منتدي المركز الدولى


 تفسير سورة الفاتحة Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
 تفسير سورة الفاتحة 1110
 تفسير سورة الفاتحة Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا  تفسير سورة الفاتحة 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى


 تفسير سورة الفاتحة Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
 تفسير سورة الفاتحة 1110
 تفسير سورة الفاتحة Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا  تفسير سورة الفاتحة 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Orange 
Sharp Pointer
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى

اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله

 

  تفسير سورة الفاتحة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عاشقة الجنة
برونزى
عاشقة الجنة


وسام التواصل

العضوة المميزة

نجمة المنتدى

عدد المساهمات : 134
تاريخ التسجيل : 16/08/2010

 تفسير سورة الفاتحة Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الفاتحة    تفسير سورة الفاتحة Icon_minitime1الأحد 19 يوليو - 19:21


تفسير سورة الفاتحة
تفسير سورة الفاتحة

عن أبِي هريرة رضي اللَّه عنه، قَال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أُمُّ القُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالقُرْآنُ العَظِيمُ) صحيح البخاري.
وذلك لأنها تضمنت معاني القرآن العظيم، واشتملت على أصول الدين وفروعه، وتناولت التعريف بالمعبود وصفاته والثناء عليه وذكر أصول أسمائه الحسنى، وتفويض الأمور إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، والإيمان بالبعث، وإثبات الجزاء وأنه بالعدل، وإخلاص القصد والطلب لله، وأن جميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وأن العبد فاعل حقيقة، ليس مجبورا على أفعاله، وتعليم الخلق التوسل، وإرشادهم إلى طلب الهداية إلى الصراط المستقيم وتثبيتهم عليه، ولا يستطيعون أن يدركوا ذلك إلا بمعرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، وترغيبهم في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، واطِّلَاعهم على أخبار الْأمم السالفة ليعلموا سعادة من أطاعه وشقاوة من عصاه، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها، والرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنحل، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة؛ وكل ذلك جاء بألفاظ حسنة ومقاطع مستحسنة وسياق جميل في قمة البلاغة. فنبّه سبحانه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن، وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال.

وعن أبِي هريرة رضي اللَّه عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ قَالَ: " هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " صحيح مسلم.

وجاء هذا الحديث بلفظ: "فَإِذَا قَالَ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي أَوْ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قَالَ: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قَالَ: فَهَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ - وَقَالَ مَرَّةً: مَا سَأَلَنِي - فَيَسْأَلُهُ عَبْدُهُ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، لَكَ مَا سَأَلْتَ - وَقَالَ مَرَّةً: وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَنِي " صححه أحمد شاكر وشعيب الأرناؤوط في تحقيقهما لمسند أحمد

فهذا الحديث يدل على أنَّ الله يستمع لقراءة المصلي حيث كان مناجيا له، ويرُدُّ عليه جواب ما يناجيه به كلمة كلمة؛ وإنّه لعَارٌ علينا، أن يرد علينا رب العالمين جواب ما نناجيه به، ونحن عما نناجيه به لاهون غافلون، فأسعد الناس حظا بهذه السورة من قرأها بتدبر وخشوع وعمل بمقتضاها، فقد قال المَلَكُ للنبي صلى الله عليه وسلم: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أَعْطيته" صحيح مسلم؛ فهما نور لقارئهما يومَ القيامة، وتُرشدانه وتهديانه بالتأمُّل فيهما والتفكر في معانيهما إلى الطريق القويم، ويُعطى تاليهما ثواب ما اشتملتا عليه من عبادة ومسألة.

وقوله "قسمت الصلاة" يعني: الفاتحة، سماها صلاة لأنها دعاء، "بيني وبين عبدي نصفين": فنصفها الأول دعاء عبادة بالثناء على الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، ونصفها الآخر دعاء مسألة بطلب الحاجات منه سبحانه،فدعاء العبادة يتضمن دعاء المسألة ودعاء المسألة يستلزم دعاء العبادة. فدعاء العبادة هو كل ما كان من إخلاص وخوف ورجاء ومحبة وتوكل وذكر وصلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك، يثاب العبد عليه في الآخرة، مع ما يحصل له من خير في الدنيا. وسُمي دعاء لأنّ صاحبه داع بلسان حاله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]؛ ودعاء المسألة هو أن يطلب العبد من ربه جلب مرغوب، أو دفع مرهوب، فيُثاب عليه إذا كان مما يحبه الله، وقد لا يحصل له إلا تلك الحاجة، وقد يكون سببا لضرر في دينه، فيعاقب على ما ضَيّعه من حقوق الله تعالى.

الاستعاذة:
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل:98]، فالاستعاذة قبل القراءة تخلية قبل تحلية، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله.
﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾: بسم: أصلها باسم، كقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ وَأُسقط الألف من الِاسم طلبًا للخِفّة لكثرة استعمالها، والباءُ في بِسْمِ اللَّهِ لِلِاستعانَة وطلب البركة، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: (78)]. وعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ " صحيح الترمذي؛ كما أنّ الباء في "بسم الله" للحصر،لأن تأخير العامل يفيد الحصر، أي لا أبدأ ولا أعمل مستعينا إلا بالله.

قالت طائفة من أهل العلم: البسملة من الفاتحة، واستدلوا بالحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا قَرَأتُمُ: ﴿ الْحَمْدُ للهِ ﴾، فَاقْرَءُوا: ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ ، وَأُمُّ الْكِتَابِ ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَ ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ إحْدَى آيَاتِهَا" الصَّحِيحَة. فعلى هذا القول: الإتيان بها من العبادات الواجبة، والاستعانة هي مضمونها، فتكون واجبة به تعالى.
وقالت طائفة أخرى هي آية من القرآنفاصلة بين السور، واستدلوا بالحديث المذكور آنفا " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي"، قالوا ولم يذكر فيه البسملة، بل ابتدأ بالحمد، وعلى هذا القول: يكون الإتيان بها مستحباً والاستعانة بالله واجبة لا بخصوص هذا اللفظ.

ثم قالوا: إن المتعلق يتعين أن يُقدَّر مؤخراً لإفادة الحصر والاختصاص، وهذا يدل على القول بوجوب الاستعانة، لأن ما اختص به تعالى واستحقه دون ما سواه لا يصرف لغيره، وتقديم المتأخر وتأخير المتقدم يقتضي الحصر، فهذان موضعان يدلان على وجوب الاستعانة به وحده في أول حرف من كتاب الله.
فالاستعانة بالله من أكبر الأسباب في حصول المقصود، فإذا قلت "بسم الله" فمعناها أدخل في هذا العمل باسم الله، لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعله مستعيناً بالله، متبركاً باسمه تبارك وتعالى، فإذا أحضرت في نفسك أنّ دخولك في أي عمل مستعينا بالله،فإنه يوشك لأجل هذا أن يستجيب الله لك، وأن يمكنك من تحقيق رغبتك وأمنيتك، وأن يكون عملك مباركاً تاماً، وأن يصير بينك وبين الشيطان ستر وحجاب، فهذا من بركة (بسم الله الرحمن الرحيم)، ولذا كان أول ما نزل من القرآن ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الذي خَلَقَ ﴾ [العلق:1] فيه الاستعانة، ثم نزل ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر:1-5] فيه العبادة.

والاسم للمسمى، قال تعالى: ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف:180]، ولم يُعرف عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى، بل هذا قاله بعض المنتسبين إلى السنة، وأنكره أكثر أهل السنة عليهم.
"اللَّهِ": اسم ذات، عَلَمٌ على ذاته تبارك وتعالى، وَكُلُّ الأسماء الْحسنى تضاف إليه كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف:180]
"الرَّحْمَنِ": اسم ذات، قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء:110]
فَهذان الاسمان "الله الرحمن" لا يطلقان إلا على الله، ومدار اسم الله الأعظم عليهما، فعن أَسْمَاءَ بنتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحيمُ ﴾ وفاتحة آل عمرانَ: ﴿ آلم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾" صحيح أبي داود. وأَحبُّ الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: " أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَن " صحيح مسلم. قال الكرماني: (لَيْسَ فِي أَوْصَاف الله اسم أشبه باسم الله من الرحمن، لأنهما اسمان ممنوعان أَن يُسمى بهما غير الله عز وَجل).

"الرَّحِيمِ": اسم يدل على فعل الرحمة.
فالرحمن دال على صفة الذات والرحيم دال على صفة الفعل، فالرحمن اسم ذات لا يشاركه فيه أحد والرحمة صفته، والرحيم اسم فعل يشاركه فيه غيره والرحمة فعله المتعد إلى خلقه. يقول ابن عثيمين: (فالرحمن وصفه، والرحيم فعلُه، ولو أنه جيء بـ"الرحمن" وحدَه، أو بـ"الرحيم" وحده، لشمل الوصف والفعل، لكن إذا اقترنا فُسِّر ﴿ الرَّحْمَنِ ﴾ بالوصف، و﴿ الرَّحِيمِ ﴾ بالفعل).
ففي ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ذكر سبحانه الرحمة في أول الكتاب، وهي التي وسعت كل شيء، وعدّ بالإحسان- لا سيما وقد كررها مرة ثانية- في قوله: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، تنبيها لنا على أنّ أمره إيّانا بالاستعانة به وبعبادته رحمة منه سبحانه بنا، لأنه لمصلحتنا ومنفعتنا.
كما أنّ في البسملة الرد على القدرية الذين يقولون: (إن العبد يخلق فعل نفسه)، ولو كان ذلك كذلك، لما احتاج العبد إلى طلب العون من ربه.

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ الحمد هو الإخبارعن المحمود بصفات الجلال والكمال مع حبه وتعظيمه، وهو:
1- ذكر: عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ" صحيح مسلم
2- شكر: " عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أفْضلُ الذِكرِ لاَ إلهَ إلا اللهُ، وأفضلُ الشُكْرِ الحَمْدُ للهِ " الصحيحة
3- دعاء: قال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر:65]. وعن جَابِرَ بن عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفضَلُ الدُعَاءِ الحَمْدُ لله" صحيح الترمذي.

والحمد لله هو أحق ما قال العبد، وتكراره هو الثناء: فعن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " صحيح مسلم.
فالصلاة تفتتح بالتحميد ولا يكاد ركن يخلو منه، وتختم به "التَّحِيَّاتِ لَهُ وَالصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ" وهو تحميد، ويكون كذلك بعد الصلاة، وعند الصباح والمساء والنوم، وبعد الأكل، وعند حدوث نعمة، بل حتى عند المصيبة، ولا تكاد حياة المؤمن تخلو من تحميد، لهذا فُضّل أهل التحميد عن غيرهم، فعن عن عمران بن حصين- رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولُ -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ عِبَادِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ الحمّادُونَ" الصحيحة

وجاءت بداية الآية بلفظ: ﴿ الحَمْدُ للَّهِ ﴾ ولم تأت بلفظ: (نحمد الله)، فنحمد الله: جملة فعلية، و ﴿ الحَمْدُ للَّهِ ﴾: جملة اسمية، والجملة الفعلية دالة على الحدوث والتجدد، في حين أنّ الجملة الاسمية دالة على الثبوت. فإذا قلت: نحمد الله، أخبرت عن نفسك ومن حولك، ولم تُفِد أنَّ غيركم حمده، في زمان مُعَيّن أقصاه عمركم، في مكان مُعَيّن أقصاه أرضكم، في ملأ مُعَيّن أقصاه أمّتُكم؛ في حين أنّ عبارة ﴿ الحمد للَّهِ ﴾ تفيد استحقاق الله للحمد، ولا تختص بالزمان ولا بالمكان ولا بالأعيان.

وقُدّم الحمدُ للهِ على إيَّاكَ نَعْبُدُ، لأن الشكر سبب في الإيمان، قال سبحانه وتعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [النحل:81]، فعندما يرى الإنسان نِعَمَ الله، ويتفكر فيها ويُقدّرها حق قدرها، يسوقه ذلك إلى الإيمان الحق، فالشكر يؤدى إلى الإيمان، والإيمان متى رسخ واستقر في القلب ارتفع بصاحبه إلى أسمى ألوان الشكر وأعظمها،فعطف العبادة على الشكر من باب عطف المسبب على السبب. فالإيمان يدعو إلى الشكر، والشكر ينمو به الإيمان، فكل منهما ملازم وملزوم للآخر؛ ولو لم يكن من مزايا الشكر إلا أنّ النِّعم به موصولة، والمزيد لها مرتبط به، لكان كافياً، فهو حافظ للموجود من النِّعم، جالب للمفقود منها بالمزيد، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فبالشكر تثبت النِّعم ولا تزول، ويبلغ الشاكر من المزيد فوق المأمول، فلا يقدر العباد على القيام بحقيقة الشكر إلا بالاعتراف بالعجز عن الشكر، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل:18]،

﴿ رب العالمين ﴾ أي رب الخلق، قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، فالعالم اسم عام لكل ما خلقه الله تعالى، وهو مشتق من العلامة، لأنه دلالة على خالقه، فعلى هذا يكون رب العالمين بمعنى رب الفلق؛ وقد يطلق على الناس، قال تعالى: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ ﴾ [الشعراء:165]، وقال: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة:47]، وينتظم المعنى الثاني والأول في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ﴾ [المطففين:6]
قال البلقيني: أجلّ صيغ الحمد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، لأنها فاتحة الكتاب وخاتمة دعوى أهل الجنة، قال تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين ﴾ [يونس:10].
وفي قوله ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ رد على من قال بقدم العالم، فإنّ في إثبات حمده ما يقتضي ثبوت أفعاله الاختيارية، والفعل متأخر عن فاعله، وفي إثبات ربوبيته للعالمين ما يقتضي أن كل ما سواه مربوب مخلوق بالضرورة.

﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ ذكر سبحانه الحمد، وبَيَّن أنّه به تُنال الرحمة فقال ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، فإنّ أول كلمة نطق بها بشر هي: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، فعن أَنَسِ بن مالِك: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا نَفَخَ فِي آدَمَ فَبَلَغَ الرُّوحُ رَأْسَهُ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَرْحَمُكَ الله" الصحيحة.

والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي اسم: الله والرب والرحمن، فاسم الله متضمّن لصفات الألوهيّة، واسم الرب متضمّن الربوبية، واسم الرَّحْمَن مُتَضَمّن لصفات الْإِحْسَان والجود وَالْبر والحفظ والعدل، ومعاني أسمَائه تَدور على هذا.

وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى رحمتان:
1- رحمة هي صفته؛ وصفاته غير مخلوقة، وإضافتها إلى الله هي من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ كما قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَحِيمِ ﴾، فهذان الاسمان متضمنان صفة الرحمة، فاسمه الرحمن يدل على الرحمة الذاتية التي لم يزل ولا يزال موصوفًا بها، واسمه الرحيم يدل على الرحمة الفعلية التابعة لمشيئته سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ إن يشأ يرحمكم ﴾ [الإسراء:54]
2- والرحمة الأخرى مما يضاف إليه تعالى: رحمة مخلوقة، وإضافتها إليه هي من إضافة المخلوق إلى خالقه، ومن شواهدها قوله تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّه ﴾ [الروم:50]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران:107]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ" صحيح البخاري.

وفي تقديم قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ على قوله ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ إشارة إلى أن رحمته تعالى سبقت غضبه، كما جاء في الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -أنه قَالَ: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلّم -: " لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"؛ يؤيد ذلك تكرار ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾، ليُعلم أنّ العناية بالرحمة أكثرها من غيرها من الأمور وأنّ الحاجة إليها أكثر، وأنه سبحانه- هو المتفضل بها على خلقه.
كما أنّ في إثبات رحمته الرد على الجبرية الذين قالواSadإنّ الله يعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه، ولا هو من فعله، بل يكلفه ما لا يطيق ثم يعاقبه عليه)، وهذا باطل، فإن في ثبوت رحمته ما يقتضي أنه تعالى لا يكلف العبد ما لا قدرة له عليه، ولا يعاقبه بما ليس من فعله.

﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ مالك: أي صاحب الملك المتصرف كيف يشاء، وقُرئت ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، وهما بمعنى واحد، مثل ﴿ فرهين ﴾ و ﴿ فارِهِينَ ﴾، ﴿ حذرين ﴾ و ﴿ حاذرين ﴾، ﴿ فَكِهِينَ ﴾ و ﴿ فاكِهِينَ ﴾. وقالت طائفة بل بينهما فرق، قال الشوكاني: (والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه: أنّ المَلِكَ صِفَةٌ لذاته، والمَالِكَ صِفَةٌ لفعله).
ويوم الدين هو يوم الجزاء والحساب، وهو يوم عسير شديد، قال تعالى: ﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴾ [المدثر:9]، وقال:  ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾ [الانفطار:17-18].
والله مالك الدنيا والآخرة، ولكن ملكه يظهر في ذلك اليوم ظهورًا ليس به خفاء، فيأتي العباد في ذلك اليوم لا يملكون شيئا، حتى ما عندهم ما يواري سوءاتهم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104]" صحيح البخاري؛ ولا يكون في ذلك اليوم مال ولا متاع، فضلا على أن يملك أحد عن أحد أو يغني عنه شيئاً، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يومئذ لله ﴾ [الانفطار:19]، فيظهر ملكه تبارك وتعالى في ذلك اليوم ظهورًا ليس به خفاء.
وقوله في حديث قسمة الصلاة: فَإِذَا قَالَ العبد: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قَالَ الله: "فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي" أي: صرف أمره إِلَيّ وتبرأ من نفسه لي،
قال النووي: ومطابقة هذا لقوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ لأنه تعالى المنفرد ذلك اليوم بالملك وبجزاء العباد ومحاسبتهم فيه. فهو المَلِكُ فيه دون دعوى غيره، وإن كان منفرداً على الحقيقة به في الدنيا والآخرة لا مالك ولا ملك سواه، والكلُّ مربوبٌ له، عبد مسخر، وذلك اليوم لا يُدّعَى للملك غيره، كما قال: ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّه الوَاحِدِ القهَّار ﴾ [غافر: 16]. وفي هذا الاعتراف من التعظيم والتمجيد ما لا يخفى، ومن تفويض أمور الدنيا والآخرة إليه ما هو الحق الذي لا مرية فيه.

كما أنّ في قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ الرد على من أنكر البعث والمعاد الجسماني والتأكيد على أنه محقق الوقوع، وإثبات يوم القيامة، وإثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها، وإثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل، والحث على الاستعداد لهذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح، والتحذير من الكفر والمعاصي.

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾، ﴿ إِيَّاكَ ﴾: مفعول به مقدم؛ قُدِّم على عامله ﴿ نَعْبُدُ ﴾ لإفادة الحصر، أي نخصك يا ربنا بالعبادة، ونفردك بها، فلا نعبد أحداً سواك، ولا نتوجه إلى أحد غيرك كائناً من كان.
والعبادة لغة هي الذِّلة والخضوع؛ أما شرعا: (فهي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة) كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولفظ "العبادة" من الألفاظ العامة التي تدخل فيها شعب الإيمان جميعًا، قال القاضي عياض: (تكلَّفَ جماعة حصر هذه الشُّعب بطريق الِاجتِهاد، وأقربها إلى الصواب طريقة بن حِبَّان، وَهو أنَّ هَذه الشُّعب تتفرّع عن أَعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن).

• أعمال القلب فيها المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه. والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشرّه، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه: المسألة في القبر، والبعث، والنشور، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة والنار. ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه: الصلاة عليه، واتباع سنته. والإخلاص، ويدخل فيه: تَرْكُ الرياء والنفاق. والتوبة، والخوف، والرجاء، والشكر، والوفاء، والصبر، والرضا بالقضاء، والتوكل، والرحمة، والتواضع، ويدخل فيه: توقير الكبير، ورحمة الصغير. وترك الكِبر والعجب، وترك الحسد، وترك الحِقد، وترك الغضب.
• أعمال اللسان، وتشتمل عَلَى سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم، وتعليمه، والدعاء، والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو.
• أعمال البدن، وتشتمل عَلَى ثمان وثلاثين خصلة:

♦ منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حساً وحكماً، ويدخل فيه: اجتناب النجاسات. وستر العورة، والصلاة فرضاً ونفلاً، والزكاة كذلك، وفكّ الرِّقاب، والجود، ويدخل فيه: إطعام الطعام، وإكرام الضيف. والصيام فرضاً ونفلاً، والحج، والعمرة كذلك، والطواف، والاعتكاف، والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين، ويدخل فيه: الهجرة من دار الشرك. والوفاء بالنذر، والتحري في الأيمان، وأداء الكفّارات.
♦ ومنها ما يتعلق بِالِاتِّبَاع، وهي ست خصال: التعفُّف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال، وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق. وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة أو الرفق بالعبيد.
♦ ومنها ما يتعلق بِالْعَامَّةِ، وهي سبع عشرة خصلة: القيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولي الأمر، والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه: قتال الخوارج والبغاة. والمعاونة على البِر، ويدخل فيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإقامة الحدود، والجهاد، ومنه المرابطة، وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس، والقرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حلِّه. وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإسراف. وردّ السلام، وتشميت العاطس، وكفّ الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق.

فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة، باعتبار إفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر، والله أعلم.

كما تدخل العبادة في الأمور المباحة كالأكل والشرب والنّوم ونحو ذلك، فهذه المباحات مما يفعله الإنسان جِبِلّة، إن فعلها تقربًا إلى الله تعالى، وامتثالًا لأمره، وصيانة للنفس، وبهدف التقَوِي على طاعة الله تعالى، وإظهارا لنعمته تعالى على العبد، كل ذلك عبادة لله تعالى، وبهذه النيّة والقصد الحسن تكون جميع أعمال العبد المباحة من عادات ونحوها عبادات، بينما قد تصبح عبادات كثيرين أشبه شيء بالعادات، بسبب الغفلة، وعدم استحضار النيّة والقصد الحسن، ولهذا يُقال (المُوَّفقون عاداتهم عبادات، والمخذولون عباداتهم عادات)، والمُوَّفق من وفقه الله بحيث حياته كلها تدخل ضمن العبادة.

ولا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:
1- الإخلاص لله: كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ أي نخصك بالعبادة ونخلصها لك، ونتبرأ من الشرك وأهله ووسائله، وقوله تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر:2]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " صحيح مسلم.

2- متابعة شرع الله على وفق ما جاء به رسوله: قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " متفق عليه، وذلك بأن تكون العبادة وفق ما شرع الله من حيث الجنس والقدر والصفة والزمان والمكان والسبب، فلا يكفي أن يكون المسلم مخلصا وجادا فيما يعمل ولا تكفيه حسن نيته، بل لا بد - بالإضافة إلى ذلك - أن يكون منهجه منهجا سويا سليما وصحيحا مستقيما، ولا يتم ذلك على وجهه إلا باتباع ما كان عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن خالف ذلك فقد ضل سواء السبيل، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء:115]، وعن العرباض بن سارية قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عبدا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم يرى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" صحيح أبي داود.

وكما قرن الله عبادته بالإخلاص، فقد قرنها بأعمال هي أُمُّ العبادات، من باب عطف الخاص على العام لمزية الخاص.
♦ فقد قرنها بالتوكل، فقال: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه ﴾ [هود:123].
♦ وقرنها بالرجاء، فقال: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [العنكبوت:36].
♦ وقرنها بالصبر، فقال: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾ [مريم:65].
♦ وقرنها بالشكر، فقال: ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر:66].
♦ وقرنها بالتقوى، فقال: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت:16].
♦ وقرنها بالصلاة، فقال: ﴿ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه:14].
♦ وقرنها بالزكاة، فقال: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة:5].
♦ وقرنها بالدعاء، فقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر:60].

وكما جعل الله مَعِيَّتَه الخاصة لأنبيائه، في قوله تعالى- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة:40]، وقوله تعالى- لموسى وهارون: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه:46]،
♦ فقد جعلها لعباده المتقين، فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة:194]
♦ وجعلها لعباده الصابرين، فقال: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال:46]
♦ وجعلها لعباده المصلين والمزكِّين، فقال: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [المائدة:12]
♦ وجعلها لعباده الذاكرين: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي" متفق عليه
♦ وجعلها لعباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال:19]
♦ وجعلها لعباده المحسنين، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت:69]
وهذه الآيات تدل -مع العلم المحيط- على العناية بمن تعلقت بهم تلك المعية، وأنّ الله معهم بعونه وحفظه وكلاءته وتوفيقه، فما استجلب العبد من الله من إعانة بأعظم من اشتغاله بعبادة الله، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء:66-68]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة:153]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد:7]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه ﴾ [الطلاق: 2-3] وقال: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125].

وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ " صحيح مسلم
وقال: " مَنْ أَخَذَ دَيْنًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، أَعَانَهُ اللهُ - عز وجل" الصحيحة.
وقال: " ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " صحيح التِّرْمِذِيّ
وقال: "إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا، الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ، إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ" صحيح الترغيب والترهيب
وقال: " أَلَا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعَكِ" صحيح مسلم.
وقال: "مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " صحيح مسلم. والذمّة هي الضمان وقيل الأَمان، (فما ظنّ من يؤذي المؤدّين لهذه الصلاة من العوام والدعاة والعلماء بالقول والفعل؟).

وقال عن صلاة الضحى: قال اللَّهُ تَعَالَى: " يَا ابْن آدم اركع لي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ: أَكْفِكَ آخِرَهُ ". صحيح الترمِذي
وقال: "أتُحِبُّ أنْ يلينَ قلبُك، وتُدرِكَ حاجتَك؟ ارْحَمِ اليتيمَ، وامسَحْ رأْسه، وأطْعِمْهُ مِنْ طَعامِك؛ يَلِنْ قلبُكْ، وتُدرِكْ حاجتَك" الصحيحة
وقال للذي قال له أجعل دعائي كله صلاة عليك: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" صحيح الترمذي

فامتثال أمر الله ورسوله يجلب عون الله، كما يُدرك العبد عون الله باجتناب ما نُهي عنه، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ ، لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا " صحيح مسلم.
فمن التزم عبودية الله، أعانه عليها، وكلّما كان العبد أتمّ عبوديّة كانت الإعانة له من الله أعظم.

﴿ وإياك نستعين ﴾ كرّر إِيَّاكَ ليكون أدلّ على الإخلاص والاختصاص والتأكيد، كقوله الله تعالى خبرا عن موسى: ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ﴾ [طه:33-34]، وقدّم الضمير لحصر الاستعانة بالله وحده،
والاستعانة لغة هي طلب العون، فالألف والسين والتاء للطلب، ومعناها أن العبد استنفذ الأسباب التي عنده في أن يقوم بالعمل، فلما عجز استعان بغيره.

أمّا شرعا فالاستعانة بالله هي دعاء المسألة، ودليل ذلك:
• أنّ الله ذكر الاستعانة، ولم يذكر المستعان عليه من الأعمال، ليشمل الطلب كل ما تتجه إليه نفس الإنسان من جلب نفع أو دفع ضر.
• قوله تعالى في الحديث القدسي: "فَإِذَا قَالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"، فالاستعانة مسألة؛ وهذه الآية قد جمعت بين إجابة الداعي في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ وإعطاء السائل في ﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" صحيح أبي داود. ففرْق بين الداعي والسائل، وَبين الإجابة والإعطاء، وهو فَرْق بالعموم والخصوصِ، وإذا جُمع بينهما فإنه يراد بالسائل الذي يطلب لجلب المنفعة ودفع المضرة بصيغة السؤال والطلب، ويراد بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر وإن لم يكن هناك صيغة سؤال، ولفظ الدعاء في القرآن يتناول دعاء العبادة ودعاء المسألة، وكل عابد سائل وكل سائل عابد، كما جاء في صحيح الترمذي من حديث ابن عباس "إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ وَإذَا اسْتعَنتَ فَاسْتَعنْ بِالله". قال محمد بن عبد الوهاب عن هذا الحديث في كتابه "المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد": (وفيه معنى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾)

• الحديث الذي رواه ابن حبان والذي بوّب فيه -باب من لا يستطيع أخذ الفاتحة- حيث جاء فيه عن ابن أبي أوفى أنه قال: جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَعَلَّمَ القُرْآنَ، فَعَلِّمُنِي مَا يُجْزِئنِي مِنَ القُرْآَن. قال: "قُلْ: سُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ ولا إلهَ إلاَّ اللهُ واللهُ أكبرُ ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله" قال: هَذَا لِلَّهِ، فَمَا لِي؟ قَالَ: "قُلْ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي" صححه الألباني في التعليقات الحسان.

• قوله سبحانه وتعالى متحديا الخلق: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء:88] -ظهيرا أي معينا- ثم زاد في تحد ثان فقال: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [هود:13]، ثم زاد في تحد ثالث فقال: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يونس:38]، فقوله ﴿ وَادْعُوا ﴾ أي واستعينوا، فالدعاء بمعنى الاستعانة، والاستعانة بمعنى الدعاء: كما في وصية موسى لقومه لِمَا لَقَوه من أذى فرعون، قال تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، وهي الوصية التي أوصاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمّته لِمَا سيلقون بعده من جور السلطان، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ" صحيح مسلم. وعن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ" صحيح البخاري.


تابعوونااااااااااا




‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗








 تفسير سورة الفاتحة Cjzgb10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الجنة
برونزى
عاشقة الجنة


وسام التواصل

العضوة المميزة

نجمة المنتدى

عدد المساهمات : 134
تاريخ التسجيل : 16/08/2010

 تفسير سورة الفاتحة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الفاتحة    تفسير سورة الفاتحة Icon_minitime1الأحد 19 يوليو - 19:32




• الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ أنّه قال عَن أَبِيهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ، إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: "وَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ".
فالدعاء أحب العبادات وأكرمها على الله، عن أَبِي هريرة- رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ من الدعاء" صحيح الترمذي؛ والتقي هو أحب العباد وأكرمهم عند الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13]. فمن استجاب لربه بامتثال أمره ونهيه فهو الأولى بالقبول، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]، وهو الذي يحصل مقصوده من الدعاء، كما قال سبحانه: ﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [الشورى:25]؛ وإنّ العاجز كل العجز من عجز عن الدعاء، فعَن أَبِي هرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ" الصحيحة.

وقُرنت العبادة بالاستعانة للجمع بين ما يتقرّب به العبد إلى اللَّه تعالى، وبين ما يطلبه من جهته، كما صح عند مسلم من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أنه قال، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ واسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ"، والمقصود من هذا الاقتران هو أن يكون القلب متعلقاً بالله عز وجل من جهة الغاية ومن جهة الوسيلة الموصلة إليه، كما قال سبحانه وتعالى لرسوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر:3]
وقال سبحانه عن إبراهيم: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]
وقال سبحانه عن موسى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص:16]
وقال سبحانه عن شعيب: ﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف:89]
وقال عن ملائكته: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الشورى:5]
وذُكرت الاستعانة بعد العبادة مع أن الاستعانة من العبادة من باب ذكر الخاص بعد العام، وتقديم حقه تعالى على حق عباده وحاجتهم، ومن باب تقديم الغاية المقصودة على الوسيلة، وتقديم الأهم على المهم، وإلا فقد عُلم أنّ العمل لا يقوم إلا بعون الله، لأنّ العبادة لا سبيل إليها إلا بالمعونة، والمعان على العبادة لا يكون إلا عابداً، فكل واحد مرتبط بالآخر: لا عمل إلا بمعونة ولا معونة إلا تتبعها عبادة، فلم يكن أحدهما أولى بالتقديم من الآخر؛ قال الطبري: (سواءٌ قول القائل: اللهم إنّا إياك نعبد فأعنَّا على عبادتك، وقوله: اللهم أعنَّا على عبادتك فإنّا إياك نعبد).

فالعبد المؤمن إذا أذنب يأتي بالتوبة التي هي عبادة، ويسأل الله المغفرة التي هي استعانة، لأنه لا يستطيع أن يغفر ذنوب نفسه، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران:135]، والتوبة هي نفسها عون من الله للعبد، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة:118]، والدعاء عبادة، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60] صحيح أبي داود؛ فاللّه سبحانه هو الذي يقذف في قلب عبده حركةَ الدعاء، ويجعلها سببا للخير الذي يعطيه إياه، فهو الذي وَفّقه للتوبة ثم قبلها، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه، كما قال سبحانه: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة:5]، فالعبادة محفوفة بإعانتين: إعانة قبلها على التزامها والقيام بها، وإعانة بعدها على عبودية أخرى، وهكذا أبدا، حتى يقضي العبد نحبه؛ فالعبادة والاستعانة متلازمتان، فلا تتحقق أحداهما دون الأخرى، فالعبادة تكون سبباً للمعونة من وجه، والمعونة تكون سبباً للعبادة من وجه آخر، فكل منهما سبب ومسبب وعلة ومعلول.
وجيء بالنون في الفعلين؛ نعبد...نستعين، لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد من حاضري صلاة الجماعة، أو من الموحِّدين، أنه قد أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم، وخلط حاجته بحاجتهم، لعلّها تقبل ببركتها، وتجاب، ولهذا شرعت الجماعة.

كما أنّ في ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ الرد على المشركين الذين يدعون غير الله ليشفعوا لهم عنده في جلب نفع أو دفع ضر، فما ظنك بمن دعاهم أنفسهم ليرزقوه وينصروه كما هو الواقع من عباد القبور؟ كما أنّ في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد، دليلا على أن ذلك من فعلهم، وأن لهم على ذلك قدرة واختيارًا ومشيئة، وأن العبد حقيقة هو العابد والمستعين، قال بعض السلف من أقر بـ، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فقد برئ من الجبر والقدر.

﴿ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ الهداية في اللغة هي الدلالة بلطف، أما في الشرع فهي الإرشاد إلى الخيرات وهي على منازل:
• هداية عامة: بإعطاء العبد القوى التي بها يهتدي إلى مصالحه، إما تسخيراً، وإما تعليماً، قال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾ [الانسان:3]، وقال: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت:18]
• هداية خاصة: بتوفيق وتسديد يوليه الله صالحي عباده بما اكتسبوه من الخيرات، كقوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت:69].

والصراط لغة هو الطريق. ويقال: الصراط، والزراط، والسراط، من سرطت الطعام: إذا ابتلعته، وسُمي الطريق بذلك تصوراً أنّه إما أن يبتلعُه سالكُه، أو يبتلعَ هو سالكَه. و" المستقيم ": القائم بالقسط أو المعتدل الذي لا اعوجاج فيه، فوصفه بالاستقامة يتضمن قربه، لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل بين نقطتين.
أما شرعا فالصراط المستقيم هو دين الإسلام، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام:161]، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَنْ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرَخَاةٌ، وَعِنْدَ رَأْسِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: اسْتَقِيمُوا عَلَى الصِّرَاطِ وَلَا تَعْوَجُّوا، وَفَوْقَ ذَلِكَ دَاعٍ يَدْعُو كُلَّمَا هَمَّ عَبْدٌ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ". ثُمَّ فَسَّرَهُ فَأَخْبَرَ: " أَنَّ الصِّرَاطَ هُوَ الْإِسْلَامُ، وَأَنَّ الْأَبْوَابَ الْمُفَتَّحَةَ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَأَنَّ السُّتُورَ الْمُرَخَاةَ حُدُودُ اللَّهِ، وَأَنَّ الدَّاعِيَ عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَأَنَّ الدَّاعِيَ مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤمن" صحيح الترغيب والترهيب.

وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم هو أخص الدعاء وأسنى المطالب، فقد ذكر سبحانه العام وهي العبادة، ثم الخاص وهو الدعاء، ثم طلب الهداية وهو الأخص، وهذا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ" صحيح ابن ماجة، وكقوله: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟" متفق عليه.
وذكر سبحانه الصراط المستقيم مفردًا معرّفًا تعريفين، تعريفا باللام وتعريفا بالإضافة في الآية التالية، وذلك يفيد تعينه واختصاصه، وأنه صراط واحد، وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنها كثيرة ومتشعبة، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّه، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ" ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام:153] صحيح النسائي.

قد يقال: إن المؤمنين مهتدون، فما معنى طلب الهداية؟ والجواب أنّ المطلوب هو أمران:
1- الثبات على ما اكتسبوا من الهداية.
2- زيادة الهداية، لأن الألطاف والهدايات من اللّه تعالى لا تتناهى، قال تعالى ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ [مريم:76]. نعم، قد حصل للمؤمنين هدى مجمل، ولكن تطرأ عليهم يوميا شهوات وشبهات تجعلهم مفتقرين في كل ساعة وحالة إلى الله في تثبيتهم على الهداية ورسوخهم فيها وازديادهم منها واستمرارهم عليها، لهذا هم مأمورون بطلبها في اليوم أكثر من أي دعاء آخر، يقول ابن تيمية: (حاجة العباد إلى الهدى أعظم من حاجتهم إلى الرزق والنصر، بل لا نسبة بينهما، فلهذا كان هذا الدعاء مفروضا عليهم في الصلاة- فرضها ونفلها- وأيضا فإن هذا الدعاء يتضمن الرزق والنّصر: لأنه إذا هدي الصراط المستقيم كان من المتقين ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق:2-3] وكان من المتوكلين ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ * إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق:3]، وكان ممن ينصرُ اللهَ ورسولَه، ومن نَصرَ اللهَ نصرَهُ، وكان مِن جُنْد الله، وجند الله هم الغالبون؛ فالهدى التام يتضمن حصول أعظم ما يحصل به الرزق والنصر، فتبيّن أن هذا الدعاء هو الجامع لكل مطلوب تحصل به كل منفعة، وتندفع به كل مضرة).

كما أنّ الثبات على الصراط المستقيم في هذه الدنيا والمسارعة فيه، هو المعيار بالنسبة إلى صراط يوم القيامة، يقول ابن القيم: (على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط. فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطّرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشدّ الركاب، ومنهم من يسعى سعيا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم المخدوش المسلّم، ومنهم المكردس في النار. فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا، حذو القذّة بالقذّة جزاء وفاقا: ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم، فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط، تخطفه وتعوقه عن المرور عليه، فإن كثرت هنا وقويت، فكذلك هي هناك ﴿ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾.

﴿ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ ذكر سبحانه الصراط في الآية السابقة وَلم يذكر السالكين، فأعاده مع ذكرهم فَقَالَ ﴿ صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم ﴾، وقوله: ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾: هم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء:69]، أَي الذي سلكه النبيونَ والمؤمنون ولهذا كُرر للتأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم هو صراط النبيين ومن تبعهم من المؤمنين، ليكون ذلك شهادة لصراطهم بالاستقامة على أبلغ وجه وأوكده. وجعل الإنعام في صِلة "الَّذِينَ"، وَالغضب والضلال في صِلَةِ "أَلْ"، لِأَنَّ صِلَةَ "الَّذِينَ" تَكون فعلا فيتعيَّن زمانه، وَصِلة "أَلْ" تكون اسمًا فيَنْبَهِمُ زمانُه، والمقصود هو طلب الهدايَة إلى صراط من ثبت إِنعامُ اللَّه عليه وَتَمَّ، فقد أتمَّ الله تعالى نعمته على إبراهيم- صلى الله عليه وسلم - وذريته، فقال: ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف:6]، وأتمَّها على نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [الفتح:2]، وأتمّها على صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين في حجة الوداع يوم عرفة، فقال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ومن سار على هديه واستنّ بسنّته: من الذين أنعم الله عليهم ﴿ من النبيين والصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صعد أُحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فرجف بهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسْكُن أُحُد فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصدِّيقٌّ وَشَهِيدَان" صحيح البخاري، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان على جبل حِراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، فَتَحَرَّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيد" صحيح مسلم.

فالطريق الموصل إلى الله واحد، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق، وهو ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وما جاء به علما وعملا، وكل ذلك مُسَلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دون آراء الرجال، فكل علم أو عمل خرج من مشكاة النبوة، فهو من الصراط المستقيم، وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب وهي طريق من عرف الحق وعانده، وطريق أهل الضلال، وهي طريق من جهل الحق فضَلَّ عن سواء السبيل، فعن عوف بنِ مالِك، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "الْجَمَاعَة" صحيح ابن ماجة. وفي رواية مبينّة للجماعة: قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" صحيح الترمذي

﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ ذكر سبحانه الغضب محذوفا فاعله والضلال منسوبا إلى من قام به، وذكر النعمة مضافة إليه، فالذي يضاف إلى الله تعالى كله خير وحكمة وعدل. والشر ليس إليه، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُ" صحيح ابن ماجة. فالفضل لإحدى اليدين والعدل للأخرى وكلاهما خير لا شر فيه بوجه.
وفسّر رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من هم المغضوب عليهم والضالون فقال: " الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَالضَّالِّينَ النَّصَارَى" الصحيحة، فانقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى ثلاثة أقسام: من علم الحق وعمل به، ومن علم الحق ولم يعمل به، ومن جهل الحق فلم يعمل به.
قال ابن القيم: (لأن العبد إما أن يكون عالما بالحق، وإما جاهلا به، والعالم بالحق إما أن يكون عاملا بموجبه أو مخالفا له، فهذه أقسام المكلفين لا يخرجون عنها البتة، فالعالم بالحق العامل به هو المنعم عليه، وهو الذي زكى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وهو المفلح ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، والعالم به المتبع هواه هو المغضوب عليه، والجاهل بالحق هو الضال، والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل، والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل، فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به، ومن هنا كان اليهود أحق به، وهو متغلظ في حقهم).

فكل من كان عنده علم فلم يعمل به، بل اتبع هواه، وجانب شرع الله عن علم وبصيرة ففيه شبه من اليهود، ومتوعد بالغضب بقدر معصيته، وله منه نصيب بقدر شبهه فيهم. وكل من عبد الله على غير دليل، وإنما عبده بالبدع والمحدثات والخرافات، به شبه من النصارى وموصوف بالضلال على قدر معصيته، وله نصيب منه بقدر شبهه فيهم، لهذا كان السلف يقولون: (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى). وقال ابن تيمية رحمه الله: إنّ المسلم ليقول في اليوم والليلة أكثر من سبع عشرة مرة ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ ولكنه مع ذلك قد يكون من المغضوب عليهم ومن الضالين بلسان حاله وفعاله.

كما اشتمل قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ وما بعده إلى آخر السورة الرد على جميع طوائف الكفر والضلال، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة، وذلك على سبيل الإجمال، لأنّ الحق في معرفة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - والسير على نهجه، وما عداه من المسالك والسبل الملتوية والمعوجة مردودة باطلة.

هذا، وقد جمعت سورة الفاتحة جلّ أنواع التوسل المحمودة:
• توسل إلى الله بحمده على نعمه وإحسانه: في ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لْيَدْعُ بعد بما شاء" صحيح أبي داود
• توسّلٌ إلى اللَّه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا: (اللَّه، رب العالمين، الرحمن، الرحيم، مالك يوم الدين)، وكما سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ: "دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" صحيح أبي داود.
• توسل إلى الله بإظهار الضعف والحاجة والافتقار والتبرؤ من الحول والقوة: في ﴿ الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين ﴾.، وكما قال أيوب عليه السلام: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83] وقال موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص:24].
• توسل إلى الله بتوحيده: في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، وكما توسل يونس: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].
• توسل إلى الله بالأعمال الصالحة في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾. وكما في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم باب الغار فلم يستطيعوا الخروج، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم.

• توسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء: في ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ كما كان الصحابة إذا أجدبوا طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم، ولمّا تُوفِي صاروا يطلبون من عمه العباس رضي الله عنه فيدعو لهم، وهكذا يقدم الإمام للصلاة ويؤمنُّ على دعائه المأمومون، وقد يكون في الجماعة من هو مستجاب الدعوة فيستجاب له فيهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمةَ بضعيفِها؛ بِدَعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم" صحيح الترغيب والترهيب.
ويستفاد من هذا أنه كلما أكثر الداعي-المنقاد لأوامر الله، المعظم لحرماته- من أنواع التوسل إلى اللَّه تعالى، كان أرجى له في قبول دعائه، قال ابن كثير: (وهذا أكمل أحوال السائل، أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة، ولهذا أرشدنا الله إليه لأنه الأكمل).

فإذا ختم القارئ في الصلاة قراءة الفاتحة، أجاب الله دعاءه فقال: "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"، وحينئذ تؤمّن الملائكة على دعاء المصلي، فيشرع للمصلين موافقتهم في التأمين معهم، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: "إذا قال الإمام: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ فقولوا: آمين، يجبكم الله" صحيح مسلم، وعن أَبِي هريرَة رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: " إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تقدم من ذَنبه" متفق عليه.
فاجتمعت جُلّ شروط الدعاء، وآدابه، ومستحباته في هذه السورة على إيجازها، فحُقَّ لها أن تُسمَّى: "أمّ القرآن".
فمن أراد أن يجني ثمار هذه السورة الكريمة، فليستحضر كل كلمة يقرأها، وما دلّت عليه من معنى، وليستحضر أنّ رب العالمين مقبل عليه بوجهه، ويرد عليه جواب ما يناجيه به كلمة كلمة، ومن كان هذا شأنه فسوف يفتح الله عليه باباً عظيماً من أبواب الخشوع، وقرّة العين، ولذة القلب، وانشراح الصدر، والتوفيق إلى الإحسان، المؤذن للإجابة والقبول.

تمت بحمد الله وحسن توفيقه، والله أعلم بالصواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/112675/#ixzz6Sf8mHT3N







‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗








 تفسير سورة الفاتحة Cjzgb10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة الفاتحة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة تفاسير سورة الفاتحة كل شىء عن سورة الفاتحة
» تفسير سورة الفاتحة- تفسير السعدي
» تفسير سورة الفاتحة
» فوائد من تفسير سورة الفاتحة
» تفسير سورة الفاتحة للشيخ : ( الشيخ مصطفى العدوي )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي المركز الدولى :: ๑۩۞۩๑ (المنتديات الأسلامية๑۩۞۩๑(Islamic forums :: ๑۩۞۩๑نفحات اسلامية ๑۩۞۩๑Islamic Nfhat-
انتقل الى: