الشعر الجاهلي : بحث مميز عن نشأته ، قيمته ، خصائصه وأغراضه
الشعر الجاهلي : بحث مميز عن نشأته ، قيمته ، خصائصه وأغراضه
الشعر الجاهلي : بحث مميز عن نشأته ، قيمته ، خصائصه وأغراضه
تعريف الشعر الجاهلي
إن الحديث عن تاريخ الشعر الجاهلي يقودنا إلى البحث في أصل الكلمة ‘ الجاهلية ‘ فنجد أن القرآن الكريم أول من أطلق هذه اللفظة تحت مسمى الجاهلية الأولى حيث يقول سبحانه في معرض الآية 33 من سورة الأحزاب :
‘ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ‘ .
والجاهلية الأولى أو العصر الجاهلي تعني تلك الفترة التي سبقت الإسلام ، ومنه أخذ الشعر المسمى نفسه .
والجاهلية لا تعني الجهل الذي هو عكس العلم ، بل يقصد بها السفه والغضب كما وضحها لنا الدكتور شوقي ضيف حيث قال : ‘ وينبغي أن نعرف أن كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه ، إنما هي مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب ‘ .
نشأة الشعر الجاهلي
إن تحديد زمن العصر الجاهلي عامة والشعر الجاهلي خاصة هو أمر غير معلوم ولم يصلنا منه أي تدقيق ، لكن ينسب عموما كما أشرنا إلى الفترة التي سبقت الإسلام وتقريبا 150 إلى 200 سنة هي المدة التي انبرى فيها الموروث الشعري الجاهلي الذي وصل إلينا ، وقبل ذلك كان مجهولا .
وفي ذلك يقول الجاحظ : ‘ أما الشعر العربي فحديث الميلاد صغير السن ، أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة..فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له – إلى أن جاء الله بالإسلام – خمسين ومائة عام ، وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام ‘ .
ومن الأقوال التي أثارت ضجة كبيرة في عالم الأدب ، كتاب ” في الشعر الجاهلي ” للدكتور وعميد الأدب العربي طه حسين ، حيث شك في صحته ، وأنكر وجود بعض الشعراء الجاهليين ، بعد أن أنكر صحة شعرهم في كتابه المثير للجدل .
منزلة الشعر الجاهلي
لقد تحدثنا في إحدى مواضيعنا أن الشعر كان ديوان العرب ومركز أخبارهم ومنبع فخرهم ، فالشاعر كان معظّما في قبيلته وتقدم له الهدايا والعطايا ، فهو لسانها المنافح عنها أمام القبائل ، وأبيات شعره يكون وقعها أشد من السيف على شرف المرء ومروءته .
لكن أن تكون شاعرا ليس بالأمر الهين فتلك ملكة تحتاج إلى نبوغ أشبه بقوة سحرية أو حتى شيطانية ، فلطالما اعتقد العرب في القديم أن الجن هي من تلقي على ألسنتهم الشعر وتختار الشخص المميز لذلك .
وكانت كل قبيلة تهنئ جارتها التي ينبغ فيها شاعر ، لأنه يمثل لسان التاريخ بأسره ، بل يعتبر نبي قبيلته وفي ذلك يقول المستشرق الألماني ثيودور نولدكه : ‘ كان الشاعر نبي قبيلته وزعيمها في السلم وبطلها في الحرب ، تطلب الرأي عنده في البحث عن مراع جديدة ، وبكلمته وحدها تضرب الخياو وتحلّ ‘ .
أغراض الشعر الجاهلي
نشأ الشعر الجاهلي متأثرا بطبيعة الشاعر الذي يحكي ما يعيشه في بيئته ومحيطه ، وبالتالي كانت أغراض الشعر الجاهلي تندرج ما بين :
– الوصف : كان الشاعر مرتبطا بأرضه وباديته فشكل ذلك مادة خصبة لأشعاره ، كذلك كان يترك العنان لخياله في وصف رحلاته وراحلته أو الوقوف على أطلال ذكرى له .
– المدح : كان الشاعر رمز قبيلته ولسانها وبالتالي سخّر هذا اللسان في مدح زعماء قبيلته وساداتها وفرسانها ، وتعدى ذلك لكل من كان يحمل صفات النبل والكرم والإباء .
– الرثاء : كان مديحا في حد ذاته لكن بطابع بكائي يعدد مثالب الميت ومكارمه ويدعو لأخذ الثأر للمقتول .
– الهجاء : إذا كانت الحروب تقوم على القوة والسيف فإن لسان الشاعر كان أشد منها وقعا لما له من أثر خالد لا يموت ، فالقبائل المتحاربة كانت تتقاتل لسانيا بشعرائها ، كل شاعر يسقي القبيلة العدو سما من الكلمات المخزية ، والمتمكن صاحب النفس الطويل هو من كان يصمد حتى ينتصر لقبيلته .
الفخر : كان الشاعر معتدا بنفسه وقبيلته حيث يرجع إلى أصوله الكريمة فيفخر بأجداده ويعتز بدمائه وشرفه .
الغزل : الحب والعشق شعور ضارب في القدم وعليه فإن الشاعر أحب وعشق المرأة ، فنسجت قريحته ديباجة تحوي أرق الأبيات وأجودها ، مع العلم أن الغزل كان عفيفا في بعض جوانبه وماجنا في البعض الآخر .
بالاضافة إلى هذه الأغراض المشهورة ، فقد كان الشاعر يفخر بسهراته الماجنة التي تتغنى بشرب الخمر ، وفي المقابل وعلى النقيض كان هنالك شعراء الزهد و الحكمة الذين يدعون إلى التفكر في الحياة وزوالها والتحلي بمكارم الأخلاق .
مصادر الشعر الجاهلي
إذا تحدثنا عن أهم مصادر و دواوين الشعر الجاهلي التي جمعها الرواة ودونوها في مختلف كتب التاريخ والطبقات واللغة ، فسنقف عند :
1 – المعلقات
تعتبر المعلقات من أغلى كنوز الشعر العربي وأكثرها أهمية ، وقد سميت بذلك لنفاستها وعظيم قيمتها أخذا من كلمة ( العلق ) بمعنى النفيس ، ويقال إن أول من رواها مجموعة في ديوان خاص بها حماد الراوية ، وأصحابها عنده سبع : امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى ، وطرفة بن العبد ولبيد بن ربيعة ، وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة ، وعنترة بن شداد .
أما أبو زيد القرشي صاحب ( جمهرة أشعار العرب ) ، أسقط اثنين من رواية حماد هما الحارث بن حلزة وعنترة وأثبت مكانهما النابغة الذبياني و الأعشى ، لتكتمل بعشر معلقات في عصر التبريزي بإضافة عبيد بن الأبرص .
2 – المفضليات
نسبة إلى جامعها المفضل الضبي راوي الكوفة الثقة ، وهي 126 قصيدة أضيف إليها أربع قصائد وجدت في بعض النسخ ، وقد مثلت هذه القصائد جوانب الحياة الجاهلية وعلاقات القبائل ، وانطبعت في كثير منها البيئة الجغرافية .
وهي موزعة على 67 شاعرا منهم 47 جاهليا وعلى رأسهم المرقشان الأكبر والأصغر والحارث بن حلزة والشنفرى وتأبط شرا . وقد جاء فيها غير قليل من الكلمات المندثرة التي لم ترد في في المعاجم اللغوية على كثرة ما أثبتت من الألفاظ المهجورة ، مما يرفع الثقة بها ويؤكدها .
3 – الأصمعيات
نسبة إلى راويها الأصمعي ، وقد نشرها آلورد عن نسخة سقيمة في برلين سنة 1902 وأعاد نشرها عبد السلام هرون وأحمد شاكر ، وقد بلغ عدد قصائدها ومقطوعاتها 92 ، وهي موزعة على 71 شاعرا منهم نحو 40 جاهليا على رأسهم امرؤ القيس والحارث بن عباد ودريد وطرفة وعروة بن الورد .
وقد جاء فيها أيضا كثير من الكلمات المهجورة التي لم تثبتها المعاجم ، غير أنها لم تلعب الدور الذي لعبته المفضليات فلم يتعلق بها الشراح ، ولعل ذلك يرجع إلى قلة غريبها بالقياس إلى المفضليات ، وأيضا فإن الأصمعي لم يرو كثيرا من القصائد كاملة ، بل اكتفى بمختارات منها .
4 – جمهرة أشعار العرب
لصاحبها أبي زيد القرشي ، وتضم 49 قصيدة طويلة موزعة على سبعة أقسام ، في كل قسم سيع قصائد ، والقسم الأول خاص بالمعلقات ، ويليه المجمهرات وهي لعبيد بن الأبرص وعدي بن زيد وبشر بن أب خازم وأمية بن أبي الصلت وخداش بن زهير والنمر بن تولب و عنترة .
ويلي ذلك المنتقيات أي المختارات ، ثم المذهبات وجميعها لشعراء من الأنصار جاهليين أو مخضرمين ، وربما قصد باسمها أنها تستحق أن تكتب بالذهب ، ثم عيون المراثي ، ثم المشوبات ، وهي لمخضرمين ، شابهم الكفر والإسلام ، ثم الملحمات وجميعها لإسلاميين . وهي مجموعة غنية بالقصائد الطويلة ولكنها غير موثقة الرواية .
ومن هذه المختارات أيضا ديوان الحماسة لأبي تمام ، وديوان الحماسة للبحتري ، ومختارات ابن الشجري ، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، وكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة .
خصائص الشعر الجاهلي
تتخذ اﻟﻘﺼﻴدة نمطا تقليديا ثابتا ﻓﻲ الأوزان والقوافي ، يحترم الوحدة الموسيقية وينسج ابيات قصيدته على أمواج البحور الشعرية المعروفة ، ونجد أن القصائد الجاهلية كانت تتفق في ما يلي :
– تفتتح دائما بمقدمة طللية والبكاء على الديار .
– وصف رحلاتهم وراحلتهم والتغني بجمالية الطبيعة وقسوتها في آن واحد .
– الانتقال إلى الغرض الحقيقي الذي نظمت من أجله القصيدة كالمدح أو الفخر أو الرثاء ..الخ .
قيمة الشعر الجاهلي
لقد ترك لنا الشعر الجاهلي إرثا عظيما أثرى به الخزينة العربية التاريخية ، فكان راوية لأخبار الأمم والقبائل ، راصدا ومصورا طبيعة حياتهم الاجتماعية والسياسية والفكرية ، فكان صلة وصل بين الماضي الغابر ، والحاضر المتجدد .
وهو بحق – على رأي الباحثين و النقاد – وثيقة من أهم وثائق تاريخ تلك الأيام ، وقد جمع من المعلومات الشيء الكثير حتى سمي بحق ” ديوان العرب ” . فهو يطلعنا على أحوال الجزيرة الطبيعية وجغرافيتها ، وهو يطلعنا على أحوال العرب الاجتماعية والعقلية ، باسطا لنا أخلاقهم وعاداتهم وأنسابهم ومآثرهم وأيامهم .
– للتوسع في هذا الموضوع أقترح عليكم هذه الكتب الرائعة التي يمكنكم طلبها بكل سهولة ، وستصلكم إن شاء الله إلى غاية منزلكم .
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗