الطواف أنواعه وأحكامه (2) أ.د. سليمان العيسى
الطواف أنواعه وأحكامه (2) أ.د. سليمان العيسى
الطواف أنواعه وأحكامه (2) أ.د. سليمان العيسى
في حكم من خرج قبل الوداع:
جماهير أهل العلم ممن قال بوجوب طواف الوداع ومنهم: الحنفية والشافعية والحنابلة(124) قالوا إذا خرج من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام قبل أن يودع البيت فعليه أن يرجع إن لم يتباعد فيأتي فإن تباعد فلا يلزمه الرجوع وعليه دم إلا ما استثناه الشرع وهو الحائض ومن في حكمها كالنفساء فلا يجب على أي منهما طواف وداع كما تقدم.
وقد اختلف هؤلاء في المسافة التي يلزم من خرج ولم يطف بالرجوع منها على قولين:
القول الأول: للحنفية ومفاده أنه يلزمه الرجوع ما لم يجاوز الميقات ولا شيء عليه إن رجع فإن جاوز الميقات فلا يجب الرجوع فإن رجع فلا شيء عليه وإن لم يرجع فعليه دم.
قال الكاساني في (بدائع الصنائع): فإذا نفر ولم يطف يجب عليه أن يرجع ويطوف ما لم يجاوز الميقات لأنه ترك طوافاً وأمكنه أن يأتي به من غير الحاجة إلى تجديد الإحرام فيجب عليه أن يرجع ويأتي به، وإن جاوز الميقات لا يجب عليه الرجوع لأنه لا يمكنه الرجوع إلا بالتزام عمرة بالتزام إحرامها ثم إذا أراد أن يمضي مضى وعليه دم، وإن أراد أن يرجع أحرم بعمرة ثم رجع وإذا رجع يبتدأ بطواف العمرة ثم بطواف الصدر ولا شيء عليه لتأخيره عن مكانه، وقالوا الأولى أن لا يرجع، ويريق دماً مكان الطواف لأن هذا أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع مشقة السفر وضرر التزام الإحرام(125).
القول الثاني: للشافعية والحنابلة ومفاده أنه إذا ترك طواف الوداع يلزمه الرجوع ما لم يبلغ مسافة قصر فإن بلغها لم يلزمه وعليه دم إن لم يرجع فإن رجع فهل يسقط الدم على قولين في كل من المذهبين:
قال النووي: إذا خرج بلا وداع وقلنا يجب طواف الوداع عصى ولزمه العودة للطواف ما لم يبلغ مسافة القصر فإن بلغها لم يجب العود بعد ذلك، ومتى لم يعد لزمه الدم فإن عاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم وإن عاد بعد بلوغها فطريقان [أصحهما] وبه قطع الجمهور لا يسقط (والثاني) حكاه الخراسانيون وجهان [أصحهما] لا يسقط (والثاني) يسقط(126).
وقال المرداوي في الإنصاف: قوله (فإن خرج قبل الوداع رجع إليه فإن لم يمكنه فعليه دم) إذا خرج قبل الوداع وكان قريباً فعليه الرجوع إذا لم يخف على نفس أو مال أو فوات رفقة أو غير ذلك، فإن رجع فلا دم عليه، وإن كان بعيداً وهو مسافة القصر – لزمه الدم – سواء رجع أولاً على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال في الفروع: لزمه دم في المنصوص قاله القاضي وغيره وجزم به في المستوعب والتلخيص والكافي والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وقال: المصنف، وغيره: ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه كالقريب... وأما إذا لم يمكن الرجوع للقريب، فإن عليه دماً، وكذا لو أمكنه ولم يرجع بطريق أولى.
فمتى رجع القريب لم يلزمه إحرام بلا نزاع، قال المصنف والشارح، كرجوع لطواف الزيارة، وإن رجع البعيد أحرم بعمرة لزوماً ويأتي بها والطواف الوداع(127).
وقال ابن قدامة في المغني: ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، ولا فرق بين تركه عمداً أو خطأ لعذر أو غيره لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره كسائر واجباته(128).
قلت: وقد وجه الحنفية قولهم بلزوم رجوع من ترك طواف الوداع فيما إذا كان دون الميقات بما تقدم في قول الكاساني(129) ومفاده أن مَن دون الميقات يأت بالطواف من غير حاجة إلى الإحرام وهذا بخلاف من جاوز الميقات فقالوا بعدم لزوم الرجوع لأنه لا يمكنه أداء ذلك إلا بالتزام فعل عمرة بأركانها وواجباتها ثم بعد أدائها يطوف للوداع، وهذا فيه مشقة بالتزام الإحرام من ناحية ومشقة السفر من ناحية أخرى ولهذا اختاروا عدم الرجوع، وقد قالوا بذلك أيضاً لأن ما دون المواقيت عندهم يعتبر من حاضري المسجد الحرام فلا يجب عليه هدي التمتع بخلاف من كان خارجها، ولهذا قال الكاساني وهو يتكلم عن شروط وجوب هدي التمتع، ولنا قوله تعالى: "ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" (البقرة: من الآية196) جعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام على الخصوص لأن اللام للاختصاص ثم حاضروا المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة، وقال مالك هم أهل مكة خاصة لأن معنى الحضور لهم، وقال الشافعي هم أهل مكة ومن بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة لأنه إذا كان كذلك كان من توابع مكة وإلا فلا(130).
هذا وقد وجه الشافعية والحنابلة قولهم بلزوم رجوع من ترك طواف الوداع فيما إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة قصر(131) بأن من كان دون تلك المسافة فهو في حكم الحاضر في أنه لا يقصر ولا يفطر ولذلك عدوه من حاضري المسجد الحرام(132).
الترجيح:
قلت وما ذكره الحنفية من تحديد القريب الذي يلزم فيه الرجوع: بالمواقيت غير وجيه في نظري لاختلاف المواقيت في القرب والبعد عن مكة، حيث إن بعضها يبعد عن مكة عشر مراحل أي ما يقرب من أربعمئة كيلو متر وهو [ذو الحليفة] ميقات أهل المدينة وبعضها على مرحلتين، وتقدر بثمانية وثمانين كيلو متر، وذلك كميقات أهل نجد: قرن المنازل والمعروف الآن [بالسيل الكبير] وكميقات أهل اليمن [يلملم](133) فما بين أدنى المواقيت وأقصاها من مكة ثمان مراحل أي ما يزيد عن ثلاثمائة كيلو متر، وبناءً على هذا فتحديد القريب بمن دون المواقيت بينها هذا الفرق الشاسع قول مرجوح، والذي أراه أن الأولى تحديد القريب بمن بينه وبين مكة من المسافة مالا تقصر إليه الصلاة، لأنه يعتبر من حاضري المسجد الحرام لأن حاضر الشيء في كلام الحرب هو الشاهد له بنفسه وإذا كان ذلك كذلك وكان لا يستحق أن يسمى غائباً إلا من كان مسافراً شاخصاً عن وطنه وكان المسافر لا يكون مسافراً إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر الصلاة في مثله وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم غائب عن وطنه ومنزله، غير أنه يُعكر هذا الترجيح أن يقال: ما المسافة التي تقصر فيها الصلاة والتي من كان دونها يعتبر في حكم القريب قد لا نجد جواباً فاصلاً في هذا لأن هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيراً حتى قال ابن حجر: قد حكى ابن المنذر وغيره فيها نحواً من عشرين قولاً(134) غير أننا نقول إن أولى الأقوال بالترجيح والاختيار أن أقل مسافة القصر هي ما يسمى بها السائر مسافراً، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه بقوله: "باب في كم تقصر الصلاة؟ وسمى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوماً وليلة سفراً، قال ابن حجر: وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة، قوله (وسمى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوماً وليلة سفراً في رواية أبي ذر (السفر يوماً وليلة) وفي كل منهما تجوز والمعنى سمى مدة اليوم واليلة سفراً وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وقد تعقب بأن في بعض طرقه (ثلاثة أيام) كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها (يوم وليلة) وفي بعضها (ثلاثة أيام) كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها (يوم وليلة) وفي بعضها (يوم) وفي بعضها (ليلة) وفي بعضها (بريد) فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوماً وليلة لكن يعكر عليه رواية بريد ويجاب عنه بما سيأتي قريباً قوله (وكان ابن عمر وابن عباس(135) إلخ) وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح (أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك... وفي الموطأ، عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة اليوم التام، ومن طريق عطاء أن ابن عباس سئل: أتقصر الصلاة إلى عرفة قال: لا، ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف(136).
حكم من خرج قبل الوداع بنية الرجوع:
نجد بعض الحجاج عندما ينتهون من أعمال الحج وهم من غير حاضري المسجد الحرام كأهل المدينة والطائف وجدة ونحوهم ممن لا يشق عليهم الرجوع إلى مكة إذا رأوا أو أخبروا بكثرة الزحام حول المطاف كما هو الحال في النفر الأول والثاني نجدهم يخرجون إلى بلدانهم قبل طواف الوداع على نية الرجوع له بعد أيام وبعد أن يخف الزحام حول بيت الله الحرام فما حكم هذا؟
نقول: لا شك أن الأولى عدم الخروج ولو بنية الرجوع(137) لما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"(138).
ولأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يخرج قبل وداعه للبيت.
فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به(139).
هذا وقد اتفق القائلون بوجوب طواف الوداع من فقهاء المذاهب، أعني بهم الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه إن خرج الحاج قريباً قبل الوداع ورجع أنه لا شيء عليه(140).
وتقدم في المطلب قبله أن القريب عند الحنفية ما كان دون المواقيت، وعند الشافعية والحنابلة ما كان دون مسافة قصر الصلاة(141).
واختلفوا في وجوب الدم على البعيد إذا رجع، هذا ونص الحنفية والحنابلة على لزوم إحرامه في حال رجوعه.
أما المالكية فالوداع عندهم سنة وتقدم إيضاحه في حكمه، وبناءً عليه فلا يترتب على تركه شيء(142).
هذا وإليك بعض نصوص من ذكرت(143).
1 – الحنفية:
قال الكاساني في بدائع الصنائع: وإن جاوز الميقات لا يجب عليه الرجوع... ثم إذا أراد أن يمضي مضى وعليه دم، وإن أراد أن يرجع أحرم بعمرة ثم رجع وإذا رجع يبتدأ بطواف العمرة ثم بطواف الصدر ولا شيء عليه لتأخيره عن مكانه(144).
2 – الشافعية:
قال النووي (ومتى لم يعد) يعني من خرج بلا وداع وقد بلغ مسافة القصر لزمه الدم فإن عاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم، وإن عاد بعد بلوغها فطريقان، أصحهما وبه قطع الجمهور لا يسقط، والثاني حكاه الخراسانيون وجهان أصحهما لا يسقط، والثاني يسقط(145).
3 – الحنابلة:
قال ابن قدامة فإن رجع البعيد فطاف للوداع فقال القاضي لا يسقط عنه الدم لأنه استقر عليه الدم ببلوغه مسافة القصر فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم رجع إليه... ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه لأنه واجب أتى به فلم يجب عليه بدله كالقريب [فصل] إذا رجع البعيد فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات إن كان جاوزه إلا محرماً لأنه ليس من أهل الأعذار فيلزمه طواف لإحرامه بالعمرة والسعي وطواف لوداعه وفي سقوط الدم عنه ما ذكرنا من الخلاف وإن كان دون الميقات أحرم من موضعه فأما إن رجع القريب فظاهر قول من ذكرنا قوله: أنه لا يلزمه إحرام لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به فأشبه من رجع لطواف الزيارة(146).
هذه نصوص الفقهاء رحمهم الله وهي تدل على أن من ترك طواف الوداع فخرج ثم رجع فأداه وكان خروجه قريباً وهو ما دون المواقيت عند الحنفية وما دون مسافة القصر عند الشافعية والحنابلة أنه لا شيء عليه، وإن كان بعيداً من مسافة قصر فأكثر فرجع وطاف فلا شيء عليه عند الحنفية وهو وجه عند كل من الشافعية والحنابلة لأنه أتى بما عليه فهو كما لو رجع لطواف الإفاضة فأداه لا شيء عليه(147).
وهذا القول قوي متجه لا سيما وأن الذي خرج إنما خرج بنية الرجوع وهو إنما خرج لِمَا رآه من الزحام حول المطاف وقد يشق عليه البقاء في مكة ولا يشق عليه الخروج ثم الرجوع(148)، خاصة من يخرجون إلى جدة ثم هي أيضاً دون المواقيت، وما بينها وبين مكة الآن لا يصل إلى مسافة القصر التي قال بها الشافعية والحنابلة حيث مسافة القصر عندهم كما تقدم ثمانية وأربعون ميلاً وهي تقرب من ثمانية وثمانين كيلو متر، وما بين مكة وجدة الآن وفي هذا الزمن لا يكاد يبلغ خمسين كيلو متراً مع تقارب العمران، حيث تقارب العمران من جهة مكة إلى جدة وعكسه كما هو مشاهد ومعلوم، وبناءً على هذا فيكون من خرج إلى جدة في حكم القريب والذي اتفق فقهاء المذاهب على عدم وجوب الدم في حقه متى ما رجع وأدى الطواف، هذا مع أنني أرى أن الأولى والأحوط هو عدم الخروج قبل الوداع لما تقدم من الأدلة، والله أعلم.
من وادع ثم أقام خارج مكة:
إذا وادع من يجب عليه الوداع ثم خرج فأقام خارج مكة قريباً منها فهل عليه إعادة طواف الوداع في حال إرادته السفر إلى أهله؟
أقول قد نص فقهاء المالكية والحنابلة على أنه لا يعيد الطواف.
قال الباجي في المنتقى: حكم طواف الوداع اتصاله بالخروج لأن حكم الوداع أن يكون متصلاً بفراق من يودع... ويجزئ من الخروج في ذلك الخروج إلى طوى والأبطح فمن ودع وخرج إليها وأقام بها يوماً وليلة لم يلزمه الرجوع لأنه قد انفصل من مكان سكناه(149).
وقال ابن مفلح في الفروع: وإن ودع ثم أقام بمنى ولم يدخل مكة فيتوجه جوازه(150).
وقال ابن جاسر في مفيد الأنام: أما إذا نفر من منى النفر الأول أو الآخر ثم ودع البيت وسافر ونزل خارجاً عن بنيان مكة للبيتوتة أو المقيل أو غيرهما سواء كان ذلك النزول بمنى أو غيره من بقاع الحرم المنفصلة من مسمى بنيان مكة فلا يلزمه إعادة طواف الوداع لأنه قد سافر عن مكة وليس مقيماً بعد الوداع(151).
أما الحنفية فيرون أن من طاف للوداع لا تجب عليه إعادته وإن أقام سنة بمكة ما لم ينوِ الإقامة ويتخذها داراً، وقد تقدم بعض كلامهم(152).
حكم طواف الوداع للعمرة:
فإن طواف الوداع للعمرة محل خلاف بين أهل العلم على قولين:
القول الأول: أنه واجب وبه قال بعض الحنفية ومنهم الحسن بن زياد.
القول الثاني: إنه سنة وهو قول الجمهور فهو المشهور من مذهب الحنفية وقول المالكية والذي يدل عليه مذهب الشافعية والحنابلة.
هذا ولكل من القولين أدلة نذكر أهمها:
أولاً: أدلة من قال بالوجوب منها:
الدليل الأول:ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)(153).
وجه الدلالة: أن الحديث عام يتضمن أمر النبي __صلى الله عليه وسلم__ للناس بأن يكون آخر عهدهم بالبيت وكما أن طواف الوداع واجب للحج فهو أيضاً واجب للعمرة للعموم الحديث.
الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه في الرجل الذي أحرم في جبة وقد تضمخ بالطيب وجاء يسأل النبي __صلى الله عليه وسلم__ عن ذلك. فقال له النبي __صلى الله عليه وسلم__: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات, وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك. وفي رواية وما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك(154).
وجه الدلالة: أن ما يعمل في الحجة يعمل في العمرة كذلك لأنه عام قالوا ولا يرد على ذلك قول من قال: إذاً نلزمه بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار لأن ذلك مستثنى بالنصوص والإجماع.
الدليل الثالث: ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي __صلى الله عليه وسلم__: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)(155).
وجه الدلالة: النهي عن الانصراف من مكة قبل الوداع وهو عام يشمل الحج والعمرة.
مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل بأن الرسول __صلى الله عليه وسلم__ قال هذا في الحج في حجة الوداع فيكون مخصوصاً بطواف وداع الحج.
هذا ولهم أدلة أخرى لكن تركتها لضعفها.
أدلة القول الثاني: وهم القائلون بسنية طواف الوداع للعمرة.
الدليل الأول: ما رواه الترمذي في سننه عن نافع عن ابن عمر قال: من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض ورخص لهن رسول الله __صلى الله عليه وسلم__ قال الترمذي حديث حسن صحيح(156).
الدليل الثاني: ما رواه الدار قطني في سننه عن ابن عباس قال: كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم فأمرهم رسول الله __صلى الله عليه وسلم__ أن يكون آخر عهدهم بالبيت ورخص للحائض(157).
الدليل الثالث: ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب _رضي الله عنهما_ أن عمر بن الخطاب قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت(158).
وجه الدلالة من الأحاديث الثلاثة المتقدمة: أن الأمر بالوداع فيها إنما هو للحاج فيختص به فلا يتعداه إلى العمرة.
مناقشة هذا الاستدلال:
قلت يمكن مناقشة ما ذكروه بالحديث المتقدم في أدلة القول الأول والذي فيه قول النبي __صلى الله عليه وسلم__ للرجل المتضمخ بالطيب: اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك. ففيه أمره __صلى الله عليه وسلم__ أن يصنع في عمرته ما يصنعه في حجه فيما يجتمعان فيه ومن ذلك طواف الوداع فكما أن الحاج مأمور بأن لا يخرج حتى يودع البيت فكذلك المعتمر إذا اعتمر يحتاج إلى الوداع كالحاج.
الدليل الرابع: قالوا بأن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ اعتمر أربع عمر ولم ينقل عنه أنه طاف للوداع ولو طاف لنقل فلما لم ينقل دل على عدم وجوب طواف وداع العمرة.
مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل بالتسليم بصحة ما ذكر بأن النبي __صلى الله عليه وسلم__ اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي مع حجته, لكنها على النحو التالي:
الأولى: عمرة الحديبية وكانت سنة ست من الهجرة إلا أن النبي __صلى الله عليه وسلم__ قد صّد عن البيت هو وأصحابه فتحللوا منها ولم يدخلوا مكة وقد حسبت لهم عمرة. وبناء على هذا فليس في هذه العمرة دلالة مطلقاً لا على الوجوب ولا عدمه.
العمرة الثانية: عمرة القضاء وكانت في ذي القعدة من العام القادم أي في سنة سبع وفيها بقي النبي __صلى الله عليه وسلم__، بمكة بعد أدائها ثلاثة أيام(159) ولم ينقل عنه أنه طاف للوداع.
العمرة الثالثة:عمرة الجعرانة وكانت في ذي القعدة سنة ثمان عام الفتح وهذه العمرة لم يبق فيها رسول الله __صلى الله عليه وسلم__ بمكة إنما اعتمر وخرج في ليلته إلى الجعرانة وهي خارج حدود الحرم وذلك لقسم غنائم حنين، ومعلوم أن المعتمر إذا طاف وسعى وحلق أو قصر ثم خرج مباشرة من مكة ولم يمكث فليس عليه طواف وداع لأن هذا الفعل يستلزم أن يكون آخر عهده بالبيت،وإذا ليس فيها دلالة لعدم وجوب طواف العمرة.
الرابعة: عمرته مع حجته، وهذه طاف فيها طواف الوداع بلا شك لأنه كان قارناً(160).
هذا وبناء على التفصيل السابق فليس فيما ذكروه دلالة على عدم وجوب طواف الوداع للعمرة من عمره __صلى الله عليه وسلم__ إلا عمرة القضاء فإنه __صلى الله عليه وسلم__ اعتمر وأقام بمكة ثلاثة أيام ولم سنقل عنه أنه طاف للوداع ولو طاف لنقل إذ عدم النقل دليل على العدم.
والجواب عن هذا بالتسليم بصحة ما ذكروه من أن عدم النقل دليل على عدم الوجوب لكن نقول بأن طواف الوداع لم يؤمر به إلا في حجة الوداع فلم يكن واجبا قبلها وحديث ابن عباس رضي الله عنه صريح في ذلك إذ فيه أنه قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض متفق عليه(161).
وروى مسلم أيضا عنه قال: كان الناس ينصرفون من كل وجه فقال النبي __صلى الله عليه وسلم__: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)(162).
هذا ويترجح لي و العلم عند الله _تعالى_ القول بالوجوب(163) لما تقدم من أدلة هذا القول وللإجابة عن أدلة القائلين بعدم الوجوب ومناقشة هذا والقول بعدم الوجوب قول له مكانته وهو قول جمهور العلماء كما تقدم، وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ عدة مرات فأجاب بعدم الوجوب، وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية أجابت بعدم الوجوب، وهناك من علماء العصر من يقول بالوجوب، وعلى كل فالذي أراه وجوب طواف الوداع للعمرة وأرى أن هذا القول قوي متجه.
سادساً: طواف التطوع:
فضل التطوع بالطواف:
تقدم فيما مضى بيان فضل الطواف سواء أكان فرضاً أو واجباً أو مسنوناً ونبين هنا ما يخص المسنون.
روى البيهقي والطبري وابن الجوزي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ينزل كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرون ومائة رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين" قال المنذري في الترغيب والترهيب، رواه البيهقي بإسناد حسن(164).
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سألت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عن رجل حج وأكثر أيجعل نفقته في صلة أو عتق؟ فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "طواف سبع لا لغو فيه يعدل رقبة"(165).
وروى البيهقي عن جرير عن عطاء بن السائب عن ابن عبيد ابن عمير عن أبيه عن ابن عمر: من طاف بالبيت سبعاً يحصيه كتبت له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وكان له عتق من النار(166).
وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: كنت أسمع عطاءً يسأله الغرباء: الطواف أفضل لنا أم الصلاة؟ فيقول: أمّا لكم فالطواف أفضل إنكم لا تقدرون على الطواف بأرضكم وأنتم تقدرون هناك على الصلاة.
وروى عبد الرزاق أيضاً عن الثوري عن سالم قال رأيت سعيد بن جبير يقول للغرباء إذا رآهم يصلون، انصرفوا فطوفوا بالبيت(167).
قلت: وقد تقدم في الفصل الأول ذكر أقوال العلماء: أيهما أفضل في المسجد الحرام صلاة النافلة أو الطواف وقد رجحنا هناك أن الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف أفضل للغرباء، لأن غير المكي لا يحصل له الطواف في بلده بخلاف الصلاة، وقد سبق أن قلت(168): إن هذا التفضيل أعني تفضيل الطواف للغرباء على نوافل الصلاة ليس على إطلاقه، بل: نقول الطواف أفضل للغرباء من نوافل الصلاة المطلقة أما النوافل المقيدة كالرواتب التي قبل بعض الصلوات أو بعدها فهي أفضل حتى في حق الغرباء، وكذا ما يشرع جماعة كصلاة التراويح لأنها محددة بزمن تفوت بفواته بخلاف الطواف، والله أعلم.
وقت طواف التطوع:
جمهور العلماء رحمهم الله على أن الطواف يجوز في أي وقت من ليل أو نهار وكذا صلاة ركعتيه، ومن العلماء من منع الطواف وقت طلوع الشمس وغروبها وكذا صلاة ركعتيه، ومنهم من كره ذلك بعد الصبح والعصر، ومنعه عند الطلوع والغروب، ومنهم من أجاز الطواف مطلقاً ومنع أو كره ركعتيه بعد الصبح والعصر.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما وقت جوازه – يعني الطواف – فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها: إجازة الطواف بعد الصبح والعصر ومنعه وقت الطلوع والغروب، وهو مذهب عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري، وبه قال مالك وأصحابه وجماعة.
والقول الثاني: كراهته بعد الصبح والعصر، ومنعه عند الطلوع والغروب، وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد وجماعة.
والقول الثالث: إباحة ذلك في هذه الأوقات كلها، وبه قال الشافعي وجماعة، وأصول أدلتهم راجعة إلى منع الصلاة في هذه الأوقات أو إباحتها، أما وقت الطلوع والغروب فالآثار متفقة على منع الصلاة فيها، والطواف هل هو ملحق بالصلاة في ذلك الخلاف؟(169)
وقال ابن حجر في الفتح قال ابن عبد البر: كره الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح، قالوا فإن فعل فليؤخر الصلاة، ولعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور عند الحنفية أن الطواف لا يكره وإنما تكره الصلاة.
قال ابن المنذر: رخص في الصلاة بعد الطواف في كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم، ومنهم من كره ذلك أخذاً بعموم النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وهو قول عمر والثوري وطائفة، وذهب إليه مالك وأبو حنيفة.
وقال أبو الزبير: رأيت البيت يخلو بعد هاتين الصلاتين ما يطوف به أحد، وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس قال: وسمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: تطلع الشمس بين قرني شيطان(170).
وقال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح بمكة، فقال بعضهم لا بأس في الصلاة الطواف بعد العصر وبعد الصبح وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق... وقال بعضهم: إذا طاف بعد العصر لم يصل حتى تغرب الشمس وكذلك إن طاف بعد صلاة الصبح أيضاً لم يصل حتى تطلع الشمس... وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس(171).
أدلة القائلين بجواز الطواف وركعتي الطواف بعده في كل وقت:
الدليل الأول: ما رواه أصحاب السنن وابن خزيمة والشافعي وغيرهم، واللفظ للترمذي عن جبير بن مطعم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار(172).
قال أبو عيسى حديث جبير بن مطعم حديث حسن صحيح، وقد رواه عبد الله ابن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه أيضاً(173).
وقال ابن حجر عن الحديث المذكور: رواه الشافعي وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما إلى أن قال: وإنما لم يخرجه – يعني البخاري – لأنه ليس على شرطه(174).
الدليل الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد العزيز بن رفيع قال: رأيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يطوف بعد الفجر ويصلي ركعتين(175).
الدليل الثالث: مما رواه مالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي أنه قال: لقد رأيت عبد الله بن عباس يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع.
قال الباجي: بعد سياقه لهذا الأثر: قوله إنه كان يطوف بعد صلاة العصر يقتضي أن ذلك كان مباحاً عنده، وقوله ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع يريد لا يدري هل كان يركع لطوافه بعد دخوله حجرته أم لا والأظهر أنه لم يكن يركع حتى تغرب الشمس لأنه لو ركع قبل الغروب لركع في المسجد لأن ذلك أفضل ولأن الأمر المعتاد لمن وصل ركوعه بطوافه أن يركع في المسجد... إلخ(176).
الدليل الرابع: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه قال: سمعت ابن أبي أوفى يذكر أنه رأى ابن عباس يوم التروية طاف بعد العصر سبعاً ثم صلى ركعتين حاجاً ومعتمراً فيقوم بعد صلاة الصبح فيطوف سبعاً ويركع ركعتين فقلنا له: إنما يفعل ذلك من أجل قدومه حتى أقام فينا، فقام حين صلى الصبح فطاف ثم ركع ركعتين ثم استلم الركن فأصعد، يقول خرج من المسجد.
الدليل الخامس: ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يطوف بعد العصر والصبح ويصلي حينئذ على سَبْعة.
الدليل السادس: ما رواه عبد الرزاق أيضاً عن سالم بن عبد الله قال: كان ابن عمر لا يرى بالطواف بعد العصر بأساً ويصلي ركعتين حينئذ.
وروى عبد الرزاق أيضاً عن موسى بن عقبة قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن الطواف بعد العصر وبعد الصبح فقال: رأيت ابن عمر طاف بعد الفجر ثم صلى... إلخ(177).
أدلة المانعين من الطواف بعد صلاة الصبح والعصر:
استدلوا بما رواه أحمد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال إن الكعبة كانت تخلو بعد الصبح من الطائفين حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب(178).
وقد أورده ابن حجر في الفتح بلفظ آخر وحسّن إسناده فقال: وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي الزبير عن جابر قال: كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، قال وسمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "تطلع الشمس بين قرني شيطان"(179).
كما استدلوا أيضاً بما رواه مالك في الموطأ عن أبي الزبير قال: لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد حتى عند الغروب(180)، قلت: وقول أبي الزبير هذا بمعنى ما رواه عن جابر في الدليل قبله.
أدلة المجيزين للطواف والمانعين لركعتيه في وقت النهي:
استدلوا بما رواه البخاري عن عطاء عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن ناساً طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح ثم قعدوا إلى المذكّر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون فقالت عائشة رضي الله عنها: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تكره فيها الصلاة قاموا يصلون.
قال ابن حجر: قوله: "الساعة التي تكره فيها الصلاة" أي التي عند طلوع الشمس وكأنّ المذكورين كانوا يتحرون ذلك الوقت فأخروا الصلاة إليه قصداً، فلذلك أنكرت عليهم عائشة، هذا إن كانت ترى أن الطواف سبب لا تكره مع وجوده الصلاة في الأوقات المنهية، ويحتمل أنها كانت تحمل النهي على عمومه ويدل لذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قالت: إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصلِّ لكل أسبوع ركعتين وهذا إسناد حسن(181).
واستدلوا أيضاً بما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف مع عمر بعد صلاة الصبح بالكعبة فلما فرغ عمر من طوافه نظر فلم ير الشمس فركب ولم يُسبّح حتى أناخ بذي طوى فسبّح ركعتين على طوافه(182).
هذا وقد ذكره الترمذي مستدلاً به لمن منع الصلاة للطواف بعد العصر والفجر حيث قال: واحتجوا بحديث عمر أنه طاف بعد صلاة الصبح فلم يصل وخرج من مكة حتى نزل بذي طوى فصلى بعدما طلعت الشمس(183).
هذا وقد رواه البخاري معلقاً حيث قال: وطاف عمر بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى. قال ابن حجر بعد سياقه له: وصله مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به، وروى الأثرم عن أحمد عن سفيان مثله إلا أنه قال عن عروة بدل حميد. قال أحمد أخطأ فيه سفيان، قال الأثرم: وقد حدثني به نوح بن يزيد من أصله عن طريق سفيان ولفظه (أن عمر طاف بعد الصبح سبعاً ثم خرج إلى المدينة فلما كان بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين)(184).
واستدلوا أيضاً بما رواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: قدم أبو سعيد الخدري حاجاً أو معتمراً فطاف بعد الصبح فقال: انظروا كيف يصنع فلما فرغ من سِبْعِه قعد فلما طلعت الشمس صلى ركعتين(185).
كما استدلوا أيضاً بما أخرجه ابن المنذر عن نافع كان ابن عمر إذا طاف بعد الصبح لا يصلي حتى تطلع الشمس وإذا طاف بعد العصر لا يصلي حتى تغرب الشمس(186) هذه خلاصة أدلتهم.
قلت ومنشأ الخلاف أشار إليه ابن رشد في بداية المجتهد بقوله: وأصول أدلتهم راجعة إلى منع الصلاة في هذه الأوقات أو إباحتها، أما وقت الطلوع والغروب فالآثار متفقة على منع الصلاة فيها، والطواف هل هو ملحق بالصلاة في ذلك الخلاف؟(187) انتهى.
قلت: ويضاف إلى قول ابن رشد أيضاً أننا إذا قلنا: باختلاف الطواف عن الصلاة فأجزناه في أوقات النهي فهل نلحق ركعتي الطواف به أو بالصلاة؟ في ذلك الخلاف والذي يترجح لي والعلم عند الله تعالى جواز الطواف في أي وقت من ليل أو نهار، كما يجوز أيضاً لمن طاف أن يصلي ركعتي الطواف في أي وقت لأنهما يتبعانه، ولا أدل على ذلك من الحديث الصريح الصحيح المتقدم وهو قوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما رواه أهل السنن وغيرهم: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار" فهو صريح في الطواف وركعتيه، وقد سبق قول ابن حجر بأنه قد صححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما وأنه إنما لم يخرجه البخاري لأنه ليس على شرطه(188).
إضافة إلى أنه قد صح جواز ذلك عن عدد من الصحابة كما تقدم، منهم عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن عمر في بعض الروايات عنه(189)، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------------------------------------
(124) أما المالكية فلا يوجبون الرجوع لمن ترك طواف الوداع بناءً على أنه سنة عندهم كما تقدم إيضاح قولهم في حكم طواف الإفاضة، ولذا فهم يرون الرجوع إذا لم يكن عليه كبير مشقة قال الباجي في شرح موطأ مالك 2/294، على ما روي عن عمر أنه ردّ رجلاً من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع) ش قوله أن عمر بن الخطاب رد رجلاً من مر الظهران حتى ودع البيت لما لم يكن ودعه، يقتضي أن ذلك الرجل لم يكن عليه فيه كبير مشقة ولا خاف فوات رفقة ولا رفاقه، وقد روي عن مالك فيمن نسي طواف الوداع حتى بلغ مر الظهران أنه لا شيء عليه قال: ابن القاسم لم يحدّ فيه حداً وأرى إذا لم يخف فوات أصحابه ولا منعه كريه فليرجع وإلا مضى ولا شيء عليه... ولعل الذي رده عمر من مر الظهران قد رأى فيه من القوة على ذلك وتمكنه له ما علم أنه لا تلحقه به مشقة فندبه إلى ذلك وأعلمه بما له فيه من الفضل فرجع بقوله فكان ذلك رداً له إلى أن قال: وإن كانت إفاضته يوم النحر فلم يبق عليه إلا سنن الحج كالرمي والمبيت بمنى، وإن كانت إفاضته بعد أيام منى لم يبق عليه من الحج ولا شيء مما لو تركه للزمه دم، وإنما يبقى عليه من تمام نسكه على قول أشهب طواف الوداع وهو مندوب إليه [فصل] وقوله: (فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده بالطواف بالبيت) يريد أن ذلك مشروع له ومستحب في حكمه وهذا اللفظ إنما يستعمل في المندوب إليه دون الواجب وبه قال مالك فإن طواف الوداع عنده مندوب إليه ومن تركه فحجه تام وليس عليه دم وقد أساء بتركه.
(125) بدائع الصنائع للكاساني 2/143.
(126) المجموع شرح المهذب للنووي 8/254.
(127) الإنصاف للمرداوي 4/51 وانظر الشرح الكبير 2/259، وكشاف القناع 2/512، والفروع لابن مفلح 3/521.
(128) المغني 3/460.
(129) تقدم قريباً فيما نقلته من بدائع الصنائع 2/143.
(130) بدائع الصنائع 2/169.
قلت: وما ذكره الكاساني من أن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة ومن بينه وبينها مسافة قصر، هو قول الحنابلة أيضاً، انظر المغني 3/460.
(131) مسافة القصر محل خلاف بين أهل العلم وهي عند الشافعية والحنابلة تقدر بأربعة برد والأربعة برد: ستة عشر فرسخاً والفرسخ ثلاثة أميال أي ثمانية وأربعون ميلاً.
انظر: المهذب 1/109 وانظر: كشاف القناع 1/505، قلت وتقدر بالكيلوات بـ(88) كيلو متر.
(132) المغني لابن قدامة 3/460.
(133) انظر في تسمية المواقيت وبعدها عن مكة بالمراحل كشاف القناع 2/400، والمطلع على أبواب المقنع ص 164 وما بعدها.
(134) فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/566.
(135) فتح الباري 2/566، تمام الأثر كان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً، رواه البخاري معلقاً، المرجع السابق 2/565.
(136) المرجع السابق 2/566 قلت وابن حجر في المرجع المذكور قد استوفى الأقوال والأدلة من المنقول والمأثور في بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر فليراجع، هذا وقد نقلت بعض ما ذكره من أجل ارتباط ذلك بموضوع ما ذكره الفقهاء من لزوم رجوع من ترك طواف الوداع إن كان قريباً وكان بعضهم قد أناط القرب بما لا تقصر إليه الصلاة.
(137) سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – عن حكم السفر إلى جدة قبل طواف الوداع للحاج، فأجاب: لا يجوز للحاج أن ينفر من مكة بعد الحج إلا بعد طواف الوداع لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "لا ينفر أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" رواه مسلم، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض".
فلا يجوز لأهل جدة ولا لأهل الطائف ولا غيرهم الخروج من مكة بعد الحج إلا بعد الوداع، فمن سافر قبل الوداع فإن عليه دماً لكونه ترك واجباً.
وقال بعض أهل العلم لو رجع بنية طواف الوداع أجزأه ذلك وسقط عنه الدم، ولكن هذا فيه نظر، والأحوط للمؤمن ما دام سافر مسافة قصر ولم يودع البيت فإن عليه دماً يجبر به حجه، فتاوى الحج والعمرة لعدد من العلماء جمع محمد المسند ص 86 وما بعدها.
(138) صحيح مسلم بشرح النووي 9/78 وسنن أبي داود 2/208 وسنن ابن ماجه برقم (3070) في باب طواف الوداع.
(139) صحيح البخاري 2/149 في (باب طواف الوداع).
(140) انظر بدائع الصنائع 2/143، والمجموع 8/154، والمغني 3/460، وكشاف القناع 2/512، والإنصاف 4/51.
(141) وتقدم أيضاً أن مسافة القصر عند الشافعية والحنابلة تقدر بأربعة برد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال أي ثمانية وأربعون ميلاً وهي تقدر بثمانية وثمانين كيلو متر، انظر المهذب 1/109 وكذا المجموع 4/323، وانظر كشاف القناع للبهوتي 1/505.
(142) انظر الكافي في فقه أهل المدينة 1/378.
(143) تقدم بعض نصوصهم وهي في جملتها تدل على الغرض المقصود هنا إلا أنني هنا أقتصر على ما يخص هذا الموضوع ليكون دليلاً على ما ذكرته غير قاصد للتكرار.
(144) بدائع الصنائع للكاساني 2/143.
(145) المجموع 8/254، وانظر روضة الطالبين للنووي 3/116.
(146) المغني 3/460 وما بعدها.
(147) انظر المهذب 1/109 والمجموع 4/323 وانظر كشاف القناع للبهوتي 2/512.
(148) مع العلم أن الحنابلة نصوا على أن من ترك طواف الوداع ورجع إليه أنه لا فرق بين تركه عمداً أو خطأ لعذر أو غيره قال ابن قدامة في المغني 3/460، وإن لم يمكنه الرجوع لعذر فهو كالبعيد، ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، ولا فرق بين تركه عمداً أو خطأ لعذر أو لغيره لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره كسائر واجباته... إلخ.
(149) المنتقى شرح موطأ مالك 2/293.
(150) كتاب الفروع لابن مفلح 3/521، وانظر الإنصاف للمرداوي 4/51.
(151) مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام 2/127.
(152) تقدم في (حكم ما إذا بقي مدة بعد طواف الوداع) وانظر بدائع الصنائع 2/43.
(153) صحيح البخاري 2/149، وصحيح مسلم 54/93.
(154) صحيح مسلم 4/4 وما بعدها.
(155) صحيح مسلم بشرح النووي 9/78، وسنن أبي داود 2/208.
(156) سنن الترمذي 2/211 تحت رقم (950).
(157) سنن الدارقطني 2/299 تحت رقم )285).
(158) موطأ مالك 1/369 في الحج باب وداع البيت، وانظر جامع الأصول لابن الأثير 3/201، وقد قال المعلق عليه عبد القادر الأرناؤوط: إسناد هذا الأثر صحيح.
(159) قد روى أبو داود في سننه عن ابن عباس أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أقام في عمرة القضاء ثلاثاً، سنن أبي داود 2/207 في باب المقام في العمرة.
(160) انظر في بيان عُمَر النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأزمانهن وأماكنهن، صحيح مسلم بشرح النووي 8/235.
(161) صحيح البخاري 2/149، وصحيح مسلم 4/93.
(162) صحيح مسلم بشرح النووي 9/78.
(163) لا يرى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله - وجوب طواف الوداع للعمرة فلقد سئل عدة مرات عن ذلك فكان الجواب بعدم الوجوب فقد جاء في (فتاوى الحج والعمرة والزيارة) لعدد من العلماء منهم سماحة الشيخ ابن باز، جمع/ محمد المسند، ص 86 – س: هل طواف الوداع واجب في العمرة؟ ج: طواف الوداع ليس بواجب في العمرة ولكن فعله أفضل فلو خرج ولم يودع فلا حرج أمّا في الحج فهو واجب... إلخ.
وجاء في ص 132 وما بعدها – س: إذا أدى الحاج العمرة وخرج بعد ذلك لزيارة أقاربه خارج الحرم هل يلزمه طواف الوداع وهل عليه شيء في ذلك؟ ج: ليس على المعتمر وداع إذا أراد الخروج خارج الحرم في ضواحي مكة، وهكذا الحاج لكن متى أراد السفر إلى أهله أو غير أهله شرع له الوداع ولا يجب عليه لعدم الدليل، وقد خرج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم الذين حلوا من عمرتهم إلى منى وعرفات ولم يؤمروا بطواف الوداع.
أيضاً في ص 133 من المرجع نفسه: سئلت اللجنة الدائمة عن طواف وداع العمرة فأجابت بقولها: أما المعتمر فلا يجب عليه طواف الوداع لكن يسن له أن يطوفه عند سفره لعدم الدليل على الوجوب، ولأنه _صلى الله عليه وسلم_ لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته، أيضاً قد سئلت اللجنة الدائمة في مجلة الدعوة عدد (751) بهذا السؤال: أنا ساكن مدينة الطائف وكل شهرين أو ثلاثة أقوم بأداء العمرة تطوعاً فهل طواف الوداع واجب عليّ أم لا؟ ج: اختلفأهل العلم في بيان المعنى بقوله _صلى الله عليه وسلم_: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" رواه مسلم. هل المراد به من نفر من مكة بعد انقضاء الحج وهو حاج، أو من نفر منها بعد إنهاء أعمال حجه إن كان حاجاً وأعمال عمرته إن كان معتمراً، أو أن المقصود من نفر من مكة مطلقاً سواء كان حاجاً أو معتمراً أو لا.. فينبغي لك إذا أديت العمرة مستقبلاً أن تطوف للوداع.
(164) الترغيب والترهيب للمنذري 3/29 تحت رقم (1676) والحديث رواه الطبري في الكبير 11/124 وابن الجوزي في العلل (573).
(165) مصنف عبد الرزاق 5/18.
(166) سنن البيهقي 5/110.
(167) مصنف عبد الرزاق 5/70 وما بعدها.
(168) تقدم فيما مضى، وانظر: المجموع للنووي 8/56، وأضواء البيان للشنقيطي 5/229.
قلت: وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن ذلك بالسؤال الآتي:
س: هل الأفضل تكرار الطواف أم التطوع بصلاة؟
ج: في التفضيل بينهما خلاف لكن الأولى أن يجمع بين الأمرين فيكثر من الصلاة والطواف حتى يجمع بين الخيرين، وبعض العلماء فضل الطواف في حق الغرباء لأنهم لا يجدون الكعبة في بلدانهم فاستحب أن يكثروا من الطواف ما داموا بمكة، وقوم فضلوا الصلاة لأنها أفضل، والأولى فيما أرى أن يكثر من هذا ويكثر من هذا وإن كان غريباً حتى لا يفوته فضل أحدهما. فتاوى الحج والعمرة والزيارة لعدد من العلماء، جمع/ محمد المسند ص 88..
(169) بداية المجتهد 1/250.
(170) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/488 وما بعدها.
(171) سنن الترمذي 2/178.
(172) سنن الترمذي 2/178 تحت رقم (869)، وسنن أبي داود 2/180 تحت رقم (1894) باب الطواف بعد العصر، وانظر جامع الأصول لابن الأثير 3/198 تحت رقم (1476).
(173) سنن الترمذي 2/178.
(174) فتح الباري 3/488.
(175) صحيح البخاري 2/130 في (باب الطواف بعد الصبح والعصر) وانظر مصنف عبد الرزاق 5/62.
(176) المنتقى شرح موطأ مالك للباجي 2/291 وما بعدها، وانظر الأثر: في جامع الأصول لابن الأثير 3/198.
(177) مصنف عبد الرزاق 5/62 وما بعدها تحت الأرقام من (9005) إلى (9012).
(178) مسند الإمام أحمد 3/393، وانظر جامع الأصول لابن الأثير 3/198 تحت رقم (1478).
(179) فتح الباري 3/189.
(180) موطأ مالك 1/369 في (باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف) في الحج، وانظر جامع الأصول 3/198 تحت رقم (1477).
(181) فتح الباري 3/489.
(182) مصنف عبد الرزاق /63.
(183) سنن الترمذي 2/179.
(184) فتح الباري 3/489.
(185) مصنف عبد الرزاق /63.
(186) هذا الأثر نقله ابن حجر عن ابن المنذر في الفتح 3/489 وقال في موضوع اختلافات الروايات عن ابن عمر حيث تقدم في أدلة القائلين بجواز الطواف مطلقاً أنه لا يرى بالطواف بعد الصبح والعصر بأساً قال: ويجمع بين ما اختلف عنه في ذلك بأنه كان في الأغلب يفعل ذلك (يعني إذا طاف بعد الصبح أو العصر لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب) قال: والذي يعتمد من رأيه عليه التفصيل السابق (يعني ما ذكره عن الطحاوي من طريق مجاهد قال: كان ابن عمر يطوف بعد العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية نقية فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافاً واحداً حتى يصلي المغرب ثم يصلي ركعتين وفي الصبح نحو ذلك.
(187) بداية المجتهد 1/250.
(188) فتح الباري 3/488.
(189) قلت: وهذا القول قال به عدد كبير من أهل العلم ومال إليه البخاري في صحيحه حيث ترجم بهذه الترجمة (باب الطواف بعد الصبح والعصر، قال ابن حجر في الفتح 3/488: وقد ذكر فيه آثاراً مختلفة ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة... إلخ.