منتدي المركز الدولى


شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى 1110
شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى


شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Ououou11

۩۞۩ منتدي المركز الدولى۩۞۩
ترحب بكم
شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى 1110
شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Emoji-10
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول
ونحيطكم علما ان هذا المنتدى مجانى من أجلك أنت
فلا تتردد وسارع بالتسجيل و الهدف من إنشاء هذا المنتدى هو تبادل الخبرات والمعرفة المختلفة فى مناحى الحياة
أعوذ بالله من علم لاينفع شارك برد
أو أبتسانه ولاتأخذ ولا تعطى
اللهم أجعل هذا العمل فى ميزان حسناتنا
يوم العرض عليك ، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
شكرا لكم جميعا شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى 61s4t410
۩۞۩ ::ادارة
منتدي المركز الدولى ::۩۞۩
منتدي المركز الدولى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي المركز الدولى،منتدي مختص بتقديم ونشر كل ما هو جديد وهادف لجميع مستخدمي الإنترنت فى كل مكان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Awesome Orange 
Sharp Pointer
منتدى المركز الدولى يرحب بكم أجمل الترحيب و يتمنى لك اسعد الاوقات فى هذا الصرح الثقافى

اللهم يا الله إجعلنا لك كما تريد وكن لنا يا الله فوق ما نريد واعنا يارب العالمين ان نفهم مرادك من كل لحظة مرت علينا أو ستمر علينا يا الله

 

 شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
تحرير
عضو مميز
عضو مميز
تحرير


عدد المساهمات : 1074
تاريخ التسجيل : 17/11/2010

شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Empty
مُساهمةموضوع: شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى   شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Icon_minitime1الخميس 31 ديسمبر - 1:08

شرح كتاب العلم

المحاضرة الأولى

لفضيلة الشيخ أبي إسحق الحويني

إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللَّهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما بارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
صح عن النبي r فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله r قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، إنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».
وفي رواية أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن المعروف بيتيم عروة، عن عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت له: يا ابن أختي اذهب إلى عبد الله بن عمرو، فإنه قد سمع من رسول الله r حديثاً كثيرًا، فاسمع منه، فذهب فحدثه بأحاديث فكان من جملتها هذا الحديث، «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس إنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». فلما رجع عروة إلى عائشة وحدثها هذا الحديث، أعظمته وأنكرته، وقالت: حدثك أنه سمع هذا من رسول الله r؟
فلما كان من العام المقبل، وجاء عبد الله بن عمرو حاجاً، قالت له: يا ابن أختي انطلق إلى عبد الله بن عمرو فسله عن الحديث الذي حدثكه في العلم -هذا الحديث-.
قال: فسألته، فحدثني نحواً من ذلك، فلما رجع عروة إلى عائشة -رضي الله عنها- قالت: أراه صدق، لم يزد فيه شيئًا ولم ينقص.
طبعاً لم يكن هذا مذهباً مسلوكاً لعائشة -رضي الله عنها- كما زعم بعض المعاصرين، أنه كان من منهجها أنها تستشهد برواية الحديث، يعني لا تسلم من حديثه إذا سمعته مرة، إنما تستسلم بأن تسمعه مرة أخرى، ولم يكن هذا طريقاً مسلوكاً لعائشة -رضي الله عنها- إنما كانت تفعله أحيانًا، وإنما فعلته في هذا الحديث؛ لأن فيه نبئًا عظيماً خطيراً، ولذلك أعظمته وأنكرته.
وهذا الحديث سيرد علينا -إن شاء الله تعالى- ونحن نشرح كتاب العلم من صحيح الإمام البخاري -رحمه الله- الذي سنشرحه في هذه المجالس.
وإنما بدأت بهذا الحديث، وقد روى الإمام البخاري هذا الحديث أيضًا في كتاب الاعتصام في الكتاب والسنة، رواه في موضعين من صحيحه، ورواه مسلم في كتاب العلم.
ولجلالة هذا الحديث، قد رواه عن هشام بن عروة أربعمائة وخمس وسبعون نفساً، وألف فيه بعض العلماء جزءاً كبيراً، وأنا عندما تكلمت في هذا الحديث قديماً، وصلته بأكثر من مائة وخمسين راوياً عن هشام بن عروة، وأغلبهم من الثقات، يعني هذا الحديث متواتر فيما دون هشام بن عروة، أن هذا الحديث يرويه هشام بن عروة عن عروة، ويرويه محمد بن عبد الرحمن -أبو الأسود .. عن عروة.
ويرويه أيضًا الزهري عن عروة، ورواه عمر بن الحكم بن ثوبان في صحيح مسلم أيضًا متابعا لعروة بن الزبير.
هذا الحديث -كما قلت- من علامات نبوته r؛ لأنه قد تحقق مصداقه، لاسيما في عصرنا هذا، اتخذ الناس رءوسا جهالا.
وصف الشيخ حفظه الله الإعلام بأنه أعور.
وكما وصفت سابقًا الإعلام المعاصر بأنه إعلام المسيخ الدجال، ونحن نعلم بما علمنا رسولنا r أن الدجال أعور، فهذا إعلام أعور، لا يرى إلا بعين النقص وعين السخرية، لاسيما بعد هوان أهل العلم على أنفسهم وعلى الناس، وهذا شيء كنا نشتكي منه قديماً وازداد حديثاً، لاسيما بعد الثورة.
أسوأ مافي الثورة أنها بلا رأس.
وكنت قلت كلمة في أول محاضرة لي بعد الثورة، ارجعوا إليها فهي مسجلة، قلت: جعلوا أسوأ ما فيها أحسن ما فيها، وأسوأ ما فيها: أنها كانت بلا رأس،فجعلوا هذا أحسن ما فيها، وهل هناك جسم يحيى بلا رأس؟
هذه الفوضى في كل مناحي الحياة، لاسيما في المنحى العلمي، والذي أعنيه بهذه الكلمات.
المنحى العلمي (كنا قديما نعتذر من الجهل فصرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلم).
وهذه العبارة قالها ابن قتيبة قديماً، ابن قتيبة الإمام الكبير،صنف كتاباً في غريب الحديث، يتعاقب به الإمام الكبير القاسم بن سلام -أبو عبيدة-، فالقاسم ابن سلام كما قال إسحاق بن إبراهيم الحربي، لما سئل عنه، قال: جبل نفخ فيه الروح، لم يكن يضاهيه أحد في بابه، حتى أنه لما صنف كتاب "غريب الحديث"، وغريب الحديث، ليس الحديث المستغرب، إنما الحديث الذي يشتمل على ألفاظ تحتاج إلى تفسير، كما في أحاديث النبي r مثلاً، نهى عن المزابنه، والمحاقلة، إلى آخر هذه الألفاظ، فهذا يسمى غريب الحديث، فكان أبو عبيدة يتصدى لمثل هذه الألفاظ، ويفسرها أحيانًا من كلام العرب، وأحياناً من أشعارهم، هذا هو المقصود بكلمة "غريب الحديث" وليس الحديث الغريب، كما في الاصطلاح، الذي هو الغريب أو المنكر، لا، غريب من جهة اللغة.
وصنف ابن قتيبة كتاباً يتعقب فيه أبا عييدة، فأعرض العلماء ذلك، وأنكروه على ابن قتيبة -رحمه الله-، وكيف أنه يتعقب مثل هذا الإمام الكبير، فكتب مقدمة رائعة رائقة هي تحفة فنية لفظية لغوية، أتمنى أن نقرأها عليكم لتعلموا قدر العلماء السالفين فيما يتعلق بإيصال المعاني.
فكتب من جملة ما كتب: (وكنا زماناً نعتذر من الجهل فصرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلم).
أقول هذا الكلام يا إخوان، وأن أراقب الذي يجري على ساحتنا، وأنكره أشد الإنكار، لاسيما بعدما صار الخروج في التلفزيون أمراً ميسوراً جدًّا، ويستطيع كل إنسان أن يفتتح قناة فضائية، ما أهون فتح قناة فضائية في هذا الزمان، إنها تحتاج إلى ثلاثة ملايين فقط، وطبعاً هذا الرقم لا يساوي شيئًا، يستطيع أي واحد من التجار أن يفتتح قناة فضائية، وأن يفعل فيها ما يشاء.
أنا رأيت قناة فضائية صاحبها يقوم الليل على الهواء، أتتصورون هذا؟! يقوم الليل على الهواء مباشرة، وخلفه صفين ثلاثة، ويدعو الله U على الهواء مباشرة، ويبكي على الهواء مباشرة، وهذا موجود، قناة تستطيع أن تصل إليها بسهولة.
فمن الميسور جدًّا أن أي واحد في الجلوس يستطيع أن يخرج على قناة فضائية، وأن يتكلم بما يشاء.
وطبعاً هذه القناة الفضائية يراها الملايين، لا يراها عدد محدود، كما كنا نفعل قديماً في المساجد، أقصى ما يمكن أن يحضر لشيخ من الشيوخ عشرة آلاف، أو عشرون ألفاً في خطب الجمعة... وفيها أكثر من هذا بكثير، يحضر مائة وخمسين ألف، ويحضر أربعمائة ألف، ويحضر نصف مليون، في الوقت الذي كان الحافظ ابن حجر العسقلاني لما كان يشرح فتح الباري، كان عدد الحضور -تقريباً- كم؟ تعرفون طبعاً فتح الباري شرح صحيح البخاري، هذا الكتاب الرائع، قاموس السنة، كم واحد كان يحضر للحافظ ابن حجر فيما ذكر السخاوي، ثلاثون نفساً فقط، الذين كانوا يحضرون للحافظ ابن حجر وهو يشرح فتح الباري، هذا الكتاب الذي نسميه نحن قاموس السنة.
اليوم الحضور ألوف مؤلفة، فما بالك بالقنوات الفضائية التي يراها الملايين؟!
رأيت أمس برنامجاً لرجل أنا أعرفه؛ لأني رددت عليه قديماً، وهو من أجهل الناس، ممن لا يرى أن النصارى كفار، ويقول: إن الله U لم يكفر الذين أوتوا الكتاب، إنما كان يصفهم بهذا الوصف فقط، لم يقل: يا أيها الذين كفروا الذين أوتوا الكتاب، وينافح عن هذا، ويقول سكان مصر الأصليين هم النصارى.. ويدافع عن هذا، وهذا لم يقرأ شيئًا من كتاب الله قط، كأنه لم يقرأ مرة في القرآن الكريم ﴿يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [آل عمران: 70] ولم يقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ﴾ [البينة: 6] فقال: من أهل الكتاب، أي بعضهم، فذكرني بقول القائل: "لا يعرف صحيحاً ولا ضعيفاً، ويظن كل مدور رغيفًا"، يعني هو لا يسمع أن من بيانية، وليست تبعيضية كقول الله U: ﴿وَننَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82] فـهل"من" هنا تبعيضية؟ يعني بعض القرآن هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين والبعض الآخر لا؟ لكن "من" هذه بيانية، مثل ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة: 1] من أهل الكتاب ولا من المشركين، هذا الذي يقوله أهل العلم.
فلما نضع تقدير ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ فهل من المشركين مسلمين، ومن المشركين كفار؟ كيف يجرؤ رجل كهذا وأمثاله على أن يخرجوا فيتكلموا بمثل هذا الكلام؟
هوان العلماء على أنفسهم، ونحن أعلم أن عز العالم من عز الدولة، لما تكون الدولة عندها اهتمام بالقرآن، عندها اهتمام بالسنة، تجد العلماء فيها أعزة، لما تجد لاعبي الكرة والممثلين متقدمون، إذن...
هؤلاء عزهم من عز الدولة.
أسباب إختيار الشيخ حفظه الله لكتاب البخاري :
السبب الأول:أنا اخترت كتاب العلم من صحيح البخاري؛ لأن العلم به يُعرف كل شيء، بدءاً بمعرفة الله -تبارك وتعالى- والعلم به، إلى أدنى شيء في هذه الحياة، لا تعرف الإيمان ولا التوحيد إلا بالعلم بالله I.
السبب الثاني:واخترت أيضًا كتاب البخاري؛ لأنه أفضل كتاب على وجه الأرض بعد كتاب الله،.
الفهم الخاطيء الذي جرأ المتهجمين على البخاري رحمه الله.
وهناك فهم خاطئ هو الذي جرأ كثيرًا من المتهجمين على البخاري عليه، وهي هذه العبارة الدارجة، (كتاب البخاري أفضل كتاب بعد كتاب الله،) فأنتم تتصورون أن هذا مقارنة بين البخاري والقرآن، ولذلك يقولون: البخاري بشر، والبشر يخطئ ويصيب، مع أن تصويب العبارة، (أن هذا هو أصح كتاب إذا قيس بغيره من الكتب حاشا القرآن،) القرآن لا تضع كتاباً بجانب القرآن أبداً، هذه مسألة وحدها، إنما تجد البخاري إذا قيس بغيره من الكتب التي صنفها أهل العلم فلا شك أن كتاب البخاري سماء.
مدة تصنيف البخاري كتابة:
صنف البخاري كتابه في ستة عشرة سنة.
أنا وأنت عندما نحب أن نؤلف كتاباً من الكتب، نأخذ فيه كم لو تأنينا واستأنينا؟ نأخذ فيه سنة مثلاً أو سنتين، ونحن لم نؤت ذكاء البخاري، ولا الفتح الذي عنده مكث ستة عشرة سنة يؤلف في هذا الكتاب، لذلك أي إنسان يعرف قدر نفسه لابد أن يخاف قبل أن يهجم على هذا الكتاب؛ لأن البخاري ككتاب لم يكن نتاج فهم البخاري وحده، إنما هو موافقة الأمة للبخاري عليه، عصمة الكتاب -إن جاز أن أقول بالعصمة- في أن الأمة تلقت كتابه بالقبول، وأنت تعرف الفشل له أعداءكثيرون، والنجاح يتيم، فالبخاري كان له حسَّاد، فلو وقع منه شيء من الخلل في كتابه في طوله وعرضه وزال هذا الخلل، لوجدت هؤلاء الحسَّاد يتكلمون في البخاري، البخاري يقول على ملايين العلماء، لا تنظر إلى عصرنا؛ لأنه كما قلت فيه هوان للعلم في عصرنا، كتاب البخاري كان لا بد أن يقرأ عدة مرات، العلماء كانوا يسمعون البخاري عدة مرات، وكان هذا الكتاب يقرأ ليل نهار من العلماء المتقنين، وليس من المتطفلين الذين يقرءوا البخاري على الناس، ولا يستطيعون ضبط ألفاظه، ولا ضبط رواته، الذين كانوا يقرءون هذا الكتاب ويقرءون كتب السنة، كانوا علماء كبار.
فالبخاري ليس نتاج للبخاري وحده، وإنما لموافقة الأمة له، فهذا أصح كتاب بعد كتاب الله U، أو أنه أصح كتاب إذا قيس بغيره من الكتب التي أتت بعده.
يعني تجد من بعد البخاري مسلم، مسلم عليه من الاعتراضات أكثر مما على البخاري، والبخاري له طريقة في تصنيفه، سنأتي عليها -إن شاء الله عز وجل- ولا مانع أن الدرس درسا علميًّا إنما هو درس عام.
مقصد الشيخ حفظه الله من عقد الدرس بعد الجمعة:
والقصد أن أعقد هذا الدرس بعد الجمعة أن يستفيد منه العوام، أن يستفيد الناس من الفوائد الكثيرة من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فوائد العلم الجمة:
فالعلم هو الأول والأخير، وإنما جاء الخلل من قلة العلم، وإنما نربي الناس بالعلم إننا لا نملك شيئًا نربي الناس به، لا ننفق عليهم، ولا يربطنا بهم سبب ولا نسب، إنما نربيهم بالعلم، كما كان الصحابة ينظرون إلى النبي r فيتعلمون من سمته ومن دله ويتعلمون من لفظه، أو كما قال بعض العلماء: يتعلمون من لحظه ولفظه r.
ونريد أن نرجع أدراجنا مرة أخرى إلى ما كان قديماً، وصرنا نغبض الزاد القديم إذا نظرنا إلى هذا الواقع الأليم الذي نعيشه الآن.
الإنترنت المسيخ الدجال:
أنا لا أريد أن أسود الشاشة، ولا أريد أن أبالغ في النقض عليها، عندنا أتكلم عن التربية، وعن شبابنا الذي انجرف، بعدما ظهر المسيخ الدجال، الذي هو الإنترنت، صار كل إنسان يستطيع أن يكتب ما يشاء، وأن يستهزئ بمن يشاء، ولا يعلم هؤلاء الكاتبون، أن كل حرف خطته أيديهم هو معروض عليهم يوم القيامة، فالذي يكتب صفحة أو يكتب تغريدة هذا أكبر بكثير من مثقال ذرة، والله U يقول: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 8] وهذا الذي يكتبونه يسد عين الشمس، ولا أقول ذرة، ولا أقول مثقال ذرة.
عقوبة السخريةوالإستهزاء بالآخرين:
إن أي سخرية تكتبها إذا ترجمتها بعين رجل ينظر إلى الآخرة هي مجموعة من الحسنات تغادر كتابك إلى كتاب من استهزأت به، والأمر جِدٌّ ليس فيه لعب وإن كان لا أحد يعرفه، وأنت عند الناس مجهول العين، مجهول الحال، مجهول العدالة، فإن الله U يعرفه؛ لهذا أقول: لكل من تسول له نفسه أن يكتب باطلاً ليس فيه حق،أن يعلم أنه سيدلف يوماً بين يدي الله ليس بينه وبين الله ترجمان، فيسأله عما يكتب.
معاناة المشايخ من تهجم الطلبة عليهم:
نحن عانينا كثيرًا من تهجم الطلبة على أشياخهم، ولا ندعي عصمة في شيخ من الشيوخ، لا أنا ولا غيري، ولكن كانت الصورة مهتزة اهتزازا شديداً، ومتغيرة تغيراً شديداً، وأي إنسان ينظر فيما جرى في مصر في خلال العامين الماضيين لا يستطيع أبداً أن يثبت على قدمه، والأحداث متغيرة، فاليوم يقول شيئًا، وغداً يقول نقيضه، ليس لأنه متناقض، ولكن الحدث تغير، وأنا قريبا لو تذكرون كلامي عندما كنت أقول: إذا رأيت فتوى خاطئة لعالم فانظر إلى السؤال الموجه، فلأن تتهم الذي سأل أفضل من أن تتهم العالم، إن العالم يدري ما يقول، ولكن ربما وجه السؤال خطأً، وحتى لو أنت كنت ممن ينظر في الكتب، ورأيت أجوبة العلماء مقرونة بالسؤال، تعلم أن جواب العالم سديد، حتى وإن كان خطأً؛ لأنه على مقتضى السؤال.
فلو أن السائل سأل بطريقة صحيحة، لأجابه العالم بطريقة صحيحة.
سبب تغيب الشيخ وقلة ظهورة:
فهذا شيء يا إخوان؛ لأني أحب لكم من الخير ما أحب لنفسي... وأنتم تعلمون أني كنت قليل الظهور، قليل الكلام، وما شغلني إلا أنني كنت أتأمل هذا الذي يجري على الساحة، وكنت أحدث بعض إخواني، وأسجل ملاحظاتي على ما أرى.
أنا أحاول أن أستعيد شيئًا من المجد القديم، الذي كلما نظرت خلفي أحسد تلك الأيام، برغم شدتها إلا أنها كانت تجمعنا على قضية.
هل يذكر أحدكم أنه كان يعاني كثيرًا حتى يأتي هذا الدرس؟ يأتي من بلاد بعيدة، ويأتي وهو معرض لأن يقبض عليه، وينزل قبل الكمين، ويمشي في الحقول، حتى يأتي، كان صاحب قضية، أما الآن فما هي قضيتك التي تقاتل عليها؟
إنني أعقد هذا الدرس في كل أسبوع -إن شاء الله- بعد صلاة الجمعة؛ لأجدد العهد القديم، ولألملم أطراف شبابنا، التي ذهبت شزر مزر، ونرجع مرة أخرى إلى أسلافنا القدامى، الذين نقلوا إلينا نفس العز.
أحيانًا من كثرة الهم يحصل لي ما كان يقوله موسى عليه السلام: ﴿وَيضِيقُ صَدْرِي ولَا يَنطَلِقُ لِسَانِي ﴾ [الشعراء: 13] كأنها صفة غالبة عليَّ، كأن لساني عقر، و كان قديماً منطلقاً، لأنه كان هناك قضية كبيرة أحارب من أجلها.
أنا لا أريد أن أبث اليأس في أنفسكم، ولكن هذا ما تشعرون، أجلس كثير بيني وبين نفسي يكون من أجله كلام كثير ولكنني لا أستطيع أن أعبر عنه.
كتاب الإمام البخاري -رحمة الله عليه- كتاب كبير، والهجوم عليه كثير، وحرس الحدود قليل، إنني أتمنى أن أجد فيكم ما كنت أأمله قديماً فيكم، وأن أجد فيك الروح الوثابة الفتية، التي تناضل عن دينها، ولا ترى شيئًا إلا هذا الذي قاله أبو بكر t يوماً لعمر: "أيها الرجل استمسك بهذا الغرس".
كثرة مفاتيح البخاري رحمه الله:
كتاب البخاري له مفاتيح كثيرة، سواء فيما يتصل بتصنيفه أو بشرطه، أو بتراجمه أو بترتيب أبوابه وكتبه، ولعلي من خلال كتاب العلم أرجع إلى هذه الأبواب فأبين شيئًا منها -إن شاء الله.
أما البخاري كإنسان فهذا مما عقرت الأرحام أن تنجب مثله.
مولده ووفاته:ولد في شوال ومات في شوال.ولد 13 شوال، ومات في أول شوال.ولد سنة 194، ومات ليلة عيد الفطر سنة 256، فكان عمره 62 إلا ثلاثة عشر يوماً.
حياة البخاري حياة إنسان ليس له نظير.
ما بين المولد وما بين الوفاة حياة إنسان ليس له نظير، قال الإمام أحمد: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل، كان آية من آيات الله الباهرة.
بداية رحلته العلمية:
ابتدأ رحلته العلمية وهو دون العاشرة، فقد عينيه وهو طفل صغير، فبكت عليه أمه طويلاً؛ لأنه كان له أخ اسمه أحمد، هو وأحمد فقط، بكت عليه أمه كثيرًا، فمن كثرة بكائها نامت، فرأت في الرؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال لها: يا هذه إن الله قد رد بصر ابنك بكثرة دعائك، أو قال لها: بكثرة بكائك، فوجدت أن الله -تبارك وتعالى- رد بصره إليه.
بداية الإمام البخاري رحمه الله:
وهو دون العاشرة اختلف إلى مجالس أهل العلم، كان في بخارى آنذاك عالم كبير يقال له الداخلي،ساق سندا، فقال فيه: أبو الزبير عن إبراهيم، فقال له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، قال له: اسكت يا غلام، دون العاشرة، ابن تسع سنوات مثلاً أو ثماني سنوات، فقال له البخاري: ليس بلهجة صبي صغير، إنما بلهجة عالم محقق قال له: ارجع إلى أصلك، الأصل هو الكتاب، كان العلماء قديماً يكون لهم كتب، فإما يحدث من حفظه أو يحدث من كتابه، فقال له: ارجع إلى أصلك، أي ارجع إلى كتابك، فدخل هذا العالم فأحضر كتابه، فقال له: كيف هو إذن يا غلام؟ قال: إنما هو الزبير بن علي عن إبراهيم، قال: صدقت يا غلام.
تلك كانت بداية الإمام البخاري أنه يرد على عالم من أكبر علماء بخارى آنذاك.
سمع الإمام من شيوخ بخارى، وكان خلفه أم يقظة، وهي التي ربت الإمام البخاري، وعندنا في التاريخ أمهات يبدأ بذكرهن ويعاد، ليست طبيعة الأمهات في عصرنا، أهم حاجة عند الأم الولد يدرس الجغرافيا والتاريخ والمواد الاجتماعية، والأب ينفق مئات أو ألوف الجنيهات لأصل هذا التحصيل الهزيل، وفي الآخر إذا ترقى الولد وتدرج وأخذ الشهادة الجامعية يخرج بورقة لا تسمن ولا تغني عن جوع، وتجده يعمل في محل، أو في بقالة، أو أي شيء، معك ماذا يا بني؟ معي ليسانس آداب، معي بكالوريوس هندسة، ويعمل في أي شيء، وتذهب الأعمار في مثل هذا.
أمهات يقظات:
يوجد أمهات عندهن يقظة، مثل أم البخاري، ومثل أم سفيان الثوري، والشافعي، والأوزاعي، كل هؤلاء علماء بلغوا مبلغ الاجتهاد، ويبدأ بذكرهم ويعاد إذا ذكر الفقه أو ذكر الحديث، الإمام الشافعي اليوم شطر الدنيا تدين بمذهبه.
الشافعي كان كالشمس للدنيا، والعافية للناس، أمه ربته، سفيان الثوري ذاك الإمام الزاهد العابد،ديناً وعلماً وفقهاً، وكان لا يطاوله أحد في الكوفة بل يمكن في سائر بلاد الإسلام، لم يكن يوجد في معناه مثله.
تدرجت محنة الإمام البخاري لما بلغ من الحج هو وأخوه أحمد وأمهم حجوا ثم تخلف الإمام البخاري -رحمه الله- لطلب الحديث في الحرمين.
طاف الدنيا، ذهب للكوفة وإلى البصرة وإلى الجزيرة فيما يقال. وذهب إلى مصر شرف مصر بأن دخلها وأخذ عن كبار علمائها، كسعيد بن أبي مريم.. وعبد الله بن يوسف التلميسي وأحمد بن مشكاة، هؤلاء كانوا من العلماء المصريين، من شيوخ الإمام البخاري، وأخذ عن عمرو بن خالد، وهو من الجزيرة، أخذ عنه في مصر.
ثناء شيوخه عليه:
يقول الشيخ الحويني حفظه الله :لا أعلم شيخاً أثنى عليه شيوخه مثل الإمام البخاري -رحمه الله.
ثناء الإمام أحمد :
الإمام أحمد أثنى عليه ثناءً عاطراً، وفي آخر مرة دخل عليه بغداد، قال له: يا أبا عبد الله، أتذر العلم والناس، وتذهب إلى خراسان؟ لما وقعت المحنة بالإمام البخاري، قال: فأنا الآن أذكر قوله -أذكر قول الإمام أحمد.
ثناء محمد بن بشار:
محمد بن بشار .. هذا له كلام عاطر كثير عن الإمام البخاري رحمة الله عليه، عمرو بن علي أحد شيوخ البخاري زار أصحابه البخاري يوماً فسألوه عن حديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فذهبوا فرحين إلى عمرو بن علي، وقالوا: إننا سألنا البخاري عن حديث فلم يعرفه، فقال عمرو بن علي شيخ البخاري: كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث، على ماذا تفرحون؟ إذا قال لا أعرفه، اغسل يديك منه.
مصنفات الإمام البخاري رحمه الله:
صنف الإمام البخاري كتباً كثيرة، منها:
1-كتاب التاريخ الكبير، صنفه ثلاث مرات.
2-التاريخ الأوسط.
3- والتاريخ الصغير.
4-صنف أيضًا الأدب المفرد.
5-صنف الصحيح الذي نتكلم عنه، وهو الذي يبدأ لذكره ويعاد، في سلسلة طويلة من الكتب كلها تشهد لهذا العالم الكبير بالتقدم على أقرانه بل على مشايخه.
حفظ الإمام البخاري رحمه الله:
الإمام البخاري كان باقعة في الحفظ، يعني اليوم فيه دورات تعقد لحفظ الصحيحين، وينفق عليها كثير من الأموال، ومع تقديري لهذا الحفظ لكنني من تجربتي أعلم أنه غير كثير فائدة، لاسيما أن القرآن إذا تركه صاحبه نسيه، وهذا كلام الله، فكيف يستقيم حديث النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري أو في مسلم مع كثرة ألفاظه ورواياته في نفس إنسان؟ لابد أن ينساه،لذلك كان يكلمني بعض الشباب أول أمس، يقول: أنا حفظت البخاري ومسلم عن ظهر قلب.. اضطرني أبي إلى العمل معه فنسيت كل شيء، قلت: يا بني هل تعرف كيف صنف البخاري كتابه؟ قال: لا، قلت: هل تعرف ما اسم صاحب الكتابة بالكامل؟ قال: لا، قلت: إذن أنت لا تعرف إذا وجه طعن إلى هذا الكتاب الذي تحفظه، أنت لا تستطيع أن تجيب عنه، قال: نعم، قلت: إذن ما فائدة حفظك؟
نحن نحتاج إلى معرفة مفاتيح الكتب، أما حفظ الأحاديث، فهذا يأتي تباعاً، كما حفظنا أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، .. درس تلقيه أو خطبة تلقيها، أو فتوى تفتيها، كل هذا تحتاج فيه إلى الرجوع إلى حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، أنا لا أجحد أن تكون هناك ثمة فائدة، في الحفظ، لكنها فائدة قليلة، إذا قيست بما أنفقه الطالب من الوقت في هذا الكلام، أنا عندي أن يعرف كيف يدافع عن البخاري، يعرف كيف صنف البخاري كتابه، حتى يرد على هؤلاء المتاجرين، هذا أفضل من أن يحفظ الأحاديث.
لو أن رجلا قال لرجل يحفظ البخاري: هذا الحديث مكذوب، ما يستطيع أن يدافع عن البخاري إلا أن الأمة اجتمعت على أن هذا أصح كتاب بعد كتاب الله، وهذا وإن كان فيه غنية، لكن ليس بكافي.
هذا الكتاب هو قبة مصنفات الإمام البخاري رحمة الله عليه.
قدر الإمام البخاري رحمة الله عليه :
دخل الإمام البخاري بغداد، كما ذكر ابن علي في أسامي شيوخ البخاري، له كتاب اسمه هكذا "أسامي شيوخ البخاري".
وروى عن عدة من شيوخه، أن الإمام البخاري لما دخل بغداد تهافت عليه الناس فسألوه أن يعقد لهم مجلساً في الحديث، فعقد لهم مجالس، وكان في أحد هذه المجالس عقدوا له امتحان، وهذا مما يبين قدر الإمام البخاري رحمة الله عليه.
عدوا إلى مائة حديث، فقلبوا أسانيدها ومتونها، يعني جعلوا الأسانيد مقلوبة، وأعطوا المائة عشرة من الرجال، قالوا إذا انتهى الإمام من النداء كل واحد يقوم يقرأ عليه الإسناد والمتن.
قام الأول، قال عشرة أحاديث، يقول البخاري في كل حديث، أنا لا أعرفه.
قال الثاني عشرة أخرى، البخاري يقول: لا أعرفه.
الثالث الرابع، إلى تمام العشرة، كل هذا والبخاري يقول: لا أعرفه، لا أعرفه.
أما العلماء فقالوا: فطن الرجل، وأما العوام فاستصغروا البخاري؛ لأنه قال في كل حديث: لا أعرفه، لا أعرفه، في تمام المائة، فلما انقضى الأخير بإلقاء الأحاديث، قال الإمام البخاري للأول: أما حديثك الأول فإسناده عند الثاني، وأما حديثك الثاني فإسناده عند الرابع، وأما حديثك الثاني فإسناده.. حتى رد المائة حديث إلى أسانيدها، فما قام من مقامه إلا وقد أذعنوا له بالفضل.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمة الله عليه معلقاً على هذه الحكاية: ليس العجيب أن يعرف البخاري الصواب، فهذا يعرفه كل أحد، ولكن العجيب أنه حفظ الخطأ على ترتيب ما ألقوه، حتى أنه يرد متن الحديث الأول بإسناد الرجل مثلاً الثاني أو الرابع، فيرد الأسانيد إلى متونها.
هذا هو قدر الإمام البخاري رحمة الله عليه.
وهذا يعرف عند المحدثين بالإغراب، الإغراب أن تأتي على متن مشكول بسند غريب، هذا اسمه الإغراب، ولذلك هذا الإغراب تكثر فيه المنهجية.
(ما من عالم رباني إلا وله محنة، لما تقرا في سير العلماء تجد هذا العنوان "محنته".
محنة الإمام ابن النابلسي:
والعلماء الربانيون امتحنوا بامتحانات شتى، منهم: ابن النابلسي، هذا الإمام المصري الكبير، الذي يلقب بالشهيد، كان في دولة الباطنية، وكان يقول: (لو أن عند المرء عشرة أسهم، فإنه يجب أن يلقيها في هؤلاء،) فبادرهم هذا القول فأتوا به، وقالوا: بلغنا أنك قلت: إذا كان للمرء عشرة أسهم،فإنه يلقي فينا عشرة، وفي الروم واحدة -الروم هم النصارى-قال: كذبوا عليك، بل قلت: إذا كان لدى المرء عشرة أسهم، فيلقي فيكم تسعة، ويلقي العاشر فيكم، فأمروا به فسلخ حيًّا، وأمر يهوديًّا بسلخه حيًّا، والكلمة التي تكلم بها وهو يُسلخ كان ذلك في الكتاب مسطوراً، رق قلب اليهودي له، وهو يسلخه، لما وصل إلى قلبه طعنه بالخنجر حتى يريحه من هذا العذاب.
لما تقرأ سير العلماء يخف عليك ما تجد.
كان أبو حنيفة -رحمه الله- يقول: (ذكر سير القوم أحب إليَّ من كثير من الفقه لأنه يثبت).
نصيحة الشيخ لطلبة العلم:
وأنا أقول لطلبة العلم: كلما مرت عليك سحابة من الكآبة .. فعليك بسير العلماء فإنه ينفض عنك هذا الغبار، وأنا جربت هذا في حياتي كلها، لا يكاد يدور يوم إلا وأطالع سيرة عالم أو أكثر من العلماء، وفي بعض العلماء طالعت سيرتهم أكثر من مائة مرة، مثل سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، ومالك، وبلال الشافعي، وأحمد بن حنبل.. بن أسلم -رحمة الله عليهم جميعاً.
الكلمة التي كان لها الأثر الكبير في مطلع حياة الشيخ حفظه الله:
عندما تقرأ سير هؤلاء تشعر بحماسة تعتريك، يعني أنا لا أزال أذكر كلمة أبي مسلم الخولاني، هذه الكلمة قرأتها في مطلع حياتي العلمية، وأنا في سنة أولى كلية، سنة 75، 76، وهذه الكلمة كان لها أثر كبير عليَّ في فترة من فترات عمري، كان أبو مسلم الخولاني يصلي قائماً بالليل، كان يركع على عصا، فكلما تعب كان يضرب قدميه بالعصا، ويقول: (لأنتما أحق بالضرب من دابتي، أويظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم لم يخلفوا بعدهم رجالاً، ويقوم يصلي).
فائدة:لما تقرأ في سير العلماء تأخذ علماً، تأخذ أدباً، أي مصيبة تعتريك تعلم أنها مصيبة قليلة إذا قيست بمصيبة العالم.
الإمام البخاري لم يخل من مصيبة اعترته، وبسببها لم يستقر في بلد، كلما يذهب إلى بلد تطارده هذه المحنة، فيخرج منها إلى بلد آخر، حتى أنه دعا على نفسه بالموت، فلم يبق إلا شهراً واحداً ومات، رحمة الله عليه.
سمعه بعض تلاميذه في الليل، وهو يقول: (اللهم إنه ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك، فما مضى شهر حتى قُبض) وطبعاً هذا بعض الناس كانت تصور أنه معارض لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا تتمنوا الموت» وسنأتي للإجابة عن هذا بعد قليل.
محنة الإمام البخاري تتلخص في ما يلي:
كان هناك محنة في آخر عصر المأمون واستمرت في عصر المعتصم والواثق، حتى جاء المتوكل ورفع هذه المحنة، محنة أطلق عليها في الكتب: (محنة خَلْق القرآن)، أي أن القرآن محدث، وطبعاً أنا لا أريد أن أدخل في شرحها، لأن هذا يستغرق وقتاً طويلاً.
لكن أفتى كل علماء المسلمين بأن من اعتقد أن القرآن مخلوق؛ لأن كلمة مخلوق ما هي؟ يعني لم يكن فكان أي مخلوق كان عدماً ثم كان، وكلام الله -عز وجل- صفة لازمة له، فعندما تقول القرآن مخلوق، يعني كأنك تقول: إن الله لم يكن متكلماً ثم تكلم، هذا باختصار.
وصفات الله كلها أزلية، ليس هناك شيء اسمه صفة حادثة،لم يستفد اسم الخالق من الخلق، بل كان خالقاً قبل أن يخلق، وكان متكلماً قبل أن يتكلم، هذه المسألة الذين يقولون: القرآن مخلوق، يريدون أن يقولوا: أن الله -عز وجل- لم يكن متكلمًا ثم تكلم، فهذا كفر بصفة الكلام، والكفر بصفة واحدة من صفات الله -عز وجل- حتى لو أقر بكل ما أنزل الله -عز وجل- على نبيه صلى الله عليه وسلم فهو كافر.
مثل الرسل، لو آمن بكل الرسل، وكفر بنبي من هؤلاء الأنبياء لكان كافراً، ولا تنفعه ما عنده من الإيمان والعلم.
هذا باختصار فتنة خلق القرآن.
ففرقة اسمها الجهمية هي التي تبنت القول بخلق القرآن، فلما وجدوا أن العلماء جميعاً يكفرون قائل هذه المقالة عمدوا إلى أسلوب آخر كعادة المبتدع، يريد أن يحصل نفس الفكرة لكن من طريق آخر، فابتدعوا شيئًا يسمى اللفظ.
القرآن مخلوق، هذا يكون كافر، لكن الذي يقول: ( لفظي بالقرآن مخلوق)، ماذا يكون؟ نحن قلنا عندما تقرأ القرآن أنت تتلفظ به أم لا؟، عندما تقول: ( لفظي بالقرآن مخلوق،) صحيح أم خطأ؟ .
أن لفظي تحتمل أمران: تحتمل التلفظ وهو حركة اللسان، وتحتمل الملفوظ وهو القرآن، لما كانوا يقولوا القرآن مخلوق يقول .. طيب رجل قال مخلوق يضطر يستفسر منه، أنت ماذا تقصد؟ تقصد تلفظي، وهو حركة اللسان؟ أم تقصد الكلام الملفوظ الذي هو القرآن نفسه؟ .. فالعلماء لكي يسدوا الباب قالوا: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، مبتدع لماذا لا تكفره؟ لاحتمال أن يقصد حركة اللسان، وحركة اللسان مخلوقة بلا شك، أم أن هناك شك في ذلك؟ يعني أنت كنت ساكت، ثم قرأت، القراءة حادثة، حادثة الآن، لم تكن تقرأ منذ قليل، والآن تقرأ، فحركة اللسان حركة حادثة، إنما الملفوظ من القرآن كلام الله -عز وجل- غير مخلوق.
فبدأت حركة اللفظية تسري في الأمة، والجمهية يلعبوا نفس اللعبة، فالعلماء واجهوها، فالبخاري في يوم من الأيام وهو في المسجد، يلقي درسا على الناس فسأله واحد، قال له: يا أبا عبد الله ما تقول لفظي في القرآن مخلوق؟ أم لا؟ سكت البخاري، فأعاد عليه السؤال مرة ثانية، سكت البخاري، فأعاد عليه السؤال لثالث مرة، فقال له البخاري -رحمه الله-: (القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعالنا مخلوقة).
أفعالنا التي هي :حركة اللسان، الكلام واضح جدًّا، لا يلتبس، وهذا الذي عليه علماء الأمة كلهم، القرآن (كلام الله غير مخلوق، وأفعالنا مخلوقة، )لم يقل ألفاظنا، لم يتكلم ... طبعاً البخاري كان يحتار ... فكان فيه أكثر من مستن، لما كان يقول: حدثنا، كان فيه واحد يقول: حدثنا، وآخر يقول: حدثنا، وثالث يقول: حدثنا، إلى أن يسمع الكل، هذا كان يسمى بالمستن.
فلما البخاري .. والذي يسأله هنا، وخلفه أمم، هل أحد يسمع شيء من الذي في الخلف؟ شغر عليه هذا الرجل، وقال البخاري يقول: ( لفظي بالقرآن مخلوق).
كان إمام النيسابور آنذاك الإمام محمد بن يحيى الذهلى، يبدع من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فبلغ محمد بن يحيى الذهلي أن البخاري يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، قال: هذا الرجل لا يعول عليه، لابد أن يترك نيسابور.
خرج البخاري من نيسابور، وذهب إلى سمرقند، وضعوه في سمرقند.. محمد بن يحيى الذهلي كان له حشمة في نيسابور كحشمة أحمد بن محمد في بغداد، فكلما يذهب محمد بن إسماعيل البخاري يذهب إلى بلد يصل كتاب إليهم: أخرجوا هذا الرجل.
ظل البخاري يخرج من بلد إلى بلد، تطارده هذه الفرية أنه قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ولم يقلها الإمام البخاري.
إلى أن وصل أخيراً إلى بخارى، مركزه ، فعبد بن طاهر بعث له، قال له: تعالى إلى قصري واقرأ كتاب الصحيح، وكتبك، فأرسل إليه البخاري، قال: (أنا لا أحمل العلم، ولا آتي أبواب السلاطين، فإن كان لك حاجة فائتني).هذه عزة العلم، فعز العلم والعالم كان من عز الدولة.
فأوغر صدر عبد الله بن .. عليه فخرج إلى قريته،وإلى مسقط رأسه، ودعا على نفسه بما سمعتم.
متى يجوز أن يدعو الإنسان على نفسه بالموت ومالدليل؟
طبعاً لا تعارض بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عن النفس بالموت، وبين قول النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما نهى أن يدعو المرء على نفسه بالموت إذا عرضت له مصيبة من مصائب الدنيا، أما إذا خاف المرء على دينه فيجوز أن يدعو على نفسه بالموت.
أدلنهم:
1-قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يمر الحي على قبر الميت فيقول يا ليتني مكانك» بسبب كثرة الفتن التي تعتري الناس.
2-واستدلوا أيضًا بآثار عن بعض الصحابة كأبي أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال: «اللهم لا تدركني إمارة الصبيان، ولا سنة ستين» سنة ستين هجرية، قال: اللهم لا أعيش إلى سنة ستين هجرية، فمات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين، سنة ستين هذه كانت إمارة يزيد بن معاوية رضي الله عن أبيه.
فليس هناك تعارض بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو المرء على نفسه، وبين نهى عن تمني الموت، أو لا تتمنوا الموت.
وفاة البخاري رحمه الله:
مات البخاري ليلة عيد الفطر، لسنة ست وخمسين ومائتين عن اثنتين وستين سنة، إلى ثلاثة عشر يوماً.
أنا قصرت ترجمة الإمام البخاري، ولن أقف عند كثير من عباراتها؛ لأنني ترجمت له كثيرًا قبل ذلك، لكنها سنة جارية عند أهل العلم إذا شرحوا كتاباً من الكتب فإنهم يترجمون بصاحب هذا الكتاب.
موعدنا -إن شاء الله تبارك وتعالى- في الجمعة القادمة، في أول كتاب العلم من صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوتوفيق
المراقب العام
المراقب العام
ابوتوفيق


العطاء الذهبى

وسام التواصل

وسام الحضور المميز

المراقبة المميزة

اوفياء المنتدى

وسامالعطاء

عدد المساهمات : 3486
تاريخ التسجيل : 05/11/2012

شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى   شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى Icon_minitime1الأربعاء 29 سبتمبر - 14:46

شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى 13316280226



‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗








شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى <a href=شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى 149918296993921" />
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح كتاب العلم للشيخ الحوينى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ١٦ فائدة مستخرجة من كتاب شرح حلية طالب العلم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
» بشرى لطلبة العلم جميع خطب ودروس الشيخ أبو اسحاق الحوينى مكتوبة
» قل هو نبأٌ عظيم للشيخ الحوينى
» اسطوانه رمضان للشيخ أبو اسحاق الحوينى
» صفات الزوجه الصالحه للشيخ ابى اسحاق الحوينى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي المركز الدولى :: ๑۩۞۩๑ (المنتديات الأسلامية๑۩۞۩๑(Islamic forums :: ๑۩۞۩๑نفحات اسلامية ๑۩۞۩๑Islamic Nfhat-
انتقل الى: