نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
🩸شرح الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله 🩸
نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
🩸شرح الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله 🩸
القسم الأول من الناقض الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبيﷺ أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضّلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
🟤هذا الناقض الرابع من النواقض التي تبطل الإسلام، ولا تجتمع مع الإسلام، وعندنا فيه مسألتان :
المسألة الأولى متعلقة بالهدي.
والمسألة الثانية متعلقة بالحكم.
أما المسألة الأولى المتعلقة بالهدي: فمن اعتقد أن هدي غير النبي ﷺ أكمل من هديه، فهو كافر.
الهدي هو السيرة والمنهج والطريقة والحال والسمت والطريق الذي كان عليه النبي ﷺ.
ويدخل فيه هدي البيان والدلالة الذي جاء به النبي ﷺ، فبيّن الدين بقوله، وبيّن الدين بفعله.
قال الله ﷻ: «وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم»[الشورى:٥٢]
وهدي النبيﷺ، وطريقته وحاله، ومنهجه وطريقه هو خير هدي، فقد كان النبي ﷺ يقول في خطبه: «فإن خير الهدي هدي محمد» وكان يقول: «فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد».
والذي جاء عند مسلم: «وخير الهدى هدى محمد».
وجاء عند أحمد وغيره باللفظ الأول: «وخير الهدي هدي محمد»
وفي رواية عند أحمد: «فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد».
وفي رواية أيضاً عند أحمد: «إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد».
فهدي محمد خير الهدي وأحسن الهدي وأفضل الهدي، وأكمل الهدي، وهديه كله وحي من الله.
«وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى». [النجم: ٣-٤]
فمن اعتقد أن هدي غير النبيﷺ خير من هديه فقد كفر، وكذب بما في القرآن والسنة، فالذين يعتقدون ويرون أن طريقة شيخ الطريقة أحسن، وأكمل وأقرب إلى الله من طريقة محمد ﷺ، فقد أتوا كفراً وزوراً.
والذين يرون أن هدي الفلاسفة ومحكّمي العقول خير وأحسن وأكمل من هدي محمد ﷺ، فقد جاءوا زوراً وكفراً، وطعنوا في الدين، وكذبوا بالقرآن والسنة.
إذاً: الفريضة الشرعية التي هي من التوحيد أن يعتقد المؤمن أن هدي محمد ﷺ خير الهدي، بل يعتقد أن كل هدي خالف هدي محمد ﷺ فهو باطل، ومن اعتقد أن هدي غير النبي ﷺ خير من هديه فقد نقض إسلامه، وأتى بالكفر الأكبر والعياذ بالله.
وأما المسألة الثانية: فهي مسألة الحكم، فمن اعتقد أن حكم غير النبي ﷺ أحسن وأعدل من حكمه، فقد كفر.
حكم النبي ﷺ المقصود به الحكم بما أنزل الله، وهو حكم الإسلام، والحكم كله لله
كما قال الله ﷻ: «إن الحكم إلا لله»
[الأنعام: ٥٧] حصر يدل دلالة بينة على أن الحكم كله لله.
وقال سبحانه: «فالحكم لله العلي الكبير» [غافر:١٢].
وقال النبي ﷺ: «إن الله هو الحكم، وإليه الحكم»، كما رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني.
وكل حكم يخالف حكم الله أو حكم رسوله ﷺ فهو من حكم الجاهلية، فمن اعتقد أن الحكم الذي يخالف حكم الله أو حكم رسوله ﷺ أحسن وأفضل وأعدل من حكم الله، ومن حكم رسوله ﷺ، فقد كفر.
يقول الله ﷻ: «ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً وإذا قيل لهم تعالوا إِلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا» [النساء:٦٠ - ٦١].
فهذه الآية فيها تعجيب وإنكار من فعل هؤلاء الذين يزعمون والزعم الغالب عليه: أنه يطلق على الكلام الكاذب، هم يزعمون بألسنتهم أنهم آمنوا بالله وآمنوا برسول الله ﷺ ومع ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - إلى الحكم المخالف لشرع الله -
«وقد أمروا ان يكفروا به»، فكل حكم يخالف شرع الله يجب على المؤمن أن يكفر به، ويعتقد أنه باطل في غاية البطلان، ولكنهم يطيعون الشيطان الذي يريد أن يضلهم ضلالاً بعيداً.
وقال اللهﷻ: «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون»[المائدة:٥٠]
🟤القسم الأخير من الناقض الرابع
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: لا ريب أن الحكم بغير ما أنزل الله منكر عظيم، ومن أنواع الكفر يعني قد يكون كفراً أكبر، وقد يكون كفراً أصغر، وهو من حكم الجاهلية.
كما قال تعالى: «أفحكم الجاهلية يبغون»{المائدة:٥٠}، وليس لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله، بل هذا منكر عظيم، وجريمة شنيعة، أما كونه كفراً مخرجاً من الملة فهذا هو محل التفصيل عند أهل العلم، فمن فعل الحكم بغير ما أنزل الله يستجيزه، ويرى أنه لا بأس به، أو يرى أنه مثل حكم الله، أو يرى أن الشريعة لا تناسب اليوم، وأن القوانين أنسب منها وأصلح، هذا كله كفر أكبر، على جميع الأحوال الثلاثة.
ومن زعم أن حكم غير الله أحسن من حكمه أو مثل حكمه في أي وقت كان، أو أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، ولو قال: إن الشريعة أفضل وأحسن، ففي هذه الأحوال الثلاث يكون قائل ذلك كافراً، وهكذا معتقد ذلك، من اعتقد أن حكم غير الله جائز، أو مماثل لحكم الله، أو أفضل من حكم الله، فهو مرتد عند جميع أهل الإسلام، أما من فعل ذلك لغرض من الأغراض وهو يعلم أنه مخطئ، وأنه محرم، ولكن فعل ذلك لغرض الرشوة، أو مجاملة قوم، أو لأسباب أخرى، والله يعلم أن قلبه منكر هذا، وأنه يرى أنه باطل، هذا لا يكفر بذلك، ويكون عاصياً، ويكون كافراً كفراً دون كفر، وظالماً ظُلماً دون ظلم، وفاسقاً فسقاً دون فسق.
كما قال ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد بن جبر وجماعة آخرون، وهو معروف عند أهل العلم، وإن أطلق من أطلق كفره، يعني إذا وجدت كلاماً مطلقاً لبعض العلماء أنه كافر، فمراده كفر دون كفر، وقد ذكر هذا قول أحمد وغيره من أهل السنة.
فهذا العلم العارف بكلام أهل السنة يقرّر أن هذا التفصيل هو قول أهل السنة، وقول أئمة أهل السنة.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وهنا أمر يجب أن يتفطن إليه، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً أصغر ، وذلك بحسب حال الحاكم، فإن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه، وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافراً كفراً أصغر، وإن جهل حكم الله فيها مع بذله جهده، واستفراغه وسعه في معرفة الحكم وأخطأ، فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له.
وللألباني رحمه الله مقالة نفيسة في هذا الباب نشرت، وأقضت مضاجع التكفيريين، وزلزلت كيانهم، وزادهم بلاء وزلزلة أن المقالة قرئت على الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، فأقراها، وأثنيا عليها.
فاجتمع هؤلاء الأئمة الثلاثة من أئمة أهل السنة على ما في تلك المقالة من التفصيل، وهو يرجع إلى ما تقدم، وأنا أوصي بقراءتها وجعلها في الخطب، وشرحها لعموم الناس، فإن فيها بيان العلم الذي يجب أن يُعلم، والاعتقاد الذي يجب أن يُعتقد، وما عليه أهل السنة والجماعة.
إذاً: من حكم بالقوانين التي تخالف شرع الله، وهو يستجيز ذلك، ويقول: هذا جائز، فهذا كفر أكبر ومن حكم بغير ما أنزل الله مما يخالف شرع الله معتقداً أنه أفضل من شرع الله وأصلح وأعدل، فهذا كفر أكبر، وكذلك إن اعتقد أنه يساوي حكم الله، وأن الكلّ يحقق العدل، فهما سواء، فهذا كفر أكبر.
أما إن اعتقد أن حكم الله أحسن وأنه لا يجوز الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله، لكن ضعف، و حكم القوانين المخالفة لشرع الله، فهذا على ذنب كبير، وجرم عظيم، وخطر كبير، ووقع في كفر، لكنه ليس الكفر الذي يخرج من الملة.
هذا التفصيل متعلّق باعتقاد القلوب، وهذا لا يطلع عليه إلا الله، فما لم يصرح المحكم بما يقتضي الكفر فإنه لا يجوز التسلّط بتكفيره، بل الأصل فيمن أتى الإسلام بالشهادتين، ولا يُرفع إسلامه بالشك.
فليس لأحد أن يقول: نعم، هذا التفصيل صحيح، لكنه عند حاكمنا من الأنواع المكفّرة، إلا إذا صرح هو بما في قلبه، أما إذا لم يصرح فلا يجوز هذا بل نحمل المسلم على أحسن المحامل، ما لم يقتض الدليل البيّن خلاف هذا.
فالتفصيل كله مبني على ما في القلب، وما في القلب لا يطّلع عليه إلا الله وهو المحاسب للعبيد، أما نحن فنحكم بالظاهر، وأنه مسلم، وتحمله على بقاء الإسلام.
بقي في التحاكم مسألة يزيدها العلماء: وهي التحاكم إلى ما يخالف شرع الله عند الضرورة: كما لو أن تاجراً تعامل مع تاجر من الكفّار في بلاده، وجحده التاجر الكافر، ولا يستطيع أن يحصل ماله إلا بالتحاكم إلى تلك المحاكم في ذلك البلد الكافر، أو لو أن زوجة مسلمة في بلد الكفر هجرها زوجها، وجعلها معلقة، وأبى أن يطلقها إيذاءً لها، وكلّمه الصالحون فأبى، فهل يجوز للمسلم حال الضرورة أن يتحاكم إلى من يحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله؟
هذا قد اختلف فيه العلماء، وأكثر العلماء على أنه يجوز بشروط:
°الشرط الأول: أن يكون الضرر بترك التحاكم متحققاً ليس موهوماً.
°الشرط الثاني: أن يكون الضرر بترك التحاكم عظيماً، لا يتحمل مثله، يعني ليس في آلاف لا يبالي بما التاجر، وإنما في ضرر عظيم وأمر عظيم لا يتحمل مثله في العادة.
°الشرط الثالث: ألا يوجد طريق لرفع الضرر إلا التحاكم.
°الشرط الرابع: ألا يتعدى المتحاكم حقه الشرعي، فإن المحاكم الوضعية قد تحكم وتظلم؛ مثلاً: حقه مائة ألف فحكمت له المحكمة بمليون، ما يجوز أن يأخذ إلا المائة ألف، يُشترط لصحة التحاكم عند الضرورة ألا يعتدي في الحكم، فلا يأخذ إلا ما يستحقه شرعاً، بمعنى لو رفعت القضية إلى المحكمة الشرعية حكمت بكذا، فيأخذ ما يُحكم به شرعاً، ولا يقبل ما زاد عن ذلك من اعتداء.
والحق أن تعلم ما يتعلق بهذا الناقض على وجهه الصحيح فريضة على طلاب العلم في هذا الزمان، ليدفعوا اعتداء التكفيريين على الحاكم والمحكومين بالتكفير واعتبار دول المسلمين دول حرب فإن التكفيريين هؤلاء الذين يغشون العوام بالعواطف، وأنهم يقيمون الخلافة الإسلامية، ويريدون الحكم بما أنزل الله يعتبرون ديار المسلمين ديار حرب، ويستحلون أموالهم وأنفسهم وأعراضهم، بل صرح بعض كبارهم أن مكة والمدينة اليوم دار حرب، وليست دار إسلام.
فهؤلاء شرّ على أنفسهم شرّ على الأمة، شرّ على الأفراد وكم ضيعوا من أفراد يأتي الرجل في أوروبا فيسلم، فيختطفه الأشرار، ويزينون له أن يذهب إلى ديار أولئك العصابة حتى يُعلم الحقد على الأمة، وأن التوحيد سب الحكام، حتى أنهم يأخذون الصغار لآباء قد أسلموا حديثاً، ويعلمونهم قسوة القلوب، ويعطون الصبي سكيناً لينحر بما من يقول عند نحره: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ! فالوقوف في وجوههم جهاد في سبيل الله، وإبطال مكرهم من أعظم الفرائض على طلاب العلم.
🟤الناقض الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول ﷺ ولو عمل به، كفر إجماعاً؛ والدليل قوله تعالى: *ذلكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ* [محمد: ٩]
ما جاء به محمد ﷺ في الأحكام والحدود، والحقوق وغيرها، مُنزَّل من عند الله ﷻ، ومن كره ما أنزله الله فقد كفر وحبط عمله،
قال تعالى: *وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ* [محمد: ٨-٩].
فدلت هذه الآية على أن كراهية ما أنزل الله من أعظم صفات الكفّار، ومن أعظم ما كفروا به، أنهم كرهوا ماأنزل الله ﷻ، فهذا من ضلالهم وكفرهم، فأحبط الله أعمالهم لكفرهم، فدلت هذه الآية دلالة بينة على هذا الأصل العظيم.
فإذا كان هذا البغض مصرحاً به، ومنطوقاً به، وملفوظاً به، ولو مع العمل، فهذا كفر اعتقاد. إذا قال: أنا أكره قطع يد السارق، أنا أبغض قطع يد السارق، أنا أبغض جلد الزاني، أنا أبغض رجم الزاني
المحصن، فهذا كفر اعتقاد.
وإن كان هذا البعض في القلب من غير تصريح به ولو مع العمل: فهذا كفر نفاق، لأنه يُظهر الإسلام، وهو يعمل بهذه الأشياء، ويُبطن الكفر، فلم يُظهر ما في قلبه من البغض، فهذا كفر نفاق.
هذا إذا كره ما جاء به النبي ﷺ.
أما إذا كره الفعل لأن نفسه لا تتحمله أو فعل شخص معين لأنه يخالف شهوته، فهذا ليس كفراً، كما لو كره الإنسان قطع يد السارق لا من جهة القطع، ولكن من جهة أنه لا يتحمل أن يرى هذا القطع، هو مطمئن القلب بحكم الله محب لحكم الله، لكن هو ما يتحمل تقول له مثلاً: تعال اليوم، ستقطع يد سارق، فيقول: لا، أكره هذا، يعني أكره أن أراه، ما أتحمله.
أو مثلاً: المرأة إذا كرهت أن يتزوج عليها زوجها، من جهة أنها تحب زوجها، ولا تريد أن يتزوج عليها، لا من جهة كره التعدد وبغض التعدّد الذي شرعه الله، وإنما من جهة مشتهاها هي، تريد أن يكون زوجها لها، فهذا ليس كفراً، أما إذا أبغضت التعدّد - والعياذ بالله - من حيث هو ، فهذا من الكفر والعياذ بالله.
فيجب أن نفرق بين كره وبغض ما جاء به محمد ﷺ من حيث أنه جاء به محمد ﷺ، من حيث ذاته، من حيث كونه شرعاً، وبيّن الكره لأمر خارج، ليس لما جاء به محمد ﷺ ، وإنما للرؤية أو نحو ذلك، فلا يُخلط بين الأمور.
لأنه بلغني أن بعض الأزواج يقولون لزوجاتهم: إن كرهت زواجي بأخرى فأنت كافرة، لأن من أبغض ما جاء به محمد ﷺ فهو كافر، وهذا غير صحيح، وخطر على القائل أن ينزل شرع الله على غير تنزيله.
الخميس 23 فبراير - 8:25
