واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عَوَانٍ عندكم
بقلم فاطمة الامير
التفاهم في الزواج أساس الأسرة السعيدة، فكلما كان التفاهم والود بين الزوجين هو رابط القوة وجسر العبور الذي تعبر عليه الأوقات الصعبة بسلامٍ، كانت حياة كلٍّ منهما سعيدة ومليئة بالحب والود والتفاهم والرحمة.
أما إن استخدام الرجل قوامته بطريقة خاطئة، انقلبت الحياة الهانئة والأحلام الوردية إلى بركان من المشاكل التي لا ولن تهدأ.
كم تتألم الكثير من النساء اليوم وهي تشعر بأنها أسيرة لدى زوجها، تعامل بحِدَّةٍ، لا تستطيع حتى إبداء رأيها وفتح نقاش حتى وإن كان بسيطًا، حينها تنهال عليها الكلمات والعبارات، وكيف أنه لم يُطلَب رأيها لتتكلم!
كم تعاني الكثير من النساء وهي تذرف الدموع أنهارًا بسبب سوء معاملة الزوج لها!
كم من النساء اليوم نراها تبكي على حالها في صمت لا تستطيع الاعتراض على أبسط الأشياء!
كم من فتيات أعرضْنَ عن الزواج بسبب الخوف من أن يعامَلْنَ بنفس وتيرة ما يَرَون مع ما حولهن من النساء الأخريات!
والسبب: الزوج (الرجل) والإفراط في استخدام قوامته.
الزوج (الرجل) الذي فهِم القوامة خطًا، وورِث الشدة والقسوة دون وعيٍ منه، إنها تلك العادات والتقاليد التي يتوارثها الأجيال، وفهم القوامة الخطأ لدى البعض منهم.
بدايةً يتلهَّف الشابُّ لشريكة تؤنس حياته، وتحلم الفتاة بزوج يرسم البسمة على وجهها.
تستمر الحياة هكذا قليلًا ثم سرعان ما تبدأ المشاكل بينهما، أحيانًا تكون الزوجة السبب، وتارةً أخرى يكون الزوج هو السبب.
ولكن لماذا لا يستخدم الزوج قوامته، ويُظهِر الجانب الحنون من شخصيته، ويحتوي زوجته عند غضبها، بل ويعلم متى تكون غاضبة، ومتى تكون سعيدة.
انظر إلى رسولك وحبيبك المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه كيف كان يعرف مشاعر زوجاته عند الغضب، وهو أشرف الخلق وأكرمهم؛ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّني لَأعلَمُ إذا كُنْتِ عنِّي راضيةً وإذا كُنْتِ علَيَّ غَضْبى، قالت: وبمَ تعرِفُ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا كُنْتِ عنِّي راضيةً فحلَفْتِ قُلْتِ: لا وربِّ مُحمَّدٍ، وإذا كُنْتِ علَيَّ غَضْبى، قُلْتِ: لا وربِّ إبراهيمَ، قُلْتُ: أجَلْ، ما أهجُرُ إلَّا اسمَكَ)).
ولكن الذي يحدث أن بعض الرجال يجدون في كلمات الاعتذار والمواساة تقليلًا من شأنهم.
ولأنه دائمًا الرجل الذي لا يخطأ أبدًا، فعلى الزوجة الانكسار له والاعتذار عما لم يحدث منها، أو تقبلها لما هو يقول في صمت، بل إن هناك رجالًا يتفننون في إذلال المرأة ونسوا أنها تركت بيت أبيها لتعيش في حمايته، لا في قسوته وشدته المفرطة عليها ما بين الحين والحين في كل صغيرة وكبيرة.
أتساءل لماذا دائمًا يرى الرجل أن في قسوته وعنفه قوامته عليها؟
🟥لماذا يرى أن الحنان وحسن العشرة ينافي القوامة؟
لماذا لا يسارع باحتوائها بتلك الكلمات العذبة التي بها يذوب أي خلاف؟
لماذا لا يَدَعُها تنفِّس عن غضبها قليلًا، ويتحمل صدودها، في حدود معينة بالطبع، فالزوج له كامل الاحترام من زوجته؟
عن عمر بن الخطاب قال: ((صخبت عليَّ امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني! قالت: ولمَ تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل))؛ [رواه البخاري].
هي بشر مثلك أيها الزوج الحنون تشعر بالألم والغضب، تشعر بالسعادة والفرح.
تريد منك الحب والتفاهم، تريد منك إشراكها في عالمك الخاص وتأخذ برأيها.
عجبًا! أليس رسولك وقدوتك وهو نبي الله ورسوله كان يأخذ برأي زوجاته؟
وفي ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدْيِ وحلق الرأس، فلم يفعلوا لأنه شقَّ عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة، فدخل مهمومًا حزينًا على أم سلمة في خيمتها، فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب: ((اخرج يا رسول الله فاحلق وانحر، فحلق ونحر، وإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون))، هذا هو هدي نبيك مع زوجاته، فكيف أنت في أهل بيتك؟
لماذا أرى بعض الرجال اليوم يتأففون من مرض زوجاتهن؛ أليست بشرًا يتعب ويمرض؟
لماذا لا تكون أنت طبيبها ورفيقها في رحلة مرضها؟
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحدٌ من أهل بيته، نفث عليه بالمعوِّذات))؛ [رواه مسلم].
لماذا تدعها تنام باكية دامعة العينين؟ أليس لها قلب يتألم من تلك الوحدة، ومن ذاك الهجر الذي وقع بدون سبب؟
لماذا أرى اليوم بعض الرجال يستحيي أن ينادي زوجته باسم رقيق يسعد قلبها؟
أليس رسولنا الكريم كان يداعب زوجته السيدة عائشة ويقول لها: ((يا عائش))، و((يا حميراء))، فكانت تفرح بهذا التدليل وبهذه الألقاب التي تسعد قلبها؟
أليس رسولنا الكريم كان يقول: ((لا تؤذوني في عائشة)).
فلماذا نرى ذاك التهاون في حق الزوجة إن أخطأ شخص ما في حقها؟
بل انظر إلى شدة حب رسولك إلى السيدة خديجة رضي الله عنها؛ قال صلى الله عليه وسلم عن خديجة: ((إني رُزقت حُبَّها))؛ [رواه مسلم].
فلماذا يتبدد مثل هذا الحب الرقيق بين كل منهما؟
انظر إلى حال بيت رسول الله في المودة والرحمة بينهما؛ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((كنتُ أشربُ منَ القدَحِ وأنا حائضٌ، فأناولُهُ النَّبيَّ فيضعُ فاهُ على موضعِ فيَّ، فيشربُ منْهُ وأتعرَّقُ منَ العرقِ وأنا حائضٌ، فأناولَهُ النَّبيَّ فيضعُ فاهُ على موضعِ فيَّ)).
انظر إلى رسولك واقتدِ به في مساعدة أهل بيته، فإن قصَّرت زوجتك يومًا، فلا تتأفف وتغضب من تقصيرها، بل تأسَّ بحبيبك المصطفى؛ فقد كان كما روت السيدة عائشة أنه ((كان في مهنة أهله)).
أخرج البخاري عن الأسود قال: ((سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - تعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)).
لماذا نرى بعض الأزواج ينزعج عند فضفضة الزوجة له عما يؤلمها، حتى وإن كان شيئًا بسيطًا؟
أنصِتْ إليها عند حديثها، ولا تتأفف منها؛ فهي عندما تتحدث لا تريد حلًّا، وإنما هي بحاجة إلى الإنصات باهتمام.
كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكتها؛ [رواه النسائي].
أيها الزوج الحنون، رفقًا بزوجتك، إن أردت حياة سعيدة هانئة؛ فعليك بعدم الإنصات إلى أولئك الذين يقولون: إن قوة الرجل في بيته تكون بقهر زوجته.
أيها الزوج الحنون، لكل قلب طاقة وقدرة تحمُّلٍ، فلا تتعجب يومًا عندما تراها ثائرة لا تبالي بما تفعل، أو تقول لأنك قد تحاملت عليها كثيرًا، فأنشأتَ دون شعور منك بركانًا مستعدًّا للثوران داخلها في لحظات؛ لأنها لم تعد تتحمل أو تقوى على الصمت، وباتت غير قادرة على التغافل.
أيها الزوج الحنون، إذا أخطأتَ في حقها، فبادِرْ بالاعتذار حتى وإن كانت عبارات قليلة تُدخِل بها السرور على قلبها، فهي ستسعد كثيرًا بها.
اشترِ لها هدية وإن كانت بسيطة في نظرك، فهي كبيرة في قلبها ونفسها، وسترى السعادة بنفسك في قلبها بادية على وجهها، قد تكون الهدية رسالة حبٍّ وودٍّ منك لها، فكثير من الرجال لا يجيدون الاعتذار، حينها تكفي همسة رقيقة أو هدية جميلة بسيطة.
اتبع سنة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حينما قال: ((تهادوا تحابوا)).
داعِبْها وتبسم في وجهها كما كان يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام من إدخال السرور والمرح على زوجاته؛ حيث قالت عائشة رضي الله عنها): ((زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت لها حريرة، فقلت: كلي، فأبت فقلت: لتأكلي، أو لألطخن وجهك، فأبت فأخذت من القصعة شيئًا فلطختُ به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها لتستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئًا فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك))؛ [رواه النسائي].
أيها الزوج الحنون، تذكر أنها اختارتك ورضيَت بقوامتك عليها، وتركت وراءها الأهل والأصدقاء، فلا تغلق عليها بابها، وتمنع عنها من أحبت من أهلها.
أوصيك أيها الزوج الحنون بأن تخاف الله في زوجتك، وتعاملها كما تحب أن تُعامل ابنتك يومًا ما من زوج ستختاره أنت وهي معًا.
أوصيك أيها الزوج الحنون بمن هي وصية رسول الله عندك؛ فإذا رأيت منها عيبًا أو خُلقًا سيئًا ارتضِ منها الآخر، فمن منا اتصف بالكمال يومًا؟
رفقًا ثم رفقًا ثم رفقًا بهن، فإنهن عوانٍ عندكم.
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٍ عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))؛ [رواه مسلم].
أي: إن الزوجة بمنزلة الأسرى في بيت زوجها، إن شاء طلقها، وإن شاء أبقاها، فلتتَّقِ الله فيها أيها الزوج الحنون.
ليكن رسولك قدوتك في أهل بيتك.
ما أعظمك وما أحلمك يا رسول الله زوجًا، فقد كنت طيب المعشر حسن الخُلق!
فلو سار الرجال على نهجك، واتبعوا سنتك، لكانت منازل المسلمين تضيئها الآن الرحمة والمحبة والود والتفاهم.
فلتتبع الآن سنة حبيبك المصطفى وهديه حينما قال: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
ولتعمل بكتاب الله؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]؛ أي: عاشروا النساء بالمعروف، فالمعاشرة بالمعروف تكون بطِيب القول، وبشاشة الوجه.
#مشرفة_الاسرة_والطفولة #منتدى_المركز_الدولى