#وقفات_نفسية_رمضانيةحلقة 9,10 ،10,11,12
تحليل نفسي لقصة يوسف عليه السلام .
الجزء الثاني
في الجزء الأول وقفنا ..عند بيع يوسف ..
قال تعالى: "يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ" (10)
قبل ذلك قضى يوسف ليلته في البئر ..
تعصف به الآلام والمخاوف ..ويشعر بالظلم والقهر من إخوته ..ولكن عندما يتذكر أنه نجى من القتل ..يطمئن قليلاً ..ثم مايلبث أن تنتابه نوبات من المخاوف بما ينتظره ..في الغد.هنا حالات الرعب والهلع تعتبر صدمات نفسية متعددة ...لولا أن الله يخفف عنه تلك الآلام والمعاناة ...
قال تعالى: "وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ" (15)
إن إخوة يوسف في اليوم الثاني يراقبون البئر عن بعد ..حتى وصلت قافلة ..وأرادوا شرب الماء فأنزلوا الدلو في البئر
قال تعالى: "وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ" (19)
فتعلق فيه يوسف عليه السلام ففرح قائد القافلة به
قال تعالى: "قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ" (19)
ولما شاهد إخوة يوسف الموقف أقبلوا إليهم . .
وفق هذا يحدث
موقفين الموقف الأول خوف يوسف من إخوته ..ورغبته بالاحتماء بالقافلة ..
قال تعالى: "وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ" (19)
الموقف الثاني .
فرح إخوة يوسف اللاشعوري بالتخلص من يوسف نهائيا دون أن يؤنبهم ضميرهم ...
وفي نفس الوقت يبيعونه عبداً.
قال تعالى: "وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ" (20)
وهذا البيع له معنى نفسي وهو إذلال يوسف الذي كان على عرش قلب الأب والآمر الناهي ..
وإنزاله من هذا الملك المتخيل ..وجعله عبداً يباع حتى لا يمكنه العودة إلى عرش قلب الأب أي إذاً بالبيع يكونون قد أمنو أن يكون العرش من نصيبه كل هذا في اللاشعور يحدث ..
فباعوه بدراهم معدودة .ثمن بخس ..
قال تعالى: "دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ" (20)
أي أن المبلغ القليل هو مقدار مايستاهله يوسف .
فهو في اللاشعور لايساوي شيئاً ..بل لايستحق المال المدفوع فيه .. إن هذه التصرفات تدل على شدة البغض لأخوهم وهذا الكره له أسبابه القديمة في اللاشعور لإخوته ..ذكرناها في الحلقة الأولى ...
المهم أن رئيس القافلة عرف أنهم كارهين لبضاعتهم أو هم لصوص سرقوه وباعوه بيعة سارق ....
وكان المشتري يرى أنه سيعود عليه بربح كثير ..وتفاءلوا به خيراً .
أما يوسف فقد اطمأن على نفسه وأصبح في مأمن من ظلم إخوته .....وغدرهم وتيقن أنه في بلاء عظيم ..وسارت القافلة قاصدة مصراً..
إن ابتلاء يوسف كان كبيراً ومؤلماً وغريباً وغير متوقعاً ..
قال تعالى: "وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ" (21)
في مصر باعه التاجر بأغلى الأثمان .واشتراه عزيز مصر وكان متوسماً فيه الخير...
وقال لزوجته أكرمي مثواه ..
قال تعالى: "وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ" (21)
وهذا يدل على أنه في نفس العزيز له مقام كبير وليس مقام العبد أو الصبي ..وتبع القول نتخذه ولداً ..شدة حب لهذا الصبي ..
طبعاً ..إرادة الله تحميه ..وتسهل له الاسباب لأمر يقضيه ...الله ..
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ" (21)
فقد تمرس يوسف على كل أنواع الظلم والقهر والغبن والغدر والوحشة والوحدة والفراق والغربة والجوع والحاجة .....الخ كل ذلك صنعت منه إنساناً متمرساً في الحياة ..
قال تعالى: "وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ" (21)
وليكتمل المشهد ..يظلم في القصر ..
تابعونا غداً في حياة يوسف في القصر وأنواع الابتلاءات ...
حلقة 10
تحليل نفسي لقصة يوسف
الجزء الثالث ..
بدايات تمكين يوسف في الأرض
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ" (21)
لماذا اشتراه عزيز مصر
وحمله لقصره .؟
لقد أراد الله ليوسف أن يعيش في قصر العزيز ..لعدة أسباب نستنتجها من التحليل النفسي.
اولاً أن يوسف يريد الله له في المستقبل أن يصبح بنفس عمل العزيز لذا كان لابد له أن يعيش في بيئة اقتصادية ..يتعلم منها كيف يكون اقتصادياً ويتعلم الحساب ونظام الري والزراعة وكل مهام الحكم . .
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ" (21)
وفي الحقيقة أن الإنسان ابن بيئته .فلو عاش يوسف في منزل عسكري بيكون عسكري ولديه حس أمني ممكن أن يصبح وزير داخلية ..مثلاً لكن الله أراد أن يمكنه من خزائن الأرض ليوصله إلى الحكم وبالتالي لابد أن يتعلم من عزيز مصر ..وقضى سنوات طويلة من طفولته حتى بلوغه وهي سنوات التعلم ..
وتعلم أسلوب الإدارة والمواسم . .
قال تعالى: "وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِ" (21)
وهو ما ستعرفونه لاحقاً حينما طلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض ...؟ لأنه تعلم ذلك في قصر العزيز كما بينا ...وهو ما أشار إليه القرآن مع بداية بلوغه بدأ يعلمه الله علماً ..وحكماً..إشارة واضحة إلى البيئة التي يعيش فيها يتعلم منها راجع يوسف آية 22
قال تعالى: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ" (22)
بدايات مشكلاته مع زوجة العزيز
قال تعالى: "وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ" (23)
ورفضه الخيانة ..
قال تعالى: "قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ" (23)
بحثت زوجة العزيز عن تبرير لتصرفها من قبل نساء الصف الأول في الدولة ..
قال تعالى: "فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ (31)
من ذلك تيقن يوسف انه في خطر
قال تعالى: "قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ" (32)
فطلب السجن أهون عليه من أن يخون
قال تعالى: "قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ" (33)
..لأنه تعلم من خيانة إخوته لأبوهم
وتعلم أن لايغدر من غدر إخوته به .
وتعلم كيف يحسن إلى من أكرمه وعلمه ..
وتعلم أن الله نجاه من كل شيء ..فزرع في قلبه مخافة الله وهذا كله هذب أخلاقه
قال تعالى: "قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ" (23)
من تجربة يوسف مع الظلم والقهر .طلب السجن ليبتعد عن ذلك
قال تعالى: "قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ" (33)
تفسير الأحلام للغلامين .
طبعا الأحلام تأتي للأشخاص من نطاق اهتمامهم أو عملهم
أو ظروفهم ومشكلاتهم ..
ولكن الرموز هي دلائل للأحداث التالية ..
وشكل الموقف وطريقته ...
فمثلاً لو كان حلم الشخص الذي يحمل الخبز أن يقدمه لأحد ..لدل على الحياة والاستمرار في العمل ..
ولكن حلمه يحمل فوق رأسه خبزاً ..لمن للطير ..
قال تعالى: "وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ" (36)
لاحظوا ليس من طبيعة عمله يخبز للملك ..أي أن حياة أي إنسان تتغير ...مع تغير طبيعة عمله ..حيث سوف يطعم الطير من الخبز الذي يحمله ...وهو يعبر عن نهايته ..
قال تعالى: "وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ" (41)
ولكن حلم الشخص الآخر هو إسقاء الملك وهو يرمز إلى طبيعة عمله والواقعية . أي أنه سينجو...
قال تعالى: "أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ" (41) وَقَالَ الَّذِي ظَنَّه بالفعل الأول صلب والثاني أخبره يوسف أن يذكره عند الملك ..
قال تعالى: "وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ" (42)
لكن الجو لم يتهيأ بعد ليوسف فنسي الرجل واستمر بضع سنين مابين ثلاث إلى أقل من عشر سنوات ...
قال تعالى: "فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ" (42)
وهذا بإرادة الله لمزيد من صقل يوسف وتهيئة الجو له في الخارج أي تهيئة الأسباب لتمكينه من الملك ومكافأته من الله .
قال تعالى: "فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ" (42) حيث لو كان خرج قبل ذلك ..لم يكن الواقع البيئي جاهزاً بعد .والناس لن يتقبلوه بسهولة ...فمكنه الله من شيء عنده لا يعرفه غيره وهو العلم ..والعلم يرفع من لم يرفع .إن الله لايعاقبنا عندما يبتلينا إلا ليعوضنا ويعلمنا وفي الوقت المناسب يمكننا من الأرض وهي مهيئة لاستقبالنا ..
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ" (21)
فالله يهيئ الأسباب .ويجهز البيئة .وفي الوقت المناسب ننال ثواب صبرنا هذا كان استطراد..نعود
ونواصل توضيح الأحلام
إلى اللقاء في الحلقة ...رؤيا الملك ويوسف ملكاً...
وقفات نفسية رمضانية
حلقة 11
الجزء الرابع
رؤيا الملك
ونواصل توضيح الأحلام
أي أن الأحلام دائماً تحتوي طبيعة عمل الشخص وظروفه والواقع الذي يعيشه ..
وكما ستلاحظون في حلم الملك تحتوي مهام الملك ومسؤليات ..فيحلم حلم عام يخص الدولة بكاملها ..وذاك من طبيعة مسؤولياته ..ويختلف عن حلم الشخص العادي كما لاحظتم ..وسنتكلم عنه في حينه ..
قال تعالى: "وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ" (43)
لقد نجا أحد السجناء وطلب منه يوسف أن يذكره عند الملك. وانتظر يوسف سنين بعدها
قال تعالى: "ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ" (42)
وعندما حدد الله ليوسف وقت الخروج وتعويضه هيأ له الأسباب ..لتمكينه من الملك . فقد جعل الله الملك أن يحلم حلماً رمزياً معقد لايفهمه إلا من لديه علم وليس مشعوذين أو دجالين ...
قال تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ (43) قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ" (44)
وحيث بينا أن كل فرد سواء أكان عاملاً أو شرطياً أو جمالاً أو خبازاً أو ملكاً ...الخ تكون أحداث الأحلام تدور حول طبيعة الواقع الذي يعيش ومن الأعمال التي يقوم بها ومن المشكلات المرتبطة بها .
فالملك أحلامه تكون مرتبطة بالحكم والدولة ..فيحلم بالاقتصاد والحروب والثورات والانقلابات والتطور ...لأن هذه المواضيع هي مصدر قلقه ومخاوفه ..فالأحلام تدور حولها.
وبالعكس يكون حلم شخص عادي كالحطاب أو الجمال أو التجار فكل حلمه من محط قلقه وخوفه .....الخ .
المهم أن الله عندما أراد أن يحقق له الحكم والعزة والرفعة بعد سنين الشقاء والضياع تعويضاً لصبره وإيمانه بالله هيأ الله الأسباب وكان السبب حلم الملك المعقد ...الذي لم يستطع أي عالم تفسيره ..
قال تعالى: "قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ" (44)
وحينما زاد قلق الملك تذكر الشخص الذي خرج من السجن يوسف عليه السلام وقال للملك أنا أعرف من يفسر حلمك
قال تعالى: "وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ" (45)
فأرسله الملك إلى يوسف ..ففسر الحلم ..
قال تعالى: "قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ" (49)
وعندما تبين للملك صحة التفسير طلب يوسف للحضور عنده ...
قال تعالى: "وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦۖ" (50)
لاحظوا لم يستعجل يوسف ..بل رفض الخروج إلا ببراءته ..
قال تعالى: "فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّٰتِي قَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيمٞ" (50)
لأن البراءة أهم من خروجه متهم .لأنه سيظل في اللاشعور الجمعي لأهل مصر أنه خائن ووووالخ .وهذا يسبب له وصمة تلازمه العمر كله ..لاحظوا كيف يتصرف يوسف نفسياً .لا يريد أن يخرج إلا ببراءته ولو عاش في السجن حياته كلها ..إن التأثير الاجتماعي والنقد والتجريح تدمر الروح ...
لقد قال لهم أول شيء ما بال النسوة اللاتي سجنت بسببهن ..والنسوة كلهن اللائي كن سبب سجنه واتهامه بالخيانة ....
لاحظوا ....لما يصبح معك من يدافع عنك ..
قال تعالى: "قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦ" (51)
العالم كله يقول أنك طيب وأحسن واحد ووووالخ ..وإذا أنت طحت جهزوا السكاكين ..
نعم قلن النسوة حاشا لله مانعرف عليه سوءا ....وطيب واحسن ...واحد ...
قال تعالى: "قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءٖۚ" (51)
لكن هذا لم يقنع يوسف بالخروج من السجن فهو يعرف نفسياً أن هذا المدح هو شكل خارجي وظاهري خوفاً من الملك ..ولكن يوسف يريد أن يطهر النفوس من الداخل لا بد أن يقتنع الناس من الداخل بالحقيقة ..حتى تكون صفحته بيضاء أمام الناس أجمعين ..فأصر على أن تقال الحقيقة كشرط اساسي لخروجه من السجن ...
قال تعالى: "قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (51)
إلى اللقاء في الحلق
وقفات نفسية رمضانية
حلقة 12
تحليل قصة يوسف نفسيا
الجزء الخامس..
يوسف عزيز مصر ...
لاحظنا في الجزء السابق كيف اراد الملك أن يجعل يوسف كبير وزرائه ..
قال تعالى: "وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦٓ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِيۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِينٌ أَمِينٞ" (54)
ولكن يوسف طلب أن يعينه ..أمينا على خزائن الارض...يعني وزير اقتصاد ...
قال تعالى: "قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ" (55)
فلماذا طلب يوسف هذا الطلب ..؟؟
طبعاً يوسف إنسان عظيم يحب أن يعمل بما يعرف وبما يعلم فقد عاش مرحلة التعلم من سن الطفولة إلى سن الرشد فتعلم علم الاقتصاد والزراعة ..من عزيز مصر عندما كان في قصره . .
فأجاد المعرفة بهذا الاختصاص ...
قال تعالى: "إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ" (55)
حيث أراد الله له ذلك فجعله في بيئة ملك وحكم ولم يجعله في بيئة عسكرية أو بيئة بدوية ..فالبيئة التي اختارها الله ليوسف تؤهله لمنصب القيام على خزائن الأرض .
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ" (56)
وتم تعيينه عزيز مصر .رغم أنه لقي معارضة شديدة من الكهنة وحكام المعبد ...وكذلك لقي معارضة من داخل القصر ..بحجة أنه بدوي وليس مصرياً ..
لكن نتيجة لحاجة الملك لإنقاذ مصر ..
فقد خضع الجميع على مضض ....
قال تعالى: " نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ" (56)
وبدأ يوسف العمل فوراً بزراعة الأرض والإشراف على الزراعة ..وإنشاء أغلال القمح ..
واحتكر سرية التخزين للقمح ليدوم سنوات أطول مما يعرفه المصريون ..
وأن سر التخزين لم يتعلمه من مصر ...
بل أتى به من البدو ..من حياته السابقة عندما كان أبوه يخزن القمح استعداداً لمواجهة القحط ...
قال تعالى: "فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦ" (47)
(وهذا مايعرف بتلاقح الخبرات ..وبالتالي المصريين لا يعرفون هذه الطريقة ..واستطاع يوسف تخزين القمح سبع سنوات دون أن يتأثر. ) وما خزنه المصريون والكهنة لم يدم أكثر من سنة ..وهو ما زاد من شهرة يوسف وحب المجتمع المصري له ..
قال تعالى: "نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ" (56)
بالإضافة إلى أن يوسف تعلم دروساً وخبرات كثيرة ..فكره الظلم وأحب العدل وكره التكبر وأحب التواضع وكره العدوان وأحب التسامح ....الخ ..
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ" (6)
جعل الفلاحين والزراع يثقون فيه ....فما انتهت سنوات النماء وبدأت سنوات القحط ..إلا والكهان يشترون القمح من يوسف ..وجمع من الكهان مالاً كثيراً ..كانوا يجبونه من الفقراء ..فخطط يوسف لاسترجاع المال لخزينة الدولة ...
وزاد حب الملك ليوسف ..
قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ" (21)
أما الفقراء فكان يعطيهم القمح مجاناً بشرط أن يعملوا أي عمل ..وعندما يزول القحط يزرعون أرضهم ويعيدون نسبة من محاصيلهم للدولة . وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض ..رحمة من الله ...
قال تعالى: "وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ" (21)
ونلاحظ مع بداية القحط ..
أقبل الناس من كل مكان يريدون قمحاً فالقحط كان منتشراً في البلدان المجاورة ..
إلى اللقاء
في الحلقة القادمة ولقاء يوسف بإخوته ..انتظرونا
تابعونا
المصدر:
《
#منتدى_المركز_الدولى》