بوسى نائبة المدير العام
عدد المساهمات : 3055 تاريخ التسجيل : 02/03/2011 الموقع : المزاج : تمام
| موضوع: سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام الخميس 18 يوليو - 1:52 | |
| سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ما العبرة من دراسة سير الصحابة ؟
أيها الأخوة الأكارم، ما دام الإنسان مخلوقاً للدار الآخرة وللسعادة الأبديَّة, فأثْمَنُ شيءٍ في هذه الدنيا أنْ يرْضى الله عنه، وهو الذي سوف تكون في رِحابِهِ إلى أبد الآبِدين، حيث كان الأمر مع الصحابة رضي الله عنهم بِنَصِّ القرآن الكريم ندرس قصص الصحابة للاقتداء بهم وجعلهم مثلاً عليا قال تعالى:
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾
[ سورة الفتح الآية: 18 ]
فإذا درَسنا أفْعال الصحابة ومواقِفَهم وصِفاتِهم وسجاياهُم وتَضْحِياتِهم لا نقْصِدُ من هذه الدِّراسة مجرّد الاطِّلاع، ولكن نقْصِد أن نتأسى بهم، وأن نقْتَدِيَ بهم, وأنْ نجْعَلَهم مُثُلاً عُلْيا لنا، فَلِذلك حينما ندْرس تاريخ الصحابة ينْبغي أنْ تبْقى هذه الفِكْرة ماثِلَةً في أذْهاننا، نحن أمام النموذج الذي رضي الله عنه، ماذا فَعَلوا؟ وماذا قالوا؟ ولِماذا وقفوا هذه المواقف؟ . في سيرة الصحابة شيئان: أحْداثٌ و تَحْليلات، فَنحن قد نُعْنى بالتحْليلات أكثر مما نُعْنى بالأحْداث؛ لأنّ التحْليل هو القانون والضِّياء والتحْليل وهو النِّبْراس .
المواقف المشرفة التي قدمها الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله في خدمة الإسلام وأهله :
أبو محمّد طلْحَةُ بن عُبَيْدِ الله، هذا صحابيٌّ جليل بعثه النبي صلى الله عليه وسلّم مع سعيد بن زيدٍ قبل خُروجِهِ إلى بدْرٍ، يتَجَسَّسان خبرَ العِير، فَمَرَّتْ بِهما، فَبَلَغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم الخَبَرُ، فَخَرَج ورجعا يُريدان المدينة، ولم يعْلما بِخُروج النبيّ صلى الله عليه وسلَّم فَقَدِما في اليوم الذي لاقى فيه النبي صلى الله عليه وسلّم المُشْركين، فَخَرَجا يعْتَرِضان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فَلَقِيَاهُ مُنْصَرِفاً من بدْرٍ، فَضَرَبَ لهُما بِسِهامِهِما وأَجْرِهِما، فَكانا كَمَن شَهِدَها. قدم طلحة مواقف مشرفة في خدمة الإسلام وأهله فالنبيّ عليه الصلاة والسلام يقودُ أُمَّتَهُ قيادة فذة، فالمَعْلومات شيءٌ مُهِمٌّ, فقد بعثَ النبي صلى الله عليه وسلّم طلْحَة مع صحابِيٍّ آخر لِيَأْخُذا خبر العَدُوِّ، فالخبرُ في المعْرَكَة له قيمَةٌ كبيرة، ولا تنْسَوا أيها الأخوة، أنَّ النبيّ عليه الصلاة والسلام أبْقى عَمَّهُ العباس في مكَّةَ يوْمَ كان المُشْركون يتولَّوْن أمْرهم، لِيَأتيهِ بالأَخْبار، فقد كتَمَ إسْلامه، وكتَمَ العَباسُ كذلك إسْلامه، ولم يُفاجأ النبي عليه الصلاة والسلام بِأَيِّ حدثٍ من قريْشٍ، لأنَّ المعْلومات كانت تأتيهِ تِباعاً من عمِّهِ العباس ، لكن وقعتْ مُشْكِلةٌ في مَوْقِعَة بدْر حينما شارك العَباس المُشْركين في هذه المَوْقِعة، فلو لم يُشارِك لَكُشِفَ أمْرُهُ، ولو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام, قال: لقد أسْلَمَ عمِّي لَكَشَفَهُ، وانْتَهتْ مُهِمَّتُهُ، ولكنَّهُ قال: لا تقْتُلوا عمِّي العَباس، ولو لم يقُل ذلك لَقَتَلَهُ أصْحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم، إنْ تكلَّمَ العباسُ كَشَفَ أمْرهُ، وإنْ لم يُشارِك في المعْركة كُشِف، وإنْ قال النبي صلى الله عليه وسلَّم أسْلم كَشَفَهُ المشركون، وإنْ سكت صلى الله عليه وسلَّم قتلَهُ أصْحابُهُ وقف طلحة مواقف مشرفة بغزوة أحد وذات العشيرة ويوم حنين فلا بدّ من تنْبيه الصحابة ألاّ يقْتُلوا عمَّهُ العَباس، وكان من جراء ذلك أنَّ صحابِيًّا أساء الظنّ بِرَسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال: ينْهانا عن قَتْلِ عمِّهِ، وأحَدُنا يقْتُلُ أباهُ وأخْوانهُ! فلما كُشِفَ له الأمر بَقِيَ عشْرَ سِنين يتصَدَّقُ ويُعْتِقُ الرِّقاب، لعلَّ الله يغْفِرُ له سوءَ ظَنِّهِ بِرَسول الله صلى الله عليه وسلّم، فالمعْلومات ضروريَّةٌ في أيِّ قِيادة، والنبي صلى الله عليه وسلَّم أرْسَلَ طلْحَةَ بن عُبيْدِ الله لِيأْتِيَهُ بالأخْبار، لأنَّ قرارَ المعْركة أساسه الخبرُ الصحيح، والحَرْبُ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((الْحَرْبُ خَدْعَةٌ))
[أخرجه البخاري عن جابر في الصحيح]
شَهِدَ طلْحَةُ أُحُداً، وثبتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئِذٍ، ووقاهُ بِيَدِهِ فَشُلَّتْ إصْبعاهُ، وجُرِحَ يومئِذٍ أربعاً وعشرين جِراحَةً، ويُقال: كانت فيهِ خَمْسٌ وسبْعون بين طعْنَةٍ وضَرْبَةٍ ورَمْيَةٍ، وسَمَّاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومَ أُحُدٍ (طلْحَةَ الخَيْر)، وسمَّاه يومَ غزْوة ذات العُشَيْرة (طلْحَةَ الفياض)، وسمَّاه يوم حُنَيْنٍ (طلْحَةَ الجود)، فهذه مواقف مُشَرِّفَةٌ وقفها هذا الصحابِيُّ الجليل .
ما الذي ينبغي أن تفعله أيها الإنسان قبل مضي الزمن ؟
أيها الأخوة, إنَّ الأحْداثَ تمْضي، والآلام تنْتهي، والمَوْتُ يُنْهي كُلّ شيءٍ، وتَبْقى المواقِفُ المُشَرِّفَة التي يسْعَدُ بها الإنْسانُ إلى الأبد، وكُلّ شيءٍ ينقضي عندما يموت الإنسان تبقى مواقفه التي سيحاسب عليها إما خير أو شر فاللَّذائِذُ تمْضي وتبْقى تَبِعاتُها، والمتاعِبُ تمْضي وتبْقى خَيْراتُها . قرأْتُ كِتاباً عن تاريخ العَرَب, وهو كِتابٌ أدَبيٌّ مُمْتِعٌ اسْمُهُ: قَصَصُ العَرَب، فيه من القِصص المُمتِعة الشيءُ الكثير، بعد أنْ أنْهَيْتُ قِراءَته تأمَّلْتُهُ تأَمُّلاً طفيفاً, قُلْتُ: هؤلاء الذين قرأْتُ عنهم، الأقْوِياءُ ماتوا، والضُّعفاء ماتوا، والأغنياءُ ماتوا، والأصِحاءُ ماتوا، والمرْضى ماتوا، والأذْكياءُ ماتوا، والأغْبِياء ماتوا، والظالمون ماتوا، والمظْلومون ماتوا، وكُلُّهم تحت أطْباق الثرى ؛ ماذا بَقِيَ الآن؟ بَقِيَتْ مواقِفُهُم التي سَيُحاسَبون عليها, إنْ خيراً فَخَيْرٌ، وإنْ شراً فَشَرٌّ، ونحن لا بد من يومٍ نكون فيه تحت أطْباق الثرى، هذا الوقت, كيفَ أمْضَيْتَهُ؟ في طاعَةٍ أم في معْصِيَةٍ, ماذا فَعَلْتَ؟ وماذا أدَّيْتَ؟ وماذا قَدَّمْتَ؟ وماذا أعْطَيْتَ؟ وبِماذا ضَحَّيْتَ؟ وما الأثر الذي تَرَكْتَهُ؟ . هذه النُّقْطة مُهِمَّةٌ, يجب أن نذْكرَ دائِماً أنَّ الأيام والأسابيع والشهور والسِّنون تمْضي، ويبْقى شيءٌ واحدٌ, هو العَمَل، إما في جنَّةٍ يدومُ نعيمُها، أو في نارٍ لا ينْفَدُ عذابُها .
إليكم مناقب هذا الصحابي الجليل :
فعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ, قَالَ:
((كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَانِ يَوْمَ أُحُدٍ فَنَهَضَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ, فَأَقْعَدَ طَلْحَةَ تَحْتَهُ, فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ, فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَقُولُ: أَوْجَبَ طَلْحَةُ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
أيْ وجَبَتْ له الجنَّة, لأنَّهُ ماذا فعَلَ؟ أظْهر من المواقفِ والتَّضْحِيات الشيءَ الذي لا يوصَفُ، فَطَلْحَةُ برَك على الأرض، وصعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لِيَرى بعض ملامِحِ المعْركة، فجَعَلَ من نفْسِهِ كُرْسِياً للنبي عليه الصلاة والسلام . وقالتْ عائِشَةُ رضي الله عنها:
((كان أبو بكرٍ رضي الله عنه إذا ذُكِر يومُ أُحُدٍ، قال: ذلك كُلُّهُ يوم طلْحة))
أظهر طلحة من التضحيات يوم أحد الشيء الذي لا يوصف وقال أبو بكرٍ رضي الله عنه:
((كُنْتُ أوَّلَ من جاءَ يومَ أُحُدٍ, فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام ولِأبي عُبَيْدة بن الجراح: عَلَيْكما به (يُريدُ طلْحة) وقد نزفَ، فأصْلَحْنا من شأنِ النبي صلى الله عليه وسلَّم، ثمَّ أتَيْنا طلْحة في بعض تِلك الحِفار فإذا به بِضْعٌ وَسَبْعون أو أقَلَّ أو أكثر، بين طَعْنَةٍ وضَرْبَةٍ ورَمْيَة! وإذا قد قُطِعَتْ إصْبعُهُ، فأصْلَحْنا من شأنِهِ))
فقد بذَل سيّدنا طلْحة في غزوة أُحد الشيء الكثير .
((النبي عليه الصلاة والسلام دَمِيَتْ يدُهُ في الخَنْدَق، فعَنْ جُنْدَبٍ الْبَجَلِيِّ, قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبـِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَدَمِيَتْ إصْبُعُهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ قَالَ: وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام, فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾))
[أخرجه الترمذي في سننه]
طلحة من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه :
عن موسى بن طلْحة عن أبيه طلْحةَ بن عُبَيْد الله, قال:
((لما رجَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من أُحد صَعِدَ المِنْبر, فَحَمِدَ الله وأثْنى عليه, ثمّ قرأ هذه الآية قال تعالى:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 23 ]
طلحة من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقام إليه رجُلٌ, وقال: يا رسول الله! من هؤلاء؟ قال سيّدنا طلْحة: فأَقْبَلْتُ وعليَّ ثوْبان أخْضران, فقال عليه الصلاة والسلام: أيُّها السائل, هذا منهم وأشار إلى سيّدنا طلْحة))
ألا تَكْفي هذه الشهادة من رسول الله، أحْياناً يقول لك شخْصٌ: معي شهادة موقَّعة من البروفِيسور الفُلاني، وهو أكبر جراح في العالم، يُمْكن أنْ يفْتَخر بِهذا افْتِخاراً لا حُدود له، فَكُلَّما ارْتفع مقامُ الذي يُثْني عليك يكون لِهذا الثناء قيمة، فكيف إذا أثْنى عليك النبـي عليه الصلاة والسلام؟ . لو أرَدْنا أنْ نسْتفيد من هذا المَوْقف، حينما يُشْعِرك الله عز وجل بِطَريقَةٍ أو بِأُخرى, بِرُؤْيا أو ثناءٍ صادِقٍ من أهل الحق أو بِسَعادةٍ يُلقيها في قلبك أنه راضٍ عنك, فهذه أسْعد لحظات المؤمن . وبِالمُناسَبَة كلِمَةُ (رجُلٍ) في القرآن والسُّنَّة لا يعْني في الأعَمِّ الأغلب أنَّهُ ذكَرٌ، بل يعْني أنَّهُ بطلٌ، وفي أقْوال الصحابة الكِرام ما يدْعَمُ هذا المعْنى، فسيَّدنا سعدُ بن أبي وقاصٍ, قال:
((ثلاثة أنا فيهِنَّ رجُلٌ ( أيْ بطل) وما سِوى ذلك فأنا واحِدٌ من الناس, ما صَلَّيْتُ صلاةً فَشُغِلَتْ نفْسي بغيرها حتى أقْضِيَها، ولا سِرْتُ في جنازَةٍ فحَدَّثْتُ نفْسي بِغَيْر ما تقول حتى أنْصَرِفَ منها, ولا سَمِعْتُ حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا عَلِمْتُ أنَّهُ حقٌّ من الله تعالى))
فالرُّجولة أنْ تُصَدِّقَ أقْوال النبي عليه الصلاة والسلام، والرُّجولةُ أنْ تُصَلي صلاةً كما أرادها الله عز وجل، والرُّجولة أنْ تتَّعِظَ بِالمَوت، لأنَّ الموت كما قال عُمَر:
((كفى بالموت واعِظاً يا عُمر))
هل يرفع الإنسان مقامه عند الله إذا حصل على شهادة الرضا أو الذم من الناس ؟
أيها الأخوة, قلت قبل قليل: المصير إلى الله عز وجل، فحينما يُدْفَنُ العبد في القبر يقول الله عز وجل: عبدي رجَعوا وتَرَكوك، وفي التُّراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبْقَ لك إلا أنا، وأنا الحيّ الذي لا يموت . ذكروا في الأخبار أنهم كشَفوا إنْساناً تحت أنْقاض الزِّلْزال, بقي حيًّا بعد إحْدى وثمانين ساعة، وإلى جانِبِهِ امْرأته وأُمُّهُ قد ماتتا، شُعور الإنسان حينما ينْهار عليه البيت، ويُصْبِحُ تحت الأنْقاض, هذا شُعورٌ مُخيف، لماذا نخاف الزِّلْزال ولا نخاف القبر؟ أليس القبر يُشْبِهُ بِشَكْلٍ أو بِآخر دمار الزِّلْزال؟ يوضع الإنسان في هذه الحُفْرة ثمّ يُهيل عليه الحُفَّارُ التراب، وينْصرفُ الناس عنه, هذا معنى رجَعوا وتَرَكوك، وفي التُّراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبْقَ لك إلا أنا ، وأنا الحيّ الذي لا يموت مقام الإنسان عند الله لا يتغير بشهادة الرضا أو الذم من الناس فما دام المصير مع الله، في جنَّةٍ عرْضُها السموات والأرض أو -والعِياذ بالله- في نارٍ لا ينْفذ عذابها، فأثمن شيءٍ في الدنيا، وأعظمُ مرْتَبَةٍ تنالها أنْ يرضى الله عنك, الله عز وجل يُعْطي القُوَّةَ لِأُناسٍ ولا يُحِبُّهم، ويُعْطي المال لِأُناسٍ ولا يُحِبُّهُم، ولكن إذا رضي الله عنك فهذا أعظمُ مَطْلَبٍ تناله . فَنَحْنُ الآن ندْرسُ سيرة الذين رضي الله عنهم, ماذا فعلوا؟ أحْوالهم وأفْعالهم وأعْمالهم ومواقِفُهم, مِن هذا المُنْطَلَق، سيِّدنا طلْحة لو تحَدَّثْنا عنه مئة مرَّة، هل يزْدادُ مقامُهُ عند الله عز وجل؟ لا واللهِ، وكذلك لو سَكَتْنا عنه, هل يُنْقُصُ مقامُهُ؟ لا، ولو أنَّ رجُلاً ذمَّه, هل ينْقُصُ مقامُهُ؟ مقامُهُ هو مَقامُهُ، كُلُّ إنْسانٍ بِحَسَبَ إخْلاصِهِ وعملِه, وله عند الله مقامٌ ومَكَانة، وهذه المكانة لا يرْفَعُها المادِحون، ولا يَخْفِضُها الذامون، فَلو أنَّ الناسَ جميعاً أثْنوا عليك، ولم يكُن خالقُك راضٍ عنك فأنت الخاسِرُ الوحيد، ولو أنَّ الناس جميعاً ذَمُّوك وأنت عند الله مَرْضيٌّ، فكُلّ هذا عند الله لا قيمة له، فنحن ندْرس مواقف الذين رضي الله عنهم .
كيف نؤول كلمة رضا الله على الإنسان ؟
أيها الأخوة, فَرِضا الله عليك قد يكون بالتيْسير لك, فالأمور مُيَسَّرة، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى﴾
[سورة الليل الآية: 5-13]
التَّيْسير علامة من علامة رِضا الله عنك أحْياناً التَّيْسير علامة من علامة رِضا الله عنك، وأحْياناً إذا انْطلق لِسانُك في الدَّعْوة إلى الله ، ورأَيْتَ المعْلومات تزْدَحِمُ، واللِّسانُ طليق، والتأثيرُ قَوِيّ، قال تعالى:
﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾
[ سورة الكهف الآية: 51 ]
هذه علامة توفيق من الله لك . لذلك هناك من يجْعل وِرْدَهُ ذِكر الله تعالى، لِقَوْله تعالى:
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾
[سورة الإنسان الآية: 25 ]
فإذا انْقَطَعَ نفَسُهُ, يقول: إلهي أنت مقْصودي، ورِضاك مطْلوبي، فإذا أردْتَ رِضاء الله في كُلّ أحْوالك انْقَلَبَت المُباحات إلى عِباداتٍ .
ما قيمة المال عند هذا الصحابي الجليل ؟
قال أحدُ الصحابة:
((دخَلْتُ على طلْحَةَ فرأيْتُهُ مغْموماً، فَقُلْتُ: ما شأنُك؟ قال: المال الذي عندي قد كثُر وكرَبَني - ما هؤلاء الأشْخاص؟ إذا كثُر مالُهم أصابهم الكَرْب, لأنَّ المال عِبءٌ . فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ, قَالَ:
((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ, وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ, وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَا وَضَعَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟))
[أخرجه الدارمي في سننه]
كان طلحة يصيبه الكرب والغم إذا كثر ماله - فهذا الصحابي, قال: المال الذي عندي قد كثُر وكرَبَني، قُلْتُ: وما عليك, اِقْسِمْهُ، فَقَسَمَهُ حتى ما بَقِيَ منه دِرْهم
إنْفاق المال يُعْطي الإنسانَ سعادَةً كُبْرى، واللهُ يُعَوِّض، قال تعالى :
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾
[ سورة سبأ الآية: 39 ]
اشترى طلحة أرضاً له من عُثمان بِسَبْعمئة ألفٍ، فَحَمَلها إليه، ولما جاء بها، قال: إنَّ رجُلاً تبيتُ هذه عنده لا يدْري ما يطْرُقُه من أمر الله لَغَريرٌ بالله، لأنَّ الله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾
[سورة الانفطار الآية: 6 ]
الإنسان عُمُرُهُ ثمين من عَدَّ غداً من أجَلِهِ فقد أساء صُحْبة الموت، هناك رجُلان اخْتلفا على بيْعِ بيْتٍ، وكَلَّفاني أنْ أكون بيْنهما حَكَماً, جَلَسْتُ معهما وقْتاً طويلاً، أحدُ الطَّرَفَيْن لم ينْصَاعْ لِحُكْمِ المحكمين، واسْتَمَرَّ الخِلاف أربع أو خمسَ سنواتٍ أو أكثر وأنا أُتابِعُ هذا الخِلاف، كُلِّفَتْ لجْنَةٌ ولجْنةٌ ومُحَكَّمون، والأمر يزْدادُ تخاصُماً، فأُخْبِرْتُ الأمس أنَّ أحدَ الخصْمَينِ توفاهُ الله عز وجل، هذه هي الدنيا، كلّ هذه المتاعب، ثمّ يأتي مَلَك الموت، ويُنْهي هذه المتاعب، فالإنسانُ عُمُرُهُ ثمينٌ، فإذا أمْضاهُ في الخُصومات، واسْتَهْلك أعْصابه ووقْته وحواسَّهُ وقُدْراته، فقد قامَرَ بسعادته الأبدِيَّة، وغامر في شيء زائل، فأكثر الدعاوي تبقى في القضاء سنوات عديدة، عشرًا أو نحو ذلك، وفي الأعمِّ الأغْلب يموتُ أحدُ المُتَخاصِمَين قبل أنْ يُفْصَل بالدعوى، فمن عدَّ غداً من أجله فقد أساء صُحْبة الموت . هذا الصحابي الجليل قُتِل يوم الجمل، عن عُمُرٍ لا يتجاوز الاثنين والسِّتين عاماً فيما تذْكُر الرِّوايات .
ترجمة عن حياة هذا الصحابي الجليل الزبير بن العوام :
صحابِيٌّ آخر اسمه الزُّبَيْر بن العَوام، هذا الصحابي كما ترْوي أُمُّهُ صَفِيَّة بن عبد المُطَّلِب عَمَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أسْلَمَتْ وأسْلم الزُّبير وهو ابن ثماني سنين، وقيل: ابن ست عشْرة سنة، فَعَذَّبه عمُّهُ بالدُّخان، لِكَي يتْرُك الإسلام فلم يفْعل، وهاجر إلى أرضِ الحَبَشَة الهِجْرَتين جميعاً، ولم يتَخَلَّف عن غزوةٍ غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم . لزوم مجالس العلم عمل عظيم يقول أحدهم: أنا لا أتَخَلَّفُ عن الدرس، ولكن ماذا في الدروس؟ لا عِبءٌ ولا تضْحِيَة ولا سَفْك دم، ومع ذلك لُزوم مجالس العِلْم عَمَلٌ عظيمٌ، وهذا الوقت زكاةُ وقْتِكَ كُلِّه، والله عز وجل قادِرٌ على أنْ يُضَيِّع لك عشرات الساعات بل المئات في الأمور التافِهَة، وإذا أدَّى القويُّ من قوَّته لِنُصْرة الحق فقد أدَّى زكاة قُوَّتِه، والمُتَعّلِّم إذا علَّم الناس أدى زكاة عِلْمِه، والخبير إذا أدى خِبْرَته للناس أدى زكاة خِبْرته، وطالب العلم إذا بذل وقْته لِمَعْرفة الله عز وجل فقد أدى زكاة وقْتِهِ، والحقيقة أنَّ كلَّ حظٍّ آتاك الله إياه فهو له زكاة، والدليل قوله تعالى:
﴿ومما رزَقْناهم يُنْفِقون﴾
(سورة السجدة الآية: 16)
وهو أوَّل من سلَّ سيْفاً في سبيل الله، وكان عليه يوم بدْرٍ ريقةٌ صفْراء مُعْتَجِراً بها، أيْ قُماشٌ أصْفر لَفَّهُ على رأسه، وكان على مَيْمَنَة رسول الله، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايَعَهُ على الموْت، وفي الحقيقة حين يبْذل الإنسان حياته في سبيل الله فقد بذل أثمن ما يَمْلكه، والجود بالنَّفْس أقْصى غاية الجود . من أبْنائِهِ المشْهورين: عبد الله بن الزبير، هذا الذي رآه عمرُ مع صِبْيَةٍ يلْعبون فَتَفَرَّقوا جميعا إلا هو، فلما وصَلَ إليه, قال:
((يا غُلام لما لم تهْرُب مع من هرَبَ؟ قال: أيها الأمير, لسْتَ ظالِماً فأخْشى ظُلْمَك، ولَسْتُ مُذْنباً فأخْشى عِقابك، والطريق يَسَعُني ويَسَعُك))
درجته في الإسلام :
تَرْوي كُتُب السيرة أنَّ إسلام هذا الصحابي الزبير بن العوام، كان رابِعاً أو خامِساً بعد إسْلام أبي بكرٍ، هؤلاء السابقون الأولون، والإنسانُ في ساعة العُسْرة إذا آمن فله حِسابٌ خاص، لذلك قال الله عز وجل:
﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 113 ]
كان الزبير بن العوام من السابقين الأولين بدخوله للإسلام فالذي آمن مع النبي عليه الصلاة والسلام في أشدِّ حالات الضعْف والعُسْرة والضِّيق، والناسُ كلهم أعْداؤُهُ، وقُريش تكيد له، فهذا من ذوي البذل والتضحية، أما الذي يُسْلم بعد الفَتْح فالقَضِيِّة سهْلة، لأن هذا جاء للمغانم فقط، لكن البطولة أن تؤمن بالحق وهو ضعيف، والله عز وجل قادر أن يجعل الأنبياء ملوكا، فإذا دعوا إليه انصاع الناس إليهم جميعا خوفا لا إيمانا البطولة أن تؤمن بالحق وهو ضعيف ولكن لحكمة أرادها الله عز وجل جعل الأنبياء ضعافا، حيث إنك لو قلت عنه: إنه مجنون أو ساحر أو كاهن أو شاعر، فإنك تنام مساءً مطمئنّ البال، ولا شيء عليك, من أجل أن يكون مَن آمن به قد آمن به عن قناعة ما بعدها قناعة, وله أجرٌ عظيم، وهذا أيضا ينسحب بشكلٍ أو بآخر على الدعاة إلى الله، لأن هذا الداعي ليس عنده شيء، لا يقدر أن يعينك بمنصب، ولا يقدر أن يعطيك مالاً، وليس عنده أيّةَ ميزة، إلا أن الحق معه، فإذا اتبعته وسرت على منهج الله عز وجل بمعيته، ولم يأتك شيء من الدنيا فقد أثبت أنك مع الحق، فقوّة المؤمنين تكمن في أنهم آمنوا بالنبيّ وهو ضعيف، قال تعالى:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 188 ]
إليكم مواقفه :
عن سعيد بن المسيّب, قال:
((أوّل من سلّ سيفاً في سبيل الله الزبير بن العوام، بينا هو بمكة - في اللغة العربية يصح أن تقول بينا, ويصح أن تقول بينما- بينا هو بمكة إذ سمع نغمة ، (يعني صوتاً) بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد قتل، فخرج عرياناً وما عليه شيء، وفي يده السيف مُصلتاً مسحوبا من غِمده، فتلقاه النبي، وقال له: ما لك يا زبير؟ قال: سمعت أنك قد قُتلتَ، قال: فماذا كنتَ صانعًا؟ قال: أردتُ واللهِ أن استعرض أهل مكة بهذا السيف، من شدّة حبّه للنبي عليه الصّلاة والسلام، فدعا له النبي عليه الصلاة والسلام))
كل إنسان له مقام عند الله بحجم عمله الصَّالح باع الزبيرُ داراً له بستمئة ألف، قال: فقيل له: يا أبا عبد الله غُبِنتَ، قال: كلا, واللّه لتعلمنَّ أني لم أُغبَن, هي في سبيل الله . أعجبني في هذا الموضوع موقفا رائعا، اختلف اثنان على مبلغ، كلٌّ يدّعي أنه له، وكان الحلُّ أن يُدفع هذا المبلغ لعملٍ صالح بكامله، وكل إنسان يأخذ أجره عند الله عز و جل بنصيبه الحقيقيِّ منه . وعن عليِّ بن زيدٍ، قال:
((أخبرني من رأى الزبير, وإن في صدره مثلُ العيون من الطعن والرمي))
أحيانا يفتخر الإنسان بآثار خوضه للمعارك، وآثار خوضه للغزوات، كلها تشهد له يوم القيامة, كيف أن أهل المعصية تشهد عليهم جلودهم وأيديهم وأرجلهم, كذلك أهل الإيمان تشهد لهم؟ هناك فرقٌ كبير بين مَنْ تشهد لهم، ومَنْ تشهد عليهم؟ . قال الزبير بن العوام:
((من استطاع منكم أن يكون له جَنْيٌ من عملٍ صالح فليفعل))
وهذا الموضوع دقيق, فكل إنسان له مقام عند الله بحجم عمله الصَّالح، فالإنسان يحاسب نفسه حساباً عسيرًا، فإن حاسب نفسه في الدنيا حسابا عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيرًا، وإن حاسبها حسابا يسيرا كان حسابه يوم القيامة عسيرا .
إليكم وصيته لابنه عبد الله بن الزبير :
عن عبد الله بن الزبير, قال: أوصى الزبير بن العوام ابنه أن يستعين بالله إن عجز عن شيء
((جعل الزبيرُ يوم الجمل يوصيه, يقول: إن عجزتَ عن شيء فاستعن عليه بمولاي, قال: فو الله ما فهمتُ ما أراد حتى قلتُ: يا أبت من مولاك؟ قال: الله -والإنسان كلما قوي إيمانه تمتَّنتْ علاقته بالله عز وجل، ويطلب من الله مباشرة، والناس ينهمكون بالوسائط وبالأسباب أمّا سيدنا زكريا فقد سأل الله عز وجل، ولم يحرك شفتيه، قال تعالى:
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
[سورة مريم الآية: 3 ]
فعلامة إيمان المؤمن أنّه يطْلب حاجاته من الله عز وجل، ويسأله, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
- قال عبد الله بن الزبير: فو الله ما وقَعْتُ في كُرْبة من دَيْنٍ إلا قُلْتُ: يا مولى الزبير اِقْضِ عني فَيَقْضيهِ
إليكم ورع هذا الصحابي الجليل الزبير بن العوام :
هذا الصحابي كان الناس يضَعون عنده المال ثِقَةً به، من شِدَّة ورَعِهِ كان يقول لهم: سَلَفٌ وليس أمانة، إذْ الأمانة لو تَلِفَتْ فهي على صاحِبِها، فما دام لم يُصِبْها عُدْوانٌ ولا تقْصير فالمُؤْتَمَنُ ليس ضامِناً، فكان هذا الصحابي لِشِدَّة وَرَعِهِ إذا أخذ مالاً لِيَكون أمانةً عنده عدَّهُ دَيْناً عليه، فإذا تَلِفَ كان عليه أنْ يرُدَّهُ، وقف هذا المَوْقف وألزم نفسه به ورعًا . من شدة ورع الزبير أنه عدَّ الأمانة عنده ديناً عليه وفي التاريخ قِصَّة, وهي أنّ زوْج بنْت النبي عليه الصلاة والسلام أبو العاص، كان في طريقه من الشام إلى مكَّة، فسرية من سرايا النبي عليه الصلاة والسلام أخَذَتْهُ أسيراً مع بِضاعَتِهِ، وجيءَ به أسيراً إلى المدينة، معه بِضاعَةٌ لِقُرَيْش، فعرضوا عليه الإسلام، فإذا أسلم أصْبَحَتْ هذه البِضاعة غنائِم، فَرَفَضَ أنْ يُسْلم، والنبي عليه الصلاة والسلام لِسَبَبٍ أو لآخر أمر بِإِطْلاق سراحِهِ مع البِضاعة، وذهب إلى مكَّة وأدَّى المال لِأصْحابه، وبعد أنْ أعْطى كُلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ وقف, وقال : أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله، وعاد إلى المدينة، وانْخَرَط مع أصْحاب النبي، فلما قيل له: لمَ لمْ تُسْلم يوم كنت في المدينة، ومعك البِضاعة؟ قال هذا الصحابي زَوْجُ بِنْت النبي صلى الله عليه وسلّم: والله ما أُحِبُّ أنْ أبْدأَ إسْلامي بِهذا! ما أراد أنْ يبْدأ إسْلامه بِأَكْل مال الناس ظُلْماً، بعد أنَّ أدى المال لأصْحابه أسلَم، والمال الذي عند الزبير أمانة، لكنه جعله دينا عليه حتى يضمن لصاحبه هذا المبلغ لو تلف . وقصة ابنه عبد الله معروفة, فحينما أرسل إلى معاوية بن أبي سفيان, يقول: أمّا بعد, فإن رجالك قد دخلوا أرضي فانهَهُم عن ذلك، وإلاّ كان لي ولك شأنٌ، والسّلام، فقال معاوية لابنه يزيد: ما قولك؟ قال: أرى أن ترسل إليه جيشًا أوّلُه عنده، وآخرُه عندك، فيأتوك برأسه، فقال: غير ذلك أفضل، فكتب معاويةُ كتاباً قال فيه: أمّا بعد, فقد وقفتُ على كتاب ولد حواريِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد ساءني ما ساءه، والدنيا هيِّنة جنب رضاه، لقد نزلتُ له عن الأرض ومن فيها، فجاء الجواب, أما بعد, فيا أمير المؤمنين, أطال الله بقاءك ولا أعدمك الرأي الذي أحلَّك من قومك, فاستدعى ابنه يزيد, وقال له: يا يزيد من عفا ساد، ومن حلُمَ عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .
ماذا نستنبط من حياة صحابة رسول الله ؟
من خلال هذه المواقف: نجد في أصحاب النبيِّ ورعاً ما بعده ورع، وزهدا ما بعده زهد ، وتضحية بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، في سبيل الحق، فإذا أردتم أن يرضى الله عنكم فعليكم بالورع، كما في الحديث:
((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلِّط ))
[ورد في الأثر]
نستنبط من حياة الصحابة الورع والزهد والتضحية والحبُّ ومن لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله، هذا في الورع، أما الزهد فهو انتقال الدنيا من قلبك إلى يديك, إن كانت في القلب فهي مصيبة، لأن القلب إذا أحبَّ الدنيا حبًّا جمًّا كان له هذا الحب حجابا عن الله عز وجل، والدنيا أحيانا يمكن أن تسهم في خدمة الخلق، في حلّ مشكلات الناس، في الرقيِّ عند الله عز وجل، فالقاسم المشترك هو الورع والزهد والتضحية والحبُّ، فحبهم للنبيِّ عليه الصّلاة والسلام كان من أعظم ما يميِّز هؤلاء عن الأبطال، سيِّدنا أبو سفيان حينما رأى سيدنا خبيبًا قبيل أن يُصلَب, سأله:
((أتحب أن يكون محمدٌ مكانك، وأنت في أهلك؟ فانتفض خبيب، وقال: والله ما أحبُّ أن أكون في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا و نعيمها ويصاب رسول الله بشوكة))
لذلك قال أبو سفيان:
((ما رأيتُ أحداً يحبُّ أحداً كحبِّ أصحابِ محمدٍ محمداً))
هذه أربعُ نقاطٍ تستنبط من حياة أصحاب النبيِّ عليهم رضوان الله، لذلك هؤلاء الذين رضي الله عنهم هكذا كانوا، وهكذا ينبغي أن نكون حتى يرضى الله عنَّا .
سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله وسيدنا الزبير بن العوام
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗
| |
|