مبادئ وركائز تربوية للآباء والمربين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
فإن التربية هي مهمة الدعاة والمصلحين وهي وظيفة الآباء والمعلمين ولابد من العناية بهما على أساس صحيح وتخطيط سليم.
وفيما يأتي سنشير إلى أربع من أساليب وركائز العملية التربوية وهي: النية، والقدوة، والحفز، والتفاعل التربوي تساعد المربين في هذا الباب:
أولا: النية والقصد:
وتعني حركة القلب وتوجهاته عند القيام بالتربية جملة وتفصيلاً، فكلما كان القلب متوجهاً إلى الله قاصداً بهذه التربية رضا الله، وكلما كان المسلم مخلصا صادقا في تربيته لأسرته وأولاده كلما نمت التربية، وزكت، وتباركت، وآتت أكلها، وأحدثت آثارها.
وكلما كانت التربية خالية من النية الصالحة والقصد الحسن، أو كانت جامدة خاملة، أو كانت ضعيفة واهية، أو كانت مشوبة مخلوطة بمقاصد دنيوية عاجلة كلما ضعفت التربية وخمدت وتخلفت آثارها المرجوة، وربما أحدثت عكس المقصود منها.
ونشير هنا إلى بعض آثار النية في التربية التي تدل على ضرورتها وأهميتها بالنسبة للمسلم.
أ- أن النية تحول العمل من عادة إلى عبادة، ومن عمل دنيوي أثره قريب بسيط إلى عمل أخروي أثره بعيد ومجيد. حيث تكون التربية بالنية الصالحة عملاً صالحاً دنيوي متوجها به إلى الله، مطلوباً به رضاه، فيقبل، ويحسب عنده سبحانه، قال رسول الله : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» [متفق عليه].
وبهذه النية يحس المسلم أنه عندما يربي أسرته وأولاده أو إخوانه فإنما يقوم بعمل أخروي، وكأنه في عبادة من العبادات: كالصلاة، والصوم، ونحوهما. فإذا علم أن التربية عملية دائمة مستمرة عرف أيضا أنه في عبادة مستمرة دائمة.
ب- أن مصاحبة النية الصالحة الأخروية للتربية عند المسلم هي ميزة له تميزه عن غير المسلمين، وتجعل ما يقوم به من تربية فريداً ومميزاً.
فريداً لأن الكفار لا تحسب لهم أعمالهم، ولا تقبل منهم في الآخرة مهما كانت صالحة؛ لأنها لم تقم على الإخلاص والصدق، قال تعالى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
بينما المؤمن يحسب له كل أعماله ما دامت أعمالاً مخلصة على هدي كتاب الله وسنة رسوله -- ومن ذلك ما يقوم به من عمل تربوي، قال تعالى:
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ. [آل عمران:194]
وقال- تعالى:
وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ[غافر:40].
جـ- أن النية صالحة تزيد في العمل وتباركه، وتنميه كما وكيفا لأن لها عمقا غيبيا غير مرئي.
فهي الصلة بين العبد وبين ربه، وبها يعلم الله صدق العبد من كذبه، وإقباله عليه من صدوده عنه.
قال رسول الله :
«إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [رواه مسلم].
فإذا علم الله من العبد أنه صادق معه في تربيته لأولاده وأسرته، مخلص له في توجيهاته ونصائحه لهم، إنما يريد من تربيته لهم حملهم على الحق واستسلامهم له وطاعتهم لله خالقهم ورازقهم. فإنه يحقق له ما أراد ويبارك، ويجعل هذه التربية مؤثرة وممتدة، وتظهر نتائجها وثمارها في أبنائه وبناته وأسرته عموماً.
وتخلف النية يكون بعكس ذلك حيث تستعصي الأمور وتتصعب، وتظهر العوائق، ويحس المربي أنه يزرع في أرض سبخة، لا خصوبة فيها، أو أنه أمام حواجز وحوائل لا يمكن اختراقها أو التغلب عليها، فكأن قلوب السامعين مقفلة، وآذانهم موصدة لا يطيقون السماع منه، فضلا عن الاستجابة له. أو يحس المربي بضعف الأثر التربوي وهزاله، وقلة نتائجه وثماره، فالجهد كثير واسع، والحصيلة محدودة بسيطة.
ثانيا: القدوة الحسنة:
وهي أن يسلك المربي سلوكاً صحيحاً وفق هدي القرآن والسنة ليكون مثالاً ونموذجاً للتأثير في الأثرة والأولاد من خلال أعماله وهيئته وسماته وطريقة تعامله.
قال تعالى:-
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2_3].
ولا ينفك المسلم بحال عن الحاجة الماسة إلى أن يكون قدوة لأهله وأولاده وإخوانه المسلمين، ويمكن للداعية أن يدعو الناس بسلوكه وأعماله ولو لم يوجههم بقوله، وكلما رأى الأبناء والبنات سلوك الأب والأم الملتزم بالإسلام، المهتدي بهديه، كلما استجابوا، واقتدوا، وحذوا حذو الآباء. وكلما خالف الآباء والأمهات وفرطوا في تطبيقها، كلما سار الأبناء والبنات على الخط نفسه من المخالفة والتفريط.
ويمكن أن تحقق القدوة الحسنة أثرها بمراعاة المبادئ التالية:
أ-مبدأ التطابق بين القول والفعل:
فالقدوة إنما تؤثر، وتحدث نتائجها الحسنة لأنها أفعال وصفات تعقب الأقوال والمبادئ التي ينادي بها المربي، فالأب يبادر إلى الصلاة والزكاة والصيام وأنواع العبادات، ويبادر إلى الصلة والبر والإحسان، ويبادر إلى الامتناع عن الربا والزنا والخمر والفجور. والأم مع ذلك تبادر إلى الحجاب والستر وطاعة الزوج، وهنا يحذو الأبناء والبنات حذوهم؛ لأنهم يجدون في شخصية الأبوين سمات ثابتة وصفات لاصقة تتلو أقوالهم ونصائحهم، وكلما كان الوالدان منفذين لأوامر الله مهما صعبت الظروف، وتغيرت الأجواء كان الأبناء والبنات أكثر قناعة و اتباعاً للوالدين واقتداء بهما، ومن أمثلة التطبيق في الأجواء الصعبة:
- صلاة الخوف.
-صلاة السفر.
-الالتزام بالحجاب في أجواء التبرج والسفور.
-الإنفاق في العسر واليسر.
ومن أعظم ما يصد الشباب عن الالتزام بالإسلام مخالفة الأفعال للأقوال، وقد نهى الله عن ذلك ومقته، قال تعالى: -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف:2_3]، وذم اليهود لاتصافهم بذلك، قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ * أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[البقرة:43_44].
وهو أمر مخز وممقوت، وينافي الذوق السليم والفطرة الصحيحة.
قال الحكيم:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ب-مبدأ عرض النموذج:
ويكون ذلك بالنفس حيث يعرض المربّي التوجيه الذي يريده والنصح من خلال سلوكه وعمله، فهو يأمرهم بالالتزام بوقت الصلاة، ويظهره في سلوكه، ويأمرهم بتلاوة القرآن، ويظهر هذا في سلوكه، وتأمر الأم البنات بالحشمة والتستر، ويظهر هذا في سلوكها.
۞۞۞۞۞۞۞
فالمربي هنا هو النموذج الذي يُقتدى به.
وقد كان رسول الله مثالاً يحتذى، وقدوة، يتعلم منه، قال تعالى:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ[الأحزاب:21].
وكان يقول :
«صلوا كما رأيتموني أصلي» [رواه البخاري].
وقد كان رسول الله يفعل الشيء، فيتبعه الناس، ويفعلون مثل فعله. فهو إذا أراد من الناس أن يتصدقوا بدأ فتصدق، فتبعه الناس، فتصدقوا، وإذا أراد أن يبني المسجد بدأ يبني، فتبعوه، وبنوا معه، وإذا أراد أن يحفر الخندق [لا يقول لهم احفروا فقط] بل يحفر، ويحفرون معه، وربما ربط على بطنه حجرين من الجوع، والناس يربطون حجراً واحداً، وإذا أراد الرسول بأن يجاهد كان في المقدمة، وهكذا في كافة النصائح والتوجيهات هو أول المنفذين، بل هو الذي يأخذ بالقسط الأوفر في الصدقة والصلاة والصوم والجهاد والصبر والصلة..الخ.
ويكون عرض النموذج بالقصة حيث يعرض المربون والآباء والأمهات السلوك المطلوب، والعمل المراد من خلال قصة يقصونها، أو حدث فيه عبرة يسردونه.
ومن هذا القصص القرآني الكثير، فهو منهل ثر لا ينضب للمربين يمكن أن يعودوا إليه في كل حين، ويرجعوا إلى تفسيره، فيجدون فيه القصص التي تحتوي على نماذج مؤثرة في أبواب الثبات على الإيمان، والإخلاص في العمل، والصبر، والصدق، وعواقبهما الحميدة، وحسن التعامل، والجهاد.
وهناك نماذج قصصية تعرض سقوط الإنسان وهلاكه بسبب الكفر، والفتنة بالمال والولد، والشهوات، والكبر مثل قصص فرعون وقارون وصاحب الجنتين..الخ..
منتدى المركز الدولى
ومن هذا القبيل القصص في السنة، حيث كان رسول الله يعلم أهله وأصحابه وأمته عن طريق عرض النماذج من خلال القصة المؤثرة التي تشد السامعين، وتيقظ الغافلين، وترهب المعاندين، وقصص الرسول كثيرة منها القصير ومنها الطويل، منها ما هو لغرس العقيدة، ومنها ما هو لبناء الخلق الفاضل، ومنها ما هو للتحذير من ارتكاب المحرمات، ومن ذلك قصة الغلام، وقصة أصحاب الغار، وقصة التائب.
ومن هذا استخدام القصص المطبوعة في كتب أو المسرودة في أشرطة للأطفال وللشباب، ومنها ما يمكن أن يقصه الآباء والأمهات عن سابق حياتهم وعن غيرهم مما فيه عبرة وعظة.
ومما يؤسف ويحزن أن أعداء الإسلام استغلوا هذا الأسلوب، فغزوا عقول الشباب والشابات وقلوبهم باستخدام النموذج الساقط في الأفلام والمسرحيات والتمثيليات، وبالروايات المطبوعة حيث يقرأها الشباب في حلهم وترحالهم، بل إن كثيراً من الشباب والشابات لا يتعلمون أخلاقهم، ويختارون نماذجهم المفضلة وطريقة حياتهم ولباسهم.. إلا عن هذا الطريق.
ويكون عرض النموذج باستخدام السيرة والترجمة، حيث يعرض المربي النماذج التاريخية الرائعة للمسلمين، فيسرد حياتهم، ومواقفهم، وجهادهم، وتضحياتهم، وأبرز أخلاقهم، وخصوصاً ما يلفت النظر، ويعطي العبرة.
ومن هذه السير سير كبار الصحابة مثل: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم.
ومنها سير شباب الصحابة مثل: مصعب بن عمير، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وأسامة بن زيد، وعلي بن أبي طالب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وغيرهم.
ومنها سير التابعين مثل: عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والأئمة الأربعة، وغير ذلك كثير.
وفي هذه السير نماذج للكفاح، والصدق، والصبر، والجهاد، وطلب العلم، والإيثار، والدعوة، والشجاعة، والورع..الخ..
جـ - مبدأ التكرار:
وذلك بأن يكرر المربي الأمر أو الفعل أو البرنامج الذي يريد تعليمه للأبناء والبنات والأسرة عموماً، فلا يكفي رؤيتهم له مرة واحدة، أو مرتين أو ثلاثاً، بل يجب أن يكون التكرار بحسب الأهمية والصعوبة للشيء المكرر، فربما احتاج المربي للتكرار عشرات المرات حتى يحفظ عنه أو يؤخذ منه.
ومن هدي رسول الله أنه يكرر القول أو الفعل في وقت واحد أو في أوقات متفرقة (وهو ما يسمى بالتعليم الموزع) حتى يتعلم منه ويطبق.
ومن هذا تكرار القصص في القرآن، وتكرار الأوامر والنواهي، حتى إن الأمر بالصلاة أو التوجيه إليها ليرد عشرات المرات.
وكما أن هذا المبدأ يؤثر في غرس الخير وفي بناء الشخصية المسلمة السوية، فإنه يؤثر في غرس السوء وفي بناء شخصية منحرفة ضالة قال تعالى:
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14].
ثالثا: الدفع والحفز:
وهو تزويد المتربي بما يدفعه إلى الأمام في التحصيل العلمي والسلوكي، وبما يحافظ على توجهه وحماسه، بل ويضاعف هذا التوجه وتلك الحماسة لتحصيل أكثر.
ويمثل هذا المبدأ في التربية الطاقة المحركة للمتربي، والزاد الذي لا ينضب ما دامت الحياة وما دامت التربية.
والمتربي – وخصوصاً – عندما يكون في سن الطفولة يحتاج إلى ما يربطه بالتربية من المحبوبات والمرغوبات، وما يشده إليها من الاحتياجات.
ويكون الحفز على ثلاث مستويات:
أ-المستوى العضوي:
بتلبية حاجات الجسد التي تحفظ توازنه، وتهيئه للتوجيه والتربية، وتعطيه الحد المناسب من الاستعداد والإمكانية لكي يتلقي التوجيهات التربوية.
وحاجات الجسد عديدة منها: الطعام، والشراب، والنفس، والتوازن بين الحرارة والبرودة، وتجنب الألم العضوي، وإخراج الفضلات والنوم.
۞۞۞۞۞۞۞
والمطلوب من المربي لضمان هذا المستوى من الحوافز ما يأتي:
1-أن يوفر المربي هذه الملبيات بالحد الجيد والمناسب، وخصوصاً الآباء والأمهات، أما المعلمون، فعليهم أن يستقبلوا التلاميذ وهم في حالة مناسبة.
2-عندما تلح الحاجة العضوية أو تظهر فعلى المربي ألا يصطدم بها، لأن الاصطدام بها بخفض الدافعية للعلم عند المتربي. فعلى المربي ألا يمنع التلميذ من الماء أو النوم أو الإخراج ..الخ.. لأنه سيكون في حالة من عدم التوازن العضوي بحيث لا يستفيد.
3-ألا يكون من عادة المربي أن يكلف التلميذ فوق طاقته العضوية بتقليل نومه، أو وضعه في جو شديد الحرارة أو البرودة، أو غير ذلك لأن ذلك مخالف للطبع والفطرة، والتربية الإسلامية تبتغي الانسجام معها والتيسير في التربية. وقد يلجأ المربي إلى بعض صنوف الحرمان لأغراض وقتية تنتهي بانتهاء هذه الأغراض.
وخلاصة القول هي: أن توفير الإشباع المناسب للمستوى العضوي في الدوافع أمر ضروري لحفز المتربي وضمان اندفاعه وحماسه.
ب-المستوى الدنيوي:
وذلك بالحفز المادي والمعنوي مما يحتاجه المتعلم، إذ أن حب التملك، والمال، والجاه، والثناء، والاستطلاع، وغيرها أمور من طبيعة النفس البشرية، فإذا استثمرت بالقدر المناسب كان دافعاً للتحصيل والإنتاج، ومعيناً للمربي على بلوغ غاياته التربوية والسلوكية. ويدخل في هذا أنواع كثيرة من الحوافز منها:
أ - الحفز بالمال بكميات منظمة قليلة أو كثيرة.
ب - الحفز بالهدايا العينية وهي أنواع عديدة.
ج - الحفز اللفظي بالكلمات المشجعة، والثناء، والمدح دون مبالغة.
د - الحفز الكتابي على الدفاتر والكراسات وبالرسائل.
هـ- الحفز المعنوي بالدعم المعنوي والمساندة وبشهادات التقدير.. إلخ.
و- الحفز الميداني بتلبية حاجاتهم للرحلات الترفيهية والاستطلاعية.
ولا بد من مراعاة بعض المبادئ في الحفز الدنيوي من ذلك:
1-النظام بأن يكون الحفز مرتباً من حيث الكمية والمقدار، ومن حيث التوقيت، فقد يحفز المربي سلوك المتربي في استجاباته بحسب الزمن بأن يكون كل يوم أو يومين أو أسبوع..الخ.. أو بحسب الإنتاج والعمل، بأن يكون بعد كل إنجاز أو إنجازين أو خمسة أو عشرة، وهكذا.
2-أن يعرف المتربي تمت مكافأته، أو لماذا لم تتم؟ ولا يلزم أن يكون تعريفه بذلك بطريقة مباشرة، بل قد يفهم ذلك من خلال الجو التربوي، والعادة، والنظام المتبع.
3-أن يتنوع الحفز قدر الإمكان، وكلما كان ملبياً لحاجات المتعلم الفطرية كان أحرى بالتأثير، فنلبي استطلاعاته بإهداء الكتب، والأشرطة الجديدة، والملفتة، ونلبي حبه للثناء بشكره، وتقديره لفظيا وكتابيا، ونلبي رغبته في المادة بإعطائه ما يحتاج إليه من هدايا عينية وهكذا.
۞۞۞۞۞۞۞
والاستمرار على نوع واحد يشيع الروتين، ويفقد الحافز أثره، وقد يمل المتربي ويشعر بالضيق.
جـ - المستوي الأخروي:
وذلك بدفع المتربي للتحصيل الأخروي بطلب الأجر والمثوبة من الله، وبدفعه للحصول على أنواع النعيم الأخروي في الجنة، والسعي للنجاة من أنواع العقاب في الآخرة، ومن خصائص هذا النوع من الحفز:
1-أنه يتناسب مع كبار المتعلمين أكثر من صغارهم لما يملكونه من قدرة على الإدراك والنظر، ولإمكانية الحوار معهم وإقناعهم.
2-أنه ينشئ اندفاعاً ذاتيا مصاحباً للمتعلم ومستمراً معه في جميع أحواله، فهو يعلم أنه مثاب على الحسنات، نائل بها الدرجات، معاقب على السيئات والمعاصي، وأن هذا يكون في السر والعلن، وفي حالاته الخاصة والعامة.
3- أن له مدى واسعاً لا حد له في نظرة البشر إذ أن جزاء الجنة وأنواع نعيمها لا يعد ولا يحصى، فيظل المتربي في تحصيل مستمر، وابتغاء للخير ممتد امتداد الحياة.
رابعا:التفاعل والانسجام بين ركني التربية:
والمقصود أن تكون العلاقة بين المربي والمتربي كالأب وابنه والأستاذ وتلميذه، والداعية والمدعو، علاقة حية فاعله، وصلة حميمة وثيقة، وهذا شرط أساس للتربية الناجحة، والعمل الدعوي المثمر، وقد كان شرطاً متوفراً أيما توفر في طريقة رسول الله التربوية، فقد كان يؤسس علاقة المحبة والألفة قبل وأثناء التربية حتى إذا تماسكت وتشابكت النفوس، وباتت منسجمة متقاربة استطاع أن يوجه، وينصح، ويأمر، وينهى، ويعطي، ويمنع ويجد من المربي الاستجابة والطاعة، والسماع والاقتداء.
بينما إذا كانت عرى العلاقة مبتوتة، وأواصر المحبة معدومة أو ضعيفة هزيلة، باتت التربية شاقة عسيرة، وصار يجد من المتربي العناد أكثر من الطاعة، وإيصاد السمع أكثر من إلقائه، وبات المربي ضائق الصدر عديم الحيلة.
ويجدر هنا أن نشير إلى بعض أنواع السلوك التفاعلي الذي يؤدي – عند العناية به – إلى الانسجام، والألفة، والمحبة، ويؤثر على المتربي في التلقي والسماع والاقتداء بالمربي. وعند إهماله أو مخالفته يؤدي إلى البعد و النفرة والكراهية، وينتهي إلى سليبة المتربي، وتردده، ومكابرته.
۞۞۞۞۞۞۞
ومن أنواع السلوك التفاعلي ما يأتي:
1-السلوك اللغوي:
ويتعلق بلغة الفرد، وطريقة تخاطبه مع الآخرين، وأساليبه في السؤال والجواب والحوار ونوع الكلمات المستخدمة، فالفرد كلما كان سليط اللسان أو كثير الكلام أو متكلفاً متفيهقاً أو فظا غلياً كلما تدنى أو فقد تفاعله مع الآخرين، قال تعالى:
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
[آل عمران: 159].
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: «لم يكن النبي سباباً ولا فاحشا ولا لاعنا» [رواه البخاري].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله قال: «إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها»[رواه أحمد].
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن رسول الله قال: «إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون المتفيهقون » [رواه الترمذي].
وكلما كان المرء لين الحديث، بعيداً عن المراء، غير جارح في حديثه وخطابه، ينتقي الكلمات اللطيفة، والأجوبة الرقيقة، كلما كان متفاعلا محبوباً، مقبولاً لدى الآخرين. منتدى المركز الدولى
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: «ما سئل النبي عن شيء قط فقال: لا» [متفق عليه].
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: «خدمت النبي عشر سنين، فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته: لم صنعته ولا لشيء تركته: لم تركته؟ » [رواه الترمذي].
2-سلوك السيما والهيئة:
ويتعلق بهيئة الفرد وملامح وجهه، والطابع المميز لقسماته، والسيما التي تغلب عليه عند ملاقاة الآخرين، والفرد إما أن يعرف بأريحيته، وطلاقة وجهه، وانبساط أساريره، فيكسب الناس، ويملك مشاعرهم، وإما أن يكون مقطب الجبين، عابس الوجه أو صلبا جامداً، غير متفاعل في هيئته، فيعرض عنه الناس، ويتجنبوه، أو يتعاملون معه تعاملاً رسمياً، وفق الحاجة، أما التعامل التربوي المؤثر فلابد فيه من مراعاة سلوك الهيئة والسيما، واعتبار ملامح الإنسان، وقسمات وجهه عنصرا مهما في التفاعل، ورسالة لا غنى عنها للإذن بالاندماج أو عدمه.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه – أن رسول الله قال: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق».
وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة» [رواه أحمد والترمذي].
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : «كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وأن تصب من دلوك في إناء جارك». [رواه أحمد].
۞۞۞۞۞۞۞
وقد عاتب الله نبيه عندما تلهى عن عبد الله بن أم مكتوم، وأعرض عنه، وكان قد جاء ليتعلم من الرسول أمر دينه، وما كان لهذه الحادثة أن تمر دون تنبيه ملفت واضح – في فواتح سورة عبس – يستفيد منه الرسول والمربون من بعده.
قال تعالى:
عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ [عبس:1-11].
3-السلوك التعاملي العادي:
ويتعلق بطريق الفرد المعتادة في التعامل وأسلوبه المتبع عند الاحتكاك بالآخرين من حيث الأمر والنهي والتوجيه والتكليف، والنصح والتعليم، ومن حيث مدى مراعاة اختلاف الأحوال والقدرات والإمكانات.
فالفرد إذا اعتاد أن يكون سهلاً ميسراً، ورفيقاً شفيقا، وإذا لمح فيه الناس الميل إلى اليسر والسماحة، وكان دائما يختار الطريق الأرفق والبديل الأحسن، ولو على حساب نفسه، أحبه الناس، وتقربوا إليه، وتفاعلوا معه، وشاركوه مشاعره، بل ربما صار العدو وليا حميماً بسبب هذا التعامل.
قال تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت :33-34].
وكان رسول الله كذلك، فقد اعتاد التيسير والسماحة، وكان رفيقا شفيقا، سهلاً ليناً، حسن التعامل، يرأف بالناس، ويبتغي التيسير عليهم، ويختار الأرفق بهم.
عن عائشة – رضي الله عنها- قالت:
«ما خير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم بها لله » [متفق عليه]. منتدى المركز الدولى
وكان رسول الله يدعو لاتخاذ هذا الأسلوب، والاعتياد عليه في دعوة الناس، وتربيتهم، ومعالجة قضاياهم، وفي توجيههم والتعامل معهم.
وعن أبي موسى ومعاذ بن جبل – رضي الله عنهما: لما بعثهما الرسول قال لهما: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» [رواه أحمد].
4-السلوك التكميلي (الترفيه والدعابة والمزاح):
ويتعلق بكماليات السلوك وملطفاته، حيث يتخذ من أساليب الترفيه وأنواع الترويح ما يخفف به ثقل التربية وجفافها، وقسوة البيئة العلمية والعملية، وجديتها. ومن ذلك الدعابة والممازحة بين الحين والحين، والملاطفة والتورية في الحديث على سبيل الألغاز والمعاتبة والتعليق دون جرح للمشاعر، والملاعبة بما لا يذهب الهيبة، ولا يغلب على المربي.
ولابد من مراعاة الناس في هذا، ومدى حاجتهم إليه فالحاجة إليه عند الحديث إلى الصغار أكثر من الكبار، وإلى العامة أكثر من الخاصة، وإلى المبتدئين أكثر من المتمكنين، والكل يحتاج ذلك بقدر.
۞۞۞۞۞۞۞
وقد كان رسول الله نموذجاً في سلوكه في هذا الجانب كما كان في غيره. وإليك بعض الأمثلة:
عن أبي هريرة: رضي الله عنه قال: «قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا؟ قال: إني لا أقول إلا حقا» [رواه الترمذي].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي قال له: «يا ذا الأذنين» قال أبو أسامة من رواة الحديث – إنما يعني به أن يمازحه. [رواه الترمذي].
وعن أنس – رضي الله عنه: أن رجلا استحمل رسول الله قال: «إني حاملك على ولد ناقة. فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله : «وهل تلد الإبل إلا النوق»؟ [رواه الترمذي].
وعن محمود بن الربيع – رضي الله عنه – قال: «إني لأعقل مجة مجها رسول الله في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو» [رواه البخاري].
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- إن النبي كان يدخل على أم سليم، ولها ابن من أبي طلحة، يكنى أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزيناً فقال: «مالي أرى أبا عمير حزيناً فقالوا: مات نغره الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: أبا عمير ما فعل النغير» [متفق عليه].
وختاماً، فإن ما أشرنا إليه إنما يمثل بعض الركائز والمبادئ التربوية التي يحتاج إليها المربي، وهو يقوم بخير عمل، ألا وهو عمل الدعوة والتزكية وبناء الأجيال والتي هي وظيفة الأنبياء والرسل قال – تعالى – عن رسول الله : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[الجمعة:2]
وفق الله الدعاة والمربين وجميع العاملين للإسلام لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
#منتدى_المركز_الدولى