مسرحيات شكسبير
اتفق النقاد على تصنيف أعمال شكسبير إلى ثلاثة صنوف مسرحية هي: الملهاة (الكوميديا)، والمأساة (التراجيديا)، والمسرحية التاريخية.
كان شكسبير يميل في مرحلة ما من حياته إلى التركيز على نوع معين من المسرحيات، بما يتناسب وذوق الجمهور في تلك المرحلة. وكتب تسع مسرحيات تاريخية من مجموع عشر كتبها في فترة شاع فيها مثل هذا النوع من المسرحيات.
جرى شكسبير على عادة الإليزابيثيين في كتابة حبكات مستندة إلى أعمال أدبية وتاريخية منشورة، إلا أنه تفرّد عن معاصريه من حيث إعادة تشكيل المادة التي يقتبسها بطريقة عبقرية، مما ينتج عنه عمل أدبي يتميّز عن مصدره بشكل فريد.
يصف الفصل التالي الحبكة والخصائص المتميزة لبعض من مسرحيات شكسبير، ويقسِّم الفصل هذه المسرحيات إلى أربع حقب، تعكس كل منها مرحلة عامة من مراحل التطور الفني عند شكسبير. تناقش المسرحيات ضمن كل حقبة، بأولوية الترتيب المحتمل لعرضها الأوَّلي.
المرحلة الأولى (1590-1594م). تشترك المسرحيات التي تعود إلى الفترة الأولى في كثير من الخصائص، رغم أن من بينها مسرحيات من نوع المأساة والملهاة والمسرحيات التاريخية. تقترب حبكات هذه المسرحيات من مصادرها أكثر من حبكات المسرحيات في الحقب اللاحقة، كما تتكون حبكات هذه المسرحيات من مجموعة من الأحداث المفككة وقليلة الترابط، ويضاف إلى ذلك أنها تعتمد على الأحداث أكثر من اعتمادها على رسم الشخوص.
ويُستَدل من طريقة استخدام شكسبير للغة في مسرحيات هذه الحقبة، أنه لم يكن قد طور أسلوبه الشعري الخاص به بعد. فالشعر الوصفي لشكسبير في تلك الفترة يميل إلى الأسلوب المنمَّق أكثر منه إلى الارتباط المباشر بتطور الشخوص أو القصة.
ريتشارد الثالث. تعالج هذه المسرحية الحقبة التي تلت حرب الوردتين. تبدأ أحداث المسرحية بشخصية ريتشارد دوق جلوستر، وهو يعلن للجمهور عن نواياه الشريرة، إثر استيلاء إدوارد على العرش بعد أن هزم الملك هنري السادس، سليل عائلة لانكستر. ونظرًا لضعف إدوارد ومرضه، راح ريتشارد يخطط للاستيلاء على العرش لنفسه. فقد قتل أخاه كلارنس، وبعد وفاة أخيه الملك إدوارد، سَجن نجلي الأخير في برج لندن، ونصَّب نفسه ملكًا، وأطلق على نفسه لقب ريتشارد الثالث، ثم دبر لقتل نجلي أخيه الملك إدوارد.
ولم يمض وقت طويل حتى انقلب أنصار ريتشارد ضده، وانضموا إلى قوات إيرل ريتشموند، وهو من عائلة لانكستر. ونجحت قوات ريتشموند في دحر قوات ريتشارد في معركة بوزورث، كما استطاع ريتشموند قتل ريتشارد وتنصيب نفسه ملكًا، ولقب نفسه باسم الملك هنري السابع.
تعد شخصية ريتشارد تصويرًا مسرحيًا رائعًا للشر المطلق، لكنه يمزج الخبث بالمكيدة الحاذقة، مما يجعل من مكائده متعة للمشاهدين. وإذا مانُظِرَ في المسرحية بعمق، فإنها توحي للجمهور بأنه إذا ما استفحل الشر فإن اللوم يقع على المجتمع كله، إذ لابد للناس من الارتفاع إلى مستوى ما يطلبونه من قادتهم إن أرادوا التخلص من الشر المحدق بهم.
ترويض النَّمِرة. يحتمل أن تكون هذه الملهاة قد عرضت لأول مرة عام 1593م، ونشرت للمرة الأولى عام 1623م.
وتُصوَّر المسرحية كيف أن شابًا إيطاليًا يدعى بتروكيو تقدم لخطبة فتاة جميلة اسمها كاترين. غير أن كاترين هذه كانت رديئة الطبع ،حيث هرب منها كل من تقدم لخطبتها، بسبب سلاطة لسانها. قرر بتروكيو الزواج منها، لكنه درج على إذلالها قبل الزفاف وبعده، من أجل معالجة طبعها الحاد. ونجحت طريقة بتروكيو في ترويض كاترين، لتصبح زوجة مطيعة بعد سلسلة من الصراعات المضحكة بينهما. وعندئذ يظهر بتروكيو على سجيته النبيلة ويكشف عن عشقه لكاترين.
تقدم هذه الكوميديا الغنية والمفعمة بالقوة نموذجين رائعين لشخصيتي العاشقين المتصارعين، واللذين اجتذبا ممثلين موهوبين وممثلات موهوبات على مر الأجيال.
السيدان من فيرونا. ربما كان العرض الأول لهذه المسرحية الهزلية عام 1594م، ونشرت لأول مرة عام 1623م.
السيدان من فيرونا مسرحية كوميدية حاذقة تتناول الحب والصداقة، تدور أحداثها في إيطاليا، حيث يلتقي في ميلانو صديقان من فيرونا هما: فالنتاين وبروتيوس. وسرعان ما يصبح هذان الصديقان متنافسين على حب سيلفيا، ابنة دوق ميلانو. وعندما يكتشف فالنتاين أن صديقه بروتيوس على وشك أن يأسر قلب سيلفيا، يعتذر له بروتيوس وينال صفحه. عندها يتنازل الأخير عن حبه لسيلفيا، لكن كرمه يصبح غير ضروري عندما يعلم بروتيوس أن صديقته القديمة جوليا قد تبعته إلى ميلانو متخفية في زي شاب. وفي النهاية يتزوج فالنتاين من سيلفيا، وبروتيوس من جوليا.
يستخدم شكسبير في هذه المسرحية العديد من الملامح والحيل ا لمسرحية التي استخدمها بشكل فعَّال في مسرحياته العاطفية من الحقبة الثانية. فعلى سبيل المثال، يستخدم الأغاني الجميلة، والمشاهد الخالية من العنف، والغاية المثالية، وشخصية الفتاة المغامرة التي تتنكر في زي الفتيان.
المرحلة الثانية (1595-1600م). ارتقى شكسبير بالمسرحية التاريخية والملهاة الرومانسية خلال تلك الفترة إلى ما يقرب من حد الكمال. فقد عرض في هذه المسرحيات، على وجه الخصوص، عبقريته في نَسْخ أحداث مسرحيّة متباينة في حبكة متماسكة بدلاً من كتابة سلسلة غير مترابطة من الأحداث كما فعل في المرحلة الأولى. كما تقدم بشكل حثيث خلال المرحلة الثانية، نحو الوصول إلى موهبة لاتُنافَس في فن التشخيص الذي ميز المآسي الكبرى التي ألفها في مطلع القرن السابع عشر الميلادي.
حلم منتصف ليلة صيف. يرجح أن تكون هذه المسرحية قد عُرِضت للمرة الأولى عام 1595م ونشرت عام 1600م.
تبدأ أحداث المسرحية في أثينا في اليونان مع الاستعدادات لزفاف ثيسيوس، دوق أثينا، على هيبوليتا، ملكة الأمازون. غير أن أغلب المشاهد تقع في غابة مسحورة خارج أثينا، حيث يتجول في الغابة شابان هما: ليساندر وديمتريوس وفتاتان هما: هيرميا وهيلينا، وبعد أن يضلوا الطريق يهيم الشابان بحب هيرميا، بينما يتجاهلان هيلينا، التي تحب بدورها ديمتريوس. يأمر أوبيرون، ملك الجن، أحد أتباعه ويدعى بَكْ بوضع قطرات من مستحضر سحري في جفني ديمتريوس، ليقع في غرام هيلينا. لكن بَكْ يرتكب خطأ فيضع القطرات السحرية في عيني ليساندر، مما يؤدي إلى حالة من الارتباك مضحكة للغاية. غير أن بك يقوم لاحقًا بتصحيح الأمور.
أما في الحبكة الثانوية؛ فيتشاجر أوبيرون وزوجته الملكة تيتانيا. ويقوم بدهن جفنيها أثناء نومها بالقطرات السحرية، كي تقع في غرام أول مخلوق تراه عندما تفيق من نومها. ويقوم الحائك بوتوم وأصدقاؤه الهزليون بالتدريب على أداء تمثيلية يرغبون في تنفيذها ضمن الاحتفالات بزفاف الدوق. وعندما تستيقظ تيتانيا، يكون بوتوم أول من يقع بصرها عليه، فتهيم بحبه. لكن بَكْ يكون قد حوّل رأس بوتوم إلى رأس حمار، إمعانًا منه في إهانة تيتانيا، وتظل تيتانيا تغازل بوتوم حتى يشفق عليها زوجها أوبيرون ويأمر بَكْ بإبطال مفعول السحر. وتنتهي المسرحية بزواج الدوق، وزواج ليساندر من هيرميا، وديمتريوس من هيلينا أيضًا.
كتب شكسبير في مسرحية حلم منتصف ليلة صيف أفضل أشعاره الوصفية التي يوازن فيها بين العاطفية والفنتازيا (الخيال الجامح) من جهة، وبين الفكاهة الفظة التي يقدمها بوتوم وزملاؤه. ويعد بوتوم من أفضل شخوص شكسبير الكوميدية إمتاعًا. ومن جهة أخرى فإن للمسرحية جانبًا جادًا يتمثل في السخرية التي تتضمنها نحو الحب العاطفي.
ريتشارد الثاني. يحتمل أن تكون هذه المسرحية قد عرضت لأول مرة عام 1595م ونشرت لأول مرة عام 1597م.
تبدأ المسرحية عندما يصدر الملك ريتشارد الثاني حكمًا يقضي بنفي ابن عمه بولنبروك من إنجلترا، ثم يقوم بعد فترة بمصادرة ممتلكاته. وبينما يكون الملك منهمكًا في حروبه ضد المتمردين في أيرلندا. يعود بولنبروك إلى إنجلترا، ويبدأ المطالبة باسترداد ممتلكاته المصادرة. وما أن يعلم الملك ريتشارد بذلك حتى يسرع عائدًا إلى إنجلترا، ليجد أن ابن عمه جمع حوله قوة من النبلاء المستائين من حكمه. وبدلاً من إعداد جيش لقتال بولنبروك، يضيع الملك وقته في رثاء نفسه. ثم لا يلبث أن يتنازل عن عرشه لبولنبروك دون قتال، ويدخله الملك الجديد السجن.
وبعد أن ينصِّب بولنبروك نفسه ملكًا على إنجلترا باسم الملك هنري الرابع، يقوم أحد الفرسان بقتل ريتشارد، ظنًا منه أن للملك الجديد رغبة في قتل سجينه. وفي نهاية المسرحية، يقطع هنري العهد على نفسه بأن يزور الأراضي المقدسة، ليكفر عن مقتل ريتشارد.
يعالج شكسبير في هذه المسرحية بجدية فائقة، فكرة أن شخصية الإنسان تقرر مصيره، حيث تدرس المسرحية شخصية ريتشارد الضعيف الواهم الذي يجنح إلى الخيال، ويبتعد عن الواقع ليجد نفسه فاقدًا لعرشه.
مسرحية روميو وجولييت نالت شهرة واسعة بسبب ماأبداه شكسبير من تعاطف مع المحبين الشباب، ووقوفه ضد أنانية الكبار. يبدو في هذه اللقطة صورة الممثل إيوين كمنجنز ( إلى اليسار) في دور بنفوليو، وديفيد هيرود (إلى اليمين) في دور روميو.
روميو وجولييت. ربما عرضت هذه المأساة للمرة الأولى عام 1596م، ونشرت لأول مرة عام 1597م.
تتناول مأساة روميو وجولييت قصة عاشقين شابين من فيرونا في إيطاليا، يقعان ضحية عداء مرير بين عائلتيهما، عائلة مونتاجيو وعائلة كابيوليت. حيث يلتقي روميو، وهو من عائلة مونتاجيو، بجولييت وهي من عائلة كابيوليت، في حفلة تنكرية تقيمها عائلة كابيوليت. وحضر روميو تلك الحفلة بالرغم من أنه لم يُدْعَ هو ورفاقه إليها. ومن هنا تبدأ قصة غرامهما.
يتزوج العاشقان في اليوم التالي سرًا بمساعدة الراهب لورانس. ولدى عودة روميو من حفل زواجه يلتقي بابن عم جولييت، واسمه تايبولت. يتحرش هذا بروميو محاولاً الدخول في قتال معه، لكن روميو يرفض قتاله. ويهب صديق روميو واسمه ميركوشيو، ويقبل التحدي دفاعًا عن شرف عائلة مونتاجيو. وعندما يحاول روميو التدخل لفض النزاع، يقوم تايبولت بطعن ميركوشيو حتى الموت، مما يدفع روميو إلى قتل تايبولت، ويسفر ذلك عن إبعاد روميو عن فيرونا.
يحاول والد جولييت إجبارها على قبول الزواج من ابن عمها باريس، دون أن يدري بأنها متزوجة من روميو، فيقوم الراهب لورانس بإعطائها عقارًا يجعلها في حالة نوم تشبه الموت لمدة أربع وعشرين ساعة من أجل مساعدتها على التخلص من ضغوط والدها عليها بالزواج. ثم يرسل الراهب إلى روميو رسالة في منفاه يوضح له فيها ما فعل، لكن رسالته تصل متأخرة حيث يسارع روميو إلى قبر جولييت، ويتجرع سمًا ويستلقي إلى جانبها في القبر. وعندما تستيقظ جولييت وتجد زوجها ميتًا إلى جانبها، تطعن نفسها وتموت هي الأخرى. ويكون اكتشاف العاشقين حافزًا كافيًا لعائلتيهما لإنهاء العداء المستحكِم بينهما.
تعود شهرة مسرحية روميو وجولييت إلى التعاطف الذي أبداه شكسبير تجاه الشباب. ويبدو أن المؤلف يُنحي باللوم على الكبار في هذه الخاتمة المأساوية للعاشقين، لأن الكبار يغلبّون مصالحهم المقيتة على أي اعتبار آخر. ويُعزَى نجاح المسرحية أيضًا إلى طُرق التشخيص الناجحة وإلى شعرها الغنائي العميق. وعلى الرغم من التكلف الذي تبدو عليه أحيانًا لغة شكسبير في هذه المسرحية، إلا أن هذه اللغة تحتوي على مؤشرات لأسلوب سهل وسلس يستعمله شكسبير في مآسيه اللاحقة.
تاجر البندقية. يرجَّح أن هذه المسرحية عرضت للمرة الأولى عام 1597م، ونشرت عام 1600م.
تروي المسرحية قصة تاجر من البندقية اسمه أنطونيو يقترض مبلغًا من المال من يهودي يتعامل بالرِّبا يدعى شيلوك، ثم يقرض المبلغ إلى صديقه باسنيو. ويكون أنطونيو قد وعد بأن يعطي شيلوك رطلاً من لحمه إذا ما فشل في تسديد الدّين خلال ثلاثة أشهر. وتمر الأشهر الثلاثة دون أن يستطيع أنطونيو ردّ المبلغ. عندها يطالبه شيلوك برطل اللحم.
وفي تلك الأثناء، يكون باسنيو قد خطب بورشيا وتزوجها، وهي فتاة جميلة موهوبة وصاحبة إرث كبير. وعندما يذهب شيلوك إلى المحكمة ليطالب برطل اللحم، تذهب بورشيا إلى المحكمة متنكرة في زي محام وتطلب من شيلوك إعادة النظر في مطالبه، مذكرة إياه بأهمية الرحمة. وعندما يصر شيلوك على موقفه، تحذره بورشيا قائلة إن بإمكانه قطع رطل من لحم أنطونيو شريطة ألا يسفك قطرة دم واحدة مع اللحم، وفي حال سقوط أي دم عند قطع اللحم سيترتب على ذلك مصادرة ممتلكات شيلوك. وأخيرًا يتنازل شيلوك عن حقه ويُنْقَذ أنطونيو.
يمزج شكسبير في مسرحية تاجر البندقية المكيدة الهزلية مع صورة حية للكراهية والجشع. وبالرغم من أن المسرحية تنتهي نهاية سعيدة بالنسبة للجميع باستثناء شيلوك، فإنها ليست من صنف الملهاة الخفيفة. ولأن الدولة والكنيسة عَدَّتا الربا جريمة فقد كان من الطبيعي أن يصبح شيلوك مبعث الازدراء لدى الجميع.
كما تهواه. يُحتَمَل أن تكون هذه المسرحية قد عرضت لأول مرة عام 1599م ونُشِرَت في عام 1623م.
تغادر روزالند وابنة عمها سيليا بلاط الدوق فريدريك، والد سيليا، وذلك بعد أن يقضي الدوق بنفي روزالند من البلاط ظلمًا. وتلجأ الفتاتان برفقة مهرج القصر تتشستون إلى غابة آردن. ويوجد في الغابة أيضًا كل من أورلاندو، حبيب روزالند، والفيلسوف المتشائم جاك، والفتاة الريفية أودري، والراعي سيلفيوس، والراعية فيبي. ويقيم في الغابة أيضًا والد روزالند، صاحب الحق الشرعي في الحكم، حيث يقود فرقة من الخارجين على القانون.
تلتقي روزالند بأورلاندو وهي متنكرة في زي راعٍ باسم جانيميد. ويوافق أورلاندو على اعتبار جانيميد روزالند دون أن يدري بتنكر روزالند. عندها يفضي أورلاندو بأسرار حبه لروزالند، وهنا تكشف روزالند عن هويتها الحقيقية، ويتزوجان. كما يتزوج أوليفر، شقيق أورلاندو، من سيليا، ويتزوج تتشستون من أودري،وسيلفيوس من فيبي. وتستكمل الفرحة في نهاية هذه المسرحية بنبأ استعادة والد روزالند دوقيته المغتصبة.
تهتم مسرحية كما تهواه كغيرها من مسرحيات الملهاة العاطفية في العصر الإليزابيثي، بالمحبّين الشباب الذين يسعون لتحقيق أحلامهم في عالم يبدو بعيدًا عن الواقع. وبالرغم من الخطر الذي يلوح به عنصر الشر في المسرحية، إلا أنه غير قادر على الإيذاء. وقد أغنى شكسبير مسرحيته بشعر جميل من الأغاني الرائعة.
المرحلة الثالثة (1601-1608م). كتب شكسبير أعظم أعماله المسرحية التراجيدية خلال هذه المرحلة من تطوره الفني. وفيما عدا مسرحية بيركليس، فإن كل ماكتب شكسبير من أعمال يُبرز وعيه للجانب المأساوي للحياة. لدرجة أن الملهاتين اللتين كتبهما في تلك المرحلة وهما خير كل ما ينتهي بخير، والعين بالعين، فإنهما تسببان القلق أكثر من الإمتاع.
ولهذا السبب فإنهما يعدان من نوع الملهاة الإشكالية أو السوداء. وأحيانًا تدرج مسرحية ترويلس وكريسيدا ضمن قائمة المسرحيات الإشكالية. وبالرغم من أنها مأساة فأنها تحتوي على الكثير من الفكاهة السوداء أو المريرة. بينما تمثل مسرحية بيركليس محاولة شكسبير الأولى لكتابة المسرحية العاطفية، وهي نوع من المسرحيات الجادة بشكل عام، لكنها تنتهي نهاية سعيدة.
يظهر في هذه المرحلة مدى التغير الملحوظ ومدى المرونة التي طرأت على لغة شكسبير، فهو يتنقل بيسر بين الشعر والنثر، فتصير لغته أداة مسرحية مثيرة تمكنه من التصوير النفسي الذي صار الطابع العام لتطوره في تلك المرحلة.
مسرحية هاملت تدور أحداثها حول مشاعر أمير الدنمارك الشاب الذي يشعر بأن عليه الانتقام لمقتل والده، وعندما يرى هاملت حفّار القبور وهو يلقي بجمجمة يورك، الذي كان يعمل مهرجاً في بلاط أبيه، يبدأ في مواجهة حقيقة الموت.
هاملت. يرجح أن تكون هاملت قد عرضت لأول مرة عام 1601م وأن تكون قد نشرت لأول مرة عام 1603م.
يتفجع الأمير هاملت بحرقة بالغة على فقد والده المتوفىَّ حديثًا، ويُبْدي امتعاضه أيضًا من زواج أمه للمرة الثانية من عمه كلوديوس، الذي خلف والده على العرش. ويظهر للأمير شبح والده فيخبره بأن كلوديوس قتله، ويطلب الشبح من هاملت الانتقام من الملك الجديد.
يفكر هاملت مليًا في أمر تصديق الشبح. وفي مناجاته لنفسه يلوم نفسه لعدم معارضة الملك، ويتأمل عواقب الانتحار ومنافعه. ويقرر هاملت أن تقوم مجموعة جوالة من الممثلين بتمثيل قصة تشبه قصة مقتل والده أمام كلوديوس، لكي يختبر رد فعل هذا الأخير. وهذا ماحدث بالفعل، حيث يكشف انفعال الملك الشديد عن تورطه في الجريمة. ويفوت هاملت فرصة لقتل كلوديوس وهو يركع لأداء الصلاة.
يقرر بولونيوس، مستشار الملك، أن يسترق السمْع خلال زيارة الأمير لأمه في مخدعها، فيختبئ خلف الستارة. لكن هاملت يحس بوجود شخص خلف الستارة، فيطعنه ويرديه قتيلاً.
يقوم كلوديوس بنفي هاملت إلى إنجلترا عقابًا له على قتل بولونيوس. ويصدر أمرًا سرِّيًا بإعدامه حال وصوله إلى هناك. لكن هاملت يخالف الأوامر ويعود إلى الدنمارك. ويصل إليها في موعد دفن أوفيليا، ابنة بولونيوس، وهي الفتاة التي أحبها، إذ تفقد صوابها إثر موت والدها، فتُغرق نفسها، ويلقي ليارتس، أخو أوفيليا، اللوم على هاملت في مقتل أبيه وأخته، ويوافق على الاشتراك في مكيدة لقتل هاملت، بسيف مسموم في المبارزة. ويطعن ليارتس هاملت، ثم يجرح نفسه بالسلاح المسموم. وفي أثناء مشاهدة المبارزة، تشرب أم هاملت من كأس الخمر المسموم التي أعدها كلوديوس، ليشرب منها هاملت، ثم يقتل هاملت كلوديوس، ويموت هو متأثرًا بجراحه. ويموت في النهاية، كل من هاملت وكلوديوس وليارتس وجرتروود، أم هاملت.
عالج شكسبير حبكة هاملت المعقدة ببراعة فائقة، فقد صور في هذه المسرحية أعظم معرض من الشخوص المسرحية. ويعتبر دور هاملت على وجه التحديد واحدًا من أكبر التحديات في التمثيل المسرحي. فقد ركَّز شكسبير على التناقض العميق في شخصية هاملت العقلاني والمثالي، الحائر بين متطلبات العواطف وشكوك العقل.
مسرحية عطيل كتبها شكسبير خلال المرحلة الثالثة من تطور حياته الفنية، تلك الفترة التي كتب خلالها أعظم مسرحياته تدور أحداثها حول قصة قائد أسود تزوج من فتاة اسمها ديدمونة.
عطيل. يحتمل أن تكون مسرحية عطيل عرضت للمرة الأولى عام 1604م، ونشرت لأول مرة عام 1622م.
يمضي عطيل ـ وهو رجل "مغربي" أسود اللون نبيل الخُلق ـ معظم حياته في خدمة جيش البندقية، ويترقى من رتبة جندي حتى يصبح قائدًا له. يتزوج عطيل من فتاة جميلة من البندقية، تصغره سنًا بكثير اسمها ديدمونة.
وسرعان ما يتوجه عُطيل وبرفقته زوجته إلى قبرص بناء على أمر عسكري. وهناك يقرر إياجوـ وهو رجل شرير يقوم على مساعدة عُطيل ـ تدمير سيِّده عن طريق إقناعه بأن زوجته تخونه مع الملازم كاسيو.
ينجح إياجو بسرعة في إقناع عُطيل بخيانة زوجته. ويعزى نجاحه هذا إلى فقدان عُطيل الثقة بنفسه، بسبب لون بشرته، وكبر سنه، وسذاجته. ويقوم عطيل بقتل ديدمونة نتيجة للغيرة الشديدة التي كثيراً ما أثارها إياجو لديه. وعندما يكتشف عطيل المكيدة التي وقع ضحيتها، يطعن نفسه ويموت.
تعد مسرحية عطيل أكثر مآسي شكسبير وضوحًَا ،لأن أحداثها سريعة الإيقاع، ولغتها بسيطة واضحة كبساطة شخصية عطيل ووضوحها، وتتشابه هذه المأساة مع روميو وجولييت من حيث أن كلتيهما لا تبدي اهتمامًا بالشؤون العامة وشؤون البلاط. وبدلاً من ذلك، فإن مسرحية عطيل تعالج توترات الإنسان الشخصية، فهي تجمع بين مشاعر الحب والكراهية، وبين الغيرة والنزق.
الملك لير. يرجَّح أن مسرحية الملك لير عرضت لأول مرة عام 1605م ونشرت للمرة الأولى عام 1608م.
تدور أحداث هذه المسرحية حول الملك العجوز لير، أحد ملوك بريطانيا القديمة. يستعد الملك لير لتقسيم مملكته بين بناته الثلاث: ريجان، وجونريل، وكورديليا. لكنه يستشيط غضبًا عند رفض الأخيرة التودد إليه من أجل الحصول على حصتها من المملكة، فيقوم بحرمانها من الميراث، وينفي أيضًا مستشاره المخلص كنت، بسبب موقفه المؤيد لها.
وسرعان ما تبدي ريجان وجونريل جحودهما للملك، حيث تحرمانه من خدمه، وتجبرانه في النهاية على قضاء ليلة في العراء في جو عاصف، لا يرافقه غير مُهرِّجه، الذي يدعى في المسرحية البهلول. ويفقد لير صوابه، بل يصاب بالجنون ويدرك الأخطاء الفاحشة التي ارتكبها. تعود كورديليا التي عاشت في فرنسا إلى وطنها لتجد أن والدها قد أصيب بالجنون، لكنه يعود إلى صوابه ويتعرف عليها. وتحشد أختاها الشريرتان جيشًا يقبض على لير وكورديليا، وتحكمان على الأخيرة بالموت. وفي تلك الأثناء تقوم جونريل بدس السم لأختها ريجان إثر شجار بينهما على رجل تتنافسان في حبه، ومن ثم تقتل جونريل نفسها. وفي نهاية المطاف، يعود الاستقرار إلى المملكة، لكن لير يموت في النهاية حسرة على كورديليا.
وينسج شكسبير ببراعة حبكة ثانوية مع قصة لير وبناته. وفي هذه الحبكة يرتكب جلوستر، وهو أحد رجالات بلاط الملك لير، حماقة عندما يطرد ابنه الأمين المخلص إدجار، في حين يضع ثقته في ابنه الشرير، إدموند. وسرعان ما يغدر إدموند بأبيه، الذي تفقأ عيناه على يد زوج ريجان.
يعثر إدجار على والده الضرير ويواسيه، مما يقود جلوستر إلى الندم على ما ارتكب من أخطاء، وبخاصة تلك التي تتعلق بعدم تعاطفه مع من هم أقل منه حظًا. وأخيرًا يموت جلوستر.
أبدع شكسبير في فنون التشخيص التي استخدمها في هذه المسرحية التي تعد من أفضل مسرحياته. فالشخوص تدرك الأخطاء التي ترتكبها، مما يعكس مدى التفاؤل الذي يبديه شكسبير. لكن هذا الإدراك للأخطاء يأتي في مرحلة متأخرة يصعب معها تجنب الدمار الذي يلحق بهم وبمن حولهم. وتشكل هذه الحقيقة المحور المركزي لنظرة شكسبير التشاؤمية البشرية.
مَاكْبِث. يُعْتَقَد أن هذه المسرحية عُرِضَت لأول مرة عام 1606م، ونشرت للمرة الأولى عام 1623م.
تدور أحداث هذه المسرحية في أسكتلندا، عندما يلتقي القائد النبيل ماكبث بثلاث ساحرات لدى عودته من الحرب، وهو برفقة صديقه بانكو، فتنبَّأن له بأنه سيكون بارون مقاطعة كودر، ثم ملك أسكتلندا. تلقى أفكار الساحرات استحسانًا لدى ماكبث، الذي ما يفتأ يطمح في الوصول إلى العرش، وحينما تتحقق النبوءة الأولى، يتطلع إلى تحقيق النبوءة الثانية. ويقوم ماكبث بتشجيع من زوجته بقتل ضيفه الملك دنكن، ثم يستولي على العرش الأسكتلندي.
لكن ماكبث لا يشعر بعدها بالاستقرار، حيث يهرب أبناء دنكن إلى إنجلترا لطلب العون على ماكبث. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يأمر بقتل صديقه بانكو وابنه فلينس، بسبب تنبؤ الساحرات، الذي فحواه أن ذريّة بانكو ستصبح ملوكًا. كما يأمر بقتل زوجة مكدف وابنه، بعد لجوئه إلى بريطانيا إثر مقتل دنكن. ومن ثم فإن مكدف يشكل جيشًا للقضاء على ماكبث. تتحول زوجة
صفحة
#منتدى_المركز_الدولى