حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ بوله وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
وفي رواية لمسلم:
🟩 أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ.
• عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ رضي الله عنها، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرَهِ. فَبَالَ. قَالَ: فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ.
🟢ألفاظ الأحاديث:
• (الصِّبْيَانِ): بكسر الصاد وحُكي ضمها والكسر أشهر جمع صبي والصبي: هو من لم يبلغ، ولكن المراد بالصبي في حديث الباب هو من لم يأكل طعاماً وإنما طعامه الرضاع فقط كما في روايات الحديث.
• (فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ): أي يدعو لهم ويمسح عليهم، وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته.
• (يُحَنِّكُهُمْ): التحنيك هو أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير.
• (فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ): قال ابن حجر: " يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس رضي الله عنها المذكور بعده. [انظر: الفتح 1/ 436)].
أي أن الصبي المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها هو نفسه الصبي المذكور في حديث أم قيس رضي الله عنها.
• (أم قيس): قيل اسمها جذامة وقيل آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن رضي الله عنه، وليس لها في الصحيحين إلا هذا الحديث وحديث آخر في الطب.
• (فِي حَجْرِهِ): بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان، وحجر الإنسان هو حضنه.
• (نَضَحَ بِالْمَاءِ): النضح هو أن يغمره بالماء أي يكاثره بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره، فالنضح هو البلُّ بالماء والرش.
من فوائد الأحاديث:
الفائدة الأولى: في حديثي الباب دلالة على أن بول الصبي خُفِّف في تطهيره فيكفي فيه النضح ولا يلزم الغسل
🟩كما نقلت عائشة رضي الله عنها فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث الباب حيث قالت: " فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله " وفي حديث أم قيس رضي الله عنها: " فلم يزد على أن نضح بالماء " وهذا في حق الغلام الذي لم يأكل الطعام وأما الجارية التي لم تأكل الطعام فإن تطهير بولها كتطهير سائر النجاسات لا بد من غسله حتى يزول، ففرق بين الذكر والأنثى لحديث أبي السمح رضي الله عنه قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يُغسل من بول الجارية، ويُرش من بول الغلام "
والحديث رواه أبو داود والنسائي ونقل البيهقي عن البخاري أنه قال: " حديث أبي السمح هذا حديث حسن ".على خلاف في استعمال مصطلح الحسن عند البخاري - فهذا الحديث يفيد التفريق بين بول الغلام الذي يكفي فيه النضح وهو أن يرش البول بالماء رشاً يعم مكان البول ولا يحتاج إلى غسل ولا عصر وبين بول الجارية الذي لابد من غسله كغيره من النجاسات.
قال ابن القيم رحمه الله: " إن التفرقة بين بول الغلام والجارية من محاسن الشريعة وتمام حكمتها ومصلحتها، والفرق بين الصبي والصبية من ثلاثة أوجه:
أحدها: كثرة حمل الرجال والنساء للذكور، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليه غسله.
والثاني: أن بوله لا ينزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقاً هاهنا وهاهنا، فيشق غسل ما أصابه كله، بخلاف بول الأنثى.
الثالث: أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر، ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفف من نتن البول، وتذيب منها ما لا يحصل مع الرطوبة، وهذه معانٍ مؤثرة يحسن اعتبارها في الفرق " [انظر:" إعلام الموقعين" (2/ 59)].
🟢الفائدة الثانية:
حكم النضح للصبي مقَّيد بما إذا لم يأكل الطعام كما جاء في حديث أم قيس رضي الله عنها، ومعنى لم يأكل الطعام أي لم يكن الطعام قوتاً له يتغذى عليه لصغره، وإنما قوته اللبن سواءً أكان لبن آدمية أمه أو غيرها أم كان حليباً مجففاً -كما هو المعروف الآن -لأن المعنى واحد وأيضاً ليس المراد أنه لم يدخل جوفه شيء قط لأنه يُسقى الأدوية والسكر ويُحنَّك في أول ولادته، وأما إذا بدأ يتغذى بالطعام صار بوله كبول الكبير حتى لو كان أحياناً يشرب لبناً.
قال ابن حجر عند قوله (لم يأكل الطعام): " المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها " [انظر: " الفتح"( 1/ 436)].
🟢الفائدة الثالثة: التخفيف في تطهير بول الصبي ليس معناه أن بوله ليس بنجس، بل هو نجس بالإجماع كما نقله النووي ولم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري. [انظر: " شرح مسلم للنووي (3 / 157)].
وعلى هذا الحديث وما قبله من الأحاديث نقول
🟥إن تطهير النجاسة على ثلاثة أقسام:
🟢الأول: نجاسة مغلظة، لا بد من غسلها سبع مرات أولاهن بالتراب وهي ما ولغ فيه الكلب كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه وسبق.
🟢الثاني: نجاسة مخففة يكفي فيها النضح وهي بول الغلام الذي لم يأكل الطعام لحديثي الباب.
🟢الثالث: نجاسة متوسطة وهي سائر النجاسات التي لابد من غسلها حتى تزول النجاسة كما دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وحديث أسماء رضي الله عنها المتفق عليه في دم الحيض وغيرها من الأحاديث.
🟢الفائدة الرابعة: الحديث يدل على أن النضح خاص ببول الغلام الذي لم يأكل الطعام وأما غائطه (عَذِرتُه) فهو كسائر النجاسات في غسله ولا يكفي فيه النضح.
🟢الفائدة الخامسة: في الحديث إشارة إلى تحنيك المولود عند ولادته والتحنيك جاء في أحاديث كثيرة منها حديث أنس رضي الله عنه المتفق عليه حينما ولد لأبي طلحة زوج أم سليم ولد فحنكه النبي صلّى الله عليه وسلّم بتمرة وسماه عبدالله، ومنها حديث أبي موسى المتفق عليه حينما ولد له ولدٌ فسماه النبي صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم وحنكه بتمرة ولحديث أسماء حينما حملت بعبدالله بن الزبير فدعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم حنكه بالتمرة " والحديث متفق عليه أيضاً.
🟥وهل يستحب أن يحنك الطفل عند ولادته أم لا؟
على قولين:
🟢القول الأول: أنه لا يستحب بل هو من خصائص النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعللوا ذلك: بأن المقصود من التحنيك في الأحاديث هو ريق النبي صلّى الله عليه وسلّم لبركته ولا أحد يُتبرك بريقه إلا النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو من خصائصه.
🟢والقول الثاني: أنه ليس من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم، وهو الأظهر والله أعلم.
ويدل على ذلك: حديث الباب والأحاديث السابقة من فعله صلّى الله عليه وسلّم والأصل في فعله التأسي ولا ننتقل عن هذا الأصل إلى الخصوصية إلا بنص أو قرينة تدل على الخصوصية، والقول بأن التحنيك من خصائصه لبركة ريقه صلّى الله عليه وسلّم، نقول: لا شك أن في ريقه صلّى الله عليه وسلّم بركة عظيمة و لو كانت هي المقصودة فقط في الأحاديث الواردة في التحنيك لاكتفى صلّى الله عليه وسلّم بريقه دون التحنيك بالتمر في جميع الأحاديث الواردة أو بعضها ,مما يدل على أن في ريقه صلّى الله عليه وسلّم بركة عظيمة نالها كل من حنكه النبي صلّى الله عليه وسلّم بعدما مضغ التمرات واختلط ريقه بها وأيضاً يدل على أن التحنيك بالتمر سنة وردت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في عدة أحاديث ولو أن الريق مقصوداً وحده لاكتفى به النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأحاديث لا سيما في حديث عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما - فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم تفل في فيه ثم حنكه بالتمر مما يدل على أن لريقه بركة نالها ابن الزبير وأن التحنيك سنة ثابتة، ولما في التمر من فوائد كثيرة جداً.
وأيضاً أثبت الطب الحديث أن في التحنيك بالتمر إعجازاً إذ إن الطفل بعد ولادته مباشرة يحتاج إلى أن يُعطى محلولاً سكرياً وأن التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة وأن مستوى السكر عند المولودين حديثاً يكون منخفضاً حين ولادته تلقائياً.
قال النووي: اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ الُمحَنِّك التمر حتى تكون مائعه بحيث تُبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه [انظر: "شرح مسلم "14/ 122)].
وقال ابن حجر رحمه الله: " والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودَلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل، ويقوى عليه، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر، فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل، أولى من غيره" [انظر: الفتح (9/ 588)].
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الطهارة)
#منتدى_المركز_الدولى