🟢
مقاصد سورة يس
سورة فهي السورة السادسة والثلاثون، ويأتي موقعها بعد سورة فاطر وقبل سورة الصافات وعدد آياتها ثلاثٌ وثمانون آية، وهي من السور المكيّة -أي أنها نزلت في مكة المكرمة- وقد تم تسميتها بهذا الاسم لأنّ الله -جلّ وعلا- افتتح آياتها بقوله "يس" والتي تُقرأ كلّ حرفٍ على حدى أي أنها تُقرأ "ياسين"، ولهذه السورة أهميّةٌ عظيمةٌ عند سائر المسلمين، وسيأتي هذا المقال على ذكر مقاصد سورة يس وفضلها وأسباب نزولها.
[١] أسباب نزول سورة يس في مستهل الحديث عن مقاصد سورة يس يجدر ذكر أسباب نزول هذه السورة الكريمة، وسورة يس لم تنزل على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- دفعة واحدة، فكان لكل مجموعة آياتٍ منها سبب نزول مستقل، وهي على النحو الآتي:[٢]
نزلت بداية سورة يس عندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المسجد فيجهر بقراءته حتى تأذى أهل قريش من سماعه، فقامت جماعةٌ منهم تريد إيذاءه وإذا بأيديهم مغلولةً إلى أعناقهم وإذا هم لا يبصرون، فجاؤوا إلى النبي الكريم يناشدونه أن يزيل عنهم ما حلّ بهم فنزل قوله -تعالى-: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.[٣]
وورد عن أهل السيرة أنّ أبا جهلٍ كان يتوعد بأنّه إذا رأى محمدًا -عليه الصلاة والسلام- سيؤذيه فنزلت هذه الآيات من سورة يس، قال -تعالى-: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[٤]،
فكان إذا التقاه يخبره الناس أنّ محمدًا أمامه فلا يبصره ويقول أين هو أين هو. ومن إحدى أسباب نزول سورة يس أنّ بنو سلمة كانوا في ناحية من نواحي المدينة المنورة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فنزل قوله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ}[٥]
وقال لهم النبي الكريم: إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون. وذكر أهل العلم أيضًا أنّ أحدًا من الناس جاء إلى النبيّ الكريم بعظم حائل وسأله هل يحيي الله هذه، فنزل قوله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ}[٦]،
إلى نهاية السورة. مقاصد سورة يس أجمع أهل التفسير عند دراسة مقاصد سورة يس أنّها تضمنت أصول الدين الأساسية الثلاثة وهي: توحيد الله ورسالة رسوله والحشر، والتي أتت السورة على ذكر كلّ منها مع البراهين والأدلّة، فقد ابتدأ الله -تعالى- سورة يس بأنّ أقسم بالقرآن الكريم مع التنويه إلى بلوغه أعلى درجات الحكمة وذلك بقوله: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}[٧]،
ويتبين أنّ قسم الله كان لإثبات نبوة محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- وتأكيدًا على أنّ ما أتى به هو سبيل الحق والرشاد بأمرٍ منه -جلّ وعلا-.[٨]
وقد اشتملت السورة في أكثر من موضع ذكر قدرة الله -سبحانه وتعالى- في إحياء الموتى وعظمته وألوهيته ووحدانيته وأنّه يغفر لمن خشيه واتبع هداه وأنّ النار هي عاقبة المشركين خالدين فيها، فجاء في قوله -جلّ وعلا-: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ}[٩]،
وفيها إشارةٌ إلى هؤلاء المشركين بأنّهم لن يؤمنوا لأن الله منعهم من الانتفاع بهدي الإسلام.[٨]
ويتبين من مقاصد سورة يس أنّ الله -تعالى- ضرب مثل القرى التي أهلكها الله بعصيانها وكفرها لينذر بذلك أهل قريش ويحثّهم على اغتنام الوقت واتباع الإسلام وهدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل فوات الأوان، قال -تعالى-: { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ}[١٠]،
كما أنّه -عزّ وجل- ذكر قصة نوح وقومه وأنّه أهلكهم وأغرقهم ولم ينجو منهم إلا المؤمنون وذلك في قوله: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ}[١١] مع الإشارة إلى رحمة الله وغفرانه وقبوله توبة التائبين.[٨]
ولعلّ من أهم مقاصد سورة يس أنّها تبيّن عظمة الله في تسييره لهذا الكون، مع ذكر الكثير من البراهين المختلفة في إحياء الأرض بعد موتها تعاقب الليل والنهار وحركة سير الكواكب ودوران الشمس والأفلاك جميعًا وتلك الأمور التي لا تكون إلّا بيد الخالق وحده -سبحانه وتعالى-، فمما ورد في سورة يس قوله -تعالى-: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}[١٢]،
وقوله -جلّ وعلا-: {وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[١٣]،
وتلك الأيات والدلائل كانت لإثبات أن الملك لله الواحد الجبار.[٨] كلّ الأدلة والبراهين والمعجزات التي ذكرها الله -تعالى- كانت من مقاصد سورة يس في بيان عظمته وجبروته وقد ختم الله -تعالى- السورة بالتسبيح وبيان عظمته بقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[١٤]،
مع الإشارة إلى أنّ مجمل الأمور بيده وأنّه بقدرته وعظمته يغيّر ما يشاء، وقد تكرر في هذه السورة في مجملها ذكر الحشر والموت والبعث والتوحيد وأصول العقيدة مما يبين أنّ هذا من أعظم مقاصد سورة يس.[٨]
فضل سورة يس
أجمع أهل العلم على أنّ سورة يس تُعتبر مثلها كمثل أيّ سورة في القرآن الكريم وفضل قراءتها هو فضل قراءة القرآن بالعموم كرفع الدرجات وتكفير الذنوب، وقد اتفق أهل العلم على أنّه لم يرد حديثٌ صحيحٌ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يميّز سورة يس عن غيرها ولا يتعدى فضل قراءتها فضل قراءة القرآن الكريم.[١٥] وقد أشار بعض أهل العلم على أنّ قراءة سورة يس على المحتضر تسهل خروج الروح ولكن هذا القول استند على حديث رسول الله: "اقرَؤوا على مَوتاكُمْ يس}[١٦] وهذا الحديث حديثٌ ضعيف، وعندما سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ما إذا كانت قراءة سورة يس عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا أجاب بأنّ قراءتها سنة عند من صحح هذا الحديث وهي ليست سنة عند من ضعّفه، والله -تعالى- أعلم.[١٧] الأحاديث الضعيفة عن قراءة سورة يس وردت الكثير من الأحاديث التي نُسبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنّ أهل السيرة والحديث أجمعوا على أنّ كلّ ما ورد في فضائل قراءة سورة يس هو من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، وفيما يأتي مجموعةٌ من هذه الأحاديث والتي يتم ذكرها في هذا المقال لتنبيه القارئ بأنّها ضعيفة أو موضوعة: [١٨] حديث: "إنَّ لكلِّ شَيءٍ قلبًا، وقلبُ القرآنِ (يس)، ومَن قرأَ (يس)؛ كَتبَ اللهُ لهُ بِقراءتِها قِراءةَ القُرآنِ عشرَ مرَّاتٍ دونَ يس"[١٩] وهو حديثٌ موضوع. حديث: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ يس في لَيلةٍ أصْبَحَ مَغفُورًا له. ومَنْ قَرأَ الدُّخَانَ لَيلةَ الجمعةِ أصبحَ مَغفُورًا لَهُ"[٢٠] وهو في شطره الأول ضعيف وشطره الثاني موضوع. حديث "من داومَ على قراءةِ يس كلَّ ليلةٍ ثمَّ ماتَ ماتَ شَهيدًا"[٢١] وهو حديثٌ ضعيف. حديث: "مَن دخلَ المقابرَ فقرأَ سورةَ (يس) خفَّفَ عنهُم يومَئذٍ، وكان لهُ بِعَددِ مَن فيها حَسناتٌ"[٢٢] وهذا حديثٌ موضوع.
حديث: "يس لِمَا قُرِئتْ له"[٢٣] وهو حديثٌ لا أصل له في السنة النبوية. المراجع[+]