تاريخ التتار الأول
إمبراطورية جنكيز خان
-----------------------------------------------
في الطريق إلى غزة و عين جالوت
Battle of Ain Jalut
طلب سيف الدين قطز من الأمراء الإجتماع العاجل، وحثهم على القتال وذكرهم بما وقع في أقاليم الإسلام ، وقال لهم :
《يا مسلمين قد سمعتم ما جرى لأهل الأقاليم من القتل والسبي والحريق، وما منكم أحد إلا وله مال وحريم وأولاد،...
وقد علمتم أن أيدي التتار تحكمت في الشام وقد أوهنوا قوى دين الإسلام، وقد لحقني على نصرة دين الإسلام الحمية، فيجب عليكم يا عباد الله القيام في جهاد أعداء الله حق القيام، ....
يا قوم جاهدوا في الله بصدق النية تجارتكم رابحة وأنا واحد منكم وها أنا وأنتم بين يدي رب لا ينام ولا يفوته فائت ولا يهرب منه هارب، 》
فعند ذلك ضجت الأمراء بالبكاء وتحالفوا أنهم لا بقاء لهم في الدنيا إلى أن تنكشف هذه الغمة، فعند ذلك جرد السلطان، الأمير ركن الدين بيبرس وصحبته جماعة من العساكر وأرسله طليعة .
---------------------
معركة غزة
تحركت طلائع الجيش الإسلامي المصري بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري نحو فلسطين، فسار حتى نزل غزة في شعبان 658هـ /يولية 1260م واستطاع ركن الدين بيبرس أن يحقق انتصاراً ساحقاً على الحامية المغولية في غزة وكانت هزيمة قاسية لهم، ...
وﻷول مرة اكتشف المغول أن هناك من المسلمين من يتحرك من خلال خطط عسكرية، وأبعاد استراتيجية، وأنه لا زال من المسلمين من يحمل السيوف للدفاع عن دينه وأرضه وشرفه وكرامته، ..
وكانت هذه المعركة من أهم المعارك بالنسبة للمسلمين، فقد رأى المسلمون بأعينهم أن التتار يفرون، وسقطت المقولة التي انتشرت في تلك الآونة التي كانت تقول: من قال لك أن التتار يهُزمون فلا تصدقه، ..
وكان لهذه الموقعة أثر ايجابي على جيش المسلمين وكان لها أثر سلبي هائل على جيش التتار .
واصبحت غزة ملكاً للمسلمين وبهذا تعتبر معركة غزة هذه أولى المعارك التي انتصر فيها المسلمون على المغول كما يمكن القول أن هذا الانتصار الذي تحقق للمسلمين كان دافعاً قوياً لهم للتقدم إلى الشمال باتجاه عين جالوت للقاء المغول في موقع أفضل ...
خاصة وأن تلك الهزيمة التي مني بها جيش الأمير المغولي بايدر لم تقابل بأي اهتمام من القائد المغولي كتبغا الذي بقي على جموده إلى أن وصلت الجيوش الإسلامية عين جالوت .
وكان هذا الانتصار من الأسباب التي جعلت الصليبيين تحرص على خطب ود المسلمين بتقديم العون والمساعدة لهم والسماح لجيوش المماليك بعبور أراضيهم إلى داخل فلسطين ،
ولما رحل سيف الدين قطز من غزة سلك طريق الساحل فاجتاز مدينة عكا وهي يومئذ بيد الفرنج، فلما عاينوه، وأرسلوا له الهدايا والتحف والضيافات، وألتقاه ملوكها فعرضوا عليه أن يأخذ معه نجدة (فرقة من جيشهم) ..
فلاطفهم السلطان قطز وأخلع عليهم واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه، وما له حاجة بنصرتهم وقال لهم:
《 والله العظيم متى تبعهم منهم فارس أو راجل ـ يريد أذى عسكر المسلمين ـ قتلتكم قبل ملتقاي التتار وقد عرفتكم ذلك،》
عند ذلك كتب الملوك إلى اتباعهم بما سمعوه ،ورفض السلطان قطز تلك المساعدة التي عرضها الصليبيون عليه، فقد كان حريصاً كل الحرص على صبغ حروبه ضد المغول والصليبيين معاً بصبغة إسلامية خالصة .
كما أن هذا يشير إلى رغبة قطز ومشروعه الجهادي يستهدف دحر العدوان المغولي ومن ثم التوجه إلى الساحل الشامي لتطهيره من نير الاحتلال الصليبي، وحرص في الوقت نفسه على أن لا تكون للصليبيين عليه منة عند مهاجمتهم .
-------------------------------------
معلومات استخباراتية مهمة
قاد السلطان قطز جيشه واقترب من عين جالوت، وبينما هو في الطريق جاء رجل من أهل الشام وقدم معلومات استخبارتية لسيف الدين قطز،
كان ذلك الرجل مرسلا من قبل صارم الدين أيبك وهو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو عند غزوه بلاد الشام، ثم قبل الخدمة في صفوف جيش التتار، واشترك معهم في مواقعهم المختلفة وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت ..
ولا ندري إن كان قد قبل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه، أم قبل ذلك مضطراً وهو يعد العدة لينفع المسلمين فهذا بينه وبين الله عز وجل، ولكن في موقعة عين جالوت قرر أن يخدم جيش المسلمين بقدر ما يستطيع،
وقد نقل هذا الرسول إلى قطز ـ العلومات التالية:-
جيش التتار ليس بقوته المعهودة، فقد أخذ هولاكو معه عدداً من القادة والجند، فلم يعد الجيش على الهيئة نفسها التي دخل بها الشام، فلا تخافوهم.
ميمنة التتار أقوى من ميسرتهم، فعلى جيش المسلمين أن يقوي جداً ميسرته التي ستقاتل ميمنة التتار.
أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار بفرقته،ومع صارم الدين أيبك، ولكنهم سوف ينهزمون بين يدي المسلمين..
أي أن الرسالة تقول أن الاشرف الأيوبي قد راجع نفسه وآثر أن يكون مع جيش قطز، ولكنه خرج مع جيش التتار مكيدة لهم، وتفكيكاً لصفهم . سبحان الله !!
ومع ذلك أخذ المسلمون حذرهم، واستفادوا من هذه الأمور دون تفريط في الإعداد أوتهاون في الاحتياط والحذر، وبذلك انتهى يوم الرابع والعشرين من رمضان 658هـ وقضى المسلمون الليل في القيام والابتهال والدعاء والرجاء .
----------------------------
● في هذه اﻷثناء كان كتبغا قد وصلته فلول جيش التتار الفارة من غزة ينقلون إليه تحركات الجيش المسلم، فغضب كتبغا غضبا شديدا لهزيمة حاميته العسكرية في غزة،..
وغضب أكثر ﻷن هناك من المسلمين من يتجمع لقتاله، وكأن اﻷصل أن المسلمين ليس لهم حق المقاومة، فإن قاوموا عدوهم كان هذا داعياً لغضب كتبغا والتتار !!..
وعقد كتبغا اجتماعا مع قادته، وحضر هذا الإجتماع الأشرف اﻷيوبي أمير حمص،
واتخذ كتبغا قراره في هذا الإجتماع أن يتوجه بسرعة لحرب هؤلاء المتطرفين المسلمين الذين سيقوضون عملية السلام الدائرة بين كتبغا وبين الزعماء المسلمين.. ويهددون المباحثات التترية ـ اﻹسلامية بالفشل..
وكان واضحا أن حركة التتار في اتجاه المسلمين كانت بطيئة جدا ﻷن قطز قطع معظم الساحل ً الفلسطيني من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله دون أن يدخل التتار حدود فلسطين أصلا،
مع أن المسافة بين سهل البقاع اللبناني حيث يعسكر جيش التتار والحدود اللبنانية الفلسطينية لا تزيد عن مائة كيلومتر، وهي مسافة تقطعها الجيوش عادة في يومين أو ثلاثة..
المهم أن قطز هو الذي بدأ التحرك للبحث عن مكان مناسب
كان سيف الدين قطز قد بعث الأمير ركن الدين بيبرس على رأس فرقة من الكشافة لاستطلاع أخبار العدو وتحديد مكانه، واشتبك بيبرس مع طلائع الجيش المغولي واستمر يناوشهم إلى أن وافاه السلطان قطز بالجيش الرئيسي عند عين جالوت
-----------------------
● وجد قطز رحمه الله سهل عين جالوت منطقة مناسبة جدا
واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي فهو مفتوح.. كما تعلو هذه التلال والأشجار واﻷحراش، مما يوفر مخبأً للجيش اﻹسلامي؛ فيسهل عمل الكمائن الكثيرة على جوانب السهل المنبسط..
ورتّب قطز جيشه بسرعة.. فوضع على ناحية السهل الشمالية مقدمة جيشه بقيادة ركن الدين بيبرس, وجعلها في مكان ظاهر حتى يغري جيش التتار بالقدوم إليها، بينما أخفي قطز رحمه الله بقية الجيش خلف التلال واﻷحراش..
كان هذا الترتيب واﻹعداد في 24 رمضان من سنة 658 هجرية في العشر اﻷواخر من شهر رمضان الكريم شهر الفتوحات و المعجزات..
وانتظر المسلمون على تعبئة.. وعيونهم اﻹستخبارية تنقل أخبار كتبغا وجيش التتار، وقد اقتربوا جداً من سهل عين جالوت..
وما بقيت إلا ساعات قليلة ويحدث الصدام المروع بين قوة أمة اإلسالم وقوة التتار..
جاء جيش كتبغا وقد امتلأ بالصلف والغرور والكبر تسبقه سمعته العالية في سفك الدماء وتخريب الديار وإفناء البشر.. وقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا !
ومر جيش كتبغا غرب بيسان، وانحدر جنوبا في اتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها ورتبت صفوفها ووقفت في ثبات تنتظر الجيش التتري..
وبينما قطز في سهل عين جالوت إذا بأعداد غفيرة من المتطوعين المسلمين من أهل فلسطين يخرجون من القرى والمدن ليلتحقوا بالجيش المسلم، وقد تيقنوا أن حربا ًً حقيقية ستحدث قريبا .. سبحان الله أين كانوا قبل ذلك !!..
----------------------------
● وحان وقت الفجر.. وصلى المسلمون الفجر في خشوع.. ورتبوا صفوفهم بعد الصالة واستعدوا، وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس.. هذا يوم الجمعة الخامس والعشرون من رمضان سنة 658 هجرية,
وبشروق الشمس أضاءت الدنيا, ورأى المسلمون من بعيد.... جيش التتار !!..
أتى الجيش التتري المهول من اتجاه الشمال، وبدأ في اﻹقتراب من سهل عين جالوت، وعلى أبواب السهل وقف الجيش التتري في عدده الرهيب وعدته القوية..
ولم يكن بالسهل أحد من المسلمين، فقد كانوا يقفون جميعا ً خلف التلال ..لكن ـ كما أشرنا من قبل ـ فإن مقدمة جيش المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس كانت لا تخفي نفسها، وذلك حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش..
ومع ذلك فعند قدوم جيش التتار كانت هذه المقدمة مختفية هي اﻷخرى، ثم أشار لها قطز رحمه الله أن تنزل من فوق التلال للوقوف على باب السهل لقتال الجيش التتري..
--------------------------------------------------------------------
”سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب !“
وبدأت القوات اﻹسلامية تنساب من فوق التل إلى داخل سهل عين جالوت، ثم تتجه إلى شمال السهل للإقتراب من جيش التتار..
ولم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، وفي صورة عجيبة..
وأترك الحديث لصارم الدين أيبك ـ الرجل المسلم في جيش التتار ـ والذي كان يقف بجوار ”كتبغا“ وهو يصف القوات اﻹسلامية وهي تنزل من فوق التلال..
يقول صارم الدين أيبك :
”فلما طلعت الشمس ظهرت عساكر اﻹسلام، وكان أول سنجق أحمر وأبيض، وكانوا لابسين العدد المليحة“..
نزلت الكتيبة اﻹسلامية الأولى وهي تلبس ملابس أنيقة أحمر في أبيض.. للفرقة كلها زي واحد، وكانوا يلبسون العدد المليحة، بمعنى أن الدروع والسيوف والرماح والخيول كانت في هيئة مليحة (جميلة)..
لقد نزلوا بخطوات ثابتة، وبنظام بديع..وكأنهم في عرض عسكري.. لهم هيبة.. وعليهم جلال.. ويوقعون في قلب من يراهم الرهبة ..
يقول صارم الدين أيبك:
《فبهت كتبغا .. وبهت من معه من التتار》
هذه أول مرة يرى فيها كتبغا جيش المسلمين على هذه الصورة، لقد كان معتاداً أن يراهم وراء الحصون والقلاع يرتجفون ويرتعبون، أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب فزعاً من جيش التتار، أو يراهم وهم يسلمون رقابهم للذبح الذليل بسيوف التتار !!..
ُ قال كتبغا في فزع : 《يا صارم، رنك من هذا؟! 》
*رنك كلمة فارسية تعني لون، وهو يقصد كتيبة من هذه؟ إنها كتيبة مرعبة.. ً وكانت فرق المماليك تتميز عن بعضها البعض بلون خاص..
فقال صارم الدين أيبك : 《رنك سنقر الرومي أحد أمراء المماليك..》
ثم نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء عليها من
البهاء والجمال ما لا يوصف..
فتزلزل كتبغا وقال لصارم : 《 هذا رنك من؟》
قال صارم الدين : 《هذا رنك بلبان الرشيدي أحد أمراء المماليك.》.
ثم تتابعت الكتائب الإسلامية بألوانها الرائعة المختلفة، وكلما نزلت كتيبة سأل كتبغا : رنك من هذا؟..
فيقول صارم :
《 فصرت أي شيء يطلع على لساني قلته..》
يعني بدأ يقول أسماء مخترعة لا أصل لها، ﻷنه لا
يعرف هذه الكتائب، ولكنه يريد أن يرعب كتبغا بكثرة الفرق اﻹسلامية..
وكل هذه الفرق هي مقدمة جيش المسلمين فقط، وهي أقل بكثير من جيش التتار الرهيب ؛ فقد احتفظ قطز رحمه الله بقواته الرئيسية خلف التلال، وقد قرر ألا تشترك في المعركة إلا بعد أن يستدرج التتار إلى داخل السهل
-------------------------------
● وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس بدأت فرقة الموسيقى العسكرية اﻹسلامية المملوكية تظهر على الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية..
لقد كانت الجيوش المملوكية تتلقى اﻷوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها اﻷعداء..
فكانت هناك ضربات معينة للميمنة وضربات معينة للميسرة وضربات معينة للقلب، وكانت هناك ضربات للتقدم وضربات
لﻹنسحاب، وكانت هناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية، وبذلك يستطيع القائد قطز رحمه الله أن يقود المعركة عن بعد، وعلى مساحة شاسعة من اﻷرض من خلال دقات هذه اآلالت الضخمة.. هذا فوق ما أحدثته من رهبة في قلوب التتار
ووقف الأمير ركن الدين بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما ترك السهل بكامله خاليا من خلفه،
●ً ونظر كتبغا إلى مقدمة القوات اﻹسلامية وهي لا تمثل شيئا بالنسبة لقواته وكان لا يدرك شيئاعن القوات الرئيسية المختبئة خلف التلال ، ورأى أن قوات المسلمين قليلة جدا فأراد كتبغا أن يحسم المعركة لصالحه من أول لحظاتها.. لذلك قرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لقتال مقدمة المسلمين
وهذا ما كان يريده الملك المظفر قطز رحمه الله ..
أعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء لقواته..
وانهمرت جموع التتار الرهيبة وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش المسلمين..
أعداد هائلة من الفرسان ينهبون الأرض في اتجاه القوات اﻹسلامية..
أما القائد المحنك ركن الدين بيبرس فقد كان يقف في رباطة جأش وفي ثبات عجيبين, ومعه اﻷبطال المسلمون يقفون وكأنهم لا يرون جحافل التتار..
حتى إذا اقتربت جموع التتار أعطى بيبرس إشارة البدء لرجاله.. فانطلقوا في شجاعة نادرة في اتجاه جيش التتار
------------------------------
● وارتطم الجيشان ارتطامامروعا وارتفعت سحب الغبار في ساحة المعركة، وتعالت أصوات دقات الطبول وأصوات اﻵلات المملوكية، وعلت صيحات التكبير من الفلاحين الواقفين على جنبات السهل وامتزجت قوات المسلمين بقوات التتار،
وسرعان ما تناثرت الأشلاء وسالت الدماء، وعلا صليل السيوف على أصوات الجند..
واحتدمت المعركة في لحظات.. ورأى الجميع من الهول ما لم يروه في حياتهم قبل ذلك..
كانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل فرق المسلمين، وقد أحسن قطز رحمه الله اختيارها لتكون قادرة ً على تحمل الصدمة التترية الأولى..
وكان كثير من أمراء هذه المقدمة بما فيهم ركن الدين بيبرس من أولئك الذين شاركوا في موقعتي المنصورة وفارسكور ضد الحملة الصليبية السابقة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع،
وثبتت القوات الإسلامية ثباتا منقطع النظير ومرت الدقائق والساعات كأنها الأيام والشهور..
كل هذا وقطز رحمه الله يرقب الموقف عن بعد، ويصبر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة..
كان هذا هو الجزء الأول من الخطة اﻹسلامية: استنزاف القوات التترية في حرب متعبة، والتأثير على نفسياتهم عند مشاهدة ثبات المسلمين وقوة بأسهم..
------------------------------
● ثم جاء وقت تنفيذ الجزء الثاني من الخطة الإسلامية البارعة.. ودقت الطبول دقات معينة لتصل بالأوامر
من قطز إلى بيبرس ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة..
وهو محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، وحبذا ُ لو سحب الجيش بكامله، بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيداً لحصارها..
وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ هذا الجزء من الخطة على صعوبته، فكان عليه أن يُظهر اﻹنهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل، على ألا يكون هذا التراجع سريعاً حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا يكون بطيئاً جداً فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع.. وهذا الميزان في الإنسحاب يحتاج إلى قدرة قيادية كما يحتاج إلى رجال أشداء مهرة في القتال..
وقد كان فما لبث كتبغا أن وقع في الفخ،
لقد كان من المفروض عليه كقائد محنك أن يترك قوات احتياط خارج السهل لتؤمن طريق العودة في حال الخسارة، ولتمنع التفاف الجيش الإسلامي حول التتار، ولتراقب أي تحركات مريبة لجيوش أخرى قد تأتي لمساعدة الجيش الإسلامي..
إذ حمل بكل رجاله على القوات الإسلامية التي شهدها أمامه، فأسرع بيبرس في تقهقره إلى التلال بعد أن اشتدت مطاردة كتبغا له، فلم يلبث الجيش المغولي بأسره أن جرى تطويقه فجأة وجرت بين الطرفين معركة طاحنة، هذه أخطاء لايقع فيها قائد صغير مغرور !!!
ويبقى التفسير الوحيد المقبول في مثل هذا الموقف هو أن هذا تدبير رب العالمين سبحانه وتعالى،
---------------------------------
كتبغا في المصيدة !!
ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال إلى ساحة المعركة.. نزلت من كل جانب، وأسرعت فرقة قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم..
فماذا كان بعد ذلك ...؟!
-------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------