كيفية التيمم
كيفية التيمم
كيفية التيمم
كيفية التيمم له سبعة أركان.
الركن الاول (1):التراب (2).وشرطه أن يكون طاهرا خالصا، غير مستعمل. فالتراب متعين، ويدخل فيه جميع أنواعه، من الاحمر، والاسود، والاصفر، والاغبر، وطين الدواة (3)، وطين الارمني الذي يؤكل تداويا وسفها.
والبطحاء، وهو التراب الذي في مسيل الماء. والسبخ: الذي لا ينبت دون الذي يعلوه ملح. ولو ضرب يده على ثوب، أو جدار، ونحوهما، وارتفع غبار، كفى. والتراب الذي أخرجته الارضة من مدر، يجوز التيمم به، كالتراب المعجون بالخل إذا جف، يجوز التيمم به، ولا يصح التيمم بالنورة، والجص، والزرنيخ، وسائر المعادن، والذريرة، والاحجار المدقوقة، والقوارير المسحوقة، وشبهها.
وقيل: يجوز في وجه بجميع ذلك وهو غلط، ولو أحرق التراب حتى صار رمادا، أو سحق الخزف، فصار ناعما، لم يجز التيمم به. ولو شوى الطين وسحقه، ففي التيمم به وجهان. وكذا لو أصاب التراب نار، فاسود، ولم يحترق، فعلى الوجهين. قلت: الاصح في الاولى، الجواز. والصحيح في الاخيرة (4) القطع بالجواز. والله أعلم.
وأما الرمل، فالمذهب: أنه إن كان خشنا لا يرتفع منه غبار، لم يكف ضرب اليد عليه. وإن ارتفع، كفى. وقيل: قولان مطلقا (5). وأما كونه طاهرا، فلا بدمنه، فلا يصح بنجس مطلقا.
فإن كان على ظهر كلب تراب، فإن علم التصاقه برطوبة عليه، من ماء، أو عرق، أو غيره، لم يجز التيمم به. وإن علم انتفاء ذلك جاز، وإن لم يعلم واحد منهما، فعلى القولين في اجتماع الاصل والظاهر.
قلت: كذا قاله جماعة من أصحابنا: فيما إذا لم يعلم، أنه على القولين، وهو مشكل، وينبغي أن يقطع بجواز التيمم به (1) عملا بالاصل، وليس هنا ظاهر يعارضه. والله أعلم. وأما كونه خالصا، فيخرج منه المشوب بزعفران، ودقيق، ونحوهما. وإن كثر المخالط، لم يجز بلا خلاف. وكذا إن قل على الصحيح. قال إمام الحرمين: الكثير: ما يظهر في التراب. والقليل: ما لا يظهر. ولم أر لغيره فيه ضبطا. ولو اعتبرت الاوصاف الثلاثة كما في الماء، لكان مسلكا (2). وأما كونه غير مستعمل، فلا بد منه على الصحيح. والمستعمل: ما لصق بالعضو. وكذا ما تناثر عنه، على الاصح. الركن الثاني: قصد التراب. فلا بد منه. فلو وقف في مهب ريح، فسفت عليه ترابا، فأمر يده عليه بنية التيمم، إن كان وقف بغير نية، لم يجزئه. وإن قصد تحصيل التراب، لم يجزئه أيضا، على الاصح، أو الاظهر. ولو يممه غيره. إن كان بغير إذنه، فكالوقوف في مهب الريح. وإن كان بإذنه لعذر، كقطع، وغيره، جاز.
وإن كان بغير عذر، جاز أيضا على الصحيح.
الركن الثالث: نقل التراب الممسوح به إلى العضو. فإن كان على الوجه تراب، فردده عليه، لم يجزئه. وإن نقله منه إلى اليد، أو من اليد إليه، أو أخذه من الوجه، ثم رده إليه، أو سفت الريح ترابا على كمه، فمسح به وجهه، أو أخذ التراب من الهواء، بإثارة الريح، جاز في كل ذلك على الاصح. وإن نقله من عضو غير أعضاء التيمم إليها، جاز بلا خلاف. وإن تمعك في التراب لعذر، جاز. وكذا لغير عذر على الاصح.
الركن الرابع: النية. فلا بد منها، فإن نوى رفع الحدث، أو نوى الجنب رفع الجنابة، لم يصح تيممه على الصحيح. وإن نوى استباحة الصلاة، فله أربعة أحوال. أحدها: أن ينوي استباحة الفرض والنفل معا، فيستبيحهما، وله التنفل قبل الفريضة وبعدها، في الوقت وبعده، وفي وجه ضعيف: لا يتنفل بعد الوقت إن كانت الفريضة معينة. ولا يشترط تعيين الفريضة على الاصح. فعلى هذا لو نوى الفرض مطلقا، صلى أية فريضة شاء. ولو نوى معينة، فله أن يصلي غيرها.
الحال الثاني: أن ينوي الفريضة، سواء كانت إحدى الخمس، أو منذورة ولا تخطر له النافلة، فتباح الفريضة. وكذا النافلة قبلها على الاظهر، وبعدها على المذهب في الوقت، وكذا بعده على الاصح. ولو تيمم لفائتتين، أو منذورتين، استباح إحداهما على الاصح.
وعلى الثاني: لا يستبيح شيئا. ولو تيمم لفائتة فلم يكن عليه شئ. أو لفائتة الظهر، فكانت العصر، لم تصح. قلت: ولو (1) ظن عليه فائتة، ولم يجزم بها، فتيمم لها، ثم ذكرها، قال المتولي والبغوي والروياني: لا يصح. وصححه الشاشي (2)، وهو ضعيف. والله أعلم.
الحال الثالث: أن ينوي النفل، فلا يستبيح به الفرض على المشهور. وقيل: قطعا. فإن أبحناه، فالنفل أولى، وإلا استباح النفل على الصحيح. ولو نوى مس المصحف، أو سجود التلاوة، أو الشكر، أو نوى الجنب الاعتكاف، أو قراءة القرآن، فهو كنية النفل، فلا يستبيح الفرض على المذهب. ويستبيح ما نوى على الصحيح. وعلى الآخر يستبيح الجميع. ولو تيمم لصلاة الجنازة، فهو كنية النفل على الاصح. ولو تيممت منقطعة الحيض لاستباحة الوطئ، صح على
الاصح، ويكون كالتيمم للنافلة.
الحال الرابع: أن ينوي الصلاة فحسب، فله حكم التيمم للنفل على الاصح. وعلى الثاني: هو كمن نوى النفل والفرض معا. أما إذا نوى فرض التيمم، أو إقامة التيمم المفروض، فلا يصح على الاصح. قلت: ولو نوى التيمم وحده، لم يصح قطعا. ذكره الماوردي. ولو تيمم بنية استباحة الصلاة، ظانا أن حدثه أصغر، فكان أكبر، أو عكسه، صح قطعا، لان موجبهما واحد. ولو تعمد ذلك، لم يصح في الاصح. ذكره المتولي (1). ولو أجنب في سفره ونسي، وكان يتيمم وقتا، ويتوضأ وقتا، أعاد صلوات الوضوء فقط، لما ذكرنا. والله أعلم (2).
واعلم أنه لا يجوز أن تتأخر النية عن أول فعل مفروض في التيمم. وأول أفعاله المفروضة نقل التراب. ولو قارنته وعزبت قبل مسح شئ من الوجه، لم يجزئه على الاصح. ولو تقدمت على أول فعل مفروض، فهو كمثله في الوضوء.
الركن الخامس: مسح الوجه. ويجب استيعابه. ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور التي يجب إيصال الماء إليها في الوضوء على المذهب (3). ويجب إيصاله إلى ظاهر ما استرسل من اللحية على الاظهر، كما في الوضوء. الركن السادس: مسح اليدين. ويجب استيعابهما إلى المرفقين على المذهب. وقيل: قولان. أظهرهما هذا، والقديم يمسحهما إلى الكوعين. واعلم أنه تكرر لفظ الضربتين في الاخبار، فجرت طائفة من الاصحاب على الظاهر، فقالوا: لا يجوز النقص من ضربتين، ويجوز الزيادة. والاصح ما قاله آخرون: أن الواجب إيصال التراب، سواء حصل بضربة أو أكثر، لكن يستحب أن لا يزيد على ضربتين، ولا ينقص.
وقيل: يستحب ثلاث ضربات. ضربة للوجه، وضربتان لليدين، وهو ضعيف. قلت: الاصح: وجوب الضربتين. نص عليه. وقطع به العراقيون، وجماعة من الخراسانيين. وصورة الاقتصار على ضربة بخرقة ونحوها. والله أعلم. وصورة الضرب ليست متعينة. فلو وضع اليد على تراب ناعم وعلق بها غبار، كفى. ويستحب أن يبدأ بأعلى الوجه. وأما اليدان، فيضع أصابع اليسرى سوى الابهام، على ظهور أصابع اليمنى سوى الابهام، بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى، ويمرها على ظهر كفه اليمنى، فإذا بلغت الكوع، ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع. ويمرها إلى المرفق، ثم يدير كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وإبهامه مرفوعة، فإذا بلغ الكوع، مسح ببطن إبهام اليسرى ظهر إبهام اليمنى، ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيمسحها كذلك. وهذه الكيفية ليست واجبة، لكنها مستحبة على المذهب. وقيل: غير مستحبة. وأما تفريق الاصابع، فيفعله في الضربة الثانية.
وأما الاولى، فالاصح، وظاهر المذهب، والذي نص عليه الشافعي، وقاله الاكثرون: أنه يستحب التفريق فيها. وقال آخرون: لا يستحب. ثم قال الاكثرون من هؤلاء: هو جائز، حتى لو لم يفرق في الثانية، كفاه التفريق في الاولى بين الاصابع. وقال قليلون، منهم القفال: لا يجوز: ولو فعله، لم يصح تيممه. ثم إذا فرق في الضربتين وجوزناه، أو في الثانية وحدها، يستحب تخليل الاصابع بعد مسح اليدين على الهيئة المذكورة، ولو لم يفرق فيهما (1)، وفرق في الاولى وحدها، وجب التخليل، ثم يمسح إحدى الراحتين بالاخرى. وهو مستحب على الاصح، وواجب على الآخر.
والواجب إيصال التراب إلى الوجه واليدين كيف كان، سواء حصل بيد، أو خرقة، أو خشبة. ولا يشترط إمرار اليد على العضو على الاصح. ولو كان يمسح بيده فرفعها في أثناء العضو، ثم ردها، جاز، ولا يفتقر إلى أخذ تراب جديد في الاصح.
الركن السابع: الترتيب. فيجب تقديم الوجه على اليدين. فلو تركه ناسيا لم يصح على المذهب، كما في الوضوء. ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على الاصح. فلو ضرب يديه على الارض، وأمكنه مسح الوجه بيمينه، ويمينه بيساره، جاز. فرع: لو أحدث بعد أخذ التراب قبل مسح وجهه، بطل أخذه، وعليه النقل ثانية. ولو يممه غيره حيث يجوز، فأحدث أحدهما بعد أخذ التراب قبل المسح، قال القاضي حسين: لا يضر. وينبغي أن يبطل الاخذ بحدث الآمر. ولو ضرب يده على بشرة امرأة ينقض وعليها تراب، فإن كان كثيرا يمنع التقاء البشرتين صح تيممه. وإن لم يمنع، لم يصح. وقيل: يصح أخذه للوجه. فإن ضرب بعده لليد، بطل. والصواب: الاول. فرع: للتيمم سنن سبق بعضها في كيفية مسح الوجه واليدين، وبقي منها التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى، وإمرار التراب على العضد على الاصح، والموالاة على المذهب، وتخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا، وأن لا يكرر المسح على المذهب، وأن لا يرفع اليد عن العضو الممسوح حتى يتم مسحه على الاصح. وعلى الثاني: هو واجب. وقد سبق. وأن ينزع خاتمه في الضربة الاولى. قلت: وأما الضربة الثانية، فيجب نزعه فيها، ولا يكفي تحريكه، بخلاف الوضوء، لان التراب لا يدخل تحته. ذكره صاحب (العدة) وغيره.
ومن مندوباته: استقبال القبلة. وينبغي استحباب الشهادتين بعده، كالوضوء والغسل. ولو كانت يده نجسة، وضرب بها على تراب ومسح وجهه، جاز في الاصح. ولا يجوز مسح النجسة قطعا، كما لا يصح غسلها عن الوضوء مع بقاء النجاسة. ولو تيمم، ثم وقع عليه نجاسة، لم يبطل على المذهب، وبه قطع الامام. وقال المتولي: هو كردة المتيمم. ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة، ففي صحته وجهان، حكاهما الروياني، كما لو كان عليه نجاسة. والله أعلم.
الباب الثالث في أحكام التيمم هي ثلاثة.
الاول (1): أنه يبطل بما يبطل به الوضوء (2). ثم هو قسمان. أحدهما: يجوز مع وجود الماء، كتيمم المريض. والثاني: لا يجوز إلا مع عدمه، أو الخوف في تحصيله، أو الحاجة إليه، وما أشبه هذا.
فالاول: لا تؤثر فيه رؤية الماء.
وأما الثاني: فيبطل بتوهم القدرة على الماء قبل الدخول في الصلاة، كما إذا رأى سرابا فتوهمه ماء، أو أطبقت بقربه غمامة، أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء، هذا إذا لم يقارن التوهم مانع من القدرة، فإن قارنه، لم يبطل تيممه، كما إذا رأى ما يحتاج إليه للعطش، أو دونه حائل، من سبع، أو عدو، أو قعر بئر يعلم حال رؤيته تعذر تحصيله، أو سمع انسانا يقول: أودعني فلان ماء وهو يعلم غيبة فلان، وما أشبه هذا. أما إذا رأى الماء في الصلاة، فإن لم تكن مغنية عن القضاء، كصلاة الحاضر بالتيمم، بطلت على الصحيح. وعلى الثاني: يتمها (3) ويعيد.
وإن كانت مغنية كصلاة المسافر، فالمذهب المنصوص: أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه. فلو نوى في أثناء الصلاة الاقامة بعد وجدان الماء، أو نوى القصر ثم وجد الماء، ثم نوى الائتمام، بطلت صلاته على الاصح فيهما. وحيث لم تبطل وكانت فريضة، هل يجوز الخروج منها ليتوضأ ؟ فيه أوجه. أصحها: الخروج أفضل. والثاني: يجوز الخروج، لكن الاستمرار أفضل. والثالث: إن قلبها نفلا وسلم من ركعتين،
فهو أفضل. وإن أراد إبطالها مطلقا، فالاستمرار أفضل. والرابع: يحرم قطعها مطلقا. والخامس: إن ضاق الوقت، حرم الخروج، وإلا لم يحرم. قاله إمام الحرمين (1)، وطرده في كل مصل، سواء المتيمم وغيره. قلت: هذا الذي حكاه عن (2) إمام الحرمين اختيار له لم يتقدمه به أحد، واعترف إمام الحرمين بهذا، وهو خلاف المذهب، وخلاف نص الشافعي رحمه الله، فقد نص في (الام) ونقله صاحب (التتمة) والغزالي في (البسيط) عن الاصحاب: أنه يحرم على من تلبس بالفريضة في أول وقتها، قطعها بغير عذر، وقد أوضحت نقله، ودلائله في شرح (المهذب).... والله أعلم. وإذا أتم الفريضة بالتيمم، وبقي الماء الذي رآه إلى أن سلم، بطل تيممه، فلا يستبيح به نافلة، حتى حكى الروياني عن والده: أنه لا يسلم التسليمة الثانية. قلت: وفيما حكاه الروياني نظر، وينبغي أن يسلم الثانية، لانها من جملة الصلاة. والله أعلم. وأما إذا فني الماء قبل سلامه، ولم يعلم حتى يستبيح النافلة أيضا (3)، وإن علم بفنائه قبل سلامه، ففي بطلان تيممه ومنعه النافلة وجهان. قلت: الاصح: منعه النافلة، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين.. والله أعلم. أما إذا رأى الماء وهو في نافلة، فأوجه. أصحها:
إن كان نوى عددا، أتمه ولم يزد، وإلا اقتصر على ركعتين.
والثاني: لا يزيد على ركعتين وإن نواه.
والثالث: له أن يزيد ما شاء وإن لم ينوه.
والرابع: تبطل صلاته. الحكم الثاني - فيما يؤدى بالتيمم - لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فريضة واحدة، وسواء كانت الفريضتان متفقتين أو مختلفتين، كصلاتين، وطوافين، أو صلاة وطواف. أو مقضيتين، كظهرين، أو مكتوبة ومنذورة، أو منذورتين، فلا يجوز الجمع بينهما بتيمم. وفي قول أو وجه ضعيف: يجوز في منذورتين، وفي منذورة ومكتوبة، وفي وجه شاذ: يجوز في فوائت وفائتة ومؤداة.
والصبي كالبالغ على المذهب. وقيل:
وجهان. الثاني: يجمع بين مكتوبتين بتيمم. ويجوز أن يجمع بتيمم بين فريضة ونوافل. وأما ركعتا الطواف، فإن قلنا بالاصح: إنهما سنة، فلهما حكم النوافل. وإن قلنا: واجبتان، لم يجز أن يجمع بينهما وبين الطواف الواجب على الاصح. وكذا لا يجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها على الاصح. إذا شرطنا الطهارة في الخطبة. وأما صلاة الجنازة، ففيها ثلاثة طرق. أحدها: في المسألة قولان. أحدهما: لها حكم النافلة مطلقا، فيجوز الجمع بين صلوات الجنائز، وبين جنائز ومكتوبة بتيمم واحد. ويجوز صلاتها قاعدا مع القدرة على القيام، ويجوز على الراحلة. والثاني: لها حكم الفرائض. فلا يجوز شئ من هذا.
والطريق الثاني: إن تعينت، فكالفرائض، وإلا، فكالنوافل. والثالث: لها حكم النوافل مطلقا، إلا أنه لا يجوز القعود فيها، والمذهب: أنه يجوز الجمع بتيمم بكل حال. ولو صلى على جنازتين صلاة واحدة، فقيل: يجوز قطعا، وقيل: على الخلاف. فرع: إذا نسي صلاة من صلوات، نظر، إن كانت متفقة، كظهر من أسبوع، لزمه ظهر واحدة بتيمم. وإن نسي صلاة من الخمس، لزمه الخمس، وكفاه تيمم واحد للجميع على الصحيح. وعلى الثاني: يجب خمسة تيممات. ثم قال الشيخ أبو علي: الخلاف تفريع على أن تعيين الفريضة التي تيمم لها غير واجب، فإن أوجبناه، لزمه خمس تيممات قطعا. ويحتمل خلاف ما قال أبو علي. قلت: هذا المحكي عن أبي علي، قد حكاه الدارمي (1) عن ابن المرزبان،
واختار الدارمي طرد الخلاف وإن أوجبنا التعيين. وهذا أصح. والله أعلم.
ولو نسي صلاتين مختلفتين من الخمس، لزمه الخمس. فإن قلنا: في الواحدة يلزمه خمس تيممات. فكذا هنا (1). وإن قلنا يكفيه تيمم واحد، فقال ابن القاص: يتيمم لكل واحدة، ويقتصر على الخمس. وقال ابن الحداد: يقتصر على تيممين، ويزيد في الصلوات، فيصلي بالاول الصبح والظهر والعصر والمغرب. وبالثاني: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال الاكثرون: وهو مخير، إن شاء عمل بقول ابن القاص، وإن شاء [ عمل ] بقول ابن الحداد. فظاهر كلام ابن القاص في التلخيص: أنه لا يجوز ما ذكره ابن الحداد. وحكي وجه: أنه يتيمم تيممين، ويصلي بكل واحد الخمس، وهو شاذ. والمستحسن عند الاصحاب: طريقة ابن الحداد. وعليها يفرعون ما زاد من المنسي. ولها ضابط، وشرط. فضابطها: أن تزيد على قدر المنسي فيه عددا لا ينقص عما تبقى من المنسي فيه بعد إسقاط المنسي، وينقسم المجموع صحيحا على المنسي. مثاله: مسألتنا، المنسي صلاتان، والمنسي فيه خمس، تزيده ثلاثة، لانه لا تنقص عما يبقى من الخمس بعد إسقاط الاثنين بل تساويه. والمجموع: وهو ثمانية، ينقسم على الاثنين صحيحا. ولو صلى عشرا كما قاله الوجه الشاذ، أجزأه، وكان قد زاد خيرا لدخوله في الضابط. وأما شرطها: فأن يبتدئ من المنسي فيه بأية صلاة شاء، ويصلي بكل تيمم ما تقتضيه القسمة، ويترك في كل مرة ما ابتدأ به في التي قبلها، ويأتي في المرة الاخيرة بما بقي من الصلوات. ولو نسي ثلاث صلوات من يوم وليلة، فعلى طريقة ابن القاص، يصلي كل واحدة من الخمس بتيمم، وعلى الوجه الشاذ: يتيمم ثلاث مرات، يصلي بكل واحد الخمس، وعلى طريقة ابن الحداد، يقتصر على ثلاث تيممات، ويصلي بالاول: الصبح والظهر والعصر. وبالثاني: الظهر والعصر والمغرب. وبالثالث: العصر والمغرب والعشاء. وله مخالفة هذا الترتيب إذا وفى بالشرط.
أما إذا نسي صلاتين متفقتين، فعليه أن يصلي كل واحدة من الخمس مرتين، فعلى الوجه الضعيف في أول المسألة: يجب لكل صلاة تيمم، فيتيمم عشر تيممات. وعلى الصحيح: يكفيه تيممان يصلي بكل واحد الخمس، ولا يكتفي بثمان صلوات لاحتمال كون المنسيين، صبحين أو عشاءين، وما صلاهما إلا مرة مرة. أما إذا لم يعلم، هل الفائتتان مختلفتان، أم متفقتان ؟ فيلزمه الاحوط، وهو أنهما متفقتان. إما إذا ترك صلاة مفروضة، أو طوافا مفروضا، واشتبه عليه، فيأتي بطواف، وبالصلوات الخمس بتيمم واحد على الصحيح. وعلى الضعيف: بست تيممات، ولو صلى منفردا بتيمم، ثم أراد إعادتها مع جماعة بذلك التيمم، جاز إن قلنا: الثانية سنة. وكذا إن قلنا: الفرض (1) إحداهما لا بعينها على الصحيح، كالمنسية. ولو صلى الفرض بالتيمم على وجه، يجب معه القضاء، وأراد القضاء بذلك التيمم. فإن قلنا: الفرض الاول جاز. وإن قلنا: الثاني أو كلاهما فرض، لم يجز، وإن قلنا: أحدهما لا بعينه، جاز على الصحيح. قلت: ينبغي إذا قلنا: الثانية فرض أن يجوز، لانه جمع بين فرض ونافلة. والله أعلم. فصل: لا يجوز التيمم لفريضة قبل وقتها، فلو فعل، لم يصح للفرض، ولا للنفل أيضا على المذهب، ولو جمع بين الصلاتين بالتيمم، جاز على الصحيح. ويكون وقت الاولى، وقتا للثانية. ولو تيمم للظهر فصلاها، ثم تيمم للعصر ليجمعها، فدخل وقت العصر قبل فعلها، بطل الجمع والتيمم. ووقت الفائتة بتذكرها. ولو تيمم لمؤداة في أول وقتها، وصلاها به في آخره، جاز قطعا. نص عليه. قلت: وفيه وجه مشهور في (الحاوي) وغيره: أنه لا يجوز التأخير إلا بقدر الحاجة، كالمستحاضة. والفرق ظاهر. والله أعلم. ولو تيمم لفائتة ضحوة، فلم يصلها حتى دخلت الظهر، فله أن يصلي به الظهر على الاصح، ولو تيمم للظهر، ثم تذكر فائتة، قيل: يستبيحها به قطعا.
وقيل: على الوجهين، وهو الاصح. هذا كله تفريع على الاصح أن تعيين الفريضة، ليس بشرط. فإن شرطناه، لم يصح غير ما نواه. أما النوافل: فمؤقتة وغيرها. أما المؤقتة: فكالرواتب مع الفرائض، وصلاة العيد، والكسوف. وأوقاتها معروفة.
ووقت الاستسقاء، الاجتماع لها في الصحراء. ووقت الجنازة: انقضاء الغسل على الاصح، والموت، على الثاني، فإن تيمم لمؤقتة قبل وقتها، لم يصح على المذهب. وقيل: وجهان. وإن تيمم لها في وقتها، استباحها، وفي (1) استباحة الفرض، القولان المتقدمان. فإن استباحه، فله ذلك إن كان تيممه في وقت الفريضة، وإن كان قبله، فعلى الوجهين في التيمم لفائتة ضحوة. وأما غير المؤقتة، فيتيمم لها كل وقت، إلا وقت الكراهة، فلا يصح فيه على الاصح. هذا كله تفريع على المذهب، في أن التيمم للنافلة وحدها، صحيح. وفيه الوجه المتقدم في الركن الرابع من الباب الثاني. قلت: ولو تيمم لنافلة لا سبب لها قبل وقت الكراهة، لم تبطل بدخول وقت الكراهة، بل يستبيحها بعده بلا خلاف. ولو أخذ التراب قبل وقت الفريضة، ثم مسح الوجه في الوقت، لم يصح، لان أخذ التراب من واجبات التيمم، فلا يصح قبل الوقت، ولو تيمم شاكا في الوقت، وصادفه، لم يصح. وكذا لو طلب شاكا في دخول الوقت، وصادفه، لم يصح الطلب (2). وكذا لو طلب شاكا في دخول الوقت، فصادفه (3)، لم يصح الطلب. الله أعلم. الحكم الثالث: قضاء الصلاة لعذر ضربان: عام، ونادر. فالعام: لا قضاء معه، كصلاة مسافر محدث، أو جنب، بالتيمم - لعدم ما يجب استعماله، إذا لم يكن سفر معصية. وفي سفر المعصية أوجه. الاصح:
يجب التيمم والقضاء.
والثاني: يتيمم ولا يقضي.
والثالث: لا يجوز التيمم (4).
وقصير السفر كطويله على المذهب. وقيل: في وجوب القضاء معه قولان - وكصلاة المريض بالتيمم، أو قاعدا، أو مضطجعا، والصلاة بالايماء في شدة الخوف.
وأما النادر: فقسمان. قسم يدوم غالبا، وقسم لا يدوم. فما يدوم يمنع القضاء، كالاستحاضة، وسلس البول، والمذي، والجرح السائل، واسترخاء المقعد، ودوام خروج الحدث، سواء كان له بدل، أم لا.
وما لا يدوم نوعان. نوع معه بدل، ونوع لا بدل معه، فما لا بدل معه يوجب القضاء، وذلك صور. منها: من لم يجد ماء، ولا ترابا. وفيه أقوال. المشهور:
وجوب الصلاة بحسب حاله، ووجوب القضاء. والثاني: تحرم الصلاة. والثالث: تستحب، ويجب القضاء على هذين. والرابع: تجب الصلاة بلا قضاء، وإذا قلنا: يصلي، لا يجوز مس المصحف، ولا قراءة القرآن للجنب والحائض، ولا وطئ الحائض، وإذا قدر على ماء أو تراب في الصلاة، بطلت. ومنها: المربوط على خشبة، ومن شد وثاقه بالارض، يصلي بالايماء ويعيد. وقال الصيدلاني (1). إن صلى مستقبل القبلة، لم يعد، وإلا عاد. قال: وكذا الغريق يصلي على خشبة بالايماء. وذكر البغوي نحوه. ومنها: من على جرحه نجاسة يخاف التلف من غسلها، أو حبس في موضع وصلى فيه على النجاسة للضرورة، فتجب الاعادة على المشهور.
وفي القديم: لا يجب إعادة صلاة وجبت في الوقت، وإن كانت مختلة. وأما ما معه بدل فصور: منها: المقيم إذا تيمم لعدم الماء، فيجب عليه الاعادة على المشهور، لان فقد الماء في الاقامة نادر، وإنما لا يجب القضاء على المسافر، لان فقد الماء فيه (1) يعم.
هذا هو الضابط عند الاصحاب، وليس مخصوصا بالسفر، أو الاقامة، حتى لو أقام في مفازة، أو موضع يعدم فيه الماء غالبا، وطالت إقامته وصلاته بالتيمم، فلا إعادة. ولو دخل المسافر في طريقه قرية، وعدم الماء وصلى بالتيمم، وجبت الاعادة على الاصح، وإن كان حكم السفر باقيا.
وأما قول الاصحاب: المقيم يقضي، والمسافر لا يقضي، فمرادهم: الغالب من حال المسافر والمقيم، وحقيقته ما ذكرناه. ومنها: التيمم لعذر في بعض الاعضاء، فإن لم يكن على العضو ساتر من جبيرة، أو لصوق، فلا إعادة. وإن كان ساتر من جبيرة ونحوها، فثلاثة أقوال. الاظهر: أنه إن وضعها على طهر، فلا إعادة، وإلا وجبت. والثاني: لا يعيد مطلقا. والثالث: يعيد. وقال ابن الوكيل (2) من أصحابنا: الخلاف إذا لم يتيمم. أما إذا قلنا: يجب التيمم، فتيمم، فلا إعادة قطعا. والمذهب طرد الخلاف مطلقا. هذا كله إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم، فإن كانت عليه، أعاد بلا خلاف. ومنها: التيمم لشدة البرد، والاظهر:
أنه يوجب الاعادة.
والثاني: لا.
والثالث: يجب على الحاضر دون المسافر. أما العاجز عن ستر العورة، ففيه قولان ووجه. وقيل: ثلاثة أوجه. أصحها: يصلي قائما ويتم الركوع والسجود (3)، والثاني: يصلي قاعدا.
وهل يتم الركوع والسجود أم يومئ ؟
فيه قولان:
والثالث: يتخير بين الامرين. ويجري هذا الخلاف فيما لو حبس في موضع نجس، لو سجد لسجد على نجاسة. وفيما لو وجد ثوبا طاهرا لو فرشه على النجاسة، لبقي عاريا. وفيما لو وجد العاري ثوبا نجسا، هل يصلي فيه، أم عاريا ؟ ثم إن قلنا: العريان لا يتم الاركان، أعاد على المذهب، وفيه خلاف من لم يجد ماء ولا ترابا.
وإن قلنا: يتمها، فلا إعادة على المذهب. سواء كان في السفر أو الحضر ممن يعتاد العري، أو ممن لا يعتاد العري. وقيل: يجب على من لا يعتاد العري.
قلت: ولو لم يجد المريض من يحوله للقبلة، لزمه الصلاة بحسب حاله، وتجب الاعادة على المذهب. قال الروياني: وقيل: قولان. وهو شاذ. قال إمام الحرمين وغيره: ثم ما حكمنا من الاعذار:
بأنه دائم، وأسقطنا به الفرض فزال بسرعة، فهو كدائم، وما حكمنا أنه (1) لا يدوم فدام، فله حكم ما لم يدم إلحاقا لشاذ الجنس بالجنس. ثم كل صلاة أوجبناها في الوقت، وأوجبنا إعادتها، فهل الفرض الاولى، أم الثانية، أم كلاهما، أم إحداهما لا بعينها ؟
فيه أربعة أقوال. أظهرها: عند الجمهور: الثانية. وعند القفال والفوراني وابن الصباغ: كلاهما، وهو أفقه، فإنه مكلف بهما - وهذه مسائل منثورة لا يستحب (فيها) تجديد التيمم على المذهب - وبه قطع الجمهور. وفي المستظهري: وجهان. ويتصور في مريض وجريح ونحوهما ممن تيمم مع وجود الماء، إذا تيمم وصلى فرضا ثم أراد نفلا، ويتصور في متيمم، لعدم الماء إذا صلى فرضا ولم يفارق موضعه، ولم نوجب طلبا لتحققه العدم أو لم نوجبه ثانيا (2). وحكم اليد المقطوعة كهو في الوضوء، حتى إذا لم يبق شئ من محل الفرض،
استحب مسح العضد. قال الدارمي: وإذا لم يكن مرفق، استطهر حتى يعلم. ولو وجد المسافر على الطريق خابية ماء مسبلة، تيمم، ولا يجوز الوضوء منها، لانها انما توضع للشرب. ذكره المتولي، ونقله الروياني عن الاصحاب. ولو منع من (1) الوضوء إلا منكوسا، فهل له الاقتصار على التيمم، أم عليه غسل الوجه لتمكنه منه ؟ فيه القولان فيمن وجد بعض ما يكفيه، حكاه الروياني عن والده. قال: ولا يلزمه قضاء الصلاة إذا امتثل المأمور على القولين. وفي القضاء نظر، لندوره، لكن الراجح ما ذكره، لانه في معنى من غصب ماؤه فلا (2) قضاء. قال صاحب (الحاوي) و (البحر): لو مات رجل معه ماء لنفسه لا يكفيه لبدنه، فإن أوجبنا استعمال الناقص، لزم رفقته غسله به، وإلا يمموه. فإن غسلوه به، ضمنوا قيمته لوارثه. ولو تيمم لمرض فبرأ في أثناء الصلاة، فكرؤية الماء في صلاة المسافر. ولو تيمم عن جنابة أو حيض، ثم أحدث، حرم ما يحرم على محدث. ولا يحرم قراءة القرآن، واللبث في المسجد. ولو تيمم جنب فرأى ماء، حرمت القراءة، وكل ما كان حراما، حتى يغتسل. قال الجرجاني: ليس أحد يصح إحرامه بصلاة فرض دون نفل، إلا من عدم ماء وترابا، أو سترة طاهرة، أو كان على بدنه نجاسة عجز عن إزالتها. والله أعلم.
المصدر : كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين ..