أولاً: الحَيْض:
الحَيْض في اللغة: سَيَلاَنُ الشيء وَجَرَيَانُه[2]، وفي الشرع: دمٌ يُرخِيهِ رَحِمُ المرأة بعد بلوغها في أوقاتٍ معتادة[3].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فهو دمٌ طبيعي، ليس له سبب من مرض، أو جُرْح، أو سقوط، أو ولادة، وبِما أنَّه دم طبيعي فإنَّه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وَجَوِّها؛ ولذلك تختلف فيه النساء اختلافًا متباينًا ظاهرًا"[4].
صفة دم الحَيْض:
دم الحَيْض يخرج من الرَّحِم، ويكون أسوداً ساخناً كأنه مُحترقاً[5]، "وهو دمٌ تَغلب عليه السيولة وعدم التجلُّط، وله رائحة خاصَّة تُميِّزه عن الدَّم العادي، وهو يخرج من جميع الأوعية الدمويَّة بالرَّحِم، سواء الشرياني منها أو الوريدي، مُختلطًا بخلايا جدار الرَّحِم المتساقطة"[6].
بداية سن الحَيْض:
ليس هناك سنٌّ معيَّنة لبدء الحَيْض، فهو يختلف بحسب طبيعة المرأة وبيئتها وجَوِّها، فمتى رأت الأنثى الحَيْض فهو حيضٌ، وإن كانت دونَ تِسْع سنين، أو فوق خَمْسين سنة؛ وذلك لأنَّ أحكام الحَيْض علَّقها الله ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على وجوده"[7].
مدَّة الحَيْض:
قال ابن المنذر رحمه الله: (وقالت طائفةٌ: ليس لأقلِّ الحَيْض ولا لأكثرِه حدٌّ بالأيام)، قال ابن عثيمين رحمه الله: "وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة [8]، وهو الصواب؛ لأنَّه يدلُّ عليه الكتاب والسُّنة والاعتبار[9].
وعلى هذا، فما ذهب إليه كثيرٌ من الفقهاء بأن أقلَّ زمن الحَيْض يوم وليلة، وأكثره خمس عشرة، أو نَحْو ذلك، لا دليل عليه، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "مِن النِّساء مَن لا تحيضُ أصلاً، ومنهن مَن تَحيضُ ساعاتٍ ثم تَطْهُر[10]".
حيض الحامل[11]:
الصحيح أنَّ الحامل لا تَحيض، والدليل على ذلك من القرآن، والحِسِّ، وكذلك فقد أخبر الأطبَّاء أنه لا يُمْكِن للحامل أن تحيض، وأنَّ ما تراه مِن دمٍ: فإنَّما هو نَـزيف أو مرض أو جر[12].
علامة الطُهر:
يُعرَفُ الطُهر مِن الحَيْض بخروج ما يُسَمَّى بـ "القَصَّة البيضاء"، وهو سائل أبيض يخرج إذا توقف الحَيْض، فإذا لم يكن من عادتها خروجُ هذا السائل، فعلامة طُهْرها "الْجفاف"؛ بأن تضع قطنة بيضاء في فرْجِها، فإن خرجَتْ ولم تتغيَّر بدم أو صُفرة أو كُدْرة (وهو لون بين الصُّفرة والسَّواد)، فذلك علامة طهرها.
تنبيهات:
(1) إذا زادت مدَّة الحَيْض أو نقصت عن المدة المعتادة، بأن تكون عادتها مثلاً ستَّة أيام فتزيد لِسَبْع، أو العكس، فالصحيح أنه متَى رأت الدم: فهو حيض، ومتى رأت الطُّهر: فهو طُهْر.
(2) وكذلك إذا تقدَّم أو تأخَّر الحَيْض عن عادتِها، كأن يكون في أوَّل الشهر فتراه مثلاً في آخره، أو عكس ذلك، فالصَّحيح أنه متَى رأت الدَّم فهو حيض، ومتَى رأت الطُّهر فهو طهر، كالمسألة السابقة تَمامًا، وهذا مذهب الشَّافعي، واختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة، واستصوبَه ابن عثيمين، وقوَّاه صاحب "الْمُغني[13]"
(3) حكم الصُفرة والكُدْرة ونحوهما، (بأن ترى المرأة دمًا أصفر، أو متكدرًا بين الصُّفرة والسَّواد)، أو ترى مجرَّد رطوبة، فهذا له حالتان:
الأولى: أن ترى ذلك أثناء الحَيْض، فهذا يَثبُتُ له حُكم الحَيْض؛ لِحَديث عائشة رضي الله عنها أن النِّساء كُنَّ يبعثن إليها بالدُّرْجة فيها الكُرْسُف فيه الصُّفْرة، فتقول: "لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّة البيضاء[14]"، و"الدُّرْجة" شيء تحتشي به المرأة - أيْ: تضعه في فَرْجِها - لتعرف هل بقي من أثر الحَيْض شيءٌ أم لا؟، و"الكرسف": القطن.
الثانية: أن ترى ذلك في زمن الطهر، فهذا لا يُعدُّ شيئًا ولا يثبت له حكم الحَيْض؛ لحديث أمِّ عطية رضي الله عنها: "كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطُّهر شيئًا"[15]، فلا يجب عليها وضوء ولا غسل.
(4) إذا بلغت المرأة سنَّ اليأس وانقطع دَمُها، ثم عاوَدَها، فهل يُعتَبَرُ حيضًا أم لا؟ الرَّاجح: أنه مهما أتى بِصِفَتِه من اللَّون والرائحة: فهو دم حيض، وأمَّا إذا كانت صفرة أو كدرة فلا يُعَدُّ شيئًا، وإذا رأَتْ مجرَّد قطعة دم غير متصلة بقطعة دم أخرى: فلا يُعَدُّ شيئًا.
(5) وكذلك المرأة إذا رأت في وقت طُهْرِها نقطة دمٍ غير متصلة: فإنَّها لا تلتفت إليها، ولا تَعُدُّه شيئًا، فقد يَحدُث ذلك نتيجة إرهاق أو حَمْلِ شيء ثقيل أو مرض.
(6) أما عن تقطُّع الحَيْض؛ بحيثُ ترى المرأة يومًا دمًا ويومًا نقاء، ونَحْو ذلك، فهذا أيضًا له حالتان:
الأولى: أن يكون هذا مستمرًّا معها في كلَّ وقت، بحيث لا ينقطع ذلك عنها أبدًا، أو ينقطع عنها مدَّة يسيرة: فهذا دم استحاضة، وسيأتي بيان أحكام المُستَحَاضَة.
الثَّانية: أن يكون متقطِّعًا بأن يأتيها أحياناً بهذه الهيئة (يومًا دمًا ويومًا نقاء)، ويكون لها وقت طهر معلوم، فقد اختلف العلماء في يوم النَّقاء: هل يكون طهرًا أم يكون حيضًا؟ وأوسط الأقوال في ذلك ما ذهب إليه ابن قدامة على النحو التالي:
أ - إذا نقص انقطاع الدَّم عن يوم: فالصحيح أن تحسب هذه المدَّة من الحَيْض، ولا يكون طهرًا، والمقصود بانقطاعه؛ أيْ: ينقطع تمامًا بحيث لا ترى صفرة ولا كدرة ولا حُمْرة، فلا ترى إلاَّ الجفاف، وفي نفس الوقت لا ترى القَصَّة البيضاء.
ب - أمَّا إذا رأت في مدَّة النقاء ما يدلُّ على الطهر، كأَنْ ترى القصَّة البيضاء مثلاً، فالصَّحيح أن هذه المدَّة تكون طهرًا، سواء كانت قليلة أو كثيرة، أقلَّ من يوم أو أكثر.
:diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds:
ثانيًا: الاستحاضة
معنى الاستحاضة:
هو دمٌ يسيل من فَرْج المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبدًا، أو ينقطع عنها مدَّة يسيرة.
أحوال المُستَحَاضَة:
الحالة الأولى: أن يكون لها عادة لِحَيض معلوم قبل الاستحاضة (يعني يأتيها الحَيْض في وقت معين من الشهر، وبعدد معين من الأيام)[16]، فإنها تَحْتسب وقت حيضِها المعلوم باعتبار أنَّ هذا الوقت هو مُدَّة الحَيْض، ثم تعتبر بقية الشَّهر استحاضة، ومثال ذلك: إذا كان يأتيها الحَيْض ستَّة أيام في أوَّل الشهر، ثم طرأ عليها الاستحاضة، فصار الدَّم يأتيها باستمرارٍ، فيكون حيضها ستة أيام في أول الشَّهر، ويكون بقية الشهر استحاضة، وهكذا في كلِّ شهر.
الحالة الثانية: ألاَّ يكون لها عادة لحيض معلوم قبل الاستحاضة، ولكنَّها تستطيع أن تميِّز بين دم الحَيْض ودم الاستحاضة، فهذه تعمل بالتمييز بين دم الحَيْض ودم الاستحاضة، عِلماً بأنّ دمَ الحَيْض يُميَّز عن دمِ الاستحاضة بأربع علامات:
1- اللَّون: فالحَيْض أسود، والاستحاضة أحمر.
2- الرِّقة: فدَمُ الحَيْض ثخين، ودَمُ الاستحاضة رقيق.
3- الرائحة: فالحَيْض منتن الرائحة، والاستحاضة غير منتن.
4- التجمُّد: فدَمُ الحَيْض لا يتجمد، ودَمُ الاستحاضة يتجمد.
الحالة الثالثة: ألاَّ يكون لَها عادةٌ لحيض معلوم قبل الاستحاضة، وليس لها تَمْييز صالِحٌ للدَّم؛ لاشتباهِه عليها، أو مَجيئه على صفات مضطربة: فهذه تعمل بعادة غالب النساء فيكون الحَيْض ستة أيام، أو سبعة أيام من كل شهر تبدأ حسابها من أول اللحظة التي ترى فيها الدم، ويكون بقية الشهر استحاضة، لأنها لا تستطيع تمييز الدم.
ماذا تفعل المُستَحَاضَة من أجل الصلاة؟
المُستَحَاضَة إذا انقضت مدَّة حيضها (على التفصيل السابق)، فإنَّها تغتسل غسلها من الحَيْض، ثُمَّ تربط ِخرقة على فرجها - ويسمَّى هذا تلجُّمًا واستثفارًا - وبذلك يكون لها أحكام الطُّهر: فيُبَاحُ لها الصَّلاة، والصوم، والطَّواف، وغير ذلك مِمَّا كان مُحرَّمًا عليها بسبب الحَيْض، إلا أنَّها بالنِّسبة للصلاة: تتخيَّر أحد هذه الأمور:
الأول: تتوضَّأ لكلِّ صلاة؛ أي: إنَّها لا تتوضَّأ قبل دخول وقت الصلاة، ولكنْ بعد ما يدخل وقت الصلاة (بعد الأذان) وهذا الأمر هو الأيسر لها، ويُلاحَظ أنها تغسل فرْجَها قبل وضوئها، وتشد عليه خرقة.
الثاني: تؤخِّر الظهر إلى قبل العصر، ثم تغتسل، وتصلِّي الظهر، ثم لما يدخل وقت العصر: تصلي العصر بنفس الغسل (أي بدون إحداث غسل آخر)، وكذلك تؤخِّر المغرب إلى قبل العشاء، ثم تغتسل، وتصلِّي المغرب والعشاء (كما فعلت في الظهر والعصر)، وتغتسل للصُّبح وتصلِّي.
الثالث: الاغتسال لكلِّ صلاة.
ملاحظات:
(1) المُستَحَاضَة لا يضرُّها ما ينْزِل منها من دمٍ بعد وضوئها مهما كَثُر (حتى لو نزل منها الدم أثناء الصلاة)؛ لأنَّها معذورة، وعليها أن تعصب على فرجها خرقة تتلجَّم بها.
(2) اختلف العلماء في جواز جماع المُستَحَاضَة، والصحيح جوازه؛ لأنَّ الشرع لم يَمْنَع من جماعها، وهذا رأي الجمهور، قال الشَّوكانِيُّ رحمه الله: "ولم يَرِد في ذلك شرع يقتضي المنع منه، وفي "سنن أبي داود" عن عكرمة أنه قال: "كانت أمُّ حبيبة تُستحاض فكان زوجُها يغشاها"[17]"[18].
(3) إذا نزَفَت المرأةُ لسببٍ يُوجِبُ نزيفها لعمليَّةٍ مثلاً في الرَّحِم، ثم خرج الدَّم، فهذه على حالتين:
أ - أن يُعلم أنَّها لا يُمْكِن أن تحيض، كأن تكون العمليَّة: (استئصال الرحم)، فهذه لا يَثبُت لها أحكام الاستحاضة؛ فلا تمتنع عن الصَّلاة في أيِّ وقت، ويكون هذا الدم: دمَ عِلَّةٍ وفساد، ويرى الشيخ ابن عثيمين أن تتوضأ لكلِّ صلاة[19].
ب - أن يُعلم أنَّها من الممكن أن تحيض: فيكون حكمها حكم المُستَحَاضَة.
(4) إن كان لها عادة معينة لحيض معلوم، وكانت تستطيع أيضاً التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة: فالرَّاجح أنَّها تحتسب بالعادة لا بالتمييز [20]، فإن نَسِيَت عادتَها: عَمِلَت بالتمييز.
(5) إذا علمت أنَّ الحَيْض يأتيها في أول الشهر، ثم نسيت هل هو ستَّة أيام، أم سبعة، أم غير ذلك؟ يُقال لها: احتسبي بغالب الحَيْض الذي يأتي لباقي النساء، - بأن تعرف مدة الحَيْض لأقرب النساء إليها - ولا ترجعي للتَّمييز[21].
(6) والعكس: فإن تَذكرت أنَّه كان يأتيها ستَّةَ أيام، لكنها نسيت هل كان يأتيها في أول الشهر أم في آخِره؟ فإنَّها تحتسب من أوَّل الشهر عدد ما كانت تأتيها الحَيْضة، فإن قالت: إنَّه كان يأتيها في نصف الشهر لكنها لا تستطيع التحديد، فإنها تجلس من أول النصف عدد ما كانت تأتيها حيضتها؛ لأنَّ نصف الشهر في هذه الحالة أقرب إلى ضبط وقتها، والله أعلم.
:diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds:
ثالثًا: النِفاس
معنى النِفاس:
هو دمٌ يُرخِيه الرَّحم بسبب الولادة، إمَّا معها، أو بعدها، أو قبلها بيومَيْن أو ثلاثة مع الطلق[22].
مُدَّته:
قال التِّرمذي رحمه الله: "أجْمَعَ أهل العلم من أصحاب النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَن بعدهم على أن النُّفَساء تدع الصلاة أربعين يومًا، إلاَّ أن ترى الطُّهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلِّي[23]"، قال ابن قدامة رحمه الله: (فإن زاد دم النُّفَساء على أربعين يومًا، فصادف عادة الحَيْض: فهو حيض، وإن لم يصادف الحَيْض: فهو استحاضة)[24].
وأما أقلُّ مدَّة للنفاس: فالصحيح أنه ليس لأقلِّه حدٌّ، فمتى رأت الطهر: اغتسلت، والعبرة فيه: وجود الدَّم، وعلى هذا يمكن أن نقول:
(1) إذا زاد الدَّم على الأربعين وكان دائماً ينقطع عنها بعد الأربعين، أو ظهرت أماراتٌ على قرب الانقطاع: انتظرت حتَّى ينقطع.
(2) إذا صادف زمن الحَيْض قرب الانقطاع، فإنها تجلس حتى ينتهي زمن حيضها.
(3) وإن استمر: فهي مستحاضة ترجع إلى أحكام المُستَحَاضَة.
(4) إذا طهرت قبل الأربعين فهي طاهر، فتغتسل وتصلِّي وتصوم، ويُجامعها زوجها، ويرى الإمام أحمد أنه لا يقربها زوجها استحبابًا وليسَ على سبيل الوجوب - أيْ: حتَّى تصل إلى الأربعين - وثبت عن عثمان نَحْو ذلك[25].
(5) إذا ولدت ولم ترَ الدم - وهذا نادر جدًّا - فإنَّها تتوضَّأ، وتصلِّي، ولا غسل عليها.
(6) إذا طَهُرَت قبل الأربعين، ثم عاودَها الدم أثناء الأربعين، فالذي رجَّحَه الشيخ ابن عثيمين: اعتبار القرائن فيهذا الدَّم، فإن علمت أنه دم نفاس: فهو كذلك، وإن علمت بالقرائن أنَّه ليس دمَ نفاس: فهي في حُكم الطَّاهرات، والله أعلم[26].
بِمَ يَثبُت النِفاس؟ (يعني متى نعرف أنّ هذا الدم هو دم نفاس)؟
لا يَثبُت النِفاس إلاَّ إذا وضعت المرأة ما تبيَّن فيه خَلْقُ إنسان، فلو وضعت سِقْطًا لم يتبيَّن فيه خلق إنسان، فيرى بعض العلماء أن دمها لا يكون دم نفاس، ويرى الشيخ الألبانِيُّ رحمه الله أن الدَّم بعد السِّقط يكون دم نفاس (في أيِّ مرحلة من مراحل الجنين)، وقد رَجَّحَ الشيخ عادل العزازي هذا القوْل؛ ولكنْ بشرط: التأكُّد أنه سقط لآدمي، وليس مجرَّد دمٍ مُحتبس، ويُستعان على ذلك بالوسائل الطِّبيَّة، واللهُ أعلم.
:diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds:
الأحكام المترتِّبة على الحَيْض والنِفاس:
أولاً: الصلاة: يَحْرُم على الحائض والنُّفساء: الصلاة (فرضًا ونفلاً)، فإن طَهُرَتْ فلا يجب عليها إعادة هذه الصلاة.
ثانيًا: قراءة القرآن: اختلفت آراء العلماء في قراءة الحائض للقرآن ما بَيْن مُحرِّم ومُجَوِّز، والذي يترجَّح - والله أعلم - أنه يَجوز لها قراءة القرآن؛ لعدم ورود حديث صحيحٍ صريح يَمْنعها من قراءة القرآن.
وأما الذِّكْر والتسبيح، وقراءة كتب الحديث والفقه، والدُّعاء والتأمين عليه، واستماع القرآن، فلا خِلاف في جواز ذلك، والله أعلم.
ثالثًا: الصوم: يَحْرُم على الحائض والنفساء: الصوم، وعليهما قضاؤه بعد رمضان، فإن صامت وهي حائض أو نُفَساء، فصومها غير صحيح، وتكون آثِمَة ولم تَبْرأ بذلك ذمَّتُها، ويجب عليها القضاء.
رابعًا: تحريم الجماع:
يَحْرُم جماعُ الحائض وكذلك النُّفَساء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222]، ولما نـزلت هذه الآية قال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح)) [27]؛ يعني: اصنعوا كلَّ شيء إلا الجماع، فله تقبيلُها ومباشرتُها دون الفَرْج، فإنْ جامعها فهو آثِمٌ، وعليه الكفَّارة، هذا إن جامعها عالِمًا عامدًا، فإن كان ناسيًا أو جاهلاً بوجود الحَيْض، أو جاهلاً بتحريمه، أو مُكرَهًا فلا إثم عليه ولا كفارة[28]، والكفارة: هي أن يتصدَّق بدينار من الذهب، أو نصف دينار من الذَّهَب، والدينار يساوي تقريبًا (4.15) جرام من الذهب، واعتبر بعضُ أهل العلم إخراج الدينار إذا كان الدَّمُ كثيرًا، ونصف الدِّينار إذا كان قليلا، والأحوط إخراج دينار، والله أعلم.
• فإذا طَهُرَت من الحَيْض، فلا يُجامعها زوجها حتَّى تغتسل؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ أيْ: من الدم، ثم قال: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾؛ أيِ: اغتسلن ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾؛ أيِ: الجماع.
خامسًا: الطواف بالبيت: يَحْرُم عليها الطواف بالبيت، وأما بقية المناسك؛ من السَّعي، ورمي الجمار، والوقوف بعرفات، فلا حرجَ عليها في تأديتها، والحائض يسقط عنها طواف الوداع، بِخِلاف طواف العمرة والحجِّ، وهو طواف الرُّكن؛ فإنَّها تنتظر حتَّى تطهر ثم تطوف.
سادسًا: المُكث في المسجد:
اختلف العلماء في جواز مُكث الحائض في المسجد، فذهب بعضُهم إلى المنع، وذهب فريق آخر من العلماء إلى جواز مُكث الحائض في المسجد، وهو الراجح؛ لأنَّه لم يثبت دليلٌ صحيح صريح يَمْنع الحائض من المُكث في المسجد.
سابعًا: الطلاق:
يَحْرُم على الزوج أن يُطَلِّق زوجته وهي حائض؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ﴾ [الطلاق: 1]، بخلاف النِفاس، فإنَّه يجوز له أن يطلقها في نفاسها؛ لأنَّ النِفاس لا يُحْسَب من العدَّة.
• لكنْ لو طلَّقها وهي حائض: هل يقع الطلاق أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك بعد اتِّفاقهم أنَّه يُسَمَّى طلاقًا بِدْعيًّا، والراجح وقوعه، وسيأتي تفصيل ذلك في أبواب الطلاق - إن شاء الله تعالى.
واعلم أنه يجوز طلاق الحائض في الحالات الآتية:
(1) إذا طلَّقَها قبل الدخول بها؛ لأنه لا عدَّة لها.
(2) إذا طلقها وهي حامل؛ لأنَّه لا عبرة بِحَيض الحامل.
(3) إذا كان الطلاق على عوض (وهو ما يسمى بالْخُلع).
تنبيه:
يَجوز عقد النكاح على الحائض والنفساء؛ إذْ لا دليل يمنع من ذلك.
ملاحظات:
أ - يَجوز للمرأة استعمالُ ما يَمْنع الحَيْض بشرطين:
الأول: ألاَّ يُخْشَى الضَّرر عليها.
الثَّاني: أن يكون ذلك بإِذْن الزَّوج.
ب - يجوز للمرأة استعمال ما "يَجْلب الحَيْض" بشرطين:
الأول: ألاَّ تتحيَّل به على إسقاط واجبٍ شرعي، مثل أن تستعمله في رمضان للفِطْر.
الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج.
جـ - إذا جامع الرَّجلُ المرأةَ وهي حائض، فعليه الكفَّارة كما تقدَّم، لكن هل يجب على المرأة كفَّارة؟ خلافٌ بين العلماء، والصَّوابُ - والله أعلم - أنَّها إن طاوعَتْه وكان ذلك برِضاها أنَّه يجب عليها الكفارة أيضًا.
د- إذا باشر الرَّجلُ زوجته دون الفرج وهي حائض، لا يجب عليه الغسل إلاَّ بالإنـزال، وإن أنـزلَتْ هي وهي حائض أو احتلمت، استحبَّ لها أن تغتسل للجنابة في وقت حيضها، علمًا بأنه يجوز لها أن تؤخر غسلها من الجنابة حتى تطهر من الحَيْض.
هـ- إذا انقطع الدم عن الحائض ولم تغتسل، لم يُبَحْ ما كان مُحرَّمًا إلا الصيام والطلاق، وأما غيرهما فلا يباح إلاَّ بعد الاغتسال.
و- إذا طَهُرَتْ الحائض ولم تجد ماءً لتغتسل، - أو وجدَتْ الماء لكنَّها لا تستطيع استعماله -، فإنَّها تتيمَّم حتى يزول المانع فتغتسل، فإن تيمَّمَت أُبيح لَها ما كان محرَّمًا عليها، سواء بسواء كما لو اغتسلت.
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أوغير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).
[2] جاء في "المجموع" (2/ 341) عن صاحب الحاوي قال: للحيض ستة أسماء وردت اللغة بها، وأشهرها الحَيْض، والثاني: الطمث، الثالث: العراك، الرابع: الضحك، الخامس: الإكبار، السادس: الإعصار، قال الشيخ عادل العزّازي: ويقال للحائض أيضًا: نفست ودرست.
[3] انظر "المجموع" (2/ 342).
[4] الدماء الطبيعية للنساء"، (ص 5).
[5] انظر المجموع" (2/ 342).
[size]
[6] الحقائق العِلْميَّة في القرآن الكريم"، د. محمد أحمد ضرغام (ص 6).
[7] انظر
"الدماء الطبيعية"، ص 6، وانظر "الشرح المُمْتع" (1/ 400).
[8] من رسالة في الأسماء التي علَّق الشارعُ الأحكام به.
[9] الدماء الطبيعية" (ص 7).
[10] الشرح الممتع" (1/ 406).
[11] نقلاً من كتاب "الحَيْض والنِفاس" لأبي عمر الدبيان (1/ 128 - 131).
[12] انظر: "المغني" (1/ 353)، و"الدماء الطبيعية" (ص 14، 15).
[13] انظر: "المغني" (1/ 353)، و"الدماء الطبيعية" (ص 14، 15).
[/size]
[14] رواه البخاري تعليقًا (1/ 240)، ووصله مالك في "الموطأ" (كتاب الطهارة)رقم (128)، والبيهقي (1/ 355)، وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (198).
[15] صحيح: رواه أبو داود (307)، وابن ماجَهْ (647)، ورواه البخاري (326) دون قولها: "بعد الطهر.
[16] قال ابن قدامة رحمه الله: لا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها ووقت حيضها وطُهْرها، وشهر المرأة عبارة عن المدَّة التي فيها حيض وطهر.
[17] حسن: رواه أبو داود (309، 310)، والبيهقي (1/ 329)، وأم حبيبة هي حمنة بنت جحش.
[size]
[18] نَيْل الأوطار" (1/ 356).
[19] انظر: "الدماء الطبيعية للنساء.
[/size]
[20] "انظر "الشرح الممتع" (1/ 436، 437).
[size]
[21] انظر ص139.
[22] انظر "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 38).
[23] انظر "سنن الترمذي" عقب الحديث (32).
[24] الْمُغني" (1/ 392).
[25] رواه الدارمي (1/ 229)، والبيهقي (1/ 341).
[/size]
[26] الشرح الممتع" (1/ 450).
[size]
[27] مسلم (302)، وأبو داود (258)، والترمذي (2977)، وابن ماجَهْ (644).
[/size]
[28] انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" (3/ 204).
[size=51]
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/60601/#ixzz7HKcij6dQ[/size]