المزاج الانفعالي العام للمواطن المصري
ووسائل التواصل الاجتماعي
بقلم ا.د. فتحي الشرقاوي
أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس
إذا أردنا التعرف على المزاج العام لشعب ما من الشعوب، فنظرة عابره إلى طبيعة مايتم طرحه وتداوله ومناقشته من خلال الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، كفيل بتزويدنا بمؤشرات سريعه بنوعيه هذا المزاج العام للأفراد ، و لعل المقصود بالمزاج العام هنا هو تلك الحاله الانفعالية الجماعية التي قد تسيطر على مجموعة كبيرة من رواد ومستخدمي تلك الوسائل، مثل مدى احساسهم بالسعادة، او الاكتئاب، او القلق، او الخوف أو الإحساس بخيبة الامل...الخ...ولو تعرضنا لما تعرضه وسائل التواصل المصرية من موضوعات يتم تداولها والانشغال بها يوميا، لوجدنا عدة مؤشرات لا يخطئ المتابع العادي من غير المتخصصين رؤيتها وإقامة الدليل عليها.
هناك ميل كبير للانشغال بطرح الموضوعات التي تتسم طبيعتها بالانحراف وعدم السواء
مثل حوادث اختطاف الأطفال، وحوادث سرقة الاعضاء، و حوادث التنمر والتحرش والاغتصاب، وحوادث الانحرافات الجنسية، فضلا عن كافة السلوكيات غير السوية داخل الاسرة المصريه مثل هروب الفتيات من اسرهم، وزنا المحارم..وكذلك كافة السلبيات التى قد تواجه بعض الأفراد الذين يطرحون مشكلاتهم الشخصية، التي تعكس مدى تعرضهم للظلم وعدم العدالة، واستغلال البعض لسلطاته ضدهم..الخ .
والغريب واللافت للنظر..أن طرح مثل هذه الموضوعات لا يتم بشكل فردي محدود، وإنما يتم تناوله بشكل مكثف من الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ما يعرف بالهاشتاجات والترندات واسعة الانتشار والكثافه، بحيث يبدو الأمر في نهايته بأن الحادثه الفردية المطروحه تمثل قضية رأي عام للمجتمع بأسره...
علما بأن مثل هذه الحوادث شبه الفردية كان يتم التعامل معها في أوقات زمنية سابقة
من خلال الإجراءات القانونية المتبعه في أماكن التحقيقات والقضاء إلا أنها تحولت فجأة منذ فترة زمنية لتصبح مادة دسمه لمتابعي وسائل التواصل الاجتماعي لتناولها، بل وإصدار أحكام قيمية بشأنها ( قبول/ رفض)
وقد يرى البعض أن من حق كل فرد تناول مايشاء من موضوعات في صفحاته الخاصة بوسائل التواصل، سواء الفيس بوك أو تويتر أو الواتس وغيرها من الوسائل المتعددة، إيمانا بحريته في الإدلاء برائه دون فرض قيود عليه ، تحد من حريته في الكتابة والتعبير وإبداء وجهة نظره
والحقيقة أن القبول غير المشروط لهذا المبدا، قد تكون له آثار السلبية العديدة ، اكبر بكثير من سقف توقعاتنا...
مثل تشكيل اراء واتجاهات وقيم ومعتقدات بشكل غير مباشر،
ولا أعلم هل الساسة والمعنيين بإدارة هذا الملف الإعلامي ، على وعي بذلك أم لا....
دعونا نبحر سويا متخطيين المستوى السطحي لهذه الظاهرة، وصولا إلى بعض المؤشرات الكامنة خلفها...
يدرك أهل التخصص في مجالات علم النفس بعامة، أن كثرة تناول الموضوعات الفردية السلبية ، وتكثيف تناولها بالعرض والمناقشة من قبل الأفراد ، قد يوحي للمتابعين، بأنها ظاهرة جماعية وليست فردية نوعية، هنا يبدأ التعميم من الجزء إلى الكل، وخلال فترة زمنية من التكثيف والطرح والعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعتقد الأفراد بأن مايتم عرضه من احداث
سوف يصيب الجميع، مع كل ما يترتب على ذلك من اضطراب أفكارهم ومن ثم تغير انفعالاتهم
المتمثلة في الخوف والحذر والترقب والضغط
وما ان يفقد الحدث الذي يتم طرحه بريقه و تأثيره المستهدف خلال عدة أيام من طرحه
حتى نفاجئ بطرح حادثه جديدة سلبية، تستحوذ على اهتمامات أفراد المجتمع لضمان استمرار
الإضطراب الانفعالي السلبي لديهم أطول فترة ممكنه بشكل مستمر
ولعل السؤال المطروح...
من الذي يهمه بقاء تلك الحاله من المزاج السوداوي للمصريين المتابعين لتلك الوسائل الإجتماعية..واعدادهم ليست قليلة كما يحاول البعض اقناعنا بذلك
في الحقيقة هناك أربعة فئات من الأفراد قد يساهمون بشكل أو بأخر
في نشر ثقافة الإضطراب واهتزاز المستوى العام لمزاج المصريين الانفعالي والنفسي
#الفئة الأولى
صفحات الأفراد والجماعات ذوي الاتجاهات المناهضة لسياسة الدولة، الذين ابتعدوا عن الحديث المباشر في أمور السياسه، والإفصاح المباشر عن اتجاهاتهم، إلى تبني سياسة النيل من أفكار وانفعالات المصريين ومحاولة هزيمتهم نفسيا، من خلال العرض المستمر والمكثف لكل الحوادث الفردية، ذات النزعات المأساوية وتضخيمها، لتبدو كونها ليست قضايا نوعية فردية، بل قضايا رأي عام ، ومن ثم الإيهام والايحاء بأن كل الأفراد سيكون مصيرهم مثل مصير تلك الحوادث. مع كل مايعقب ذلك من اضطراب المستوى المعرفي والانفعالي بل والسلوكي لهم
#الفئة الثانية
مجموعات الأفراد الذين يساهمون في عمليات النشر( الشير) دون وعي منهم بمدى الأخطار الكامنة خلف كثافة عمليات النشر
#الفئة الثالثة
منظومة العمل الإعلامي التي تهتم بأخبار الإثاره ، التي تحقق لها ارتفاع نسبة المشاهده، بعيدا عن الأهداف بعيدة المدى الكامنة خلف نشر الوقائع والأحداث المتعلقة بأمن وسلامة المصريين النفسية والانفعالية
#الفئة الرابعه...
التواني والتأخير الملحوظ من قادة الرأي الرسميين المعنيين بإدارة ملف الاعلام بكافة روافده
المسموع والمكتوب والمرئي، في التصدي السريع والمباشر في توضيح حقائق الأمور، ووضعها في حجمها ونصابها الصحيح
ووأد تلك الأفكار الخاطئة في مهدها قبل انتشارها واستفحالها
ومن ثم عدم النيل من المزاج العام للمصريين
هل علمتم الآن لماذا لا يشعر المواطن العادي بقيمة اي إنجازات
تحدث على أرض الواقع، الإجابة ببساطه لأن جماعات الضغط فلحت نسبيا على المستوى الإعلامي الجماهيري
من خلال استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي المتعددة
في فرض أجندتها الخاصة الرامية إلى التشكيك في اي انجاز مجتمعي
يتم تحقيقه على أرض الواقع، بل وتقديم بديل سلبي مكمل
يتمثل في تضخيم كل الحوادث الفردية السلبية
وتصويرها على أنها قضايا ذات صبغة رأي عام تخص كل الافراد
لضمان بقاء التأثير السلبي لإنفعالاتهم ومزاجهم السلبي
هل من تحرك علمي واعي مدروس..تجاه كيفية التعامل مع هذه الإشكالية.. ؟
نتمنى ذلك... حفظ الله مصر والمصريين
ا.د. فتحي الشرقاوي