تفسير سورة النبأ كاملة
رامي حنفي محمود
🟩تفسير سورة النبأ🟩
من الآية 1 إلى الآية 16: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾؟! يعني: عن أيِّ شيءٍ يسأل رجالُ قريش بعضهم البعض؟، إنهم يتساءلون﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾: أي عن الخبر العظيم الشأن (وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والنُبُوّة والبعث يوم القيامة)﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ (ما بين مُصَدِّق ومُكَذِّب)، ﴿كَلَّا﴾ أي: ليس الأمر كما يزعم المُشرِكون من إنكار صحة ذلك الخبر العظيم، ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ عاقبة تكذيبهم، ويَظهر لهم ما سيَفعله الله بهم يوم القيامة،﴿ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ أي: ثم سيتأكد لهم حينئذٍ صِدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن والبعث، وذلك حين لا ينفعهم العلم (وهذا تهديدٌ ووعيدٌ لهم).
ثم ذَكَرَ سبحانه بعض مَظاهر قدرته وإنعامه على خَلْقه، وعنايته بمصالحهم، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، وقدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فقال
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾؟ يعني ألم نجعل الأرض مُمَهَّدة لكم كالفِراش لتستقروا عليها؟،﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾؟ يعني: وجعلنا الجبال ثابتة لتثبيت الأرض - كما تُثبَّت الخيمة بالأوتاد - حتى لا تضطرب بكم؟،﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾؟ أي خلقناكم أنواعاً (ذكراً وأنثى)؟،﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾؟ أي جعلنا نومكم راحةً لأبدانكم (إذ فيه تهدؤون وتستريحون من التعب نهاراً في طلب الرزق)؟،﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ أي ساتراً يَستركم بظلامه (كما تَستركم الثياب)؟،﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ أي تنتشرون فيه لطلب مَعاشكم، وتسعَون فيه لمَصالحكم؟، ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا﴾؟ أي بَنَينا فوقكم سبع سماوات متينة البناء، مُحكَمة الخَلق، لا شقوق لها؟، ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾؟ أي جعلنا الشمس سِراجًا وقَّادًا (أي تَشِعّ بالضوء والحرارة)، لتنتفعوا بضوءها وحرارتها (في الإبصار والتدفئة والزراعة، وغير ذلك من منافعكم)؟،﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ (وهي السُحُب المُمطرة)، فأنزلنا منها بقدرتنا ﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾ أي ماءً مُنصَبّاً بكثرة﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا﴾ أي لنخرج بهذا الماء حَبّاً مما يأكله الناس، وحشائش مما تأكله الأنعام﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ أي بساتين مُلتفة ببعضها - لتَشَعُّب أغصانها - تُبهِج النفوس؟
من الآية 17 إلى الآية 20: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ أي يوم القضاء بين الخلق بما قدَّموه من الأعمال - وهو يوم القيامة - ﴿كَانَ مِيقَاتًا﴾ أي كان موعدًا محددًا للأولين والآخرين﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ أي يوم يَنفخ المَلَك إسرافيل في القرن - وهو المعروف بـ "البوق" - نفخة البَعث من القبور ﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ أي تأتون أممًا (كل أمّةٍ مع نَبيّها)،﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ﴾ أي انشقت في ذلك اليوم ﴿فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ أي صار لها أبواب كثيرة لنزول الملائكة،﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ﴾ أي نُسِفَت الجبال - بعد أن اقتلعها الله من أماكنها - ﴿فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ أي فصارت كالسراب الذي لا حقيقة له (إذ يُرَى - مكان الجبل - تراباً في الهواء، فيُظَنّ أنه جبل).
من الآية 21 إلى الآية 30: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا﴾ أي تَرصد يومئذٍ أهل الكفر والإصرار على المعاصي، حيثُ أرصَدها اللهُ تعالى لهم (أي أعَدَّها لهم)، وصارت ﴿لِلطَّاغِينَ مَآَبًا﴾: أي صارت جهنم مَرجعاً للمتجاوزين حدودهم في الشِرك والظلم والفجور والعِصيان، إذ يَرجعون إليها بعد موتهم، ويَظلونَ ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ أي ماكثينَ فيها أزماناً متتالية لا تنتهي،﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا﴾ أي لا يُصيبهم فيها هواءٌ بارد، ﴿وَلَا﴾ يذوقونَ فيها ﴿شَرَابًا﴾ يَرويهم ﴿إِلَّا حَمِيمًا﴾ أي ماءً شديد الحرارة، ﴿وَغَسَّاقًا﴾ وهو صديد أهل النار (الذي يسيل من أجسادهم) فيشربونه.
وقد كان هذا الجزاءُ ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ أي جزاءً عادلاً مُوافِقًا لأعمالهم التي عملوها في الدنيا، حيثُ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا﴾ أي كانوا لا ينتظرون يوم الحساب (لأنهم لم يؤمنوا به، ولم يعملوا له)﴿وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا﴾ أي كَذَّبوا بما جاءتهم به الرُسُل تكذيباً شديداً،﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾ يعني: وقد أحصينا كلَّ شيء عملوه (إذ كانت ملائكتنا تكتب أعمالهم في الكتب التي معهم)، ويُقال لهم - تبكيتاً - وهم يُعَذَّبون: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾ (فحينئذٍ يَعظُم كَرْبهم، ويَتمكن اليأس من نفوسهم)، أَعَاذَنا اللهُ وإخوانَنا المؤمنينَ من جهنم.
من الآية 31 إلى الآية 40: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الذين عملوا ما يُرضِي ربهم واجتنبوا ما يُغضبه - خوفاً من عذابه -، أولئك سيَكونُ لهم ﴿مَفَازًا﴾ أي مكانَ فوز ونجاة (وهو الجنة)، فإنّ لهم فيها﴿حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا﴾ أي لهم بساتين جميلة المنظر وأعنابًا لذيذة،﴿وَكَوَاعِبَ﴾ أي لهم في الجنة زوجات جميلات مُرتفِعات الصدور، (واعلم أن هذا الوصف يشمل النساء المؤمنات والحُور العِين)، ﴿أَتْرَابًا﴾ أي في سِنٍّ واحدة (وهو سِنّ أهل الجنة: ثلاث وثلاثين سنة) (انظر صحيح الترمذي ج: 4/682)، ﴿وَكَأْسًا﴾ أي لهم كأسٌ فيها خمر (لأنّ الكأس - في عُرف السابقين - كانت تُطلَق على الخمر، فلا يُقال (كأس) ما لم يكن بها خمر)، ﴿دِهَاقًا﴾ أي مملوءة،﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ أي لا يسمعون في الجنة كلامًا باطلاً، ﴿وَلَا كِذَّابًا﴾ أي لا يُكَذِّب بعضهم بعضًا (حتى لا يَتكدر صفو نعيمهم، ولا تتنغص لذة حياتهم)،كل ذلك كانَ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ﴾ لأهل الجنة، ﴿عَطَاءً حِسَابًا﴾: أي عطاءً كافيًا لهم، (يُقال: أعطاني فُلان فأحسَبَني أي كَفاني، وإذا أخَذَ ما يكفيه، قال: حَسبي أي يكفيني)، فهذا العطاء هو فضلٌ من الله تعالى﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي خالق كل ذلك ومُدَبِّر أمْره، وهو ﴿الرَّحْمَنِ﴾ الذي وَسِعَت رحمته الدنيا والآخرة، وهو الذي ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ أي لا يَملك أحدٌ من خَلْقه (ولو كان جبريل عليه السلام) أن يُخاطبه إلا بإذنه، وذلك﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا﴾: أي يوم يقوم الروح الأمين (جبريل عليه السلام)، فيقف وحده (لِعِظَم خَلْقه)، ويقف الملائكة جميعاً صفاً واحداً، ﴿لَا يَتَكَلَّمُونَ﴾بالشفاعة لأحدٍ من الخلق ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾: يعني إلا لمَن أذن له الرحمن في الكلام أو في الشفاعة ﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾ أي: وقال هذا المَلَك - الذي أُذِنَ اللهُ له فى الكلام - قولاً صواباً يُرضى ربه،﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ أي اليوم الذي لا شك في وقوعه، ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا﴾ يعني فمَن شاء النجاة مِن عذاب ذلك اليوم، فليتخذ مَرجعًا حَسَناً إلى ربه (وذلك بسلوكه طريق النجاة، بالإيمان وصالح الأعمال، والتوبة وكثرة الاستغفار).
﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ أي حَذَّرناكم مِن عذاب يوم القيامة القريب وإن استبعدتموه، فإنّ كل آتٍ قريب، ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾: أي يوم يرى فيه كل امرئٍ ما عَمِلَ من خيرٍ وشر، ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ﴾ - مِن هَول الحساب وصعوبة الأمر -: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ (فلم أُبعَث حَيّاً بعد موتي حتى لا أُعَذَّب).
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
الالوكة
《
#منتدى_المركز_الدولى》
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗