هل يجوز ضرب الأبناء وتعنيفهم بهدف التربية

«هل يجوز ضرب الأبناء وتعنيفهم بهدف التربية؟».
الإسلام هو دين الرحمة، وقد وصف الله تعالى حبيبه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه رحمة للعالمين فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
وأكد الشرع على حق الضعيف في الرحمة به؛ فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم، وَالمَرْأةِ».
إن أَوْلَى الناس بالرحمة هم الأطفال في مراحل عمرهم المختلفة؛ لضعفهم واحتياجهم الدائم إلى من يقوم بشؤونهم؛ وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عدم رحمة  «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا»
وحضّ ديننا الإسلامي أيضًا على الرفق، ودعا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرفق في الأمر كله؛ فقال: «إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إلا شانَه»
والإسلام دين العلم؛ فهو يدعو دائمًا إلى اتباع الوسائل العلمية الصحيحة التي ينصح بها المتخصصون في المجالات المختلفة، ولا يخفى أن الضرب ليس هو الوسيلة الأنفع في التربية كما يقرره كثير من علماء التربية والنفس؛ معللين ذلك بأن اعتماد «الضرب» وسيلة في التربية عادةً ما يولد السلوك العدواني والقهر لدى الطفل المعاقَب، فينظر لِمَن ضربه نظرة الحقد والكراهية.
والعملية التربوية يجب أن تقوم على التفاهم والحوار والمحبة، ويجب على القائمين عليها أن يسلكوا السبل التربوية النافعة التي تُنجِحها.
والتعليم يهدف إلى نقل الخبرة والمعلومات والمناهج الدراسية من المدرس إلى الطفل، ويجب أن يتم ذلك في جو من التفاهم، وحسب قواعد التربية الصحيحة الخالية من الأذى والبغض والكراهية، ولا يجوز أن تكون العلاقة بينهما علاقة خوف وتسلط، بل يجب أن تكون قائمة على المودة والحب والاحترام.
لا يجوز اللجوء لضرب الطفل مع وجود البدائل التربوية النافعة للتوجيه والتقويم؛ ترغيبًا وترهيبًا، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- هو المعلم الأول، ولم يرد عنه أنه ضرب طفلاً قط، وهو الأسوة والقدوة الحسنة الذي يجب على المعلمين أن يقتدوا بسيرته الكريمة العطرة في التربية والتوجيه، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. 
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «مَا ضَرَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إِلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيءٌ قطّ فينتقم من صاحبه، إلاّ أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم» أخرجه مسلم. 
والطفل قبل البلوغ ليس مكلَّفًا بل يجب التعامل معه يكون على جهة التأديب والتربية فقط لا على جهة العقاب؛ لأن العقاب إنما يكون على ارتكاب المحرم أو ترك الواجب، والواجب ما يعاقب على تركه والمحرم ما يعاقب على فعله، وذلك في حق المكلَّف وحده.
أما الطفل فإنما يُعَوَّد على فعل الواجبات وترك المحرمات ليألف ذلك عند البلوغ.
فتأديبه على ترك الواجب أو فعل المحرم حينئذٍ من باب التربية والترويض لا العقاب. 
والأصل في الشرع حرمة الإيذاء بكل صوره وأشكاله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
وذهب بعض الفقهاء، إلى أن ضرب الصبي لا يجوز أن يكون بالسوط والعصا ونحوهما، بل يكون باليد فقط تعبيرًا عن اللوم وإظهارًا للعتاب،.
ولا يجوز أن يكون بقصد الانتقام بل التأديب، ونصوا على أنه يجب عليه أن يَتَّقِيَ المَقَاتِلَ ويبتعد عن الأماكن الحساسة والأماكن الشريفة التي يُشعِر الضرب فيها بالمهانة، كالوجه والرأس والنحر والفرج والقفا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولا يجوز أن يكون الضرب مبرِّحًا ولا مُدمِيًا ولا مؤذيًا.
وهذا الحديث ليس دليلاً على إباحة الضرب بقدر ما هو تحذير من ممارسته بشكل مؤذٍ، وأنه إن خرج عن أن يكون إظهارًا للعتاب فهو غير جائز. 
قال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين»، فهو في الحقيقة نوع من التربية والترويض والتأديب النفسي الذي يُقصَد به إظهارُ العتاب واللوم وعدم الرضا عن الفعل، وليس ذلك إقرارًا للجلد أو العقاب البدني.
بل إن وُجِدَ فهو من جنس الضرب بالسواك الذي لا يُقصَد به حقيقة الضرب بقدر ما يُراد منه إظهار العتاب واللوم.
ثم إن حقيقة الضرب قد خرجت الآن عن هذه المعاني التربوية وأصبحت في أغلب صورها وسيلة للعقاب البدني المبرح بل والانتقام أحيانًا، وهذا مُحَرَّمٌ بلا خلاف. 
وبعض المختصين يرون أن هذا النوع من الضرب الخفيف قد يكون وسيلة ناجحة للإصلاح التربوي، إن تمت مراعاة عمر الطفل المتعلم وموقفه وحالته النفسية، واستبعاد من لا يناسبهم الضرب كوسيلة للتربية، ويجب أن لا يكون تنفيساً عن الغضب أو الإنتقام.
#التربية
   《#منتدى_المركز_الدولى》