سلسلة دروس فقه السيرة
🟩أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم 🟩
كان -صلى الله عليه وسلم- وافر الأدب ، جم التواضع ، وعلامة إيمانك بالله التواضع ، وعلامة تعظيمك لله التواضع ، لأن الربَ ربٌ ، والعبدُ عبدٌ ، شأن العبد التواضع ، وشأن الله سبحانه تعالى أنه عظيم ، وأن كل شيء يصدر عنه عظيم ، وأن الذي لا يرى عظمة الله يستحق خسارة أبدية لا توصف
علامة إيمان المرء تواضعه
تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد أسباب شمائله وخُلقه العظيم ، كان إذا دخل عليه رجل وأصابته رعدة يقول له : " هون الله عليك ، فلست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد "(أخرجه الحاكم من حديث جرير في المستدرك)
وكان إذا سافر مع أصحابه ، وقال أحدهم : علي ذبح الشاة ، وقال الثاني : علي سلخها ، وقال الثالث : وعلي طبخها ، وقال عليه الصلاة والسلام : علي جمع الحطب ، يُقال له : يا رسول الله ، نكفيك ذلك ، يقول : " قد علمت أنكم تكفوني ، ولكن أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا على أصحابه "(ورد في الأثر)
كان -صلى الله عليه وسلم- يأكل مع الخادم ، ويقضي حاجة الضعيف والبائس جاءه ملك من ملوك الغساسنة ، عدي بن حاتم ، يظنه ملكاً أو يظنه نبياً ، هو في حيرة ، فلما لقيه سأله عن اسمه وتكريماً له دعاه إلى بيته ، وفي الطريق استوقفته امرأة مسنة ، فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها فقال في نفسه : والله ما هذا بأمر ملك ، إنه نبي ، فلما دخل إلى بيته أعطاه النبي وسادة من أدم محشوة ليفاً قال : إجلس عليها ، قلت : بل أنت ، قال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأرض ، أرأيت إلى هذا التواضع ، وإلى تكريم الضيف
دخل مرةً على عبد الملك بن مروان وفد تقدمهم غلام ، فغضب أشد الغضب ، وقال لحاجبه : ما شاء أحد أن يدخل عليه حتى دخل حتى الصبيان فإبتسم هذا الصغير وقال : أيها الأمير ، إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك ، ولكنه شرفني
كان عليه الصلاة والسلام بشوشاً ، ضاحكاً ، يلقي أصحابه بالبشاشة ، وقد قال : " تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدَقةٌ"(أخرجه الترمذي عن أبي ذر في سُننه)
لكنه كان على درجة عالية من الحكمة ، ومن أخذ الحيطة
فكان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس ، ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين ، وهذا أيضاً نوع من الأدب ، لا أن تلقي عليه مبلغاً من المال إلقاء ، لا أن تكلف أحد أن يعطيه هذا المال
وإذا جلسَ جلس حيث ينتهي به المجلس ، أناس كثيرون إذا دعوا إلى إحتفال إن لم يكن لهم مكان في الصف الأول غضبوا أشد الغضب ، لم يُرَ ماداً رجليه قط ولا بين أصحابه ، وهذا أدب جم ، هناك جلسة فيها أدب ، هناك وقفة فيها أدب ، هناك حركة فيها أدب ، هناك نظرة فيها أدب
وكان عليه الصلاة والسلام يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين ، وكان يقول : " من دعي ولم يلبي فقد عصا أبا القاسم "(أخرجه أحمد في مسنده)
وكان يقول : " لو دعيت إلى كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت "(أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة في الصحيح)
وقد دعي مرةً ، وقدّم له خل فقال : " نعم الإدام الخل "(أخرجه مسلم عن عائشة في الصحيح)
وأنت حينما تدعى إلى طعام ، أو إلى إحتفال ، أو إلى عقد قران ، يجب أن تعلم أن تلبيتك لهذه الدعوة نوع من العبادة ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب دعوة من دعاه ، لكن الناس أحياناً يجيبون دعوة الأقوياء والأغنياء ، ولا يجيبون دعوة الفقراء ، وهذا مأخذ كبير على الإنسان
كان عليه الصلاة والسلام يقبل عذر المعتذر ، العظماء أيها الأخوة يغفرون الزلات ، ويقبلون الأعذار فهذا الذي إرتكب خيانة عظمى قال له : يا حاطب ، وقد أخبر قريش أن محمداً سيغزوهم ، ما حملك على ما فعلت؟
قال : والله يا رسول الله ما كفرت ، ولا إرتددت ، ولكني لصيق في قريش أردت بهذا الكتاب أن أحمي أهلي ومالي ، وأنا موقن أن الله سينصرك ، فاغفر لي ذلك يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني صدقته فصدقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً الإنسان اللئيم لا يسترضى ، ولا يرضى ، لكن الإنسان المؤمن يسترضى ويرضى كان يقول : " من أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا أو مبطلا "(أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة)
كان يقبل عذر المعتذر ، كان يخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويعقل بعيره ، ويكنس داره ، وكان في مهنة أهله ، أي في خدمة أهله ، أناس كثيرون يترفعون أن يقوموا بأعمال في المنزل ، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمنا أنك إذا قمت في بعض الأعمال في المنزل تمنت العلاقة بينك وبين زوجتك
وكان عليه الصلاة والسلام يقول : " أفشوا السلام بينكم "(أخرجه أحمد في مسنده عن الزبير بن العوام)
السلام من سمة المؤمنين ، إلقاء السلام سُنَّة مؤكدة لكن رد السلام فريضة ، وأنت حينما تقول لمن تلتقي به : السلام عليكم فقد جعلت العلاقة بينك وبينه علاقة سلام كان يبدأ الناس بالسلام ، وينصرف بكله إلى محدثه ، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ، ولعله أدرى به هناك من يتعلم فن الكلام
لكن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا فن الكلام
وعلمنا فن الإستماع ، ولا يتقن فن الإستماع إلا القلة ، يتقن فن الكلام كثيرون من البشر
لكن الذين يتقنون فن الإستماع قليلون جداً ، فكان يصغي إلى محدثه ، ينصرف بكله إلى محدثه ، وهذا تكريم له ، وهذا أدب ما بعده أدب أن تستمع ، أحياناً الإنسان لا يصغي إلى من يحدثه ، ولو كان أقرب الناس إليه
أما إذا صافحه أحد أصحابه فكان آخر من يسحب يده إذا صافح إلى أن يسحب الصحابي يده من يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن تسلم على الناس بحرارة ، بمودة ، بطلاقة وجه ، أن تسألهم عن أحوالهم ، وعن أولادهم ، وعن صحتهم وعن معاشهم ، وعن أعمالهم ، هذا منتهى الأدب ، ومنتهى الود
كان عليه الصلاة والسلام يصغي إلى زوجته ، وأحياناً بعد مضي وقت من الزواج ترفع الكلفة بين الزوجين ، فقلّمَا يصغي الزوج إلى زوجته لكنه عليه الصلاة والسلام أصغى إليها كثيراً ، وقد حدثته عن قصص كثيرة ، حدثته مرة عن أبي زرع حديثاً طويلاً ، وتحدثت عن محبته لأم زرع ، وعن وفائه لها ، ثم أسفت أشد الأسف حينما قالت : لكنه طلقها فقال عليه الصلاة والسلام : أنا لكِ كأبي زرع ، لكني لا أطلقك
اللهم صٌل وسٌلِم وبارك على نبيًنا وحبًيبنا مُحٌمد وعلى آله وصٌحبه أجمًعين ،ﷺ🤲
رزقنا الله وإياكم شفاعته ومرافقته في الجنة {ﷺ}🤲
#منتدى_المركز_الدولى