صبر أيوب عليه السلام
الشيخ ندا أبو أحمد
قال الله تعالى في شأنه: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء:83]، فلقد لبث هذا النبي الكريم في المرض ثمانية عشر عامًا، حتى رفضه القريب والبعيد اللهم إلا زوجته واثنين من أبناء عمومته، فصبر واحتسب، فشفاه الله تعالى وأثنى عليه، وأعطاه من خير الدنيا؛ فقد أخرج ابن حبان بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ نبيَّ اللهِ أيُّوبَ لبث به بلاؤُه ثمانيَ عشرةَ سنةً، فرفضه القريبُ والبعيدُ، إلَّا رَجلَيْن من إخوانِه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدُهما لصاحبِه ذاتَ يومٍ: تعلمُ واللهِ لقد أذنب أيُّوبُ ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين، فقال له صاحبُه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمانيَ عشرةَ سنةً لم يرحَمْه اللهُ فيكشِفَ ما به، فلمَّا راحا إلى أيُّوبَ لم يصبِرِ الرَّجلُ حتَّى ذكر ذلك له، فقال أيُّوبُ: لا أدري ما تقولان غير أنَّ اللهَ تعالَى يعلمُ أنِّي كنتُ أمرُّ بالرَّجلَيْن يتنازعان، فيذكران اللهَ فأرجِعُ إلى بيتي فأُكفِّرُ عنهما كراهيةَ أن يُذكَرَ اللهُ إلَّا في حقٍّ، قال: وكان يخرُجُ إلى حاجتِه فإذا قضَى حاجتَه أمسكته امرأتُه بيدِه حتَّى يبلُغَ، فلمَّا كان ذاتَ يومٍ أبطأ عليها وأُوحي إلى أيُّوبَ أن (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) (ص: 42) فاستبطأته، فتلقَّته تنظُرُ وقد أقبل عليها قد أذهب اللهُ ما به من البلاءِ وهو أحسنُ ما كان، فلمَّا رأته قالت: أيْ بارك اللهُ فيك، هل رأيتَ نبيَّ اللهِ هذا المُبتلَى، واللهِ على ذلك ما رأيتُ أشبهَ منك إذ كان صحيحًا، فقال: فإنِّي أنا هو: وكان له أندَران أي (بيدران): أندَرُ للقمحِ وأندَرُ للشَّعيرِ، فبعث اللهُ سحابتَيْن، فلمَّا كانت إحداهما على أندرِ القمحِ أفرغت فيه الذَّهبَ حتَّى فاض، وأفرغت الأخرَى في أندرِ الشَّعيرِ الورِقَ حتَّى فاض".
فانظر إلى هذا الفضل الكبير الذي نالهُ هذا النبي الكريم لَما صبر على المرض، بل نال أفضل من ذلك أن أثنى الله تعالى عليه، فقال: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44].
وهكذا كشف الله تعالى عنه البلاء بعد سنوات طويلة من الصبر، وخلَّد الله تعالى ذكره في كتابه الكريم، فقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44،41]، فيا له من مدح أن يقول الله العظيم الجليل عن عبدٍ من عباده: ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾، وهكذا ينبغي أن تكون أيها الصابر المحتسب عندما يحل بساحتك البلاء أن يقال عنكَ: ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾، ويقال عنك أيضًا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾.
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩