الحرمان العاطفي داخل الأسرة د. جمال ماضي ابو العزايم
اسباب الحرمان العاطفي داخل الأسرة
1- أحد الأسباب الرئيسية لانحراف البنات والزوجات:
أبانت دراسة عن عوامل انحراف المرأة أنّ قيم المجتمع الثقافية والاجتماعية والدينية تحض الأفراد على أن يسعوا نحو تحقيق الاستقرار الاجتماعي والحصول على الأمان العاطفي بوسيلة مشروعة وهي الأسرة، وتنشأ المشكلة في المجتمع عندما يحدث انفصال بين الوسيلة (وهي الأسرة) والهدف (وهو الاستقرار العاطفي) فلا يوجد تكامل وانسجام بين الوسيلة والهدف فينشأ الانحراف في السلوك فتشيع الجريمة، والإناث قد يقعن تحت ضغوط أسرية من الأزواج أو الوالدين أو الأشقاء مما يعيق استفرارهنّ ويشعرهن بالحرمان العاطفي بسبب العلاقات الأسرية والزوجية القائمة على التشاحن والتنازع والتصارع.
وسواء كانت البنت تعيش في كنف الأب أو كانت زوجة تعيش في ظل الزوج، فقد أبانت الدراسة أنّهن كن يعشن في مناخ أسري مضطرب، وبسبب ذلك يشعرن بمعدل حرمان كبير وضعف بالأمان العاطفي وانخفاض في درجة التواصل الفكري والوجداني والعاطفي والجنسي، ويعانين أشد المعاناة من النبذ والإهمال بصوره المتعددة من الزوج كالانشغال والسهر خارج المنزل وكثرة الأسفار، كما يعانين من ضعف في التوافق العاطفي وجفوة من قبل الزوج وفقدان للحنان.
وسجلت الدراسة أنّ معدل الحرمان يزداد أكثر كلما صغر عمر الزوجة، وأنّ أغلب تلك العينة لا تجد الأمان العاطفي وهن ممن أكرهن على الزواج مما دفعهنّ إلى ارتكاب الفعل الإجرامي بحثاً عن الحب والحنان كما في الزواج التقليدي، وقد ترتكبه الزوجة كانتقام وكراهية للزوج بسبب ما تعانيه من إحباط وشعور بالعجز مما يدفعها إلى التنفيس عن هذه الضغوط بالعدوان والتمرد.
وعن النتائج التي توصلت لها الدراسة ذكرت أنّ ثقافة المجتمع تدفع الشاب إلى النرجسية والذي يعنى إعجاب الرجل بنفسه والنظر إلى المرأة بدونية واستخدام الكرامة على المرأة بأسلوب تسلطي وقهري تارة وأسلوب النبذ وعدم الاهتمام تارة أخرى، كما تدفع هذه الثقافة فتيات المجتمع إلى الزواج الروتيني الاعتيادي وهو الذي يدوم ويستمر بسبب تحقيق مصالح مادية واجتماعية دون الإسهام بسد الاحتياجات النفسية والعاطفية عند المرأة.
كما توصلت الدراسة إلى أنّ ثقافة الوالدين من ناحية تدني مستوى علاقاتهم ومشاعرهم تجاه بناتهم لها آثار سلبية تفقد بسببها البنت الأمان الأسري ومن أهم سلوكيات الوالدين التفرقة والتمييز بين الأولاد، خاصة الذكور والإناث مما يزيد معدل شعور البنات بالحرمان العاطفي ويضطرهن إلى إقامة علاقة جنسية محرمة مع الآخرين بحثاً عن الحب أو الرغبة في الانتقام والكراهية.
2- الحرمان العاطفي يؤثر على عقلية الطفل وإدراكه وطوله أيضاً؟!
كشفت دراسة تربوية نفسية أجراها باحثون على مدى خمس سنوات أنّ للروابط العائلية والحب الذي يكتنف العائلة بالغ التأثير والأثر على ذكاء الطفل، وتكوين البنية العقلية والجسدية والعاطفية والنفسية لأبنائنا، في حين أنّ الأطفال الذين يعيشون حالة من الحرمان العاطفي والحب الأبوي ويفتقرون إلى الرعاية والاهتمام فإنّ لذلك تأثير سلبياً على نمو إدراكهم وتطور ملكاتهم وقدراتهم الذهنية، بالإضافة إلى أنّه يخلق مشكلات وعقد نفسية عند هذه الفئة من الأطفال مقارنة بالفئة الأولى التي تتلقى عناية ورعاية عائلية أوفر وأفضل، هذا ما كشف عنه تقرير "الرابطة الأمريكية للتقدم العلمي".
كذلك كشف الباحثون أنّ الأطفال الذين يعيشون في ظروف حرمان يعانون من إعاقة في النمو بحيث ينقص طولهم 10% عن طول أقرانهم ممن يعيشون في كنف عائلة متحابة، ولاحظ الباحثون أيضاً أنّه إذا تم نقل الأطفال المحرومين للعيش في بيوت للرعاية، فإنّهم يتغلبون على هذه الإعاقة في النمو.
كذلك يؤكد الباحثون أنّ الأطفال الذين يعيشون ظروف الحرمان ينخفص لديهم معدل الذكاء بشكل استثنائي، إلّا أنّ ذلك سرعان ما يتغير بتغير الظروف وفي أسرع وقت أي في غضون 42-54 شهراً من نقل هؤلاء الأطفال للعيش في دور الحضانة، حيث يصبح بإمكان الطفل التعبير عن المشاعر الإيجابية التي سرعان من تتطور بشكل ملحوظ طالما يعيش الطفل في جو من الألفة والمحبة.
كشفت الدراسة أنّ الأطفال الذين يعيشون في دور الحضانة تقل لديهم نسبة الإصابة بمشكلات نفسية، بالإضافة إلى أنّ حالات الغضب واليأس تقل عندهم، وتختلف ردود فعل هؤلاء الأطفال تبعاً للنوع في حين تزداد المشكلات العاطفية عند البنات، ونجد الذكور أو "الصبيان" يعانون من الفوضى والاضطراب السلوكي.
3- حرمان الطفل من الدفء الأسري يصنع شخصية غير سوية:
1- حين يكبروا: أضافت دراسة علمية صدرت حديثاً حقيقة جديدة، وهي أنّ حنان الأُم على أطفالها الصغار ينعكس عليهم حين يكبروا، ويتجسد ذلك من خلال تمتعهم بحياة زوجية مستقرة.. فماذا لو افتقدنا هذا الحنان والحب؟ وإلى أي مدى تؤثر تعاملات الطفولة على حياتنا مستقبلاً؟ وكيف يمكن تعويض الحرمان ومأساة الطفولة؟، فالطفل الذي لا يتربى على الحب والحنان والرعاية والاهتمام تحت مظلة أسرة يسودها الاستقرار والهدوء غالباً ما ينشأ بداخله شعور جارف بالحرمان، والطبيعي أنّ الأُم هي التي تعطي دون مقابل، فهي مصدر العطاء والحنان والحب والخير؛ لذلك فحينما يفتقد الطفل هذا الحنان قد يتحول إلى إنسان عدواني، وقد لا تظهر هذه العدوانية على سلوكياته إلّا حينما يكبر.
2- ذكاء الزوجة: أوّل ثلاث سنوات من عمر الطفل تعتبر بمثابة تكوين الشخصية لدى الطفل، تزرع فيها الأُم وتحصد ثمار زرعها مستقبلاً، فالشخص الذي يعاني من حرمان الحب والحنان حينما يكبر، هو في حاجة لزوجة ذكية تغدق عليه بعطفها وحنانها وتحتويه وتحتضنه بذكائها.
3- تعويض الحرمان: ليس كلّ أُم لديها القدرة على إظهار المشاعر النبيلة وإعطاء الحنان الفياض، فقد يتربى الطفل على يد مربية أو زوجة أب أو زوج أُم، ويكون عطاؤها لا محدوداً، لكن على الرغم من ذلك يظل بداخله عقد؛ لأنّها ليست أُمّه، وعندما يكبر يصطدم بهذا الواقع الذي يعتبر بالنسبة له أليماً، وقد تكون أُمّه ليس لديها الحنان الذي يلبي عواطفه، خصوصاً إذا جاء إلى الحياة على غير رغبتها، أو لطبيعة جافة بداخلها، وفي الحالتين النتيجة سلبية، وتؤثر في علاقاته الاجتماعية سواء مع زوجته وأولاده أو أقاربه وأصحابه، ولذلك تعويض هذا الحرمان غاية في الصعوبة.
4- شخصيات مضطربة: أسلوب التعامل مع الطفل في أوّل خمس سنوات له تأثير كبير على شخصيته وسلوكياته، فمثلاً إساءة التعامل معه يؤثر عامة على مستوى ذكائه، ويجعل شخصيته تتسم بالضعف، وهذا يؤثر في كفاءته النفسية ويجعل شخصيته مضطربة ومكتئبة تعاني القلق بشكل دائم.
وعلاقة الطفل بأُمّه يجب أن يكون قوامها الحنان والحب والأمان، وهذا أوّل درس في العلاقات الاجتماعية يتعلمه الطفل تلقائياً من معاملات الآخرين معه وخاصةً أُمّه، ومن هذا المنطق يتعامل في المدرسة مع أصدقائه، فيحترم زميلته ولا يحاول الإساءة إليها؛ لأنّ والده يحترم زوجته ولا يضربها أو يهينها.
وعلى الجانب الآخر إساءة التعامل معه قد يخلق منه شخصيتين إحداها قوية ويكون سلوكها عدوانياً مع الآخرين، والأخرى ضعيفة وتكون منطوية ومعزولة عن العالم، والفيصل الوحيد في هذا الإرادة الراغبة في التغيير.
4- الحرمان العاطفي يفقد الطفل خبراته الطبيعية:
1- الحرمان من الأمومة:
السنوات الأولى من حياة الطفل مهمة جدّاً، وفيها يوضع أساس تشكيل شخصيته، وللأُم دور كبير وخطير في هذا المجال، ومن أهم أنواع السلوك التي يتعلمه الطفل في بداية السنة الأولى من عمره – الاستجابات الاجتماعية للآخرين، ويتم تعلم هذه الاستجابات من خلال تفاعل الطفل مع أُمّه، فاستجابات الطفل الاجتماعية مثل: الابتسام لأُمّه، أو الاستجابة بتغيرات الوجه لها أو لمن يقوم مقامها، لا تلبث أن تعمم على الآخرين؛ أي إنّ الطفل يتعلم كيف يستجيب استجابة اجتماعية لغير الأُم، كما يستجيب لأُمّه.
وقد يتعرض الطفل لحرمان من الأمومة، وهذا الحرمان إمّا أن يكون جزئياً أو كلياً، فالحرمان الجزئي يحدث نتيجة الحياة مع أُم أو بديلة عن الأُم؛ كإحدى القريبات، ويكون اتجاهها نحو الطفل غير وديٍّ، فالطفل الذي تتركه أُمّه يصرخ ساعات لقضاء عمل لها في المنزل، وكذلك الطفل الذي تهمله أُمّه تماماً، إمّا لجهلها أو لعدوان لا شعوري عندها نحو الطفل نتيجة خبرات في طفولتها.
أما الحرمان الكلي من الأُمومة فيحدث نتيجة لفقدان الأُم أو بديلتها الدائمة بالموت أو الطلاق، دون أن يكون للطفل أقارب مألوفون لديه يقومون برعايته، كما قد يكون نتيجة إبعاد الطفل عن أُمّه نظراً لسوء التوافق بين والديه، أو لمرض أُمّه.►
المصدر: كتاب دليل الآباء والأُمّهات في تربية الأبناء
《
#منتدى_المركز_الدولى》