و
أحكام اللعان من كتاب الحديث من موطأ الإمام مالك بشرح الزرقاني، للسنة الأولى من التعليم الثانوي العتيق المرحلة الأولى (الدرس 18)
أهداف الدرس
أن أتعرف أحكام اللعان ووجه تسميته.
أن أدرك أسباب اللعان والحكمة منه.
أن أحرص على تفهيم الناس خطورة الأسباب المؤدية إلى اللعان.
تمـهـيــــد
لما كان إثبات وقوع الزنا بأربعة شهود عدول، يشهدون أنهم رأوا فلانا أو فلانة في حال زنا، في غاية الصعوبة، حتى إنه يندر حصوله نظرا للشروط المقررة فيه، شرع الله عز وجل للزوج حالة استثنائية خاصة يستطيع فيها أن يقيم دعوى الزنا على زوجته إذا رآها تزني، دون أن يُكَلَّفَ إحضار الشهود، ودون أن يقام عليه حد القذف، وهذه الحالة الاستثنائية هي اللعان.
🟥فما مفهوم اللعان؟ وما هي أحكامه؟
الأحاديث
مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، " أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِر الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ، وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَالله لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ، وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا، قَالَ سَهْلٌ، فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ الله إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَقَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ بَعْدُ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ". الموطأ رقم: 1784.
قالَ مَالِكٌ:"السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ". الموطأ رقم: 1787.
الـفـهـــم
الـشـرح
فكره رسول الله المسائل: إما أنه كره قذف الرجل امرأته بلا بينة لاعتقاده الحد؛ أو أنه كره السؤال لقبح النازلة وهتك ستر المسلم، أو لما كان نهى عنه من كثرة السؤال.
استخلاص المضامين:
بين(ي) مفهوم اللعان وكيفيته.
استخرج(ي) من حديثي الدرس الآثار المترتبة على اللعان.
ماحكم من امتنع من اللعان من الزوجين بعد إثبات موجباته؟
التحـلـيـــل
أولا: مفهوم اللعان وحكمه
اللعان لغة: مصدر لاعن من اللعن وهو الطرد والإبعاد، يقال: منه الْتَعَنَ أي لعن نفسه ولاعن غيره، ولَاعَنَتْهُ امرأته ملاعنة ولعانا فتلاعنا والتعنا، لعن بعض بعضا، ولاعن الحاكم بينهما لعانا حَكَم.
اللعان اصطلاحا: كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به، أو إلى ولد، وعرفه ابن عرفة بقوله: "حلف الزوج على زنا زوجته أو نفي حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض "، ووجه تسميته لعانا اشتماله على كلمة اللعن، تسمية للكل باسم البعض، ولأن كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها؛ إذ يحرم النكاح أبدا.
واختير لفظ اللعان على لفظي الشهادة والغضب، وإن اشتملت عليهما الكلمات أيضا؛ لأن اللعن كلمة غريبة في قيام الحجج من الشهادات والأيمان، والشيء يُشهر بما يقع فيه من الغريب.
ومن المعلوم أن اللعان لا يجوز إلا مع التحقق، وإلا كان حراما، لكن إذا كان اللعان لنفي الحمل، فهو واجب؛ لأنه يترتب على تركه إلحاق ولد بغير أبيه، وفي ذلك ما فيه من المفاسد، من حيث تغيير الحقوق والأحكام، في الميراث والنكاح، أما إن كان اللعان لرمي الزوجة بالزنا، فالأولى تركه، إيثارا للستر، فقد أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عمن أتاه وقال: "إني زنيت" حتى رددها أربع مرات. أخرجه مسلم في صحيحه. وقال: لهزّال الذي أمر ماعزا بأن يقر على نفسه بالزنا: " لو ستَرْتَهُ بثوبكَ كانَ خَيْراً لك" رواه أبو داود في سننه. أي أَمَرْتَهُ بالستر.
ثانيا: أحكام اللعان
موجب التفرقة بين الزوجين في اللعان
اختلف في موجب التفرقة بين المتلاعنين هل فور الانتهاء من اللعان منهما، أو من أحدهما، أو حتى يحكم به الحاكم؟ على أقوال أهمها:
مذهب مالك، أنه يقع التحريم بلعان المرأة، قال مالك: قال ابن شهاب: "فكانت تلك أي الفرقة بينهما بعدُ، أي بعد ذلك سنة المتلاعنين، فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدا فتحرم عليه بمجرد اللعان تحريما مؤبدا ظاهراوباطنا، سواء صدقت أو صدق، لحديث البيهقي "المتلاعنان لا يجتمعان أبدا"، وظاهره يقتضي توقف ذلك على تلاعنهما معا، وقد قال مالك: يقع التحريم بلعان المرأة.
ب- قال الشافعي وسحنون: يقع التحريم بفراغ الزوج من اللعان؛ لأن التعان المرأة إنما شرع لدفع الحد عنها، بخلاف الرجل، فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب، ولحوق الولد، وزوال الفراش، وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما بعد فراغ الرجل، وفيما إذا علق طلاق المرأة بفراق أخرى، ثم لاعن الأخرى.
وقال أبو حنيفة: لا تقع الفرقة حتى يوقعها الحاكم لظاهر أحاديث اللعان، ويكون فرقة طلاق، وعن أحمد روايتان.
قال عثمان البتي: لاتقع الفرقة إلا بعد تلفظ الزوج بالطلاق، واستدل بظاهر الحديث: "فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ الله إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا" فتمسك بهذا وقال: "لا تقع الفرقة بين المتلاعنين إلا بإيقاع الزوج، فإن لم يوقعه لم ينقص التلاعن من العصمة شيئا،"واحتج أيضا بأن الفرقة لم تذكر في القرآن، وأن ظاهر الأحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء.
ورده ابن عبد البر بأنه قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة، على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان، ولم يستحبه قبله، فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما، وقال النووي: قوله "كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ الله إِنْ أَمْسَكْتُهَا"، كلام مستقل، وقوله: فطلقها، أي ثم عقب ذلك بطلاقها؛ لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق الثلاث.
مكان الملاعنة
أجمع العلماء أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الجامع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين المتلاعنين المذكورين في مسجده، وذلك محفوظ في حديث ابن مسعود وغيره،كما يستفاد من الحديث أن الملاعنة لا تكون إلا عند السلطان، ولا يختلفون أن من استخلفه الإمام على الأحكام من قاض وسائر الحكام أنه يقوم في اللعان إذا تحاكموا إليه فيه مقام الإمام.
حكم من أبى اللعان من الزوجين
اختلفوا في الزوج إذا أبى اللعان بعد ما ادعاه من رؤية الزنى أو بعد قذفه لها، فقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء إن لم يلتعن حُد، وحجتهم أن اللعان للزوج براءة كالشهادة للأجنبي.
واختلفوا في المرأة إذا أبت من اللعان بعد التعان الزوج، فقال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأكثر السلف: إن أبت أن تلتعن حدت، وحجتهم قول الله عز وجل
image 2002
سورة النور من الآية 8.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: أرأيت إن لم تلتعن، قال: إن أبت أن تلتعن حبست أبدا حتى تلتعن.
كيفية اللعان
الأصل في كيفية اللعان قول الله تعالى:
image 2003
سورة النور الآية 6-9 .
ومما وردت في كيفية اللعان قول ابن القاسم عن مالك: يحلف أربع شهادات بالله يقول: أشهد بالله لرأيتها تزني، ويقول في الخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، وتحلف هي بمثل ذلك أربع مرات، تقول في كل مرة أشهد بالله ما رآني أزني، والخامسة غضب الله علي إن كان من الصادقين. وقال الليث: يشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
هل اللعان فسخ أو طلاق؟
يدل قول مالك رحمه الله تعالى: "السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا" على تأبيد الفرقة بينهما، ولو أكذب نفسه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "لاسبيل لك عليها" أخرجه البخاري في صحيحه، ولم يقل له إلا أن تكذب نفسك، لأن تحريم اللعان مؤبد، لكن اختلف في فرقة المتلاعنين هل تعد فسخا أو طلاقا، على قولين:
قال القاضي أبو الحسن: فرقة المتلاعنين فسخ، وفائدة ذلك أن التحريم مؤبد، ولو كان طلاقا لم يتأبد،وإنما يتأبد تحريم الفسح كالرضاع
لقاضي أبو الوليد رحمه الله تعالى: فرقة المتلاعنين طلاق وليست فسخا؛ وذلك أن الفسخ لا يتأبد لنفسه، فقد يفسخ النكاح الفاسد، ثم يتناكحان بعد، وإنما يتأبد التحريم، أو لا يتأبد لموجبه الذي أوجب تأبيد التحريم في الرضاع، للرضاع نفسه دون الفسخ؛ لأنه لو وجد الرضاع قبل الفسخ لتأبد التحريم، وهذا حكم اللعان الذي هو موجب للتحريم المؤبد، والأصل في ذلك ما روى سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن حديث المتلاعنين، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحدكما كاذب
لا سبيل لك عليها" أخرجه البخاري في صحيحه. وهذا يقتضي التأبيد، فيحمل عليه، قال القاضي أبو الوليد: وإنما حكمنا بكونه فسخا؛ لأنهما مغلوبان على الفرقة من غير إيقاع مُوقع ، والطلاق لا يكون إلا بإيقاع مُطَلِّق.
أثر تكذيب الملاعن نفسه
يظهر أثر تكذيب الملاعن نفسه في أمرين:
لحوق الولد
إذا تراجع الملاعن وأكذب نفسه، فإن الولد يلحق به سواء كان ذلك قبل اللعان أو بعده، فإن كان قبل أن يلاعن الزوج عوقب ولم يكن له أن يلاعن، وإن كان بعد أن لاعن هو وقبل أن تلاعن هي،عوقب وسقط عنها اللعان، ويلحق به الولد على كل حال، وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية يرجع عليه بنفقة الحمل وأجر الرضاع ونفقتها بعد ذلك إن كان في تلك المدة مليا.
التفرقة أو عدمها
لا يخلو أن يكذب الملاعن نفسه قبل إتمام اللعان، أو بعده، فإن أكذب نفسه قبل إتمام اللعان، وقد بقي شيء من لعانها، قال مالك : يعاقب وهما على نكاحهما؛ ووجه ذلك أن اللعان لم يتم بعدُ، فهما على حكم الزوجية بينهما بتمام اللعان، وإنما تنفصم الزوجية بينهما بتمام اللعان، فمتى كان اللعان بينهما، فقد
بانت منه وتأبد تحريمها، فلا تحل له أبدا، وإن أكذب نفسه، وهو قوله: "وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ" وقال أبو حنيفة : يرتفع التحريم ويجوز له أن يتزوجها، وقد استدل المالكيةبحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزوج من المتلاعنين: "لا سبيل لك عليها".أخرجه البخاري في صحيحه.
المصدر:
#منتدى_المركز_الدولى