوء واجب، أو شرط لصحة الصلاة على رغم من أني أرى الناس يفعلونه، وكنت اغتسل ثم أتيمم للصلاة فماذا علي؟الجواب: يجب عليها أن تتوب مما مضى وأن تحسن في المستقبل، وأن تتقن صلاتها، لكن لا يلزم على الراجح قضاء شيء مما مضى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته بإعادة شيء مما مضى، مع أنه نفى عنه جنس الصلاة، فقال: ( ارجع صلّ فإنك لم تصل )، ومع ذلك لم يأمره بإعادة شيء مما مضى. الغلو في قول الشاعر: ... السؤال: هذا السؤال عن قول الشاعر: ...؟الجواب: هذا النوع هو من الغلو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله )، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وهو أكرم الخلق على الله عز وجل، وهو رسول إلى الثقلين الإنس والجن، لكن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون يخلق ما شاء من خلقه، وقبل أن يخلق محمداً صلى الله عليه وسلم خلق خلائق كثيرة، وكذلك بعده، فليس شيء من ذلك مرتبطاً بخلق النبي صلى الله عليه وسلم. الحكم على حديث: (شراركم عزابكم وشرار نسائكم عزابهن) السؤال: هذا السؤال عن مدى صحة حديث: ( شراركم عزابكم وشرار نسائكم عزابهن )؟الجواب: هذا على الراجح لا يصح، وإن كان قد حسنه بعض أهل العلم، لكن ذلك التصحيح غير صحيح فهو لا يصح، لكن جاء معناه في حديثٍ آخر ليس فيه ذكر الخير وذكر الشرية بالنسبة للعزاب، وجاء أيضاً في مقابله حديث آخر وهو: ( خيركم حفيف الحال ورجل جاء بلا أهل ولا أولاد )، وكل ذلك لا يصح، فالنكاح إنما صح فيه الحديث السابق من أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في حق من قدر عليه. حصار قريش لبني هاشم السؤال: هذا السؤال كيف كانت حرب بني هاشم مع قريش؟الجواب: إذا كان السؤال عن فترة الحصار في الشعب، فإن قريشاً اجتمعوا عندما امتنع أبو طالب أن يسلم إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع بنو هاشم وبنو المطلب، فتعاهدوا على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصل إليه المشركون، ومعه حينئذٍ المستضعفون من الذين آمنوا به في ذلك الوقت، واتفقت قريش فاجتمعوا بالمخصب بوادي الأبطح، فتعاهدوا على حصارهم، فأخرجوهم إلى الشعب وحاصروهم فيه ثلاث سنين، لا يبيعون إليهم ولا يشترون منهم، ولا يزوجونهم ولا يتزوجون إليهم، وهذه الفترة كانت خيراً للمسلمين في حينها تعودوا على أخلاق الإسلام وقيمه كالإيثار، وحصول المحبة والإخاء الذي كان أقوى من أخوة النسب، ولما كانوا في هذه الفترة محتاجين لمن يتحفهم بالإيواء، كان حكيم بن حزام ، وكان من أولياء قريش وتجارهم، يأتي بالأزواد على الإبل فيدخلها في الشعب ثم يدفنها، فيأخذه المؤمنون، ويعلمون أنها صلة يصل بها حكيم عمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وكان كذلك العباس بن عبد المطلب من التجار فكان ينفق على الناس في الشعب إذ ذاك، وقد سعى أبو طالب برفع هذا الحصار، فلم تقبل قريش ذلك، فأنشد قصيدته المشهورة اللامية التي يستعيذ فيها بالله تعالى من هذه القطيعة، وفيها كثير من المدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر شأن قريش، ومنها يقول في قسمه:وثور ومن أرسى ثبيراً مكانهوساع ليرقى في حراء ونازلوموطئ إبراهيم في الصخر رطبةعلى قدميه حافياً غير ناعلوحيث ينيخ الأشعرون رحالهمبأهب السيول من إساف ونائل كرهتم لبيت الله نبزى محمداًومنا نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حولهونذهل عن أبنائنا والحلائلوأبيض يستسقى الغمام بوجههثمال اليتامى عصمة للأرامليلوذ به الهلاك من آل هاشمفهم عنده في نعمة وفواضلوقال في قصيدته الأخرى المشهورة:أيا أخي عبد شمس ونوفلاًأعيذكما لله أن تحدثا حرباوأراد الله تعالى إنهاء هذا الحصار فقام رءوس خمسة من قريش واتفقوا أن يتعاهدوا على فك هذا الحصار، فاجتمعوا هؤلاء بليل وأبرموا أمرهم، فرتبوا خطتهم، وأن يتفرقوا في نصف قريش بناديهم، فقام المطعم بن عدي فكان أول المطالبين بإزالة الصحيفة التي كتب فيها الحصار بفك الحصار عنهم، وصدقه الآخرون في قوله، فقال أبو جهل : هذا أمر أبرم بليل. فنقضت الصحيفة، وقد أخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دابة الأرض قد أكلتها، فلم تترك منها إلا اسم الله، واسم رسوله صلى الله عليه وسلم، فوجدوها كذلك، فزال هذا الحصار إذ ذاك.ونبزى معناه: الوصال فيه، أي: ينتزع منا، والمعنى لا نبزى محمداً. كفر من أهان العالم السؤال: هل من أهان العالم يكفر بذلك؟الجواب: لا، إنما ذكر أهل الفقه ذلك من باب أن احتقار العالم من أجل علمه، أي من أجل ما يحمله من الوحي، وهذا احتقار للوحي الذي يحمله، وقد ذكر ابن هلال أن إهانة العالم كفر، وهذا هو مذهب المالكية ومقصودهم بذلك إذا كانت إهانته من أجل ما يحمله من العلم، لا على أمر شخصي يتعلق بذاته هو، ولذلك يقول العلامة بالله بن عبد القادر بن محمد محمد سالم : ابن هلال في النوازل قال: إهانة العالم كفر، ولعل معناه أن المفسدين في رسل رسله كالمفسدين في الرسل. الشراء بالاقتراع السؤال: هل يجوز الشراء بالاقتراع على البضائع؟الجواب: لا؛ لأن هذا من الغرر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. بيع الملابس المستعملة السؤال: هل يجوز بيع الملابس التي استعملت من قبل؟الجواب: أن الملابس المستعملة تنقسم إلى قسمين: إلى ملابس صنفت تصنيفاً خيرياً، أي: أريد بها توزيعها على الفقراء، وهذه لا تصنف عادة، بل في كثير من الأحيان يجد فيها بعض الأمتعة كالساعات والنقود ونحو ذلك، ولا تكون مصنفة بعضها جيد، وبعضها رديء، فهذا النوع لا يجوز بيعه قطعاً لما فيه من الجهالة والغرر.النوع الثاني: المصنفة تصنيفاً تجارياً، بأن تجعل القمصان وحدها ونحو ذلك، أي: تجعل أصنافاً، وقد جعلها للتجارة على ستة أصناف بحسب الجودة والدناءة، فالمصنفة تصنيفاً تجارياً يجوز بيعها؛ لأن الجهالة فيها أقل. من ترك الصلاة فيما مضى من العمر السؤال: ما حكم داع كان في السابق مرة يصلي ومرة لا يصلي؟ ماذا عليه أن يصنع؟الجواب: إن كان يعرف أنه ترك صلاة أو أكثر، وهو يعرف تلك الصلاة، ولم يتركها شكاً في وجوبها ولا شكاً في الشرع، ولا كفراً ولا نفاقاً، فإنه يقضي تلك الصلاة التي فاتته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نسي صلاة أو نام عنها؛ فليصلها متى ما ذكرها، فإن وقتها ذكرها )، فإذا كان هذا في حق النائم والناسي، وقد رفع عنهما القلم، فمن باب أولى غيره، أما إذا كان كافراً فإن شك في وجوب الصلاة، أو كان منافقاً لا يؤمن بالبعث بعد الموت في ذلك الوقت حينئذٍ، فإنه لا يقضي شيئاً مما مضى؛ لأنه كان كافراً، ولكنه يسلم ويحسن إسلامه في المستقبل. الاغتسال من حركة المني ونزوله السؤال: [من وجدت حركة المني فهل عليها غسل أم لا]؟الجواب: أنه إن أنزل مني؛ فإنه يلزمه الغسل، وإن كانت امرأة فأحست بتحرك المني، فإنه يلزمها الغسل من ذلك لما في حديث أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها أنها قالت: ( يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت، فغطت أم سلمة وجهها، وقالت: فضحتِ النساء، وهل تحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك وهل يكون الشبه )، أي: شبه ولدها بها، فأمرها أن إذا وجدت ذلك أن تغتسل كما يغتسل من الجنابة، فإذا كانت المرأة أحست بحركة الماء ونزوله من لذة، فإنها تغتسل لذلك، وإن لم تحس بالتحرك وإن كانت التذت، فلا يلزمها غسل. حكم الصلاة على جنابة السؤال: ما حكم من صلت وهي جنابة بوضوء؟الجواب: الوضوء لا يجزئ الجنابة فيلزم أن تغتسل، وأن تقضي تلك الصلاة؛ لأنها لم تغتسل والوضوء لا يرفع الجنابة. تزوير العملات السؤال: ما حكم تزوير العملات كالدولار أو أوقية وغيره؟الجواب: تزوير العملات حرام، وفاعله صاحب معصية عظيمة يعزر عليها شرعاً، ويلزم منه تلك النقود المزيفة أي: المزورة فلا يحل التعامل بها ويجب إتلافها. الاستمناء باليد السؤال: ما حكم الاستمناء باليد لمن اعتاده؟الجواب: الله تعالى يقول في كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، والاستمناء باليد هو ما وراء ذلك، فعلى الإنسان ألا يفعل ذلك، ومع هذا فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جوازه، وبعضهم إلى كراهته، قال ابن عباس : نكاح الأمة خير منه، لكن الاحتياط أن يجتنبه الإنسان مطلقاً؛ لأن الله تعالى قال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7]. أجر بناء المساجد والقيام على شئونها السؤال: ما التأثير الإسلامي في بناء المساجد والمحافظة على نظافتها؟الجواب: المساجد بيوت الله، وقد خصها بالإضافة إلى نفسه إضافة تشريف، وبين أن الذين يعمرونها هم المؤمنون، فقال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [التوبة:18]، وعمارتها تشمل بناءها وتنظيفها والصلاة فيها، واستغلالها في الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من بنى لله مسجداً ولو قدر مفحص قطاة بنى الله له به بيتاً في الجنة )، فمن أفضل القربات التي يتقرب بها إلى الله تعالى هو من بنى مسجداً لله تعالى مخلصاً فيه، كان له أجر من صلى فيه إلى يوم القيامة.ولكن أذكر أن النشاط العلمي سيوقف ابتداء من الآن إلى نهاية العيد إن شاء الله تعالى؛ لأن هذه الأيام أيام عبادة وطاعة وصوم، وقد صح في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من أيام العمل الصالح فيه أحب إلى الله منه في أيام العشر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بذلك بشيء )، ولعل النشاط الذي يبقى فيها هو ... إذا كانت الأيام ... في حق النساء، أما الدورة العلمية فسنوقفها، ولعلنا إن شاء الله نقيم بعض المنابر في هذه الأيام، لكن الدورة ستوقف؛ لأننا بالأمس حددنا موعدها تجربةً، ونقلناه إلى العيد، لكن الطلاب اعترضوا فذكر كثير منهم أنهم من طلاب الجامعة أنه يشق عليهم الحضور غداً، وهم أكثر الحاضرين فطلبوا تأجيلها، فلذلك لعلنا إن شاء الله نرجئها إلى أول جمعة بعد العيد إن شاء الله تعالى.وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
ملف كامل عن فقة الاسرة للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي