ليلة استشهاد الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما..
قال سيدنا الحسين ـ رضي الله عنه ـ في كربلاء: ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة أو الذلة ـ
ومعناها اما القتال او الركوع والذل له..وليس مثلي من يبايع مثله..
خرج الحسين - رضي الله عنه - من مكة يوم التروية الموافق لثمان من ذي الحجة سنة 60 هـ قاصدا بلاد العراق. ولما وصل إلى كربلاء أدركته خيل عمر بن سعد ومعه شمر بن ذي الجوشن، والحصين بن تميم، وكان هذا الجيش الذي يقوده عمر بن سعد مكوناً من أربعة آلاف مقاتل، وكان وجهة هذا الجيش في الأصل إلى الري لجهاد الديلم، فلما طلب منه ابن زياد أن يذهب لمقاتلة الحسين رفض عمر بن سعد في البداية هذا الطلب، ولكن ابن زياد هدده إن لم ينفذ أمره بالعزل وهدم داره وقتله، وأمام هذا الخيار رضي بالموافقة.
وحين وصل الحسين كربلاء أحاطت به الخيل، -ويطلق على المنطقة كلها اسم الطف- وبدأ الحسين بن علي بالتفاوض مع عمر بن سعد، وبيَّن الحسين أنه لم يأت إلى الكوفة إلا بطلب من أهلها، وأبرز لعمر بن سعد الدليل على ذلك، وأشار إلى حقيبتين كبيرتين تضمن أسماء المبايعين والداعين للحسين، وكتب عمر بن سعد لابن زياد بما سمعه من الحسين، فلما قريء على ابن زياد تمثل قول الشاعر:
الآن إذا علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولاة حين مناص؟
ثم كتب ابن زياد لعمر بن سعد: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.
ولما اطلع عمر بن سعد على جواب بن زياد ساءه ما يحمله الجواب من تعنت وصلف، وعرف أن ابن زياد لا يريد السلامة.
رفض الحسين هذا العرض، ثم لما رأى جهامة الموقف وخطورته طلب من عمر بن سعد مقابلته، وعرض على عمر بن سعد عرضاً آخر يتمثل في إجابته واحدة من ثلاث نقاط.
أ - أن يتركوه فيرجع من حيث أتى.
ب - وإما أن يتركوه ليذهب إلى الشام ويقابل بنفسه الخليفة الأموي يزيد بن معاوية.
ج - وإما أن يسيِّروه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين فيكون واحداً منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم.
وقد أكد الحسين - رضي الله عنه - موافقته للذهاب إلى يزيد. وكتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بكتاب أظهر فيه أن هذا الموقف المتأزم قد حُلَّ، وأن السلام قد أوشك، وما على ابن زياد إلا الموافقة، وبالفعل فقد أوشك ابن زياد أن يوافق ويرسله إلى يزيد، لولا تدخل شمر بن ذي الجوشن الذي كان جالساً في المجلس حين وصول الرسالة فقد اعترض على رأي ابن زياد في أن يرسله إلى يزيد، وبيَّن لابن زياد أن الأمر الصائب هو أن يطلب من الحسين أن ينزل على حكمه - أي ابن زياد - حتى يكون هو صاحب الأمر المتحكم فيه، فلما وصل الخبر إلى الحسين - رضي الله عنه - رفض الطلب وقال: لا والله لا أنزل على حكم عبيد الله بن زياد أبداً، وقال لأصحابه الذين معه: أنتم في حل من طاعتي، ولكنهم أصرُّوا على مصاحبته والمقاتلة معه حتى الشهادة، واتخذ ابن زياد إجراءً احترازياً حين خرج إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، ولم يترك أحداً يجوزه، وخاصة أنه علم أن بعض الأشخاص من الكوفة بدؤوا يتسللون من الكوفة إلى الحسين.
وفي صباح يوم العاشر من محرم عام 61هـ نظم الحسين - رضي الله عنه - أصحابه وعزم على القتال وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنته، وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته العباس بن علي، وجعل البيوت وراء ظهورهم، وأمر الحسين بحطب وقصب فجعله من وراء البيوت، وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوهم من خلفهم، وأما عمر بن سعد فقد نظم جيشه، وجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي - بدلاً من الحر بن يزيد الذي انضم إلى الحسين-، وجعل على الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجال شبث بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذويداً مولاه.
وبدأت المعركة سريعة وكانت مبارزة في بداية الأمر، وجُوبهَ جيش عمر بن سعد بمقاومة شديدة من قبل أصحاب الحسين، حيث إن مقاتلتهم اتسمت بالفدائية فلم يعد لهم أمل في الحياة، ولما قتل أصحاب الحسين لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله وتمنوا أن يستسلم، ولكن الحسين - رضي الله عنه - لم يبدِ شيئاً من الليونة، بل كان - رضي الله عنه - يقاتلهم بشجاعة نادرة، عندئذ خشي شمر بن ذي الجوشن من انفلات زمام الأمور، فصاح بالجند وأمرهم بقتله، فحملوا عليه، وضربه زرعة بن شريك التميمي، ثم طعنه سنان بن أنس النخعي واحتز رأسه، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التغلبي، وزيد بن رقادة الحيني، ويقال أن المتولي للإجهاز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي، وكان قتله - رضي الله عنه - في محرم في العاشر منه سنة إحدى وستين.
وقتل مع الحسين - رضي الله عنه - اثنان وسبعون رجلاً، وقتل من أصحاب عمر ثمانية وثمانون رجلاً، وبعد انتهاء المعركة أمر عمر بن سعد بأن لا يدخل أحد على نساء الحسين وصبيانه، وأن لا يتعرض لهم أحد بسوء، وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه الصبيان إلى ابن زياد.
وكانت هذه المعركة غير المتكافئة من أسوأ المعارك في التاريخ الإسلامي حيث ما زالت آثارها باقية إلى اليوم بين المسلمين.