يَا خَيْرَ مَنْ جَادَ الإلهُ لِكَونِهِ * مِنْ نَسْمَةٍ طَابَتْ بِمَجِيْئهَا الْأرجَاءُ
زَانَتْكَ في الخَلْقِ الْجَمِيْلِ مَحَاسِنٌ * أَضْوتَ بِهِنَّ لَيَاليَ قَمْرَاءُ
وَبَلَغْتَ فِي الْخُلُقِ الْعَظِيمِ مَدَارِكَاً * يَعْلُو بَهِنَّ ويَصْعَدُ العُظَمَاءُ
فَإذَا رَحِمْتَ فَأمٌّ قدْ بَدَا * لِفُؤَادِهَا أَوْلَادُهَا الرُّضَعَاءُ
وإذَا حَنَوتَ أُبُوَةٌ تَسَعُ الْوَرَى * وفَعَلْتَ مَا لمْ تَفْعَلِ الآبَاءُ
وإذَا صَحِبْتَ فَصَادِقٌ وَمُصَدَّقٌ * هَذَانِ لِلْصَحْبِ هُمَا الْكُفَلاءُ
وإذا بَدَوتَ النُّصْحَ أو أَسْرَرْتَه * كَسَاكَ مِنْ حُسْنِ الْمَقَالِ رِدَاءٌ
وإذا نَطَقْتَ بِالحَرْفِ الْمُرَادِ نَظَمْتَهُ * وعَلاكَ بِالصَّمْتِ الْجَمِيلِ بَهَاءُ
وإذَا سَعَيْتَ عَلَى الْأَرَامِلِ فَبَيْتُهُمْ * وَعَلَى الْيَتِيْمِ فَأرَضٌ دُوَنهُ وسَمَاءُ
وإذَا صَغَيْتَ إلى الْأَكَابِرِ قَدَرْتَهُم * وإلى الضَّعَافِ غَدَو هُمُ الْكُبَرَاءُ
وِاذَا بَسَطَّتَ مَنَحْتَ بِالْكفَّ النَّدَى * وإذَا قَبَضْتَ تَسِيرُ بِكَفَّكَ الأنْوَاءُ
وَإذَا غَضِبْتَ فَلِلْإلهِ مُنَاصِرًا * لا تَسْتَمِيلُ بِقَلْبِكَ الأَهْوَاءُ
وَإذَا عَفَوْتَ فَعَنْ كَرِيْمِ سَجِيَةٍ * مَصْبُوغَةٍ لا ضِغْنٌ ولَا بَغْضَاءُ
وإذَا اقْتَضَيْتَ الدّيْنَ أو أَقْضَيْتَهُ * فَجَمِيْلُ أَمْرِكَ أَخْذُهُ وَقَضَاءُ
ضَمِنَ الْخَصِيمُ لِعَهْدِهِ حُسْنَ الْوَفَاء * وَلِعَهْدِهِمْ فِي الذَّمَّةِ الْغُرَمَاءُ
لَمْ تَكُنْ فَظّاً ولَا غَلِيظَاً قَلْبُهُ * لَتَفَرَّقَتْ مِنْ حَولِكَ الْجُلَسَاءُ
صَبْرٌ جَمِيْلٌ وَكّذاكَ هَجْرٌ مِثْلُهُ * أنَّى لَهُ فِي العَالَمِينَ كِفَاءُ
أخٌ كَرِيمٌ ومِنْ كَرِائمِ أَهْلِنَا * قُلتَ اذْهَبُوا بَلْ أنَتُمُ الطُّلَقَاءُ
يَا مِنْ بِهِ الْأخْلاقُ تَمّتَ وَاسْتَوَى * رُكْنٌ رَكِينٌ سَامِقٌ وبِنَاءُ
نِعْمَ الْيَتِيمُ غَدَتَ مَعَالِمُ يُتْمِهِ * شَرَفاً لِدِينٍ شَادَهُ الضُّعَفَاءُ
صَنَعَتْكَ عَلَى عَيْنِ الإلهِ عِنَايَةٌ * ومحبةٌ لا يُرْتَجَى بِقَبِيلِهَا شُفَعَاءُ
يَوْمٌ يَحُورُ عَلَى الْبَقِيَّةِ فَخْرُهُ * مِيْلادُهُ إرْسَالُهُ وبُكَاءُ
ويَتِيْهُ زَهْواً عَلَى الشُّهُورِ رَبِيْعُهُ * وَزَمَانُهُ بِمُحَمَّدٍ وَضَّاءُ
طَرِبَ الوُجُودُ لَمَّا قِيْلَ مُحَمَّدٌ * بُشْرَاكُمُ بَأوَانِهِ بُشْرَاءُ
أَنْتَ الذَّي ضَمِنَ الْغَزَالِ مَجِيْئَهُ * وفَرَقَتْ تَشْتَكِي لِصَغِيرِهَا الْوَرْقَاءُ
وإلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ لمَّا أنْ بَدَا * لِلْمِنْبَرِ الطَّرْفَاءِ صَارَ رُقَاهُ
والنُّوقُ تَذْرُفُ دَمْعَةً مِنْ لَوْعَةٍ * ثِقْلاً تَنُوءُ بِحِمْلِهِ الْكَوْمَاءُ
أبْدآ إلَيْكَ الغُصْنُ حُسْنَ إجَابَةٍ * وَتَسَابَقَتْ لِأكِنَّةٍ دَهْمَاءُ
وَعَلَيْكَ كَمْ صَلَّى الجَمَادُ وَسَبَّحَتْ * بِأكُفِّكَ الحَصْبَاءُ
وتَحُولُ كَفُّكَ الصُّخُورَ مَهِيْلَةً * حَتَّى تَغُوصَ لِوَزْنِهَا الحِرْبَاءُ
والشَّمْسُ فَوقَ الكُلِّ بَادٍ عَيْنُهَا * وعَلَيْكَ مِنَهَا مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ
وإذَا رَمَقْتَ بِطَرْفَةٍ كَبِدَ السَّمَاءِ* سَالَتْ بِهِ مِنْ وَقْتِهَا الجَرْدَاءُ
وبِئرُ الأقْدَمِيْنَ دَارِسَةُ الطَّوَى * لِلظَّامِئينَ نَدِيَّةٌ رَوَّاءُ
خَطَفْتَ أبْصَارَ الرَّاصِدِينَ فَمَا لَهُمْ * فِي الدَّارِ ثُمَّ الغَارِ قَطُّ رَجَاءُ
وأبْصَرَتْ عَيْنُ تَسِيْلُ دِمَاؤُهَا * وأعْيُناً جَهِدَتْ مِن لَيْلِهَا الرَّمْدَاءُ
الْمُرْسَلُونَ أَجْنَادٌ صُفَّتْ لَكَ * وجَمَعَ القُلُوبَ مِنْ التَّابِعِيْنَ صَفَاءُ
مَا تَأَخَّرَ عَنْ يَمِيْنِكَ وَاحِدٌ * وجُمُوعُهُمْ بِشَمَالِكَ سُعَدَاءُ
واسْتَقْبَلَ الْمَلأ الكِرَامُ فِي عَلْيَآئِهِمْ * إنْسَانَ عَيْنِكَ ذِكْرُهُمْ إطْرَاءُ
يَا مَنْ لهُ حُجُبُ الإلهِ كَوَاشِفٌ * وسِدْرَةٌ مَا جَازَهَا العُرَفَاءُ
حَفِيَ الإلهُ بِشَخْصِكُمْ دُونَ الْمَلأ * فِي الْلّيْلَةِ الْغَرَاءِ كَانَ نِدَاءُ
أقْدُمْ إلَينَا يَا حَبِيْباً عِنْدَنَا * ولْتَرْتَقِبْ مَا لمْ تَنَلْ سَيْنَاءُ
والْبَسْ نِعَالكَ مَا يَسُؤُكَ أمْرُهَا * ولَتَقْتَفِي بِنَعَالِكَ الْجَوْزَاءُ
مَا زَاغَ بَصَرُكَ فِي الْمُقَامِ وإنَّهُ * بِالنَّفْيِ للْطُغْيَانِ جَاءَ ثَنَاءُ
وبِخَمْسَةٍ فَرْضَاً وعَشْرٍ مِثْلِهَا * نَالَ الثَّوَابِ بِمِنَّةٍ اُجَرَاءُ
يَا ربُّ فَرْدَاً في قَبِيْلَةِ أَحْمَدٍ * إنَّ الْكَلِيمَ بِهَاَ فِي العُلَى? رَجَّاءُ
سُبَحَانَ مَنْ دُكَّ الأشَمُّ لِنُورِهِ * وَبِنُورِهِ الْمُخْتَارَ عَمَّ سَنَاءُ
لَكَ الشَّفَاعَةُ العُظْمَى التَّي * لا يُرْتَجَى لِمَقَامِهَا الشُّفَعَاءُ
الرُّسُلُ تَأبَى والْمَلائِكُ خُوَّفٌ * الْجِنُّ صَمْتٌ والجَمِيْعُ هَبَاءُ
تَأبَى الجِنَانُ أَنْ يُفتّحَ قُفْلُها * وبِخُطَاكُمُ تَتَوثَّبُ الدُّخَلاءُ
بِكَ الرَّحَمَنُ بَشَّرَ مُرْسَلِيْهِ * أباكُمُ وبَنُونَهُ مَا حَمِلَتِ الْعَذْرَاءُ
لو لَمْ تَكُنْ خَتمًا لأضْحَتْ كُلُّهَا * دُنْياً يَعِيْثُ بِدَارِهَا السُّفَهَاءُ
والشَّركُ يَنْشُرُ ظلمةً فِي ظلمةٍ * والإِنْسُ والْجِنُّ الْجَمِيْعُ خَوَاءُ
طُمِسَتَ دُرُوسُ المُرْسَلِيْنَ وبُدّلَتْ * وعَلَتْ قُلُوبَ التَّابِعِيْنَ صَدَآءُ
الرَّومُ والْفُرسُ الْأَقْرَبُونَ وغَيْرُهُم * أغْوَتْ بِضَعَفَتِهِمْ شَرِيْعَةٌ ظَلْمَاءُ
فَأضْحَتْ بِهَدْيِكُمْ أَكْرَمَ مِلّةٍ * وَسِطَيَّةٍ خَيْرِيَةٍ أفْرَادُهَا حُنَفَاءُ
دِيْنٌ حَفِظَ الإِلهُ نُصُوصَهُ * وتَكَفّلَ إنَّا لهُ لِأًصُولِهِ رُقَبَاءُ
وغَدْتِ الْمَعَالِيَ في الكَرَامَةِ بِالتُّقَى * تَعْلُوا بِهَا لِلْقِمّةِ السَّوْدَاءُ
وتَرَى الْجَمِيعَ فِي الحُقُوقِ كَأنَّهُمْ * أَسْنَانُ مِشْطٍ كلُّهمْ أَسْوَاءُ
مَا يَبْخَلُونَ بِنِعْمَةٍ حَلّتْ بِهِم * فَغَنِيُّهُم وفَقِيْرُهُم فِي أَصْلِهَا شُرَكَاءُ
شَرِبُوا كُؤُوْسَ الزُّهْدِ مَرِيْئةً وتَضَلَّعُوا * فَمَا لهُمْ بحَسِيَّةٍ إرْوَاءُ
لا يَصْدُرُونَ عَنْ خَيْرَةٍ تَبْدُو لَهُمْ * لَكِنَّهُمْ لِكَلامِكُمْ حُذّاءُ
أَنْعِمْ بِصَحَابَةٍ بِتَّ دَلِيْلَهُم * وَأَمِيْرَهُم وَلِعَيْنِهِم زَرْقَاءُ
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ مَا خَلْقٌ بَدَا * وَقَضَى عَلَى أثَرِ الْجَمِيْعِ فَنَاءُ
مَا دَامَ وَجْهُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤهُ * يَبْقَى وتَفْنَى دَونَهُ الْأشْيَاءُ